سعد ، رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الصخرة ، ونحن الميزان ، وذلك قول الله عزوجل في الإمام : (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)(١).
قال : «ومن كبر بين يدي الإمام ، وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كتب الله له رضوانه الأكبر ، ومن كتب له رضوانه الأكبر يجمع بينه وبين إبراهيم ومحمد عليهماالسلام والمرسلين في دار الجلال».
قلت : وما دار الجلال؟ فقال : «نحن الدار ، وذلك قول الله عزوجل : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، [فنحن العاقبة ، يا سعد. وأمّا مودتنا للمتقين] فيقول الله عزوجل : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)(٢) ، جلال الله وكرامته التي أكرم الله تبارك وتعالى العباد بطاعتنا» (٣).
وقال زاذان : أن أمير المؤمنين عليهالسلام كان يمشي في الأسواق وحده ، وهو دال يرشد الضال ، ويعين الضعيف ، ويمر بالبياع والبقال ، فيفتح عليه القرآن ، ويقرأ (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) ويقول : نزلت هذه الآية في أهل العدل ، والمواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس.
وروى أبو سلام الأعرج عن أمير المؤمنين عليهالسلام أيضا قال : إن الرجل ليعجبه شراك نعله ، فيدخل في هذه الآية : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) الآية. يعني أن من تكبر على غيره بلباس يعجبه ، فهو ممن يريد علوا في الأرض (٤).
__________________
(١) الحديد : ٢٥.
(٢) الرحمن : ٧٨.
(٣) مختصر بصائر الدرجات : ص ٥٦.
(٤) مجمع البيان : ج ٧ وص ٤٦٤.
* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٨٤) [سورة القصص : ٨٤]؟!
الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القمي : قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) فله عشر أمثالها ... وقال : الحسنة والله ولاية أمير المؤمنين عليهالسلام والسيئة والله عداوته ...
وقال أبو عبد الله عليهالسلام في قوله : «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» قال : هي للمسلمين عامة والحسنة الولاية فمن عمل من حسنة كتبت له عشرا فإن لم تكن له ولاية رفع عنه بما عمل من حسنة في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق (١).
٢ ـ قال الطبرسيّ في (مجمع البيان) : قوله : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) ـ إلى قوله ـ (يَعْمَلُونَ) أي : لا يزداد في عتابهم على قدر استحقاقهم ، بخلاف الزيادة في الفضل على الثواب المستحق ، فإنه يكون تفضلا ، فهو مثل قوله (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها)(٢).
* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٨٥) [سورة القصص : ٨٥]؟!
الجواب / ١ ـ قال علي بن الحسين عليهماالسلام في قوله : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) قال : «يرجع إليكم نبيكم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأمير المؤمنين ، والأئمّة عليهمالسلام» (٣).
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣١.
(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٦٥.
(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٧.
٢ ـ قال صالح بن ميثم : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : حدثني. قال : «أليس قد سمعت الحديث من أبيك؟». قلت : هلك أبي وأنا صبيّ. قال ؛ قلت : فأقول ، فإن أصبت قلت : نعم ، وإن أخطأت رددتني عن الخطأ. قال : «هذا أهون».
قال : قلت : فإنّي أزعم أنّ عليّا عليهالسلام دابّة الأرض. قال : فسكتّ. قال : فقال أبو جعفر عليهالسلام : «وأراك والله ستقول : إنّ عليّا عليهالسلام راجع إلينا ؛ وقرأ : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ). قال : قلت : والله لقد جعلتها فيما أريد أن أسألك عنها فنسيتها.
فقال أبو جعفر عليهالسلام : «أفلا أخبرك بما هو أعظم من هذا؟ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً)(١) ، لا تبقى أرض إلّا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم» وأشار بيده إلى آفاق الأرض (٢).
٣ ـ قال أبو مروان : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) قال : فقال لي : «لا والله لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّ عليهالسلام بالثويّة ، فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجدا له اثنا عشر ألف باب». يعني موضعا بالكوفة (٣).
٤ ـ قال الطبرسي : ثم ابتدأ سبحانه كلاما آخر فقال : (قُلْ) يا محمد (رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) الذي يستحق به الثواب (وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : ومن لم يجيء بالهدى ، وضل عنه أي : لا يخفى عليه المؤمن
__________________
(١) سبأ : ٢٨.
(٢) مختصر بصائر الدرجات : ص ٢٠٩.
(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٢٤ ، ح ٢١.
والكافر ، ومن هو على الهدى ، ومن هو ضال عنه ، وتأويله : قل ربي يعلم أني جئت بالهدى من عنده ، وأنكم في ضلال ، سينصرني عليكم (١).
* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٨٧) [القصص : ٨٧ ـ ٨٦]؟!
الجواب / ١ ـ قال الطبرسيّ : ثم ذكر نعمه فقال : (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) أي : وما كنت يا محمد ترجو فيما مضى ، أو يوحي الله إليك ، ويشرفك بإنزال القرآن عليك.
(إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) قال الفراء : هذا من الاستثناء المنقطع ، ومعناه : إلا أن ربك رحمك ، وأنعم به عليك ، وأراد بك الخير ، كذلك ينعم عليك بردك إلى مكة ، فاعرف هذه النعم.
وقيل : معناه وما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولين وقصصهم ، تتلوها على أهل مكة ، ولم تشهدها ، ولم تحضرها بدلالة قوله (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي : إنك تتلو على أهل مكة قصص مدين وموسى ، ولم تكن هناك ثاويا مقيما ، وكذلك قوله (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) وأنت تتلو قصصهم وأمرهم ، فهذه رحمة من ربّك (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) أي : معينا لهم. وفي هذه دلالة على وجوب معاداة أهل الباطل. وفي هذه الآية وما بعدها ، وإن كان الخطاب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فالمراد غيره. وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول : القرآن كله إياك أعني واسمعي يا جارة (٢).
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٦٥.
(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٦٥.
ـ أقول : وقال علي بن إبراهيم : المخاطبة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمعنى للناس (١).
٢ ـ وقال : قوله : (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) أي : ولا يمنعك هؤلاء الكفار عن اتباع آيات الله التي هي القرآن والدين بعد إذ نزلت إليك تعظيما لذكرك ، وتفخيما لشأنك. (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي : إلى طاعة ربك الذي خلقك ، وأنعم عليك ، وإلى توحيده ، (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : لا تمل إليهم ، ولا ترضى بطريقتهم ، ولا توال أحدا منهم (٢).
* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٨) [سورة القصص : ٨٨]؟!
الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القمي في قوله تعالى : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) المخاطبة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والمعنى للناس ، وهو قول الصادق عليهالسلام : «إنّ الله بعث نبيّه بإيّاك أعني واسمعي يا جارة» (٣).
٢ ـ قال الحارث بن المغيرة النّصري : سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن قول الله تبارك وتعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، فقال : «ما يقولون فيه؟» قلت : يقولون يهلك كل شيء إلا وجه الله. فقال : «سبحان الله! لقد قالوا قولا عظيما ، إنّما عنى بذلك وجه الله الذي يؤتى منه» (٤).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام ، في قول الله عزوجل : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، قال : «من أتى الله بما أمر به من طاعة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فهو الوجه الذي لا يهلك ، وكذلك قال : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ)(٥).
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٧.
(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٦٥.
(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٧.
(٤) الكافي : ج ١ ، ص ١١١ ، ح ١.
(٥) الكافي : ج ١ ، ص ١١١ ، ح ٢. والآية من سورة النساء : ٨٠.
٣ ـ قال أبو حمزة : قال أبو جعفر عليهالسلام في قول الله عزوجل : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، قال : «فيفنى كل شيء ويبقى الوجه؟! الله أعظم من أن يوصف ، لا ولكن معناها : كلّ شيء هالك إلا دينه ، ونحن الوجه الذي يؤتى الله منه ، لم نزل في عباده ما دام الله له فيهم روبة ، فإذا لم يكن له فيهم روبة ، رفعنا إليه ، ففعل بنا ما أحبّ».
قلت : جعلت فداك ، وما الروبة؟ قال : «الحاجة» (١).
وقال الطّبرسيّ : عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، وقد سأله سائل عن تفسير آيات من القرآن ، فسأله فأجابه عليهالسلام ، فقال : «وأمّا قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، فإنما أنزلت : كل شيء هالك إلا دينه ، لأنّه من المحال أن يهلك منه كلّ شيء ويبقى الوجه ، هو أجلّ وأعظم وأكرم من ذلك ، إنّما يهلك من ليس منه ، ألا ترى أنّه قال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)(٢)؟ ففصل بين خلقه ووجهه» (٣).
٤ ـ وقال سلام بن المستنير : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، قال : «نحن ـ والله ـ وجهه الذي قال ، ولن نهلك إلى يوم القيامة بما أمر الله به من طاعتنا وموالاتنا ، فذلك والله الوجه الذي قال : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، وليس منّا ميت يموت إلا وخلفه عاقبة منه إلى يوم القيامة» (٤).
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٧.
(٢) الرحمن : ٢٦ و ٢٧.
(٣) الاحتجاج : ج ١ ، ص ٢٥٣.
(٤) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٢٥ ، ح ٢٥.
تفسير
سورة العنكبوت
رقم السورة ـ ٢٩ ـ
سورة العنكبوت
* س ١ : ما هو فضل سورة العنكبوت؟!
الجواب / قال أبو عبد الله عليهالسلام : «من قرأ سورة العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو ـ والله يا أبا محمد ـ من أهل الجنّة ، لا أستثني فيه أبدا ، ولا أخاف أن يكتب علي في يميني إثم ، وإنّ لهاتين السورتين عند الله مكانا» (١).
وقال الصادق عليهالسلام : «من كتبها وشربها زال عنه حمّى الرّبع (٢) والبرد ، والألم ، ولم يغتم من وجع أبدا إلا وجع الموت الذي لا بدّ منه ، ويكثر سروره ما عاش ؛ وشرب مائها يفرح القلب وينشط الكسل ، ويشرح الصدر ، وماؤها يغسل به الوجه للحمرة والحرارة ، ويزيل ذلك ؛ ومن قرأها على فراشه وإصبعه في سرّته ، يديره حولها ، فإنه ينام من أول الليل إلى آخره ، ولم ينتبه إلا الصبح بإذن الله تعالى» (٣).
* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :
(الم)(١) [سورة العنكبوت : ١]؟!
الجواب / اختلف العلماء في الحروف المعجمة ، المفتتحة بها السور ،
__________________
(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٩ ، مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٢٥.
(٢) حمّى الربع : هي التي تعرض للمريض يوما وتدعه يومين ، ثم تعود إليه في اليوم الرابع ، «المعجم الوسيط ـ ربع ـ ج ١ ، ص ٣٢٤».
(٣) خواص القرآن : ص ٥ «قطعة منه».
فذهب بعضهم إلى أنها من المتشابهات التي استأثر الله تعالى بعلمها ، ولا يعلم تأويلها إلا هو ، وهذا هو المروي عن أئمتنا عليهمالسلام. وروت العامة عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «إنّ لكل كتاب صفوة ، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجّي». وعن الشعبي ، قال : لله في كل كتاب سرّ ، وسرّه في القرآن سائر حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور. وفسّرها آخرون على وجوه (١).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام : (الم) هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المقطّع في القرآن ، الذي يؤلّفه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام ، فإذا دعا به أجيب» (٢).
* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٦) [سورة العنكبوت : ٢ ـ ٦]؟!
الجواب / قال محمد بن يعقوب : روي أن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) ، قال في خطبة ـ وذكر الخطبة إلى أن قال عليهالسلام ـ : «ولكنّ الله عزوجل يختبر عبيده بأنواع الشدائد ، ويتعبّدهم بأنواع المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجا للتكبّر من قلوبهم ، وإسكانا للتذلّل في أنفسهم ، وليجعل ذلك أبوابا إلى فضله ، وأسبابا ودليلا لعفوه وفتنته ، كما قال : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
__________________
(١) مجمع البيان : ج ١ ، ص ١١٢.
(٢) معاني الأخبار : ص ٢٣ ، ح ٢.
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ)(١).
وقال معمر بن خلاد ، سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ، ثم قال لي : «ما الفتنة؟» قلت : جعلت فداك ، الذي عندنا : الفتنة في الدين. قال : «يفتنون كما يفتن الذهب (٢) ، ثم يخلصون كما يخلص الذهب» (٣).
وقال محمد بن الفضيل قال أبو الحسن عليهالسلام : «جاء العباس إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : انطلق بنا يبايع لك الناس. فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : أتراهم فاعلين؟ قال : نعم. قال : فأين قوله : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي اختبرناهم (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا) أي يفوتونا (ساءَ ما يَحْكُمُونَ مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) ـ قال ـ من أحبّ لقاء الله جاءه الأجل (وَمَنْ جاهَدَ) نفسه عن اللذّات والشهوات والمعاصي (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)؟ (٤).
وقال الطبرسيّ : عن أبي عبد الله عليهالسلام : (يُفْتَنُونَ) : يبتلون في أنفسهم وأموالهم» (٥).
وقال سماعة بن مهران : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات ليلة في المسجد ، فلما كان قرب الصبح ، دخل أمير المؤمنين عليهالسلام ، فناداه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : «يا
__________________
(١) الكافي : ج ٤ ، ص ٢٠٠ ، ح ٢.
(٢) تقول : فتنت الذهب : إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته. «الصحاح ـ فتن ـ ج ٦ ، ص ٢١٧٥».
(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٠٢ ، ح ٤.
(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٨.
(٥) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٢٧.
عليّ» قال : «لبيك» قال : «هلمّ إليّ» فلمّا دنا منه ، قال : «يا عليّ ، بتّ الليلة حيث تراني ، وقد سألت ربي ألف حاجة فقضاها لي ، وسألت لك مثلها فقضاها لي ، وسألت ربي أن يجمع لك أمتي من بعدي ، فأبى عليّ ربي ، فقال : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(١).
وقال أبو أيوب : إنّه لمّا نزل : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ) الآيات ، قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لعمّار : «إنّه سيكون من بعدي هنات (٢) ، حتّى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتى يقتل بعضهم بعضا ، وحتى يتبرّأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني : علي بن أبي طالب ، فإن سلك الناس كلّهم واديا فاسلك وادي علي وخلّ عن الناس. يا عمّار ، إنّ عليا لا يردّك عن هدى ، ولا يردّك في ردى. يا عمّار ، طاعة عليّ طاعتي ، وطاعتي طاعة الله» (٣).
* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٧) [سورة العنكبوت : ٧]؟!
الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمهالله تعالى) : ثم قال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا بوحدانيته وأقروا بنبوة نبيه ، واعترفوا بما جاء به من عند الله (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) التي اقترفوها قبل ذلك. ومن قال بالإحباط قال : تبطل السيئة الحسنة التي هي أكبر منها حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل ، كما قال (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)(٤) والإحباط هو إبطال الحسنة بالسيئة التي هي
__________________
(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٢٨ ، ح ٤.
(٢) أي شرور وفساد «النهاية : ج ٥ ، ص ٢٧٩».
(٣) المناقب : ج ٣ ، ص ٢٠٣.
(٤) هود : ١١٤.
أكبر منها. والسيئة الخصلة التي يسوء صاحبها عاقبتها. وكل حسنة طاعة لله ، وكل سيئة هي معصية له تعالى.
وقوله (لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) قال الجبائي : معناه أحسن ما كانوا يعملون : طاعاتهم لله ، لأنه لا شيء في ما يعمله العباد أحسن من طاعاتهم لله. وقال قوم : معناه ولنجزينهم بأحسن أعمالهم ، وهو الذي أمرناهم به ، دون المباح الذي لم نأمرهم به ولا نهيناهم عنه (١).
* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) (٩) [سورة العنكبوت : ٨ ـ ٩]؟!
الجواب / قال علي بن إبراهيم : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) : هما اللذان ولداه.
ثم قال : (وَإِنْ جاهَداكَ) يعني الوالدين (لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)(٢).
ثم قال علي بن إبراهيم ـ في حديث مسنود ـ عن الأصبغ بن نباتة ، أنه سأل أمير المؤمنين عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)(٣).
قال : «الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر هما اللذان ولدا العلم ، وورثا الحكم ، وأمر الناس بطاعتهما ، ثم قال : (إِلَيَّ الْمَصِيرُ)(٤) ، فمصير
__________________
(١) التبيان : ج ٨ ، ص ١٨٨.
(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٨.
(٣) لقمان : ١٤.
(٤) نفس المصدر.
العباد إلى الله ، والدليل على ذلك الوالدان ، ثم عطف الله القول على ابن حنتمه وصاحبه ، فقال في الخاصّ : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي)(١) يقول : في الوصيّة ، وتعدل عمّن أمرت بطاعته ، فلا تطعهما ، ولا تسمع قولهما ، ثم عطف القول على الوالدين فقال : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً)(٢) ، يقول : عرف الناس فضلهما ، وادع إلى سبيلهما ، وذلك قوله : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ)(٣) ، قال : إلى الله ثم إلينا ، فاتّقوا الله ولا تعصوا الوالدين ، فإنّ رضاهما رضا الله ، وسخطهما سخط الله» (٤).
وقال علي بن أبي طالب عليهالسلام : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : أنا وعلي أبوا هذه الأمّة ، ولحقّنا عليهم أعظم من حق أبوي ولادتهم ، فإنا ننقذهم ـ إن أطاعونا ـ من النار إلى دار القرار ، ونلحقهم من العبودية بخيار الأحرار» (٥).
وقال الحسن بن عليّ عليهماالسلام : «من آثر طاعة أبوي دينه : محمد وعلي عليهماالسلام على طاعة أبوي نسبه ، قال الله عزوجل له : لأوثرنّك كما آثرتني ، ولأشرّفنّك بحضرة أبوي دينك كما شرّفت نفسك بإيثار حبهما على حب أبوي نسبك» (٦).
* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) (١٠)
[سورة العنكبوت : ١٠]؟! الجواب / قال علي بن إبراهيم : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا
__________________
(١) لقمان : ١٥.
(٢) نفس المصدر.
(٣) نفس المصدر.
(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٨.
(٥) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ص ٣٣٠ ، ح ١٩٠.
(٦) نفس المصدر السابق : ص ٣٣٣ ، ح ٢٠١.
أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) ، قال : إذا آذاه إنسان ، أو أصابه ضرّ ، أو فاقة ، أو خوف من الظالمين ، دخل معهم في دينهم (١) ، فرأى أن ما يفعلونه هو مثل عذاب الله الذي لا ينقطع ، (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) يعني القائم عليهالسلام (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ)(٢).
* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) (١١) [سورة العنكبوت : ١١]؟!
الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمهالله تعالى) : أقسم الله تعالى بأنه يعلم الذين يؤمنون بالله على الحقيقة ظاهرا وباطنا فيجازيهم على ذلك بثواب الجنة ، وذلك ترغيب لهم (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) فيه تهديد للمنافقين مما هو معلوم من حالهم التي يستترون بها ويتوهمون أنهم نجوا من ضررها ، بإخفائها ، وهي ظاهرة عند من يملك الجزاء عليها ، وتلك الفضيحة العظمى بها.
* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١٢) [سورة العنكبوت : ١٢]؟!
الجواب / قال عليهالسلام : قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) ، قال : كان الكفّار يقولون للمؤمنين : كونوا معنا ، فإنّ الذي تخافون أنتم ليس بشيء ، فإن كان حقا نتحمّل نحن ذنوبكم. فيعذّبهم الله مرتين : مرة بذنوبهم ، ومرة بذنوب غيرهم (٣).
__________________
(١) في «ط» : دنياهم.
(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٩.
(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٩.
وقال أبو إسحاق الليثي ، قلت لأبي جعفر عليهالسلام ـ في حديث طويل ـ : يابن رسول الله ، ما أعجب هذا ، تؤخذ حسنات أعدائكم فتردّ على شيعتكم ، وتؤخذ سيئات محبيكم فترد على مبغضيكم!
قال : «إي والله الذي لا إله إلا هو فالق الحبّة ، وبارىء النسمة ، وفاطر الأرض والسماء ، ما أخبرتك إلّا بالحقّ ، وما أنبأتك إلا بالصدق ، وما ظلمهم الله ، وما الله بظلام للعبيد ، وإن ما أخبرتك لموجود في القرآن كله».
قلت : هذا بعينه يوجد في القرآن؟ قال : «نعم يوجد في أكثر من ثلاثين موضعا في القرآن ، أتحب أن أقرأ ذلك عليك»؟ قلت : بلى ، يابن رسول الله.
فقال : «قال الله عزوجل : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) ـ إلى قوله ـ (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ)(١).
* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ)(١٣) [سورة العنكبوت : ١٣]؟!
الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمهالله تعالى) : وقوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) معناه أنهم يحملون خطاياهم في أنفسهم التي لا يعملونها بغيرهم ، ويحلون الخطايا التي ظلموا بها غيرهم ، فحسن لذلك فيه التفصيل الذي ذكره الله.
وقوله (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) أي يعملون ، ومعناه إنهم يسألون سؤال تعنيف وتوبيخ وتبكيت وتقريع ، لا سؤال استعلام كسؤال
__________________
(١) علل الشرائع : ص ٦٠٦ ، ح ٨١.
التعجيز في الجدل ، كقولك للوثني ما الدليل على جواز عبادة الأوثان ، وكما قال تعالى : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١).
* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ)(١٥) [سورة العنكبوت : ١٤ ـ ١٥]؟!
الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليهالسلام : «عاش نوح عليهالسلام بعد الطوفان خمسمائة سنة ، ثم أتاه جبرئيل عليهالسلام ، فقال : يا نوح ، قد انقضت نبوّتك ، واستكملت أيامك ، فانظر إلى الاسم الأكبر ، وميراث العلم ، وآثار علم النبوّة التي معك ، فادفعها إلى ابنك سام ، فإني لا أترك الأرض إلا وفيها عالم تعرف طاعتي به ، ويعرف به هداي ، ويكون نجاة فيما بين مقبض النبيّ ومبعث النبي الآخر ، ولم أكن أترك الناس بغير حجّة لي ، وداع إليّ ، وهاد إلى سبيلي ، وعارف بأمري ، فإني قد قضيت أن أجعل لكلّ قوم هاديا به السعداء ، ويكون الحجّة على الأشقياء».
قال : «فدفع نوح عليهالسلام الاسم الأكبر ، وميراث العلم ، وآثار علم النبوة إلى سام ، وأمّا حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به ـ قال ـ وبشّرهم نوح عليهالسلام بهود عليهالسلام ، وأمرهم باتّباعه ، وأمرهم أن يفتحوا الوصيّة في كلّ عام ، وينظروا فيها ، ويكون عهدا لهم» (٢).
وقال الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام : «عاش نوح عليهالسلام ألفي سنة وخمسمائة سنة ، منها : ثمانمائة وخمسون سنة قبل أن يبعث ، وألف سنة إلّا
__________________
(١) التبيان : ج ٨ ، ص ١٩٢ ، والآية البقرة : ١١١.
(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٨٥ ، ح ٤٣٠.
خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم ، ومائتا سنة في عمل السّفينة ، وخمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء ، فمصّر الأمصار ، وأسكن ولده البلدان.
ثم إن ملك الموت جاءه وهو في الشمس ، فقال : السّلام عليك ، فردّ عليه نوح ، وقال له : ما جاء بك ، يا ملك الموت. فقال : جئت لأقبض روحك. فقال له : تدعني أدخل من الشمس إلى الظلّ؟ فقال له : نعم. فتحوّل نوح عليهالسلام ، ثم قال : يا ملك الموت ، فكأن ما مرّ بي في الدنيا مثل تحوّلي من الشمس إلى الظلّ ، فامض لما أمرت به ، فقبض روحه عليهالسلام» (١).
٢ ـ قال الشيخ الطوسيّ (رحمهالله تعالى) : قوله (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) جزاء على كفرهم ، فأهلكهم الله تعالى ، (وَهُمْ ظالِمُونَ) لنفوسهم بما فعلوه من عصيان الله تعالى والإشراك به ، والطوفان الماء الكثير الغامر ، لأنه يطوف بكثرته في نواحي الأرض (٢).
٣ ـ قال الشيخ الطوسيّ (رحمهالله تعالى) : ثم أخبر تعالى أنه أنجى نوحا والذين ركبوا معه السفينة من المؤمنين به ، وجعل السفينة آية أي علامة للخلائق يعتبرون بها إلى يوم القيامة ، لأنها فرقت بين المؤمنين والكفار والعاصين والأخيار ، فهي دلالة للخلق على صدق نوح وكفر قومه (٣).
* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ
__________________
(١) أمالي الصدوق : ص ٤١٣ ، ح ٧.
(٢) التبيان : ج ٨ ، ص ١٩٢.
(٣) التبيان : ج ٨ ، ص ١٩٢.
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٠) [سورة العنكبوت : ١٦ ـ ٢٠]؟!
الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمهالله تعالى) : ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال (وَإِبْراهِيمَ) أي : وأرسلنا إبراهيم (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ) أي : أطيعوا الله وخافوه بفعل طاعاته ، واجتناب معاصيه. (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) أي : ذلك التقوى خير لكم (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ما هو خير مما هو شر لكم (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) ما في هذا الموضع كافة ، والمعنى : إنكم تعبدون أصناما من حجارة ، لا تضر ، ولا تنفع (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) أي : تفتعلون كذبا بأن تسمو هذه الأوثان آلهة ، ... وقيل : معناه وتصنعون أصناما بأيديكم. وسماها إفكا لادعائهم أنها آلهة ...
ثم ذكر عجز آلهتهم عن رزق عابديها فقال : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) أي : لا يقدرون على أن يرزقوكم. والملك : قدرة القادر على ماله أن يتصرف في ماله أتم التصرف ، وليس ذلك إلّا لله على الحقيقة ، فإن الإنسان إنما يملك ما يملكه الله تعالى ، ويأذن له في التصرف فيه. فأصل الملك لجميع الأشياء لله تعالى ، فمن لا يملك أن يرزق غيره ، لا يستحق العبادة ، لأن العبادة تجب بأعلى مراتب النعمة. ولا يقدر على ذلك غير الله تعالى ، فلا يستحق العبادة سواه.
(فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) أي : اطلبوا الرزق من عنده دون من سواه (وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ) على ما أنعم به عليكم من أصول النعم ، من الحياة
والرزق وغيرهما. (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي : إلى حكمه تصيرون يوم القيامة ، فيجازيكم على قدر أعمالكم. ثم خاطب العرب فقال : (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) أي : وإن تكذبوا محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) أنبياءهم الذين بعثوا إليهم (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي : ليس عليه إلا التبليغ الظاهر البين ، وليس عليه حمل من أرسل إليه على الإيمان.
(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يعني كفار مكة الذين أنكروا البعث ، وأقروا بأن الله هو الخالق ، فقال : أو لم يتفكروا فيعلموا كيف أبدأ الله الخلق بعد العدم ، ثم يعيدهم ثانيا إذا أعدمهم بعد وجودهم. قال ابن عباس : يريد الخلق الأول ، والخلق الآخر.
(إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) غير متعذر ، لأن من قدر على الإنشاء والابتداء فهو على الإعادة أقدر. ثم خاطب محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : (قُلْ) لهؤلاء الكفار (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) وتفكروا في آثار من كان فيها قبلكم ، وإلى أي شيء صار أمرهم لتعتبروا بذلك ، ويؤديكم ذلك إلى العلم بربكم. وقيل : معناه انظروا وابحثوا هل تجدون خالقا غير الله ، فإذا علموا أنه لا خالق ابتداء إلا الله ، لزمتهم الحجة في الإعادة ، وهو قوله (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) أي : ثم الله الذي خلقها وأنشأ خلقها ابتداء ينشئها نشأة ثانية. ومعنى الإنشاء : الإيجاد من غير سبب.
(إِنَّ اللهَ) تعالى (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي : إن الله على الإنشاء والإفناء ، والإعادة ، وعلى كل شيء يشاؤه ، قدير (١).
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٥ ـ ١٦.