الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-152-1
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٢٩
والمشترك (١) باعتبار اختلاف أفراده فيه ، فالناظر فيه يشكّ هل هو مشترك أو متواطئ (٢).
ولنا فيه نظر ، ذكرناه في كتبنا العقليّة.
الثاني : أن يتكثّرا معا ، وهي الألفاظ المتباينة ، كإنسان وفرس ، سواء تباينت المسمّيات بذواتها ، كهذا المثال ، أو كان بعضها صفة للبعض كالسيف والصارم ، أو صفة للصفة كالناطق والفصيح.
الثالث : ان يتكثّر اللّفظ ويتّحد المعنى ، ويسمّى المرادفة كالإنسان والبشر ، سواء كانت من لغة واحدة أو من لغات.
الرابع : أن يتّحد اللّفظ ويتكثّر المعنى ، فهذا اللفظ لا يخلو إمّا أن يكون قد وضع أوّلا لمعنى ثمّ نقل إلى الثاني ، أو وضع لهما معا.
فالأوّل إن لم يكن النقل لمناسبة فهو «المرتجل» (٣).
وإن كان لمناسبة ، فإن كانت دلالته بعد النقل على المنقول إليه أقوى ، سمّي بالنسبة إليه منقولا لغويّا إن كان الناقل أهل اللّغة ، وشرعيّا إن كان هو الشرع ، كالصلاة والزكاة ، وعرفيّا إن كان الناقل أهل العرف ، إمّا [العرف]
__________________
(١) عطف على قوله : «للمتواطئ».
(٢) قال القرافي في نفائس الأصول : ١ / ٢٩٠ : «واشتقاقه [المشكّك] من الشك ، لأنّه شكّ الناظر فيه ، هل هو متواطئ أو مشترك؟ فمن حيث هو يطلق على المختلفات يشبه أن يكون مشتركا ، ومن حيث مسمّاه واحد كليّ يشبه أن يكون متواطئا فيحصل الشك ، فسمّي مشكّكا بكسر الكاف اسم فاعل».
(٣) قال الجرجاني في «التعريفات» : المرتجل هو الاسم الذي لا يكون موضوعا قبل العلميّة.
العامّ كالدابّة ، أو الخاصّ كاصطلاحات النّحاة وغيرهم.
وإن لم تكن أقوى يسمّى بالنّسبة إلى الأوّل حقيقة ، وبالنسبة إلى الثاني مجازا ، فإن كان جهة النقل المشابهة سمّي مستعارا. (١)
وإن كان اللفظ موضوعا لهما معا دفعة ، فإن كانت إفادتهما إمّا على السواء ، فهو المشترك بالنّسبة إليهما معا ، والمجمل بالنّسبة إلى كلّ واحد منهما ، فإنّ كون اللّفظ موضوعا لهذا وحده ولذاك واحده معلوم ، فكان مشتركا من حيث هذه الحيثيّة ، وكون المراد هذا أو ذاك غير معلوم ، فكان مجملا من هذه الحيثية.
وقيل : بالعكس.
وإن كانت دلالته على أحدهما أقوى سمّيت اللّفظة بالنّسبة إلى الرّاجح «ظاهرا» وبالنّسبة إلى المرجوح «مؤوّلا» (٢).
وفيه نظر ، فإنّه يعطي كون المشترك جزئيّا لما وضع اللفظ فيه لمعنيين دفعة ، وكون الظاهر والمأوّل جزئيّا آخر له. (٣)
وليس بجيّد ، أمّا أوّلا فلأنّا لا نشترط في المشترك اتّحاد زمان الوضع ، بل لو وضع أوّلا لمعنى واستعمل فيه ، ثمّ وضع ثانيا لمعنى آخر واستعمل فيه ، وتساوى الاستعمال فيهما سمّي مشتركا.
وأمّا ثانيا فلأنّ «الظاهر» و «المأوّل» قد يوجد في الوضع الواحد كما في الحقيقة والمجاز.
__________________
(١) كالفرس للصورة المنقوشة.
(٢) المحصول للرازي : ١ / ٨١.
(٣) لاحظ الكاشف عن المحصول : ٢ / ٤٤ ـ ٤٥.
والأجود أن يقال : إن وضع لمعنيين وضعا أوّلا ، سواء كان الزمان واحدا أو متعدّدا ، وسواء كان الوضع واحدا أو أكثر ، فهو المشترك ، وإلّا فما تقدّم من الأقسام.
ثمّ نقول : اللّفظ إن لم يحتمل غير ما أفيد له وأريد منه ، فهو النّصّ.
وإن احتمل غيره فإن تساويا فالمجمل ، وإلّا فالرّاجح هو «الظاهر» ، والمرجوح هو «المؤوّل».
واعلم أنّ الأقسام الثلاثة الأوّل (١) اشتركت في الواحدة وعدم الاشتراك (٢) فهي نصوص.
وأمّا الرابع فينقسم إلى الأربعة (٣) ، إذا عرفت هذا فنقول :
النصّ والظاهر قد اشتركا في مطلق الرجحان ، إلّا أنّ النصّ راجح مانع من النقيض ، والظاهر راجح غير مانع من النّقيض ، فالمشترك فيه وهو مطلق الرّجحان ، يسمّى المحكم ، فهو جنس لنوعي النّص والظّاهر.
والمجمل ليس براجح ولا مرجوح.
والمأوّل مرجوح فلا يكون راجحا قطعا ، فقد اشترك المجمل والمأوّل في عدم الرّجحان ، إلّا أنّ المجمل وإن كان غير راجح فهو غير مرجوح ، والمأوّل مرجوح ، ويقال للمشترك بينهما : المتشابه ، فهو جنس لنوعي المجمل والمأوّل.
__________________
(١) وهي : اتّحاد اللفظ والمعنى ، وتعدّد اللفظ والمعنى ، وتعدّد اللفظ واتّحاد المعنى.
(٢) والمراد أنّ الأقسام الثلاثة الأوّل مشتركة في عدم احتمال معنيين.
(٣) وهي : «المشترك» و «المنقول» و «الحقيقة» و «المجاز». لاحظ الكاشف عن المحصول : ١ / ٤٩ ، تأليف العجليّ الاصفهاني.
المبحث السادس : في اللّفظ المركّب
قد عرفت أنّ الغاية في الوضع للألفاظ إفادة الغير ما في الضمير عند المحاورة ، وإنّما يكثر ذلك في المركّبات ، فالقول المفهم إمّا أن يفيد طلب شيء إفادة أوّليّة أي وضعيّة أو لا.
والأوّل إمّا أن يفيد طلب ذكر ماهيّة الشيء ويسمّى الاستفهام ، أو طلب التحصيل ، فإن كان على وجه الاستعلاء فهو الأمر ، وإن كان على وجه الخضوع فهو السؤال ، وإن كان على وجه التساوي فهو الالتماس ، سواء كان الطلب لتحصيل الوجود أو العدم.
وإن لم يفد طلب شيء إفادة أوّليّة ، فإمّا أن يحتمل التصديق والتكذيب لذاته ، وهو الخبر والقضيّة والقول الجازم ، أو لا يحتملهما ويسمّى التّنبيه ، ويندرج فيه التّمنّي ، والتّرجّي ، والقسم ، والنداء ، والتعجّب ، والحصر بالاستقراء. (١)
وفيه نظر ، فإنّ التمنّي والترجّي يشتملان على طلب الفعل ، وقد جعلا في التقسيم قسيمين ، وكذا «أطلب منك القيام» فإنّه خبر يدلّ على طلب الفعل دلالة أوّليّة.
وأمّا دلالة الالتزام ، فاعلم أنّ المستفاد منها إمّا أن يستفاد من معاني المفردات أو من تركيبها.
__________________
(١) المحصول للرازي : ١ / ٨٢.
فالأوّل إن كان المدلول عليه بالالتزام شرطا للمدلول بالمطابقة ، سمّيت دلالة الاقتضاء.
وذلك الاشتراط قد يكون عقليّا ، مثل «رفع عن أمّتي الخطأ» (١) فإنّ العقل دلّ على عدم الصحّة إلّا باضمار الحكم الشرعيّ.
وقد يكون شرعيّا ، كنذر العتق ، فإنّه يستلزم تحصيل الملك ، إذ لا يمكنه الوفاء به شرعا إلّا معه.
وإن كان المدلول بالالتزام تابعا لتركيبها ، فإمّا أن يكون مكمّلا كدلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب ، أو لا يكون.
وحينئذ فقد يكون المدلول عليه بالالتزام ثبوتيّا ، كقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ)(٢) مع قوله : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(٣) فإنّه يدلّ بالالتزام على أنّ أقلّ الحمل ستّة أشهر.
وقد يكون عدميّا ، مثل : أنّ تخصيص الشيء بالذكر ، هل يدلّ على نفيه عمّا عداه؟ (٤)
وفيه نظر فإنّ دلالة «رفع عن أمّتي الخطأ» على الإضمار ، ليس مستفادا من المفردات بل من التركيبات.
__________________
(١) الوسائل : ٥ / ٣٤٥ الباب ٣٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٢ ، وعوالي اللئالي : ١ / ٢٣٢ ؛ وسنن ابن ماجة : ١ / ٦٥٩ برقم ٢٠٤٣ و ٢٠٤٥.
(٢) البقرة : ٢٣٣.
(٣) الأحقاف : ١٥.
(٤) المحصول للرازي : ١ / ٨٣.
المبحث السّابع : في تقسيم اللفظ بالنسبة إلى معناه
اعلم أنّ اللفظ إن لم يكن له معنى كان مهملا ، وإن كان ، فإمّا أن يكون ذلك المعنى لفظا أو لا يكون ، والثاني تقدّم.
والأوّل إمّا أن يكون المدلول مفردا أو مركّبا ، وكلاهما إمّا أن يدلّ على معنى أو لا ، فالأقسام أربعة.
الأوّل : لفظ دالّ على لفظ مفرد دالّ على معنى مفرد ، وهو لفظ الكلمة وأنواعها وأصنافها ، فإنّ لفظ الكلمة يتناول لفظ الاسم ، وهو لفظ مفرد ويتناول لفظة الرّجل ، وهو لفظ مفرد دالّ على معنى مفرد ، وكذا الأمر والنهي ، والعامّ والخاصّ ، وأمثالها.
الثاني : لفظ دالّ على لفظ مركّب وضع لمعنى مركّب ، كلفظ الخبر ، فإنّه يتناول قولنا : زيد قائم وهو لفظ مركّب وضع لمعنى مركّب.
الثالث : لفظ دالّ على لفظ مفرد لم يوضع لمعنى ، كالحرف المعجم ، فإنّه يتناول كلّ واحد من آحاد حروف التهجي ، وتلك الحروف لا تفيد شيئا.
لا يقال : «الألف» اسم لتلك المدّة فله معنى.
لأنّا نقول : لا نريد من عدم دلالته سوى إفادته لتلك المدّة.
الرابع : لفظ دالّ على لفظ مركّب لم يوضع لمعنى ، وليس بوجود ، إذ التركيب إنّما يحصل لغاية الإفادة ، فإذا انتفت الإفادة انتفى التركيب.
الفصل الثالث
في الأسماء المشتقّة
وفيه مباحث :
[المبحث] الأوّل : الاشتقاق قال الميداني (١) : الاشتقاق أن تجد بين اللفظين تناسبا في المعنى والتركيب ، فتردّ أحدهما إلى الآخر.
وفيه نظر ، لانتقاضه بالماضي إذا نسب إلى المستقبل ، والمصغّر بالنسبة إلى أصله ونظائرهما (٢).
ولأنّ الاشتقاق ليس الوجدان.
وقيل (٣) : «اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه حروف ذلك الأصل» وينبغي التقيد بالأصول.
وقيل (٤) : ما وافق أصلا بحروفه الأصول ، ومعناه ، وقد يزاد بتغيير ما.
__________________
(١) الميداني ـ فتح الميم وسكون الياء ـ هو أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الميداني النيسابوري المتوفّى سنة ٥١٨ ه.
(٢) في «أ» و «ج» : ونظائره.
(٣) القائل هو الرماني في كتاب «الحدود النحويّة» لاحظ نفائس الأصول : ١ / ٣٢٣.
(٤) القائل هو ابن الحاجب ، في المختصر ، لاحظ رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب : ١ / ٤١٨ ، قسم المتن.
وقيل : ما غيّر من أسماء المعاني عن شكله بزيادة أو نقصان في الحروف أو الحركات أو فيهما.
وكيف ما عرّف فلا بدّ له من أركان أربعة :
اسم موضوع لمعنى.
ولفظ آخر له نسبة إلى ذلك المعنى.
ومشاركة بين الاسمين في الحروف الأصلية.
وتغيير يلحق ذلك الاسم في حرف فقط ، أو حركة فقط ، أو فيهما معا إمّا بالزيادة ، أو النقصان ، أو بهما معا.
قال الفخر الرازي : فالأقسام تسعة (١).
والحقّ أنّها خمسة عشر ، والظاهر أنّ فخر الدين الرازي رأى التغيير بزيادة ونقصان وبهما في ثلاثة : حرف ، وحركة ، وفيهما معا ، ومضروب الثلاثة في نفسها تسعة.
وليس كذلك ، فإنّ الجنسين البسيطين أعني الزيادة والنقصان يجيء منهما ستّة أقسام: زيادة الحرف ، زيادة الحركة ، نقصان الحرف ، نقصان الحركة ، وزيادتهما معا ، نقصانهما معا.
والجنس المركّب [منهما] يجيء منه تسعة أقسام ، فإنّ الزيادة مع النقصان إمّا أن يقعا في الحركة فقط ، أو في الحرف فقط ، أو فيهما معا.
فالّذي في الحركة نقصانها مع زيادتها ، نقصانها مع زيادة الحرف ، نقصانها
__________________
(١) المحصول في علم الأصول : ١ / ٨٥.
مع زيادة الحركة والحرف ، فهذه ثلاثة ، ذكر منها الثاني وأغفل الباقيين.
والّذي في الحرف نقصانه مع زيادته ، نقصانه مع زيادة الحركة ، نقصانه مع زيادتهما ، فهذه الثلاثة ذكر منها الثاني فقط.
والّذي فيهما معا : نقصانهما معا مع زيادتهما معا ، نقصانهما معا مع زيادة الحركة ، نقصانهما مع زيادة الحرف ، فهذه ثلاثة ذكر منها الأوّل فقط.
فقد ظهر أنّ الأقسام خمسة عشر :
الأوّل : زيادة الحركة فقط : طلب من «الطلب» زدت حركة الباء ، فإنّها في الفعل معتبرة ، لكونها حركة بناء ، فهي لازمة بنيت الكلمة عليها من أوّل وهلة ، فصارت كالجزء من الفعل بخلاف حركة المصدر ، فإنّها حركة إعراب وهي ساقطة الاعتبار غير معتدّ بها ، ولا تعدّ تغييرا لطروئها على المعرب.
والاشتقاق إنّما هو من صيغة المصدر الّتي بني عليها ، وحركة الإعراب طارية بعد البناء غير ثابتة ولا لازمة ، فكان الأصل عدمها. (١)
وفيه نظر ، فإنّا نقول : ما تعني بحركة الإعراب؟ إن عنيت بها الشخصيّة كالرّفع أو النّصب ، سلّمنا أنّها غير لازمة ، لكن لم قلت : إنّ مطلق حركة الإعراب غير لازمة ونظر الاشتقاق ليس في حركة معيّنة ، بل في مطلق الحركة.
وإن عنيت بها مطلق الحركة منعنا عدم لزومها.
فإن قلت : الإعراب طار على الاسم بعد تمامه ، فأصله السكون ، وقول النحويّين : أصل الاسم الإعراب لا ينافيه ، لأنّ نظر النحويّ إنّما هو في الاسم من
__________________
(١) الكاشف عن المحصول : ٢ / ٨٠ ، وتنظّر فيه المصنّف.
حيث عروض التركيب ، ولا شكّ في أصالة الإعراب من هذه الحيثيّة ، ونظر الاشتقاق في الاسم من حيث الوضع الإفرادي.
قلت : فالفعل نظرا إلى الوضع أصله الوقف ، فإنّهم نصّوا على أنّ أصل الفعل البناء ، وأصل البناء الوقف ، فكيف تصير حركته العارضة البنائيّة أصلا؟
أو يقال في المثال : ضرب من الضرب.
الثاني : زيادة الحرف فقط : كاذب من «الكذب» زدت الألف فقط.
الثالث : زيادتهما معا طالب من «الطّلب» زدت الألف وحركة البناء.
الرابع : نقصان الحركة فقط : حذر من «حذر» نقصت حركة الرّاء للبناء.
الخامس : نقصان الحرف فقط : خف من «الخوف» نقصت الواو فقط.
السادس : نقصانهما معا : عدّ من «العدة» نقصت الهاء الّتي هي عوض الواو ، وحركة الدّال.
السابع : نقصان الحركة مع زيادتها : كرم من «الكرم» ، وشرف من «الشّرف» نقصت فتحة الراء ، وزدت ضمّة وكسرة. (١)
وفيه نظر ، فإنّ الاعتبار هنا بالحركة النوعيّة لا الشخصيّة ، وإلّا زادت الأقسام.
الثامن : نقصان الحركة مع زيادة الحرف : عليم من «علم» نقصت فتحة الميم البنائيّة ، وزدت الياء ، وكذا عادّ من «العدد» نقصت حركة الدّال وزدت الألف.
__________________
(١) الكاشف عن المحصول : ٢ / ٨١.
التاسع : نقصان الحركة مع زيادتهما معا : اضرب من «الضّرب» نقصت حركة «الضّاد» وزدت الهمزة متحرّكة ، وكسرة الراء.
العاشر : نقصان الحرف مع زيادته : ديّان من «الدّيانة» نقصت التاء وزدت ياء ساكنة. (١)
وفيه نظر ، لأنّ الحركة اللازمة لنون الدّيانة معدومة في «ديّان» فهو من باب زيادة الحرف مع نقصانهما ، والمثال الجيّد : واكف من «الوكيف».
الحادي عشر : نقصان الحرف مع زيادة الحركة : نبت من «النّبات» نقصت الألف وزدت حركة الباء البنائيّة.
الثاني عشر : نقصان الحرف مع زيادتهما معا : خاف من «الخوف» نقصت الواو وزدت الألف ، وفتحة الفاء.
الثالث عشر : نقصانهما معا مع زيادتهما معا : ارم من «الرّمي» زدت الألف متحرّكة ، وكسرة الميم ، ونقصت الياء ، وفتحة الراء.
الرابع عشر : نقصانهما معا مع زيادة الحركة : عد من «الوعد» نقصت الواو متحرّكة ، وزدت كسرة العين.
الخامس عشر : نقصانهما معا مع زيادة الحرف : كالّ من «الكلال» نقصت الألف الّتي بين اللّامين ، وحركة اللّام الأولى ، وأدغمتها في الثانية ، وزدت ألفا بعد الكاف.
__________________
(١) الكاشف عن المحصول : ٢ / ٨١.
المبحث الثاني : في قواعد الاشتقاق
اعلم أنّ النّحويّين اختلفوا فذهب البصريّون إلى أنّ الفعل مشتقّ من المصدر ، وخالف فيه الكوفيّون وادّعوا العكس.
والحقّ الأوّل.
لنا : أنّ المصدر جزء من الفعل ، فيكون متقدّما ، فلا يجوز اشتقاقه منه.
أمّا المقدّمة الأولى ، فلأنّ مدلول الفعل الحدث والزّمان ، ومدلول المصدر الحدث خاصّة ، والحدث جزء من المجموع المركّب منه ومن الزّمان.
لا يقال : لا يلزم من كون المعنى جزءاً سبق لفظه.
لأنّا نقول : قد اشترك المعنيان في الحاجة إلى التعبير عنهما ، ووجود القدرة والدّاعي يوجبان الوضع ، وخطور الجزء سابق.
وأمّا الثانية ، فلأنّ الجزء متقدّم بالطبع على الكلّ.
وأمّا الثالثة ، فلأنّ المصدر لو اشتقّ من الفعل لتأخّر عنه ، لكنّه متقدّم عليه فيدور.
وأمّا أسماء الفاعلين والمفعولين فقد ذكر أبو علي في التكملة : أنّها مشتقة عن الأفعال ، وكذا عبد القاهر.
واستدلّ أبو علي بكونها جارية على سنن الأفعال وطريقتها ، فالأفعال ، أصولها القريبة ، والمصادر الّتي هي أفعال حقيقة أصولها البعيدة.
وإذا ثبت هذا ، كان لنا أن نشتقّها من الأفعال ، لأصالتها القريبة ، ومن المصادر لأصالتها البعيدة.
واعلم أنّه لا منافاة بين قولنا : إنّ حروف المشتقّ منه الأصول موجودة في المشتقّ ، وبين نقصان الحرف ، فإنّ المشاركة في الحروف الأصليّة ثبتت بحقّ الأصل ، ثمّ يطرأ النقصان لعارض يوجبه ، فإنّ «خف» من الخوف ، سقطت الواو فيه بعد انقلابها ألفا ، لعارض التقاء الساكنين ، فالمشاركة في الحقيقة حاصلة لحصولها في الأصل قبل طريان الحذف.
واعلم أنّه ليس مرادنا من زيادة الحركة أو نقصانها ، زيادة حركة واحدة أو نقصان حركة واحدة بالشخص ، بل زيادة الحركة بالنوع ، أو نقصانها بالنوع ، سواء زدنا حركة واحدة بالشّخص ، أو حركتين أو أكثر ، وكذا أيضا حكم الحرف ، والمركّب من الحركة والحرف ، في الزيادة والنقصان.
المبحث الثالث : في أنّ صدق المشتقّ قد ينفكّ عن صدق المشتقّ منه
ذهب الجبائيّان (١) إلى أنّ العالم والقادر والحيّ أسماء اشتقّت من «العلم» و «القدرة» و «الحياة».
ثمّ إنّ هذه الألفاظ صادقة في حقّه تعالى ، من غير حصول علم ، ولا قدرة ، ولا حياة ، لأنّ المسمّى بهذه إنّما هي المعاني الّتي توجب العالميّة ، والقادريّة ، والحيّيّة ، وهي غير ثابتة لله تعالى ، فالله تعالى قادر ، عالم ، حيّ ، من دون قدرة وعلم وحياة.
أمّا أبو الحسين البصري ، فإنّ المسمّى بالقدرة عنده ، نفس القادريّة ،
__________________
(١) هما أبو عليّ وابنه أبو هاشم.
وبالعلم نفس العالميّة ، وهذه أحكام ثابتة لله تعالى ، فيكون له تعالى علم وقدرة.
وأمّا الأشاعرة فإنّهم أثبتوا لله تعالى المعاني ، وهي القدرة ، والعلم ، والحياة وغيرها ، واشتقّوا منها هذه الأوصاف.
وهذه المسألة تبيّن في علم الكلام ، وقد أوضحناها هناك.
وللمعتزلة أن يقولوا : لمّا أوجبت هذه الأوصاف أحوالا للذّات ، كما أوجبت في حقّنا ، أطلقناها عليه تعالى.
المبحث الرابع : في أنّ بقاء المعنى هل هو شرط في الصدق أم لا؟
اختلفت النّاس هنا : فقال قوم : إنّ بقاء وجه الاشتقاق (١) شرط لصدق الاسم حقيقة ، واختاره فخر الدين الرازي (٢).
وقال آخرون : إنّه لا يشترط ، وإليه ذهب أبو علي بن سيناء (٣) وأبو هاشم الجبائيّ.
وقال قوم : إنّه يشترط إن أمكن وإلّا فلا.
والأقرب عدم الاشتراط.
__________________
(١) أريد من وجه الاشتقاق «بقاء المبدأ» في صدق المشتقّ.
(٢) الموجود في «المحصول للرازي» : ١ / ٨٦ «أنّه ليس بشرط» ولعلّه مصحف «أنّه شرط» لأنّ الدليل المذكور في كلامه يثبت انّه شرط. ويؤيّده أنّ الموجود في الكاشف عن المحصول : هو أنّه شرط. لاحظ : ٢ / ٨٩.
(٣) الحسين بن عبد الله بن سيناء ، الفيلسوف الرئيس صاحب التصانيف الكثيرة في العلوم المختلفة المتوفّى سنة ٤٢٨ ه. انظر ترجمته في وفيات الأعيان : ١ / ١٥٢.
لنا وجوه :
الأوّل : أنّ الضّارب من حصل له الضرب مطلقا ، وهو أعمّ من قولنا : حصل له الضرب الآن أو في الماضي ، لأنّه قابل للقسمة إليهما ، ومورد التقسيم مشترك بين أقسامه.
الثاني : اتّفاق أهل اللغة على أنّه لا يعمل إذا كان بمعنى الماضي ، ولو لا صحّة إطلاقه على الماضي ، لما أمكن ذلك.
الثالث : لو كان صدق المشتقّ مشروطا بحصول المشتقّ منه ، لما صحّ إطلاق اسم «المتكلّم» و «المخبر» و «اليوم» و «الأمس» وما جرى مجراها حقيقة في شيء ، والتّالي باطل ، فالمقدّم مثله.
بيان الشرطيّة : أنّ الكلام اسم لمجموع الحروف المتوالية المفيدة فائدة تامّة ، لا لكلّ واحد منها ، ومجموع تلك الحروف لا وجود له ، وإنّما الموجود منه دائما ، حرف واحد ، فلو كان وجود المشتقّ منه شرطا ، لما صدق إطلاق المشتقّ هنا.
لا يقال : الكلام اسم لكلّ واحد من تلك الحروف ، أو نخصّص الدعوى فنجعله شرطا إن كان الحصول ممكنا ، وإلّا فلا ، أو نجعل الشرط حصول المشتقّ منه ، إمّا بمجموعه ، أو بأحد أجزائه ، أو نقول : هذه الألفاظ ليست حقائق في شيء البتّة.
لأنّا نقول : إجماع أهل اللّغة ينفي ذلك ، ثمّ ينتقض بالخبر ، فإنّه لا شكّ في أنّ كلّ واحد من حروف «الخبر» ليس خبرا ، وكذا كلّ جزء من اليوم ، أو الشهر ، أو السّنة ، ليس يوما ، ولا شهرا ، ولا سنة.
والفرق بين ممكن الثبوت وغيره ، منفيّ بالإجماع ، ونفي الحقيقة باطل ، إذ الاستعمال إن كان مجازا ، استدعى الحقيقة ، وإلّا فالمطلوب.
وقد علم ضرورة أنّها ليست حقائق في غير معانيها ، فتكون حقيقة فيها.
الرابع : الإيمان يصدق حقيقة على من لا يباشر التصديق ولا العمل ولا المجموع ، مع أنّه حقيقة في أحدها بالإجماع.
الخامس : الفرق واقع بالضرورة بين قولنا : «ضارب» وبين قولنا : «ضارب في الحال» فلا يتّحد معناهما.
السادس : يصدق في الحال بعد انقضاء الضرب منه «أنّه ضارب أمس» فيصدق عليه أنّه «ضارب» لأنّه جزء من قولنا : «انّه ضارب أمس» وصدق المركّب يستلزم صدق أجزائه.
واعترضوا على الأوّل : بأنّ التقسيم كما يرد إلى الماضي والحاضر ، فكذا يرد على المقسوم إلى الحاضر والمستقبل (١) فإنّه يمكن أن يقال : ثبوت الضرب أعمّ من ثبوته في الحال والمستقبل ، فإن اقتضى انقسامه كونه حقيقة في الماضي ، اقتضى ذلك في المستقبل ، وهو خلاف الإجماع.
وعلى الثاني : بأنّهم أيضا قالوا : إذا كان بمعنى المستقبل عمل ، فيكون المشتقّ حقيقة فيما سيوجد ، وهو باطل بالإجماع.
وعلى الثالث : أنّ المعتبر حصوله بتمامه إن أمكن ، أو حصول آخر جزء من أجزائه.
__________________
(١) في «أ» : أي الحاضر والمستقبل.
وعلى الرابع : بالمنع من كون إطلاق المؤمن على النّائم حقيقة ، كما لا يجوز أن يقال في أكابر الصحابة : إنّهم كفرة ، لكفر تقدّم ، ولا لليقظان : إنّه نائم ، لنوم سبق.
والجواب عن الأوّل : حصول الفرق ، فإنّ الضارب من ثبت له الضرب ، وفي المستقبل لم يثبت له الضّرب ، فكان الأوّل حقيقة ، بخلاف الثاني ، ولأنّ فيه تقليل المجاز ، فكان أولى ، وهو الجواب عن الثاني.
وعن الثالث : ما بيّنا من عدم القائل بالفرق ، ولأنّه إذا صحّ في صورة ، صحّ في جميع الصور ، وإلّا لكان المتكلّم قبل أن يتكلّم (١) عارفا بكون (٢) المشتقّ منه هل يصحّ بقاؤه أو لا؟
فإن كان يصحّ بقاؤه ، اشترط وجود المعنى بتمامه ، ومن المعلوم عدم التفات الناس إلى ذلك ، من أهل اللغة والعرف.
وعن الرابع : أنّ الشرع منع من إطلاق الكفر عليهم ، تعظيما لشأنهم ، والأصل في ذلك : أنّ لفظة «الكفر» موضوعة في عرف الشرع لمعنى ، غير ما وضع في اللغة ، وللواضع أن يخصّص في وضعه ما لو لا التخصيص لكان عامّا ، كما في الوضع اللّغوي ، حيث أطلقت «القارورة» و «النجم» على معاني خاصّة ، لو لا تخصيصهم لكان أعمّ ، وهنا منع الشارع من إطلاق لفظة «الكفر» الّذي وضعه بإزاء معنى ، على من زال عنه.
واحتجّوا على مطلوبهم : بأنّه لو صدق عليه أنّه ضارب ، لكذب عليه أنّه
__________________
(١) في «ب» و «ج» : قبل أن يحكم.
(٢) في «ج» : بأنّ.
ليس بضارب ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.
بيان الشرطيّة : أنّهما نقيضان عرفا ، لأنّ من أراد تكذيب من قال : «زيد ضارب» قال : «زيد ليس بضارب» ولو لا أنّه نقيضه وإلّا لما استعمل في ذلك ، وإذا تناقضا وصدق أحدهما وجب كذب الآخر.
وبيان كذب التّالي : أنّه يصدق عليه أنّه ليس بضارب في الحال ، فيصدق عليه أنّه ليس بضارب ، لأنّه جزء منه ، وصدق المركّب يستلزم صدق أجزائه.
والجواب من وجوه :
الأوّل : أنّه مغالطة ، وذلك لأنّ قولنا : «ضارب في الحال» مركّب ، ونفي المركّب لا يستلزم نفي أجزائه ، فإنّه لا يلزم من صدق قولنا : «الزوج ليس بعدد فرد» صدق قولنا : «الزوج ليس بعدد».
الثاني : يجوز أن يكون حكم الشيء واحدة يخالف حكمه مع غيره ، فلا يلزم من صدق «ليس بضارب الآن» صدق قولنا : «ليس بضارب».
الثالث : نمنع التّناقض بينهما ، لما عرفت من أنّ المطلقتين لا تتناقضان ، بل لا بدّ من اعتبار الدوام في إحداهما أو اتّحاد الوقت فيهما. (١)
الرابع : سلب الضاربيّة عنه في الحال إنّما يلزم سلبها عنه مطلقا لو لم يكن أعمّ من الضّاربيّة في الحال ، وهو ممنوع ، وحينئذ لا يلزم من صحّة سلب الأخصّ سلب الأعم.
لا يقال : قولنا : «هذا ضارب» لا يفيد سوى كونه ضاربا في الحال ، فإذا سلّم صحّة سلبه في الحال ، فهو المطلوب.
__________________
(١) في «ج» : واتّحاد الوقت فيهما.
لأنّا نقول : هذا بعينه إعادة الدعوى ، بل «الضّارب» من حصل له الضرب ، وهو أعمّ من حصوله في الحال ، فالضّارب أعمّ من الضارب في الحال.
الخامس : إنّما يستعملان في التناقض عند توافق المخاطبين على إرادة زمان معيّن إمّا حاضرا أو غيره ، أمّا مطلقا فلا.
السّادس : يعارض بأنّه يصدق في الحال «أنّه ضارب أمس» فيصدق عليه أنّه ضارب ، لأنّه جزء من قولنا : «ضارب أمس» وصدق المركّب يستلزم صدق أجزائه ، وإذا صدق «أنّه ضارب» كذب عليه «أنّه ليس بضارب» لما ذكرتموه من التّناقض بينهما. (١)
وفيه نظر ، فإنّ لمانع أن يمنع من صدق ضارب عليه حقيقة ، ولهذا افتقر إلى التقييد بقولنا «في الأمس» ولصحة سلبه في كلّ ان.
المبحث الخامس : في أنّه هل يجب الاشتقاق مع القيام بالمحلّ
اختلفوا في أنّ المعنى القائم بالشيء ، هل يجب أن يشتقّ له منه اسم أم لا؟
فأوجبه الأشاعرة ، خلافا للمعتزلة.
ومبني الخلاف ، قول المعتزلة : إنّ الكلام عبارة عن الحروف والأصوات وهي حادثة في الأجسام ، وكذا كلام الله تعالى.
فقالت الأشاعرة : لو كان كذلك لوجب أن يشتقّ (٢) لتلك الأجسام اسم المتكلّم ، لقيام المعنى الّذي منه الاشتقاق بها ، والحقّ خلافه.
__________________
(١) لاحظ نفائس الأصول : ٢ / ٣٣٦.
(٢) في «ب» : أن يسبق.
لنا : أنّ أنواع الروائح والآلام قائمة بمحالّها ، مع أنّه لم يشتقّ لها منها أسماء. (١)
وفيه نظر ، لاستدعاء الاشتقاق وجود لفظ المعنى ، ولأنّ «القتل» و «الضّرب» أمور قائمة بالمقتول والمضروب ، وقد اشتقّ منهما اسم الضّارب والقاتل لغير من قاما به. (٢)
وهذا الدليل كما دلّ على مطلوب المعتزلة ، كذا دلّ على مطلوب لهم آخر ، وهو صحّة أن يشتقّ لغير المحلّ اسم من ذلك العرض القائم بالمحلّ ، فإنّهم سمّوا الله تعالى متكلّما بكلام قائم بالأجسام.
والخلاف فيه مع الأشاعرة أيضا ، فإنّهم منعوا في المقامين.
اعترضت الأشاعرة بأنّ «الجرح» ليس هو الأثر القائم بالمجروح بل تأثير قدرة القادر فيه ، وذلك التأثير حاصل بالفاعل وقائم به ، وكذا القتل والضرب.
والجواب : لا معنى لتأثير القدرة في المقدور إلّا نفس وجود الأثر ، إذ لو كان زائدا لزم التسلسل.
وأيضا إمّا أن يكون قديما ، فيستلزم قدم الأثر ، لأنّ قدم النسبة يستلزم قدم ما يتوقّف عليه ، وإمّا أن يكون حادثا فيفتقر إلى تأثير آخر ، ويتسلسل.
وأيضا الخالق أطلق على الله تعالى وهو مشتقّ من الخلق ، والخلق نفس المخلوق ، والمخلوق غير قائم بذات الله تعالى ، لأنّه لو كان غيره : فإن كان قديما ، لزم قدم العالم ، وإن كان محدثا ، تسلسل.
__________________
(١) لاحظ المحصول للرازي : ١ / ٩١ ، والحاصل من المحصول : ١ / ٣١٥.
(٢) الاستدلال للمعتزلة ، لاحظ الكاشف عن المحصول : ٢ / ١١٠.