أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٠
الباب الأوّل :
في الوضوء
والبحث عن أسبابه ، وأقسامه ، وواجباته ، وآدابه ، وأحكامه يقع في فصول خمسة :
الفصل الأوّل :
في أسبابه
وهي ستة :
الأوّل والثاني والثالث : البول والغائط والريح من الموضع الطبيعي المعتاد خروجه منه لعامة الناس وإن لم يعتد لشخص. والنقض بها إجماعي ، ونقل الإجماع عليه مستفيض (١) ، والمستفيضة عليه دالّة :
ففي صحيحة زرارة : ما ينقض الوضوء؟ فقالا : « ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الدبر والذكر ، غائط أو بول أو مني أو ريح ، والنوم حتى يذهب العقل ، وكل النوم يكره إلاّ أن تكون تسمع الصوت » (٢).
والأخرى : « لا يوجب الوضوء إلاّ غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها » (٣)
ورواية زكريا : « إنّما ينقض الوضوء ثلاث : البول والغائط والريح » (٤).
وصحيحة أبي الفضل : « ليس ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله عليك بهما » (٥).
__________________
(١) كما نقله في المعتبر ١ : ١٠٦ ، والتذكرة ١ : ١٠ ، والمدارك ١ : ١٤٢.
(٢) الكافي ٣ : ٣٦ الطهارة ب ٢٣ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٨ ـ ١٢ ، ٩ ـ ١٥ ، الوسائل ١ : ٢٤٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٢.
(٣) التهذيب ١ : ١٠ ـ ١٦ ، ٣٤٦ ـ ١٠١٦ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٢.
(٤) الكافي ٣ : ٣٦ الطهارة ب ٢٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠ ـ ١٨ ، الاستبصار ١ : ٨٦ ـ ٢٧٢ ، الخصال : ٢١ ـ ٤٧ ، الوسائل ١ : ٢٥٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٦.
(٥) الكافي ٣ : ٣٥ الطهارة ب ٢٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠ ـ ١٧ ، الاستبصار ١ : ٨٥ ـ ٢٧١ ، الوسائل ١ : ٢٤٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٤.
وصحيحة زرارة : « لا ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك أو النوم » (١) إلى غير ذلك.
وتقييد الريح الناقض ( في الثانية ) (٢) بأحد الوصفين محمول على صورة حصول الشك بدونهما ، وفائدته بيان لزوم تيقّن الخروج وعدم كفاية الشك بل الظن.
وأمّا مع التيقن فلا ريب في ناقضيته مطلقا ، للإجماع ، والمروي في مسائل علي : عن رجل في صلاته ، فيعلم أنّ ريحا قد خرجت ولا يجد ريحها ولا يسمع صوتها ، قال : يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتدّ بشيء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا » (٣).
والرضوي : « وإن استيقنت أنّها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع ، وشممت ريحها أو لم تشم » (٤).
وضعفهما منجبر بالإجماع المنقول بل المحقّق ، فبهما وبه (٥) يخصص عموم الثانية وينزّل (٦).
واحتمال بعض المتأخّرين (٧) اشتراط الناقضية بأحد الوصفين ـ كما ذكره بعض مشايخنا (٨) ، بل نقل الفتوى به عن بعض علماء زمانه ـ ضعيف جداً. كما
__________________
(١) التهذيب ١ : ٦ ـ ٢ ، الاستبصار ١ : ٧٩ ـ ٢٤٤ ، الوسائل ١ : ٢٤٨ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ١.
(٢) لا توجد في « ق ».
(٣) مسائل علي بن جعفر : ١٨٤ ـ ٣٥٨ ، الوسائل ١ : ٢٤٨ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٢.
(٤) فقه الرضا عليهالسلام : ٦٧ ، المستدرك ١ : ٢٧٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٢.
(٥) أي بهاتين الروايتين وبالإجماع يخصّص عموم صحيحة زرارة الثانية « لا يوجب الوضوء إلا غائط .. ».
(٦) في « ه » و « ق » يترك.
(٤) كما في المدارك ١ : ١٤٢.
(٨) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح : ( مخطوط ).
أنّ ردّ الصحيحة : بكون دلالتها على عدم النقض ( بدون أحد الوصفين ) (١) بمفهوم الوصف وهو ليس بحجة ـ كما قاله بعض مشايخنا (٢) ـ غريب كذلك.
وفي حكم الطبيعي غيره إن كان خلقيّاً أو انسدّ الطبيعي ، لظاهر الوفاق ، بل عليه الإجماع في المنتهى والمدارك (٣).
وفي اعتبار الاعتياد هنا كنهاية الإحكام (٤) ، أو عدمه كظاهر المنتهى (٥) احتمالان ، أظهرهما : الأول.
ومع انتفاء الأمرين : ففي عدم النقض مطلقا ، كظاهر الشرائع (٦) وطائفة من متأخّري المتأخّرين (٧) منهم والدي العلاّمة ، أو النقض كذلك ، كالسرائر والتذكرة (٨) ، أو التفصيل بالاعتياد وعدمه ، كما في المعتبر (٩) والقواعد والدروس والذكرى (١٠) ، بل نسب إلى المشهور (١١) ، وبالخروج عن تحت المعدة فينقض ، وفوقها فلا ينقض ، كما عن المبسوط والخلاف (١٢) ، أقوال.
والحق هو الأوّل ، للأصل ، وفقد المانع كما يأتي.
__________________
(١) لا توجد في « ق ».
(٢) حاشية المدارك : ٣٢ ، شرح المفاتيح : ( مخطوط ).
(٣) المنتهى ١ : ٣٢ ، المدارك ١ : ١٤٤.
(٤) نهاية الاحكام ١ : ٧١.
(٥) المنتهى ١ : ٣٢.
(٦) الشرائع ١ : ١٧.
(٧) منهم صاحب المدارك ١ : ١٤٣ ، وصاحبا الرياض ١ : ١٤ ، وكشف الغطاء : ١٠٧.
(٨) السرائر ١ : ١٠٦ ، التذكرة ١ : ١٠.
(٩) في « ه » و « ق » : المنتهى.
(١٠) المعتبر ١ : ١٠٧ ، القواعد ١ : ٣ ، الدروس ١ : ٨٧ ، الذكرى : ٢٥.
(١١) كما نسبه في الحدائق ٢ : ٨٦.
(١٢) المبسوط ١ : ٢٧ ، الخلاف ١ : ١١٥.
للثاني : ( عموم ) (١) قوله سبحانه ( إِذا قُمْتُمْ ) و ( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ) (٢) وعموم الروايتين : الثانية والثالثة ، واحتياج الشغل اليقيني إلى البراءة اليقينية ، وتنقيح المناط.
ويضعّف الأوّل : بأنّ المراد القيام من النوم كما في الأخبار ، فهي المخصص لعمومه لو كان.
مضافا إلى تعارضه مع الأخبار المصرّحة بأنّ يقين الوضوء لا ينقضه إلاّ يقين الحدث ، والناهية عن الوضوء إلاّ مع يقينه ، والحاصرة للنقض بالخارج عن السبيلين (٣).
والثاني : بعدم إرادة الحقيقة من المجيء عن الغائط الذي هو المكان المنخفض ، فيمكن أن يكون مجازه التخلّي للتغوّط المتعارف.
والثالث : بمنع العموم فيهما سيما في أولهما ، ولو كان فإطلاقه ينصرف إلى الشائع. مع أنّه لا بدّ فيهما من ارتكاب تجوّز أو تقدير مضاف ، ضرورة عدم كون نفس البول وأخويه ناقضا ، فيمكن أن يكون البول مثلا مجازا عن فرد خاص هو البول الخارج على نحو خاص حال كونه كذلك ، أو عن خروجه على نحو خاص.
مضافا إلى معارضته مع الصحيحتين الأخيرتين بالعموم من وجه فيرجع إلى الأصل.
والرابع : بعدم القطع بالاشتغال بأزيد من الصلاة مع مثل هذا الوضوء.
والخامس : بمنع كونه قطعيا ، لعدم العلم بالعلة.
للثالث : صدق الطرفين اللذين أنعم الله بعد الاعتياد ، وعدم منافاة
__________________
(١) لا توجد في « ق ».
(٢) المائدة : ٦.
(٣) راجع الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١.
الانصراف إلى المعتاد له.
والأوّل ممنوع ، مع أنّ التقييد بالأسفلين ينافي عموم المطلوب.
والثاني مردود : بأنّ ما ينصرف إليه المطلق هو المعتاد من أفراد المهية لا لشخص واحد.
للرابع على الجزء الأوّل : بعض ما مرّ مع جوابه.
وعلى الثاني : عدم صدق الاسم على الخارج من الفوق ، وضعفه ظاهر.
ثمَّ الشائع المتبادر من الريح ما خرج من الدبر ، فلا ينقض الخارج من القبل مطلقا ، وفاقا للمنقول عن السرائر والمنتهى والمهذب والبيان (١).
وعن التذكرة القطع بنقض الخارج منه من قبل المرأة (٢) ، واستقر به في المعتبر والذكرى (٣) مع الاعتياد. ومستندهما ضعيف.
وقد يقال باعتبار الشيوع في نفس الخروج أيضا لتبادر الخروج المعتاد من المطلقات ، ويفرّع عليه : أنّه ( لو ) (٤) خرجت المقعدة ملوثة بالغائط ثمَّ عادت ولم ينفصل لم ينقض (٥).
ولا يخفى أنّ بعد تفريع ذلك على اعتبار الشيوع في الخروج لا وجه للتقييد بالعود وعدم الانفصال ، إذ الخروج الكذائي غير شائع عادت المقعدة أم. لا ، انفصل الغائط أم لا. مع أنّ ذلك الاعتبار في نفس الخروج يوجب عدم النقض بالخارج بالإصبع ونحوها ، وبالاحتقان ودوس البطن وتناول المسهل والدود المتلطخ ونحوها إلاّ بدليل آخر.
والتحقيق ـ كما بيّنّا في موضعه ـ : أنّ الانصراف إلى المتعارف إنّما هو إذا بلغ
__________________
(١) السرائر ١ : ١٠٧ ، المنتهى ١ : ٣١ و ٣٢ ، المهذب ١ : ٢٤٩ ، البيان : ٤٠.
(٢) التذكرة ١ : ١١.
(٣) المعتبر ١ : ١٠٨ ، الذكرى : ٢٥.
(٤) أثبتناه لاستقامة المعنى.
(٥) الرياض ١ : ١٤.
التعارف بحيث يتبادر معه إرادة المتعارف ويكون قرينة معينة لإرادته ، وهو هنا ليس كذلك ، ولذا يحكم بالنقض بالغائط الأسود والأبيض والبول الأحمر ونحوها. فالحقّ : النقض بالمقعدة المذكورة أيضا.
الرابع : النوم المعطل للسمع والعقل ولو تقديرا مطلقا ، بالإجماع المحقّق والمحكي في الخلاف والتهذيب والمعتبر (١) وغيرها (٢) ، وعن الانتصار والناصريات (٣) ، وجعله في الخصال من دين الإمامية (٤).
وخلاف ابني بابويه في مطلقه (٥) كأحدهما في غير حالة الانفراج (٦) لم يثبت ، وكلامهما لو دلّ عليه بظاهره ، يجب فيه التأويل : بأنّ المراد عدم ناقضيته في نفسه ، بل لكونه مظنة الريح غالبا ، فلذلك ينقض ولو عدم خروج الريح لما في الخصال ، مع أنّه لو ثبت ، ففي الإجماع لا يقدح ، فهو الحجة.
مضافا إلى المستفيضة كصحيحتي زرارة المتقدمتين (٧) ، والأخرى : « يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء » قلت : فإن حرّك إلى جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال : « لا حتى يستيقن أنّه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ، ولكن ينقضه بيقين آخر » (٨).
__________________
(١) الخلاف ١ : ١٠٩ ، التهذيب ١ : ٥ ، المعتبر ١ : ١٠٩.
(٢) كالتذكرة ١ : ١١ ، والمنتهى ١ : ٣٢.
(٣) الانتصار : ٣٠ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٦.
(٤) هكذا نقل في الرياض ١ : ١٤ عن الخصال ، ولم نعثر عليه فيه نعم في المجالس : ٥١٤ المجلس ٩٣ عدّ ناقضية النوم إذا ذهب العقل ، من دين الإمامية ، وروى في الخصال في حديث شرائع الدين « لا ينقض الوضوء الا البول والريح والنوم والغائط والجنابة ».
(٥) لاحظ المقنع : ٤ ، الهداية : ١٨ ، ونقل في المختلف : ١٧ كلاما عن علي بن بابويه في ذلك.
(٦) لاحظ الفقيه ١ : ٣٨ ـ ١٤٤.
(٧) في ص ٧ و ٨.
(٨) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.
وصحيحة ابن الحجاج : « من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء » (١).
وصحيحة عبد الحميد : « من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أيّ الحالات فعليه الوضوء » (٢).
وصحيحة ابن المغيرة : عن الرجل ينام على دابته ، فقال : « إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء » (٣).
وصحيحة ابن خلاّد : عن رجل به علّة لا يقدر على الاضطجاع ، والوضوء يشتد عليه ، وهو قاعد مستند بالوسائد ، فربما أغفى وهو قاعد على تلك الحال ، قال : « يتوضأ » قلت : إنّ الوضوء يشتد عليه ، قال : « إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء » (٤).
وموثقة ابن بكير : قلت : ينقض النوم الوضوء؟ فقال : « نعم إذا غلب على السمع ولا يسمع الصوت » (٥).
ورواية سعد : « أذنان وعينان ، تنام العينان ولا تنام الأذنان وذلك لا ينقض الوضوء ، فإذا نامت العينان والأذنان انتقض الوضوء » (٦) إلى غير ذلك.
وإطلاق بعضها بالنسبة إلى غير الغالب على السمع والعقل مقيد بالمقيدات ،
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٧ الطهارة ب ٢٣ ح ١٥ ، الوسائل ١ : ٢٥٤ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٩.
(٢) التهذيب ١ : ٦ ـ ٣ ، الاستبصار ١ : ٧٩ ـ ٢٤٧ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٣.
(٣) التهذيب ١ : ٦ ـ ٤ ، الاستبصار ١ : ٧٩ ـ ٢٤٥ ، الوسائل ١ : ٢٥٢ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٢.
(٤) الكافي ٣ : ٣٧ الطهارة ب ٢٣ ح ١٤ ، التهذيب ١ : ٩ ـ ١٤ ، الوسائل ١ : ٢٥٧ أبواب نواقض الوضوء ب ٤ ح ١.
(٥) التهذيب ١ : ٧ ـ ٩ ، الاستبصار ١ : ٨٠ ـ ٢٥١ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٧.
(٦) الكافي ٣ : ٣٧ الطهارة ب ٢٣ ح ١٦ ، الوسائل ١ : ٢٤٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٨.
مع أنّه سنة لا نوم. وتعطيل السمع والعقل متلازمان كما يومئ إليه صحيحتا زرارة (١) أيضا ، فالاكتفاء بأحدهما في بعضها غير ضائر.
وبتلك الأخبار يخصّص ما دلّ على انتفاء الناقض غير ما يخرج عن السبيلين مطلقا ، فالحصر فيه إضافي بالنسبة إلى ما يخرج.
وبعض الظواهر النافي للنقض في بعض الحالات ، كموثّقة سماعة : عن الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعا ، قال : « ليس عليه وضوء » (٢).
ورواية عمران : « من نام وهو جالس لم يتعمد النوم فلا وضوء عليه » (٣).
ومرسلة الفقيه : « عن الرجل يرقد وهو قاعد ، عليه الوضوء؟ فقال : لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج » (٤).
ورواية الحضرمي : « إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء ، وإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء » (٥).
لا يضر ، لضعفها بالشذوذ ، ومخالفتها للشهرة بل الإجماع.
مع أنّ المذكور في الأولى الخفق وهو النعاس أي ابتداء النوم ، وفي الثانية عدم التعمد ، ويمكن أن يكون بالغين المعجمة فيراد به ما لم يعطل العقل.
ولو قطع النظر عن ذلك كله يتعارض مع بعض ما مر ، والترجيح لنا ، لموافقة أخبارنا الكتاب ومخالفتها العامة (٦).
وأمّا الصحيح : في الرجل هل ينقض وضوؤه إذا نام وهو جالس؟ قال : « إن
__________________
(١) المتقدمتان ص ٧ و ١٢.
(٢) الفقيه ١ : ٣٨ ـ ١٤٣ ، الوسائل ١ : ٢٥٥ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١٢.
(٣) التهذيب ١ : ٧ ـ ٦ ، الاستبصار ١ : ٨٠ ـ ٢٤٨ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١٤.
(٤) الفقيه ١ : ٣٨ ـ ١٤٤ ، الوسائل ١ : ٢٥٤ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١١.
(٥) التهذيب ١ : ٧ ـ ٧ ، الاستبصار ١ : ٨٠ ـ ٢٤٩ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١٥.
(٦) راجع المغني ١ : ١٩٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦.
كان يوم الجمعة وهو في المسجد فلا وضوء عليه ، وذلك بأنّه في حال الضرورة » (١).
فمحمول إمّا على عدم إمكان الخروج من المسجد فيتيمّم حينئذ ـ كما يأتي في بابه (٢) ـ أو على التقية ، لعدم الضرورة في غيرهما. ولو منع الحملان فيكون متروك الظاهر عند الأصحاب كلا ، فلا حجية فيه.
ثمَّ النوم ناقض بنفسه ، لظاهر الأخبار المتقدمة ، وصريح حسنة الأشعري : « لا ينقض الوضوء إلاّ حدث ، والنوم حدث » (٣).
لا لكونه مظنة الريح كما يظهر من بعض الروايات (٤) ، لضعفه وموافقته العامة ، وتصريح صحيحة زرارة المتقدمة (٥) بعدم النقض باحتمال طروّ الناقض ظنا أو شكا. مع أن التعليل بكونه مظنته غالبا لا ينافي النقض به مطلقا ، فإنّ أمثال هذه التعليلات في الشرع كثيرة ، فإنّ هذه العلّة صارت علة للكلية كما في الخمر.
وأمّا رواية الكناني : عن الرجل يخفق في الصلاة ، قال : « إن كان لا يحفظ حدثا منه ـ إن كان ـ فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، وإن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة » (٦) فلا ينافي ما ذكرنا ، لأنّ المراد أنّه إن غلب على العقل ، فعليه الوضوء وإلاّ فلا ، لأنّ عدم حفظ الحدث في الصلاة يستلزم ذهاب العقل ، كما أنّ استيقان عدمه لا يكون إلاّ مع بقاء العقل.
__________________
(١) التهذيب ١ : ٨ ـ ١٣ ، الاستبصار ١ : ٨١ ـ ٢٥٣ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١٦.
(٢) سيأتي في المسألة الرابعة من الفصل الخامس من التيمم.
(٣) التهذيب ١ : ٦ ـ ٥ ، الاستبصار ١ : ٧٩ ـ ٢٤٦ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٤.
(٤) الوسائل ١ : ٢٥٥ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١٣.
(٥) في ص ١٢.
(٦) التهذيب ١ : ٧ ـ ٨ ، الاستبصار ١ : ٨٠ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٦.
الخامس : كل مزيل للعقل من جنون أو سكر أو إغماء ، بالإجماع المحقق والمحكي في التهذيب (١) والخصال (٢) والمعتمد وغيرها (٣) ، وفي المنتهى : لا نعلم فيه مخالفا (٤).
ويؤيد بعض المطلوب : رواية الدعائم : « إنّ المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه » (٥).
والاستدلال بصحيحة ابن خلاّد (٦) من جهة الإغفاء ، أو عموم : « إذا خفي عليه الصوت » ، أو تعليق نقض النوم بذهاب العقل من باب التنبيه أو الأولوية ، أو بالنقض بالنوم من باب تنقيح المناط ، ضعيف.
السادس : بعض أفراد الاستحاضة كما يأتي في محله. وأمّا الحدث الأكبر فهو وإن كان ناقضا للوضوء إلاّ أنّه ليس من أسبابه.
فرع : الشك في تحقق الناقض لا عبرة به ، وكذا الظن ، لأنّ اليقين بالطهارة لا ينقض إلاّ بيقين مثله كما صرّح به في الأخبار (٧).
ولصحيحة ابن عمار (٨) وخبر البصري (٩) في الريح ، وإحدى صحاح زرارة
__________________
(١) التهذيب ١ : ٥.
(٢) لم نعثر عليه فيه ، ولكن نقل عنه في الرياض ١ : ١٤ ، ومفتاح الكرامة ١ : ٣٧ أنه عده من دين الإمامية ، نعم ربما يستفاد من كلامه في المجالس حيث إنه عدّ من دين الإمامية ناقضية النوم المزيل للعقل ـ فتأمّل.
(٣) كالمدارك ١ : ١٤٩.
(٤) المنتهى ١ : ٣٤.
(٥) الدعائم ١ : ١٠١ ، المستدرك ١ : ٢٢٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٤.
(٦) المتقدمة ص ١٣.
(٧) راجع الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١.
(٨) التهذيب ١ : ٣٤٧ ـ ١٠١٧ ، الاستبصار ١ : ٩٠ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ١ : ٢٤٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٣.
(٩) الفقيه ١ : ٣٧ ـ ١٣٩ ، التهذيب ١ : ٣٤٧ ـ ١٠١٨ ، الاستبصار ١ : ٩٠ ـ ٢٨٨ ، الوسائل ١ : ٢٤٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٥.
في النوم (١).
والشك في سماع الصوت كالشك في النوم.
ولا اعتبار بالرؤيا ، لإمكان تحققه مع عدم بطلان العقل والسمع إذا قوي الخيال.
تذنيب : ليس للوضوء غير ما ذكر سبب موجب على الأظهر الأشهر رواية وفتوى ، وإن اختلفت الأخبار بل الأقوال في أشياء.
منها : المذي. خالف فيه الإسكافي ، فقال بنقضه للوضوء إن خرج بشهوة (٢).
ويشعر كلام التهذيب بالنقض مع الكثرة (٣) ، وذهب (٤) العامة إلى النقض به مطلقا (٥).
لنا ـ بعد الأصل والإجماع المحقق والمحكي في التذكرة (٦) وغيرها ـ (٧) المستفيضة المتواترة معنى من الصحاح وغيرها المصرّحة بعدم النقض بالمذي مطلقا ، كالصحاح الثلاث للشحّام (٨) وابن بزيع (٩) وابن سنان (١٠) ، وحسنة بريد
__________________
(١) التهذيب ١ : ٨ ـ ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.
(٢) نقله عنه في المختلف : ١٨.
(٣) التهذيب ١ : ١٨.
(٤) في « ق » وذهبت.
(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٤ ، الأم للشافعي ١ : ٣٩.
(٦) التذكرة ١ : ١١.
(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩.
(٨) التهذيب ١ : ١٧ ـ ٤٠ ، الاستبصار ١ : ٩١ ـ ٢٩٣ ، الوسائل ١ : ٢٧٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٥.
(٩) التهذيب ١ : ١٨ ـ ٤٣ ، الاستبصار ١ : ٩٢ ـ ٢٩٦ ، الوسائل ١ : ٢٩٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٩.
(١٠) التهذيب ١ : ٢٠ ـ ٤٩ ، الاستبصار ١ : ٩٤ ـ ٣٠٢ ، الوسائل ١ : ٢٨٠ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ١٤.
ابن معاوية (١) ، وموثقة ابن عمّار (٢). أو ولو مع السيلان ، كصحيحة الفضلاء (٣). أو ولو بلغ عقبيك ، أو الفخذ كحسنتي زرارة (٤) ومحمّد (٥). أو مع الشهوة كمرسلتي ابن أبي عمير (٦) وابن رباط ، وفي الأخيرة : « يخرج من الإحليل المني والودي والوذي » إلى أن قال : « وأمّا المذي فهو الذي يخرج من الشهوة ولا شيء فيه » (٧) وغير ذلك ، وفي كثير منها أنّه بمنزلة النخامة.
والمصرّح به في كلام جماعة من الفقهاء (٨) ، وطائفة من أهل اللغة ـ كصاحبي الصحاح والقاموس وابن الأثير والهروي (٩) ـ أنّ المذي هو الخارج عقيب الشهوة ، وتدل عليه مرسلة ابن رباط. فتوصيفه في مرسلة ابن أبي عمير بقوله : « من الشهوة » للتوضيح. والاستعمال في الأعم في بعض الأخبار تجوّز.
ويكون ما يتمسك به للإسكافي ـ كصحيحة ابن يقطين : عن المذي أينقض الوضوء؟ قال : « إن كان بشهوة نقض » (١٠) وبمضمونها روايتا أبي بصير (١١)
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٩ الطهارة ب ٢٥ ح ٣ ، الوسائل ١ : ٢٧٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ١.
(٢) التهذيب ١ : ١٧ ـ ٣٩ ، الاستبصار ١ : ٩١ ـ ٢٩٢ ، الوسائل ١ : ٢٧٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٧.
(٣) التهذيب ١ : ٢١ ـ ٥٢ ، الاستبصار ١ : ٩٤ ـ ٣٠٥ ، الوسائل ١ : ٢٧٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ملحق ح ٢.
(٤) الكافي ٣ : ٣٩ الطهارة ب ٢٥ ح ١ ، الوسائل ١ : ٢٧٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٢.
(٥) الكافي ٣ : ٤٠ الطهارة ب ٢٥ ح ٤ ، الوسائل ١ : ٢٧٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٣.
(٦) التهذيب ١ : ١٩ ـ ٤٧ ، الاستبصار ١ : ٩٣ ـ ٣٠٠ ، الوسائل ١ : ٢٧٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٢.
(٧) التهذيب ١ : ٢٠ ـ ٤٨ ، الاستبصار ١ : ٩٣ ـ ٣٠١ ، الوسائل ١ : ٢٧٨ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٦.
(٨) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤.
(٩) الصحاح ٦ : ٢٤٩٠ ، القاموس ٤ : ٣٩١ ، النهاية ٤ : ٣١٢ ، غريب الحديث ٢ : ٥٥.
(١٠) التهذيب ١ : ١٩ ـ ٤٥ ، الاستبصار ١ : ٩٣ ـ ٢٩٨ ، الوسائل ١ : ٢٧٩ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ١١.
(١١) التهذيب ١ : ١٩ ـ ٤٤ ، الاستبصار ١ : ٩٣ ـ ٢٩٧ ، الوسائل ١ : ٢٧٩ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ١٠.
والكاهلي (١) ، وصحيحة يعقوب : عن الرجل يمذي في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة ، فقال : « المذي منه الوضوء » (٢) وغير ذلك ـ معارضا لما تقدّم بالتساوي ، ومطابقا لمذهب العامة ، ولأجله يرجّح ما تقدّم ، بل ولولاه أيضا ، لموافقته للأصل.
مع أنّ هذه الأخبار ليست بحجة ، لمخالفتها للشهرة القديمة والجديدة ، ولعمل راويها ، وبعضها كالأخيرة على الوجوب غير دالّة.
وبهذا يجاب لو عمّم المذي لغة حتى يكون من تعارض المطلق والمقيد ، مضافا إلى تساويها مع المرسلتين فتقدّمان ، لما مرّ.
وضعفهما سندا عندنا غير ضائر ، ولو كان ، فالعمل لهما جابر ، مع أنّ ابن أبي عمير ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، ومراسيله كالمسانيد.
ومنها : تقبيل المرأة بشهوة ، ومسّ الفرجين من الغير كذلك ، ومسّ باطنهما مطلقا.
خالف فيها الإسكافي (٣) ، وفي الأخير الصدوق (٤) أيضا مع ضم فتح الإحليل ، لرواية أبي بصير (٥) وموثقة عمّار (٦).
__________________
(١) التهذيب ١ : ١٩ ـ ٤٦ ، الاستبصار ١ : ٩٣ ـ ٢٩٩ ، الوسائل ١ : ٢٧٩ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ١٢.
(٢) التهذيب ١ : ٢١ ـ ٥٣ ، الاستبصار ١ : ٩٥ ـ ٣٠٦ ، الوسائل ١ : ٢٨١ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ١٦.
(٣) نقله عنه في المختلف : ١٧.
(٤) الفقيه ١ : ٣٩.
(٥) التهذيب ١ : ٢٢ ـ ٥٦ ، الاستبصار ١ : ٨٨ ـ ٢٨٠ ، الوسائل ١ : ٢٧٢ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٩.
(٦) التهذيب ١ : ٤٥ ـ ١٢٧ ، الاستبصار ١ : ٨٨ ـ ٢٨٤ ، الوسائل ١ : ٢٧٢ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ١٠.
وهما ـ مع عدم دلالة أولاهما على الأزيد من الاستحباب ، ومعارضتهما مع مرسلة ابن أبي عمير (١) والصحاح الخمس للحلبي (٢) وزرارة (٣) ومعاوية (٤) ورواية عبد الرحمن (٥) ـ لا تصلحان للحجية ، لمخالفتهما لعمل معظم الطائفة بل إجماع الفرقة على التحقيق.
ومنها : القهقهة في الصلاة متعمدا للنظر إلى المضحك أو سماعه ، والحقنة ، والدم الخارج من السبيلين المشكوك في مصاحبة الناقض له.
خالف فيها الإسكافي (٦) أيضا ، لمضمرتي ابن أبي عمير (٧) وسماعة (٨) في الأوّل.
وجوابه ما مر من الشذوذ المخرج عن الحجية ، مع معارضتهما لحسنة زرارة (٩) ، مضافا إلى ضعف الأولى من جهة الدلالة.
__________________
(١) المتقدمة في ص ١٨.
(٢) التهذيب ١ : ٢٢ ـ ٥٨ ، الاستبصار ١ : ٨٨ ـ ٢٧٩ ، الوسائل ١ : ٢٧١ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٥.
(٣) أ ـ الكافي ٣ : ٣٧ الطهارة ب ٢٣ ح ١٢ ، الوسائل ١ : ٢٧٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٣.
ب : التهذيب ١ : ٢٣ ـ ٥٩ ، الوسائل ١ : ٢٧٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ملحق ح ٣.
ج : التهذيب ١ : ٢١ ـ ٥٤ ، الاستبصار ١ : ٨٧ ـ ٢٧٧ ، الوسائل ١ : ٢٧٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٣.
(٤) التهذيب ١ : ٣٤٦ ـ ١٠١٤ ، الاستبصار ١ : ٨٨ ـ ٢٨٢ ، الوسائل ١ : ٢٧١ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٧.
(٥) التهذيب ١ : ٢٢ ـ ٥٧ ، الاستبصار ١ : ٨٨ ـ ٢٨١ ، الوسائل ١ : ٢٧١ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٦.
(٦) نقله عنه في المختلف : ١٨.
(٧) التهذيب ١ : ١٢ ـ ٢٤ ، الاستبصار ١ : ٨٦ ـ ٢٧٤ ، الوسائل ١ : ٢٦٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ١٠.
(٨) التهذيب ١ : ١٢ ـ ٢٣ ، الاستبصار ١ : ٨٦ ـ ٢٧٣ ، الوسائل ١ : ٢٦٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ١١.
(٩) الكافي ٣ : ٣٦٤ الصلاة ب ٥٠ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ـ ١٣٢٤ ، الوسائل ١ : ٢٦١ أبواب