الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-174-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٨٨
قال :
أبواب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه
باب النوم
أخبرني الشيخ رحمهالله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل ينام وهو ساجد ، قال : « ينصرف ويتوضّأ » .
وبهذا الإسناد عن حماد ، عن عمر بن اُذينة وحريز ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : « لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك أو النوم » .
وأخبرني الشيخ رحمهالله : عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن محمد ابن عبيد الله وعبد الله بن المغيرة ، قالا : سألنا الرضا عليهالسلام عن الرجل ينام علىٰ دابّته ، فقال : « إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء » .
السند :
في الأوّل : عثمان بن عيسىٰ ، وسماعة ، وقد تكرّر القول فيهما (١) .
__________________
(١) راجع ج ١ : ٧١ ـ ٧٣ و ١١٠ ـ ١١٣ .
والثاني : كما ترىٰ كان الأولىٰ أن يقال فيه : وبهذا الإسناد عن الحسين ابن سعيد عن حماد ، وهو معتبر كما لا يخفىٰ .
والثالث : فيه محمد بن قولويه ، وقد كرّرنا أيضاً القول فيه (١) ؛ ومحمد بن عبيد الله لا يخلو من اشتباه ، إلّا أنّ عبد الله بن المغيرة الراوي معه يغني عن تحقيق الحال فيه ، لولا محمد بن قولويه .
المتن :
الأخبار الثلاثة تدل علىٰ أنّ النوم ناقض ، والإجماع مدعىٰ علىٰ ذلك (٢) ، وخلاف الصدوق (٣) لا يضر بالحال إن تحقق الإجماع ، لجواز كونه بعده ، إذ لا يشترط في الإجماع جميع الأعصار ـ ولا حاجة حينئذ إلىٰ القول بأنّه معلوم النسب ، ليتوجه عليه ما قاله الوالد قدسسره من جواز المشارك ـ (٤) نظراً إلىٰ أن مدعي الإجماع بعد وجود خلاف الصدوق يعلم أنّه غير متبع لأقوال العلماء ، حيث لم يصرح بخلاف الصدوق ، وأنّه غير قادح ، وإن كان في هذا بحث ، إلّا أنّ الضرورة بعد ما ذكرناه غير داعية إلىٰ بيان الوجه .
ثم إنّ الحديث الثاني قد اُوردت عليه اُمور :
الأوّل : أنّ مقتضاه حصر الناقض في الخارج والنوم ، مع حصوله بالسكر والإغماء إجماعاً .
__________________
(١) راجع ج ١ : ١١٤ ـ ١١٦ .
(٢) كما في السرائر ١ : ١٠٧ ، والمعتبر ١ : ١٠٩ ، والتذكرة ١ : ١٠٢ .
(٣) الفقيه ١ : ٣٨ / ١٤٣ و ١٤٤ ، المقنع : ٤ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف ١ : ٨٩ .
(٤) انظر منتقىٰ الجمان ١ : ١٢٨ و ١٢٩ .
الثاني : أنّه يقتضي كون مطلق الخارج ناقضاً ، لأنّ « ما » من أدوات العموم .
الثالث : أنّ قصر النقض علىٰ الخارج من الطرفين يقتضي أنّ الخارج من أحدهما غير ناقض .
واُجيب عن الأوّل : بأنّ حكم السكر والإغماء مستفاد من حكم النوم من باب التنبيه .
وعن الثاني : بأنّ الموصول كما يجيء للعموم يجيء للعهد ، والمعهود هنا المتعارف .
وعن الثالث : بأنّ المراد بالطرفين كل واحد منهما لا هما معاً ، لامتناع خروج خارج منهما معاً (١) .
وفي الجواب عن كل نظر :
أمّا الأوّل : فلأنّ استفادة الإغماء والسكر من باب التنبيه لا يدفع الإشكال في الحصر ، علىٰ أنّ في دلالة المفهوم بحث ذكرناه سابقاً .
وأمّا الثاني : فلأنّ المتعارف لا ينافي إرادة العموم من الموصول ، غير أنّه عموم في المتعارف ، فإن اُريد هذا فالجواب غير واف ، بل ظاهره خلاف ذلك ، وإن اُريد غيره فلا يخفىٰ ما فيه . وقد يجاب عن هذا بأنّ المراد يعلم منه .
وأمّا الثالث : فالمراد من الطرفين كما يحتمل ما أراده المُجيب ، يحتمل أن يراد خروج كل من البول والغائط معاً ، والحال أنّه غير معتبر ، والجواب عن هذا غير بعيد أيضاً ، إلّا أنّ كلام المجيب غير واف .
__________________
(١) انظر المدارك ١ : ١٤٦ .
ثم ما ادعاه المعترض من الإجماع علىٰ الإغماء والسكر ـ إن تمّ ـ يقتضي أنّ الحصر في الخبر إضافي ولا مانع منه ، كيف ؟ والنواقض غير محصورة فيما ذكر كما هو واضح .
وما تضمنه الخبر الثالث من قوله : حتىٰ يذهب العقل ، قيل : إنّه يلوح منه أنّ كلّ ما يذهب العقل من سكر أو جنون أو إغماء فهو ناقض (١) .
وغير خفي أنّ هذا يدفع الاستدلال بمفهوم الموافقة ، بل يصير من باب العلة المنصوصة إن عدّيناها إلىٰ كل ما توجد فيه ، وفي هذا بحث ليس هذا محله ، إلّا أنّ القائل بتعدّي المنصوصة لا مجال لإنكاره الاستدلال بهذا الخبر علىٰ الإغماء والسكر علىٰ ما يظهر ، فما في الحبل المتين ـ من أنّ للكلام في دلالة الحديث المتضمن لنحو هذا مجالاً (٢) ـ غير واضح الوجه .
وما يستفاد من الخبر الثاني : أنّه لا ينقض إلّا ما خرج من الطرفين ، قد يدل علىٰ أنّ غير الطرفين إذا خرج منه المتعارف لا ينقض ، إلّا أنّ الغير إذا صار معتاداً لا خلاف فيه ، فالأمر فيه سهل . وبدون الاعتياد محل بحث ، وقد ذكرته في محل آخر ، والذي يناسب المقام ما ذكرناه .
قال :
وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن محمد بن أبي عمير ، عن إسحاق بن عبد الله الأشعري ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « لا ينقض الوضوء إلّا حدث ، والنوم حدث » .
وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ،
__________________
(١) كما في حبل المتين : ٢٨ .
(٢) الحبل المتين : ٣٠ .
عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن عمران بن موسىٰ ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن أبيه ، عن (١) عبد الحميد بن عواض ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سمعته يقول : « من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش علىٰ أيّ الحالات فعليه الوضوء » .
السند :
في الأوّل كما ترىٰ رواية أحمد بن محمد بن عيسىٰ عن ابن أبي عمير وأظنّها مستبعدة ، لأنّ الغالب روايته عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، ولعل الغالب لا يضر بالحال مع تحقق الإمكان .
وعمران بن موسىٰ في الثاني ثقة .
وأمّا الحسن بن علي بن النعمان : فإنّ النجاشي قال فيه : الحسن بن علي بن النعمان مولىٰ بني هاشم ، أبوه علي بن النعمان الأعلم ثقة (٢) .
وقد قيل : إنّ التوثيق محتمل أن يكون للأب وللإبن ، ومع الاحتمال لا يثبت توثيقه (٣) .
وفي ظنّي أن التوثيق للابن ، لأنّ النجاشي وثّق الأب في بابه (٤) ، ومن عادة النجاشي أنّه إذا وثّق الأب مع الابن لا يعيد التوثيق مع ذكر الأب في كثير من الرجال علىٰ ما رأيت ، واحتمال النادر والإلحاق به فيما نحن فيه بعيد .
__________________
(١) في نسخة من الاستبصار : ٧٩ / ٢٤٧ : عن أحمد بن عبد الحميد .
(٢) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨١ .
(٣) حكاه في الحاوي ١ : ٢٧٨ عن بعض مشايخه المعاصرين .
(٤) رجال النجاشي : ٢٧٤ / ٧١٩ .
وشيخنا المحقق ـ سلّمه الله ـ في كتاب الرجال قال : وربما استفيد توثيقه يعني الحسن من وصف كتابه بأنّه صحيح الحديث ، وفيه نظر ، ثمّ وجّهه بأنّ وصف الكتاب بكونه صحيح الحديث إنّما يقتضي الحكم بصحة حديثه إذا علم أنّه من كتابه لا الحكم بصحة حديثه مطلقاً ، كما هو مقتضىٰ التوثيق (١) .
والأمر كما قال ـ سلّمه الله ـ وذكر أيضاً نحو ما قلناه من جهة الأب والاحتمال (٢) ، والحق أحق أن يتبع .
وأمّا عبد الحميد بن عواض فهو ثقة ، ذكره الشيخ في رجال الكاظم عليهالسلام ، وقال إنّه من أصحاب أبي جعفر عليهالسلام وأبي عبد الله عليهالسلام (٣) ، ثم إنّ العلّامة : ضبطه عواض بالضاد المعجمة (٤) وابن داود قال : بالغين والضاد المعجمتين (٥) .
المتن :
في الأوّل ظاهر الدلالة علىٰ أنّ النوم ناقض ، أمّا دلالته علىٰ أنّ كل نوم ناقض فلا يخلو من خفاء ، وقد حاول العلّامة في المختلف ذلك علىٰ ما أظن فقال :
لا يقال : لا يصح التمسك بهذا الحديث ، فإنّ الصغرىٰ قد اشتملت علىٰ عقدي إيجاب وسلب ، وانتظام السالبة مع الكبرىٰ لا ينتج لعدم اتحاد
__________________
(١ و ٢) منهج المقال : ١٠٥ .
(٣) رجال الطوسي : ٣٥٣ / ٦ .
(٤) خلاصة العلّامة : ١١٦ / ١ .
(٥) رجال ابن داود : ١٢٧ / ٩٤٠ .
الوسط ، والموجبة أيضا كذلك ، فإنّ الموجبتين في الشكل الثاني عقيم ، فإن جعل عكسها كبرىٰ منعنا كلّيتها .
لأنّا نقول : إنّه عليهالسلام في المقدمة الاُولىٰ نفىٰ النقض عن غير الحدث ، وفي الثانية حكم بأنّ النوم حدث ، فنقول : كل واحد من الأحداث فيه جهتا اشتراك وامتياز ، وما به الاشتراك وهو مطلق الحدث مغاير لما به الامتياز وهو خصوصية كل واحد من الأحداث ، ولا شك في أنّ تلك الخصوصيات ليست أحداثا ، وإلّا لكان ما به الاشتراك داخلا فيما به الامتياز ، وذلك يوجب التسلسل ، فإذا انتفت الحدثية عن المميزات لم يكن لها مدخل في النقض ، وإنّما يستند النقض إلىٰ المشترك الموجود في النوم علىٰ ما حكم به في المقدمة الثانية ، ووجود العلة يستلزم وجود المعلول فيثبت النقض في النوم وهو المراد (١) . انتهىٰ .
وقد ذكرت ما يتوجه عليه في حاشية التهذيب ، والذي يمكن أن يقال هنا بعد ذلك : إنّ الجواب لا يدفع السؤال . إذ مرجع السؤال إلىٰ أنّ انتظام السالبة مع الكبرىٰ لا ينتج لعدم اتحاد الوسط ، والجواب إذا تأمّله المتأمّل لا يفيد تماميته ، بل علىٰ ما يظهر أنّه عدول من الاستدلال بصورة الشكل إلىٰ وجه آخر ، وفيه تأمّل ، لأنّ العلة غير مسلّمة ، إذ لا يلزم من استناد النقض إلىٰ المشترك أنّه كلّما وجد وجد النقض كما هو لازم العلّة ، وكون النوم ناقضاً في الجملة لا ينكر استفادته من الحديث بدون ما قاله ، بل من الوجه الذي يأتي عن الوالد قدسسره .
أمّا (٢) علىٰ ما ذكره بعض محققي المتأخرين ، من أنّ استلزام
__________________
(١) المختلف ١ : ٩٠ .
(٢) في « رض » : لا .
المطلوب لا يتوقف علىٰ استجماع شرائط القياس ، كما قالوه في قولنا : زيد مقتول بالسيف والسيف آلة حديدية فإنّه لا شك في إنتاجه : زيد مقتول بآلة حديدية (١) . فإنّ فيه نوع بحث ، إذ لا ينتج النتيجة المذكورة إلّا بعد ملاحظة شرائط الشكل في الاعتبار ، وإن لم يكن في اللفظ ، كما صرح به بعض المحققين في قياس المساواة ، وتخيل أنّه استدلال بالسبب علىٰ المسبب يدفعه ما ذكرناه في العلة بتقدير التمامية .
والحق أنّ دلالة الحديث علىٰ نقض (٢) النوم من الوجه الذي ذكره الوالد قدسسره (٣) ، وهو أنّ المقصود من الخبر نفي الناقضية عما ليس بحدث من مثل النخامة وتقليم الظفر ، كما يقوله أهل الخلاف ، ولمّا كان النوم لا يخلو من خفاء في صدق الحدث عليه أظهره عليهالسلام ، وحينئذ فدلالته علىٰ نقض النوم لا يرتاب فيها ، أمّا دلالته علىٰ أنّ كل نوم ناقض فالمنع متوجه إليها .
وما قيل فيه ـ من أنّه يجوز أن يجعل الحدث في الصغرىٰ بمعنىٰ كل حدث ، كما قالوه في قوله تعالىٰ : ( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ) (٤) فيصير في قوة قولنا ، كل حدث ناقض ، ويؤول إلىٰ الشكل الرابع ، فينتج بعض الناقض نوم ، وإمّا أن يجعل الصغرىٰ كبرىٰ وبالعكس فيكون من الشكل الأوّل (٥) ـ فله وجه أيضاً ، إلّا أنّه ظاهر التكلف .
فإن قلت : من أين علم أو ظنّ أنّ غرض العلّامة الاستدلال علىٰ أن
__________________
(١) كالشيخ البهائي في الحبل المتين : ٢٩ .
(٢) في « فض » و « رض » : بعض .
(٣) منتقىٰ الجمان ١ : ١٢٨ .
(٤) الانفطار : ٥ .
(٥) كما في الحبل المتين : ٢٩ .
كل نوم ناقض ؟ وغاية ما يستفاد من (١) كلامه أن النوم ناقض .
قلت : من قوله : ووجود العلة يستلزم وجود المعلول ، إذ لا معنىٰ لكون الحدث علّة إلّا أنّه كلّما ( تحقق الحدث ) (٢) تحقق النقض ، والعلة موجودة في النوم كيف حصل .
فإن قلت : هذا لازم للدليل لا أنّه مقيد به ، بل يجوز أن يكون استدلاله لناقضية النوم من حيث هو .
قلت : لو كان المقصود هذا كان ذكره العلّة خالياً عن الفائدة كما لا يخفىٰ . وقد يمكن توجيه عدم إرادة ما ذكرناه ، إلّا أنّ الظاهر ما قلناه ، وغيره لا يخلو من تكلف ، فليتأمل .
وما تضمنه الخبر الثاني من قوله : « علىٰ أيّ الحالات » كما يحتمل الشمول لجميع حالات النوم فيندفع به قول الصدوق (٣) ؛ يحتمل أن يراد الحالات المذكورة في الحديث ، فلا يتم الاستدلال به علىٰ أنّ النوم ناقض في جميع الأحوال ، إلّا أن يدّعىٰ ظهور الاحتمال الأوّل ، وكأنّ الشيخ فهم ذلك منه ، ليتحقق التعارض في الخبرين الآتيين ، ( إلّا أن يقال : إنّ إطلاق الأخبار السابقة كافٍ في تحقق التعارض ، وفيه كلام ) (٤) .
وبالجملة : فالخبران الآتيان لو صحا أمكن الاستدلال بهما علىٰ قول الصدوق في الجملة .
__________________
(١) في « فض » زيادة : صورة الشكل الرابع حينئذٍ : الناقض حدث والنوم حدث ، ولا بُدّ من كليّة الصغرىٰ ، لأنّ تركه من المؤخّر يتوقّف عليها ليرد إلىٰ الأوّل . ويقال : إنّ كلّية الصغرى لموافقة الحكمة ، فتأمّل .
(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » .
(٣) المتقدم في ص ٦ .
(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » .
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن العباس ، عن شعيب (١) ، عن عمران بن حمران ، أنّه سمع عبداً صالحاً يقول : « من نام وهو جالس لا يتعمد النوم فلا وضوء عليه » .
وما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن بكر بن أبي بكر الحضرمي ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام ، هل ينام الرجل وهو جالس ؟ فقال : « كان أبي يقول : إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء ، وإذا نام مضطجعاً عليه الوضوء » .
وما جرىٰ مجرىٰ هذين الخبرين ممّا ورد يتضمن نفي إعادة الوضوء من النوم لأنّها كثيرة لم نذكرها لأنّ الكلام عليها واحد ، وهو أن نحملها علىٰ النوم الذي لا يغلب علىٰ العقل ويكون الإنسان معه متماسكاً ضابطاً لما يكون منه .
والذي يدل علىٰ هذا التأويل :
ما أخبرني به الشيخ رحمهالله عن أحمد بن محمد (٢) ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ والحسين بن الحسن بن أبان جميعاً ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الفضل (٣) ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يخفق
__________________
(١) كذا في النسخ ، وفي الاستبصار : أبي شعيب .
(٢) في « فض » و « رض » : محمد بن أحمد .
(٣) في الاستبصار ١ : ٨٠ / ٢٥٠ : الفضيل .
وهو في الصلاة ، فقال : « إن كان لا يحفظ حدثاً منه إن كان فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، وإن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة » .
السند :
في الأوّل : لا ريب أنّ العباس هو ابن معروف ، وقد تكرّر ذكره في الأخبار مبيناً (١) ، وأمّا شعيب فهو مشترك (٢) ، وربما يقرب احتمال كونه الثقة ، إلّا أنّ الجزم به محل تأمل ؛ وعمران بن حمران مهمل في الرجال (٣) .
والثاني : ليس فيه إلّا بكر بن أبي بكر الحضرمي ، وهو مهمل في الرجال (٤) ، وأمّا علي بن الحكم فهو متعين كونه الثقة بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسىٰ عنه .
والثالث : فيه محمد بن الفضل في أكثر النسخ وفي بعضها ابن الفضيل مصغراً .
وذكر شيخنا المحقق : ـ سلّمه الله ـ في فوائده علىٰ الكتاب أنّ ابن المصغّر ضعيف وغيره ثقة ، وربما يوجّه الاتحاد . انتهىٰ .
وما قاله ـ سلمه الله ـ من أنّ محمد بن الفضيل ضعيف وغيره ثقة محل كلام ، لأنّ كليهما في الرجال مشترك بين من وثّق وغيره (٥) ، ولعلّه فهم من القرائن ما قاله ، وهو أعلم .
__________________
(١) راجع ج ١ : ٢٩٣ .
(٢) هداية المحدثين : ٧٩ . وتقدم في ص ١٣ : عن الاستبصار : أبو شعيب .
(٣) رجال النجاشي : ٢٩٢ / ٧٨٦ .
(٤) رجال الطوسي : ١٥٧ / ٣٩ .
(٥) هداية المحدثين : ٢٤٩ .
المتن :
ما ذكره الشيخ في الأوّلين قد يستبعد ، سيّما في الثاني ، بأنّ وصف الاجتماع والجلوس لا خصوصيّة له ، إلّا أن يقال : إنّ الأغلب فيمن فيه الوصف عدم النوم الحقيقي .
وما ذكره من الخبر الدال علىٰ مطلوبه لا يشكل بأنّه يقتضي كون النوم ليس ناقضاً بذاته ، لأنّ الظاهر إرادة الأثر من الحدث .
وما تضمنه الخبر الثاني : من قوله : هل ينام الرجل . كأنّ المراد به هل يتحقق منه النوم الناقض ؟ .
اللغة :
قال في النهاية : في الحديث : كانوا ينتظرون العشاء حتىٰ تخفق رؤوسهم ، أي ينامون حتىٰ تسقط أذقانهم علىٰ صدورهم وهم قعود (١) . ولا يخفىٰ عدم موافقته الإرادة من الخبر إلّا بتكلف ، ولعله يستعمل في غير ذلك ، كما نقل أنّه يقال : خفق فلان حرّك رأسه إذا نعس (٢) ، غير أنّي لم أقف علىٰ مأخذه .
قال :
وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن (٣)
__________________
(١) النهاية لابن الأثير ٢ : ٥٦ ( خفق ) .
(٢) القاموس المحيط ٣ : ٢٣٥ ( الخفيق ) .
(٣) في الاستبصار ١ : ٨٠ / ٢٥١ يوجد : عمر .
ابن اُذينة ، عن ابن بكير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : قوله تعالىٰ : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَىٰ الصَّلاةِ ) (١) ما يعني بذلك إذا قمتم إلىٰ الصلاة ؟ قال : « إذا قمتم من النوم » قلت : ينقض النوم الوضوء ؟ قال : « نعم إذا كان يغلب علىٰ السمع ولا يسمع الصوت » .
وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن الحسين ابن عثمان ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن زيد الشحام ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الخفقة والخفقتين ، قال : « ما أدري ما الخفقة والخفقتان ، إن الله تعالىٰ يقول : ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (٢) إنّ علياً عليهالسلام كان يقول : من وجد طعم النوم فإنّما أوجب عليه الوضوء » .
السند :
في الأوّل : موثّق علىٰ قول الشيخ في عبد الله بن بكير إنّه ثقة وفطحي (٣) ، والنجاشي : لم يذكر الأمرين (٤) .
وفي الثاني : لا ريب فيه علىٰ ما سبق بيانه .
المتن :
صريح الأوّل إذا عملنا به أنّ المراد بالآية القيام من النوم ، وقد وقع
__________________
(١) المائدة : ٦ .
(٢) القيامة : ١٤ .
(٣) الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٢ .
(٤) رجال النجاشي : ٢٢٢ / ٥٨١ .
للعلّامة في المنتهىٰ ما يوجب التعجب ، وهو أنّه في أول الكتاب استدل بالآية علىٰ أنّ المراد بها إرادة القيام (١) ، وفي بحث النوم استدلّ بها علىٰ نقض النوم (٢) ، والتنافي واضح ، وشيخنا قدسسره : فعل في المدارك نحو ذلك (٣) ، إلّا أنّه جعلها في النوم مؤيّدة (٤) ، ولا يخفىٰ عليك الحال .
وأمّا الخبر الثاني فظاهره لا يخلو من إجمال ، إذ الضابط عسر الحصول ، ولعلّ يقين الطهارة إذا كان لا يزول إلّا مع يقين النوم فما لم يتحقق فالأصل البقاء .
وما يتضمنه من أنّ مجرد النوم يوجب الوضوء قد يستفاد منه أنّ الوضوء واجب لنفسه كما نقله في الذكرىٰ عن بعض (٥) ، وله مؤيّدات من الأخبار .
وما روي صحيحاً من أنّه : « إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور » (٦) لا ينافي ذلك ، لأنّ المركب ينتفي بانتفاء أحد جزئيه ، إلّا أنّ له أيضاً مؤيّدات ، ولا خروج عما عليه الأصحاب المشهورون ، فليتأمّل .
وينبغي أن يعلم أنّ شيخنا قدسسره : بعد أن نقل أنّ المعروف بين الأصحاب كون الوضوء إنّما يجب بالأصل عند اشتغال الذمة بمشروط به ، فقبله لا يكون إلّا مندوباً ، تمسكاً بمفهوم قوله تعالىٰ : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَىٰ
__________________
(١) لم نعثر عليه فيه .
(٢) المنتهىٰ ١ : ٣٣ .
(٣) مدارك الأحكام ١ : ٩ .
(٤) مدارك الأحكام ١ : ١٤٥ .
(٥) الذكرىٰ ١ : ١٩٦ .
(٦) الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٦ ، الوسائل ١ : ٣٧٢ أبواب الوضوء ب ٤ ح ١ .
الصَّلاةِ ) (١) الآية ، وليس المراد نفس القيام ، وإلّا لزم تأخير الوضوء عن الصلاة وهو باطل ، بل المراد : إذا أردتم القيام ؛ اعترض عليه : بأنّ مقتضىٰ الآية الشريفة ترتب الأمر بالغَسل والمسح علىٰ إرادة القيام ، والإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، إذ لا يعتبر فيها المقارنة للقيام ، وإلّا لما وجب الوضوء في أول الوقت علىٰ من أراد الصلاة في آخره (٢) .
وفي نظري القاصر أنّ الاعتراض غير متوجه ، لأنّ القيام إلىٰ الصلاة إذا امتنع إرادته من الآية ينبغي أن يصار إلىٰ أقرب المجازات ، كما هو مقرر ، ولا ريب أنّ الوضوء بعد دخول الوقت أقرب من الوضوء قبله ، وقوله : قدسسره إنّه لو اعتبرت المقارنة إلىٰ آخره ، فيه : أنّه لا ملازمة ، وبتقدير اللزوم فالخروج بالإجماع كاف .
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن عذافر ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، في الرجل هل ينقض وضوءه إذا نام وهو جالس ؟ قال : « إن كان يوم الجمعة فلا وضوء عليه ، وذلك أنّه في حال ضرورة » .
فهذا الخبر محمول علىٰ أنّه لا وضوء عليه ولكن عليه التيمم ، لأنّ ما ينقض الوضوء لا يختص بيوم الجمعة دون غيرها ، والوجه فيه أنّه يتيمم ويصلي ، فإذا انفضّ الجمع توضّأ وأعاد الصلاة ، لأنّه ربما لم يقدر علىٰ الخروج من الزحمة .
__________________
(١) المائدة : ٦ .
(٢) مدارك الأحكام ١ : ٩ و ١٠ .
والذي يدل علىٰ ذلك :
ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس بن معروف ، عن عبد الله (١) ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهمالسلام ، أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة النّاس يحدث ، قال : « يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف » .
السند :
في الأوّل ، العبّاس فيه (٢) هو ابن معروف ، لتكرره في مثل هذا السند مبيّناً ، ومحمد بن إسماعيل في الظن أنّه ابن بزيع (٣) .
المتن :
لا يبعد حمله علىٰ التقية بمعنىٰ أنّ من حصل له النوم وهو جالس
__________________
(١) في نسخة من الاستبصار ١ : ٨١ / ٢٥٤ زيادة : ابن المغيرة .
(٢) في « د » زيادة : علىٰ الظاهر عند الولد قدسسره .
(٣) في « د » زيادة : لأنّ الشيخ في الفهرست : ١٤٨ / ٦٢٧ ذكر أنّه الراوي عن محمّد ابن عذافر ، وباقي رجاله لا ارتياب فيهم بعد ما قدّمناه في أحمد بن محمّد بن يحيىٰ ، لأنّه في الطريق إلىٰ محمّد بن علي بن محبوب في المشيخة ( الاستبصار ٤ : ٣٢٤ ، مشيخة التهذيب ١٠ : ٧٢ وقد روىٰ الشيخ في الفهرست : ١٤٥ / ٦١٣ جميع كتب محمّد بن علي بن محبوب ورواياته بطرق منها : عن محمّد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمّد بن الحسن عن أحمد بن إدريس ، وهذا الطريق ليس محل كلام بتقدير احتمال القول في أحمد بن محمّد بن يحيىٰ .