أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]
المحقق: الدكتور محمّد كمال شبانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
ISBN: 977-341-066-8
الصفحات: ١٩٨
وأنزل السؤال وافرض. فقلت : بى الى تعرف البلدان جنوح وجنون ، والجنون فنون ، وقد ظفرت قبلك بنقاب (٢٨) ، وعود احتقاب ، وسارب أنقاب (٢٩) ، حصل به من طلبى الشطر (٣٠) ، وبك يتم الشكر (٣١) ، ويعظم الخطر. فقال : الناس متهم (٣٢) ومنجد (٣٣) ، (وخانل وممجد) ، ولا تجود يد الا بما تجد.
والله المرشد. وجعل ينشد :
اذا المشكلات تصدين لى |
|
كشفت غوامضها بالنظر |
ولست بامعة فى الرجال |
|
أسائل هذا وذا : ما الخبر (٣٤) |
ولكننى مذرب الاصغرين |
|
أبين ـ مع ما مضى ـ ما غبر (٣٥) |
ثم قال : هات ، أمن عقدك الشبهات.
__________________
(٢٨) نقاب : رجل علامة.
(٢٩) سارب أنقاب : السارب ، هو الذاهب على وجهه بالانقاب ، وهى الطرق فى الجبل.
(٣٠) فى نسخة (س) «الشكر».
(٣١) فى نسخة «الشطر».
(٣٢) متهم : ساكن تهامة ، وهى أراضى السهل الساحلى الضيق ، الممتد من شبه جزيرة سيناء شمالا الى أطراف اليمن جنوبا ، وفيها مدن نجران وجدة وصنعاء ، وسكانها يميل بعضهم الى الزراعة بينما يميل البعض الى التجارة والملاحة وصيد اللؤلؤ.
(٣٣) منجد : ساكن نجد ، ونجد ، اقليم بالسعودية ، والعاصمة الرياض ، وهى بلاد جبلية ، فى شمال شبه جزيرة العرب ، نقيضها تهامة ، وهى البلاد الساحلية الغربية هناك.
(٣٤) فى نسختى (س ، ر) «وما الخبر» بالواو ، وهو خطأ فى الوزن ، وهكذا أوردها موللر.
(٣٥) فى نسختى (ط ، س) «وما غبر» ، وهو خطأ فى الوزن أيضا ، وقد أوردها موللر هكذا أيضا.
١ ـ «بادس» (٣٦)
قلت : ما تقول فى بادس؟
قال : بدأت بحمدلة الرقعة ، وبركة البقعة ، ومدفن الولى (٣٧) ، والنحر غير العاطل ولا الخلى من الحلى. بلد السراوة والشجاعة ، والايثار على فرض المجاعة ، والنفوس الاوابة (الى الله) الرجاعة ، حيث البر والحوت ، والخشب الذي ينشأ منه كل منحوت ، والبأس والاقدام ، والفاكهة الطيبة والادام ، (١١٨ : ب) ورب الجبال ، وفضل للمدافعة لصهب السبال. الا أنها موحشة الخارج ، وعرة المعارج ، مجاورة غمارة (٣٨) بالمارد والمارج ، فهم ذوو دبيب ، فى مدارج تلك الغرابيب (٣٩) ، وكيدهم ـ ببركة الشيخ ـ فى تتبيب (٤٠).
__________________
(٣٦) بادس : مدينة اندثرت فى أواخر القرن السادس عشر الميلادى ، حيث خربها الاسبان ، ويقال لها : «باديس» «وبادس غمارة» ، كما يقال لها «بادس فاس» تمييزا لها عن «بادس الزاب» الواقعة بالجزائر ، أما الاولى فكانت تقع على ساحل البحر الابيض المتوسط ، وتبعد عن «الحسيمة» بنحو ٤٠ كم راجع : صحيفة الميثاق المغربية عدد ٧ من السنة الاولى ١٩٦٢ م ، وكذا ياقوت الحموى فى «معجم البلدان» ج ٢ ص ٢٩.
(٣٧) يقصد بالولى هذا : أبو يعقوب يوسف بن محمد بن عبد الله الزهيلى البادسى ، نسبة الى بادس. (٦٤٠ ـ ٧٣٤ ه ١٢٤٢ ـ ١٣٣٣ م) عالم متصوف ذكره ابن خلدون عرضا فى حديثه عن قبائل البربر. عاصر الملك أبا الحسن المرينى ، وقد عثر مؤخرا على مخطوط ألفه «أبو محمد الاوربى» فى مناقب أبى يعقوب البادسى.
راجع : صحيفة الميثاق المغربية عدد ٧ ، ٨ من السنة الاولى ١٩٦٢ م.
(٣٨) غمارة : قبيلة بربرية ، وتسمى الجبال التى تسكنها بهذا الاسم أيضا.
(٣٩) مدارج غرابيب : طرق حالكة السواد.
(٤٠) تتبيب : هلاك.
٢ ـ «سبتة» (٤١)
قلت : فمدينة سبتة؟
قال : عروس المجلى ، وثنية الصباح الاجلى. تبرجت تبرج العقيلة ، ونظرت وجهها من البحر فى المرآة الصقيلة ، واختص ميزان حسناتها بالاعمال الثقيلة. واذا قامت بيض أسوارها مقام سوارها ، وكان جبل بنيونش (٤٢) شمامة أزهارها ، والمنارة منازه شوارها (٤٣) ، كيف لا ترغب النفوس فى جوارها ، وتخيم الخواطر بين أنجادها وأغوارها!! الى المينا الفلكية ، والمراسى (٤٤) الفلكية ، والركية الزكية (٤٥) ، غير المنزورة ولا البكية (٤٦) ذات الوقود الجزل ، المعد للازل ، والقصور المقصورة على الجد والهزل ، والوجوه الزهر السحن ،
__________________
(٤١) سبتة : هى Ceuta احدى المدن الساحلية على شواطئ البحر الابيض المتوسط شمال المغرب ، ولكنها تتبع حاليا أسبانيا ، لها تاريخها على مر العصور الوسطى الاسلامية ، من حيث كونها قاعدة سياسية هامة ، وقد اتخذها الامويون فى العصر الاسلامى قاعدة يصدون منها تيار الفاطميين.
وفى القرن الثالث عشر استولت عليها أسرة أندلسية اسمها «بنى العزفى» ، وبقيت تحت حكم بنى الاحمر فترة من الوقت ، ثم استولى عليها البرتغال فى القرن الخامس عشر ، وأخيرا استولى عليها الاسبان ، وما تزال تحت حكمهم حتى اليوم. ومنها «مرانة السبتى» من أعلم الناس بالحساب والهندسة والفرائض والتأليف ، ومن تلاميذته ابن مرانة الفرضى «الحاسب» ، يقولون : إنه كان من أهل بلده ، وكان المعتمد بن عباد يقول : «اشتهيت أن يكون عندى من أهل سبتة ثلاثة نفر : «ابن غازى» الخطيب ، «وابن عطاء» الكاتب ، «وابن مرانة» الفرضى.
أنظر : معجم البلدان للحموى ج ١٠ ص ١٨٢ ـ ١٨٣.
(٤٢) بنيونش : قرية تجاور سبتة من الغرب ، لا زالت آثارها باقية حتى اليوم.
(٤٣) شوارها : حسنها.
(٤٤) فى نسخة «س» والمراقى ، بدل «والمراسى».
(٤٥) الركية الزكية : البئر الطاهرة.
(٤٦) البئر غير البكية : هى التى لا تفيض فيض الدموع حين البكاء ، والتعبير عموما كناية عن أن منسوب المياه فيها معتدل.
المضنون بها عن المحن. دار الناشبة ، والحامية المضرمة للحرب المناشبة ، والاسطول المرهوب ، المحذور الالهوب ، والسلاح المكتوب المحسوب ، والاثر المعروف المنسوب. كرسى الامراء والاشراف ، والوسيطة لخامس أقاليم البسيطة ، فلا (١١٩ : أ) حظ لها فى الانحراف.
بصرة علوم اللسان ، وصنعاء الحلل الحسان ، وثمرة امتثال قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(٤٧) ، الامينة على الاختزان ، القويمة المكيال والميزان ، محشر أنواع الحيتان ، ومحط قوافل العصير والحرير والكتان ، وكفاها السكنى ببنيونش (٤٨) فى فصول الزمان ، ووجود المساكن النبيهة بأرخص الاثمان. والمدفن المرحوم غير المزحوم ، وخزانة كتب العلوم ، والآثار المنبئة عن أصالة الحلوم (٤٩) الا أنها فاغرة أفواه الجيوب (٥٠) للغيث المصبوب ، عرضة للرياح ذات الهبوب ، عديمة الحرث فقيرة من الحبوب ، ثغر تنبو (٥١) فيه المضاجع بالجنوب. وناهيك (٥٩) بحسنة تعد من الذنوب ، فأحوال أهلها رقيقة (٥٢) ، وتكلفهم ظاهر مهما عرضت وليمة أو عقيقة ، واقتصادهم لا تلتبس منه طريقة ، وأنساب نفقاتهم ـ فى تقدير الارزاق ـ عريقة ، فهم يمصون البلالة مص المحاجم ، ويجعلون الخبز فى الولائم بعدد الجماجم ، وفتنتهم ببلدهم فتنة الواجم ، بالبشير الهاجم (٥٣) ،
__________________
(٤٧) أقتباسا من قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ، وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة النحل ، آية : ٩.
(٤٨) هى «Boliones» قرية تجاور سبتة من الغرب ، كانت تشتهر بحماماتها وبساتينها وأنهارها ، ويسمى الجبل هناك باسمها.
(٤٩) الحلوم : العقول ، والمفرد ، حلم.
(٥٠) فى نسخة (ط) «الجنوب» وهى أنسب للسياق.
(٥١) ناهيك : حسبك ، بمعنى يكفيك.
(٥٢) فى نسخة (س) «دقيقة» وكلتاهما مناسبة للمعنى العام.
(٥٣) كناية عن حبهم الشديد لبلدهم ، فهم مفتونون بها ، كفتنة الحزين ببشير مندفع نحوه ، أو كفتنة راعى أرض مجدبة تدفق عليها المطر.
وراعى الجديب بالمطر الساجم (٥٤) ، فلا يفضلون على مدينتهم مدينة ، (١١٩ : ب) الشك ـ عندى ـ فى مكة والمدينة.
٣ ـ «طنجة» (٥٥)
قلت : فطنجة؟
قال : المدينة العادية ، والبقعة التى ليست بالخبيثة ولا بالردية ، اليها بالاندلس كانت نسبة المغاربة ، والكتائب المحاربة ، والرفق (٥٦) السائحة فى الارض الضاربة. سورها ليس بمثلوم ، وساكنها غير ملوم ، وفضلها معلوم ، ودارها ليست بدار لوم. ميدان أفراس كبير ، ومعدن هند (٥٧) وذكير (٥٨). مثلت بين المنار والقالة (٥٩) ، وحكماها فى التفضيل ، فأشكل الحكم وتعذرت المقالة ، ولم يصح البيع ولا وجبت الاقالة. هذى سماء بروج ، وهذى أزهار مروج ، وكلاهما مركب سرور
__________________
(٥٤) المطر الساجم : الكثير المنصب.
(٥٥) طنجة : «Tanger» احدى مدن المغرب القديمة ، موقعها على المحيط الاطلسى بينها وبين أوروبا مسافة مضيق جبل طارق. عرفها الفينيقيون مركزا تجاريا هاما ، ثم القرطاجنيون كذلك فى تبادل السلع الهامة ، وتموين السفن التى فى طريقها الى المحيط. ولما ظهرت الدولة الرومانية واكتسحت الدولة القرطاجنية فرضت سيادتها ـ ضمن ما فرضت ـ على طنجة ، والتى عرفت أزدهارا تجاريا ضخما بين المغرب ـ عن طريقها ـ وبين روما مركز الدولة الرومانية. وتوالى الزمن على المدينة ، حتى جاء عقبة بن نافع وموسى بن نصير الفاتحان الاسلاميان للمغرب عام ٦٢ ه (٦٨١ م) ، ومن يومها وطنجة العربية الاسلامية محافظة على طابعها ، حتى غدت قطعة من المغرب عام ١٩٥٦ م (١٣٧٦ ه).
(٥٦) الرفق : المعونة.
(٥٧) هند : السيف. ويقال أيضا للمائة من الابل فما فوقها.
(٥٨) ذكير : الذكير هو أجود الحديد.
(٥٩) القالة : يعنى بها الميناء ، وهى بالاسبانية : La Cala.
وسروج ، ومتمتع فروج ، ومطعم قديد ومروج. ديارها نبيهة ، وأحوالها ـ بأحوال جارتها (الاندلس) شبيهة.
لكن رملها يحشو العين بالذرور عند المرور ، (ويدخل الدور ، ويفسد القدور) ورياحها لا تسكن الا فى الندور ، وظلمة جوها متسببة عما وراءها من مغرب الشموس والبدور. وعين برقانها ـ أعذب عيونها ـ مشهور بتوليد الهوج ، قران عند الناس غير ذى عوج ، ويذكر أن سليمان اختصها بسجن مردة الجن ، فيعثر بها على (١٢٠ : أ) أو ان ملئت ريحا ، تثير تبريحا (٦٠) ، ويسندون ـ لذلك ـ افكا صريحا.
٤ ـ «قصر كتامة» (٦١)
قلت : فقصر كتامة؟
قال : مغرد عندليب (٦٢) ، وعنصر بر وحليب ، ومرعى سائمة ، ومسرح بهيمة فى الجميم هائمة ، ومسقط مزنة عادية وديمة دائمة. وبه التفاح النفاح ، ترتاح الى شميمه الارواح ، والفوائد قد ثقلت بها الادواح ، يقذف به السماء والصباح ، ويتفنن فيه الحرام والمباح ، والسمك كما جردت الصفاح اذا استبحر الكفاح. وطريقه مسلك ـ القافلة ، وببابه السوق الحافلة ، ينسل اليها من غمارة قرود وفهود (٦٣)
__________________
(٦٠) تبريحا : شدة وهلاكا.
(٦١) قصر كتامة : أراد به «القصر الكبير» أحد مدن الشمال بالمغرب ، على بعد ٢٥ كم من مدينة العرائش ، كما يبعد عن ساحل المحيط الاطلنطى بنحو ٣٥ كم.
راجع : ياقوت الحموى فى «معجم البلدان» ج ١٥ ص ٣٦٠.
(٦٢) الجميم : يقال أرض جميم أى ملساء.
(٦٣) ألوان مختلفة من أفراد قبيلة غمارة.
وأمة صالح وهود ، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود (٦٤). الا أنه قور (٦٥) قد تهدم ، ودار الندوة لام ملدم (٦٦) ، ومنتزى لهائج المرار وثائر الدم. جثم الهواء الخبيث فى بطيحته وربض ، وانبسط وما انقبض ، وجهز ليله عسكر البعوض الهاجم ، دربة بمص المحاجم. وأما وحله فلا يعبر ولا يسبر ، وان اسهبت العبارة فالامر أكبر.
٥ ـ «أصيلا» (٦٧)
قلت : فأصيلا؟
قال : كثيرة المرافق ، رافعة فى الخصب اللواء الخافق ، (١٢٠ : ب) العصير الاثير ، والحوت الكثير ، والادام الذي يرمى به من حكم عليه بالتعزيز (٦٨) ، والسفن المترددة فيها الملف (٦٩) والابازير. الا أن حصنها من المنعة برى ، وساكنها بربرى ، وجارها ـ من غمارة ـ جرى.
__________________
(٦٤) اقتباسا من قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ، ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ ، وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) سورة هود ، آية : ١٠٣.
(٦٥) قور : بئر.
(٦٦) أم ملدم : كنية الحمى.
(٦٧) أصيلا : هى «Arcila» مدينة صغيرة على ساحل المحيط الاطلنطى ، ينسب اليها الاديب المحدث أبو محمد عبد الله بن ابراهيم بن محمد الاصيلى ، ترأس الكتابة بقرطبة على عهد المستنصر.
راجع : ياقوت الحموى «معجم البلدان» ج ١٥ ص ٢١٢.
(٦٨) كناية عن وفرة الزاد بالبلد.
(٦٩) الملف : لفظ شامل للغطاء والكساء.
٦ ـ «سلا» (٧٠)
قلت : فمدينة سلا؟
قال العقيلة المفضلة ، والبطيحة المخضلة ، والقاعدة المؤصلة ، والسدرة المفصلة. ذات الوسامة والنضارة ، والجامعة بين البداوة والحضارة. معدن القطن والكتان ، والمدرسة والمارستان ، والزاوية كأنها البستان ، والوادى المتعدد الاجفان ، والقطر الآمن عند الرجفان ، والعصير العظيم الشأن ، والاسوق الممتازة حتى برقيق الحبشان. اكتنفها المسرح ، والخصب الذي لا يبرح ، والبحر الذي يأسو ويجرح ، وشقها الوادى يتمم محاسنها ويشرح.
وقابلها الرباط (٧١) ، الذي ظهر به ـ من المنصور ـ الاغتباط ، حيث القصبة والساباط (٧٢) ، ووقع منه بنظرة الاعتباط ، فاتسع الخرق
__________________
(٧٠) هى Sale مدينة موازية لوادى أبى الرقراق الذي يفصلها عن مدينة الرباط العاصمة ، يعتقد بأنها تأسست فى القرن الحادى عشر الميلادى ، ويرى بعض المؤرخين أنها مدينة رومانية قديمة ، نالت عناية بنى مرين فسوروها ، وأنشأوا بها كثيرا من المرافق العامة ، وتعتبر عمارتها نموذجا للفن المغربى الرائع فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر ، ولسلا شهرة صناعية تجارية فى الجلد والاوانى النحاسية والحديدية ونسج الزرابى والطرز وصناعة الحصر ، وهى المدينة التى بقى فيها ابن الخطيب منفيا لمدة ثلاث سنوات تقريبا (٧٦٠ ـ ٧٦٣ ه / ١٣٥٨ ـ ١٣٦١ م) حيث ألف بها كتابه هذا ضمن ضمن كتب أخرى ، حينما جاء الى المغرب مع سلطان غرناطة المخلوع «الغنى بالله محمد الخامس ابن الاحمر».
راجع : المعجم للحموى ج ١٠ ص ٢٣١.
(٧١) الرباط : «Rabat» هى عاصمة المغرب الادارية ، وقد أسسها الخليفة المنصور أبو يوسف بن عبد المؤمن ، (٥٥٤ ه ٥٩٥ ه) (١١٥٩ ـ ١١٩٨ م) أشهر ملوك الموحدين ، وسماها «رباط الفتح» ، وهى مدينة الابواب العظيمة ، أقامها الموحدون ، فقد كانت رباطهم العسكرى ، كما أن بها صومعة حسان الشامخة البتراء ، تشرف على المدينة وعلى بقايا أطلال المسجد ، وهذه الصومعة من طراز الكتبية بمراكش والخير الدا بأشبيلية.
راجع : «السلاوى» فى الاستقصاء ج ١ ص ١٦ ـ ١٨١.
(٧٢) الساباط : سقيفة بين دارين تحتها طريق.
وعظم الاشتطاط ، وبعد الكمال يكون الانحطاط (٧٣). الى شامة (٧٤) مرعى الذمم ، ونتيجة (١٢١ : أ) الهم ، (ومشمخ الانوف ذوات الشمم) (٧٥) وعنوان بر الديم ، حيث الحسنات المكتتبة ، والاوقاف المرتبة ، والقباب كالازهار ، مجودة بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار ، وطلل حسان المثل فى الاشتهار.
وهى ـ على الجملة من غيرها ـ أوفق ، ومغارمها ـ لاحترام الملوك الكرام ـ أرفق ، ومقبرتها المنضدة عجب فى الانتظام ، معدودة فى المدافن العظام ، وتتأتى بها ـ للعبادة ـ الخلوة ، وتوجد عندها ـ للهموم ـ السلوة ، كما قال ابن الخطيب :
وصلت حثيث السير فيمن فلا الفلا |
|
فلا خاطرى لما نأى وانجلى انجلى |
ولا نسخت ـ كربى بقلبى ـ سلوة |
|
فلما سرى فيه نسيم سلا سلا |
وكفى بالشابل رزقا طريا ، وسمكا بالتفضيل حريا ، يبرز عدد قطر الديم ، ويباع ببخس القيم ، ويعم حتى المجاشر (٧٦) النائية والخيم الا أن ماءها لا يروى به بارد (٧٧) ، لا كريم ولا بارد ، وأليفها شارد ، والخزين بها فاسد ، وبعوضها مستأسد ، راضع غير مفطوم ، واسم للخد والخرطوم ، بذيالك الخرطوم ، خالع للعذار غير مخطوم ، تصغى
__________________
(٧٣) يرمى بهذا الى ما روى عن المنصور مؤسس الرباط عند ما توفى ، من أنه قال : ندمت على ثلاثة أشياء : بناء مدينة الرباط ، واسكان عرب بنى هلال فى المغرب ، واطلاق أسرى النصارى ، وهم الذين كان قد أسرهم فى موقعة «الارك» الشهيرة (ربيع الاول ٥٩٢ ه ـ ١١٩٥ م) ، وقد تحققت نبوءة المنصور فى العاقبة السيئة لهذه الامور الثلاثة ، فقد اتخذ الفرنسيون مدينة الرباط قاعدة بعد احتلالهم المغرب فيما بعد ، وأثار عرب بنى هلال القلاقل والفتن فى المغرب ، وأخذ النصارى بثأرهم فى موقعة «العقاب» حيث هزموا المسلمين فيها شر هزيمة (١٥ صفر ٦٠٩ ه ـ ١٨ يوليو ١٢١٢ م).
(٧٤) فى نسختى (ط ، س) «شالة» وهو الاوفق.
(٧٥) زيادة فى (س ، ط).
(٧٦) المجاشر : يعنى القرى والضياع ، ويقال لها فى المغرب الآن «المداشر».
(٧٧) فى نسخة (س) «وارد» وهو أصوب.
ـ لرنته ـ الآذان ، ويفتك بوكز السنان ، كالقوس تصمى (١٢١ : ب) الرمايا وهى مرنان (٧٨) ، وديارها ـ فى الماء ـ دار عثمان (٧٩) ، وطواحنها غالية الاثمان ، وكثبانها العفر تلوث بيض الثياب ، طى العياب ، وعابر واديها ـ الى مأرب أكيد ـ فى تنكيد. الى غلبة الامساك ، وخوض النساك (٨٠) ، وكثرة أرباب الخطط ، (٨١) والاغياء فى الشطط ، تذود ـ عن جناته للاسد ـ جنان ، (٨٢) فلا يلتذ ـ بقطف العنقود منها ـ بنان ، وفى أهلها خفة ، وميزانها لا تعتدل منه كفة.
٧ ـ «أنفا» (٨٣)
قلت : فأنفا؟
قال : جون (٨٤) الحط والاقلاع ، ومجلب السلاع ، تهدى اليها السفن شارعة ، وتبتدرها مسارعة. تصارف برها الذهبى بالذهب الابريز ، وتراوح برها وتغاديه بالتبريز.
__________________
(٧٨) قوس مرنان : صلبة مرنة.
(٧٩) يرمى بذلك الى أنه لا ماء فيها ، اذ دار سيدنا عثمان بن عفان الخليفة لم يكن بها ماء أثناء حصاره.
(٨٠) يغلب على أهل البلد البخل ، وعلى نساكها خوضهم فى أعراض الناس.
(٨١) الخطط : أرباب الوظائف.
(٨٢) جنان : حراس كالجن فى الذب عن البساتين.
(٨٣) أنفا : الدار البيضاء «Casablanca» العاصمة التجارية للمغرب الاقصى على ساحل المحيط الاطلنطى ، تشتهر بالانتاج الزراعى والصناعى. وقد وقع عليها اعتداء من الاساطيل البرتغالية عام ١٤٦٥ م حيث دمر؟؟؟ تها تماما ، بسبب منافستها التجارية لثغر قادس ، ولكن أعيد بناؤها عام ١٥١٥ م ، وقد قست عليها الطبيعة من البحر فاجتاحت معظمها الامواج عام ١٧٥٥ م ، ولم تعد مدينة تتطور وتزدهر الا فى عام ١٩٠٧ م وهى اليوم كبرى مدن المغرب مساحة ، وأعظمها تعدادا للسكان ، ذات مرسى ضخم تبلغ أرصفته مساحة ٦ كيلومترات. والسكان حاليا يتجاوزون المليون والنصف نسمة تقريبا.
(٨٤) الجون : أحد أنواع القطا ، أسود البطن والجناح ، والجونة : الشمس عند مغيبها والسياق يحتمل أحد المعنيين.
يكثر الطير حيث ينتشر الحب |
|
وتغشى منازل الكرماء |
وخارجها يفضل كل خارج ، وقانصها يجمع بين طائر ودارج ، وفواكهها طيبة ، وأمطار عصيرها صيبة ، وكيلها وافر ، وسعرها ـ عن وجه الرخاء ـ سافر ، وميرتها لا ينقطع لها خف ولا حافر. لكن ماءها وهواءها عديما الصحة ، والعرب عليها فى الفتن ملحة ، والامراض بها تعيث وتعبث ، والخزين بها لا يلبث.
٨ ـ «أزمور» (٨٥)
قلت : فأزمور؟
قال : جار واد وريف (٨٦) ، وعروس ربيع وخريف ، وذو وضع شريف. أطلت على واديه المنازه (١٢٢ : أ) والمراقب ، كأنها النجوم الثواقب ، وجلت من خصبه المناقب (٨٧) ، وضمن المرافق نهره المجاور وبحره المصاقب (٨٨). بلد يخزن الاقوات ، ويملأ اللهوات. باطنه الخير ، وادامه اللحم والطير. وساكنه رفيه ، ولباسه يتحد فيه ، ومسكنه نبيه ، وحوته الشابل ليس له شبيه. لكن أهله ـ أنما حرثهم وحصادهم ـ اقتصادهم ، فلا يعرفون ارضاخا (٨٩) ، ولا وردا نضاخا ،
__________________
(٨٥) أزمور : هى «Azammur» مدينة ساحلية على المحيط الاطلنطى بالمغرب.
موقعها على الجانب الايسر لمصب وادى أم الربيع ، وعلى مسافة ٨٠ كم من الدار البيضاء جنوبا ، وهى مدينة صغيرة مشيدة بجانب رأس صخرى عال ، كانت عاصمة اقليم دكالة القديمة.
راجع : J.Leon Africano ,Op.Cit.P. ٨٣.
والتعريف بابن خلدون ص ٤٤ حاشية ٤.
(٨٦) وريف : ممتد واسع.
(٨٧) المناقب : الطريق فى الجبل.
(٨٨) المصاقب : المجاور.
(٨٩) ارضاخا : تساهلا.
يترامون على حبة الخردل (٩٠) بالجندل (٩١) ، ويتضاربون على الاثمان الزيوف (٩٢) بالسيوف. بربرى لسانهم ، كثير حسانهم ، قليل احسانهم ، يكثر بينهم ـ بالعرض ـ (٩٣) الافتخار ، ويعدم ـ ببلدهم ـ الماء والملح والفخار.
٩ ـ «تيط» (٩٤)
قلت : فتيط؟
قال : معدن تقصير ، وبلد بين بحرى ماء وعصير ، ورباط للاولياء به (سرور) (٩٥) ، واغتباط ، ومسجدها تضيق عنه المدائن منارا عاليا ، وبقلادة الاحكام حاليا. الا أن خارجها لا يروق عين المقيم والمسافر ، ولا يشوق بحسن سافر ، ومؤمنه يشقى بصداع كافر ،
__________________
(٩٠) الخردل : نبات برى ينبت فى الحقول مع الزرع ، أو على حافة الطرق ، حبه أسود وصغير جدا ، يستعمل فى التوابل ، وله فوائد طيبة ، كما يستخرج منه الزيت.
(٩١) الجندل : الصخر العظيم.
(٩٢) الاثمان الزيوف : النقود الزائفة.
(٩٣) العرض : ضد الجوهر.
(٩٤) تيط : هى «Tit» تقع جنوبى مدينة الجديدة ، وهى ضمن اقليم دكالة ، على ساحل المحيط الاطلنطى.
(٩٥) زيادة فى (س ، ط).
وحماه عدو كل خف وحافر ، فلولا ساكنه لم ينبس يوم فخر ، ولم ينم الا الى صخر (٩٦).
١٠ ـ «آسفى» (٩٧)
قلت : فرباط آسفى؟
قال : لطف خفى ، وجناب حفى ، ووعد وفى ، ودين ظاهره مالكى ، وباطنه حنفى. الدماثة والجمال ، والصبر (١٢٢ : ب) والاحتمال ، والزهد والمال ، والسذاجة والجمال (٩٨). قليلة الاحزان ، صابرة على الاختزان ، وافية المكيال والميزان ، رافعة اللواء ، بصحة الهواء. بلد
__________________
(٩٦) كناية عن أنها بلدة شبه منقطعة عن سواها ، لوعورة الطرق اليها ، كما أسلف فى وصفها ، وهو يورى بصخر المبكى عليه من أخته الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية ، عاش صخر هذا فيما بين القرنين السادس والسابع الميلادى ، وخرج فى احدى الغزوات ، فقاتل حتى أصابه جرح فمات ، فحزنت عليه أخته أكثر من حزنها على أخيه معاوية ، الذي توفى قبله ، لما للاول من أياد كريمة عليها. ولها ديوان خاص فى رثاء صخر ، فمن قولها فيه ترثيه :
وان صخرا لتأتم الهداة به |
|
كأنه علم على رأسه نار |
جلد جميل المحيا كامل ورع |
|
وللحروب غداة الروع مسعار |
حمال الوية ، هباط أودية |
|
شهاد أندية ، للجيش جرار |
راجع : الموجز فى الادب العربى وتاريخه ، نشر دار المعارف ج ١ ص ٢٠٤ ،
(٩٧) رباط آسفى : هى «Safi» مدينة على ساحل المحيط الاطلنطى بالمغرب ، وهى أصلا مؤسسة برتغالية ، كادت تندثر عندما غادرها مؤسسوها ، ولم يبق من آثارهم فيها غير حصن عظيم ، وثكنة ، وقصر يسمى «دار البحر» ، وترتكز ثروة آسفى على صيد الاسماك ، فهى من أهم مراسى الصيد للسردين فى العالم ، ومن مرسى آسفى يصدر الفوسفات المستخرج من مناجم «كشكاط» ، وتبعد المدينة عن الدار البيضاء بمسافة ٢٥٢ كم.
(٩٨) فى نسخة أخرى «والجلال» وهو أنسب.