علي بن أبي حمزة ، عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إن الله تبارك وتعالى خلق اسماً بالحروف وهو عز وجل ، بالحروف غير منعوت ، وباللفظ غير منطق ، وبالشخص غير مجسد ، وبالتشبيه غير موصوف ، وباللون غير مصبوغ ، منفي عنه الأقطار ، مبعد عنه الحدود ، محجوب عنه حس كل متوهم ، مستتر غير مستور ، فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معاً ، ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب واحداً منها وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت ، فالظاهر هو الله تبارك وتعالى (١) ، وسخَّر سبحانه لكل اسم من هذه(٢) أربعة أركان ، فذلك اثنا عشر ركناً ، ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسماً ، فعلاً منسوباً إليها فهو : الرحمن ، الرحيم ، المَلِك ، القدوس ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الحي ، القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، العليم ، الخبير ، السميع ، البصير ، الحكيم ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، العلي ، العظيم ، المقتدر ، القادر ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، [ البارئ كذا ] ، المنشئ ، البديع ، الرفيع ، الجليل ، الكريم ، الرزاق ، المحيي ، المميت ، الباعث ، الوارث ، فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتى تتم ثلاثمائة وستين اسماً ، فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة ، وهذه الأسماء الثلاثة أركان ، وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة ، وذلك قوله عز وجل : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) (٣).
بيان :
في هذه الرواية تصريح بأن « السلام » معدود من الأسماء الحسنى ، والروايتان الأوليان وإن لم يصرح فيهما بأن السلام منها ، إلا أن التسعة والتسعين داخلة تحت الثلاثمائة والستين اسماً المكملة للأسماء الحسنى ، ومنها يظهر أن الأسماء الحسنى هي الثلاثمائة والستون ، والباقية إلى الألف
__________________
١ ـ « الله » أول الأسماء الثلاثة و « تبارك » ثانيها و « تعالى » ثالثها.
٢ ـ يريد بالإشارة ، الأسماء الثلاثة ، وأربعة مفعول « سخر ».
٣ ـ التوحيد ١٩٠ ـ ١٩١ ، والإسراء : ١١٠.
كما في دعاء الجوشن الكبير ، على ما يأتي ذكره ، هي الأسماء الحسنة ، وكل اسم الله حَسَنٌ على حد تعبير دعاء السحر المروي في ليالي شهر رمضان أوله : « اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه ، وكل بهائك بهي ، اللهم إني أسألك ببهائك كله ... » وهو من دعاء أبي جعفر الباقر عليهالسلام رواه ابن طاووس في كتابه (١).
قال السيد الطباطبائي بعد ذكر الرواية الثالثة : والرواية من غرر الروايات ، تشير إلى مسألة هي أبعد سمكاً من مستوى الأبحاث العامة والأفهام المتعارفة (٢) ..
أقول :
وقد تعرضنا لنقلها وشرحها في كتابنا : « الأسم الأعظم .. » (٣). وهي من غوامض الأحاديث ، وليس الوصول إلى مرمى كلامه عليهالسلام فيه هيناً ؛ لأن قوله ، روحي فداه ؛ « خلق اسماً بالحروف » إلى قوله : « فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معاً ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب واحداً منها وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت » إلى آخره ، لا نعرف منه إلا عدداً مما ذكره عليهالسلام من الأسماء الأربعة المحجوب منها واحد والثلاثة الباقية ظاهرة ، ولعل المحجوب هو الاسم الأعظم.
ونظيره في خفاء الأمر وعدم وضوح المراد كلام الإمام الكاظم عليهالسلام في قصة الراهب الطالب للاسم الأعظم من الرجل في الهند المسمى بمتمم بن فيروز ـ إلى أن قال الراهب للإمام عليهالسلام ـ : أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة وبقي في الهواء منها أربعة ، على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء منها؟ ومن يفسرها؟ قال
__________________
١ ـ إقبال الأعمال ٧٧. وفيه « لو حلفت لبررت أن اسم الله الأعظم قد دخل فيها ، فإذا دعوتم فاجتهدوا ».
٢ ـ تفسير الميزان ٨ | ٣٦٤ ـ ٣٦٥.
٣ ـ أو معارف البسملة والحمدلة ص ٥٥ ـ ٥٧ المطبوع في بيروت ، في مؤسسة الأعلمي للمطبوعات سنة ١٤٠٢ هـ.
الإمام عليهالسلام : ذاك [ ذلك ] قائمنا ينزله الله عليه فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين.
ثم قال الراهب : فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ماهي؟
قال : أخبرك بالأربعة كلها :
أما أولهن : فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقياً.
والثانية : محمد رسول الله صلىاللهعليهوآله مخلصاً.
والثالثة : نحن أهل البيت.
والرابعة : شيعتنا منا ، ونحن من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ورسول الله من الله بسبب » (١).
والقصة طويلة اختصرناها.
وكما جاء في صادقي : « العلم سبعة وعشرون حرفاً ، فجميع ما جاءت به الرُّسل حرفان ، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين ، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس ، وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً » (٢).
وقد خرجنا عن الموضوع والبحث حول السلام ، فقد جاء في حديث نبوي نقله الشيخ المجلسي من البلد الأمين وفيه قوله : « ياقدوس السموات والأرض يا الله ، يا مؤمن السموات والأرض يا الله ، يا سلام السموات والأرض يا الله ...... » (٣). وحديث المعراج ؛ « ... فنوديت يا أحمد العزيز يقرأ عليك السلام. قال : فقلت : هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه يعود السلام » (٤). وحديث الصادق عليهالسلام : كان علي عليهالسلام يقول : « لا تَغضبوا ولا تُغضبوا أفشوا السلام ، وأطيبوا الكلام ، وصلّوا بالليل
__________________
١ ـ أصول الكافي ١ | ٤٨١ ـ ٤٨٤ ، كتاب الحجة.
٢ ـ البحار ٥٢ | ٣٣٦.
٣ ـ البحار ٩٣ | ٢٦٣.
٤ ـ البحار ١٨ | ٣١٣.
والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ، ثم تلا عليهالسلام عليهم قول الله عز وجل : ( السلام المؤمن المهيمن ) (١) ».
ورواية الشيخ الطوسي ، طاب ثراه ، بإسناده عن أبان بن عثمان الأحمر عن بريد العجلي قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول : « لما توفيت خديجة رضي الله عنها جعلت فاطمة صلوات الله عليها تلوذ برسول الله صلىاللهعليهوآله وتدور حوله وتقول : يا أبة أين أمي؟ قال : فنزل جبرئيل عليهالسلام ، فقال له : ربك يأمرك أن تقرئ فاطمة السلام تقول لها : إن أمك في بيت من قصب (٢) ، كعابه من ذهب ، وعمده (٣) ياقوت أحمر ، بين آسية ومريم بنت عمران ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : إن الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام » (٤).
__________________
١ ـ الحشر : ٢٣. والحديث في أصول الكافي ٢ | ٦٤٥ ، الوسائل ٨ | ٤٣٨.
٢ ـ قال ابن الأثير : القصب في هذا الحديث لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف. النهاية ٤ | ٦٧ ـ قصب ـ.
٣ ـ بيت خديجة في الجنة الموصوف في هذا الحديث بما ذكر ، مذكور في بعض الأحاديث كذلك ، ونزول جبرئيل على الرسول ، صلىاللهعليهوآله ، لإبلاغ سلام الله تعالى لفاطمة عليهاالسلام ، كذلك قد نزل عليه بإبلاغ السلام لخديجة : « إن جبرئيل أتى النبي صلىاللهعليهوآله ، فقال : اقرئ خديجة من ربها السلام ، فقال رسول الله ، صلىاللهعليهوآله : يا خديجة هذا جبرئيل يقرئك من ربك السلام ، قالت خديجة : الله السلام ، ومنه السلام ، وعلى جبرئيل السلام » ، البحار ١٦ | ١١. وإنما أوردناه لاشتماله على اسم الله السلام المبارك الذي لم يجعل على مريض القلب إلا سلم.
٤ ـ أمالي الشيخ الطوسي ١ | ١٧٨ ـ ١٧٩ ، البحار ١٦ | ١ ، ونظيره ما رواه الشيخ الكليني بإسناده إلى أبي موسى الضرير قال : حدثني موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : قلت لأبي عبد الله : أليس كان أمير المؤمنين عليهالسلام كاتب الوصية ورسول الله صلىاللهعليهوآله المملي عليه ، وجبرئيل والملائكة المقربون عليهمالسلام شهود؟ قال : فأطرق طويلاً ثم قال : يا أبا الحسن قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول الله ( إلى أن قال ) : « فقال جبرئيل : يا محمد ، ربك يقرئك السلام ويقول : هذا كتاب ما كنت عهدت إليك ، وشرطت وشهدت به عليك ، وأشهدت به عليك ملائكتي ، وكفى بي يا محمد شهيداً ، قال : فارتعدت مفاصل النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام صدق عز وجل وبر ». الحديث. أصول الكافي ١ | ٢٨١ ـ ٢٨٢. وما رواه السيد ابن طاووس بعد صلاة الوتر « اللهم أنت السلام .... » جمال الأسبوع : ٢٢١.
تفسير الآية أي آية السلام :
للمفسرين حول الآية كلام محصله : أي ذو السلامة من النقائص ، وأنها النسبة ، ثم اختلفت أقوالهم في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال :
الأول : معناه : الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل نقص.
الثاني : معناه : ذو السلام أي المسلم ـ بمعنى التحية ـ على عباده في الجنة ، كما قال ـ تعالى ـ : ( سلام قولاً من رب رحيم ) (١).
الثالث : أن معناه : الذي سلم الخلق من ظلمه. وتعود هذه الأقوال الثلاثة إلى تنزيه الذات ، وتنزيه الصفات (٢).
أقول : وإنما قدرت كلمة « ذو » إذا ما لم يستقم المعنى بدونها أو لم يصح ، ولا ريب في الاستقامة : بأن يكون حمل المصدر عليه تعالى نظير ( الله نور السموات والأرض ) (٣). وسيأتي من الشيخ الصدوق ما يؤيده ، وأما المعاني الثلاثة فلا بأس بها ، وقبل ذكر كلام الصدوق ، طاب ثراه ، نقدم حديثاً يفسر السلام بالأمن من الشر وبالأمان.
روى الشيخ الصدوق بإسناده إلى عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال : التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة ، قلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال : كان الناس فيما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره ، وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم ، وإن لم يسلم لم يأمنوه ، وإن لم يردوا على المسلم لم يأمنهم ، وذلك خلق في العرب (٤) ، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة ، وتحليلاً للكلام ، وأمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها ، والسلام اسم من أسماء الله عز وجل وهو واقع من المصلي على ملكي الله الموكلين » (٥).
__________________
١ ـ يس : ٥٨.
٢ ـ تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن ١٨ | ٤٦ ، محصله.
٣ ـ النور : ٢٥.
٤ ـ العادة مستمرة إلى اليوم في بعض قبائل العرب.
٥ ـ الوسائل ٤ | ١٠٠٦ ، الباب ١ من أبواب التسليم ، الحديث ١٣.
في الحديث جهتان :
الأولى : تفسير للسلام بالأمن من الخوف والشر ، مستنداً بما كان فيما مضى من العرب يأمنون من الشر عند سماع السلام من الوارد عليهم وجوابهم له ، ثم تطبيق ذلك على تسليم المصلي في صلاته ، وأن معناه الأمن من خوف ما يبطلها ويفسدها ؛ لأنه قد فرغ من صلاته بالسلام فلا صلاة باقية حتى يخاف من إفسادها ، وأنها سالبة بانتفاء الموضوع. فهذه هي الجهة الأولى المرتبطة بتفسير السلام بالأمن وتطبيقه على الصلاة.
الجهة الثانية : أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، يسلم به المصلي على الملكين الموكّلَين على أعمال العبد ، وهما الرقيب والعتيد ، قال تعالى : ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) (١). أي الملكان حاضران عنده يرقبان أقواله وأعماله ، والقول هنا تمثيل بلا قصر عليه. وسلام المصلي الذي هو اسم الله عز وجل يكون منه عليهما ، لأنهما المستحقان له ، إذ هما من الكرام الكاتبين المصرح بهم في آية : ( وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) (٢).
وبقرينة الجهة الأولى المفسرة للسلام بالأمن من الخوف ، يعلم أن اسم الله السلام المذكور في آخر الحديث ، معناه الأمن من الخوف تفسيراً من الإمام عليهالسلام له بالأمن ، وتطبيقاً منه على المصلي بسلامه على الملكين. وعليه فاسم الله السلام هو الأمن. ولا يأبى التفسير الثالث المتقدم ذكره من القرطبي أي : ( الذي سلم الخلق من ظلمه ) ؛ فإن من
__________________
١ ـ ق : ١٧ ـ ١٨.
٢ ـ الانفطار : ١٠ ـ ١٢.
أقول : قد تكرر اسم الله السلام في الأدعية والأحراز والعوذات ، فضلاً عن الأحاديث ، فمن العوذات عوذة يوم الأربعاء ، قد ذكرها السيد ابن طاووس طاب ثراه في كلام له إلى أن قال : « ... وبأسمائه أحرزت نفسي وإخواني ، وما أنعم به علي ربي ، ونحن في جوار الله ، والله العزيز الجبار ، الملك القدوس ، القهار ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الغفار ، عالم الغيب والشهادة ، الكبير ، المتعال ، هو الله ، هو الله ، هو الله لا شريك له ، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أجمعين ». جمال الأسبوع : ٩٨.
الأمن أن يسلم العباد من الظلم ؛ ( وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) (١) ، ( إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) (٢).
وهنا حديث آخر جاء في الاستئذان ، ولكن فيه : أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، فناسب ذكره هنا كما ناسب ذكر الحديث المتقدم : وهو من حديث الصادق عليهالسلام قال : « إذا استأذن أحدكم فليبدأ بالسلام ؛ فإنه اسم من أسماء الله عز وجل ، فليسأذن من وراء الباب قبل أن ينظر إلى قعر البيت ، فإنما أمرتم بالاستئذان من أجل العين » الخبر (٣).
المستفاد من هذا الحديث أن الأمر بالسلام لكونه اسماً من أسماء الله تعالى ، ولئلاّ يقع الداخل التارك للسلام في الشر وخوف المعاقبة ، جراء ترك الاستئذان والسلام معاً ، فيدل على تفسير اسم الله السلام بالأمن من الخوف دلالة ضمنية ، ويكون الحديث مؤيداً للحديث السابق عليه ، كما ويؤيد حديث الاستئذان الحديث الباقري والصادقي في الاستئذان أيضاً بأن السلام طاعة الرحمن كما في الاول (٤) ، والسلام طاعة الله كما في الثاني (٥).
ومما يؤيد تفسير اسم الله السلام بالأمن والأمان ، ما جاء من أسمائه
__________________
١ ـ العنكبوت : ٤٠.
٢ ـ يونس : ٤٤.
٣ ـ مستدرك الوسائل ٨ | ٣٧٦ ـ ٣٧٧.
٤ ـ فروع الكافي ٥ | ٥٣٠.
٥ ـ فروع الكافي ٥ | ٥٢٩. وكون السلام طاعة لله تعالى ، إما لأجل الأمتثال لأمره ، أو لأنه اسمه تعالى ، ولا يأبى الجمع بين كونه اسماً له عز وجل ، وأنه طاعة ، ومما يدل على أنه الاسم الربوبي أيضاً ما جاء في الدعاء بعد صلاة الهدية إلى رسول الله ، أو إلى أحد المعصومين عليهم الصلاة والسلام ، على ما رواه ابن طاووس قال : فإذا شهد وسلم قال : « اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، يا ذا الجلال والإكرام ، صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأخيار ، وأبلغهم مني أفضل التحية والسلام ، اللهم إن هذه الركعات هدية مني إلى عبدك ونبيك ورسولك محمد بن عبد الله ، خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، اللهم فتقبلها مني .... » إلى آخر الدعاء. جمال الأسبوع ١٦ ، في فضل هدية الصلاة. والشاهد فيه قوله : « اللهم أنت السلام » بكل ما له من معنى.
تعالى المعدودة إلى ألف اسمٍ في دعاء الجوشن الكبير ، اسمه المبارك : « يا جار المستجيرين ، يا أمان الخائفين » (١) يجيرهم إذا استجاروه ، ويأمنهم إذا استأمنوه. ودلالة ضمنية أيضاً في نفس دعاء : « يارب التحية والسلام » (٢) ، بناء على إرادة « السلام » اسمه تعالى السلام ، بقرينة المقابلة مع « التحية » ، لئلاً يلزم التكرار لو أريد بالسلام التحية. وعليه فمعناه : يا صاحب التحية المتعارفة ، وصاحب السلام ؛ لأنه اسمه عز وجل وهو صاحبه أي المسمى بهذا الاسم. ويحتمل كون السلام من عطف البيان للتحية فلا شاهد فيه فاختر ما شئت.
التفسير الثاني :
إن اسم الله السلام معناه السلامة من العيب والنقص وهو المعنى الأول من معانيه للقرطبي المتقدم ذكره.
التفسير الثالث :
معطي السلامة وواهبها لذويها ، فلم ينل السالمون سلامتهم إلا من الله تعالى ، بل والأشياء كلها كذلك ، فلم تكن سلامتها أي انتظامها ؛ وهل إتقان صنعها وإعطاؤها آثارها التي عليها نظم الكون كله إلا من الله الخالق تعالى؟ ( الذي أعطى كلّ شئٍ خَلْقَهُ ثم هدى ) (٣) ، ( الذي أَحسَنَ كلّ شئ خَلَقَهُ وبدأ خلق الإنسان من طين ) (٤) ، ( صنع الله الذي أَتقَنَ كلّ شئٍ ) (٥).
وإعطاء كل شيءٍ خَلْقَه ـ صورته وشكله ـ الذي يوافق المنفعة المنوطة به ( ثم هدى ) عرفه كيف يرتفق بما أعطي (٦).
__________________
١ ـ البحار : ٩٤ | ٣٨٦.
اسمه تعالى أمان من عذاب الآخرة ، كما هو أمان في الدنيا ، وأمان من كل شر إطلاقاً. ٢ ـ البحار : ٩٤ | ٣٨٧.
٣ ـ طه : ٥٠.
٤ ـ السجدة : ٧.
٥ ـ النمل : ٨٨.
٦ ـ تفسير الصافي : ٢ | ٦٧.
وإحسان كل شيء خَلَقَه : ملاءمة أجزائه بعضها لبعض المنوط بها الغرض والغاية من خلقه وإحسان كل شيءٍ بحسبه.
وإتقان كل شيءٍ : إحكام خلقه وتسويته على ما ينبغي له. فالكون منتظم بنظامٍ ـ لا فوقه نظام ـ سالم عن أي نقص متوهم فيه ، والكل على نسق واحد ، لا تفاوت فيه من حيث العطاء والحسن وجمال الصنع ، ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ) (١). والعالم كله سالم باسم الله السلام ، وإليك ماوعدناه سابقاً :
قال الشيخ الصدوق عند تفسيره لأسماء الله الحسنى :
( السلام ) : معناه المسلم وهو توسع ، لأن السلام مصدر، والمراد به أن السلامة تنال من قبله ، والسلام والسلامة مثل الرضاع والرضاعة واللذاذ واللذاذة. ومعنى ثانٍ : أنه يوصف بهذه الصفة لسلامته مما يلحق الخلق من العيب والنفص والزوال والانتقال والفناء والموت. وقوله عز وجل : ( لَهُم دارُ السَّلامُ عنْدَ رَبّهِمْ ) (٢) ، فالسلام هو الله عز وجل ، وداره الجنة. ويجوز أن يكون سماها سلاماً ؛ لأن الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا ، من مرض ، ووصب ، وموت ، وهرم ، وأشباه ذلك ، فهي دار السلامة من الآفات والعاهات. وقوله عز وجل : ( فَسلامٌ لَكَ مِنْ أَصحابِ اليَمينِ ) (٣) يقول : فسلامة لك منهم أي : يُخبرك عنهم سلامة. والسلامة في اللغة : الصواب والسداد أيضاً ، ومنه قوله عز وجل : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) (٤) ، أي: سداداً وصواباً ، ويقال : سمي الصواب من القول سلاماً ، لأنه يسلم من العيب والإثم (٥).
__________________
١ ـ الملك : ٣.
٢ ـ الأنعام : ١٢٧.
٣ ـ الواقعة : ٩١.
٤ ـ الفرقان : ٦٣.
٥ ـ كتاب التوحيد. ٢٠٤ ـ ٢٠٥.
أقول روى الصدوق الباقري « يقول قول الله عز وجل : ( والله يدعو إلى دار السلام ) فقال : إن السلام هو الله عز وجل وداره التي خلقها لأوليائه الجنة » معاني الأخبار ١٧٧ ، الآية : ٢٥ من يونس.
ومع تفسير السلام بالسداد والصواب تربعت الوجوه (١) : الأمان من الشر ، والمصون من العيب ، ومعطي السلام ، والصواب والسداد ، وعلى الوجه الرابع أي السلام بمعنى الصواب والسداد جائز إطلاقه على الله تعالى وإرادة معناه المذكور ؛ لأن كل كلامه عزّ وجلّ صواب وسداد وحق ، بل هو الحق بحقيقته ، وقد وصف نفسه بقوله عز من قائل : ( فتعالى الله المَلِكُ الحق لا إله إلاّ هو ربّ العرش الكريم ) (٢).
ولابدّ أن يراد بالصواب المفسّر به السلام الحق أو المحقّ الحقّ ، وقد جاء في القرآن الكريم ذلك في مواضع منها : ( ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون ) (٣). وأما غيره من المخلوقين ، فيجوز إطلاقه بما للصواب من المعاني ومنها السلام.
وأما السلام بمعنى المنيل للسلامة فمقصور عليه تعالى ، إذ لا يهب السلامة لأهلها إلا الله عزّ وجلّ ، نعم السلام بمعنى ترك الشر ، أو ترك الحرب ، يصح قصده في المخلوق حقيقة ، ولكن لا يوفق العبد له الا بإعانته تعالى ، وهكذا سائر الأمور.
والغرض من التفصيل بيان ما يصح إطلاقه عليه تعالى مما لا يصح ، وليس في غير الله الاحتراز عما يلزمه التنزيه ، وهو مخلوق لا ينفك عن النقائص والحاجة مهما كان نوعه.
ومعنى توقيفية الأسماء : أنها موقوفة (٤) ، حتى يصحبها دليل من الشرع والعقل السليم على التنزيه عن النقائص والحاجة ، والذي جاء في دعاء الجوشن الكبير ألف اسم (٥). وفي عدد الأسماء الحسنى أو أسماء الله تعالى على الإطلاق بين أهلها خلاف ، والبحث مشبع في محله (٦) ، وتقدم من الأحاديث فيها.
__________________
١ ـ أي صارت وجوه معاني السلام أربعة وهي الأمان من الشر و ......
٢ ـ المؤمنون : ١١٦.
٣ ـ يونس : ٨٢.
٤ ـ فلا يقال لله : ( يا صحيح ) مع أن السلام في اللغة قد جاء تفسيره بالصحة والعافية.
٥ ـ البحار : ٩٤ | ٣٨٤ ـ ٣٩٧.
٦ ـ البحار : ٩٣ | ٢٣٦ ـ ٢٧٣.
قال المرحوم ابن فهد الحلي :
السلام : معناه ذو السلام ، والسلام في صفته تعالى : هو الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل آفة ونقص : وقيل معناه المسلم (١) ... والمراد بصاحب القيل : الشيخ الصدوق رحمهالله ، وقد تقدم قوله فراجع (٢).
قال السبزواري في شرح « يا رب التحية والسلام » (٣) كما في الدعاء : « اللهم أنت السلام ومنك السلام ، ولك السلام ، وإليك يعود السلام » (٤). ثم أخذ في شرح سلام بعضنا على بعض ، بأنه لا بد أن يسلم الكل ، لبركته (٥). أي لاسم الله تعالى البركة كلها. وإن من المواهب السامية أن أذن لنا الله على الدوام بذكر اسمه السلام الطيب المبارك ، وهو من أسمائه الحسنى ، نلهج به صباحاً ومساءً وفي كل أيام الدهر ، عسى أن تطيب به نفوسنا وقلوبنا ، وتغفر ذنوبنا ، وتستر عيوبنا.
__________________
١ ـ عدة الداعي : ٣٠٤.
٢ ـ سبق قريباً ، وانظر التوحيد ٢٠٤ ـ ٢٠٥.
٣ ـ البحار : ٩٤ | ٣٨٧.
٤ ـ شرح الأسماء الحسنى ١٠٩.
٥ ـ المصدر نفسه.
الفصل الثاني
السلام تحية الله ألتي أختارها للمسلمين
السلام تحية الله التي اختارها للمسلمين
يعطي هذا العنوان أمرين : السلام تحية الله تعالى ، وأنه التحية المختارة للمسلمين.
أما الأمر الأول : فيدل عليه عدد من آي القرآن الكريم ، تنص على سلام الله عز وجل على الأنبياء المرسلين تارة بلفظ الجمع ، وأخرى تنوه بأسماء جمع منهم عليهمالسلام ، يأتي من ذكر النوعين قريباً.
وأما الأمر الثاني : فيستفاد من نفس الآي الآتي ذكرها ، ومن أمره تعالى نبيه بالتحميد والتسليم على عباد الله المصطفين ، وعلى المؤمنين إذا جاؤوه قبل كل شيءٍ ، ومن فعل الملائكة المصرح بهم في القرآن الكريم والحديث ، وهو من مظاهر الحب والتواصل بين جميع الخلائق وكيف لا والسلام متعارف للكل ومتفق عليه من البشر ، وإن اختلف شكل التعارف فيما بينهم كما يأتي بيانه ، وإليك من الوحي النازل في موضوع السلام على عدد من الرُّسل المصرحة بأسمائهم وأفرادهم ، أو بلفظ الجمع ، أو جاء الأمر بتسليم البعض على البعض ، أو في قصص أقوام سابقين ، وأمم الأنبياء عليهمالسلام الذين قد جاء ذكرهم في القرآن ، أو ما قالته الملائكة عند نزولهم على الأنبياء ، أو دخولهم على أهل الجنة ، أو غيرها مما هو في الكتاب العزيز يتلى صباحاً ومساءً :
( سَلامٌ عَلى نُوحٍ في العالَمينَ ) (١).
( سَلامٌ عَلى إبْراهيمَ ) (٢).
( سَلامٌ عَلى مُوسى وَهرُونَ ) (٣).
( سَلامٌ عَلى ءالِ ياسِينَ ) (٤).
( وَسَلامٌ عَلى المُرْسَلِينَ ) (٥).
( يا نُوحُ اهْبِط بِسَلامٍ مِنْا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ) (٦).
( وَقُلِ الحَمدُ للهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذينَ اصْطَفى ) (٧).
( وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) (٨).
( إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً ) (٩).
( وَالْمَلائِكَةُ يَدخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ * سَلامٌ عَلَيكُمْ ) (١٠).
فسند تحية المسلمين في العالم أجمع بالسلام هو القرآن الكريم ، وهو دستور لأهل العالم كلهم ، ولو لم يكن في الإسلام إلا السلام لكان من الأحرى أن يعتنقوه لو عقلوه ، وهل يعقله إلا من خرج عن أسر الهوى ، وتحرر من رقّ الشيطان ، وعشق السلام والإسلام لا يدعو إلا إليه ، وأن يدخل الناس في السِلم كافة ، وينبذوا الحروب ، وليس السلام إلا لسلامة الجميع. وإن الإسلام من التسليم كما سبق به الحديث العلوي (١١). ومبدأ الكل من السلام وهو اسم الله تعالى ، ومن ثم صار هذا شعاراً لازماً
__________________
١ ـ الصافات : ٧٩.
٢ ـ الصافات : ١٠٩.
٣ ـ الصافات : ١٢٠.
٤ ـ الصافات : ١٣٠.
٥ ـ الصافات : ١٨١.
٦ ـ هـود : ٤٨.
٧ ـ النـمل : ٥٩.
٨ ـ الأنعام : ٥٤.
٩ ـ الذاريات : ٢٥.
١٠ ـ الرعد : ٢٣ ـ ٢٤.
١١ ـ عند تفسير السلام في اللغة نقلاً من أصول الكافي ٢ | ٤٥.
للمسلمين ، يتعاهدونه عند كل تلاقٍ وفراقٍ ، حتى لا تفارقهم السلامة في أبدانهم ، ومعاشهم ، بل ومعادهم يوم الحشر الأكبر ، وحتى يدخلوا دار السلام ـ وهي الجنة ، كما سمعتها في الآي المتقدم ذكرها (١) ، وتسمعها ـ ولا يدرك حقيقة هذا القول إلا من ذاق طعم العافية ، وأحبها لإخوانه ، وكل ولد آدم عليهالسلام فهلم نستمع الحديث :
« كان أصحاب رسول الله صلى عليه وآله ، إذا أتوه يقولون له : أنعم صباحاً ، وأنعم مساءً ، وهي تحية أهل الجاهلية ، فأنزل الله : ( وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ) (٢) ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله : قد أبدلنا الله بخير من ذلك ، تحية أهل الجنة السلام عليكم » (٣). إشارة إلى قوله تعالى : ( إلا قيلاً سلاماً سلاماُ ) (٤) ، وإلى الحكاية عن أهل الجنة أيضاً : ( وتحيتهم فيها سلام ) (٥) ، والجنة طيبة ، وأهلها طيبون وكل ما فيها طيب ، والسلام تحية من عند الله مباركة طيبة ، اختارها للطيبين المسلمين حقاً ، والسلام من أطيب أقوالهم ـ أقوال أهل الجنة ـ لا يقولون ولا يسمعون فيها إلا سلاماً ، وأهل السلام اليوم أهل السلام غداً في الجنة.
والصادقي : « السلام تحية لملتنا ، وأمان لذمتنا » (٦).
والنبوي : « إن السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا ، وأماناً لأهل ذمتنا » (٧).
حديث وهب اليماني قال : « إن الله قال لآدم انطلق إلى هؤلاء الملأ
__________________
١ ـ في كلام الصدوق وغيره ، وحول الأسماء الحسنى السلام ، وقوله عز وجل : ( لهم دار السلام ) الأنعام : ١٢٧.
٢ ـ المجادلة : ٨.
٣ ـ تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي ٢ | ٣٥٥ ، البحار ٧٦ | ٦.
٤ ـ الواقعة : ٢٦. أي قولاً.
٥ ـ يونس : ١٠.
٦ ـ البحار ٧٦ | ١٢ ، هو نبوي أيضاً جاء في مجمع الأمثال للميداني ٢ | ٤٥٠ ، وكتاب أمثال الحديث ٣٢٥.
٧ ـ كنز العمال ٩ | ١١٣ ، الرقم ٢٥٢٣٧ ، أي السلام من أسمائه الحسنى وضعه في الأرض.
من الملائكة فقل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فسلم عليهم ، فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فلما رجع إلى ربه عزّ وجلّ قال له ربه تبارك وتعالى : هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة » (١).
قال السيد الطباطبائي :
الأمم والأقوام على اختلافهم في الحضارة ، والتوحش ، والتقدم ، والتأخر لا تخلو في مجتمعاتهم من تحية يتعارفونها عند الملافاة الملاقاة البعض البعض ، على أقسامها وأنواعها ، من الإشارة بالرأس ، واليد ، ورفع القلانس وغير ذلك ، وهي مختلفة باختلاف العوامل المختلفة العاملة في مجتمعاتهم.
أنت إذا تأملت هذه التحيات الدائرة بين الأمم على اختلافها وعلى اختلافهم ، وجدتها حاكية مشيرة إلى نوع من الخضوع ، والهوان ، والتذلل ، يُبديه الداني للعالي ، والوضيع للشريف ، والمطيع لمطاعه ، والعبد لمولاه ، وبالجملة تكشف عن رسم الاستعباد الذي لم يزل رائجاً بين الأمم في أعصار الهمجية فما دونها ، وإن اختلفت ألوانه ، ولذلك ما نرى أن هذه التحية تبدأ من المطيع وتنتهي إلى المطاع ، وتشرع من الداني الوضيع وتختتم في العالي الشريف ، فهي من ثمرات الوثنّية التي ترتضع من ثدي الاستعباد.
والإسلام ـ كما تعلم ـ أكبر همه إمحاء الوثنية وكل رسم من الرسوم ينتهي إليها ، ويتولد منها ، ولذلك أخذ لهذا الشأن طريقة سوية ، وسنة مقابلة لسنة الوثنية ، ورسم الاستعباد ، وهو إلقاء السلام الذي هو ينحو أمن المسلم عليه من التعدي عليه (٢) ، ودحض حريته الفطرية الإنسانية الموهوبة له ؛ فإن
__________________
١ ـ الوسائل ٨ | ٤٤٤.
والنبوي : « ... إذا أتيت قوماً من المسلمين فقل : السلام عليكم ورحمة الله » كنز العمال ٩ | ١١٨ ، رقم الحديث ٢٥٢٧١.
٢ ـ ومن ثم جاء « ... وإذا قل سلام المؤمنين بعضهم على بعض ظهرت العداوة والبغضاء في قلوبهم » جامع الأحاديث ١٥ | ٥٨٥.
أول ما يحتاج إليه الأجتماع التعاوني بين الأفراد هو أن يأمن بعضهم بعضاً ، في نفسه ، وعرضه ، وماله ، وكل أمر يؤول إلى أحد هذه الثلاثة.
هذا هو السلام الذي سنّ الله تعالى إلقاءه عند كل تلاق من متلاقيين ، قال تعالى : ( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ) [ النور : ٦١ ] ، وقال تعالى : ( يا أَيُّها الَّذينَ ءامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرُ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَستَأْنِسُوا وتُسَلِّمُوا عَلى أَهلِها ذلِكُم خَيْرٌ لَكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ ) [ النور : ٢٧ ]. وقد أدب الله رسوله ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بالتسليم للمؤمنين وهو سيدهم فقال : ( وإذاجاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) [ الأنعام : ٥٤ ] ، وأمره بالتسليم لغيرهم في قوله : ( فاصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون ) [ الزخرف : ٨٩ ] (١).
يريد طاب ثراه :
أن السلام الإسلامي يحصر الخضوع لله تعالى ؛ لأنه كما تقدم اسم من أسمائه عز وجل ، وملازمة المسلمين له عند كل مواجهة توجيه قهري إلى صاحب الاسم وهو الله تعالى فينحصر الخضوع له دون غيره تعالى :
ولعل السر في الاهتمام به هو هذا المعنى ، أو الاندفاع به إلى شرع الحب ، وإظهار ما انطوى عليه صاحبه من الوفاء والولاء ؛ وذلك من أقوى وسائل المحبة ، والأخوة الإسلامية (٢).
ومن معاني السلام : أنه دعاء لسلامة صاحبه ، أو كما قيل من الوجوه السلامية له : أن ، معنى ( السلام عليكم ) أي اسم الله عليكم كالظلة تخيم على رؤوسكم ، ويراد بذلك حفظكم ـ وإن من أثر الاسم الأخذ بلفظه كاسم الغني للغنى ، واسم القادر للاقتدار ، والعزيز للعزة وهكذا باقي الأسماء الحسنى.
__________________
١ ـ تفسير الميزان ٥ | ٣١ ـ ٣٢.
٢ ـ ومن مواطن البر ، وقد جاء المثل : « تباروا فإن البر ينمي العدد » كما في الفاخر ٢٦٤.
ويستدعي عليه شكراً موجباً للزيادة ( لئن شكرتم لازيدنكم ) إبراهيم : ٧.