عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٢

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي

عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٢

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي


المحقق: الدكتور بهاء الدين دارتما
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار صادر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-13-157-0

الصفحات: ٣٣٤

ضوءهما تنتفعون به وجريانهما لأجل معرفة السنين والشهور والحساب ، يعني أنهما تجريان لأجلكم لا يفتران ، قال ابن عباس : «دورانهما في طاعة الله» (١)(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) [٣٣] أي يتعاقبان في الضياء والظلمة والزيادة والنقصان تستقرون بالليل للمنام والاستراحة ، وتتحركون بالنهار التماسا لمعاشكم وحوائجكم.

(وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤))

(وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) أي أعطاكم بعض جميع ما طلبتموه من الله بلسان الحال مصلحة لكم ، ف (مِنْ) للتبعيض و (ما) موصولة ، أضيف إليه (كُلِّ) ، ويجوز أن يكون نكرة بمعنى شيء مع إضمار شيء آخر ، تقديره : وآتاكم من كل شيء سألتموه شيئا ، فحذف الشيء الثاني اكتفاء بدلالة الكلام على التبعيض ، وقيل : هو على التكثير كما يقال فلان يعلم من كل شيء (٢)(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ) أي نعمة التي أنعمها عليكم (لا تُحْصُوها) أي لا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها على الإجمال لكثرتها ، وأعظم النعم إلهام المعرفة واستواء الخلقة من الإحصاء ، وهو وضع الحصاة في الحساب إذا بلغ عقدا (٣) ، وإستئناف العدد بعده حتى ينتهي الحساب ، يعني لا يوجد لها غاية فتوضع حصاة فيها أو المعنى : لا تقدروا على أداء شكرها (إِنَّ الْإِنْسانَ) أي الجنس (لَظَلُومٌ) أي يظلم على نفسه باغفال الشكر أو يشكر ويجزع (كَفَّارٌ) [٣٤] أي ستار لنعم ربه ، لأنه يجمع ويمنع وهو مأمور بعدم الجمع والمنع.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥))

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) أي اذكر وقت قوله (رَبِّ) أي يا خالقي ومالكي (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ) أي مكة (آمِناً) أي ذا أمن فيه من القتل والغارة وغيرهما من المخوف ، وعرف هنا ونكر في سورة البقرة (٤) ، لأن النكرة إذا أعيدت تعرفت بلام العهد ليعلم أن الثاني هو الأول بعينه (وَاجْنُبْنِي) أي أبعدني (وَ) أبعد (بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) [٣٥] أي من عبادة الأوثان وكانت أنصاب حجارة في البيت لكل قوم يعبدونها ، والدعاء في حق إبراهيم خليل الله لزيادة العصمة والتثبيت ودعاؤه في حق بنيه كذلك ، لأنه أراد بنيه من صلبه ولم يعبد أحد منهم الصنم ، فالمعنى : يا رب! ثبتنا وأدمنا على اجتناب عبادة الأصنام ، وفيه دليل أن المؤمن لا ينبغي له أن يأمن على إيمانه ، بل له أن يتضرع إلى الله ويسأل التثبيت على الإيمان وقتا فوقتا.

(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦))

ثم قال إبراهيم (رَبِّ إِنَّهُنَّ) أي الأصنام (أَضْلَلْنَ كَثِيراً) أي ضل بسببهن كثير (مِنَ النَّاسِ) عن طريق الهدى حتى عبدوهن فأعوذ بك لأن تعصمني وبني من ذلك (فَمَنْ تَبِعَنِي) بالإيمان بي (فَإِنَّهُ مِنِّي) أي من أهل ديني حنيفا مسلما (وَمَنْ عَصانِي) أي من لم يطعني بالتوحيد (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [٣٦] بأن توفقه ويتوب فيسلم وتغفر له ما سلف منه أو المعنى : ومن عصاني فيما دون الشرك ، وقيل : قال ذلك قبل أن يعلمه الله أنه لا يغفر الشرك (٥).

(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧))

ثم قال إبراهيم (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) أي بعض ذريتي ولدا وهو إسمعيل (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) أي بأرض مكة ، لأنها واد بين جبلين لم يكن لها ماء ولا حرث (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) وهو الكعبة ، وسمي محرما ، لأنه عظيم الحرمة ، لا يحل انتهاكها أو لأنه حرم على الطوفان أن يناله أو لأنه يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره من الاصطياد والقتال والدخول فيه بغير إحرام أو لأنه تعالى حرم التعرض له بسوء يوم خلق السموات والأرض.

__________________

(١) انظر البغوي ، ٣ / ٣٨٢.

(٢) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٣٨٢.

(٣) عقدا ، س م : عقد ، م.

(٤) انظر البقرة (٢) ، ١٢٦.

(٥) نقله المصنف عن البغوي ، ٣ / ٣٨٣.

٢٨١

قيل : إن سارة كانت زوجة إبراهيم عليه‌السلام وكانت لها جارية اسمها هاجر ، فوهبتها من إبراهيم ، فلما ولدت منه اسمعيل غارت سارة ، وحلفته أن يخرجهما من الشام فأخرجهما إلى أرض مكة ، ثم جاء بها وبابنها وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلا المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ووضع عندها جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم رجع إلى سارة فتبعته أم إسمعيل ، فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتركتنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا فلم يلتفت إليها ، فقالت : الله أمرك بهذا؟ قال نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا ، ثم رجعت إلى ابنها فانطلق إبراهيم حتى إذا كانت عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهذه الكلمات ورفع يديه فقال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ) إلى قوله (يَشْكُرُونَ) ، وجعلت أم إسمعيل ترضعه وتأكل التمر وتشرب الماء حتى إذا نفد التمر والماء وعطشت هي وابنها ، فجعل يتلبط فذهبت عنه كراهة أن تنظر إليه فصعدت الصفا تنظر لترى أحدا لم تر أحدا ، ثم نزل أسفل الوادي ورفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى أتت المروة وقامت عليها ونظرت لترى أحدا فلم تر أحدا ، فعلت ذلك سبع مرات ، فلذلك سعى الناس بينهما بعد الطواف سبع مرات ، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فاذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بجناحه حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه بيدها وتغرف من الماء في سقائها ، وهو تفور بعد ما تغرف ، قال النبي عليه‌السلام : «رحم الله أم رسمعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت عينا معينا» (١) ، فشربت وأرضعت ولدها ، فقال الملك : لا تخافوا الضيعة فان ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله (٢).

واللام في قوله (رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) يتعلق بقوله (أَسْكَنْتُ) ، أي ما أسكنت ذريتي عند بيتك المحرم إلا ليتموا فيه الصلوة ، وخصها بالذكر لأنها أفضل العبادات ، ثم قال (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) أي من أفئدة الناس ، ف (مِنْ) للتبعيض (تَهْوِي) أي تميل باشتياق وتسرع (إِلَيْهِمْ) أي إلى موضعهم الشريف ، قيل : «لو قال أفئدة الناس لزاحمتهم فارس والروم والترك والهند» (٣) أو «اليهود والنصارى والمجوس في الحج» (٤) ، فالمراد المسلمون خاصة (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) أي من الفواكه المختلفة مع سكانهم في هذا الوادي الخلاء من كل مرتفع بأن تجلب إلى مكة من البلاد ، وقيل : هي ما رزقت سكان القرى حولها ذوات الماء (٥)(لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [٣٧] أي لكي يشكروا فيما رزقتهم فاستجيب دعاؤه ، وجعله حرما آمنا تجبى إليه ثمرات كل شيء من البواكير (٦) المختلفة إلا زمانا الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد.

(رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨))

ثم قال إبراهيم (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي) من الوجد باسمعيل وهاجر والحب لهما (وَما نُعْلِنُ) عند سارة من الصبر عنهما أو ما جرى بيني وبين هاجر من قولها عند الوداع إلى من تكلنا وقولي في جوابها إلى الله وقولها عقيبه إذن لا يضيعنا الله (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [٣٨] أي من عمل أهلها فأنت أعلم بأحوالنا فلا حاجة إلى الدعاء والطلب ، وإنما ندعوك إظهارا للعبودية لك وتخشعا لجلالك وتذللا لعزتك ، فافعل بنا ما فيه مصلحتنا فهو كلام إبراهيم عليه‌السلام ، وقيل : هو كلام الله تعالى تصديقا لإبراهيم (٧) ، والأول أظهر لقوله بعده.

__________________

(١) أخرجه البخاري ، المساقاة ، ١٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٨٥.

(٢) لعله اختصره من البغوي ، ٣ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٢٢.

(٣) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٠٩ ؛ والبغوي ، ٣ / ٣٨٥.

(٤) عن سعيد بن جبير ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٠٩ ؛ والبغوي ، ٣ / ٣٨٥.

(٥) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٣٨٥.

(٦) البواكير ، ب س : الفواكه ، م.

(٧) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٢٠٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٨٥.

٢٨٢

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩))

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) في موضع الحال ، و (عَلَى) بمعنى مع ، أي والحال أني كبير السن ، وهو ابن تسع وتسعون سنة ، وإنما ذكر تلك الحالة ، لأن المنة بهبة الولد فيها أعظم ، إذ هو حال اليأس من الولادة ولذلك حمد الله على أن وهبه في ذلك السن (إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) وكان إسمعيل أكبر من إسحق بثلث عشرة سنة ، لأنه ولد وهو ابن مائة واثني عشر سنة (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) [٣٩] أي تقبله (١) من الداعي المخلص واعتد به من قولك سمع الملك كلام فلان إذا قبله واعتبره.

(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠))

(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) أي متمها بأركانها والمحافظ عليها (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) عطف على الياء في (اجْعَلْنِي) ، أي اجعل منهم من يقيمون الصلوة ويحافظونها ، و (مِنْ) فيه للتبعيض ، لأنه علم باعلام الله أنه يكون في ذريته كفار كما في قوله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٢)(رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) [٤٠] أي استجبه ولا ترده أو تقبل عبادتي ، سميت به لأن الدعاء مخ العبادة كما جاء في الحديث (٣).

(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١))

(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ) أي لأمي وأبي بشرط إسلامهما ، وقيل : أراد آدم وحواء (٤) ، قيل : إنه من مجوزات العقل وكان قبل أن ينهاه الله عن استغفار الكفار وقد بين الله عزوجل عذر خليله في استغفاره لأبيه (٥) في سورة التوبة (٦)(وَلِلْمُؤْمِنِينَ) أي واغفر لجميعهم (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) [٤١] أي يظهر ويثبت محاسبة الخلق أو يقوم أهل الحساب من القبور بتقدير المضاف ، لأن قيامه حق لا يخلف الله وعده.

(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣))

ثم نزل تسلية للمظلوم وتهديدا للظالم بقيام الساعة وظهور الجزاء والحساب (٧)(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ) بكسر السين وفتحها (٨) ، أي لا تظنن الله يا محمد (غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [٤٢] أي لا يخفى عليه أعمالهم وهو تثبيت للمخاطب وهو الرسول عليه‌السلام على ما كان عليه ، ويجوز أن يكون خطابا لغير النبي عليه‌السلام على العموم ، المعنى : ان الله رقيب عليهم ومحاسب بالنقير والقطمير ولو شاء لعجل عقوبتهم في الدنيا.

(إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ) بالنون وبالياء (٩) ، أي يمهلهم (لِيَوْمٍ) أي لأجل يوم (تَشْخَصُ) أي ترتفع وتزول (فِيهِ) أي في ذلك اليوم (الْأَبْصارُ) منهم عن أماكنها لهول ما ترى أو لا تغمض لذلك ، من شخص بصر فلان إذا فتح عينيه ولم يتحرك أجفانه لتغتمض عن الهيبة ، والمراد إدامة النظر إلى المرئي من الخوف (مُهْطِعِينَ) أي مسرعين إلى إجابة الداعي إلى النار ، وهو حال من (الْأَبْصارُ) بتقدير المضاف إليه في المعنى ، أي أبصارهم ، من أهطع البعير إذا أسرع في سيره ، ومعنى «الإسراع» أنهم لا يلتفتون يمينا ولا شمالا ولا يعرفون مواطئ أقدامهم (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) أي رافعيها ملتصقة بأعناقهم ، قيل : «المقنع الذي يرفع رأسه ويقبل ببصره على ما بين يديه مفتوحا» (١٠) ، وقال الحسن : «وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد» (١١) ، ولا يطرف جفنيه ،

__________________

(١) تقبله ، س م : يقبله ، ب.

(٢) البقرة (٢) ، ١٢٤.

(٣) رواه الترمذي ، الدعاء ، ١ (الدعاء مخ العبادة) ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٨٦.

(٤) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٣ / ١٢٤.

(٥) اختصره من البغوي ، ٣ / ٣٨٦ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٢٤.

(٦) انظر التوبة (٩) ، ١١٤.

(٧) عن ميمون بن مهران ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢١٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٨٧.

(٨) «ولا تحسبن» : فتح السين عاصم والشامي وحمزة وأبو جعفر وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ١٧٤.

(٩) لعله أخذ هذه القراءة عن السمرقندي ، ٢ / ٢١٠.

(١٠) عن القتيبي ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٨٧.

(١١) انظر البغوي ، ٣ / ٣٨٧.

٢٨٣

وهو معنى قوله (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) أي لا يرجع بصر الكفار إلى أنفسهم من شدة النظر ، فهي خاشعة قد شغلهم ما بين أيديهم (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) [٤٣] أي وقلوبهم خالية من كل خير كالهواء ما بين السماء والأرض ، ولذلك سمي ما بينهما هواء لخلوه ، وقيل : لا تعي شيئا ولا تعقل من الخوف (١) ، وقيل : «أفئدتهم مترددة في أجوافهم ليس لها مكان تستقر منه فيه» (٢).

(وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤))

ثم قال تعالى للنبي عليه‌السلام (وَأَنْذِرِ النَّاسَ) أي خوفهم (يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) نصب (٣) بأنه مفعول ثان ل (أَنْذِرِ) لا ظرف له ، وهو يوم القيامة (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي أشركوا وتجاوزوا الحد في ذلك اليوم (رَبَّنا أَخِّرْنا) أي أمهلنا (إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) لنرجع إلى الدنيا (نُجِبْ دَعْوَتَكَ) إلى الإسلام والعمل الصالح (وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) فيما جاؤنا به فعند ذلك يجابون توبيخا على إنكارهم البعث الاستفهام بأن يقال لهم (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ) أي حلفتم (مِنْ قَبْلُ) أي في دار الدنيا قبل هذا اليوم (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) [٤٤] عن الدنيا إلى الآخرة لعدم إيمانكم بها وهو قوله (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ)(٤).

(وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥))

(وَسَكَنْتُمْ) أي قررتم في الدنيا واطمأننتم بطيبة النفوس (فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالشرك والفساد كقوم نوح وعاد وثمود (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ) بالمشاهدة والإخبار (كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) أي عرفتم (٥) عقوبتنا إياهم (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) [٤٥] أي بينا مثلكم كمثلهم ، يعني وصفنا لكم ما فعلوا وما فعل بهم كفعلكم وما ينزل بكم من العقوبة كعقوبتهم ، وذلك في الغرابة كالمثل السائر بين الناس.

(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦))

(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) أي صنعوا صنيعهم العظيم وهو تكذيب الرسل قبلكم (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أي جزاء صنيعهم العظيم عنده محقق لا يخفى علمه عنه ، فيأتيهم به من حيث لا يشعرون (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ) بكسر اللام الأولى وهي لام كي ، وفتح الثانية ف (إِنْ) مخففة ، أي إنه كان مكرهم أو هي نافية ، ومعناه ما كان مكرهم لتزول (مِنْهُ الْجِبالُ) [٤٦] أي أمر محمد الذي هو ثابت كثبوت الجبال وبفتح الأولى ورفع الثانية ف (إِنْ) مخففة من الثقيلة واللام للتأكيد (٦) ، ومعناه أنه كان مكرهم وإن عظم حتى بلغ بمحل يزيل الجبال لم يقدروا على إزالة أمر محمد عليه‌السلام ، فالمراد بيان تعظيم مكرهم وتغليب أمر محمد عليه‌السلام على مكرهم بمحوه وقهرهم بنصر الله إياه عليهم.

(فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧))

قوله (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) فيه تقديم وتأخير ، وهو أن المفعول الثاني قدم على الأول للإعلام بأنه لا يخلف وعده أبدا في نزول العذاب بكفار مكة سواء عجلوا به أو لم يعجلوا ، يعني ليس من شأنه إخلاف الوعد ، فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وهو قوله (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا)(٧) ، تقديره : مخلف رسله وعده ، وإضافة (مُخْلِفَ) إلى ال «وعيد» من قبيل الاتساع (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) على أعدائه (ذُو انتِقامٍ) [٤٧] لأوليائه.

__________________

(١) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٣٨٧.

(٢) عن سعيد بن جبير ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٨٧.

(٣) نصب ، ب : أي به نصب ، س م.

(٤) النحل (١٦) ، ٣٨.

(٥) عرفتم ، ب س : عرفتهم ، م ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٨٨.

(٦) «لتزول» : قرأ الكسائي بفتح اللام الأولى ورفع الثانية ، والباقون بكسر الأولى ونصب الثانية. البدور الزاهرة ، ١٧٤.

(٧) غافر (٤٠) ، ٥١.

٢٨٤

(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨))

قوله (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) ظرف ل (انتِقامٍ) أو نصب باذكر مقدرة ، أي اذكر يا محمد يوم تغير الأرض (غَيْرَ الْأَرْضِ) أي بغيرها ، وهي أرض جديدة لم يكن عليها بنو آدم بيضاء نقية لم يعمل فيها بالفساد والمعاصي وتكون من فضة خالصة كالصحائف ، وقيل : «تبدل بخبزة بيضاء فيأكل المؤمنون من تحت أقدامهم حتى يفرغ عن الحساب» (١) ، قال عليه‌السلام : «تكون الأرض يومئذ خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة» (٢) ، وقيل : تبديلها تغييرها من هيئة إلى هيئة وهو تسيير جبالها وتسوية أوديتها وقطع أشجارها وجعلها قاعا صفصفا (٣)(وَالسَّماواتُ) أي وتبدل السموات بغيرها وهي سماء جديدة من هذب بلا شمس وقمر وسائر النيرات ، وقيل : تغيير حالها بتكوير شمسها وخسوف قمرها وانتشار نجومها وكونها مرة كالدهان ومرة كالمهل (٤) ، وانشقاقها وكونها أبوابا ومطوية كالسجل ، وقيل : جعلت الأرض نيرانا والسموات جنانا (٥) ، وسألت عائشة رسول الله عليه‌السلام أين يكون الناس «يوم تبدل الأرض غير الأرض»؟ قال عليه‌السلام : على الصراط» (٦) ، وقيل : سأله حبر من أحبار اليهود عن ذلك ، فقال عليه‌السلام : «هم في الظلمة دون الجسر» (٧)(وَبَرَزُوا) أي وخرجوا من قبورهم (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [٤٨] أي الغلاب على خلقه فيصعب الأمر عليهم في غاية الصعوبة والشدة ، لأن الملك إذا كان لواحد غلاب فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار.

(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩))

(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) أي المشركين من رؤية العين (يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ) أي مشدودين (فِي الْأَصْفادِ) [٤٩] أي في القيود ، جمع صفد وهو القيد ، حال من (الْمُجْرِمِينَ) ، يعني يقرن بعضهم مع بعض أو يقرنون مع شياطينهم ، وقيل : تشد أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال (٨).

(سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠))

(سَرابِيلُهُمْ) جمع سربال وهو القميص ، أي قمصهم (٩)(مِنْ قَطِرانٍ) وهو المائع الذي يطلى به الإبل الجرباء لتشفي من جربها ، لأنه يحرق الجرب بحره ، وفيه ثلاث لغات ، فتح القاف وكسرها مع سكون الطاء وفتحها مع كسر الطاء (١٠) ، قيل : تطلى به جلود الكفار فتصير قمصا (١١) لهم فيضطرم (١٢) عليهم نارا (١٣) ، لأن من شأنه أن يسرع به اشتعال النار (وَتَغْشى) أي تعلو (وُجُوهَهُمُ النَّارُ) [٥٠] وهم لا يمتنعون منها.

(لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١))

قوله (لِيَجْزِيَ) اللام فيه لام كي ، يتعلق بقوله (بَرَزُوا) ، أي ليعاقب (اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) من خير وشر (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [٥١] أي إذا حاسب ، فحسابه سريع.

__________________

(١) ذكر نحوه محمد بن كعب وسعيد بن جبير ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٩٠.

(٢) أخرجه البخاري ، الرقاق ، ٤٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٩٠.

(٣) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٣٩٠.

(٤) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٣٩٠.

(٥) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٣٩٠.

(٦) رواه مسلم ، المنافقين ، ٢٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢١١ ـ ٢١٢ ؛ والبغوي ، ٣ / ٣٩٠.

(٧) أخرجه مسلم ، الحيض ، ٣٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٩٠.

(٨) لعله اختصره من البغوي ، ٣ / ٣٩١.

(٩) قمصهم ، ب م : قميصهم ، س.

(١٠) أخذ المفسر هذه القراءة عن الكشاف ، ٣ / ١٢٦.

(١١) قمصا ، ب : قميصا ، س م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ١٢٦.

(١٢) فيضطرم ، س م : فتضطرم ، ب.

(١٣) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ١٢٦.

٢٨٥

(هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢))

(هذا) أي القرآن ، أي ما وصفه من قوله «ولا تَحْسَبَنَّ» إلى قوله (سَرِيعُ الْحِسابِ)(١)(بَلاغٌ) أي كفاية وعظة (لِلنَّاسِ) ليوعظوا (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) أي ليخوفوا بالقرآن عن الشرك والمعصية (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي ليعرفوا توحيده بالنظر الصحيح بسبب هذه الآيات (وَلِيَذَّكَّرَ) أي ليتعظ (أُولُوا الْأَلْبابِ) [٥٢] أي ذوو العقول الكاملة ، جمع لب ، وهو جوهر العقل السليم.

__________________

(١) أي ما وصفه من قوله ولا تحسبن إلى قوله سريع الحساب ، ب س : ـ م.

٢٨٦

سورة الحجر

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١))

(الر) أي أنا الله الرقيب على كل شيء (تِلْكَ) أي هذه (آياتُ الْكِتابِ) الكامل في كونه كتابا معجزا (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) [١] أي بين حلاله وحرامه ورشده ونصحه ، وتنكيره للتفخيم وعطفه على (الْكِتابِ) وإن كان هو لبيان كونه جامعا للكمال في بيان الحق من الباطل ، وقيل : المراد من (الْكِتابِ) التورية والإنجيل وبالقرآن ما أنزل على محمد عليه‌السلام (١) ، وقيل : الواو للقسم (٢).

(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢))

(رُبَما) بالتخفيف والتشديد (٣) ، و «رب» للتقليل يدخل على الاسم ومع ما يدخل على الفعل الماضي ، يقال رب رجل جاءني وربما جاءني رجل ، وهي كافة أو نكرة موصوفة ودخلت هنا على المستقبل ، وهو (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) لأن إخباره تعالى عن الآتي صدق فصار كالماضي في تحققه ، أي رب يوم أو حال يتمنى الكافرون (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) [٢] في الدنيا ، و (لَوْ) بمعنى «أن» المصدرية ، أي الإسلام وذلك إذا عاينوا يوم القيامة أو يوم الموت أو حال من أسلم عند دخوله (٤) الجنة أو وقت الشفاعة ، قال عليه‌السلام : «لا يزال الرب يرحم ويشفع إليه حتى يقول من كان من المسلمين فليدخل الجنة فيتمنون الإسلام» (٥) ، والمشهور أنه حين يخرج الله المسلمين من النار وأدخله الجنة فعند ذلك تمنى الكافر أنه كان مسلما في الدنيا ، عن موسي الأشعري عن النبي عليه‌السلام قال : «إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة ألستم مسلمين؟ قالوا : بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وأنتم معنا في النار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيغضب الله لهم بفضله ورحمته فيأمر بكل من كان من أهل القبلة في النار ، فيخرجون منها حينئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين» (٦) ، قيل : ربما للتقليل ، وهذا التمني يكثر من الكفار (٧) ، أجيب بأن شغلهم بالعذاب لا يفرغهم للندامة ، وإنما يخطر ذلك ببالهم أحيانا.

(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣))

ثم قال الله تعالى لنبيه عليه‌السلام (ذَرْهُمْ) أي اتركهم (يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) في الدنيا من لذاتها (وَيُلْهِهِمُ) أي يشغلهم (الْأَمَلُ) عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [٣] سوء صنيعهم إذا وردوا القيامة وذاقوا وبال كفرهم وعملهم القبيح ، وهذا تهديد عظيم لهم ولا شك أن التمتع بلذات الدنيا والركون إليها من

__________________

(١) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٣٩٢.

(٢) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.

(٣) «ربما» : قرأ المدنيان وعاصم بتخفيف الباء ، والباقون بتشديدها. البدور الزاهرة ، ١٧٥.

(٤) دخوله ، ب س : دخول ، م.

(٥) ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٦) انظر البغوي ، ٣ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣.

(٧) أخذه المصنف عن البغوي ، ٣ / ٣٩٣.

٢٨٧

أخلاق الهالكين ، ونسخت الآية بآية السيف (١).

(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥))

(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهلها (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [٤] الجملة صفة (قَرْيَةٍ) ، وتوسط الواو بين الموصوف والصفة لتأكيد لصوق الوصف به ، أي إلا لها أجل مكتوب في اللوح المحفوظ مبين لا يتقدم عليه ولا يأتيهم العذاب حتى يبلغوه ولا يتأخر عنه ، يوضحه (٢) قوله (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) المعلوم و (مِنْ) زائدة بعد النفي لتأكيد العموم (وَما يَسْتَأْخِرُونَ) [٥] عنه ، يعني الموت لا يتقدم ولا يتأخر أو المراد الأجل المضروب للعذاب.

(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦))

(وَقالُوا) أي كفار مكة استهزاء (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) أي القرآن بزعمك وأرادوا به محمدا عليه‌السلام (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [٦] أي لتقول قول المجانين بأن الله ينزل عليك القرآن.

(لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧))

(لَوْ ما) أي هلا (تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) شاهدين لك بالصدق على ما تقولوا (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [٧] أنك نبي مرسل وإن العذاب نازل بنا.

(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨))

ثم قال الله تعالى (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ) أي إلا (٣) بالوحي أو بالعذاب للكفار وقبض أرواحهم ، قرئ بالنون وتشديد الزاء معلوما ، وضم التاء وفتح الزاء بالتشديد مجهولا ، وبفتح التاء والزاء والتشديد ورفع الملائكة فاعلا له (٤)(وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) [٨] أي ولو نزلت الملائكة لم يكونوا مؤخرين طرفة عين بالإمهال وعذبوا في الحال ، فاذن جواب لهم وجزاء بشرط مقدر.

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩))

قوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) رد لإنكارهم واستهزائهم بالتأكيد في قولهم «يا أَيُّهَا الذين نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ» ، أي إنا منزلون على القطع الذكر بجبرائيل على محمد عليه‌السلام ، وأكد ذلك بقوله (وَإِنَّا لَهُ) أي للذكر وهو القرآن أو لمحمد (لَحافِظُونَ) [٩] من أن يزيد فيه الشيطان أو ينقص عنه ، فالله تعالى تولى (٥) حفظه من الزيادة والنقصان ومن التحريف والتبديل بخلاف الكتب المتقدمة ، فانه لم يتول حفظها ، بل استحفظها الربانيين والأحبار ، فلذلك وقع الاختلاف فيما بينهم ووقع التحريف والتبديل فيها أو نحن حافظون محمدا من سوء ونقص وشر الأعداء كقوله (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(٦).

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠))

ثم قال تسلية للنبي عليه‌السلام (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) أي ولقد يعثنا قبلك يا محمد أنبياء (فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) [١٠] أي في فرقهم وطوائفهم ، والشيعة هم القوم المجتمعة المتفقة كلمتهم.

__________________

(١) نقله عن البغوي ، ٣ / ٣٩٣ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٥٨ ؛ وابن الجوزي ، ٤١.

(٢) يوضحه ، س م : توضحه ، ب.

(٣) إلا ، م : ـ ب س.

(٤) «ما ننزل الملائكة» : قرأ حفص والأخوان وخلف بنونين الأولى مضمومة والثانية مفتوحة وكسر الزاي ونصب «الملائكة» ، وقرأ شعبة بتاء مضمومة ونون مفتوحة وزاي مفتوحة كذلك ورفع «الملائكة» ، وقرأ الباقون مثل شعبة ولكنهم يفتحون التاء وشدد البزي التاء وصلا وخففها الباقون. البدور الزاهرة ، ١٧٥.

(٥) تولى ، ب س : ـ م.

(٦) المائدة (٥) ، ٦٧.

٢٨٨

(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢))

(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ) أي بالرسول (يَسْتَهْزِؤُنَ) [١١] كما استهزؤا بك ، فاصبر كما صبروا وهو حكاية حال ماضية ، لأن «ما» النافية لا تدخل (١) على مضارع (٢) إلا وهو في معنى الحال ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال (كَذلِكَ) أي مثل ذلك السلك (نَسْلُكُهُ) أي ندخل الذكر للتكذيب أو الكفر (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) [١٢] أي مشركي قومك ، فان كان الضمير ل (الذِّكْرَ) ، فالمعنى : أنه نلقيه (٣) في قلوبهم مكذبا مستهزء به غير مقبول ، وإن كان ل «الكفر» كان المعنى : أنه ندخل (٤) في قلوبهم حلاوة الكفر إلى الموت للعذاب المؤبد.

(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣))

(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) حال المجرمين ، أي لا يصدقون بالذكر أو بمحمد أو بالعذاب (وَقَدْ خَلَتْ) أي مضت (سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) [١٣] أي طريقهم التي سنها الله تعالى في إهلاكهم حين كذبوا رسلهم ، وفيه تهديد لأهل مكة.

(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤))

(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ) أي على الذين يقولون لو ما تأتينا بالملائكة (باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا) أي فصارت الملائكة (فِيهِ) أي في ذلك الباب (يَعْرُجُونَ) [١٤] أي يصعدون وينزلون منه نهارا ويرى هؤلاء الكفار صعودهم ونزولهم عيانا ، وقيل : الضمير في (فَظَلُّوا) لهؤلاء الكفار (٥) ، أي هم صاروا يصعدون ، والأول أصح عند المفسرين.

(لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥))

(لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ) مخففا ومثقلا (٦) ، أي أخذت أو حيرت ، أي سدت (أَبْصارُنا) يعني منعت أعيننا عن إدراكهم (بَلْ) لقالوا (نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [١٥] أي سحرنا محمد فما رأيناه خيال لا حقيقة له لشدة غلوهم في العناد.

(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦))

ثم قال إظهارا للقوة الباهرة ليعتبروا فيؤمنوا (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) أي نجوما كبارا من برج الشيء إذا ظهر أو المراد منازل الشمس والقمر وهي اثنا عشر برجا ، الحمل والثور والجزاء والسرطان والأسد والسنبل والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت أو قصور (٧) في السماء عليها الحرس (وَزَيَّنَّاها) أي السماء بالنجوم (لِلنَّاظِرِينَ) [١٦] أي لمن نظر إليها واعتبر.

(وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧))

(وَحَفِظْناها) أي السماء بالنجوم (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) [١٧] أي مرجوم بالشهب أو مطرود من رحمة الله.

(إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨))

قوله (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) في محل النصب على الاستثناء المنقطع ، أي لكن من اختلس (٨) السمع خلسة أو في محل الجر بدلا من «كل شيطان» أو في محل الرفع على الابتداء ، و «من» شرط فلذا دخلت الفاء السببية في قوله (فَأَتْبَعَهُ) أي فلحقه (شِهابٌ مُبِينٌ) [١٨] أي نجم مضيء ظاهر للمبصرين متوقد محرق بناره ، والشهاب في اللغة كل أبيض مضيء ، وقيل : هو شعلة من النار (٩).

__________________

(١) لا تدخل ، ب : لا يدخل ، س م.

(٢) مضارع ، ب م : المضارع ، س.

(٣) نلقيه ، م : يلقيه ، ب س.

(٤) ندخل ، م : يدخل ، ب س.

(٥) اختصره من البغوي ، ٣ / ٣٩٤.

(٦) «سكرت» : خفف الكاف المكي وشددها غيره ورقق ورش الراء. البدور الزاهرة ، ١٧٥.

(٧) قصور ، ب س : القصور ، م.

(٨) اختلس ، ب م : أخلس ، س.

(٩) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٣٩٥.

٢٨٩

قال ابن عباس : «إن الشياطين يركب بعضهم بعضا إلى السماء الدنيا ، يسترقون السمع من الملائكة الذين يتكلمون بما هو كائن في الأرض ، فيرمونهم بالكواكب فلا يخطئ أبدا ، فمنهم من يقتله ومنهم من يحرق وجهه أو يده أو جنبه أو حيث شاء الله ومنهم من يخبله فيصير غولا يضل الناس في البوادي» (١) ، قيل : إن النجوم ينقض من مكانه ويرمي الشيطان بلهبه ثم يعود إلى مكانه (٢) ، وقيل : يرميه بلهبه وهو يقعد في مكانه (٣) ، وعن ابن عباس : «كانت الشياطين لا يحجبون عن السموات ، وكانوا يدخلونها ويأتون بأخبارها فيلقون إلى الكهنة فيكذبون مائة كذبة من عند أنفسهم ، فلما ولد عيسي عليه‌السلام منعوا من ثلث سموات ، فلما ولد محمد عليه‌السلام منعوا من السموات أجمع ، فلما منعوا منها ذكروا ذلك لإبليس فقال لقد حدث في الأرض حدث ، فبعثهم فوجدوا رسول الله يقرأ القرآن ، فقالوا هذا والله حدث» (٤) ، قال معمر قلت للزهري : «أكان يرمي بالنجوم في الجاهلية؟ قال : نعم ، أفرأيتم قوله (أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ)(٥) الآية؟ قال : لكن غلظ وشدد أمرها حين بعث محمد عليه‌السلام» (٦).

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩))

قوله (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) عطف على قوله (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) ، أي الأرض بسطناها على وجه الماء ، قيل : إنها مسيرة خمسمائة عام في مثلها دحيت من تحت الكعبة (٧)(وَأَلْقَيْنا) أي خلقنا وطرحنا (فِيها) أي عليها (رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت كي لا يتحرك وقد كانت الأرض تميل إلى أن أرساها الله بالجبال (وَأَنْبَتْنا فِيها) أي في الأرض (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) [١٩] أي مقدر معلوم بميزان الحكمة لا تصلح فيها زيادة ولا نقصان من الحبوب وغيرها ، وقيل : ما يوزن من الجواهر كالذهب والفضة والحديد وغيرها حتى الكحل والزرنيخ كل ذلك يوزن وزنا (٨) ، وقيل : المراد كل ما يوزن ويقدر نعمة ومنفعة من الأشياء (٩).

(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠))

(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) بالياء الصريحة دون الهمزة ، جمع معيشة بخلاف الشمائل والخبائث ، فان تصريح الياء فيهما خطأ ، والصواب الهمزة ، أي المطاعم والمشارب والملابس ، قوله (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) [٢٠] عطف على (مَعايِشَ) ، أي وجعلنا فيها الذي لستم تعطون رزقه من الدواب والأنعام ، ف (مَنْ) بمعنى ما أو المراد العبيد والنساء والصبيان والدواب ف (مَنْ) في موضعها ، المعنى : ان الله هو رزاق كل مرزوق فلا تعتقدوا أنكم ترزقون أحدا.

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١))

ثم بين ذلك بقوله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) في الأرض والهواء مما يحتاج إلى الرزق (إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) أي مفاتيح رزقه وهي المطر أو ضرب الخزائن مثلا لاقتداره وتصرفه على كل مقدور ، أي ما من شيء إلا وقدرتنا محيطة به ونحن المتصرفون فيه (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [٢١] أي ما ننزل المطر على الأرض إلا بوزن معين عندنا محسوب على قدر المصلحة أو ما نوجده مع كثرته واقتدارنا عليه إلا بحد مقدر وحساب معلوم لنا.

قيل : ما تنزل من السماء قطرة إلا ومعها ملك يسوقها حيث يريد الله تعالى (١٠) ، قال ابن عباس : «كانت الخزان تعلمه إلا يوم الطوفان ، فان الماء الذي به أغرق الله قوم نوح طغى عليهم وكثر بقدرته وإرادته فلم

__________________

(١) انظر البغوي ، ٣ / ٣٩٥.

(٢) نقله عن البغوي ، ٣ / ٣٩٧.

(٣) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.

(٤) انظر البغوي ، ٣ / ٣٩٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢١٦ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٢٩.

(٥) الجن (٧٢) ، ٩.

(٦) انظر البغوي ، ٣ / ٣٩٧.

(٧) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٣٩٧.

(٨) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٣٩٧.

(٩) اختصره المفسر من الكشاف ، ٣ / ١٣٠.

(١٠) وهذا منقول عن البغوي ، ٣ / ٣٩٨.

٢٩٠

يحفظوه وقد خرج يومئذ ما يخرج أربعين يوما» (١).

(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢))

(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ) مفردا على تأويل الجنس وجمعا (٢)(لَواقِحَ) أي حوامل ، لأنها تحمل الماء إلى السحاب ، جمع لاحقة وهي ناقة تحمل الولد أو اللواقح بمعنى الملقحات ، يعني يرسل الله الريح فتلقح السحاب ، أي تجعلها ذات حبل كالفحل تلقح الأنثى ، ثم تمر به فتدر كما تدر اللقحة ، ثم تمطر ، قيل : «لا تقطر قطرة من السماء إلا بالرياح الأربعة ، فالصبا تهيجه والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه» (٣) ، قيل : استعمال الريح للشر والرياح للخير (٤) ، قال ابن عباس : «ما هبت ريح قط إلا جثا النبي عليه‌السلام على ركبتيه وقال : اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» (٥) ، أي شرا (٦) ، والحديث محمول على الغالب ، لأنه قد جاء في القرآن الريح بمعنى الخير كما في قوله (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ)(٧) ، (فَأَنْزَلْنا) بارسالها (٨)(مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) أي جعلنا المطر لكم سقيا تسربونه ، يقال : سقي وأسقى بمعنى واحد ، وقيل : سقيت الرجل ماء إذا أعطاه ليشرب واسقيته إذا أعطاه لشرب أرضه أو ماشيته (وَما أَنْتُمْ لَهُ) أي للمطر (بِخازِنِينَ) [٢٢] أي بحافظين في خزائنكم بل نحن الخازنون الحافظون في خزائننا فنتصرف فيه إذا نشاء.

(وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣))

(وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) أي نحيي الأرض بالمطر أيام الربيع ونميتها أيام الخريف أو نحيي للبعث ونميت في الدنيا ، فلا يبقى حي سوانا (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) [٢٣] أي المالكون أو الباقون بعد فناء الخلق.

(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤))

قوله (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ) أي الأموات (مِنْكُمْ) أي من يتقدم في صف الصلوة أو صف القتال (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) [٢٤] أي الأحياء ومن يستحيي (٩) منكم أو من يتأخر في صف الصلوة أو صف القتال أو المستقدمون هم القرون الأولى ، والمستأخرون أمة محمد عليه‌السلام أو السابقون في الطاعة والخير والمبطئون عن ذلك أو الأولون هم المصلون في أول الوقت والآخرون هم المصلون في آخره أو الأولون والآخرون في الإسلام إشارة إلى أن الله عزوجل عالم بالكليات والجزئيات من الموجودات كلها.

قيل : نزلت الآية حين كانت امرأة حسناء تصلي خلف النبي عليه‌السلام ، وكان بعض الناس يتقدم الصف الأول لكي لا يراها ويتأخر بعضهم عنه لكي يراها عند الركوع من تحت إبطه (١٠).

(وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥))

(وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) أي هو يجمعهم يوم القيامة على ما علم منهم فيجازي كلا بعمله (إِنَّهُ حَكِيمٌ) حيث حكم بحشر الأولين والآخرين للجزاء والحساب (عَلِيمٌ) [٢٥] أي واسع العلم حيث يعلم حصرهم مع إفراط كثرتهم وحصر جميع أعمالهم مع تباعد أطراف أعدادها ، قال النبي عليه‌السلام : «من مات على شيء بعث الله عليه» (١١).

__________________

(١) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢١٧.

(٢) «الرياح» : قرأ حمزة باسكان الياء وحذف الألف بعدها علي التوحيد ، والباقون بفتح الياء وإثبات الألف بعدها علي الجمع. البدور الزاهرة ، ١٧٥.

(٣) عن أبي بكر بن عياش ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٩٨.

(٤) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.

(٥) انظر البغوي ، ٣ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.

(٦) أي شرا ، س م : ـ ب.

(٧) يونس (١٠) ، ٢٢.

(٨) بارسالها ، ب س : بارسالنا ، م.

(٩) يستحيي ، م : سيحيي ، ب س.

(١٠) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢١٧ ؛ والواحدي ، ٢٣٢.

(١١) رواه أحمد بن حنبل ، ٣ / ٣١٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٠٠.

٢٩١

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦))

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) أي آدم (مِنْ صَلْصالٍ) أي من طين مصوت من صل إذا صوت من اليبس عن نقره ، وقيل : «الصلصال هو الطين الذي إذا نضب عنه الماء تشقق وإذا حر تقعقع» (١) ، وقيل : «هو الطين المنتن» (٢) ، من صل اللحم إذا أنتن وفسد ، قوله (مِنْ حَمَإٍ) محله جر صفة (صَلْصالٍ) ، جمع حمأة وهو الطين الأسود (مَسْنُونٍ) [٢٦] أي متغير الرائحة أو ما أتته السنون أو مصور أو مصبوب مفرغ من سننت الماء إذا صببته ، يعني مفرغ من الطين الإنسان كما يفرغ النحاس من الجواهر في صورة إناء وغيره ، روي : أن الله تعالى خمر طينة آدم وتركه حتى صار متغيرا أسود ثم خلق منه آدم عليه‌السلام (٣).

(وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧))

(وَالْجَانَّ) وهو أبو الجن كما أن آدم أبو البشر ، وقيل : هو إبليس أبو الشياطين (٤)(خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي قبل آدم (مِنْ نارِ السَّمُومِ) [٢٧] وهي ريح حارة فيها نار تدخل مسام الإنسان فتقتله ، وقيل : هي نار بين السماء والحجاب ، فاذا أحدث الله أمرا أخرقت الحجاب فهوت إلى ما أمرت والصوت الذي تسمعون خرق ذلك الحجاب ، والصاعقة منها (٥) ، قيل : الجن فيهم مسلمون وكافرون ويحيون ويموتون ويتوالدون ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين وأما الشياطين فليس فيهم مسلمون ويموتون إذا مات إبليس (٦) ، وروي : «أن إبليس من حي من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم وخلق الجن الذين ذكروا في القرآن (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ)(٧) ، «وأما الملائكة فهم خلقوا من النور» (٨) ، وقيل من نفس إسرافيل (٩).

(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩))

(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) أي اذكر وقت قول ربك (لِلْمَلائِكَةِ) أي ملائكة الأرض الذين هم مع إبليس سكان الأرض (إِنِّي خالِقٌ) أي سأخلق (بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [٢٨] فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أي أتممت خلقته وهيأتها لنفخ الروح فيه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) أي أحييته وليس ثمه نفخ ، لأنه محال على الله ، بل هو تمثيل لإلقاء حيوة في شيء ليحيى ، والروح جسم لطيف يحيى به الإنسان ، وأضافه إلى نفسه تشريفا لآدم (فَقَعُوا) أمر ، من الوقوع ، أي فخروا (لَهُ) أي لآدم (ساجِدِينَ) [٢٩] سجدة تحية لا سجدة عبادة وهي لله تعالى.

(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١))

(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ) الذين أمروا بالسجود (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [٣٠] ذكر كلاهما تأكيدا ، لأن من المحتمل أنه سجد بعضهم فذكر كلهم ، ومن المحتمل أنهم سجدوا متفرقين في أوقات مختلفة فدفع ذلك بذكر (أَجْمَعُونَ) ، قيل : «إن الله قال لجماعة من الملائكة لم يكن إبليس معهم اسجدوا لآدم ، فلم يفعلوا فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم قال لجماعة أخرى فيهم إبليس : اسجدوا لآدم» (١٠) ، فسجد الملائكة (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) أي امتنع عن (أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [٣١] تعظيما واستكبارا عن السجود لآدم مع الملائكة.

(قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢))

(قالَ) الله تعالى (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ) أي أي داع لك إلى (أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [٣٢] أي مع الملائكة في

__________________

(١) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠٠.

(٢) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠٠.

(٣) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٠٠.

(٤) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤٠٠.

(٥) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٤٠١.

(٦) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٠٠.

(٧) الرحمن (٥٣٠) ، ١٥.

(٨) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠١.

(٩) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.

(١٠) عن عكرمة وابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠٢.

٢٩٢

السجود الذي أمرتكم به.

(قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣))

(قالَ) إبليس (لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) واللام فيه للتأكيد ، أي لا يصح مني (١) ويستحيل أن أسجد (لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ) أي من طين متقعقع (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [٣٣] أي أسود متغير ، يعني منتن لأني أفضل منه ولا يصح أن يسجد الفاضل المفضول.

(قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤))

(قالَ) تعالى (فَاخْرُجْ مِنْها) أي من الجنة أو من صورة الملك أو من السماء (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) [٣٤] أي طريد من رحمتي أو شيطان يرجم بالشهاب كالشياطين.

(وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥))

(وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) أي دعاء اللعنة في السماء والأرض والمذمة من غير أن تعذب (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) [٣٥] أي يوم الحساب والجزاء ثم تعذب فيه.

(قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦))

(قالَ) إبليس (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) أي أمهلني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [٣٦] أي يخرج الخلق من قبورهم أراد أن لا يموت أبدا.

(قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨))

(قالَ) تعالى (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [٣٧](إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [٣٨] أي الوقت الذي يموت فيه الخلائق وهو النفخة الأولى أمهله ليكون زيادة في شقائه (٢) ، قيل : إن مدة موت إبليس أربعون سنة وهو ما بين النفختين (٣).

(قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠))

(قالَ) إبليس يا (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) الباء للقسم و «ما» مصدرية ، أي أقسم بإغوائك إياي ، يعني بما أضللتني أو خيبتني من رحمتك أو للسببية ، يتعلق بفعل القسم المحذوف ، أي بسبب بإغوائك إياي أقسم ، وجواب القسم (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) حب الدنيا والمعاصي (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ) أي ولأضلنهم (أَجْمَعِينَ) [٣٩](إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [٤٠] بكسر اللام ، أي المؤمنين الذين أخلصوا لك الطاعة مع الإيمان ، وبفتح اللام (٤) ، أي الذين أخلصتهم بتوحيدك واصطفيتهم بهدايتك ، وإنما استثناهم الخبيث ، لأن كيده لا يضرهم.

(قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١))

(قالَ) تعالى (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) [٤١] أي هذا التوحيد والإسلام سبيل إلي ، مستقيم لا عوج فيه ، فمن سلكه بالإخلاص لا يضل عنه أو على واجب استقامته وأن أراعيه وأراعي من سلكه مخلصا.

(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢))

(إِنَّ عِبادِي) الذين أطاعوني (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أي قوة وحجة على إغوائهم أو ليس لك تسلط عليهم ، لأن توقعهم في ذنب يضيق عفوي عنه إن تابوا بعد ارتكابه بالشهوة البشرية (إِلَّا) على (مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [٤٢] أي أطاعك باختيار سبيلك وكفر بي وبسبيلي لغوايته.

__________________

(١) مني ، س م : ـ ب.

(٢) شقائه ، ب س : شقاوته ، م.

(٣) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٠٢.

(٤) «المخلصين» : فتح اللام المدنيان والكوفيون ، وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ١٧٥.

٢٩٣

(وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣))

(وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ) الضمير يرجع إلى (الْغاوِينَ) ، أي لمصير إبليس ومن تبعه (أَجْمَعِينَ) [٤٣] حال من الضمير المجرور في (لَمَوْعِدُهُمْ) ، والعامل فيه معنى الإضافة.

(لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤))

(لَها) أي لجهنم (سَبْعَةُ أَبْوابٍ) أي أطباق ، بعضها فوق بعض (لِكُلِّ بابٍ) أي لكل طبقة (مِنْهُمْ) أي من إبليس وأتباعه (جُزْءٌ مَقْسُومٌ) [٤٤] أي قوم مخصوصون يسكنونها ، وهي جهنم ولظى والحطمة والسعير وسقر والجحيم والهاوية على هذا الترتيب ، فأعلاها للموحدين العاصين بعمل الكبائر يعذبون فيها بقدر ذنوبهم ثم يخرجون ، والثانية للنصارى والثالثة لليهود والرابعة للصائبين والخامسة للمجوس والسادسة لأهل الشرك والسابعة للمنافقين.

قال علي رضي الله عنه : «أتدرون كيف أبواب النار هكذا ، ووضع إحدى يديه على الأخرى ، يعني سبعة أبواب بعضها فوق بعض ، وقال : إن الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها على بعض» (١).

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦))

ثم بين منازل المؤمنين المطيعين فقال (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) أي الخائفين بالتوبة من الشرك والمعصية (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [٤٥] أي في بساتين ذات فواكه وأنهار جارية عذبة ، يقال لهم (ادْخُلُوها) أي الجنة (بِسَلامٍ) أي بسلامة من العذاب ومن كل مخوف ، وهو نصب على الحال بمعنى سالمين أو مسلما عليكم بسلام الملائكة (آمِنِينَ) [٤٦] من الموت والخروج والآفات ، حال أخرى (٢) أو بدل من «بسلام».

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧))

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) أي حقد أو حسد أو عداوة كانت بينهم في الدنيا ، يعني أن أهل الجنة لا يتحاسدون فيها على المنازل والكرامات لزوال الغش عن قلوبهم ، بل يتحابون (إِخْواناً) حال من «هم» المضاف إليه (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) [٤٧] حال أخرى ، أي كائنين متحدثين في مقابلة بعضهم بعضا ، لا ينظر أحد منهم إلى قفا صاحبه لدوران الأسرة بهم ، قيل : إن المؤمن في الجنة إذا أراد أن يلقي أخاه المؤمن سار سرير كل واحد منهما إلى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان (٣).

(لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨))

(لا يَمَسُّهُمْ) حال من ضمير متقابلين ، أي لا يصيبهم (٤)(فِيها) أي في الجنة (نَصَبٌ) أي تعب ومشقة (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) [٤٨] هذا أظهر آية في القرآن على الخلود في الجنة. د

(نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩))

ثم قال الله تعالى لنبيه عليه‌السلام بعد إتمامه ذكر الوعد والوعيد تقريرا لما ذكره وتمكينا له في النفوس (نَبِّئْ عِبادِي) أي أخبرهم (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [٤٩] لمن تاب من الناس ، نزل حين خرج النبي عليه‌السلام على أصحابه وهم يضحكون ، فقال : أتضحكون وبين أيديهم النار؟ فجاء جبرائيل فقال : يقول لك ربك يا محمد لم تقنط عبادي؟ فاني غفور لذنوبهم رحيم بهم (٥).

__________________

(١) انظر البغوي ، ٣ / ٤٠٣.

(٢) أخرى ، ب س : ـ م.

(٣) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤٠٤.

(٤) لا يصيبهم ، س م : لا يصبهم ، ب.

(٥) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٤٠٥ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٣٣.

٢٩٤

(وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠))

(وَ) أخبرهم أيضا (أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) [٥٠] لمن لم يتب ، قال عليه‌السلام : «لو علم العبد قدر رحمة الله لما تورع من حرام ، ولو علم قدر عذابه لبخع نفسه» (١) ، أي لأهلكها في طاعة الله.

(وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢))

ثم قال تحريضا على التبشير ومنعا عن الإقناط وتخويفا لهم مما أحل من العذاب من سخط الله بقوم مجرمين بالعطف على «نَبِّئْ عِبادِي» (وَنَبِّئْهُمْ) أي أخبر عبادي (عَنْ) خبر (ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) [٥١] أي أضيافه ، والضيف اسم يدل على القليل والكثير والذكر والأنثى وهم الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى ليبشروا إبراهيم بالولد ، وليهلكوا قوم لوط لإصرارهم على الكفر وفعلهم الخبيث ، وأبدل من «ضَيْفِ إِبْراهِيمَ» (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) أي على إبراهيم (فَقالُوا سَلاماً) أي فسلموا عليه سلاما ، فرد عليهم‌السلام وأضافهم ولم يأكلوا طعامه فأنكرهم لامتناعهم من الأكل ودخولهم عليه بغير إذن فثمه (قالَ) إبراهيم (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) [٥٢] أي خائفون.

(قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣))

(قالُوا لا تَوْجَلْ) أي لا تخف منا وبشروه فقالوا تعليلا للنهي عن الوجل (إِنَّا نُبَشِّرُكَ) بالتشديد معلوما من التبشير ، وبالتخفيف معلوما من البشر ، كلاهما بنون التكلم (٢)(بِغُلامٍ عَلِيمٍ) [٥٣] في صغره وهو إسحق ، فعجب إبراهيم من كبره وكبر زوجته مع بشراهم.

(قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤))

(قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي) بالولد (عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) أي على حال كبرى (فَبِمَ) أصله فبما ، وهو «ما» الاستفهامية دخلها معنى التعجب ، أي فبأي أعجوبة (تُبَشِّرُونَ) [٥٤] بكسر النون مع التخفيف والتشديد ، وبفتح النون مع التخفيف (٣) ، يعني أتبشروني بما هو أمر عجيب مستنكر مع الكبر هو (٤) غير متصور في العادة.

(قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥))

(قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ) أي بالصدق وهو وعد الله الذي هو الحق (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) [٥٥] أي الآيسين من الولد في حال الكبر.

(قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦))

(قالَ) إبراهيم (وَمَنْ يَقْنَطُ) بكسر النون وفتحها (٥) ، أي ومن ييأس (مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ) أي من نعمته (إِلَّا الضَّالُّونَ) [٥٦] أي الخاسرون عن الهدى ، يعني قال لا أنكر ذلك ولكن استبعده عادة.

(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧))

(قالَ) إبراهيم لهم (فَما خَطْبُكُمْ) أي ما قصدكم من مجيئكم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) [٥٧] من الله.

(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩))

(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) [٥٨] لإهلاكهم بسبب تفريطهم في كفرهم وهم قوم لوط ، قال إبراهيم :

__________________

(١) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٢١ ؛ والبغوي ، ٣ / ٤٠٥. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٢) «نبشرك» : قرأ حمزة بفتح النون وإسكان الباء وضم الشين مخففة ، والباقون بضم النون وفتح الباء وكسر الشين مشددة. البدور الزاهرة ، ١٧٦.

(٣) «تبشرون» : قرأ نافع بكسر النون مخففة وابن كثير بكسرها مشددة ، والباقون بفتحها مخففة ، ولا يخفى أن لابن كثير المد المشبع للساكنين في الحالين. البدور الزاهرة ، ١٧٦.

(٤) هو ، س م : ـ ب.

(٥) «يقنط» : كسر النون البصريان وخلف العاشر والكسائي ، وفتحها غيرهم. البدور الزاهرة ، ١٧٦.

٢٩٥

أتهلكونهم وفيهم لوط؟ قالوا (إِلَّا آلَ لُوطٍ) استثناء متصل ، أي إنهم مخرجون من حكم الإرسال وهم أتباعه وأهل دينه أو منقطع بمعنى لكن ، والخبر قوله (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) [٥٩] بالتخفيف والتشديد (١) ، أي لكن آل لوط منجون ، وعلى الأول استئناف ، كأن إبراهيم قال لهم : فما حال آل لوط؟ فقالوا : إنا لمنجوهم.

(إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠))

قوله (إِلَّا امْرَأَتَهُ) استثناء من ضمير (لَمُنَجُّوهُمْ) فيتعلق به ، أي سوى امرأة لوط (قَدَّرْنا) بالتخفيف والتشديد (٢) ، وأسندوا التقدير إلى أنفسهم وهو لله تعالى لاختصاصهم به وقربهم منه ، أي قضينا (إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) [٦٠] أي الباقين في العذاب الذين لم يستثنوا منه ، والاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ، فاستثنى امرأة لوط من الناجين المستثنين من الهلاك فكانت ملحقة بالهالكين.

(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣))

(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ) [٦١] أي الملائكة (قالَ) لوط (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [٦٢] أي لم نقركم وننفر منكم لعلكم جئتمونا بشر (قالُوا) ما جئناك بما تنكرنا لأجله (بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) [٦٣] أي بشيء يشك قومك أنه نازل بهم عند إخبارك إياهم بنزول العذاب عليهم ، وفيه سرورك وتشفيك من عدوك.

(وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤))

(وَأَتَيْناكَ) أي جئناك (بِالْحَقِّ) أي باليقين من عذابهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [٦٤] في قولنا إن العذاب نازل بهم.

(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥))

(فَأَسْرِ) بقطع الهمزة وبالوصل (٣) ، من أسرى وسرى ، أي سر (بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي اذهب بهم في آخر الليل ، ثم أمرهم باتباع أدبارهم مع نهيهم عن الالتفات لئلا يشتغل قلبه بمن خلفه ، ويكون مطلعا عليهم ويحفظهم عما يصيب أعداءهم في تلك الحال الهولة المحذورة بقوله (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي سر خلفهم (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) أي لا يتخلف أحد من أهلك لغرض له فيصيب العذاب إذا نزل بقومهم (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) [٦٥] عدي (امْضُوا) إلى (حَيْثُ) كتعديته إلى الظرف المبهم ، لأن (حَيْثُ) مبهم في الأمكنة ، قيل : إنهم أمروا إلى الشام (٤) مدينة زعر (٥) ، وقيل : إلى الأردن (٦) ، وقيل : إلى مصر (٧).

(وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦))

ثم قال الله تعالى (وَقَضَيْنا) أي أخبرنا أو حكمنا بالوحي (إِلَيْهِ) أي إلى لوط (ذلِكَ الْأَمْرَ) أي الأمر الذي أمرنا في قوم لوط ، ثم فسر ذلك الأمر بعد الإبهام تفخيما له بقوله (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ) أي آخرهم (٨)(مَقْطُوعٌ) أي مستأصل حتى لا يبقى منهم أحد (مُصْبِحِينَ) [٦٦] أي داخلين في الصباح.

(وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧))

(وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) أي سدوم ، وهي قرية قوم لوط بالدال غير (٩) المعجمة (يَسْتَبْشِرُونَ) [٦٧] أي يبشر بعضهم

__________________

(١) «لمنجوهم» : قرأ الأخوان وخلف ويعقوب بالتخفيف ، والباقون بالتشديد. البدور الزاهرة ، ١٧٦.

(٢) «قدرنا» : خفف الدال شعبة وشددها سواه. البدور الزاهرة ، ١٧٦.

(٣) «فأسر» : قرأ المدنيان والمكي بهمزة وصل فتسقط في الدرج وحينئذ يصير النطق بالسين الساكنة بعد الفاء ، والباقون بهمزة قطع مفتوحة. البدور الزاهرة ، ١٧٧.

(٤) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠٧.

(٥) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٠٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٢٢.

(٦) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٠٧.

(٧) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٣ / ١٣٥.

(٨) أي آخرهم ، ب م : ـ س.

(٩) غير ، ب س : الغير ، م.

٢٩٦

بعضا بأضياف لوط في ارتكاب الفاحشة منهم.

(قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨))

(قالَ) لوط لقومه (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي) وحق على الرجل إكرام ضيفه (فَلا تَفْضَحُونِ) [٦٨] بفضيحتهم.

(وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩))

(وَاتَّقُوا اللهَ) أي اخشوا عقابه (وَلا تُخْزُونِ) [٦٩] أي ولا تخجلوني أو لا تذلوني في ضيفي.

(قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠))

(قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) [٧٠] أي عن أن تضيف أحدا من الغرباء وتدفع عنهم من التعرض بهم.

(قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢))

(قالَ هؤُلاءِ بَناتِي) أي بنات قومي أزوجكم (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) [٧١] أي إن فعلتم ما أقول لكم ، وفيه شك لهم في قبولهم بذكر (إِنْ) ، قيل : إن كل نبي أمته أولاده ، رجالهم بنوه ونساؤهم بناته (١) ، قالت الملائكة للوط عليه‌السلام أو قال الله تعالى يا محمد (لَعَمْرُكَ) أي وحيوتك قسم مبتدأ ، خبره محذوف ، تقديره : لعمرك قسمي (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) أي حيرتهم وضلالتهم (يَعْمَهُونَ) [٧٢] أي يترددون ، فالمراد منهم أهل مكة ، لأنهم يسمعون هذه العجائب ولا ينفعهم سماعهم بها ، وهم عن جهالتهم بين الخطأ الذي هم عليه وبين الصواب الذي تشير به (٢) عليهم يتحيرون فلا يقبلون منك ، قيل : «ما خلق الله نفسا أكرم عليه من محمد عليه‌السلام وما أقسم بحيوة أحد إلا بحيوته كرامة له» (٣) ، والعمر بالفتح والعمر بالضم واحد إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف فيه ، لأن الحلف كثير الدور في ألسنتهم ، ولذلك حذفوا الخبر.

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣))

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) أي صيحة جبرائيل (مُشْرِقِينَ) [٧٣] أي داخلين في الشروق وهو الطلوع ، يعني حين أضاءت الشمس ، قيل : كان ابتداء العذاب حين أصبحوا وانتهاؤه حين أشرقوا (٤).

(فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤))

(فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) الضمير فيهما للقرى ، لأن جبرائيل قلع الأرضين بهم ورفعها على جناحه إلى السماء ثم أهوى بها نحو الأرض ثم صاح بهم صيحة شديدة فأهلكوا (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) [٧٤] أي على شذاذهم من طين مطبوخ مكتوب عليه اسم من يرمى به.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦))

(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إهلاك قوم لوط (لَآياتٍ) أي لعبرات (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) [٧٥] أي للمتفرسين العارفين حقيقة سمة الشيء إذا نظروا فيه أو الناظرين نظر عبرة ، قال عليه‌السلام : «اتقوا فراسة المؤمن ، فانه ينظر بنور الله» (٥) ، ثم قرأ هذه الآية وهو نور اطلاع الله على القلب المزكى (وَإِنَّها) أي قرى قوم لوط بعد هلاكها (لَبِسَبِيلٍ) أي لفي طريق (مُقِيمٍ) [٧٦] أي ثابت معلوم ليس بخفي ولا زائل فاعتبروا واتعظوا بآثارهم يا أهل مكة إذا ذهبتم إلى الشام.

__________________

(١) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ١٣٦.

(٢) تشير به ، ب س : يشتريه ، م.

(٣) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ؛ والبغوي ، ٣ / ٤٠٨.

(٤) نقله عن البغوي ، ٣ / ٤٠٨.

(٥) أخرجه الترمذي ، تفسير القرآن ، ١٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٢٣.

٢٩٧

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧))

(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في هلاكهم (لَآيَةً) أي لعبرة (لِلْمُؤْمِنِينَ) [٧٧] أي للمصدقين.

(وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (٧٨))

ثم قال (وَإِنْ كانَ) أي وقد كان (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) أي الغيضة وهي شجر مجتمع ملتف في واد ، وهم قوم شعيب عليه‌السلام (لَظالِمِينَ) [٧٨] لأنه دعاهم إلى الحق فأبوا فصاروا كافرين به ، واللام للتأكيد.

(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩))

(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) بالعذاب ، روي : أن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام فبعث الله سحابة فالتجؤا إليها استطلالا بها ، فأنزل عليهم منها نارا فأحرقتهم (١) ، وهو عذاب يوم الظلة (وَإِنَّهُما) أي مدينة قوم لوط والأيكة أو الأيكة ومدين ، لأن شعيبا أرسل إليهما معا فذكروا إحديهما دل على ذكر الأخرى ، والباء بمعنى «في» في قوله (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) [٧٩] أي لفي طريق واضح يؤتم به ويستدل على المقصد.

(وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠))

(وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) [٨٠] وهم قوم صالح كذبوا صالحا وحده فكأنهم كذبوا جميع المرسلين أو المراد صالح ومن معه من المؤمنين ، والحجر واد بين المدينة والشام من أرض ثمود.

(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١))

(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا) وهي الناقة وولدها والبئر أو المراد الناقة وحدها ، وفيها آيات كثيرة من خروجها من الصخرة وكبرها على سائر الحيوانات وقرب ولادتها مثلها وكثرة لبنها وأكلها وشربها (فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) [٨١] أي بها مكذبين.

(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢))

(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) [٨٢] من الخراب ووقوع الجبل عليهم وثقب اللصوص وشر الأعداء وحوادث الدهر لوثاقة البيوت فعقروا الناقة وقسموا لحمها.

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤))

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) أي صيحة جبرائيل (مُصْبِحِينَ) [٨٣] أي داخلين في الصبح (فَما أَغْنى) أي ما نفع (عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [٨٤] من الكفر والمعاصي أو من عددهم وعددهم وتشييد حصونهم. عن جابر مررنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الحجر فقال لنا : «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبهم مثل ما أصاب هؤلاء» (٢).

(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥))

(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) أي إلا ملابسا بالصدق وهو الحكمة لا بالبعث والباطل ، يعني لينظروا إليها ويعتبروا فيؤمنوا بك يا محمد (٣) وهم يكذبونك (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) أي لكائنة لا محالة لننتقم لك فيها من أعدائك (فَاصْفَحِ) أي أعرض عنهم واحتمل أذاهم (الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [٨٥] أي الإعراض الحسن وهو كونه بلا حقد وجزع منك ، نسخ بآية السيف (٤).

__________________

(١) أخذه المصنف عن البغوي ، ٣ / ٤٠٨.

(٢) رواه مسلم ، الزهد ، ٣٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤٠٩.

(٣) يا محمد ، س : ـ ب م.

(٤) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٠٩ ؛ وانظر أيضا النحاس ، ١٧٩ ؛ وهبة الله بن سلامة ، ٥٨ ؛ وابن الجوزي ، ٤١.

٢٩٨

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦))

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ) أي البليغ الخلق والإيجاد من العدم (الْعَلِيمُ) [٨٦] بحال ما يخلقه ويوجده ممن يؤمن ومن لا يؤمن ، فيعلم بحالك وحالهم ، ويعلم متى قيام الساعة فيحكم بينكم بالعدل والإنصاف فيها.

(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧))

قوله (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) إلى آخره ، نزل متصلا بما قبله لنهي النبي عليه‌السلام عن الرغبة في الدنيا بعد الأمر بالإعراض عن أهلها ، لأن الله تعالى أغناه بالقرآن والسبع المثاني ، أي ولقد أعطيناك مكان نعم الدنيا سبع آيات من المثاني ، جمع مثناة أو مثنية وهي الفاتحة ، فانها سبع آيات بالإجماع وسميت مثاني ، لأنها تثنى في الصلوة ، أي تقرأ في كل ركعة ، ف (مِنَ) للبيان أو لاشتمالها على الثناء على الله ، ف (مِنَ) فيه تبعيض ، وقيل : «لأنها نزلت مرتين ، مرة بمكة ومرة بالمدينة ، كل مرة معها سبعون ألف ملك» (١) ، وقيل : «لأن الله استثناها وادخرها لهذه الأمة» (٢) ، وقيل : «السبع المثاني هي السبع الطول ، أولها البقرة وآخرها الأنفال مع التوبة» (٣) ، لأنهما في حكم سورة واحدة ، ولذلك لم يفصل بينهما بالبسملة (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) [٨٧] عطف على (سَبْعاً) ، وليس فيه عطف الشيء على نفسه ، لأنه لما عني بالسبع الفاتحة أو السبع الطول فما وراءها يطلق عليه اسم القرآن ، لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل ، فكأن القرآن غيرها فحسن العطف ، قال عليه‌السلام : «أم القرآن هي السبع المثاني» (٤) ، والقرآن العظيم سائر القرآن أو السبع المثاني كل القرآن ، والمراد منه سبعة أسباع القرآن ، فالعطف بقوله (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) للبيان ، فالمعنى : آتيناك ما هو موصوف بهذين الوصفين الشريفين فلا ترغب في غيره بقلبك.

(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨))

(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي لا تنظرن بعين الرغبة والميل (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ) أي الذي أعطيناه في الدنيا (أَزْواجاً) أي أصنافا من المال (مِنْهُمْ) أي بعض الكفار متمنيا لها ، ف (أَزْواجاً) حال من الضمير في (بِهِ) ، والفعل واقع على (مِنْهُمْ) ، ويجوز أن يقع الفعل على (أَزْواجاً) ، و «من» للبيان ، أي أصنافا من الكفرة (٥)(وَلا تَحْزَنْ) أي لا تغتم (عَلَيْهِمْ) إن لم يؤمنوا أو على نعمهم التي في أيديهم بفوت مشاركتك إياهم في دنياهم ، فانها متاع قليل حقير في جنب القرآن العظيم ، فعليك أن تستغني به ، قال عليه‌السلام : «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» (٦) ، أي لم يستغن به من مال الدنيا أو لا تحزن عليهم إن نزل بهم العذاب (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [٨٨] أي لين جانبك لهم وارفق بهم ، والجناحان من ابن آدم جانباه.

(وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠))

(وَقُلْ) لأهل مكة (إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) [٨٩] أي المخوف لكم بالقرآن الذي هو برهان بين بلغة تعرفونها أن العذاب نازل بكم إن لم تؤمنوا (كَما أَنْزَلْنا) العذاب (عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) [٩٠] الكاف صفة مصدر محذوف بفعل الأمر يدل عليه (أَنَا النَّذِيرُ) ، أي أنذرهم إنذارا مثل ما أنزلنا من العذاب على أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين اقتسموا ما يقرؤون من كتبهم ، فان اليهود أقرت ببعض التورية وكذبت ببعض ، وكذا النصارى في

__________________

(١) عن الحسين بن الفضل ، انظر البغوي ، ٣ / ٤١٠.

(٢) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٤١٠.

(٣) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٤١٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٢٤.

(٤) أخرج الدارمي نحوه ، الصلوة ، ١٧٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤١٠.

(٥) فأزواجا حال من الضمير في به والفعل واقع ... على أزواجا ومن للبيان أي أصنافا من الكفرة ، ب س : ـ م.

(٦) رواه البخاري ، التوحيد ، ٤٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤١٢.

٢٩٩

الإنجيل ، ويجوز أن يكون الكاف متعلقا ب (آتَيْناكَ) بمعنى أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على المقتسمين ، يعني شرفناك بالقرآن كما شرفناك بانزالنا العذاب على المقتسمين فيكون هذا تسلية للنبي عليه‌السلام عن صنع قومه بالقرآن حيث آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، ويكون توسط (لا تَمُدَّنَّ) إلى آخره بينهما مددا لهذه التسلية بالنهي عن الالتفات إلى دنياهم وبالأمر بالإقبال على المؤمنين وقيل : المقتسمون هم الذين اقتسموا القرآن (١) ، قال بعضهم : سحر (٢) ، وقال بعضهم : شعر (٣) ، وقال بعضهم : كذب (٤) ، وقيل : المقتسمون المشركون الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم يثبطون الناس عن اتباع النبي عليه‌السلام والإيمان به ، ويذكرون عندهم مساويه (٥).

(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١))

ثم وصفهم بالصفة الكاشفة بقوله (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ) المنزل على الرسول عليه‌السلام (عِضِينَ) [٩١] جمع عضة ، أصلها عضوة من عضيت الشاة إذا جعلتها أعضاء ، أي أجزاء ، ومنه العضو ، لأن البعض قال : القرآن شعر (٦) ، وبعض قال : سحر (٧) ، وبعض كهانة (٨) ، وبعض أساطير الأولين (٩) ، ففرقوا القول فيه.

(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣))

قوله (فَوَ رَبِّكَ) إقسام بنفسه تعالى سخطا عليهم (لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [٩٢] سؤال توبيخ يوم القيامة (عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [٩٣] في الدنيا ، والقول أيضا من العمل ، قيل : «لا يسألهم هل عملتم ، لأنه تعالى أعلم به منهم ، بل يقول لم عملتم كذا» (١٠) «سؤال تقريع وتوبيخ لا سؤال استعلاء» (١١).

(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤))

(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي أظهر وبين بالبيان الشافي الذي تؤمر به من الشرائع والأحكام بالقرآن الموحى إليك ليتميز الحق عن غير الحق ، وأصل الصدع الشق في الشيء الصلب كالزجاج وغيره ، استعير لكمال كشف الحق بالحجة القطعية (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [٩٤] أي اتركهم حتى يأتيك أمر الله بالقتال ، وهذا نسخ بآية السيف (١٢) ، قيل : «كان رسول الله عليه‌السلام مستخفيا الوحي ، لا يظهر منه شيئا قبل نزول (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ، ثم خرج هو وأصحابه لإظهار الدعوة بالقرآن» (١٣).

(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥))

روي : أن جماعة من المشركين كانوا بمكة يستهزؤون النبي عليه‌السلام حين أظهرها ويؤذونه كثيرا فنزل تسلية له عليه‌السلام (١٤)(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [٩٥] بك وبالقرآن ، فان بعضهم كان يقول سورة العنكبوت لي وبعضهم سورة النحل لي.

(الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦))

قوله (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ) أي بعتقدون (مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي الأصنام وغيرها ، مبتدأ ، خبره (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [٩٦] ما يفعل بهم من العذاب ، وهم خمسة نفر من رؤساء قريش فأهلك الله تعالى في يوم واحد وليلة واحدة جميعهم ، كل واحد منهم بنوع من العذاب قبل بدر وهو وعيد لسائر الكفار.

__________________

(١) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤١٢.

(٢) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤١٢.

(٣) وهذا مأخوذ عن البغوي ، ٣ / ٤١٢.

(٤) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٤١٢.

(٥) لعل المصنف اختصره من الكشاف ، ٣ / ١٣٩.

(٦) عن قتادة ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٢٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤١٢.

(٧) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٢٢٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٤١٣.

(٨) وهذا مأخوذ عن البغوي ، ٣ / ٤١٣.

(٩) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٤١٣.

(١٠) عن قطرب ، انظر البغوي ، ٣ / ٤١٣.

(١١) عن قطرب ، انظر البغوي ، ٣ / ٤١٣.

(١٢) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤١٣.

(١٣) عن عبد الله بن عبيدة ، انظر البغوي ، ٣ / ٤١٣.

(١٤) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها.

٣٠٠