الصبي بالصيام؟ فقال : فيما بين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، فان هو صام قبل ذلك فدعه ، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك وتركته (١).
فقول الشهيد الثاني رحمهالله في شرح الشرائع : ويعتبر اكمال السنة الخامس عشرة ، فلا يكفي الطعن فيها ، عملا بالاستصحاب وفتوى الاصحاب ، ولنا رواية اخرى ان الاحكام تجري على الصبيان في ثلاث عشرة سنة وأربع عشرة سنة وان لم يحتلم ، وليس فيها تصريح بالبلوغ مع عدم صحة سندها.
محل نظر ، أما السند ، فقد عرفت صحته. وأما التصريح بالبلوغ ، فان ايجاب الصيام واجراء جميع الاحكام لا يتصور بدونه.
ويظهر من كلام شارح الرسالة الجعفرية ، حيث قال : ويتحقق البلوغ في الذكر باكمال خمس عشرة سنة على الاصح ، لا بدخول الخامس عشرة ، كما ذهب اليه المتأخرون أن جميعهم ذهبوا اليه.
وبالجملة لا دليل في الحقيقة على ما هو المشهور من اكمال الخامس عشرة ، فان الاخبار الدالة عليه ضعيفة ولا اجماع هنا ، والاصل والاستصحاب وفتوى بعض الاصحاب بعد ورود النص الصحيح صريح في اكمال ثلاث عشرة سنة ، والدخول في الاربع عشرة لا عبرة بها.
وتتفرع على هذا الخلاف فروع لا تحصى :
منها : أن من استطاع بعد اكمال ثلاث عشرة سنة والدخول في الاربع عشرة وحج في هذا السن ، لا يجب عليه الحج بعد ذلك خلافا للمشهور.
ومنها : أنه اذا مات في هذا السن يجب أن يصلي عليه صلاة البالغين ، ولا يجوز أن يقول في الدعاء : اللهم اجعله لابويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا ، لانه مختص
__________________
(١) فروع الكافى ٤ / ١٢٥ ، ح ٢.
بالاطفال ، وهذا ليس منهم.
ومنها : أنه اذا بلغ هذا السن وأونس منه الرشد ، دفع اليه أمواله ، الى غير ذلك كما أشار اليه الامام عليهالسلام في الحديث السابق ذكره بقوله « وجاز له كل شيء » الا أن يكون ضعيفا ، أي : في عقله.
واعلم أن الذكر والانثى مشتركان في العلامتين الاوليين ، وهما خروج المني من الموضع المعتاد ، ونبات الشعر الخشن على العانة. وأما السن في الانثى ، ففيه أيضا خلاف لاختلاف الروايات ، ففي رواية عمار السابقة أنه ثلاث عشرة سنة وروي أنه يحصل بعشرة سنين. وذهب العامة الى أن بلوغها بالسن لا يحصل الا بخمس عشرة سنة ، وانما اختلفوا فيما زاد.
وفي أكثر الروايات الواردة في طريقنا أنه انما يحصل باكمال تسع سنين ، وهو الاقوى وعليه الفتوى.
ويؤيده ما دل على عدم جواز الدخول بها قبل التسع وجوازه بعده ، مع عدم معارض صحيح.
والقول بأن أصالة عدم التكليف والبلوغ يقتضي استصحاب الحال السابق الى أن يعلم المزيل ، وهو بلوغ خمس عشرة سنة ان لم يحصل قبله أمر آخر ، مجاب بما سبق أن الاصل انما يصار اليه اذا لم يقم على خلافه دليل ، وهنا قد قام.
بل قيل : يفهم من التذكرة أن بلوغها ببلوغ التسع اجماعي عندنا ، فلا عبرة بخلاف المخالفين وشواذ أصحابنا.
وبما قررناه يعلم حال الخنثى ، لانه ان كان انثى فبلوغه بالسن ، هو اكمال التسع والدخول في العاشرة.
وان كان ذكرا ، فباكمال ثلاث عشرة سنة والدخول في الاربع عشر ، وكذا اذا كان مشكلا.
واذا خرج منيه من فرجيه أو حاض من فرج وأمنى من فرج آخر فهو بالغ ، وكذا اذا خرج منيه من فرج الذكر ، أو حيضه من فرج الانثى ، لان الاول يدل على كونه ذكرا بالغا ، كما يدل الثاني على كونه انثى كذلك.
وتم الاستنساخ والتصحيح في (٢٧) رجب المبارك (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.
سلسلة آثار المحقق الخاجوئى (٥٩) |
|
رسالة
فى من أدرك الامام فى أثناء الصلاة
للعلّامة المحقّق العارف
محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندرانى الخاجوئي
المتوفّى سنة ١١٧٣ ه ق
تحقيق
السّيّد مهدى الرّجائي
بسم الله الرّحمن الرّحيم
في الفقيه والتهذيب والاستبصار عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن زرارة ـ فالسند الصحيح ـ عن أبي جعفر عليهالسلام قال : اذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف امام يحتسب بالصلاة خلفه ، جعل أول ما أدرك أول صلاته ، ان أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء الركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الامام في نفسه بام الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته ام الكتاب.
فاذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لان الصلاة انما يقرأ فيها في الاولتين في كل ركعة بام الكتاب وسورة ، وفي الاخيرتين لا يقرأ فيهما ، انما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة.
فان أدرك ركعة قرأ فيها خلف الامام ، فاذا سلم الامام قام فقرأ ام الكتاب وسورة ، ثم قعد فتشهد ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة (١).
وفي الكافي عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٣ / ٤٥ ، الاستبصار ١ / ٤٣٦ ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٩٣.
عبد الرحمن بن الحجاج ـ فالسند صحيح ـ قال : سألت ابا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الامام وهي له الاولى ، كيف يصنع اذا جلس الامام؟
قال : يتجافى ولا يتمكن من القعود ، فاذا كانت الثالثة للامام وهي له الثانية ، فليلبث قليلا اذا قام الامام بقدر ما يتشهد ، ثم يلحق الامام.
قال وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الاخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال : اقرأ فيهما فانهما لك الاولتان ، ولا تجعل أول صلاتك آخرها (١).
أقول : من أدرك الامام وهو في الركوع ، فقد أدرك ركعة على المشهور ولا قراءة له فيها ، وهو ما كان حاضرا وقت قراءة الامام ، وكذا لو أدركه في أثناء الثالثة أو الرابعة وفي آخر جزء منهما قبيل الركوع ، فقد أدرك ركعة بطريق أولى ولا يمكنه قراءة الفاتحة تامة فضلا عن قراءة السورة ، لوجوب المتابعة.
ومن هنا يعلم أن صحة صلاته غير متوقفة على قراءته فيما يقرأ فيه ، ولا حضوره وقت قراءة الامام ، وذلك أن الامام ضامن للقراءة مطلقا ، أدركه المأموم وقت القراءة أم لم يدركه.
كما يفيده ظاهر موثق سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه سأله رجل عن القراءة خلف الامام ، فقال : ان الامام ضامن للقراءة ، وليس يضمن الامام صلاة الذين خلفه ، انما يضمن القراءة ، كذا في الاستبصار (٢) ، وقريب منه ما في الفقيه (٣).
فصحيحتا زرارة وابن الحجاج المتضمنتان لقراءة المأموم خلف الامام اذا
__________________
(١) فروع الكافى ٣ / ٣٨١ ، ح ١.
(٢) الاستبصار ١ / ٤٤٠ ، ح ٣.
(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٤٠٦.
أدركه في الاخيرتين : اما محمولتان على الاستحباب ، أو شاذتان غير معمول بهما ، كما سنشير اليه إن شاء الله العزيز.
فان قلت : لم لا يخصص ما دل على عدم وجوب القراءة على المأموم بغير هذه الصورة الدالة عليها الصحيحتان؟
قلت : لان في التخصيص يلزم ارتكاب خلاف الاصل والظاهر ، بخلاف ما اذا حملناهما على الاستحباب ، فانه لا يضر بعموم ما تضمن سقوط القراءة عن المأموم مطلقا.
فاعتراض صاحب المدارك على العلامة لما حمل الامر في الصحيحتين على الندب ، لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم ، بأن ما تضمن سقوط القراءة باطلاقه لا ينافي هذين الخبرين المفصلين ، لوجوب حمل الاطلاق عليهما.
مدفوع ، لان تقييد المطلق هو خلاف الاصل ، والظاهر انما يصار اليه اذا دعت داعية اليه ولا داعي هنا ، لامكان حملهما على الندب الغير المنافي لاطلاق غيرهما وعمومه.
ولعل هذا مراد الفاضل الاردبيلي رحمهالله في شرحه على الارشاد ، بعد أن أجاب عن الصحيحتين بأنهما تدلان على وجوب السورة أيضا مع عدم القول به ، كما يفهم من الشرح ، وعلى الوجوب في غير الصورة التي نقل الوجوب فيها في ركعة فقط.
بقوله : مع أنه يجب الجمع بينهما وبين ما دل على السقوط عن المأموم فيحمل على الندب ، وان كان يقتضي القاعدة الاصولية تقييد العموم (١) بغير هذه الصورة ، ولكن هذا الجمع أولى ، لضعف دليل الوجوب مع الندرة.
قال : وأيضا قد يكون المقصود في الثانية النفي عن التسبيح في الاولتين
__________________
(١) الاولى تخصيص العموم ، كما أشرنا اليه « منه ».
والقراءة في الاخيرتين ، كما يشعر به قوله « فلا تجعل أول صلاتك آخرها » لان ذلك معناه ، كأنه يقول : ان تقرأ فاقرأ في الاولتين ، لا أن تتركها فيهما ، وتقرأ في الاخيرتين وتقلب صوتك.
وبالجملة الاستحباب في موضع النص غير بعيد ، كما اختاره العلامة في المنتهى ، وتدل عليه رواية أحمد بن النضر عن رجل عن أبي جعفر عليهالسلام قال قال لي : أي شيء يقول هؤلاء في الرجل اذا فاتته مع الامام ركعتان؟ قال يقولون : يقرأ في الركعتين بالحمد والسورة ، فقال : هذا يقلب صوته فيجعل أولها آخرها فقلت : كيف يصنع؟ قال : يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة (١).
قال رحمهالله : يمكن أن يريد بكل ركعة انفرد عن الامام ، فيكون قراءتهما مستحبة كما مر (٢).
فان قلت : فما تقول في قول بعض فقهائنا بوجوب قراءة المأموم خلف الامام اذا أدركه في الاخيرتين ، واستدلاله عليه بقوله لئلا تخلو الصلاة عن قراءة ، اذ هو مخير في التسبيح في الاخيرتين.
قلت : فيه نظر من وجوه :
أما أولا ، فلان خلو صلاة المأموم عن قراءته مما لا محذور فيه ولا مانع منه ، بل هو كذلك بالنسبة الى من أدرك أول الصلاة فضلا عن غيره.
وأما قوله عليهالسلام « لا صلاة الا بفاتحة الكتاب » فانما هو في صلاة الانفراد وبالنظر الى القادر عليها لا في الجماعة ، مع أن قراءة الامام لما كانت قائمة مقام قراءة المأموم صدق أن صلاته أيضا مقرونة بقراءة الفاتحة ، فالحديث على عمومه ، فتأمل.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٣ / ٤٦ ، ح ٧٢.
(٢) مجمع الفائدة ٣ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨.
وروى سليمان بن خالد في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قلت له : أيقرأ الرجل في الاولى والعصر خلف الامام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال : لا ينبغي ان يقرأ يكله الى الامام (١).
وفيه دلالة على مرجوحية قراءة المأموم خلف الامام في الركعتين الاخيرتين من الصلاة ، لان عدم علمه بقراءته انما يتصور فيهما ، لاحتمال أن يكون مسبحا ، لا في الأوليين باعتبار كون الصلاة اخفاتية ، أو بعده منه وعدم سماعه قراءته (٢) لذلك ، كما يوهمه ظاهر السياق.
لان العلم بقراءته فيهما لعدالته المعتبرة فيه المانعة من تركه القراءة الواجبة عليه عمدا ، وخاصة اذا كان امام جماعة ضامنا لقراءة من خلفه ، كاد أن يكون يقينا ، ولذلك نهاه عليهالسلام عن القراءة وأمره بأن يكله اليه.
وبالجملة السؤال عن قراءة الرجل خلف الامام المرضي ، كما يدل عليه الجواب معللا بأنه لا يعلم أنه يقرأ ، قرينة واضحة على أن المراد به قراءة من أدرك الركعتين وفاتته الركعتان.
وقد أجاب عنه الامام عليهالسلام بأنه لا ينبغي له القراءة ، فدل على الكراهة ، لكن في هذه الصورة لا في الركعتين الاوليين ، كما ظنه بعض الفضلاء.
كيف وهذا ينافي ما دل على حرمة القراءة في غير الجهرية التي لا تسمع ولو همهمة ، كما في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام أنه قال : كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : من قرأ خلف امام يأتم به بعث على غير فطرة (٣).
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٣ / ٣٣ ، ح ٣١.
(٢) الا أن يقال : انه أراد به العلم الحاصل من طريق السمع ، أو ضمن علم معنى سمع وفيه بعد « منه ».
(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٩٠ ، ح ١١٥٦.
وانما خصصناه بذلك لصحيحة الحلبي عن الصادق عليهالسلام أنه قال : اذا صليت خلف امام تأتم به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع ، الا أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرء (١).
وفي رواية : ان سمعت الهمهمة فلا تقرء (٢). هذا.
وأما ثانيا ، فلانه لا يثبت بما ذكره وجوب القراءة على المأموم في الاوليين معا ، اذ لو قرأ في احداهما أو في احدى الاخيرتين ، لصدق أن صلاته لا تخلو عن قراءة.
وأما ثالثا ، فلان الاصل عدم الوجوب وبراءة الذمة عنه ، والصحيحتان لا تنفيانه ، لانهما اما محمولتان على الاستحباب ، كما عليه العلامة ، وتبعه فيه أكثر المتأخرين.
ويؤيده شيوع استعمال الاوامر والنواهي في كلامهم عليهمالسلام في الندب والكراهة ، حتى قيل : انهما حقيقتان فيهما عرفيتان.
ومنه ما سبق من النهي عن القراءة في الاخيرتين ، والامر بالتجافي وعدم التمكن من القعود ، فانهما للكراهة والندب ، وبذلك يضعف الاستدلال بما فيهما من الامر والنهي على الوجوب والتحريم.
فان قلت : المشهور أنه مخير في الاخيرتين بين التسبيح والقراءة ، بل ادعى العلامة في المختلف اجماع علمائنا عليه ، وهذا يفيد أن القراءة فيهما لا كراهة فيها.
قلت : ليس كذلك الامر ، لان التخيير بين الافضل والمفضول جائز كالتخيير بين الجمعة والظهر على القول به ، مع كون الاولى أفضل الواجبين ، فتكون الثانية مكروهة ، بمعنى أنها أقل ثوابا ، كما فيما نحن فيه ، فان التسبيح أفضل من
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٩١ ، ح ١١٥٧.
(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٩٢ ، ح ١١٥٨.
القراءة مطلقا ، كما دل عليه كثير من الاخبار ، فتكون القراءة مكروهة بهذا المعنى.
هذا أو متروكتان عملا ، ولذا لم يوجد في كتب جل أصحابنا وجوب قراءة المأموم ولا استحبابها خلف الامام اذا أدركه في الاخيرتين ، ولم يفرقوا في ذلك بين أن يكون الامام مسبحا (١) فيهما أم قاريا.
قال في المدارك بعد قول المصنف « لو أدرك في الرابعة دخل معه ، فاذا سلم الامام قام فصلى ما بقي عليه ، ويقرأ في الثانية بالحمد وسورة ، وفي الاثنتين الاخيرتين بالحمد ، وان شاء سبح » :
لا خلاف في التخيير بين قراءة الفاتحة والتسبيح في الاخيرتين في هذه الصورة ، وانما الخلاف فيما اذا أدرك معه الركعتين الاخيرتين وسبح الامام فيهما ، فقيل : يبقى التخيير بحاله للعموم وقيل تتعين القراءة لئلا تخلو الصلاة من فاتحة الكتاب ، وهو ضعيف (٢) انتهى.
وقد عرفت وستعرف أيضا وجه ضعفه وعدم اعتباره عند الاكثرين ، حتى أن العلامة في المنتهى صرح بأن هذا القول ليس بشيء.
أما رابعا ، فلانه منقوض بصلاة من أدرك أول الصلاة ، فان فرق بينهما بحضوره وقت قراءة الامام دون هذا ، قلنا في كون هذا فارقا بينهما نظر ، لان ما دل على سقوط القراءة عن المأموم ، وكون الامام ضامنا لقراءته عام فتخصيصه بهذا دون ذاك يحتاج الى مخصص وليس ، اذ قد عرفت حال الصحيحتين وعدم صلاحيتهما للتخصيص على تقدير العمل بهما ، وانهما قاصرتان عن افادة الوجوب فتذكر.
ويمكن التوفيق بينهما وبين ما دل على عدم وجوب القراءة على المأموم
__________________
(١) يعلم كونه مسبحا من عادته ، أو تصريحه بترجيح التسبيح على القراءة مطلقا وان كان اماما ، أو بسماع المأموم تسبيحه لقربه منه وكونه في جنبه ونحو ذلك « منه ».
(٢) مدارك الاحكام ٤ / ٣٨٤.
بوجه آخر ، وهو أن صحيحة ابن الحجاج مطلقة ، وصحيحة زرارة مقيدة يكون القراءة في النفس لا في اللفظ ، فاذا حملنا المطلق على المقيد وعملنا به يكون مقتضاه القراءة النفسية دون اللفظية.
قال بعض الفضلاء : المراد بالقراءة في نفسه حديث النفس وتخيل ألفاظ القراءة واجرائها على القلب ، وربما كان مع تحريك اللسان دون التلفظ بها ، وما يستفاد من سائر الاخبار من المنع عن القراءة هو التلفظ بها ، فلا منافاة.
قال : ويمكن حمله على أن يكون الامام مسبحا فيقرأ المأموم لئلا تخلو صلاته عن الفاتحة ، بناء على أنه لا بد في الاخيرتين من التسبيح ، فيكون المنع من القراءة حيث يقرأ الامام. وفيه ما عرفته ، فتأمل.
تم الاستنساخ والتصحيح في (٢٨) رجب المبارك سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.
سلسلة آثار المحقق الخاجوئى (٦٠) |
|
الرسالة
الهلالية
للعلّامة المحقّق العارف
محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندرانى الخاجوئي
المتوفّى سنة ١١٧٣ ه ق
تحقيق
السّيّد مهدى الرّجائي
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذي جعل من علامتي (١) دخول الشهر رؤية الهلال ، وجعل رؤيته في أول ليلة الثلاثين من شهر رمضان امارة من دخول شوال ، ولم يجعله مبهما ليقول قائل ومن العلامة رؤيته يوم الثلاثين منه قبل الزوال ، بل أوضح الامر وبينه حيث جعل ذلك من علامة دخول الشهر في الاستقبال ، وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وآله ما اختلفت الغدو والآصال.
وبعد : فهل تكون رؤية الهلال في اليوم الثلاثين قبل الزوال امارة شرعية وحجة ظنية على كونه ليلة الماضية؟ فيكون هذا اليوم غرة الشهر ، فتترتب عليه الاحكام الشرعية من مواقيت الحج والعمرة والنذر والاعياد والصوم والصلاة ، الى غير ذلك من العبادات والمعاملات وغيرهما؟ فيه خلاف.
قال سيدنا المرتضى في المسائل الناصرية ، لما ذكر قول الناصر انه اذا رأى الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية : هذا صحيح ، وهو مذهبنا (٢).
__________________
(١) لدخول الشهر علامتان : رؤية الهلال ومضى الثلاثين ، وأما ما عداهما من العلامات فلا عبرة به شرعا « منه ».
(٢) المسائل الناصرية ص ٢٤٢ ، المسألة : ١٢٦.
واعتبر آية الله العلامة ذلك في الصوم دون الفطر ، وهو فرق ضعيف لا دليل عليه.
وقال ابن الجنيد : رؤية الهلال يوم الثلاثين من شهر رمضان أي وقت كان اذا لم يصح أن الليلة الماضية قد رأى فيها لا توجب الافطار ، فاذا صحت الرؤية فيها انظر أي وقت يصح ذلك عنده من نهار يوم ثلاثين (١).
وقال شيخ الطائفة في الخلاف : اذا رأى قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة دون الماضية (٢). ومثله قال في التهذيب.
ونحن ننقل الاخبار الواردة في هذه المسألة من الطرفين ، ثم تأخذ في نقدها وقلبها ونقل ما فهموه منها ، وما فيه وما عليه ، وترجيح ما هو راجح عندنا ، فان أصبنا فمن الله ، وان أخطأنا فمن قصورنا في الاجتهاد ، ونسأل الله الهداية ، ونطلب منه السداد ، انه يهدي من يشاء الى طريق الحق وسبيل الرشاد.
فصل
[ أخبار المسألة ]
روى الشيخ في التهذيب والاستبصار عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن ابي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : اذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية ، واذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة (٣).
__________________
(١) المختلف ص ٦٥ ، كتاب الصوم.
(٢) الخلاف ٢ / ١٧١.
(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٦ ، ح ٦٠ ، الاستبصار ٢ / ٧٣ ـ ٧٤ ح ٥.
وعن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبيد بن زرارة ، وعبد الله بن بكير ، قالا قال أبو عبد الله عليهالسلام : اذا رؤي الهلال قبل الزوال ، فذلك اليوم من شوال ، واذا رؤي بعد الزوال ، فهو من شهر رمضان (١).
وعن علي بن حاتم ، عن محمد بن جعفر ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى ، قال : كتبت اليه عليهالسلام جعلت فداك ربما غم علينا هلال شهر رمضان ، فنرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال ، فترى أن نفطر قبل الزوال اذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليهالسلام : تتم الى الليل ، فانه اذا كان تاما لرؤي قبل الزوال (٢).
قال صاحب الوافي فيه بعد نقل هذه الرواية عن التهذيب : هكذا وجدت هذا الحديث في نسخ التهذيب ، وفي الاستبصار : ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان. وهو الصواب لانه على نسخة التهذيب لا يستقيم المعنى الا بتكلف ، الا أنه على نسخة الاستبصار ينافي سائر الاخبار التي وردت في هذا الباب ، لانه على ذلك يكون المراد بالهلال هلال شوال (٣).
وقال بعيد ذلك : والظاهر أن نسخة التهذيب من سهو النساخ (٤).
أقول : وفي نسخة الاستبصار عندي قديمة قوبلت على نسخة كان عليها خط الشيخ المصنف وخط محمد بن ادريس هكذا : ربما غم الهلال شهر رمضان. بدون ذكر « علينا » ولفظه « في » والظاهر أن كلمة « شهر » على هذه النسخة منصوبة.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٦ ، ح ٦١ ، الاستبصار ٢ / ٧٤ ، ح ٦.
(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٧ ، ح ٦٢ ، الاستبصار ٢ / ٧٣ ، ح ١.
(٣) الوافى ١١ / ١٤٨.
(٤) الوافى ١١ / ١٤٩.
مع أنه على هذه النسخة لا ينافي الا الخبرين المذكورين ولا خير فيه ، لان الثاني منهما ضعيف ، كما سيأتي. والاول وان كان صحيحا أو حسنا ، الا أنه وارد في طريق التقية وفي متنه كلام سيأتي ، هذا.
وعنه عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن يوسف بن عقيل ، عن محمد ابن قيس ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال قال أمير المؤمنين عليهالسلام : اذا رأيتم الهلال فافطروا وأشهدوا عليه عدولا من المسلمين ، فان لم تروا الهلال الا من وسط النهار أو آخره ، فأتموا الصيام الى الليل ، فان غم عليكم فعدوا ثلاثين فأفطروا (١).
وعن الحسين بن سعيد ، عن النظر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جراح المدائني ، قال قال أبو عبد الله عليهالسلام : من رأى هلال شوال بنهار رمضان فليتم صيامه (٢).
وعنه عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن اسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان ، فقال : لا تصمه الا أن تراه ، فان شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه ، واذا رأيته وسط النهار ، فأتم صومه الى الليل. يعني بقوله عليهالسلام « أتم صومه الى الليل » على أنه من شعبان دون أن ينوي أنه من رمضان (٣).
وفي التهذيب في آخر باب الزيادات ، عن الصفار ، عن ابراهيم بن هاشم ، عن زكريا بن يحيى الكندي الرقي ، عن داود الرقي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : اذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير ، فهو هنا هلال جديد ، رؤي أو لم ير (٤).
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٧ ـ ١٧٨ ، ح ٦٣.
(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٨ ، ح ٦٤.
(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٨ ، ح ٦٥.
(٤) تهذيب الاحكام ٤ / ٣٣٣ ، ح ١١٥.