علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي
المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٧
ومعرّض لي بالهجاء وهجره |
|
جاوبته عن شعره في ظهره |
فلئن نكن بالأمس قد لطنا به |
|
فاليوم أشعاري تلوط بشعره |
وقوله : [الكامل]
والريح تعبث بالغصون وقد جرى |
|
ذهب الأصيل على لجين الماء |
٥٨١ ـ أبو طالب عند الجبار المتنبّي (١)
من الذخيرة : كان يعرف بالمتنبي. أبرع أهل وقته أدبا ، وأعجبهم مذهبا ، وأكثرهم تفننا في العلوم ، وأوسعهم ذرعا في المنثور والمنظوم. وكان فيما بلغني يعد نفسه بملك ، وينخرط للمجون في سلك ، لا يبالي أين وقع ، ولا يحفل بأي شيء صنع ، ومن شعره قوله (٢) : [البسيط]
كيف البقاء ببيت لا أنيس به |
|
ولا وطاء ولا ماء ولا فرش |
كأنّه كوّة في حائط ثقبت (٣) |
|
في ظلمة الليل يأوي جوفها حنش |
وقوله (٤) : [السريع]
قل لأبي يوسف المنتقى |
|
و (٥) الفاضل الأوحد في عصره |
ومن إذا حرّك موسيقة (٦) |
|
وظل يبدي السّحر من عشره |
تخاله إسحاق أو معبدا |
|
تشدو (٧) بألحان على وتره |
هل لك أن تسمع مهديكم |
|
فتطرد الأشجان عن فكره (٨) |
حتى إذا الأيام أبدت له |
|
ما في ضمير الزّهر (٩) من سرّه |
أعطاك من جدواه ما تشتهي |
|
فضّته البيضاء أو تبره |
__________________
(١) ترجمته في الذخيرة (ق ١ / ص ٩١٦) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٠١) و (ج ٤ / ص ١٦٠) والمسالك (ج ١١ / ص ٤١٥) والخريدة (ج ٢ / ص ٢١٠).
(٢) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٩١٧).
(٣) في الذخيرة : نقبت.
(٤) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٩١٧).
(٥) لم ترد الواو في الذخيرة.
(٦) في الذخيرة : أوتاره.
(٧) في الذخيرة : يشدو.
(٨) في الذخيرة : وأن توفي الحقّ من برّه.
(٩) في الذخيرة : الدّهر.
وقوله (١) : [الوافر]
وخمّار أنخت به مسيحي |
|
رخيم الدّلّ ذي وتر (٢) فصيح |
سقاني ثم غنّاني بصوت |
|
فداوى ما بقلبي من جروح |
وفضّ فم الدّنان على اقتراح (٣) |
|
ففاح البيت منها طيب ريح |
فقلت لكم سنة تراها |
|
فقال أظنها من عهد نوح |
فما أن شدا الناقوس صوتا (٤) |
|
دعاني أن هلمّ إلى الصّبوح |
وحيّاني وفدّاني بكأس |
|
وقبّلني فردّ إليّ روحي |
الشعراء
٥٨٢ ـ أبو عبد الله محمد بن الدمن المعروف بمرج كحل (٥)
هو في المغرب مثل الواواء الدمشقي في المشرق كان ينادي في الأسواق ، حتى إنه تعيش ببيع السمك ، ترقّت به همته إلى الأدب قليلا قليلا إلى أن قال الشعر ، ثم ارتفعت فيه طبقته ، ومدح الملوك والأعيان ، وصدر عنه مثل قوله (٦) : [الكامل]
عرّج بمنعرج الكثيب الأعفر |
|
بين الفرات وبين شطّ الكوثر |
ولتغتبقها قهوة ذهبيّة |
|
من راحتي أحوى المدامع (٧) أحور |
وعشيّة كم (٨) بتّ أرقب وقتها |
|
سمحت بها الأيام بعد تعذّر |
نلنا بها آمالنا في جنّة |
|
أهدت (٩) لناشقها شميم العنبر |
والروض بين مفضّض ومذهّب |
|
والزّهر بين مدرهم ومدنّر |
__________________
(١) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٩١٨).
(٢) في الذخيرة : ذي وجه صبيح.
(٣) في الذخيرة : على اقتراحي.
(٤) في الذخيرة : ضربا.
(٥) انظر في ترجمته الوافي بالوفيات (ج ٢ / ص ١٨١) والتكملة (ص ٦٣٦) وزاد المسافر (ص ٢٧) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ١٣٤). والإحاطة (ج ٢ / ص ٢٥٢).
(٦) الأبيات في الإحاطة (ج ٢ / ص ٢٥٢ وما بعدها).
(٧) في الإحاطة : المراشف.
(٨) في الإحاطة قد كنت.
(٩) في الإحاطة تهدى.
والورق تشدو والأراكة تنثني |
|
والشمس ترفل في قميص أصفر |
وكأنه وكأن خضرة شطّه |
|
سيف يسلّ على بساط أخضر |
وكأنما ذاك الحباب فرنده |
|
مهما طفا في صفحه كالجوهر |
نهر يهيم بحسنه من لم يهم |
|
ويجيد فيه الشّعر من لم يشعر |
ما اصفرّ وجه الشمس عند غروبها |
|
إلا لفرقة حسن ذاك المنظر |
وقوله : [الكامل]
سروا يخبطون الليل والليل قد سجا |
|
وعرف ظلام الأفق منه تأرّجا |
إلى أن تخيّلنا النجوم التي بدت |
|
به ياسمينا والظلام بنفسجا |
ومما شجاني أن تألّق بارق |
|
فقلت فؤادي خافقا متوهّجا |
وشيب بياض القطر منه بحمرة |
|
فأذكرني ثغرا لسلمى مفلّجا |
أمائسة الأعطاف من غير خمرة |
|
بأسهمها تصمي الكميّ المدجّجا |
أأنت التي صيّرت قدّك مائسا |
|
وعطفك ميّادا وردفك رجرجا |
وأغضبك التشبيه بالبدر كاملا |
|
وبالدّعص مركوما وبالظّبي أدعجا |
وقلب شج صيّرته كرة وقد |
|
أجلت عليه لام صدغك صولجا |
فلا رحلت إلا بقلبي ظعينة |
|
ولا حملت إلا ضلوعي هودجا |
وقوله : [الوافر]
وعندي من معاطفها حديث |
|
يخبّر أنّ ريقتها مدام |
وفي ألحاظها السّكرى دليل |
|
ولا ذقنا ولا زعم الهمام |
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :
الكتاب الثامن
من الكتب التي يشتمل عليها :
كتاب مملكة بلنسية
وهو
كتاب السحر المسطّر ، في حلى حصن مربيطر
البساط
من المسهب : هي من المدن الرومية المشهورة بالأندلس ، فيها آثار عظيمة ، وأعظمها الملعب الذي أمام قصرها ، وهو صنوبريّ الشكل ، قد ارتقى بأحكم صنعة درجة درجة ، إلى أن تكون الدرجة العليا لا يجلس فيها إلا الملك وحده ، ثم ما انحدر منها اتسع المكان ، بحسب الطبقات إلى أن تكون الدرجة الأخرى لجمهور من يلوذ بالملوك من غير الخاصة المقربين.
العصابة
ملكها في مدة الطوائف :
٥٨٣ ـ القائد أبو عيسى بن لبّون (١)
__________________
(١) ترجمته في الحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٦٧) وقلائد العقيان (ص ٩٨) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ١٨٠) ـ ـ والذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١٠٤).
وكان قبل ذلك وزيرا للمأمون بن ذي النّون ، ولعب عليه جاره ابن رزين صاحب السّهلة ، فأخرجه منها ، ولم يعوضه بشيء عنها.
من القلائد : هو ممن رأس وما شفّ ، ووكف جوده وما كفّ ، وأعاد كاسد البدائع نافقا ، ولم يصدر آملا خافقا ، وكانت عنده مناهل تزفّ ، فيها للمنى أبكار نواهد. ومن شعره قوله (١) :
سقى أرضا ، ثووها ، كلّ مزن |
|
وسايرهم سرور وارتياح |
فما ألوى بهم ملل ولكن |
|
صروف الدهر والقدر المتاح |
سأبكي بعدهم حزنا عليهم |
|
بدمع في أعنّته جماح |
وقوله (٢) : [الكامل]
قم يا نديم أدر عليّ القرقفا |
|
أو ما ترى زهر الرياض مفوّفا (٣) |
فتخال محبوبا مدلا وردها |
|
وتخال (٤) نرجسها محبّا مدنفا |
والجلنّار دماء قتلي معرك |
|
والياسمين حباب ماء قد طفا |
وقوله : [الطويل]
لحا الله قلبي كم يحنّ إليكم |
|
وقد بعتم حظّي وضاع لديكم |
إذا نحن أنصفناكم من نفوسنا |
|
ولم تنصفونا فالسّلام عليكم |
وقوله (٥) : [البسيط]
لو كنت تشهد يا هذا عشيّتنا |
|
والمزن يسكب أحيانا وينحدر (٦) |
والأرض مصفرّة بالمزن (٧) كاسية |
|
أبصرت تبرا عليه الدّرّ ينتثر |
وقوله : [البسيط]
يا ربّ ليل شربنا فيه صافية |
|
حمراء في لونها تنفي التباريحا |
__________________
(١) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١٠٥) دون تغيير عمّا هنا.
(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٠٢).
(٣) القرقف : الخمر. مفوّف : مخلّط وملوّن. لسان العرب.
(٤) في النفح : وتظنّ.
(٥) البيتان في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٠٣) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٦٩).
(٦) في الحلة : يمسك.
(٧) في الحلة : بالقطر ، وفي النفح : بالشمس.
ترى الفراش على الأكواس ساقطة |
|
كأنما أبصرت منها مصابيحا |
وقوله بعد ما أخذ منه بلده : [البسيط]
يا ليت شعري وهل في ليت من أرب |
|
هيهات لا تنقضي للمرء آراب |
أين الشموس التي كانت تطالعنا |
|
والجوّ من فوقه لليل جلباب |
وأين تلك الليالي إذ نلمّ بها |
|
فيها وقد نام حرّاس وحجّاب |
تهدي إلينا لجينا حشوه ذهب |
|
أنامل العاج والأطراف عنّاب |
وقوله (١) : [البسيط]
نفضت كفّي من الدنيا وقلت لها |
|
إليك عني فما في الحقّ أغتبن |
من كسر بيتي لي روض ومن كتبي |
|
جليس صدق على الأسرار مؤتمن |
وما مصابي سوى موتي ويدفنني |
|
قومي (٢) وما لهم علم بمن دفنوا |
السلك
٥٨٤ ـ أبو عيسى لب بن عبد الودود المربيطريّ (٣)
عاصره والدي ، أخبر : أنه كان يشرب ، ودخل عليه غلام كان يهواه ، فقيل له إنه تزوّج عاهرا ، وجعلوا يلومونه ، فقال :
لا تعذلوه على ابتناء |
|
بعرسه العاهر الهجين |
أليس مثل الغزال حسنا |
|
لا بدّ للظّبي من قرون |
__________________
(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٣٦) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٦٧ ـ ١٧١) والذخيرة (ق ٣ / ص ١٠٤ ـ ١٠٨).
(٢) في النفح : قوم.
(٣) انظر ترجمته في التكلمة (ص ٨٨) وزاد المسافر (ص ٥٦).
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :
الكتاب التاسع
من الكتب التي يشتمل عليها :
كتاب مملكة البلنسية
وهو
كتاب المراعى العازبة ، في حلى كورة شاطبة
ينقسم هذا الكتاب إلى :
كتاب الغيوث الصائبة ، في حلى مدينة شاطبة.
كتاب النغمة المطربة ، في حلى حصن يانبة.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :
الكتاب الأول
من الكتابين اللذين يشتمل عليهما :
كتاب الكورة الشاطبية
وهو
كتاب الغيوث الصائبة ، في حلى مدينة شاطبة (١)
البساط
من المسهب : مدينة عظيمة ، مانعة كريمة تعزّ بامتناع معلقها نفوس أهلها ، وتخرج من بطحائها في أحسن متأمّل ، وهي من التي نشزت على بلنسية في مدة ملوك الطوائف. ومن متفرّجاتها البطحاء ، والغدير ، والعين الكبيرة ، والعيون.
العصابة
اقتطعها في مدة ملوك الطوائف مظفّر مولى بني أبي عامر ، ثم تغلب عليه جماعة من
__________________
(١) شاطبة : مدينة في شرقي إسبانيا. كانت مركزا لصناعة الورق في العهد العربي. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٣٨١).
الموالي العامرية ، وصارت معقلا لهم ، ولم يتفرد بها أحد منهم ، ثم توالت عليها ولاة بني هود ، ثم ولاة الملثّمين ، ثم صارت لبني عبد المؤمن ، ثم لابن هود ، وساد فيها أبو الحسين بن عيسى وكان مشهورا بالجود ممدّحا وصارت له بعد موت ابن هود ، ثم صالح بنوه النصارى عليها ، وصارت بحكمهم.
السلك
ذوو البيوت
بيت بني الجنّان
بيت مؤثّل التوارث ، وهم من كنانة ، أمرهم :
٥٨٥ ـ أبو العلاء عبد الحق بن خلف بن مفرّج بن الجنّان (١)
من المسهب : كاتب شاطبة الذي لم أجد له فيها نظيرا ، وماجدها الذي ألفيته للمكارم وليّا ونصيرا ، اجتمعت به في بلده ، فأحلّني بين خلبه وكبده ، وهو معروف فيها ، بالكتب عمن يليها ، من الأمراء ، والاستشارة في الآراء ، تتحلّى الوزراء باسمه ، وتشرف الكتابة بوسمه. ولما أسرعت الرحيل عن شاطبة وجّه لي ببرّ ، وكتب معه :
يا سيّدا زار أرضا |
|
أمست به أفق بدر |
ما كنت إلا كبرق |
|
فكن غديرا لقطر |
حتى نوفّي وردا |
|
من فيض علم كبحر |
وإن أبيت فسر في |
|
أمن وحفظ وبرّ |
وكن عليما بنار |
|
أضرمتها طيّ صدر |
وأنشدني لنفسه : [الوافر]
سرى بعد الهدوّ خيال نعمى |
|
ولم تدر الوشاة أوان سارا |
وزار وأعين الرّقباء تذكى |
|
حذارا أن يزور وأن يزارا |
فدون طروق ذاك الحيّ سمر |
|
تدور بجانبيه حيث دارا |
سأشكر للكرى خلسات وصل |
|
كما لقط القطا ثم استطارا |
__________________
(١) انظر ترجمته في الخريدة (ج ١٢ / ص ٢٠٨) والوافي (ج ٣ / ص ٣٢٥) والتكملة (ص ٦٤٧).
وذكره صاحب فرحة الأنفس ، وأورد له رسالة كتبها إلى يحيى بن غانية الملثّم ، يهنّيه بهزيمة النصارى :
أطال الله بقاء الرئيس الأجلّ واضح آيات المساعي ، مجابا في تأييده دعوة الداعي ، ولا زال معقودة بالظفر ألويته معمورة بصالح الدعاء ساحاته وأنديته ، كتابي وما خططت بحرف ، إلا رمقت السماء بطرف ، أدعو وأتوسّل ، إلى من يسمع الدعاء ويقبل ، ويسني الحظوظ ، فيجزل ، على ما أولى من قسم أتاحها الله على يديه ، وألقى أزّمتها إليه ، حتى انقادت له بعد شماس ، وتأتّت على ياس ، وهل كانت إلا خبيثة الدهر ، وبيضة العقر ، صعبت على من كان قبل من أولى السياسات ، ومدبّري الرياسات.
٥٨٦ ـ ابنه الكاتب أبو بكر بن أبي العلاء (١)
كان من الجلّة ببلدة ، جرت عليه محنة سجن فيها وقيّد ، فكتب على الحائط بالفحم وقد أيقن بالموت : [البسيط]
ألا درى الصّيد من قومي الصناديد |
|
أنّي أسير بدار الهون مقصود |
لا أبسط الخطو إلا ظلّ يقبضه |
|
كبل ، كما التفّت الحيّات معقود |
وقد تألّب أقوام لسفك دمي |
|
لا يعرف الفضل مغناهم ولا الجود |
وقوله في غلام يقفز فارّا :
ووسيم الخلق والخلق |
|
ينثني كالغصن في الورق |
مرّ يلقى النار في ضرم |
|
كفؤاد الصّبّ محترق |
ومضى يجتاب جاحمها |
|
كانصلات النّجم في الأفق |
٥٨٧ ـ أبو الوليد بن الجنّان (٢)
من هذا البيت ، صحبته بمصر وحلب ، وأنا أقطع أنه معدوم النظير في الغوص على المعاني المخترعة والمولّدة. فمما كتبه عنه من شعره قوله من قصيدة مدح بها الصاحب الكبير المنعم كمال الدين بن أبي جرادة :
__________________
(١) انظر ترجمته في الخريدة (ج ١٢ / ص ٤٦).
(٢) انظر ترجمته في اختصار القدح المعلى (ص ٢٠٦) وبغية الوعاة (ص ٤٥) وفوات الوفيات (ج ٣ / ص ٢٦٣) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٣٥).
فوق خدّ الورد دمع |
|
من عيون الحبّ يذرف |
برداء الشمس أضحى |
|
بعد ما سال يجفّف |
وقوله (١) : [البسيط]
قم سقّينها وجيش الليل منهزم (٢) |
|
والصبح أعلامه محمّرة العذاب |
والسّحب قد بدّدت في الأرض لؤلؤها |
|
تضمّه الشمس في ثوب من الذّهب (٣) |
وقوله : [الرجز]
الأرض بالشمس تهيم فلذا |
|
يأتي بشيرا بالقدوم الغبش |
لو لم يكن هذا لما غدا لها |
|
بساط أزهار الرياض يفرش |
وقوله :
ودوحة أطربت منها حمائمها |
|
أفق السماء فلم تبرح تنقّطها |
تحكي الكمامة فيها راحة قبضت |
|
يلقي السحاب لها درّا فتلقطها |
وهو الآن بالقاهرة مصدّرا في إقراء النحو.
٥٨٨ ـ أبو الحسن محمد بن أبي جعفر بن جبير (٤)
أخبرني والدي : أنه كتب عن عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة وحج وجلّ قدره في رحلته ، ثم عاد إلى الأندلس ، ثم عاد إلى مصر ، فمات ، وقبره بالإسكندرية ، ومن شعره قوله (٥) : [مخلع البسيط]
طول اغتراب وبرح شوق |
|
لا صبر والله لي عليه |
إليك أشكو الذي ألاقي |
|
يا خير من يشتكى إليه |
ولي بغرناطة حبيب |
|
قد غلق الرّهن في يديه |
__________________
(١) الأبيات في فوات الوفيات (ج ٣ / ص ٢٦٦ ـ ٢٦٧) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٣٨).
(٢) في النفح : اسقنيها وليل الهم منهزم ، وفي فوات الوفيات : فاسقنيها وجيش الليل.
(٣) في النفح : قد نثرت. وفي فوات الوفيات : فضمّها الشمس.
(٤) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٣ / ص ١٣٨) والذيل والتكملة (ج ٥ / ص ٥٩٥) والتكملة (ص ٥٩٨) والإحاطة (ج ٢ / ص ٢٣١) مولده ببلنسية سنة ٥٣٩ ه وقيل بشاطبة سنة ٥٤١ ه.
(٥) الأبيات في نفح الطيب (ج ٣ / ص ١٤٢).
ودّعته وهو بارتماض (١) |
|
يظهر لي بعض ما لديه |
فلو ترى طلّ نرجسيه |
|
ينهلّ في ورد صفحتيه (٢) |
أبصرت درّا على عقيق |
|
من دمعه فوق وجنتيه (٣) |
وقوله (٤) : [المتقارب]
غريب تذكّر أوطانه |
|
فهيّج بالذّكر أشجانه |
يحلّ جواه عقود العزاء (٥) |
|
ويعقد بالنجم أجفانه |
ويرسل للغرب من دمعه |
|
غروبا لتسقي سكّانه |
وقوله (٦) : [الرمل]
يا وفود الله فزتم بالمنى |
|
فهنيئا لكم أهل منى |
قد عرفنا عرفات بعدكم (٧) |
|
فلهذا برّح الشوق بنا |
نحن بالمغرب (٨) نجري ذكركم |
|
وغروب الدمع تجري بيننا (٩) |
الكتّاب
٥٨٩ ـ أبو بكر عبد الرحمن بن مغاور (١٠)
كتب عن أبي الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن سلطان المغرب الأوسط وقسم أبو الربيع يوما على ما خاصته أترجا ، فأعطاهم واحدة واحدة وخصّه باثنتين ، فقال : [مجزوء الرمل]
قسم الأترجّ فينا |
|
ملك طلق اليدين |
__________________
(١) في النفح : وهو في دلال.
(٢) في النفح : وجنتيه.
(٣) في النفح : صفحتيه.
(٤) البيت الأول والثاني في النفح (ج ٣ / ص ١٤١).
(٥) في النفح : يحلّ عرى صبره بالأسى.
(٦) الأبيات في الذيل والتكملة (ج ٥ / ص ٦١٤) ونفح الطيب (ج ٣ / ص ٢٣٤ ، ٢٣٥).
(٧) في الذيل والتكملة : معكم.
(٨) في النفح : في الغرب ويجري ذكركم.
(٩) في النفح : وبغروب الدمع يجري هتّنا.
(١٠) انظر ترجمته في التكملة (ص ٥٧٨) ومعجم الصدفي (ص ٢٤٣) والمسالك (ج ٨ / ص ٣٥٧) وزاد المسافر (ص ٣٧).
لم تكن قسمة ضيزي |
|
بين أترابي وبيني |
إذ حبا فردا بفرد |
|
وحباني باثنتين |
هكذا ما زال حظيّ |
|
مثل حظّ الأنثيين |
ووهب له أحد الأعيان سهمه من الساقية في يومه ، فسقى بها جنّته ، ثم وصل إلى ابن مغاور في ذلك اليوم ضيف ، فكتب إلى المذكور الذي سقى جنّته (١) :
سقيت أرضي بفيض ماء |
|
فاسق ضلوعي بفيض راح |
واترك (٢) جفاي يذهب جفاء |
|
واخفض جناحا على جناحي |
وقال وقد علق أخ له امرأة من بني ينّق (٣) :
بني ينّق كفّوا عيون ظبائكم |
|
فما بيننا ثأر ولا عندنا ذحل |
أسوّغتم الشّهد المشور لطاعم |
|
وقلتم حرام أن يلمّ به النّحل |
إذا ما تصدّت في الطريق طروقة |
|
فغير نكير أن يلمّ (٤) بها الفحل |
وقوله : [السريع]
الحمد لله بلغنا المنى |
|
لا حدّ في الخمر ولا في الغنا |
قد حلّل القاضي لنا وذا |
|
وإن شكرناه أحلّ الزّنا |
٥٩٠ ـ الكاتب أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز (٥)
كان بمرّاكش في مدة المنصور ، وكتب عن أبي زكريا بن أبي إبراهيم صاحب سبتة ، وكان يقول من الشعر ما منه قوله : [الطويل]
أيا سرحة ناديتها مظهرا لها |
|
غرامي وسرّي في الضمير قد انطوى |
قعيدك ، هل تدرين ما بي من الضّنى |
|
وماذا أقاسيه عليك من الجوى |
فيا ليتني لم أعرف الحبّ ساعة |
|
فلولا الهوى ما كان نجمي قد هوى |
__________________
(١) البيتان في زاد المسافر (ص ٣٧).
(٢) في الزاد : ودع جفائي.
(٣) الأبيات في زاد المسافر ببعض الاختلاف عمّا هنا.
(٤) في الزاد : يهيج.
(٥) انظر ترجمته في مطمح الأنفس (ص ١١ ـ ١٣) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٨٦).
ومن كتاب الإحكام ، في حلى الحكّام
٥٩١ ـ أبو الحسن طاهر بن نيفون قاضي شاطبة
من المسهب : عالم أعلام ، وفاضل في كل فن وإمام ، نهض به علمه حتى صيّره علما ، وأبرزه في بلده حكما. وله من مدح في إبراهيم بن يوسف ابن تاشفين. [الطويل]
أيا ملكا أولاني العزّ والغنى |
|
وصيّرني بعد الخمول مكرّما |
وأبصرني في الأرض ملقى مذلّلا |
|
فرفّعني بالعزّ والجاه للسّما |
العلماء
٥٩٢ ـ أبو بكر محمد بن أبي عبد الله محمد بن سراقة (١)
هو الآن صاحب مدرسة الحديث التي بناها السلطان الكامل في القاهرة ، وهو في نهاية اللطافة ، وخلوص الديانة والقبول ، وعلى أموره طلاوة ، استنشدته من شعره ، فأنشدني قوله : [الطويل]
دعاني إلى إسماع شعري سيّد |
|
غرّ بفنون العلم يروي ويكتب |
فقلت عجيب عندي الجود باللها |
|
وبخلي بالشعر المهلهل أعجب |
وما الشعر إلا صورة العقل حجبها |
|
إذا لم تكن في غاية الحسن أوجب |
٥٩٣ ـ الطبيب أبو عامر محمد بن ينّق (٢)
شهر ذكاء وطبعا ، وعمّر للمحاسن ربعا ، لولا عجب استهواه ، وأخلّ بما حواه ، وزهو ضفا على أعطافه ، وأخفى ثوب إنصافه ، إلا أن حسنة إحسانه لتلك السيئة ناسخة ، وفي نفس الاستحسان راسخة.
ومن شعره قوله : [البسيط]
دعني أصاد زماني في تقلّبه |
|
فهل سمعت بظلّ غير منتقل |
__________________
(١) انظر ترجمته في فوات الوفيات (ج ٣ / ص ٢٤٥) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٨٠).
(٢) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٣٥) وقلائد العقيان (ص ١٨٥) والتكملة (ص ٤٧٩) والمعجم في أصحاب القاضي الصدفي (ص ١٦٩).
وكلما راح جهما رحت مبتسما |
|
كالبدر يزداد إشراقا مع الطّفل |
ولا يروعنك إطراقي لحادثة |
|
فاللّيث مكمنه في الغيل للغيل |
فما تأطّر عطف الرّمح من خور |
|
فيه ولا احمرّ صفح السيف من خجل |
لا غرو أن عطّلت من حليها هممي |
|
فهل يعيّر جيد الظّبي بالعطل |
ويلاه هلّا أنال القوس باريها |
|
وقلّد العضب جيد الفارس البطل |
وقوله : [الطويل]
وما ظبية أدماء تألف وجرة |
|
ترود ظلال الضّال أو أثلاتها |
بأحسن منها يوم أومت بلحظها |
|
إلينا تنطق حذار وشاتها |
وأطنب في الثناء عليه صاحب السّمط ، وأنشد له ، في بعض ما أنشد ، ما هو منسوب لغيره.
الشعراء
٥٩٤ ـ أبو محمد عبد الله بن سلفير الشاطبيّ
من فرحة الأنفس : له من قصيدة في محمد بن مرذنيش ملك مرسية تصف قطعه البحرية : [البسيط]
وبنت ماء لمسرى الريح جريتها |
|
تمشي كما مشت النّكباء والثّمل |
قد جلّلوها شراعا مثل ما نشأت |
|
يظلّها من غمام فوقها ظلل |
كأنها فوق متن الريح سابحة |
|
فتخاء يعلو بها طورا ويستفل |
جابت بنا كل خفّاق الحشا لجب |
|
لملتقى الموج في حافاته زجل |
٥٩٥ ـ أبو عبد الله محمد بن يربوع الشاطبيّ (١)
ذكره صفوان في زاد المسافر ، وذكر : أنه طلب من صفوان شيئا من شعره فمطله ، فكتب له ابن يربوع : [الطويل]
فديتك ما هذا التّناسي أبا بحر |
|
لقد ضاق ذرعا عن تحمّله صبري |
أأصدر عن أفق الكواكب سادرا |
|
وأرحل ظمآنا على شاطىء النّهر |
__________________
(١) انظر ترجمته في التكملة (ص ٣٠٧) وزاد المسافر (ص ٦٣).
وأنشد له قوله في أحد ملوك بني عبد المؤمن : [الطويل]
أسيّدنا لا تنكرنّ تزاحما |
|
على كفكم منّا فموردها عذب |
وعذرا إلينا فالقلوب نوازع |
|
إلى لثمها والحكم ما حكم القلب |
فلو بلغت شهب السماء بلوغنا |
|
لتقبيلها ظلّت تزاحمنا الشّهب |
الأهداب
موشّحة لابن موهد الشاطبي (١) : وسكن مرسية ومدح بها ابن مرذنيش ملك شرق الأندلس :
أما طربت إلى الحميّا |
|
ما بين ندمان وساق |
والبدر في عقب الثريّا |
|
والليل ممدود الرّواق |
خذها على رغم العذول
خرقاء تلعب بالعقول
والنهر كالسيف الصّقيل
على رياض فاح ريّا |
|
ولاح مصقول التّراقي |
تلك المنى يا صاحبيّا |
|
لا ملك مصر مع العراق |
قد كنت أصبو إلى الرحيق
حتى شغلت عن الإبريق
بقهوة من لذيذ الرّيق
أنا الذي صدت ظبيّا |
|
طاوي الحشا حلو العناق |
تسقي مراشفه شهيّا |
|
من مسكر عذب المذاق |
يا من لحا ولك التّفنيد
حبّي لغرّة لا يبيد
فربما بلي الجديد
يا من أحبّ القرب إليّا |
|
كيف السبيل إلى التلاقي |
__________________
(١) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٩ / ص ٢٣٤) باسم (ابن مؤهل) وأنشد بعض شعره.
لقد لقيت الموت حيّا |
|
ما بين نأيك واشتياقي |
من لي به فوق ما أقول
تحار في وصفه العقول
فما إلى وصله سبيل
أحبب به أحبب إليّا |
|
ظبيا يروّع بالفراق |
طلق الاسرّة والمحيّا |
|
كالظّبي مكحول المآقي |
من لي بمن أهوى ومن لي
ليس الهوى إلا لمثلي
وأنت يا بعضي وكلّي
أبعدتني بعد الثّريّا |
|
وأنت تعلم ما ألاقي |
يا من هويت أبقي عليّا |
|
كما أنا عليك باق |
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :
الكتاب الثاني
من الكتابين اللذين يشتمل عليهما :
كتاب كورة شاطبة
وهو
كتاب النّغمة المطربه ، في حلى حصن يانبة
من المسهب : حصن بهج المنظر ، ذو فواكه ومياه ، منه :
٥٩٦ ـ أبو عبد الله محمد بن خلصة الأعمى (١)
من الذخيرة : كان أحد العلماء بالكلام ، وله حظ ، من النثر والنظام ، لكنه بالأئمة العلماء ، أشبه منه بالكتاب الشعراء. وقد بدرت له أشعار يسير بها إلى البديع ، ويذهب فيها إلى التصنيع ، وكتب عن إقبال الدولة بن مجاهد ملك دانية والجزر. ومن شعره قوله من قصيدة في مدحه (٢) : [البسيط]
خدمتكم ليكون الدهر من خدمي |
|
فما أحالته عن أحواله (٣) حيلي |
__________________
(١) راجع ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٣٢٢) والجذوة (ص ٥١) وبغية الملتمس (رقم : ١١١) والتكملة (ص ٣٩٥) والمسالك (ج ١١ / ص ٤٥) وتحفة القادم (ج ٢) والوافي (ج ٣ / ص ٤٢).
(٢) البيتان في الذخيرة : (ج ١ / ق ٣ / ص ٣٢٨).
(٣) في الذخيرة : عن حالاته.
إن لم تكن بكم حالي مبدّلة |
|
فما انتفاعي بعلم الحال والبدل |
وقوله من قصيدة (١) : [الطويل]
أطع أمر من تهواه من عزّ قد بزّا |
|
كفى بالهوى ذلا بو الحسن مغترّا |
ومنها : [الطويل]
ولما لحاني الدهر لحو العصا ولم |
|
أجد من بنيه غير من زادني وخزا |
جعلتك لي حصنا ونبّهت مقولا |
|
جرازا (٢) جذاذا لا كهاما ولا كزّا |
ولم تقتصد منك القصيدة نائلا |
|
كثير لها أن تستجاز ولا تجزى |
ليمتع بك الله الأمانيّ والمنى |
|
ولا تفجع الآداب فيك ولا ترزا |
وقوله : [الخفيف]
عدم ذا الورى وأنتم وجود |
|
وهراء وأنتم المعقول |
وإذا كشّف الحقائق فكر |
|
شهدت لي بما أقول العقول |
وقوله يخاطب الحصريّ (٣) : [المتقارب]
أيا صادقا هواه |
|
إذا المدّعون مانوا |
فلم يحو ما حواه |
|
زمان ولا مكان |
ولم يفر ما فراه |
|
حسام ولا سنان |
إذا سلّ مرهفات |
|
من المنطق البيان |
تبيّنت أنّ أمضي |
|
من الصارم اللسان |
__________________
(١) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٣٢٨ ، ٣٢٩).
(٢) في الذخيرة : جرازا حدادا.
(٣) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٣٣٠ ، ٣٣١) دون تغيير عما هنا.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :
الكتاب العاشر
من الكتب التي يشتمل عليها :
كتاب المملكة البلنسية
وهو
كتاب في حلى حصن البونت
من المسهب : معقل من المعاقل الرفيعة ، والشواهق المنيعة ، ملكه في مدة ملوك الطوائف :
٥٩٧ ـ القائد أبو محمد عبد الله بن القاسم الفهريّ (١)
وضبطه أشد الضبط ، وصار شجى في حلق صاحب بلنسية ، وعنده أطال المكث هشام المعتدّ المروانيّ الذي صار خليفة بقرطبة ومن عنده استدعى للخلافة وولي بعد ابنه :
٥٩٨ ـ القائد أبو عبد الله محمد بن عبد الله (٢)
فحذا حذو أبيه ، ومنع رياسته ممن يليه ، إلى أن أدركه ما يدرك البدر التمام ، وأخذه الحمام ، فولي بعده ابنه :
__________________
(١) ترجمته في البيان المغرب (ج ٣ / ق ٢ / ص ٢٥١) وأعمال الأعلام (ص ٢٣٩).
(٢) انظر ترجمته في أعمال الأعلام (ص ٢٣٩).