مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-01-0
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٧٨
عام ؟ واقتنع غير واحد بمبدأ الحسين عليهالسلام ، حتّى قال بعضهم : لقد شيّعني الحسين ، وقال غاندي : تعلّمت من الحسين أن أكون مظلوماً فانتصر .
ولأحد المستشرقين كلمة في المقام ، يحسن إيرادها ، وذلك هو ماربين الألماني في كتابه « السياسة الإسلامية » قال : « من جملة الأُمور السياسية التي ألبستها رؤساء فرقة الشيعة لباس المذهب من عدّة قرون ، وصارت مورثة جدّاً لجلب قلوبهم وقلوب غيرهم ، هي أُصول التمثيل ، باسم التشبيه والتعزية في مأتم الحسين ... .
التمثيل أدخلته حكماء الهند في عباداتها لعدّة أغراض خارجة عن موضوع بحثنا ، الأوربائيون بمقتضى السياسة ألبسوا التمثيل لباس التفرّج ، وأظهروا في محلّات التفرّج العمومية لأنظار العامّ والخاصّ أُموراً سياسية مهمّة لاستجلاب القلوب قليلاً قليلاً ، أصابوا هدفين بسهم واحد ، تفريح الطبائع ، وجلب قلوب العامّة في الأُمور السياسية ...
فرقة الشيعة حصلت من هذه النكتة على فائدة تامّة ، فألبست ذلك لباس المذهب ... وعلى كلّ حال فالتأثير الذي يلزم أن يحصل على قلوب العامّة والخاصّة في إقامة العزاء والشبيه قد حصل ، من جهة يذكرون في مجالس قراءة التعزية المتواصلة المصائب ، التي وردت على رؤساء دينهم ، والمظالم التي وردت على الحسين .
ومع تلك الأحاديث المشوّقة إلى البكاء
على مصائب آل الرسول ، فتمثيل تلك المصائب للأنظار أيضاً له تأثير عظيم ، ويجعل العامّ والخاصّ من هذه الفرقة راسخ العقيدة فوق التصوّر ... هذه الفرقة تعمل الشبيه بأقسام مختلفة ، فتارة في مجالس مخصوصة ، ومقامات معيّنة ، وحيث إنّه في أمثال هذه المجالس المخصوصة ، والمقامات المعيّنة يكون اشتراك الفرق الأُخرى معهم أقلّ ، أوجدوا تمثيلاً بوضع خاصّ ، فعملوا الشبيه في الأزقة والأسواق ، وداروا به بين جميع الفرق ، وبهذا السبب تتأثّر قلوب جميع الفرق منهم ومن غيرهم ، بذلك الأثر
الذي يجب أن يحصل من التمثيل ، ولم يزل هذا العمل شيئاً فشيئاً يورث توجّه العامّ والخاصّ إليه ، حتّى إنّ بعض الفرق الإسلامية الأُخرى ، وبعض الهنود قلّدوا الشيعة فيه ، واشتركوا معهم في ذلك ...
إنّ هذه الطائفة بواسطة مجالس المآتم ، وعمل الشبيه واللطم والدوران وحمل الأعلام في مأتم الحسين جلبت إليها قلوب باقي الفرق ... نحن ـ الأوربائيين ـ بمجرّد أن نرى لقوم حركات ظاهرية في مراسمهم الملّية أو المذهبية منافية لعاداتنا ننسبها إلى الجنون والتوحّش ، ونحن غافلون عن أنّنا لو سبرنا غور هذه الأعمال ، لرأيناها عقلية سياسية ، كما نشاهد ذلك في هذه الفرقة ، وهؤلاء بأحسن وجه ، والذي يجب علينا أن ننظر إلى حقائق عوائد كلّ قوم ، وإلّا فإنّ أهل آسيا أيضاً لا يستحسنون كثيراً من عوائدنا ، ويعدّون بعض حركاتنا منافية للآداب ، ويسمّونها بعدم التهذيب بل بالوحشية ، وعلاوة على تلك المنافع السياسية التي ذكرناها ، التي طبعاً إثر التهيّج الطبيعي ، فإنّهم يعتقدون أنّ لهم في إقامة مأتم الحسين درجات عالية في الآخرة ، انتهى » .
وأخيراً : حسبنا ما قاله الأئمّة عليهمالسلام في إحياء أمرهم ، والتذكير بمصابهم ، ولا يضيرنا قول عائب خائب ، فإنّ لكلّ امرئ ما نوى ، وإنّما الأعمال بالنيّات ، بشرط تنزيه تلك الأعمال عمّا يشينها من أقوال وأفعال ، ولا نترك فرصة لمن استزلهم الشيطان ، فيرمونها بالفرية والبهتان ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) (١) .
« عالية ـ البحرين ـ ٢٠ سنة »
سبب البكاء على الحسين :
س : لديّ سؤال : لماذا نبكي على أئمّة أهل البيت ؟ ونقوم بالتعزية عليهم ،
______________________
(١) آل عمران : ٨ .
مع العلم أنّ تلك الحادثة ـ مثل مصيبة الإمام الحسين ـ كانت من الماضي ؟ ونسألكم الدعاء ، والشكر الجزيل .
ج : يمكن الإجابة على سؤالك من عدّة وجوه :
الوجه الأوّل : لقد بكى على الحسين عليهالسلام الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله قبل استشهاده ، وقد ثبت ذلك من طرقنا ومن طرق العامّة ، ويمكن تأسّياً بالرسول صلىاللهعليهوآله أن نبكي على الحسين عليهالسلام ، ولا علاقة للزمان وبعده عن واقعة استشهاده ، لأنّه لو كان للزمان علاقة لكان الأولى بالرسول صلىاللهعليهوآله أن لا يبكي على الحسين عليهالسلام قبل حصول الواقعة ، بل الذي يدعونا ـ كما يدعو الرسول صلىاللهعليهوآله ـ للبكاء هو مظلومية الإمام الحسين عليهالسلام .
الوجه الثاني : قد ورد أيضاً أنّ بعض الأنبياء عليهمالسلام قد بكوا على الإمام الحسين ، وبعد الأنبياء عن واقعة استشهاد الإمام الحسين عليهالسلام أكثر من بعدنا عن تلك الواقعة ، ومع الاختلاف في السبق واللحوق .
الوجه الثالث : قد ورد أيضاً أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله بكى على حمزة وجعفر ، وأمر النساء بالبكاء عليهما ، حتّى صار البكاء على حمزة من عادة نساء أهل المدينة .
الوجه الرابع : بعد أن ثبت عندنا بالدليل القاطع عصمة أئمّتنا عليهمالسلام يمكننا الأخذ برواياتهم وسيرتهم ، وقد كان دأب المعصومين عليهمالسلام بعد واقعة الطفّ البكاء على الحسين عليهالسلام ، وكان بعضهم يقيم مآتم العزاء ، وكانوا يأمرون شيعتهم بالبكاء ، وإقامة العزاء ، وحضور مجالس العزاء ، حتّى ورد عندنا فضل للتباكي على الحسين عليهالسلام ، ونحن تبعاً لهم عليهمالسلام نسير على خطاهم ، ونهتدي بهديهم ، ونأتمر بأوامرهم .
فقضية البكاء على الحسين عليهالسلام من القضايا الفرعية ، التي يمكن إثباتها بعد إثبات الأُصول التي تعتمد عليها ، ولا تتوقّف تلك الأُصول على جواز أو عدم جواز البكاء ، حتّى يستلزم الدور المحذور .
« حسين ـ البحرين ـ ٢٤ سنة ـ مدرّس »
كيفية بكاء الأفلاك على الحسين :
س : الرجاء التوضيح الشافي والوافي فيما ورد في مقتل الإمام الحسين عليهالسلام : بكت لموته الأرض والسماوات ، وأمطرت دماً ، وأظلمت الأفلاك من الكسوف ، واشتدّ سواد السماء ، ودام ذلك ثلاث أيّام ، والكواكب في أفلاكها تتهافت ، وعظمت الأهوال حتّى ظنّ أنّ القيامة قد قامت .
مع توضيح كيفية بكاء السماء دماً ، ولكم منّا جزيل الشكر والتقدير .
ج : سؤالك يتكوّن من سبع فقرات تريد إيضاحها :
١ ـ بكت لموته الأرض والسماء ، قد ورد عنهم عليهمالسلام : إنّ بكاء الأرض كان بتفجّرها دماً ، وما رفع حجر عن الأرض إلّا كان تحته دماً عبيطاً ، وقد فسّر في خبر آخر بالسواد .
أمّا بكاء السماء ، فعن الإمام الصادق عليهالسلام بعد أن سئل عن بكاء السماء ، قال : « كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء » (١) ، وقد فسّر بكاء السماء في أخبار أُخر بوقوع الدم ، فعن الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام بعد سؤاله عن أيّ شيء بكاؤها ؟ قال : « كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم » (٢) .
وفي خبر آخر نسب البكاء بالحمرة إلى الشمس ، فقال : « بكت السماء على الحسين أربعين صباحاً بالدم ، والأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد ، والشمس بكت أربعين صباحاً بالحمرة » (٣) ، والذي يجمع بين الأخبار أنّ كلا الأمرين قد حصل .
٢ ـ وأمطرت دماً ، قال أحدهم : أمطرت السماء دماً احمرت منه البيوت
______________________
(١) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢١٢ .
(٢) كامل الزيارات : ١٨٤ .
(٣) بحار الأنوار ١٤ / ١٨٣ .
والحيطان ، وقال آخر : ذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم ، وقال آخر : وحبابنا وجرارنا صارت مملوءة دماً ، وأصبحنا وحياضنا وجرارنا مملوءة دماً .
٣ ـ أظلمت الأفلاك من الكسوف .
٤ ـ اشتدّ سواد السماء ودام ذلك ثلاثة أيّام .
لعلّ العبارتين بمعنى واحد وهو ذهاب نور الشمس وانكسافه ، وصيرورة النهار ليلاً كما في بعض الأخبار .
٥ ـ والكواكب في أفلاكها تتهافت ، لم نعثر على مكان وجود هذه العبارة في المقتل ، ومع وجودها فيمكن أن يفهم منها : ظهور الشهب بكثرة في السماء ، الذي كان يفهم منه في ذلك الزمان سقوط الكواكب .
٦ ـ عظمت الأهوال حتّى ظنّ أنّ القيامة قد قامت ، بعد كلّ هذه الحوادث الغريبة عليهم والمروّعة ، علموا بفداحة الأمر الذي حصل ، وتوقّعوا الهلاك العاجل ، حتّى جاء عن بعضهم قوله : حتّى ظنّنا أنّها هي ، يعني القيامة .
« علي ـ فرنسا ـ سنّي ـ ٢٨ سنة ـ طالب »
النبيّ بكى على الحسين قبل مقتله :
س : هل الحسين خير من الرسل والأنبياء ؟ أم أنّه الوحيد الذي مات حتّى تفعلوا كل هذا من أجله ؟ يهديكم الله ، ويصلح بالكم .
ج : ألم يثبت أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله بكى على الحسين عليهالسلام قبل مقتله ؟ ونصب المأتم عليه في مسجده ، فكيف بنا بعد أن قتل !
فقد روى أحمد عن عبد الله بن نجى عن أبيه : « أنّه سار مع علي رضياللهعنه ، وكان صاحب مطهرته ، فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين ، فنادى علي : « اصبر أبا عبد الله بشطّ الفرات » ، قلت : وماذا ؟ قال : « دخلت على النبيّ صلىاللهعليهوآله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا نبيّ الله أغضبك أحد ؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟
قال : بلى ، قام من عندي جبرائيل قبل ، فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات ، قال : فقال : هل لك أنّ أشمّك من ترتبه ؟ قال : قلت : نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أنْ فاضتا » (١) .
وهناك روايات كثيرة في هذا الباب ، مثل رواية أُمّ الفضل ... قالت : « فدخلت يوماً إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فوضعته ـ أي الحسين ـ في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول الله صلىاللهعليهوآله تهريقان من الدموع ، قالت : فقلت : يا نبيّ الله بأبي أنت وأُمّي مالك ؟ قال : « أتاني جبرائيل عليهالسلام فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا » ، فقلت : هذا ؟ فقال : « نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء » .
قال الحاكم النيسابوري : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » (٢) ، فلماذا تنقم وتنزعج من البكاء والتأثّر على مقتل الحسين ؟!
يا أخي : إنّ الحسين سيّد شباب أهل الجنّة ، وريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وابنه وحامل نسله ونسبه وسببه وإسلامه ، وضحّى بنفسه وأعزّ ما عنده من أخوة وأولاد ، وأهل بيت وأصحاب مؤمنين ، ونساء أهل البيت ، وعانوا ما عانوا من عطش وتقتيل وتمثيل وسبي وتخويف ... وعندنا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله وفاطمة وعلي والحسن عليهمالسلام أفضل من الحسين عليهالسلام ، وكلّهم أفضل من الأنبياء والرسل والملائكة ، ولكن تختصّ مصيبة الحسين عليهالسلام ومقتله بأشياء عظيمة توجب الاهتمام والإحياء والاقتداء به عليهالسلام .
« السيّد علي ـ الكويت ـ ١٧ سنة »
ثواب البكاء على مصيبة الحسين :
س : إنّ بعض العلماء يشكّك في قضية البكاء على الحسين ، وأنّه لا يغفر الذنوب ؟ وفّقكم الله لخدمة الدين ، وشكراً .
______________________
(١) مسند أحمد ١ / ٨٥ .
(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٧٧ .
الجواب : لاشكّ أنّ أعداء أهل البيت عليهمالسلام حاولوا على مدى الزمان منع إقامة الشعائر الحسينية ، أو التشكيك والسخرية في كثير منها ، ولكن بسبب وقوف مراجع الدين أمام هذا التيار ، وحثّهم للأُمّة على إقامة الشعائر ، والحبّ والولاء الموجودان لدى الأُمّة ، أفشل الكثير من تلك المحاولات ، فأثبتوا لهم تمسّكهم بأهل البيت عليهمالسلام مهما كلّفهم الأمر .
فقضية ثواب البكاء على مصيبة الإمام الحسين عليهالسلام ، فهي من القضايا المسلّمة عند علمائنا ، فقد وردت روايات كثيرة في هذا المجال ، نذكر منها :
١ ـ عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « كان علي بن الحسين عليهماالسلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهماالسلام دمعة حتّى تسيل على خدّه ، بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً ، وأيّما مؤمن دمعت عيناه ... » (١) .
٢ ـ عن أبي عمارة المنشد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ( قال لي : « يا أبا عمارة أنشدني في الحسين عليهالسلام » ، قال : فأنشدته ، فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، قال : فو الله ما زلت أنشده ويبكي حتّى سمعت البكاء من الدار ، فقال لي : « يا أبا عمارة من أنشد في الحسين عليهالسلام شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى أربعين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنّة » ) (٢) .
٣ ـ عن صالح بن عقبة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « من أنشد في الحسين عليهالسلام بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنّة ، ومن أنشد في الحسين بيتاً
______________________
(١) كامل الزيارات : ٢٠١ .
(٢) المصدر السابق : ٢٠٩ .
فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنّة » ، فلم يزل حتّى قال : « من أنشد في الحسين بيتاً فبكى ـ وأظنّه قال : أو تباكى ـ فله الجنّة » (١) .
٤ ـ عن أبي عمارة المنشد قال : ( ما ذكر الحسين عليهالسلام عند أبي عبد الله عليهالسلام في يوم قط ، فرئي أبو عبد الله عليهالسلام متبسّماً في ذلك اليوم إلى الليل ، وكان عليهالسلام يقول : « الحسين عَبرة كُلّ مؤمن » ) (٢) .
٥ ـ عن أبي بصير قال : ( قال أبو عبد الله عليهالسلام : « قال الحسين بن علي عليهماالسلام : أنا قتيل العَبرة لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر » ) (٣) .
٦ ـ عن الفضل بن شاذان قال : ( سمعت الرضا عليهالسلام يقول : « لمّا أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم عليهالسلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه ، تمنّى إبراهيم عليهالسلام أن يكون يذبح ابنه إسماعيل عليهالسلام بيده ، و ... قال : يا إبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنّها من أُمّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش ، فيستوجبون بذلك سخطي ، فجزع إبراهيم عليهالسلام لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله ، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب ، فذلك قول الله عزّ وجلّ : ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم » ) (٤) .
٧ ـ عن إبراهيم بن أبي محمود قال : « قال الرضا عليهالسلام : « إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله صلىاللهعليهوآله حرمة في أمرنا .
______________________
(١) المصدر السابق : ٢١٠ .
(٢) المصدر السابق : ٢١٤ .
(٣) المصدر السابق : ٢١٥ .
(٤) الصافّات : ١٠٧ ، عيون أخبار الرضا ٢ / ١٨٧ .
إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام » .
ثمّ قال عليهالسلام : « كان أبي عليهالسلام إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه ، حتّى يمضي منه عشرة أيّام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين » ) (١) .
٨ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا نزلت : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ) (٢) في اليهود ، أي الذين نقضوا عهد الله ، وكذّبوا رسل الله ، وقتلوا أولياء الله : « أفلا أُنبّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأُمّة » ؟
قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : « قوم من أُمّتي ينتحلون أنّهم من أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذرّيتي وأطائب أرومتي ، ويبدّلون شريعتي وسنّتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين ، كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى .
ألا وإنّ الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنّم ، ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبيهم وناصريهم ، والساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم .
ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً ، ألا وإنّ الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته ، ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله » (٣) .
٩ ـ عن الإمام علي عليهالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « إذا كان يوم القيامة نادى
______________________
(١) الأمالي للشيخ الصدوق : ١٩٠ .
(٢) البقرة : ٨٤ .
(٣) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٠٤ ، العوالم ، الإمام الحسين : ٥٩٨ .
مناد من بطنان العرش : يا أهل القيامة غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمّد ، مع قميص مخضوب بدم الحسين ، فتحتوي على ساق العرش ، فتقول : أنت الجبّار العدل اقض بيني وبين من قتل ولدي ، فيقضي الله لابنتي وربّ الكعبة .
ثمّ تقول : اللهم اشفعني فيمن بكى على مصيبته ، فيشفعها الله فيهم » (١) .
نكتفي بهذا المقدار من الروايات ، وللمزيد راجعوا المصادر الحديثية .
« حفيظ بلخيرية ـ تونس »
ما ورد في زيارة الأربعين :
س : يحتفل الشيعة في كلّ سنة بأربعينية الحسين عليهالسلام ، وسؤالي لا يتعلّق بإحياء الذكرى ، بل في مسألة الأربعين ، هل تتوافق مع الحديث القائل : « لا حزن بعد الثلاث » ؟
ج : لم نجد الحديث المذكور في الكتب الحديثية المعتبرة عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ وعلى فرض التسليم بوجوده وصحّته إن وجد ، تكون زيارة الأربعين للإمام الحسين عليهالسلام ممّا خُصّ فعله تبعاً للروايات المعتبرة الواردة في هذا الشأن ، وزيارة الأربعين لا تشتمل على معنى الحزن فقط ، وإنّما حالها كحال معظم الشعائر الحسينية المندوبة الأُخرى التي يراد منها :
١ ـ تعظيم شعائر الله التي وصفها الحقّ سبحانه وتعالى بأنّها من تقوى القلوب .
٢ ـ التعبير عن الولاء لأولياء الله ، والسير على منهجهم وخطاهم .
٣ ـ السعي لبيان مظلومية أهل البيت عليهمالسلام ، وما جرى على أئمّة الحقّ التي تعني مظلومية الإسلام ، والذي يصبّ في دعم العقيدة والدين ، إلى غير ذلك من المعاني والعبر التي حفلت بها هذه الشعائر ، حتّى ورد الحثّ الشديد من أئمّة أهل
______________________
(١) ينابيع المودّة ٢ / ٣٢٣ .
البيت عليهمالسلام على إقامتها وتفعيلها .
أمّا ما ورد من الأحاديث في زيارة الأربعين ، فقد روي عن الإمام الحسن العسكري عليهالسلام أنّه قال : « علامات المؤمن خمس : صلاة إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختّم باليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » (١) .
وقد وردت صيغة عن الإمام الصادق عليهالسلام لكيفية هذه الزيارة جاء فيها : « تزور عند ارتفاع النهار فتقول : السلام على وليّ الله وحبيبه ، السلام على خليل الله ونجيبه ... » (٢) .
« حفيظ بلخيرية ـ تونس ـ ... »
الضرب بالسلاسل نوع من التأسّي :
س : نشاهد على شاشة التلفاز شباب يضربون أنفسهم بسلاسل من حديد ، وذلك لإحياء ذكرى الشهيد الحسين عليهالسلام ، فما هو معنى هذا الفعل ؟
ج : إنّ شعائر الضرب بالسلاسل على الظهور قد يكون لها منشأ من نفس أحداث واقعة كربلاء ، تقريباً وتعبيراً عمّا كان يتعامل به أعداء أهل البيت من إيذاء وضرب ، وممارسات الأسر في حقّ النساء والأطفال ، ضرباً على ظهورهم بالسياط ، لذا يعمل الموالون على إحياء هذا المشهد المأساوي الذي قدّمه أهل بيت العصمة وعيالاتهم في سبيل نصرة الدين والتضحية من أجل إحياء الإسلام المحمّدي الأصيل .
وفلسفة هذه الأعمال والشعائر للمصيبة الحسينية أنّها تهدف على إحياء روح التأسّي والتأثّر والولاء لأهل البيت عليهمالسلام ، الذي أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله أُمّته بالتمسّك بهم من بعده مع الكتاب الكريم ، وجعلهم عدلاً له ، كما هو الوارد في الحديث
______________________
(١) إقبال الأعمال ٣ / ١٠٠ .
(٢) المصدر السابق ٣ / ١٠١ .
المعروف : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » (١) .
وبغضّ النظر عن معنى هذا الفعل فإنّ للشيعي الموالي الحرّية في اختيار السلوك الذي يعبّر به عن حزنه ومواساته للسبط الشهيد وأهل بيته وأصحابه ، ما لم يدخل ذلك في دائرة الحرام .
وعليه ، فإنّ مختلف الشعائر الحسينية مفتوحة للتطوّر بمرور الزمان ، كما أنّها تطوّرت إلى ما نشاهده اليوم عمّا كانت عليه سابقاً عبر تراكم العادات ، واختلاف أشكال التعبير .
« ... ـ ... ـ ... »
أدلّة تحريم اللطم واهية :
س : يعدّ البعض اللطم على الصدور في المآتم حرام ، ويستدلّ بعدّة أدلّة ، فما هي الأدلّة على مشروعية اللطم على الصدور ؟
ج : الاستدلال على مشروعية اللطم يتمّ على نقاط :
١ ـ إنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، أي إنّ كُلّ شيء مباح حتّى يرد فيه حرمة
______________________
(١) فضائل الصحابة : ١٥ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٢٨ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٣ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٣ و ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٣٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ و ١٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٢ ، المحصول ٤ / ١٧٠ ، الإحكام للآمدي ١ / ٢٤٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، أنساب الأشراف : ١١١ و ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٥ و ٩٩ و ١٠٥ و ١١٢ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٤٩ و ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٨ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٢١١ و ٣ / ١٧٧ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ و ١١ / ٨٨ ، تاج العروس ٧ / ٢٤٥ .
ونهي ، لا كما يظهر من كلام من يعترض على اللطم : من أنّ الأصل في الأشياء الحرمة .
فإنّ أصالة الإباحة أصل في علم أُصول الفقه ، فيه بحوث علمية لا يعرفها أبناء المذهب المخالف يمكنك اطلاعهم عليها ، وعليه فإنّ مدّعي الحرمة والمنع يحتاج إلى دليل وليس العكس .
٢ ـ بل إنّ اللطم على الإمام الحسين عليهالسلام مستحبّ ، لأنّه بعد الأصل يدخل في إحياء شعائر الله ، ومن المعلوم لدينا دخول الشعائر الحسينية في شعائر الله ، لأنّ يوم الحسين يوم من أيّام الله بلا جدال .
٣ ـ ولكن مع كُلّ هذا ، فإنّ للشيعة أدلّتهم من الروايات التي فيها إقرار اللطم على الإمام الحسين وبقية المعصومين عليهمالسلام ، كما ورد في زيارة الناحية المقدّسة من فعل الفواطم : « برزن من الخدور ، ناشرات الشعور على الخدود ، لاطمات الوجوه » (١) ، إذ جاءت هذه الزيارة على لسان معصوم ، فضلاً عن سكوت الإمام زين العابدين عليهالسلام زمن الحادثة الدالّ على تقريره .
وأيضاً ما رواه العلّامة المجلسي : من أن دعبل الخزاعي لمّا انشد الإمام الرضا عليهالسلام :
إذاً لـلطمـت الخـدّ عنـده |
|
وأجريت دمع العين في الوجنات » (٢) |
لطمت النساء ، وعلا الصراخ من وراء الستار ، وبكى الإمام الرضا عليهالسلام حتّى أُغمي عليه مرّتين ، وفيه من التقرير والرضا ما لا يخفى ، إذ لو كان فيه خلاف الشرع لأنكره عليهالسلام .
ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : « وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي عليهماالسلام ، وعلى مثله
______________________
(١) المزار الكبير : ٥٠٤ .
(٢) بحار الأنوار ٤٥ / ٢٥٦ .
تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (١) .
وقال في الجواهر : « وما يحكى من فعل الفاطميات كما في ذيل خبر ... بل ربما قيل إنّه متواتر » (٢) .
وفي اللهوف : « ولمّا رجع نساء الحسين عليهالسلام وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق ، قالوا للدليل : مرّ بنا على طريق كربلاء .
فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم ، ورجالاً من آل الرسول صلىاللهعليهوآله ، قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليهالسلام ، فوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أيّاماً » (٣) .
ومن المعلوم : إنّ الإمام السجّاد عليهالسلام كان معهم .
وروي في أحاديث كثيرة استحباب الجزع على الإمام الحسين عليهالسلام ، وفسّر الإمام الباقر عليهالسلام الجزع بقوله : « أشدّ الجزع الصراخ بالويل والعويل ، ولطم الوجه والصدر ... » (٤) .
وغيرها من الروايات ، أفبعد هذا يقال بالمنع من اللطم !! نعم إنّ ذلك مختصّ بالحسين عليهالسلام كما ذكر الفقهاء .
ولكن المانعين المدّعين لحرمة اللطم حاولوا إيراد أدلّة تدلّ على حرمة اللطم بالعنوان الثانوي ، منها :
١ ـ إنّه إلقاء في التهلكة : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٥) ، مع أنّ الآية ناظرة إلى التهلكة في الآخرة ، ولو سلّمنا فإنّه ليس فيما يفعله اللاطم تهلكة في الدنيا .
______________________
(١) تهذيب الأحكام ٨ / ٣٢٥ .
(٢) جواهر الكلام ٤ / ٣٧١ .
(٣) اللهوف في قتلى الطفوف : ١١٤ .
(٤) الكافي ٣ / ٢٢٢ .
(٥) البقرة : ١٩٥ .
وإن حدث في بعض الحالات النادرة ، فإنّ مات أحدهم مثلاً ، فإنّ ذلك لا يوجب التحريم أصلاً ، فهو كما يتّفق في كُلّ شيء مباح ، كركوب السيارة مثلاً .
٢ ـ إنّه إضرار بالنفس ، والإضرار حرام ، مع أنّه لم يثبت حرمة كُلّ إضرار بالنفس ، بل الثابت حرمة ما يؤدّي إلى هلاك النفس ، أو ما يؤدّي إلى ضرر بالغ ، والعقلاء يقدمون على الضرر القليل من أجل هدف أسمى وأكبر ، بل قد يقدمون على أُمور فيها هلاك النفس من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها .
٣ ـ من أنّ هذه الممارسات ـ ومنها اللطم ـ فيها توهين للمذهب ، وجوابه : إنّ ذلك يختلف باختلاف المواقف ، وأنّ تشخيص الموضوع يعود للمكلّف في صدق التوهين هنا أو لا .
ولو أردنا مجارات كُلّ من خالفنا وشنّع علينا بممارساتنا الدينية بمثل هذه الحجّة لما بقى لدينا شيء حتّى الحجّ والصلاة .
٤ ـ قد يعترض المخالف من أهل العامّة بأنّه بدعة ، ولكن تعريف البدعة هو : إدخال ما ليس في الدين فيه ، وهو قد يطلق على ما كان محرّماً ، وقد عرفت ممّا سبق الأدلّة على جوازه ، وأنّه من الدين .
« عبد الله ـ السعودية ـ ٣٠ سنة ـ دكتور »
اللطم جائز للإقرار وللأصل :
س : من المتعارف عليه بين أبناء الشيعة الإمامية إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليهالسلام ، ويصاحب ذلك في كثير من الأحيان اللطم ، أو ما عرف بالعزاء .
وهو إنشاد القصائد الرثائية في أهل البيت ، ويصحب ذلك اللطم على الصدور ، وحسب اطلاعي المتواضع ، فإنّ الأئمّة عليهمالسلام كانوا يحيون هذه الأيّام ، ولكن لم يرد بأنّهم كانوا يلطمون على صدورهم ، أو كانوا يحثّون على ذلك ، ولو كانت هذه العادة هي شعيرة خاصّة ، أو لها أهمّية لجاءت أخبار الأئمّة بالحثّ عليها ، بل ربما هناك ما يتعارض مع مثل ذلك .
فنحن نعرف وصية الإمام الحسين عليهالسلام لأخته زينب عليهاالسلام ليلة العاشر : بأن تتعزّى بعزاء الله ، ولا تشقّ عليه جيباً ، أو تلطم عليه خدّاً ... مع أنّ السيّدة زينب ليست بحاجة لذلك ، إلّا أنّ الإمام ربما قال لها ذلك من باب : إيّاك أعني واسمعي يا جارة .
كذلك سمعت من البعض : بأنّ أوّل ظهور لهذه العادة كان في عصر الشيخ المفيد ، وكان الشيخ يقف موقفاً سلبياً ممّن يمارسون هذه العادة ، أُودّ أن أسمع تعليقكم حول هذا الموضوع بالتفصيل ؟ شاكراً ومقدّراً لكم .
ج : نلخّص الجواب في نقاط :
١ ـ هناك كلّية صحيحة يرجع إليها في الاستدلال ، وهي : كُلّ ما يأمر به ، أو يحثّ عليه ، أو يفعله أو يقرّه النبيّ صلىاللهعليهوآله ، أو الإمام عليهالسلام فهو جائز بالمعنى العام ، أي أعمّ من الواجب والمستحبّ والمباح .
وهناك قضية يأتي بها المغالطون كثيراً على أنّها كلّية صحيحة يمكن الاستدلال بها ، ليموّهوا على مناقشيهم بنوع من المغالطة ، وهي : إنّ كُلّ جائز وليس الواجب يجب أن يفعله النبيّ صلىاللهعليهوآله ، أو الإمام عليهالسلام ، وهي عكس الأُولى ، وهذه الكلّية غير صحيحة وباطلة ، ولم تثبت لا عقلاً ولا شرعاً .
ومن راجع علم المنطق يعرف : إنّ العكس المستوي في الموجبة الكلّية يكون موجبة جزئية ، فعكس القاعدة الأُولى : كُلّ ما يفعله الإمام فهو جائز ، وهي موجبة كلّية ، يكون : بعض ما هو جائز يفعله الإمام ، وهي موجبة جزئية ، ثمّ إنّه لم يثبت في الشرع أنّ كُلّ شيء جائز ـ سواء كان مستحبّاً أو مباحاً ـ يجب أن يفعله الإمام .
ملاحظة : نحن اقتصرنا في القضية على فعل الإمام عليهالسلام لأنّ المخالفين الذين يتعمّدون المغالطة يحتجّون دائماً علينا بأنّ الإمام لم يفعل كذا ، ولم يفعل كذا ، فهو غير جائز ، ولا يحتجّون علينا بعدم فعل النبيّ صلىاللهعليهوآله إلّا نادراً .
أمّا نحن ، فإنّ هذه القاعدة واضحة عندنا ، فلا نحتجّ عليهم بعدم فعل النبيّ صلىاللهعليهوآله لشيء لإثبات عدم جوازه إلّا من باب النقض .
ومن هنا عرفت الجواب على كُلّ من يعترض على فعل ما بأنّ الإمام عليهالسلام لم يفعله ، أو لم يثبت فعله له ، ومنها الاستدلال بعدم فعل الإمام عليهالسلام للطم .
٢ ـ تبيّن أنّ إقرار النبيّ صلىاللهعليهوآله أو الإمام عليهالسلام لفعل ما يدلّ على جوازه بالمعنى الأعم ، ولا يثبت به الوجوب ، فهو يحتاج إلى دليل آخر .
وفي موردنا جاءت عدّة روايات تثبت إقرار الإمام عليهالسلام لما فعله الآخرون من اللطم أمامه ، أو لم ينكر على من ذكر اللطم على الإمام الحسين عليهالسلام ، ويبيّن له المنع من ذلك .
منها : ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليهالسلام : « وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي عليهماالسلام ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (١) .
ومنها ما رواه الشيخ الصدوق : إنّ دعبل الخزاعي انشد الإمام الرضا عليهالسلام قصيدته التي فيها :
أفاطم لو خـلت الحسـين مجـدّلاً |
|
وقـد مـات عطشـانـاً بشط فراتِ |
إذاً لـلطمـت الخـدّ عنـده |
|
وأجريت دمع العين في الوجنات » (٢) |
فلم يعترض عليه الإمام عليهالسلام بأنّ فاطمة عليهاالسلام لا تفعل الحرام ، وهو اللطم ، بل بكى عليهالسلام .
ومنها : ورد في زيارة الناحية المقدّسة : « فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّا ونظرن سرجك عليه ملويّا ، برزن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات ، الوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ... » (٣) ، وغيرها .
٣ ـ إنّ استنباط الحكم الشرعي لقضية معيّنة يتمّ من خلال قواعد مقرّرة في أُصول الفقه وعلم الفقه ، ويستدلّ بها من القرآن والسنّة والعقل والإجماع ، ولا
______________________
(١) تهذيب الأحكام ٨ / ٣٢٥ .
(٢) بحار الأنوار ٤٥ / ٢٥٦ .
(٣) المزار : ٥٠٤ .
ينحصر الدليل بقول المعصوم أو فعله ، وإذا فقد الدليل من هذه الأربعة يرجع إلى الأُصول العملية التي تحدّد الوظيفة العملية للمكلّف باتجاه هذه القضية .
وقد قرّروا أنّ الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يأتِ فيه تحريم ، فإذا سلّمنا بفقد الدليل على اللطم ، نرجع إلى هذا الأصل الأوّلي فيه وهو الإباحة ، ولم يثبت في هذه القضية أصل ثانوي من أنّه إضرار بالنفس ، وعلى فرض ثبوته فليس كُلّ ضرر ـ وإن كان لا يعتدّ به ـ حراماً .
٤ ـ ومثل هذا يثبت بخصوص خروج المواكب في الطرقات وإنشاد المراثي ، على أنّ شعائر خروج المواكب في الطرقات كان من عهد البويهيين في بغداد في القرن الرابع الهجري ، وهو عصر علماء عظام من الإمامية ـ كالمفيد وابن قولويه والمرتضى والرضي ـ ولم يسمع من أحد منهم الاعتراض والنهي عن ذلك ، ولم نعرف المصدر الذي نقلت منه موقف الشيخ المفيد السلبي بخصوص ذلك ، فنرجو أن تذكر المصدر حتّى ننظر فيه .
٥ ـ وأمّا ما أوردته من الرواية عن الإمام الحسين عليهالسلام يخاطب زينب عليهاالسلام : بأن تتعزّى بعزاء الله ، ولا تشقّ عليه جيباً ، أو تلطم عليه خدّاً ... ، فإنّ متن الرواية هكذا : « انظرن إذا أنا قتلت ، فلا تشقّقن عليّ جيباً ، ولا تخمشن عليّ وجهاً ... » (١) .
وليس فيها : « ولا تلطمن عليّ خدّاً » حتّى تستدلّ بها على النهي عن اللطم .
بل عن رواية الأقدم منهما وهو أبو مخنف ـ المتوفّى ١٥٨ هـ ـ عن الحارث بن كعب وأبي الضحّاك عن الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام ، أنّ المخاطبة كانت زينب عليهاالسلام ، إذ قال لها الحسين عليهالسلام : « يا أُخية ، إنّي أُقسم عليك فابري قسمي : لا تشقّي عليّ جيباً ، ولا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور ، إذا أنا هلكت » (٢) .
______________________
(١) اللهوف في قتلى الطفوف : ٥٠ .
(٢) مقتل الحسين لابن مخنف : ١١١ .
مع ملاحظة أنّ القضية في كُلّ الروايات واحدة ، وهي خبر إنشاد الحسين لعدّة أبيات التي أوّلها : يا دهر أُفٍّ لك من خليل ... ، ليلة عاشوراء ، فمرّة مخاطباً النساء معاً ، ومرّة مخاطباً زينب عليهاالسلام وحدها ، إضافة إلى أنّ رواية السيّد ابن طاووس مرسلة .
نعم ، قد يستدلّ برواية أُخرى في « دعائم الإسلام » عن الإمام الصادق عليهالسلام : أنّه أوصى عندما احتضر فقال : « لا يلطمن عليّ خدّ ، ولا يشققن عليّ جيب ، فما من امرأة تشقّ جيبها إلّا صدع لها في جهنّم صدع ، كلّما زادت زيدت » .
ولكن بغضّ النظر عمّا قيل في توثيق كتاب « دعائم الإسلام » ، فقد قال السيد الخوئي بخصوص هذه الرواية وغيرها : « إلّا أنّ الأخبار لضعف إسنادها لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالحرمة بوجه » (١) .
ولذا أفتى علماؤنا بجواز شقّ الثوب على الأب والأخ فراجع .
فيتّضح أنّ ما تقدّم من الروايات لا تنهض حجّة لمقاومة الأدلّة التي ذكرناها .
______________________
(١) التنقيح في شرح العروة الوثقى ٩ / ٢٣٢ .