بها. (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أي : وزجرا للمتقين عن المعاصي ، وخصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها (١).
* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :
(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٣٥) [سورة النور : ٣٥]؟!
الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهمالسلام في معنى هذه الآية نذكر منها :
١ ـ قال أبو عبد الله عليهالسلام ، في قول الله عزوجل : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) فاطمة عليهاالسلام ، (فِيها مِصْباحٌ) الحسن ، (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) الحسين ، (الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) فاطمة عليهاالسلام ، كوكب دريّ بين نساء أهل الدنيا ، (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) إبراهيم عليهالسلام ، (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) لا يهوديّة ، ولا نصرانية ، (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) يكاد العلم يتفجّر منها (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ) إمام منها بعد إمام ، (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) يهدي الله للأئمة عليهمالسلام من يشاء (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ).
قلت : (أَوْ كَظُلُماتٍ)؟ قال : «الأوّل وصاحبه (يَغْشاهُ مَوْجٌ) الثالث ، (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ) الثاني ، (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) معاوية (لعنه الله) ، وفتن بني أميّة ، (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) المؤمن في ظلمة فتنهم
__________________
(١) مجمع البيانّ : ج ٧ ، ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧.
(لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) إماما من ولد فاطمة عليهاالسلام (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)(١) إمام يوم القيامة» (٢).
٢ ـ قال أبو جعفر عليهالسلام : «إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وضع العلم الذي كان عنده عند الوصيّ ، وهو قول الله عزوجل : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) ، يقول : أنا هادي السماوات والأرض ، مثل العلم الذي أعطيته ، وهو نوري الذي يهتدى به ، مثل المشكاة فيها مصباح ، والمشكاة : قلب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمصباح : النور الذي فيه العلم.
وقوله : (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) يقول : إنّي أريد أن أقبضك ، فاجعل العلم الذي عندك عند الوصيّ ، كما يجعل المصباح في الزجاجة ، (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) فأعلمهم فضل الوصي ، (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) فأصل الشجرة المباركة إبراهيم عليهالسلام ، وهو قول الله عزوجل : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)(٣) ، وهو قول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٤) (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) يقول لستم بيهود فتصلّون قبل المغرب ، ولا نصارى فتصلّون قبل المشرق ، وأنتم على ملّة إبراهيم عليهالسلام ، وقد قال الله عزوجل : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(٥).
وقوله عزوجل : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ
__________________
(١) النور : ٤٠.
(٢) الكافي : ج ١ ، ص ١٥١ ، ح ٥.
(٣) هود : ٧٣.
(٤) آل عمران : ٣٣ و ٣٤.
(٥) آل عمران : ٦٧.
يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) يقول : مثل أولادكم الذين يولدون منكم ، كمثل الزيت الذي يعصر من الزيتون ، يكاد زيتها يضيء ، ولو لم تمسسه نار (نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) يقول : يكادون أن يتكلّموا بالنبوّة ولو لم ينزل عليهم ملك» (١).
٣ ـ قال محمد بن علي بن الحسين عليهمالسلام ، في قول الله عزوجل : (كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) : «المشكاة : نور العلم في صدر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم». (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) ، قال : «الزّجاجة : صدر علي عليهالسلام ، صار علم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى صدر علي عليهالسلام». (الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) ، قال : «نور العلم». (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) ، قال : «لا يهوديّة ولا نصرانيّة». (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) ، قال : «يكاد العالم من آل محمد عليهمالسلام يتكلّم بالعلم قبل أن يسأل». (نُورٌ عَلى نُورٍ) ، قال : «يعني إماما مؤيّدا بنور العلم والحكمة في أثر إمام ، من آل محمد عليهمالسلام ، وذلك من لدن آدم ، إلى أن تقوم الساعة» (٢).
٤ ـ قال الصادق عليهالسلام : قال الباقر عليهالسلام في هذه الآية : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، قال : «بدأ بنور نفسه تعالى ، (مَثَلُ نُورِهِ) مثل هداه في قلب المؤمن (كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ) ، والمشكاة : جوف المؤمن ، والقنديل : قلبه ، والمصباح : النور الذي جعله الله في قلبه ، (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) ـ قال ـ الشجرة : المؤمن ، (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) على سواء الجبل ، لا غربيّة : أي لا شرق لها ، ولا شرقيّة : أي لا غرب لها ، إذا طلعت الشمس طلعت عليها ، وإذا غربت غربت عليها. (يَكادُ زَيْتُها
__________________
(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٨٠ ، ح ٥٧٤.
(٢) التوحيد : ص ١٥٨ ، ح ٤.
يُضِيءُ) يكاد النور الذي جعله الله في قلبه يضيء ، ولو لم يتكلم (نُورٌ عَلى نُورٍ) فريضة على فريضة ، وسنّة على سنّة (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) يهدي الله لفرائضه وسننه من يشاء (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) فهذا مثل ضربه الله للمؤمن ـ ثمّ قال ـ فالمؤمن يتقلّب في خمسة من النور. مدخله نور ، ومخرجه نور ، وعلمه نور ، وكلامه نور ، ومصيره يوم القيامة إلى الجنة نور».
قال طلحة بن زيد : قلت لجعفر بن محمّد عليهماالسلام : جعلت فداك ـ يا سيّدي ـ إنهم يقولون : مثل نور الرّب؟ قال : «سبحان الله! ليس لله مثل ، قال الله : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ)(١).
٥ ـ قال يونس بن عبد الرحمن : حدّثنا أصحابنا أن أبا الحسن عليهالسلام كتب إلى عبد الله ابن جندب ، قال : «قال علي بن الحسين عليهماالسلام : إنّ مثلنا في كتاب الله كمثل المشكاة ، والمشكاة في القنديل ، فنحن المشكاة (فِيها مِصْباحٌ) والمصباح : محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) نحن الزجاجة (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) علي عليهالسلام (زَيْتُونَةٍ) معروفة ، (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) لا منكرة ولا دعيّة (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ) القرآن (عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) بأن يهدي من أحبّ ولايتنا» (٢).
٦ ـ روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : دخلت إلى مسجد الكوفة ، وأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) يكتب بإصبعه ويتبسّم ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، ما الذي يضحكك؟ فقال : «عجبت لمن يقرأ هذه الآية ولم يعرفها حقّ معرفتها». فقلت له : أيّ آية ، يا أمير المؤمنين؟
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٣ ، والآية من سورة النحل : ٧٤.
(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٥٩ ، ح ٦.
فقال : «قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) ، المشكاة : محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، (فِيها مِصْباحٌ) ، أنا المصباح. (فِي زُجاجَةٍ) الزجاجة الحسن والحسين عليهماالسلام ، (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) وهو علي بن الحسين عليهالسلام ، (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) محمد بن علي عليهالسلام ، (زَيْتُونَةٍ) جعفر بن محمد عليهالسلام (لا شَرْقِيَّةٍ) موسى بن جعفر عليهالسلام ، (وَلا غَرْبِيَّةٍ) علي بن موسى عليهالسلام ، (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) محمد بن علي عليهالسلام ، (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) علي بن محمد عليهالسلام ، (نُورٌ عَلى نُورٍ) الحسن بن علي عليهالسلام (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) القائم المهديّ عليهالسلام (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١).
* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣٨) [سورة النور : ٣٦ ـ ٣٨]؟!
الجواب / ١ ـ قال أنس بن مالك وبريدة : قرأ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) فقام إليه رجل ، فقال : أيّ بيوت هذه ، يا رسول الله؟ قال : «بيوت الأنبياء». فقام إليه أبو بكر ، فقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهماالسلام : قال : «نعم ، من أفضلها» (٢).
__________________
(١) غاية المرام : ص ٣١٧ ، اللوامع النورانية : ص ٢٤٧.
(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٦٢ ، ح ٨ ، شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٤١٠ ، ح ٥٦٧ و ٥٦٨ ، الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٠٣ ، روح المعاني : ج ١٨ ، ص ١٧٤.
وقال محمد بن الفضيل : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) ، قال : «بيوت محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ بيوت عليّ عليهالسلام منها» (١).
٢ ـ قال عيسى ابن داود : حدثنا الإمام موسى بن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ، في قول الله عزوجل : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ، قال : «بيوت آل محمد ، بيت علي وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر (صلوات الله عليهم أجمعين».
قلت : (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ)؟ قال : «الصلاة في أوقاتها» قال : «ثمّ وصفهم الله عزوجل ، فقال : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) ، قال : «هم الرجال ، لم يخلط الله معهم غيرهم. ثم قال : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) قال : «ما اختصّهم به من المودّة ، والطاعة المفروضة ، وصيّر مأواهم الجنّة (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٢).
وروي عن أبي جعفر عليهالسلام وأبي عبد الله عليهالسلام في معنى قوله تعالى : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ) : «إنهم قوم إذا حضرت الصلاة ، تركوا التجارة ، وانطلقوا إلى الصلاة ، وهم أعظم أجرا ممّن يتجر» (٣).
__________________
(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٦٢ ، ح ٩.
(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٦٢ ، ح ١٠.
(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٢٧.
* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣٩) [سورة النور : ٣٩]؟!
الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم ضرب الله مثلا لأعمال من نازعهم ـ يعني عليّا وولده الأئمّة عليهمالسلام ـ فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) والسّراب : هو الذي تراه في المفازة يلمع من بعيد ، كأنه الماء ، وليس في الحقيقة شيء ، فإذا جاء العطشان ، لم يجده شيئا ، والقيعة : المفازة المستوية (١).
وقال جابر بن يزيد : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن هذه الآية ، فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بنو أميّة (أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) والظمآن : نعثل ، فينطلق بهم ، فيقول أوردكم الماء (حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ)(٢).
وقال المفيد في (الاختصاص) : عن سماعة ، قال : سأل رجل أبا حنيفة عن الشيء ، وعن لا شيء ، وعن الذي لا يقبل الله غيره ، فأخبر عن الشيء ، وعجز عن لا شيء ، فقال : اذهب بهذه البغلة إلى إمام الرافضة ، فبعها منه بلا شيء ، واقبض الثمن ، فأخذ بعذارها (٣) ، وأتى بها أبا عبد الله عليهالسلام ، فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : «استأمر أبا حنيفة في بيع هذه البغلة». قال : قد أمرني ببيعها. قال : «بكم»؟ قال : بلا شيء. قال له : «ما تقول؟» قال : الحقّ أقول.
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٥.
(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٦٣ ، ح ١٢.
(٣) العذار : الذي يضم حبل الخطام إلى رأس البعير والناقة. «لسان العرب ـ عذر ـ ج ٤ ، ص ٥٥٠».
فقال : «قد اشتريتها منك بلا شيء». قال : وأمر غلامه أن يدخله المربط ، قال : فبقي محمد بن الحسن ساعة ينتظر الثّمن ، فلمّا أبطأه الثمن ، قال : جعلت فداك ، الثمن؟ قال : «الميعاد إذا كان الغداة» ، فرجع إلى أبي حنيفة ، فأخبره ، فسرّ بذلك ورضيه منه. فلما كان من الغد وافى أبو حنيفة ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «جئت لتقبض الثمن ، لا شيء؟» قال : نعم. قال : «ولا شيء ثمنها؟» قال : نعم. فركب أبو عبد الله عليهالسلام البغلة ، وركب أبو حنيفة بعض الدوابّ ، فتصحّرا جميعا ، فلما ارتفع النهار ، نظر أبو عبد الله عليهالسلام إلى السّراب يجري ، قد ارتفع كأنّه الماء الجاري ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «يا أبا حنيفة ، ماذا عند الميل (١) ، كأنّه يجري؟» قال : ذاك الماء ، يابن رسول الله. فلمّا وافيا الميل ، وجداه أمامهما ، فتباعد ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «اقبض ثمن البغلة ، قال الله تعالى (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ»). قال : فخرج أبو حنيفة إلى أصحابه كئيبا حزينا ، فقالوا له : مالك ، يا أبا حنيفة؟ قال : ذهبت البغلة هدرا ، وكان قد أعطي بالبغلة عشرة آلاف درهم» (٢).
* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :
(أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠) [سورة النور : ٤٠]؟!
الجواب / قال صالح بن سهل : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول ، في قول
__________________
(١) الميل : قدر منتهى مدّ البصر من الأرض ، وقيل : مسافة من الأرض متراخية ليس لها حدّ معلوم. «أقرب الموارد ـ ميل ـ ج ٢ ، ص ١٢٥٦».
(٢) الاختصاص : ص ١٩٠.
الله : (أَوْ كَظُلُماتٍ) فلان وفلان (فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ) يعني نعثل ، (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) طلحة والزبير ـ وقيل أصحاب : الجمل ، وصفين ، والنهروان (١) ـ (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) معاوية ويزيد وفتن بني أميّة (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) المؤمن في ظلمة فتنهم ـ وقيل : يعني أمير المؤمنين عليهالسلام في ظلماتهم (٢) ـ (لَمْ يَكَدْ يَراها) ـ قيل : أي إذا نطق بالحكمة بينهم ، لم يقبلها منهم أحد إلّا من أقرّ بولايته ، ثم إمامته ـ (٣) (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) يعني إماما من ولد فاطمة عليهاالسلام ـ في الدنيا (٤) ـ (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) من إمام يوم القيامة يمشي بنوره ، كما في قوله : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ)(٥) ـ قال ـ إنّما المؤمنون يوم القيامة نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حتى ينزلوا منازلهم في الجنّة» (٦).
* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٤٢) [سورة النور : ٤١ ـ ٤٢]؟!
الجواب / ١ ـ قال الأصبغ بن نباتة : جاء ابن الكوّاء إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، والله إنّ في كتاب الله عزوجل لآية قد أفسدت عليّ قلبي ، وشككتني في ديني؟ فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : «ثكلتك أمك وعدمتك ، وما تلك الآية؟» قال : قول الله عزوجل : (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ).
__________________
(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٦٥ ، ح ١٥.
(٢) نفس المصدر.
(٣) نفس المصدر.
(٤) نفس المصدر.
(٥) التحريم : ٨.
(٦) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٦.
فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : «يابن الكوّاء ، إن الله تبارك وتعالى خلق الملائكة في صور شتّى ، ألا أن الله تبارك وتعالى ملكا في صورة ديك أبحّ أشهب ، براثنه (١) في الأرض السابعة السفلى ، وعرفه مثنيّ ، تحت العرش ، له جناحان : جناح في المشرق ، وجناح في المغرب ، واحد من نار ، والآخر من ثلج ، فإذا حضر وقت الصلاة ، قام على براثنه ، ثم رفع عنقه من تحت العرش ، ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديوك في منازلكم ، فلا الذي من النار يذيب الثلج ، ولا الذي من الثلج يطفىء النار ، فينادي : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا سيد النبيّين ، وأن وصيه سيد الوصيين ، وأن الله سبوح قدّوس ، ربّ الملائكة والروح ـ قال ـ فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم ، فتجيبه عن قوله ، وهو قوله عزوجل : (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) من الديكة في الأرض» (٢).
٢ ـ قال الشيخ الطبرسي (رحمهالله تعالى) : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والملك : المقدور الواسع لمن يملك السياسة والتدبير. فملك السماوات والأرض ، لا يصح إلا الله وحده ، لأنه القادر على الأجسام ، لا يقدر على خلقها غيره. فالملك التام لا يصح إلّا له سبحانه. (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) أي : المرجع يوم القيامة (٣).
* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ
__________________
(١) البراثن جمع برثن : مخلب الطائر ، انظر «المعجم الوسيط : ج ١ ، ص ٤٦».
(٢) التوحيد : ص ٢٨٢ ، ح ١٠.
(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٥٩.
يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (٤٤) [سورة النور : ٤٣ ـ ٤٤]؟!
الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) : أي يثيره من الأرض (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) فإذا غلظ ، بعث الله ملكا من الرياح فيعصره ، فينزل منه الماء ، وهو قوله : (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي المطر (١).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «كان علي عليهالسلام يقوم في المطر أول ما تمطر ، حتى يبتلّ رأسه ولحيته وثيابه ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، الكنّ لكنّ. فقال : «إن هذا ماء قريب عهد بالعرش». ثم أنشأ يحدّث ، فقال : «إن تحت العرش بحرا فيه ماء ، ينبت أرزاق الحيوانات ، فإذ أراد الله (عزّ ذكره) أن ينبت لهم ما يشاء ، رحمة منه أوحى إليه ، فمطر ما شاء ، من سماء إلى سماء ، حتى يصير إلى سماء الدنيا ـ فيما أظنّ ـ فيلقيه إلى السّحاب والسّحاب بمنزلة الغربال ، ثم يوحي إلى الريح : أن اطحنيه ، وأذيبيه ذوبان الماء ، ثم انطلقي به إلى موضع كذا وكذا ، فأمطري عليهم عبابا ، وغير ذلك ، فتقطر عليهم على النحو الذي يأمرها به ، فليس من قطرة تقطر إلّا ومعها ملك ، حتى يضعها موضعها ، ولم تنزل من السّماء قطرة من مطر إلا بعدد معدود ، ووزن معلوم ، إلّا ما كان من يوم الطوفان على عهد نوح عليهالسلام ، فإنّه نزل ماء منهمر ، بلا وزن ولا عدد (٢).
وقال : أبو عبد الله عليهالسلام ، «قال لي أبي عليهالسلام ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله عزوجل جعل السحاب غرابيل المطر ، تذيب البرد ، حتى يصير ماء ، لكيلا يضر به شيئا يصيبه ، والذي ترون فيه من البرد والصّواعق ،
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٧.
(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٣٩ ، ح ٣٢٦.
نقمة من الله عزوجل ، يصيب بها من يشاء من عباده.
ثم قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تشيروا إلى المطر ، ولا إلى الهلال ، فإن الله يكره ذلك» (١).
٢ ـ قال الشيخ الطبرسيّ (رحمهالله تعالى) : (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي : يصرفهما في اختلافهما ، وتعاقبهما ، وإدخال أحدهما في الآخر (إِنَّ فِي ذلِكَ) التقليب (لَعِبْرَةً) أي : دلالة (لِأُولِي الْأَبْصارِ) أي : لذوي العقول ، والبصائر (٢).
* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤٦) [سورة النور : ٤٥ ـ ٤٦]؟!
الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) أي من مياه ، (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قال : على رجلين : الناس ، وعلى بطنه : الحيّات ، وعلى أربع : البهائم ، وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «ومنهم من يمشي على أكثر من ذلك» (٣).
ورواه أيضا الطبرسي في (مجمع البيان) عن أبي جعفر عليهالسلام ، مثله (٤).
__________________
(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٤٠ ، ذيل ح ٣٢٦ ، قرب الإسناد : ص ٣٥.
(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٦١.
(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٧.
(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٦٠
٢ ـ وقال الطبرسي في (مجمع البيان) في قوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) أي : دلالات واضحات بينات. (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : من جملة تلك الدواب. وعنى به المكلفين دون من ليس بمكلف والصراط المستقيم ، الإيمان ، لأنه يؤدي إلى الجنة. وقيل : إن المراد يهدي في الآخرة إلى طريق الجنة (١).
* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (٥٢) [سورة النور : ٤٧ ـ ٥٢]؟!
الجواب / قال أبو عبد الله عليهالسلام : «نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ، وعثمان ، وذلك أنه كان بينهما منازعة في حديقة ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : ترضى برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف له : لا تحاكمه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنه يحكم له عليك ، ولكن حاكمه إلى ابن شيبة اليهوديّ. فقال عثمان لأمير المؤمنين عليهالسلام : لا أرضى إلا بابن شيبة ، فقال ابن شيبة : تأتمنون رسول الله على وحي السّماء ، وتتّهمونه في الأحكام! فأنزل الله على رسوله : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) إلى قوله :
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٦١.
(أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، ثمّ ذكر الله أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) إلى قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)(١).
وقال أبو جعفر عليهالسلام ، في قول الله عزوجل : (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) إلى قوله تعالى : (مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ).
قال : «إنّما نزلت في رجل اشترى من عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أرضا ، ثمّ ندم ، وندّمه أصحابه ، فقال لعلي عليهالسلام : لا حاجة لي فيها. فقال له : قد اشتريت ورضيت ، فانطلق أخاصمك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال له أصحابه : لا تخاصمه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال : انطلق أخاصمك إلى أبي بكر ، وعمر ، أيّهما شئت ، كان بيني وبينك. قال عليّ عليهالسلام : لا والله ، ولكن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيني وبينك ، فلا أرضى بغيره. فأنزل الله عزوجل هذه الآيات : (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا) إلى قوله (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٢).
* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (٥٣) [سورة النور : ٥٣]؟!
الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمهالله تعالى) : ولما بين الله سبحانه كراهتهم لحكمه ، قالوا للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : والله لو أمرتنا بالخروج من ديارنا وأموالنا ، لفعلنا. فقال الله سبحانه : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) أي : حلفوا بالله أغلظ أيمانهم ، وقدر طاقتهم ، إنك إن أمرتنا بالخروج في
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٧.
(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٦٧ ، ح ١٩.
غزواتك لخرجنا. (قُلْ) لهم يا محمد (لا تُقْسِمُوا) أي : لا تحلفوا ، وتم الكلام.
(طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) أي : طاعة حسنة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، خالصة صادقة ، أفضل وأحسن من قسمكم بما لا تصدقون. فحذف خبر المبتدأ للعلم به ، وقيل : معناه ليكن منكم طاعة والقول المعروف هو المعروف صحته ـ [أقول : قال عبد الله بن عجلان : ذكرنا خروج القائم عليهالسلام عند أبي عبد الله عليهالسلام ، فقلت له : كيف لنا أن نعلم ذلك؟ فقال : «يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب : طاعة معروفة](١) ـ (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي : من طاعتكم بالقول ، ومخالفتكم بالفعل (٢).
* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :
(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٥٤) [سورة النور : ٥٤]؟!
الجواب / قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : في قول الله عزوجل : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ). قال : «من السّمع ، والطاعة ، والأمانة ، والصّبر (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) من العهود التي أخذها الله عليكم في عليّ عليهالسلام ، وما بيّن لكم في القرآن من فرض طاعته. وقوله تعالى : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) أي : وإن تطيعوا عليّا عليهالسلام تهتدوا (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) هكذا نزلت» (٣).
وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا
__________________
(١) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٦٥٤ ، ح ٢٢.
(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٦٥.
(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٨.
الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) قال : ما حمّل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من النبوّة ، وعليكم ما حمّلتم من الطاعة ، ثم خاطب الله الأئمة عليهمالسلام ، ووعدهم أن يستخلفهم في الأرض من بعد ظلمهم وغضبهم (١).
* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٥٥) [سورة النور : ٥٥]؟!
الجواب / قال الطّبرسيّ : اختلف في الآية ، وذكر الأقوال ، إلى أن قال : والمرويّ عن أهل البيت عليهمالسلام : أنّها في المهديّ من آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢).
ثمّ قال : وروى العيّاشيّ بإسناده عن علي بن الحسين عليهالسلام ، أنّه قرأ الآية وقال : «هم والله شيعتنا أهل البيت ، يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منّا ، وهو مهديّ هذه الأمّة ، وهو الذي قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد ، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي ، اسمه اسمي ، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا» (٣).
ثم قال الطّبرسيّ : وروي مثل ذلك عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله عليهالسلام (٤).
__________________
(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٦٨ ، ح ٢٠.
(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٣٩.
(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٣٩ ، وذيل الحديث في الفصول المهمة : ص ٢٩٤ ، ومنتخب كنز العمال : ج ٦ ، ص ٣٠ ..
(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٤٠.
وقال الطّبرسيّ : في حديث عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، يذكر فيه من تقدّم عليه ، فقال عليهالسلام : «مثل ما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمّة ، كلّ ذلك لتتمّ النّظرة التي أوجبها الله تبارك وتعالى لعدوّه إبليس إلى أن يبلغ الكتاب أجله ، ويحقّ القول على الكافرين ، ويقترب الوعد الحقّ الذي بيّنه الله في كتابه بقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، وذلك إذا لم يبق من الإسلام إلّا اسمه ، ومن القرآن إلّا رسمه ، وغاب صاحب الأمر بإيضاح العذر له في ذلك ، لاشتمال الفتنة على القلوب ، حتى يكون أقرب الناس إليه أشدّهم عداوة له ، وعند ذلك يؤيّده الله بجنود لم يروها ، ويظهر دين نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم على يديه على الدّين كله ، ولو كره المشركون» (١).
وقال ابن شهر آشوب : عن تفسيري أبي عبيدة ، وعلي بن حرب الطائيّ ، قال عبد الله بن مسعود : الخلفاء أربعة : آدم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(٢) وداود : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ)(٣) يعني بيت المقدس ، وهارون ، قال موسى : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)(٤) ، وعليّ عليهالسلام : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعني عليّا عليهالسلام (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ).
وقوله : (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) آدم وداود وهارون ، (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) يعني الإسلام ، (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) يعني أهل مكّة ، (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) بولاية عليّ بن أبي طالب ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) يعني العاصين لله ولرسوله.
__________________
(١) الاحتجاج : ص ٢٥٦.
(٢) البقرة : ٣٠.
(٣) ص : ٢٦.
(٤) الأعراف : ١٤٢.
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «من لم يقل إني رابع الخلفاء ، فعليه لعنة الله» ثمّ ذكر نحو هذا المعنى (١).
* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٥٧) [سورة النور : ٥٦ ـ ٥٧]؟!
الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمهالله تعالى) : ثم أمر سبحانه بإقامة أمور الدين ، فقال (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي قوموا بأدائها وإتمامها في أوقاتها. (وَآتُوا الزَّكاةَ) المفروضة ـ [أقول : وقال أبو جعفر عليهالسلام : «إنّ الله عزوجل قرن الزكاة بالصلاة ، فقال : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) فمن أقام الصلاة ، ولم يؤت الزكاة ، لم يقم الصلاة»](٢) ـ (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي : لترحموا جزاء على ذلك ، وتثابوا بالنعم الجزيلة. ثم قال : (لا تَحْسَبَنَ) يا محمد ، أو أيها السامع. (الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ) أي : سابقين فائتين (فِي الْأَرْضِ). يقال : طلبته فأعجزني أي : فاتني وسبقني أي : لا يفوتونني. ومن قرأ بالياء فمعناه : لا يظن الكافرون أنهم يفوتونني (وَمَأْواهُمُ النَّارُ) أي : مستقرهم ومصيرهم النار (وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي : بئس المستقر والمأوى. وإنما وصفها بذلك ، وإن كانت حكمة وصوابا من فعل الله تعالى ، لما ينال الصائر إليها من الشدائد والآلام (٣).
__________________
(١) المناقب : ج ٣ ، ص ٦٣.
(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٥٠٦ ، ح ٢٣.
(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٦٨.
* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٥٨) [سورة النور : ٥٨]؟!
الجواب / قال جراح المدائنيّ : قال أبو عبد الله عليهالسلام : «يستأذن الذين ملكت أيمانكم ، والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات ، كما أمركم الله عزوجل ، ومن بلغ الحلم فلا يلج على أمّه ، ولا على أخته ، ولا على خالته ، ولا على سوى ذلك إلّا بإذن ، فلا تأذنوا حتى يسلّم ، والسّلام طاعة لله عزوجل».
قال : وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «ليستأذن عليك خادمك إذا بلغ الحلم في ثلاث عورات ، إذا دخل في شيء منهنّ ، ولو كان بيته في بيتك ـ قال ـ وليستأذن عليك بعد العشاء التي تسمّى العتمة ، وحين تصبح ، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ، وإنّما أمر الله عزوجل بذلك للخلوة ، فإنّها ساعة غرّة وخلوة» (١).
وقال زرارة : قال أبو عبد الله عليهالسلام ، في قول الله عزوجل (الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ، قال : «هي خاصّة في الرجال دون النساء».
قلت : فالنساء يستأذنّ في هذه الثلاث ساعات؟ قال : «لا ، ولكن يدخلن ويخرجن».
__________________
(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٢٩ ، ح ١.
(وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) قال : «من أنفسكم ـ قال ـ عليكم استئذان كاستئذان من قد بلغ ، في هذه الثلاث ساعات» (١).
وقال الفضيل بن يسار ، لأبي عبد الله عليهالسلام ، في قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) : من هم؟
قال : «هم المملوكون من الرجال ، والنساء ، والصّبيان الذين لم يبلغوا ، يستأذنوا عليكم عند هذه الثلاث عورات : من بعد صلاة العشاء ، وهي العتمة ، وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ، ومن قبل صلاة الفجر ، ويدخل مملوككم وغلمانكم من بعد هذه الثلاث عورات بغير إذن ، إن شاءوا» (٢).
* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :
(وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٥٩) [سورة النور : ٥٩]؟!
الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمهالله تعالى) : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) يعني من الأحرار (فَلْيَسْتَأْذِنُوا) أي : في جميع الأوقات (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأحرار الكبار الذين أمروا بالاستئذان على كل حال في الدخول عليكم ، فالبالغ يستأذن في كل الأوقات ، والطفل والعبد يستأذن في العورات الثلاث. (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) أي : دلالاته على الأحكام. (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما يصلحكم (حَكِيمٌ) فيما يفعله ... (٣).
__________________
(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٢٩ ، ح ٢.
(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٣٠ وح ٤.
(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٧٠.