السيّد مصطفى الحسيني
المحقق: سعد رستم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجسور الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٨
أما الجواب عن السؤال الأول : أي عن تفسير قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) : فقد أخرج أبو جعفر الطبري في تفسيره عن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام في قوله تعالى : (وعلى الّذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال : «الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا» (١).
وفي مسند الإمام زيد بن عليّ عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليّ عليهمالسلام قال : «لما أنزل الله عزوجل فريضة شهر رمضان ... أتى شيخ كبير يتوكأ بين رجلين فقال يا رسول الله هذا شهر رمضان مفروض ولا أطيق الصيام. فقال رسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : اذهب فأطعم عن كل يوم نصف صاع للمساكين» (٢).
أقول : حكم العجوز في هذه المسألة ملحق بالشيخ وأمرهما سواء.
وأما عن السؤال الثاني (أي صيام أيام القضاء) فروى أحمد بن عيسى بن زيد في أماليه عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أنه قال : «قضاء رمضان متتابعا وإن فرّقته أجزأك» (٣).
__________________
(١) راجع : جامع البيان ، ج ٢ ، ص ١٣٩.
(٢) انظر : مسند الإمام زيد ، ص ٢٠٨.
(٣) راجع : أمالي أحمد بن عيسى ، ج ٢ ، ص ٣٤١.
أقول : هذا القول يوافق إطلاق الآية قال الله عزوجل : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) من دون التقيد ب" المتتابعات" وإذا صام الصائم متتابعا (على قياس أيام رمضان) فذلك أفضل.
وأما عن السؤال الثالث (أي عمن أفطر يوما من شهر رمضان عامدا بلا عذر) فروي في مسند زيد بن علي عليهالسلام عن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام أنه قال :
«جاء رجل إلى رسول الله ص في شهر رمضان فقال : يا رسول الله إني قد هلكت! قال : وما ذلك؟ قال : باشرت أهلي فغلبتني شهوتي حتى فعلت! فقال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم : هل تجد عتقا؟ قال : لا والله ما ملكت مخلوقا قطّ. قال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم : فصم شهرين متتابعين. قال : لا أطيقه. قال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : فانطلق فأطعم ستّين مسكينا. قال : لا والله لا أقوى عليه. قال فأمر له رسول الله ص بخمسة عشر صاعا لكل مسكين مدّ (١) فقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيّا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منّا! قال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : فانطلق وكله أنت وعيالك» (٢).
__________________
(١) المد يقدر بثمانمائة غرام.
(٢) مسند الإمام زيد ، ص ٢١٠ ـ ٢١١.
أقول : وقد روى هذا الحديث من الإماميّة : ابن بابويه في" من لا يحضره الفقيه" (١) ومن أهل السنّة البخاريّ في صحيحه (٢) باختلاف يسير بألفاظه.
ومن فقه الحديث أنّ هذه الكفّارة تخفّف على قدر صاحبها.
وأمّا عن السؤال الرابع (أي عمّن أفطر في شهر رمضان ناسيا) فقد روى النّعمان بن محمّد في كتاب" دعائم الإسلام" عن عليّ عليهالسلام قال في قوله الله تعالى (.. رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ..) (البقرة : ٢٨٦) : «استجيب لهم ذلك في الذي ينسى فيفطر في شهر رمضان» (٣).
وأمّا عن السؤال الخامس (أي عمّن أسلم في منتصف شهر رمضان) فقد روى الكلينيّ في" الفروع من الكافي" بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهمالسلام : «أنّ عليّا صلوات الله عليه كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان إنّه ليس عليه إلا ما يستقبل» (٤).
__________________
(١) انظر من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ، ص ١١٥ ـ ١١٦.
(٢) صحيح البخاري ، ج ٣ ، ص ٤٢.
(٣) دعائم الإسلام ، ج ١ ، ص ٢٧٤.
(٤) الفروع من الكافي ، ج ٤ (كتاب الصوم) ، ص ١٢٥.
١٣ ـ مما روي عن عليّ عليهالسلام فيما يتعلّق بآي الحجّ
١ ـ قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز :
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ. فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (آل عمران : ٩٦ ـ ٩٧).
أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره بسنده عن خالد بن عرعرة : «أنّ رجلا قام إلى عليّ فقال : ألا تخبرني عن البيت؟ أهو أول بيت وضع في الأرض؟ فقال (عليّ) : لا ولكن هو أول بيت وضع في البركة ، مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنا ... الحديث» (١).
وفي رواية أخرى للطبري أيضا : «ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك ، قال : سمعت خالد ابن عرعرة قال : سمعت عليّا ، وقيل له : إنّ أوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة هو أول بيت كان في الأرض؟ قال : لا! فأين كان قوم نوح؟ وأين كان قوم هود؟ قال : ولكنّه أول بيت وضع للنّاس مباركا وهدى» (٢).
__________________
(١) تفسير الطبري (جامع البيان) : ج ٣ ، ص ٨.
(٢) المصدر السابق.
أقول : مراده عليهالسلام : كان البيت أوّل مسجد وضع للنّاس كما رواه أبو ذرّ ـ رضي الله عنه ـ عن النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قال : «قلت يا رسول الله! ، أيّ مسجد وضع أوّل؟ قال : المسجد الحرام. قال : ثم أيّ؟ قال : المسجد الأقصى .. الحديث» (١).
وأخرج أيضا ابن جرير الطبري بإسناده عن الحارث عن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من ملك زادا وراحلة تبلّغه إلى بيت الله ولم يحجّ فلا عليه أن يموت يهوديّا أو نصرانيّا وذلك أنّ الله يقول في كتابه : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)» (٢). والحديث أخرجه الترمذيّ في سننه أيضا بسنده عن الحارث عن عليّ (٣).
أقول : (من كفر) أي من جحد فرضه ، وأنكر وجوبه فمات ، فهو كاليهود والنّصارى الذين ماتوا على غير ملّة الإسلام ، لأنّ إنكار الضّروريّ كفر.
٢ ـ وفي مسند زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه عن
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) المصدر السابق : ج ٣ ، ص ١٧.
(٣) الجامع الصحيح للترمذي ، ج ٣ ، ص ١٧٦.
عليّ أمير المؤمنين عليهمالسلام في قول الله عزوجل : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة : ١٥٨) ، قال : «كان عليهما أصنام فتحرّج المسلمون من الطواف بينهما لأجل الأصنام فأنزل الله عزوجل لئلّا يكون عليهم حرج في الطواف من أجل الأصنام.» (١).
أقول : إن الطواف بين الصفا والمروة من أركان الحجّ وواجباته ، ومع ذلك قال تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) فبيّن الإمام عليهالسلام سبب ورود هذا التعبير في كلامه الله سبحانه.
٣ ـ وفي مسند زيد بن علي عن أمير المؤمنين عليّ عليهمالسلام أنّه قال : «لمّا نزل قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) قام رجل إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله! الحجّ واجب علينا في كلّ سنة؟ أو مرّة واحدة في الدّهر؟ فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : بل مرّة واحدة ولو قلت في كلّ سنة لوجب .. الحديث» (٢).
أقول : أخرج هذا الحديث عدة من أهل السنّة أيضا منهم
__________________
(١) مسند الإمام زيد ، ص ٢٢٦.
(٢) المصدر السابق : ص ٢٢٢ ـ ٢٢٣.
النسائي في سننه بسنده عن أبي هريرة قال : خطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم النّاس فقال : «إنّ الله عزوجل قد فرض عليكم الحجّ» فقال رجل : في كلّ عام؟ فسكت عنه حتّى أعاده ثلاثا! فقال : «لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما قمتم بها. ذروني ما تركتكم فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بالشّيء فخذوا به ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (١).
وروي أيضا في مسند زيد بن علي عن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام أنّه قال : «قال رجل : يا رسول الله! فالعمرة واجبة مثل الحجّ؟ قال لا ، ولكن إن اعتمرت خيرا لك» (٢).
أقول : فإن قيل فإن الله تعالى يقول : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ..) الآية (البقرة : ١٩٦) ، فأمر الله عزوجل بالعمرة وأمر الله يدلّ على الوجوب! قلت : إنما أمر سبحانه بالإتمام ولم يأمر بالابتداء والإنشاء ، كما في قول الله عزوجل : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ..) الآية (الإنسان : ٧) حيث أوجب سبحانه الإيفاء ولم يوجب إنشاء النّذر.
__________________
(١) سنن النسائي ، كتاب مناسك الحج ، باب وجوب الحجّ ، ج ٣ ، ص ١١٠ ـ ١١١.
(٢) مسند الإمام زيد ، ص ٢٢٣.
ويؤيده ما رواه الترمذيّ عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أنّ النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ فقال : «لا وأن تعتمروا هو أفضل» (١).
وأخرج الطبري في تفسيره بسنده عن أبي صالح الحنفي قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «الحجّ جهاد ، والعمرة تطوّع» (٢).
٤ ـ وقال الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ...) الآية (البقرة. : ١٩٧) :
روي في كتاب" الاعتصام بحبل الله" عن عليّ عليهالسلام أنّه قال : «إنّ أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة ، والعشر الأوّل من ذي الحجّة» (٣).
__________________
(١) الجامع الصحيح للترمذي ، كتاب الحج ، باب ما جاء في العمرة ، ج ٣ ، ص ٢٧٠. ، وقال أبو عيسى (الترمذي) : هذا حديث حسن صحيح ، وهو قول بعض أهل العلم قالوا العمرة ليست بواجبة وكان يقال هما حجان : الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة. وقال الشافعي العمرة سنة .. الخ.
(٢) تفسير الطبري ، ج ٣ ، ص ٢١٢.
(٣) الاعتصام بحبل الله ، للقاسم بن محمد (من أئمة الشيعة الزيدية) ، ج ٣ ، ص ٢٣.
٥ ـ وقال الله عزوجل : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ..) الآية (التوبة : ٣).
وقد تظاهرت الأخبار عن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام أن يوم الحجّ الأكبر هو يوم النّحر كما رواها ابن جرير الطبريّ في تفسيره ، وهو المرويّ عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قال : «ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن مرة الهمدان ، عن رجل من أصحاب النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) قال : قام فينا رسول الله على ناقة حمراء مخضرمة ، فقال : أتدرون أيّ يوم يومكم؟ قالوا : يوم النّحر ، قال : صدقتم يوم الحجّ الأكبر.» (١).
٦ ـ وقال الله عزوجل : (.. فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ..) الآية (البقرة : ١٩٦)
روى السيوطي في الدر المنثور قال : «أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي بن أبي طالب (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ) قال : «قبل التروية يوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، فإن فاتته صامهن أيام التشريق».
__________________
(١) انظر تفسير الطبري : ج ١٠ ، ص ٧٣.
١٤ ـ مما روي عن عليّ عليهالسلام في آي الجهاد في سبيل الله
١ ـ قال الله العظيم في كتابه :
(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة : ٤١).
روى الكلينيّ في الفروع من الكافي بإسناده عن الأصبغ بن نباته (١) قال : قال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام : «كتب الله الجهاد على الرّجال والنّساء فجهاد الرّجل بذل ماله ونفسه حتّى يقتل في سبيل الله. قال : وجهاد المرأة حسن التّبعّل» (٢).
وروى الكلينيّ عن مالك بن أعين قال : «حرّض أمير المؤمنين عليهالسلام النّاس بصفّين فقال (مشيرا إلى ما جاء في سورة الصفّ) إنّ الله عزوجل دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم وتشفي بكم على الخير الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله وجعل
__________________
(١) قال العلامة ابن الطّهر الحلي : الأصبغ بن نباتة كان من خاصّة أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام ، عمّر بعده ، وهو مشكور (خلاصة الأقوال ، ص ٧٧).
(٢) الفروع من الكافي ، ج ٥ (كتاب الجهاد) ، ص ٩.
ثوابه مغفرة للذّنب ومساكن طيّبة في جنّات عدن. وقال عزوجل : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص ...
(إلى قوله) ولا تمثّلوا بقتيل وإذا وصلتم إلى رجال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيّجوا امرأة بأذى ، وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم ، فإنّهنّ ضعاف القوى والأنفس والعقول ، وقد كنّا نؤمر بالكفّ عنهنّ وهنّ مشركات وإن كان الرّجل ليتناول المرأة فيعيّر بها وعقبه من بعده.
واعلموا أنّ أهل الحفاظ هم الّذين يحفّون براياتهم ويكتنفونها ويصيرون حفافيها ووراءها وأمامها ولا يضيّعونها لا يتأخّرون عنها فيسلّموها ولا يتقدّمون عليها فيفردوها رحم الله امرأ واسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع قرنه وقرن أخيه فيكتسب بذلك اللائمة ويأتي بدناءة وكيف لا يكون كذلك وهو يقاتل الاثنين وهذا ممسك يده قد خلّى قرنه على أخيه هاربا منه ينظر إليه وهذا فمن يفعله يمقته الله فلا تعرّضوا لمقت الله عزوجل فإنّما ممرّكم إلى الله وقد قال الله عزوجل (لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً). وأيم الله لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيوف
الآجلة ، فاستعينوا بالصّبر والصّدق فإنّما ينزل النّصر بعد الصّبر فجاهدوا في الله حقّ جهاده ، ولا قوّة إلا بالله ... الحديث» (١).
وروى الكلينيّ في الفروع من الكافي أيضا عن عقيل الخزاعيّ قال : إن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات (منها) :
«ثمّ إنّ الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام وهو قوام الدّين والأجر فيه عظيم مع العزّة والمنعة ، وهو الكرّة فيه الحسنات والبشرى بالجنّة بعد الشّهادة وبالرّزق غدا عند الرّبّ والكرامة. يقول الله عزوجل (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً ..) الآية ثمّ إنّ الرّعب والخوف من جهاد المستحقّ للجهاد والمتوازرين على الضّلال ، ضلال في الدّين وسلب للدّنيا ، مع الذّلّ والصّغار ، وفيه استيجاب النّار بالفرار من الزّحف عند حضرة القتال. يقول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) فحافظوا على أمر الله عزوجل في هذه المواطن الّتي الصّبر عليها كرم وسعادة ونجاة في الدّنيا والآخرة من فظيع الهول والمخافة. فإنّ الله عزوجل لا يعبأ بما
__________________
(١) الفروع من الكافي ، ج ٥ ، باب ما كان يوصي أمير المؤمنين عليهالسلام به ، ص ٣٩.
العباد مقترفون ليلهم ونهارهم. لطف به علما ، وكلّ ذلك في كتاب لا يضلّ ربّي ولا ينسى. فاصبروا وصابروا واسألوا النّصر ووطّنوا أنفسكم على القتال. واتّقوا الله عزوجل فإنّ الله مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون» (١).
٢ ـ ويقول الله سبحانه يقول في كتابه :
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة : ١٩٠).
وقد بيّن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لأصحابه معنى الاعتداء ومصاديقه فقال :
«... فلا تقتلوا وليدا ولا طفلا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا لا يطيق قتالكم ، ولا تغوروا عينا ، ولا تقطعوا شجرا إلّا شجرا يضرّكم ، ولا تمثّلوا بآدميّ ولا بهيمة ، ولا تغلّوا ولا تغدروا (ولا تظلموا ولا تعتدوا) ، وأيّما رجل منكم من أقصاكم أو أدناكم ، من أحراركم أو عبيدكم ، أعطى رجلا منهم أمانا ، أو أشار إليه بيده فأقبل إليه بإشارته ، فله الأمان حتى يسمع كلام الله ، أي كتاب الله ، فإن قبل فأخوكم في دينكم ، وأن أبى فردّوه إلى مأمنه واستعينوا بالله
__________________
(١) الفروع من الكافي ، ج ٥ ، ص ٣٧ ـ ٣٨.
عليه ...» (١). كما رواه عليّ عليهالسلام عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ.
واتّبع عليّ عليهالسلام ابن عمّه رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في حروبه شبرا بشبر ، كما روى الكلينيّ بإسناده عن أبي حمزة الثمالي (٢) قال قلت لعليّ بن الحسين صلوات الله عليهما : إن عليّا عليهالسلام سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في أهل الشّرك! قال : فغضب ثمّ جلس وقال : «سار والله فيهم بسيرة رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ يوم الفتح. إنّ عليّا كتب إلى مالك وهو على مقدّمته يوم البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل ولا يقتل مدبرا ولا يجيز على جريح ، ومن
__________________
(١) مسند الإمام زيد ، ص ٣٥١ ، وتيسير المطالب في أمالي أبي طالب ، ص ٢٩٠ ، (وقد جمعت في الرواية أعلاه بين ألفاظهما المختلفة يسيرا) ، ودرر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية ، ص ١٨١ ـ ١٨٢. ووسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٤٣ ، ومن كتب أهل اسنة انظر إلى : " التاج الجامع للأصول" لابن الأثير ، ج ٤ ، ص ٣٦٧.
(٢) هو ثابت بن دينار وكنيته أبو حمزة الثمالي ، روى عن علي بن الحسين السجّاد عليهالسلام ، وكان ثقة ثبتا وكان له أربعة أبناء قتلوا مع زيد بن عليّ عليهالسلام.
أغلق بابه فهو آمن.» (١).
وعهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إلى أمراء جنده يوم فتح مكّة : «أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم (كما قال الله عزوجل : وقاتلوا في سبيل الله الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين) ، وكذلك قال عليّ عليهالسلام لمعقل بن قيس أمير جيشه : «لا تقاتلنّ إلّا من قاتلك» (٢)
وروى البلاذريّ في كتابه" أنساب الأشراف" قال : «وقال أبو مخنف وغيره وأمر عليّ أصحابه أن لا يقاتلوا حتى يبدأ ، وأن لا يجهزوا على جريح ، ولا يمثّلوا ، ولا يدخلوا دارا بغير إذن ، ولا يشتموا أحدا ، ولا يهيجوا امرأة ، ولا يأخذوا إلا ما في عسكرهم ..» (٣).
وفي حديث عبد الرّحمن بن جندب عن أبيه أن أمير المؤمنين عليا صلوات الله عليه كان يأمر في كلّ موطن لقينا فيه عدوّا فيقول :
«لا تقاتلوا القوم حتّى يبدءوكم فإنّكم بحمد الله على حجّة وترككم إيّاهم حتّى يبدءوكم حجّة لكم أخرى فإذا هزمتموهم فلا
__________________
(١) الفروع من الكافي ، ج ٥ ، ص ٣٣.
(٢) راجع أنساب الأشراف للبلاذري ، ج ٢ ، ص ٤٧٩.
(٣) أنساب الأشراف ، البلاذري ، ص ٢٤٠.
تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثّلوا بقتيل» (١).
١٥ ـ مما روي عن عليّ عليهالسلام في آي الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
قال الله سبحانه وتعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة : ٧٨ ـ ٧٩).
روى أبو جعفر الإسكافي المعتزلي في كتابه" المعيار والموازنة" تحت عنوان : «في كلام عليّ عليهالسلام في تأكّد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم جواز المداراة مع الفساق والمنافقين والطغاة» ، أنه عليهالسلام قال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء إلى محاربة أهل البغي :
«أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحذركم الدنيا وما فيها من
__________________
(١) الفروع من الكافي ، ج ٥ ، ص ٣٨.
الغضارة والبهاء والكرامة والبهجة التي ليست بخلف مما زين الله به العلماء وبما أعطوا من العقبى الدائمة والكرامة الباقية ، ذلك بأن العاقبة للمتقين والحسرة والندامة والويل الطويل على الظالمين. فاعتبروا بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ..) (المائدة : ٦٣) ، وقال : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة : ٧٨ ـ ٧٩).
وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم الأمر المنكر من الفساد في بلادهم فلا ينهون عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ، ورهبة مما كانوا يحذرون ، والله يقول : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ..) الآية (المائدة : ٤٤). وقال : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ..) الآية (التوبة : ٧١) ، فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أدّيت وأقيمت استقامت الفرائض كلّها هيّنها وصعبها. ذلك بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم ومخالفة
الظالم وقسمة الفيء والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها. ثم أنتم أيتها العصابة عصابة بالعلم مشهورة وبالخير مذكورة وبالنصيحة معروفة وبالله في أنفس الناس لكم مهابة ، يهابكم الشريف ويكرمكم الضعيف ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ، ولا يد لكم عنده تشفعون بالحوائج إذا امتنعت من طلابها ، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الاكابر. أليس كل ذلك إنما نلتموه لما يرجى عندكم من قيام بحق الله؟ ، وإن كنتم عن أكثر حقه مقصرين واستخففتم بحق الائمة. فأما حق الله وحق الضعفاء فضيعتم ، وأما حقكم بزعمكم فطلبتم فكنتم كحراس مدينة أسلموها وأهلها للعدو «و» بمنزلة الاطباء الذين استوفوا ثمن الدواء وعطلوا المرضى ... الحديث» (١).
١٦ ـ ما روي عن عليّ عليهالسلام في تفسير آية كفارة
الحنث باليمين
قال الله سبحانه وتعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ
__________________
(١) كتاب" المعيار والموازنة" لأبي جعفر الإسكافي المعتزلي ، ص ٢٧٤ ـ ٢٧٥.
مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة : ٨٩)
روى السيوطي في الدر المنثور قال : أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : «في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من حنطة». ثم روى السيوطي مثله عن ابن عباس ومجاهد ، ثم قال :
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) قال : «يغديهم ويعشيهم ، إن شئت خبزا ولحما ، أو خبزا وزيتا ، أو خبزا وسمنا ، أو خبزا وتمرا» (١).
وأخرج القاضي النعمان بسنده عن علي عليهالسلام في قوله تعالى : (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) (المائدة : ٨٩) : قال : «ثوبان لكل إنسان» (٢).
__________________
(١) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ، ذيل تفسيره للآية المذكورة (٨٩) من سورة المائدة.
(٢) دعائم الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٠٢.
١٧ ـ مما روي عن عليّ عليهالسلام في تفسير آي النّكاح
والطّلاق
١ ـ قال الله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء : ١٢٩).
روي في مسند الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام في قول الله عزوجل : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) قال : «هذا في الحبّ والجماع وأمّا النفقة والكسوة والبيتوتة فلا بدّ من العدل في ذلك» (١).
٢ ـ وقال الله عزوجل : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ ..) الآية (المائدة : ٥).
روي من طريق عبيد الله بن عمر بن عليّ عن جدّه أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام أنّه قال : «لا ينكح اليهوديّ ولا النصرانيّ
__________________
(١) مسند الإمام زيد ، ص ٣١٢.