تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي

تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

المؤلف:

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-21-8
الصفحات: ٦٣٢

وإلى قول عثمان : إذا قلت في كتاب الله برأيي. (١)

وإلى قول عمر : أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي. (٢)

وإلى قول ابن عبّاس : رؤساء جهّالا يقيسون برأيهم. (٣)

فإنّ كلّ هذه تنادي بأنّهم لا يكادون يعرفون شيئا ، وكان جميع فتاويهم بالرأي حتّى أنّهم استغنوا عن الأحاديث.

وهذا غير القياس المستجمع للشرائط ، بل هو يسمّى تمثيلا كما مضى ، ولو سمّي قياسا فلا بأس به ، فإنّ « رمع » (٤) اسم للمنكر والمعروف ، والقرء اسم للحيض والطهر ، وأين المنكر من المعروف والحيض من الطهر مع أنّ الاسم واحد ؟

وكذلك لفظ « القياس » اسم للتمثيل المقبول المعروف ، والقول بالرأي المردود المنكر ؛ والله أعلم فإنّا ما شهدنا إلّا بما علمنا ، وما كنّا للغيب حافظين.

خاتمة

في الاجتهاد والتقليد

نخبة :

المجتهد – ويرادفه الفقيه ـ من كان عنده من العلوم العربيّة والمنطق والاصول والتفسير والحديث والرجال والمعرفة بمواقع الإجماع عن غيرها ، وانس بلسان الفقهاء ، وقوّة على ردّ الفرع إلى الأصل وهي العمدة في هذا الباب ، وتحصل باستقامة الفهم وجودة النظر المعبّر عنهما عند الأصحاب بالقوّة القدسيّة.

__________________

(١) المستصفى للغزالي ، ص ٢٨٩ ؛ المحصول للرازي ، ج ٥ ، ص ٧٥ ؛ الأحكام لابن حزم ، ج ٦ ، ص ٧٧٩ ؛ البرهان للزركشي ، ج ٢ ، ص ١٦٢ ؛ كنز العمّال ، ج ٢ ، ص ٣٢٧. وفي كلّها عن أبي بكر.

(٢) سنن الدارقطني ، ج ٤ ، ص ٨٣ ؛ فتح الباري ، ج ١٣ ، ص ٢٤٥ ؛ الأحكام لابن حزم ، ج ٦ ، ص ٧٨٠ ؛ الاحكام للآمدي ، ج ٤ ، ص ٤٦ ؛ المستصفى للغزالي ، ص ٢٨٩ ؛ المحصول للرازي ، ج ٤ ، ص ٤٣٣.

(٣) معارج الأصول ، ص ١٩٣ ؛ المحصول للرازي ، ج ٥ ، ص ٧٧.

(٤) هو مقلوب « عمر » .

١٠١

والمتجزّي ليس بمجتهد ؛ لأنّ كون الاستحضار لجميع المسائل الفقهيّة مع أدلّتها مقدّمة لتحصيل الظنّ المعتبر في المسألة الواحدة شيء لا يقربه الإنكار ، لارتباط بعضها ببعض ارتباطا تامّا يقينا لا سيّما العبادات بالعبادات ، والمعاملات بالمعاملات ، فلا يمكن العلم بعدم المانع ممّا فهمه هذا المتجزّي ، ولأنّ ظاهر « انظروا إلى رجل نظر في أحكامنا ، وعرف حلالنا من حرامنا » (١) ينادي بالإحاطة.

ويدلّك على هذا أيضا ما تشاهد من أرباب الصنائع ، فإنّ أحدا لا يمكنه تنجير مفتاح كما هو حقّه إلّا وأن يكون عنده ملكة هذه الصنعة التي بها يقتدر على جميع أفرادها.

ولو نزلنا وقلنا بإمكان حصول معرفة تامّة بتنجير المفتاح فقط كما هو حقّه ، فلا يسمّى نجّارا ولا يرجع إليه ، ولو سمّي فيسمّى نجّار المفتاح لا غير ، فلا نزاع فيها ، ولكنّها شيء يستهجنه العرف.

نخبة :

حكم الله في نفس الأمر واحد مطلقا ، فمن أصابه فهو المصيب ، وإلّا فمخطئ معذور في الفروع دون الاصول. هذا هو المشهور ، ولكن لي على من فرّق بين الاصول والفروع بثبوت الإثم في الأوّل إذا أخطأ دون الثاني كلام ، وبعد هذا لي على من فرّق بين التصويب والتخطئة في الفروع كلام ، وبعد ثبوت الفرق فللتصويب وجه ، وله نظائر وشواهد وإن لم نقل به.

نخبة :

لا بدّ في المجتهد المفتي أن يكون اثني عشريّا عدلا ، فإذا حكم بأن قال : حكمت بكذا ، أو أنفذت ، أو ألزمت ، أو أدفع إليه ماله ، أو اخرج من حقّه ونحوه فمتعلّقه لا يكون

__________________

(١) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٧ ، باب اختلاف الحديث ، ح ١٠ ؛ وج ٧ ، ص ٤١٢ ، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور ، ح ٥ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ٦ ، ص ٢١٨ ، ح ٦ ؛ وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٣٤ ، ح ٥١. وفي كلّها : « نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا » .

١٠٢

إلّا شخصيّا بخلاف الفتوى فإنّ متعلّقها كلّي ، فلا يجوز له ولا لغيره نقض حكمه إلّا إذا خالف قطعيّا ، ولا يجوز الرجوع عمّن استفتى منه إلى غيره المخالف له ، (١) ولا يجوز له تقليد غيره.

كلّ ذلك بالإجماع ، ولا يجب عليه تجديد النظر ما دام ثابتا على نظره الأوّل ولو طال الزمان.

نخبة :

كلّ من لم يبلغ رتبة الاجتهاد مهما أمكنه الجهد في دليل المسألة ولو بالسؤال عن المجتهد ، لا يجوز له التقليد ، وعند عدم الإمكان يقلّد من عرف بأيّ طور كان أنّه مجتهد اثنا عشري عدل ، فإن جهل لزمه البحث ، فإن عمل بقوله قبله ثمّ تبيّن الخلاف ، فهو فاسد ، ولا كذلك بعده.

وإذ اجتمع اثنان فأكثر واختلفوا ، يرجع إلى الأفقه والأعدل والأورع والأصدق ، وإن لم يجد يجب عليه السعي.

ولا يجوز الرجوع إلى الميّت مع وجود الحيّ إلّا إذا اطمأنّ النفس بالميّت دون الحيّ ، والإجماع المدّعى على خلافه مخترع.

ربّ اجعل هذا بلدا آمنا ، وارزق أهله من الثمرات ، ولو لا قال الله تعالى : ﴿ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ (٢) لرأيتني تكلّمت أكثر مما تكلّموا ، وتعرّضت أكثر مما تعرّضوا ، ولكن رأيت تعرّضهم لأكثر من هذا إعراضا عن أنفسهم العزيزة ، وإعراضي تعرّضا لنفسي العزيزة فأختم الكلام بقوله تبارك وتعالى : ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ؛ (٣)﴿ إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٤) والحمد لله

__________________

(١) الف : ـ ولا يجوز الرجوع عمّن استفتى منه إلى غيره المخالف له.

(٢) النساء (٤) : ١١٤.

(٣) البقرة (٢) : ١٢٠.

(٤) الإنسان (٧٦) : ٢٧.

١٠٣

كما هو أهله ومستحقّه ، والصلاة على رسوله وآله.

حرّرتها في غريب السنة في غريب السنّ ، فإن عثرتم خللا أو زللا فاعتذروني فهو خير عملا ، والسلام عليكم ورحمة الله. (١)

__________________

(١) في الف : ـ حرّرتها في غريب السنّة ـ إلى ـ ورحمة الله.

١٠٤

٣

الفتوى

أحمد بن علي مختار الگلپايگاني

( كان حيّا في ١٢٣٠ ق )

تحقيق

عبد العزيز الكريمي ـ محمّد حسين الدرايتي

١٠٥
١٠٦

مقدّمة التحقيق

المؤلّف :

هو الشيخ المولى أحمد بن علي مختار گلپايگانى ( ـ الجرفادقاني ) . (١)

لم يشر التاريخ إلى زمان ولادته ولا مكانها ، إلّا أنّ تلقّبه بالگلپايگانى ـ إحدى محافظات ايران المعروفة (٢) ـ يشير إلى أن تكون ولادته هناك.

سكن مدّة باصبهان وشيراز ، وبهما ألّف بعض مؤلّفاته.

أساتذته :

لا شكّ أنّ المؤلّف لقي الكثير من فطاحل علماء عصره وتلقّى عنهم الروايات والفقه وغيرهما لكن المأسوف له أنّ الكثير من أسمائهم لم يصلنا ، والذين وصلت أسماؤهم إلينا من خلال ترجمته ومؤلّفاته هم :

١. السيّد عليّ الطباطبائي ( صاحب الرياض ) .

__________________

(١) مصادر الترجمة :

الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ، ج ١ ، ص ٩٨ ، رقم ١٩٧ ؛ الذريعة ، ج ١١ ، ص ٦١ ، رقم ٣٧٤ وج ١٧ ، ص ١٧٥ رقم ٩٢٣ ؛ أعيان الشيعة ، ج ٢ ، ص ٤١٦ وج ٤ ، ص ٤٩ ؛ تراجم الرجال ، ج ١ ، ص ٧٩ ؛ مكتبة العلّامة الحلّي ( تأليف السيد عبد العزيز الطباطبائي ) ص ٤٦ ؛ معجم المؤلّفين ، ج ٢ ، ص ٢٢ ؛ الأعلام ( للزركلي ) ، ج ١ ، ص ١٨٢ ؛ موسوعة مؤلّفي الإمامية ، ج ٢ ، ص ٦٠١ ؛ مقدّمه اى بر فقه شيعة ( للسيّد حسين المدرّسي ) ، ص ١١٣.

(٢) في شذرات الذهب ، ج ٢ ، ص ٢٧٥ : « الجرباذقاني : نسبة إلى جرباذقان ، بلد بين جرجان وأسترآباد ، واخرى بين اصبهان وكرج » .

١٠٧

٢. السيّد محمّد المجاهد ( ابن السيّد صاحب الرياض ) .

هما كانا من أهمّ مشايخه اللذان صرّح المصنّف بأسمائهما ، ولكن لا يبعد أن يكون المصنّف أيضا قد تتلمّذ على العلماء والأجلّاء الذين أجازوا له ، منهم :

١. المولى محمّد حسن بن معصوم القزويني ، تاريخ إجازته له في ١٤ ربيع الثاني ١٢٣٤.

٢. المولى أبو القاسم بن محمّد مهدي الكاشاني.

٣. المولى أحمد النراقي ، وتاريخ إجازته له في ١١ صفر ١٢٣٨.

وهؤلاء الأجلّاء عظّموه وبجّلوه ووصفوه بأوصاف تدلّ على عظيم مكانة المصنّف في العلم والتحقيق والتدقيق مع أنّه كان في سن الشباب حين كتابة الإجازات المذكورة له.

وتوجد هذه الإجازات في بداية نسخة كتاب المؤلّف : منهج السداد.

مؤلّفاته :

١. إزاحة الشكوك في تملّك العبد والمملوك ، فرغ من تأليفه في ١٧ شعبان ١٢٦٤ ، وتوجد نسخة منه في المكتبة السيّد المرعشي ، الرقم ٣٤٠١.

٢. دعائم الدين في اتّفاق اصول الفقه المتين.

٣. قواطع الأوهام في مسائل الحلال والحرام ، كتاب مبسوط في الفقه ، رآه العلّامة الطهراني في مكتبة الشيخ عبد الحسين العراقين الطهراني ، الموقوفة بكربلاء. وتوجد نسخة منه في المكتبة السيّد المرعشي ، الرقم ٧٤٨٠ و٧٤٨٢.

٤. منهج السداد في شرح الإرشاد ، توجد نسخته في فهرست مخطوطات آية الله الگلپايگاني ، ج ١ ، ص ١٧٢ ، رقم ١٩.

ومجموعة مخطوطة ، وفيها إحدى عشرة رسالة فرغ من تأليف بعضها في ١٢ جمادي الآخرة ١٢٣٣ وهي :

٥. رسالة في أصالة اللزوم.

١٠٨

٦. كتاب الطهارة ، وصل فيها إلى الحيض.

٧. رسائل في عدّة مسائل فقهيّة : في النكاح والطلاق والصلح وإسقاط الحقّ والمصالحة على حقّ الرجوع.

٨. رسالة في توكيل إخراج الزكاة.

٩. رسالة في اجتماع الأمر والنهي.

١٠. أجوبة المسائل الفقهيّة : من الطهارة إلى الديات ، منها في الطهارة ، والصلاة ، وحكم صلاة الجمعة ، ومنها في الخمس.

١١. رسالة في تزويج الصغيرة.

١٢. رسالة في الوقف.

١٣. رسالة في الفتوى ، وهي هذه الرسالة.

١٤. رسالة في الظهار.

١٥. رسالة في تفسير حديث : إنّ الغضب من الشيطان ، فارسيّة.

ولآقا ميرزا بابا ، قصيدة القافية الطويلة في العشق لجدّه السيّد محمّد القطب الذهبي ، ترجمها المؤلّف بالفارسيّة.

إطراء العلماء فيه :

قال العلّامة الآقا بزرگ الطهراني في الكرام البررة : « عالم كبير ، فقيه جليل » .

وعدّه الزركلي في الأعلام وعمر رضا كحّالة في معجم المؤلفين من فقهاء الإماميّة.

وقد نقل الشيخ الأعظم الأنصاري في كتاب الصوم عن كتاب المنهج أو منهج السداد ، وكتب محقّقه في الهامش : أراد بالمنهج ما كتبه الشيخ أحمد بن عليّ مختار الجرفادقاني.

فهذا يدلّ على جلالة قدره وعظم منزلته عند الشيخ الأعظم حيث اعتمد على أقواله ونظرياته بنقضها أو إبرامها.

قال في تراجم الرجال : « فقيه متبحّر ، عالم جليل » .

١٠٩

وفاته :

توفّي رحمه‌الله بعد عام ١٢٦٤ التي فرغ فيها من كتاب قواطع الأوهام.

حول الرسالة :

هذه رسالة مشتملة على مهمّات جليلة ، وفوائد كثيرة ، في أحكام وآداب المفيد والمستفيد وبيان فضل أهل العلم وآداب تعليمه وتعلّمه ، وشرائط الفتوى والمفتي والمستفتي وما يرتبط بها.

وقد تفرّد المصنّف في هذه الرسالة بما لم يطرقه غيره ، أو طرقه ولم يستوف الكلام فيه.

ونرى من المناسب هنا ذكر أسماء بعض المصنّفات التي كتبت في هذا الموضوع لتعمّ بها الفائدة ، ولنتعرّف على موقع هذه الرسالة التي بين أيدينا من بين المصنّفات الاخرى التي تناولت نفس الموضوع ممّا وصلنا إليها ، منها :

١ ـ منية المريد في آداب المفيد والمستفيد ، تأليف الشهيد السعيد الشيخ زين الدين بن عليّ عاملي ، المعروف بالشهيد الثاني ، المستشهد ٩٦٥ ه‍ ، طبع محقّقا مكرّرا.

٢ ـ رسالة في شرائط المفتي ، لمحمّد إسماعيل المازندراني الخاجوئي ( م ١١٧٣ ه‍ ) طبع محقّقا ، حقّقه مهدي الرجائي.

هما أهمّ ما كتب في هذا الموضوع مستقلا ممّا وصلنا إليه من الشيعة.

ومن العامة : أدب المفتي والمستفتي ، لابي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المعروف بابن الصلاح ( م ٦٤٣ ه‍ ) طبع محقّقا ، حقّقه عبد المعطي أمين قلعجي.

وهذا غيض من فيض في ذكر الكتب الّتى الّفت في هذا الموضوع ، فيجد الباحث والمتتبّع الكتب المختصّة بذلك موجودة ولكن الكثير منها لم يطبع بعد.

١١٠

ولهذه الرسالة امتيازات ، منها :

١. شدّة تتبّع مؤلّفها للروايات التي تدلّ على الفرع الفقهي المطروح في الباب.

٢. تميّز طريقته الاستدلاليّة ، بأن المصنّف يجمع وجوه الاستدلال ، ففي حين توجد أمارات شرعيّة على حكم ما نراه يعضد الاستدلال بالاصول العمليّة مع أنّ النوبة لا تصل إليها ، وذلك تقوية لمسلك الاجتهاد ، وفتحا للذهنيّة الاستنباطيّة.

٣. إشباع الفروع المبحوث عنها.

٤. قوّة الشامة الفقهيّة في استدلالاته إلى حدّ كبير جدّا.

٥. حرصه في التتبّع على الحصول في فتاوى الأصحاب واعتناؤه المتزايد بفهم كلام الأصحاب.

منهج التحقيق

وكان التحقيق طبق المراحل التالية :

١. خرجنا الآيات الشريفة ، وحصرناها بين قوسين مزهرين.

٢. خرجنا الأحاديث الشريفة مع ضبط موارد اختلاف النسخة مع المصادر في الهامش ، والأحاديث الواردة في الكتاب أرجعناها إلى مصادرها الحديثيّة والتاريخيّة المهمّة ، وشرحنا بعض ما يحتاج إلى الشرح أو التوضيح ، كما شرحنا بعض الألفاظ اللغويّة الغامضة استعانة بمصادر اللغة. ووضعنا الأحاديث بين الأقواس الصغيرة « » .

٣. عبّرنا عمّا ليس في المتن المنتخب بعبارة « ليس في » ولم نفرّق بينه وبين السقط اعتمادا على فهم القارئ.

٤. خرجنا النصوص والمطالب التي ينقلها المؤلّف من نفس مصادرها ، فإن تعسّر ذلك نقلناها من مصادر اخرى وتؤدى المطلب المنقول ، وإلّا تركناها دون تخريج علما بأنّ المؤلّف ربما نقل بالمعنى والاختصار.

١١١

٥. كلّ ما حصرناه بين المعقوفين [] فهو من المصدر المنقول عنه وإلّا فهو من عندنا.

٦. المسائل التي ينسبها المؤلّف إلى قائل غير معلوم استخرجناها من المصادر المتقدّمة تاريخها على هذه الرسالة ، فإن لم يتسنّ لنا ذلك استخرجناها من المصادر المتأخّرة.

والنسخة التي اعتمدنا عليها توجد في مكتبة السيّد المرعشي ، الرسالة الثامنة من المجموعة المرقّمة ٣٤٩٤ وهذه المجموعة كلّها بخطّ المؤلّف رحمه‌الله.

ولقد بذلنا قصارى جهدنا في تحقيق هذا الكتاب وإخراجه إلى عالم النور بأفضل شكل ممكن ، فما وجد فيه من خلل أو خطأ فهو عن قصور لا تقصير ، ونسأل الله أن يتقبّل منّا هذا الجهد بقبول حسن ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

١١٢

 

١١٣

١١٤

الفتوى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله أجمعين.

كتاب في الفتوى

وفيه مقصدان :

المقصد الأوّل

في المفتي ، وما يتعلّق به من الأحكام

وفيه أبحاث :

البحث الأوّل

فيما يشترط في صحّة الفتوى من المفتي ، وكونه مفتيا يصحّ

الاستفتاء منه والعمل بما أفتى به

وهو أمور :

[ الأوّل ] : العقل ، فلا يصحّ فتوى المجنون حال الجنون مطلقا ؛ إجماعا فتوى ودليلا (١) ، من الاصول وغيرها ، ممّا سيأتي إلى جملتها الإشارة.

ولا فرق في ذلك بين الجنون الأدواري والأطباقي قطعا ؛ لعموم الأدلّة.

وكذلك لا فرق في ذلك بين وجود المفتي الجامع للشرائط وعدمه ؛ لذلك. وهل

__________________

(١) ادّعى الإجماع عليه جماعة منهم الشهيد الثاني في الروضة ، ج ٣ ، ص ٦٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ، ج ١٢ ، ص ٥ ، والسيّد المجاهد في المفاتيح ، ص ٦١١.

١١٥

يختصّ اشتراطه بحال البناء على الفتوى وابتداء العمل بما أفتى به ، أم لا ، بل يعمّه وصورة الاستدامة أيضا ؟ إشكال ، يأتي إلى وجهه الإشارة في محلّه.

[ الثاني ] : البلوغ ، فلا يصحّ فتوى الصبيّ الغير المميّز مطلقا ؛ إجماعا فتوى ودليلا (١) ، من الاصول وغيرها ، ممّا سيأتي إلى جملتها الإشارة.

وهل يصحّ فتوى المميّز مع استكماله سائر الشروط ؟ المعتمد : لا ، بلا خلاف ظاهر أجده فيه ، بل ولعلّه موضع وفاق ، كما يظهر من السيّد السند العلّامة الاستاد ـ دام ظلّه ـ في المفاتيح (٢) .

وهو الحجّة ، مضافا إلى الأصل والاستصحاب ، والعمومات الدالّة على عدم جواز نقض اليقين إلّا باليقين (٣) لو قلنا بتغايرهما (٤) ، والعمومات الدالّة على عدم جواز العمل بغير العلم والتقليد ، والاستقراء على القول بحجّيّته ـ كما هو المختار ـ إذ التتبّع في الشرعيّات يعطي عدم العبرة بقوله في العقود والإيقاعات (٥) ، وكونه كالمجنون في عدم اعتبار قوله ، وكونه محجورا عليه ، ومغايرته للبالغ العاقل غالبا ، فليكن هنا أيضا كذلك ، عملا بالاستقراء.

مضافا إلى فحوى ما دلّ على عدم صحّة إمامته ، وبطلان شهادته غالبا ، ونحوها ، وما دلّ على اشتراط الإيمان والعدالة في ذلك ، بناء على عدم تحقّقهما في حقّه كما يلوح أو يتوهّم من ظاهر بعض الكلمات (٦) وإن لا يخلو عن شيء ، فتأمّل.

وبما ذكره جمع يخصّص أو يقيّد عموم بعض ما سيأتي إليه الإشارة أو إطلاقه ؛ جمعا بين الأدلّة ، وعملا بالقاعدة الممهّدة.

__________________

(١) ادّعى الإجماع عليه جماعة منهم الشهيد الثاني في الروضة ، ج ٣ ، ص ٦٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ، ج ١٢ ، ص ٥.

(٢) مفاتيح الاصول ، ص ٦١٠.

(٣) انظر هذه العمومات في وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٢٤٥ ، ح ٦٣١.

(٤) أي بتغاير الاستصحاب مع عدم جواز نقض اليقين إلّا باليقين.

(٥) كقولهم بعدم صحّة بيعه وشرائه وصلحه و... انظر شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤.

(٦) انظر مفاتيح الأصول ، ص ٦١١.

١١٦

نعم ، لو لا ذلك لاتّجه الصحّة ؛ للعموم أو الإطلاق الآتي الدالّ على الصحّة ، فتنبّه.

وهل يختصّ ذلك بصورة التمكّن من المفتي الجامع للشرائط ؟ فيصحّ للمستفتي في صورة عدم التمكّن منه العمل بفتواه مع استكماله سائر الشروط ، أم لا ، بل يعمّ الصورتين ؟ فيه إشكال. وسيأتي الكلام فيه بعد ذلك إن شاء الله سبحانه.

[ الثالث ] : الإسلام ، فلا يصحّ فتوى الكافر بجميع أقسامه مطلقا ، بلا خلاف ظاهر أجده فيه ، بل لعلّه موضع وفاق كما في ظاهر بعض العبائر (١) ، وعن صريح مجمع الفائدة (٢) .

وهو الحجّة ؛ مضافا إلى الأصل والاستصحاب ؛ والعمومات المانعة من نقض اليقين بغيره ، ومن العمل بغير العلم (٣) ، والنافية للاستواء بين أصحاب النار وأصحاب الجنّة (٤) ، وبين الأعمى والبصير (٥) ، ونحوها.

مضافا إلى النهي عن الركون إلى الظالم (٦) ؛ وما دلّ على عدم صحّة فتوى غير العادل والمخالف (٧) ، أو فحواه ؛ فتأمّل.

نعم ، لو أسلم واستكمل سائر شروط الفتوى صحّ فتواه قطعا ؛ لما سيأتي.

وهل يختصّ ذلك بصورة التمكّن من المفتي الجامع للشرائط ، أم لا ، بل يعمّها وصورة عدمه أيضا ؟ فيه إشكال تأتي الإشارة إلى وجهه مع ما هو الصواب فيما بعد إن شاء الله سبحانه.

__________________

(١) انظر منية المريد ، ص ٢٨٩.

(٢) حكاه عنه في مفاتيح الأصول ، ص ٦١١ ؛ وهو في مجمع الفائدة والبرهان ، ج ١٢ ، ص ٦.

(٣) كقوله تعالى في الآية ٣٦ من سورة الإسراء : ﴿ وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ...

(٤) كقوله تعالى في الآية ٢٠ من سورة الحشر : ﴿ لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ .

(٥) كقوله تعالى في الآية ٥٠ من سورة الأنعام : ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ... وقوله تعالى في الآية ٥٨ ، من سورة غافر : ﴿ وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ...

(٦) كقوله تعالى في الآية ١١٣ من سورة هود : ﴿ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ.

(٧) انظر وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٠٦ ، ح ٣٣٣٣٤.

١١٧

وهل يختصّ ذلك بصورة العمل بالفتوى ابتداء ، أم لا ، بل يعمّها وصورة الاستدامة أيضا ؟ فيه أيضا إشكال ، تأتي الإشارة إلى وجهه مع ما هو الصواب فيما بعد ، فترقّب.

[ الرابع ] : الإيمان ـ أي كونه من الإماميّة الاثني عشريّة ـ فلا يصحّ فتوى غيره من فرق المسلمين ، بلا خلاف ظاهر أجده فيه ، بل ولعلّه عليه الاتّفاق كما عن صريح مجمع الفائدة (١) ، وفي ظاهر غيره (٢) .

وفي نهاية الوصول ومنية اللبيب : الإجماع واقع على أنّه لا يجوز تقليد غير المحقّ (٣) .

وهو الحجّة ، مضافا إلى الأصل والاستصحاب ، والعمومات المشار إليها ، والاستقراء ، وكونه بحكم الكافر في جميع الأحكام بحكم الأخبار المتكثّرة (٤) وغيرها ، إلّا ما خرج بالدليل ، وليس ما نحن فيه منه. وما دلّ على عدم صحّة فتوى الفاسق لكونه فاسقا شرعا ؛ فتأمّل.

مضافا إلى الأخبار الكثيرة الآمرة بالأخذ بما خالف العامّة ، المعلّل والمصرّح في جملة منها بأنّ ما خالف العامّة ففيه الرشاد (٥) ، وأنّ الحقّ في خلافهم (٦) ؛ إذ لو صحّ فتوى المخالف لما اتّجه ذلك.

مضافا إلى الأخبار الكثيرة المانعة من التحاكم إلى قضاة الجور (٧) في وجه وجيه.

نعم ، لو استبصر واستكمل سائر شروط الفتوى ، صحّ فتواه والعمل بها قطعا ؛ لما سيأتي.

__________________

(١) حكاه عنه في مفاتيح الاصول ، ص ٦١١ ؛ وهو في مجمع الفائدة ، ج ١٢ ، ص ٦.

(٢) انظر الروضة البهيّة ، ج ٣ ، ص ٦٢.

(٣) نهاية الوصول إلى علم الاصول ، الورقة ٣٢٠ ؛ وحكاه عن منية اللبيب في مفاتيح الاصول ، ص ٦١١.

(٤) انظر وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١ ، أبواب صفات القاضي ، الباب ١.

(٥) انظر وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١٢ ، ح ٣٣٣٥٢.

(٦) انظر وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١٥ ، ح ٣٣٣٥٦.

(٧) انظر وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١ ، ح ٣٣٠٧٩.

١١٨

وهل يختصّ ذلك بصورة التمكّن من المفتي الجامع للشرائط ، أم لا ، بل يعمّها وغيرها أيضا ؟ فيه إشكال ، تأتي الإشارة إلى وجهه مع ما هو الصواب فيما بعد.

وهل يختصّ ذلك بصورة الاختيار ، أم لا ، بل يعمّها وصورة الاضطرار والتقيّة ؟

فيه أيضا إشكال ، تأتي الإشارة إلى وجهه مع ما هو الصواب فيما بعد.

وهل يختصّ ذلك بصورة العمل بالفتوى ابتداء ، أم لا ، بل يعمّها وصورة الاستدامة أيضا ؟ فيه إشكال ، تأتي الإشارة إلى وجهه مع ما هو الصواب فيما بعد ؛ فارتقبوا إنّي معكم رقيب.

[ الخامس ] : العدالة ، فلا يصحّ فتوى الفاسق ومجهول الحال ما داما كذلك ، بلا خلاف ظاهر أجده فيه ، بل لعلّه عليه الإجماع ـ كما في تهذيب الوصول ، ونهاية الوصول ، والروضة ، وشرح المبادي (١) ـ بل الاتّفاق كما عن المبادي ، وفي منية اللبيب ، والمفاتيح ، وإحكام الآمدي. (٢)

وهو الحجّة ، مضافا إلى الأصل والاستصحاب ، والعمومات المشار إليها ، والاستقراء ، وعموم قوله سبحانه : ﴿ أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (٣) .

وقوله سبحانه : ﴿ أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٤) .

مضافا إلى ظواهر جملة من الأخبار الآتية.

وبهذه يخصّص أو يقيّد عموم بعض ما سيأتي أو إطلاقه ـ لو تمّ بحيث يشمل ما نحن فيه ـ جمعا بين الأدلّة ، وعملا بالقاعدة الممهّدة.

__________________

(١) تهذيب الوصول إلى علم الاصول : ٢٨٩ وص ٢٩٢ ؛ نهاية الوصول إلى علم الاصول ، الورقة ٣٢٠ ؛ الروضة البهيّة ، ٣ ، ص ٦٢ ؛ وحكاه عن شرح المبادي لفخر المحقّقين في مفاتيح الاصول ، ص ٦١١.

(٢) مبادي الوصول إلى علم الاصول ، ص ٢٤٧. وحكاه عن المنية في مفاتيح الاصول ، ص ٦١١ ؛ والإحكام في اصول الأحكام ، ج ٤ ، ص ٤٥٣.

(٣) السجدة (٣٢) : ١٨.

(٤) آل عمران (٣) : ١٦٢.

١١٩

نعم ، لو صار عادلا أو ثبت عدالته واستكمل سائر الشروط ، صحّ فتواه والعمل بها قطعا ؛ لما سيأتي.

وهل يختصّ ذلك بصورة التمكّن من المفتي الجامع للشرائط ، أم لا ، بل يعمّها وغيرها أيضا ؟ فيه إشكال ، تأتي الإشارة إلى وجهه مع ما هو الصواب فيما بعد.

وهل يختصّ بصورة العمل بالفتوى ابتداء ، أم لا ، بل يعمّها وصورة الاستدامة أيضا ؟ فيه أيضا إشكال تأتي الإشارة إلى وجهه مع ما هو الصواب فيما بعد إن شاء الله سبحانه.

[ السادس ] : الفقاهة ، فلا يصحّ فتوى العامّي الصرف ، والعالم بغير الفروع مطلقا ، بلا خلاف فيه كما عن الكفاية (١) ، بل عليه الإجماع كما في النهاية ، والتهذيب ، ومنية اللبيب ، والمفاتيح ، والإحكام ، وعن المبادي ، وشرحه ، والمقاصد العليّة ، ومجمع الفائدة (٢) .

وهو الحجّة ، مضافا إلى الأصل والاستصحاب ، والعمومات الدالّة على عدم جواز نقض اليقين إلّا باليقين ، والمانعة عن التقليد والعمل بغير العلم ، وغيرها ممّا دلّ على عدم صحّة فتوى الفاسق في وجه وجيه.

مضافا إلى الآيات والروايات المعتبرة الآتية.

وهل يصحّ فتوى المتجزّئ في الفروع على تقدير إمكان التجزّي عقلا ووقوعه عادة وحجّيّته شرعا بالإضافة إليه ؟

المعتمد : لا ؛ لعموم أكثر الوجوه المشار إليها ، مضافا إلى أنّ اللائح من عبائر نقلة

__________________

(١) حكاه عنه في مفاتيح الاصول ، ص ٦١٢ ؛ وهو في الكفاية في الفقه ، ج ٢ ، ص ٦٦٠.

(٢) نهاية الوصول إلى علم الاصول ، الورقة ٣٢٠ ؛ تهذيب الوصول إلى علم الاصول ، ص ٢٩٢ ؛ وحكاه عن منية اللبيب في مفاتيح الاصول : ٦١٢ ؛ مفاتيح الشرائع ، ج ٢ ، ص ٥١ ؛ الإحكام في أصول الأحكام ، ج ٤ ، ص ٤٤٥ ؛ حكاه عن المبادي وشرحه في مفاتيح الاصول ، ص ٦١١ ؛ المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة ، ص ٤٧ ؛ مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٧ ، ص ٥٤٩.

١٢٠