تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي

تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

المؤلف:

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-21-8
الصفحات: ٦٣٢

الإجماع باتّفاق الخمسة والعشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين ، إلّا مع العلم القطعي بدخول الإمام في الجملة » . انتهى. (١)

ومن أين يحصل العلم القطعي بموافقة قوله عليه‌السلام لأقوال الأصحاب مع هذا الانقطاع المحض ، والمفارقة الكلّية ، والجهل بما يقوله على الإطلاق في مدّة تزيد على ستّمائة سنة ؟

وقريب من قول المحقّق قول العلّامة في النهاية ، فإنّه لمّا أورد على نفسه أنّه لا يمكن العلم باتّفاق الكلّ على وجه يتحقّق دخول المعصوم فيهم ، أجاب بأنّ الفرض دخوله فيهم ؛ إذ الإجماع إنّما يتمّ به ، فلا يمكن منع دخوله. (٢) انتهى.

وممّا ذكرنا يحصل الفرق بين قوله مع الجهل بحاله على ما وصفناه ، وبين قول رجل من علماء المسلمين في أقطار الأرض ؛ حيث حكم الجمهور بتحقّق إجماع للمسلمين ، ولم يقدح فيه احتمال مخالف في بعض الأقطار لا يعلم.

وجه الفرق أنّ قول هذا البعض في قطر من أقطار الأرض مع كونه مجتهدا مطلقا ممّا يستحيل خفاؤه والجهل بعينه عادة ، فلو كان ثمّ من هو (٣) بهذه الصفة يظهر للمسلمين ونقل قوله.

وهذا ممّا يدلّ عليه العلم العادي قطعا ، فإن حصل شكّ (٤) في العلم فلا أقلّ من الظنّ المتاخم للعلم الكافي في الدلالة على مسألة شرعيّة ، حيث إنّ طرق الفقه كذلك ، بخلاف قول الإمام عليه‌السلام المجهول عينه ومحلّه وكلامه في هذه الأعصار المتطاولة لكلّ وجه ، فإنّ إدخال قوله مع جملة أقوال قوم معلومين تحكّم ظاهر.

نعم يتوجّه العلم بقول المعصوم ودخوله في أقوال شيعته عند ظهوره ، كما اتّفق لآبائه في مسائل كثيرة اتّفقت فيها كلمة علماء شيعتهم والروايات بها عنهم ، كالقول بوجوب مسح الرجلين في الوضوء ، والمنع من مسح الخفّين ، ومنع العول والتعصيب في الإرث ونظائر ذلك.

__________________

(١) المعتبر ، ج ١ ، ص ٣١.

(٢) نهاية الوصول إلى علم الاصول ( مخطوط ) الورقة ١٧٢.

(٣) الف : ـ هو.

(٤) الف : الشكّ.

٣٨١

وأمّا الفروع التي تجدّدت حال الغيبة ووقع الخلاف فيها ، فالرجوع فيها إلى ما ساق إليه الدليل من الكتاب والسنّة وغيرهما من الأدلّة المعتبرة شرعا ، لا إلى مثل هذه الدعاوي العارية عن البرهان.

وهذا ذرء من المقال في هذا المقام ، وبقي الباقي في الخيال ، فتنبّه له ولا تكن ممّن يعرف الحقّ بالرجال فيقع في مهاوي الضلال. (١)

انتهى كلام الشهيد الثاني قدس‌سره.

ولا يخفى أنّه في غاية الجودة والتحقيق.

إذا عرفت هذا علمت أنّ المعتبر من الإجماع هو القسم الأوّل ، وأوّل قسمي الثاني ، وأنّ الثالث لا يمكن الاعتماد عليه ولا الاستدلال به ، بل يجب الرجوع إلى النصوص المرويّة عنهم عليهم‌السلام.

وممّا يدلّ على بطلان الإجماع بالمعنى المشهور عند الاصوليّين أنّهم قد اعترفوا بأنّ حجّيّته مبنيّة على الظواهر ، وأنّ حجّيّة الظواهر مبنيّة عليه. وذلك دور واضح.

وقد صرّح بنحو ذلك في الشرح العضدي.

وقد استدلّوا عليه أيضا بالإجماع على تخطئة مخالف الإجماع. وهو كما ترى في غاية الضعف ، ووجّهوه بتوجيه ذكروه هناك لا يليق نقله. (٢)

وأوردوا عليه نقضا إجماع الفلاسفة على قدم العالم ، وإجماع اليهود على أن لا نبيّ بعد موسى ، وإجماع النصارى على أنّ عيسى قد قتل. ثمّ أجابوا أيضا بوجه ضعيف جدّا لا يخفى ضعفه على من نظره ، ثمّ قالوا : التمسّك بالظواهر إنّما ثبت بالإجماع ، ولولاه لوجب العمل بالأدلّة المانعة من اتّباع الظنّ.

وما ذكرناه هنا يظهر من مراجعة الكتاب المذكور. ولا يخفى ورود الدور ولزومه لهم في موضعين من كلامهم هنا ، مضافا إلى عدم ظهور دليل قطعي

__________________

(١) رسالة في صلاة الجمعة ( رسائل الشهيد الثاني ) ج ١ ، ص ٢٣٢ ـ ٢٣٥.

(٢) شرح مختصر المنتهى للعضدي ، ص ١٢٥ ـ ١٢٦.

٣٨٢

على حجّيّته كما اعترفوا به ، مع ورود الأحاديث عنهم عليهم‌السلام بعدم حجّيّته ، ومع كونه أمرا مخفيّا غير منضبط ، فلا يجوز أن يكون مناطا للأحكام الشرعيّة ، كما اعترفوا به في علّة القياس.

والوجوه الدالّة على عدم حجّيّة الإجماع كثيرة جدّا ، لكن إذا علم دخول المعصوم فيه فالحجّة هي قوله عليه‌السلام ، لا قول من وافقه.

ويدلّ على حجّيّته حينئذ جميع أدلّة الإمامة وبراهين العصمة وناهيك بذلك.

ويأتي ما يؤيّد هذا ويؤكّده إن شاء الله تعالى.

الفصل الرابع

في ذكر بعض الأحاديث الدالّة على ما قلنا عموما أو خصوصا

وبعض ما يناسب المقصود

والأحاديث في ذلك كثيرة إلّا أنّا نقتصر على اثني عشر تبرّكا بالعدد الشريف :

الأوّل : ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني في أوّل كتاب الروضة من الكافي عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن حفص بن المؤذّن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ؛ وعن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها ، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم ، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.

قال : وحدّثني الحسن بن محمّد ، (١) عن جعفر بن محمّد بن مالك ، عن القاسم بن الربيع الصحّاف ، عن إسماعيل بن مخلد (٢) السرّاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خرجت هذه الرسالة من أبي عبد الله عليه‌السلام إلى أصحابه ، ثمّ ذكرها بطولها ، فمن جملتها أن قال :

__________________

(١) الف ، ب : إسحاق بن محمّد.

(٢) الف ، ب : إسماعيل بن محمّد.

٣٨٣

« واعلموا أنّه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كلّ شيء ، وجعل للقرآن ولتعلّم (١) القرآن أهلا ، وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الامّة بسؤالهم [ ... ] وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم إلّا من سبق عليه في علم الله الشقاء [ في أصل الخلق تحت الأظلّة ] فاولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر ، واولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم » .

ثمّ قال : « وقد عهد إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل موته ، فقالوا : نحن بعد ما قبض الله رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد ما قبض الله رسوله ، وبعد عهده الذي عهد إلينا ، وأمرنا به مخالفا لله ولرسوله ، فما أحد أجرأ [ على الله ] ولا أبين ضلالة ممّن أخذ بذلك وزعم أنّ ذلك يسعه ، والله أنّ لله على خلقه أن يتّبعوه ويطيعوا أوامره في حياة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد موته » إلى أن قال : « واتّبعوا آثار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسنّته فخذوا بها ، ولا تتّبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلّوا ، فإنّ أضلّ الناس عند الله من اتّبع رأيه وهواه بغير هدى من الله » .

ثمّ قال : « أيّتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم عليكم بآثار رسول الله وسنّته وآثار الأئمّة الهداة من أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده وسنّتهم ، فإنّه من أخذ بذلك فقد اهتدى ، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضلّ ؛ لأنّهم هم الذين أمر الله تعالى بطاعتهم وولايتهم » . (٢)

أقول : في هذا الحديث الشريف كما ترى دلالة على عدم حجّيّة الإجماع المبنيّ على بعض الاستنباطات الظنّيّة ، أو الآراء (٣) والاعتبارات العقليّة ، وعلى أنّه يجب العمل بقول المعصوم خاصّة ، وأنّ من لم يفعل ذلك فهو ضالّ ؛ وهذا هو القسم الثاني من الإجماع ، وهو الذي ذكرنا أنّه لا يجوز العمل به. وفيه تصريح بصحّة طريقة

__________________

(١) الف : ولعلم. ب : وتعلّم.

(٢) الكافي ، ج ٨ ، ص ٢ ، ح ١ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ٣٧ ، ح ٣٣١٥٢.

(٣) الف : والآراء.

٣٨٤

الأخباريّين ووجوب اتّباعها.

الثاني : ما رواه الشيخ الجليل الحسن بن عليّ بن شعبة الحرّاني من علماء أصحابنا في كتاب تحف العقول عن آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن مولانا عليّ بن محمّد الهادي في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه يقول فيها :

« من عليّ بن محمّد : سلام على من اتّبع الهدى ، فإنّه ورد عليّ كتابكم ، وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم » إلى أن قال : « واعلموا أنّا نظرنا في الآثار وكثرة ما جاءت به الأخبار ، فوجدناها عند جميع من ينتحل الإسلام لا تخلو من معنيين : إمّا حقّ فيتّبع ، وإمّا باطل فيجتنب » . وقد اجتمعت الامّة قاطبة على أنّ القرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق وفي حال اجتماعهم ، مقرّون بتصديق الكتاب وتحقيقه ، مصيبون مهتدون ، وذلك بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله : « لا تجتمع امّتي على الضلالة » .

فأخبر أنّ جميع ما اجتمعت عليه الامّة كلّها حقّ إذا لم يخالف بعضها بعضا ، والقرآن حقّ لا اختلاف لهم في تصديقه وتنزيله ، فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه وأنكر الخبر طائفة من الامّة ، لزمهم الإقرار به ضرورة حيث اجتمعت في الأصل على تصديق الكتاب ، فإن هي جحدت وأنكرت لزمها الخروج عن الملّة.

فأوّل خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه خبر ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيث لا تخالفه أقاويلهم ، وذلك قوله : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما » و « أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » .

ثمّ أورد أخبارا توافقه ، ثمّ قال : « فالخبر الأوّل الذي استنبط منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه ، لا اختلاف فيه عندهم ، وهو أيضا موافق للكتاب » وذكر الحديث بطوله. (١)

__________________

(١) تحف العقول ، ص ٤٥٨ في رسالته عليه‌السلام في الردّ على أهل الجبر والتفويض وإثبات العدل ؛ بحار الأنوار ، ج ٥ ، ص ٦٨ ، ح ١.

٣٨٥

أقول : فيه كما رأيت دلالة على حجّيّة الإجماع في ضروريّات المذهب وهو القسم الأوّل ، وعلى حجّيّة الإجماع على العمل بخبر من الأخبار ووجوب ترجيح الخبر به على معارضه وهو القسم الثاني وإنّما أطلق عليه‌السلام لأنّ جميع شيعة الإماميّة في ذلك الوقت كانوا أخباريين.

ومع ذلك فقد صرّح الحديث السابق بالتقييد ، على أنّ وجود النصّ كما هو المفروض يقتضي اعتماد الإجماع المذكور كما ذكرناه سابقا.

الثالث : ما رواه الكليني في باب اختلاف الحديث عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن كان كلّ واحد منهما اختار رجلا من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلفا فيما حكما به ، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟

قال : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر » .

قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا ، لا يفضّل واحد منهما على الآخر.

قال : فقال : « ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور من أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ؛ وإنّما الامور ثلاثة : أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ علمه إلى الله وإلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله » . (١)

أقول : في هذا الحديث الشريف دلالة واضحة على حجّيّة الإجماع على العمل بأحد الحديثين المتعارضين ، بل على حجّيّة الحديث المجمع عليه كما مرّ ، وهو

__________________

(١) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٧ ، باب اختلاف الحديث ، ح ١٠ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٠٥ ، ح ٣٣٣٣٤.

٣٨٦

القسم الثاني من الإجماع. ووجه الإطلاق ما تقدّم مع أنّ القرائن بل التصريحات هنا كثيرة على تخصيص الأخباريين.

الرابع : ما رواه رئيس المحدّثين أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة قال : حدّثنا محمّد بن عصام الكليني قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني ، عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابا سألت فيه عن مسائل قد أشكلت عليّ ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان : « أمّا ما سألت عنه أرشدك الله ووفّقك » (١) إلى أن قال : « فأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله عليهم » . (٢)

أقول : في هذا دلالة على ما قلنا من (٣) ترجيح طريقة الأخباريّين ووجوب الرجوع إلى المحدّثين ، وأنّ اتّفاق رواة الحديث على نقل خبر والعمل به حجّة يجب العمل بها ؛ وهذا هو القسم الثاني من الإجماع كما مرّ.

الخامس : ما رواه الكليني في باب الرؤية عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في احتجاجه على أبي قرّة المحدّث في إبطال الرؤية ، فقال له أبو قرّة : فتكذّب بالروايات ؟ فقال أبو الحسن : « إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبتها وما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علما ولا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء » . (٤)

أقول : هذا ظاهر في إرادة القسم الأوّل من الإجماع ، (٥) ولا شكّ في حجّيّته.

__________________

(١) في المصدر : وثبّتك.

(٢) إكمال الدين وإتمام النعمة ، ص ٤٨٥ ، ح ٤ باب ذكر التوقيعات الواردة عن القائم عليه‌السلام ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٤٠ ، ح ٣٣٤٢٤.

(٣) الف : ـ ما قلنا من.

(٤) الكافي ، ج ١ ، ص ٩٦ ، باب في إبطال الرؤية ، ح ٢ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥٥ ، ص ١٤ ، ح ٩.

(٥) م : + ويفهم منه.

٣٨٧

وفيه إشارة إلى ترجيح الإجماع للخبر ووجوب العمل به حينئذ وعدم جواز العمل بما خالفه.

السادس : ما رواه أيضا في الباب المذكور عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن سيف ، عن محمّد بن عبيدة قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أسأله عن الرؤية وما ترويه العامّة والخاصّة ، وسألته أن يشرح لي ذلك ، فكتب بخطّه : « اتّفق الجميع لا تمانع بينهم أنّ المعرفة من جهة الرؤية ضرورة » الحديث. (١)

أقول : هذا يدلّ على استدلاله عليه‌السلام (٢) بالإجماع ، وقوله موافق له. وهذا إمّا من القسم الأوّل أو الثاني قطعا ؛ لأنّه هو المحتجّ (٣) به ، فكيف لا يكون قوله سندا له.

السابع : ما رواه الكليني والكشّي وغيرهما عن عليّ بن حنظلة عن أبي عبد الله قال : « اعرفوا منازل الرجال (٤) منّا على قدر روايتهم عنّا » . (٥)

أقول : معلوم أنّه يلزم من هذا الحديث أن يكون اتّفاق الرجال من الرواة على العمل بمضمون الرواية موجبا للعمل بها ومرجّحا لها على غيرها ؛ وهو ما قلناه سابقا.

الثامن : ما رواه الكليني في باب الضلال بسنده عن أبي عبد الله قال : « أما والله ، (٦) إنّه شرّ عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا » . (٧)

أقول : وفي معناه أحاديث كثيرة جدّا. وفي هذا ـ كما ترى ـ دلالة على عدم حجّيّة القسم الثالث من الإجماع ، وعلى أنّه يجب إثبات سند للإجماع. وهو نصّ صحيح مسموع منهم عليه‌السلام.

__________________

(١) الكافي ، ج ١ ، ص ٩٦ ، باب في إبطال الرؤية ، ح ٣ ؛ بحار الأنوار ، ج ٤ ، ص ٥٦ ، ح ٣٤ عن التوحيد للصدوق.

(٢) الف ، ب : + وقوله.

(٣) الف ، ب : + المجتمع.

(٤) في المصدر : الناس.

(٥) الكافي ، ج ١ ، ص ٥٠ ، ح ١٣ ؛ رجال الكشّي ، ج ١ ، ص ٣ ، ح ٣ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٥٠ ، ح ٣٣٤٥٦.

(٦) في المصدر : ـ أما والله.

(٧) الكافي ، ج ٢ ، ص ٤٠٠ ، باب الضلال ، ح ١ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ٧٠ ، ح ٣٣٢٢٧.

٣٨٨

التاسع : ما رواه الكليني رحمه‌الله أيضا في باب تذكّر الإخوان عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن يزيد بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تزاوروا وتلاقوا ، فإنّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكرا لأحاديثنا ، وأحاديثنا تعطّف بعضكم على بعض ، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإن خالفتموها (١) ضللتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم » . (٢)

أقول : هذا كالذي قبله ، بل أوضح وأبلغ.

العاشر : ما رواه الكشّي في كتاب الرجال عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ما أحد أحيا أمرنا وأحاديث أبي إلّا زرارة ومحمّد بن مسلم وأبو بصير ليث المرادي وبريد بن معاوية العجلي ، ولو لا هؤلاء ما كان أحد تستنبط هذا ، هؤلاء حفّاظ الدين وامناء أبي على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة » . (٣)

وفي حديث آخر في مدح هؤلاء وأمثالهم : « كان أبي ائتمنهم على حلال الله وحرامه ، وكانوا عيبة علمه ، وكذلك اليوم عندي ، هم مستودع سرّي وأصحاب أبي حقّا ، إذا أراد الله بأهل الأرض سوءا صرف بهم عنهم السوء ، هم نجوم شيعتي أحياء وأمواتا ، يحيون ذكر أبي عليه‌السلام ، بهم يكشف الله كلّ بدعة ينفون من هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين [ ثمّ بكى ، فقلت : من هم ؟ فقال : من عليهم ] صلوات الله ورحمته أحياء وأمواتا : بريد وزرارة وأبو بصير ومحمّد بن مسلم » . (٤)

__________________

(١) في الكافي : وإن تركتموها.

(٢) الكافي ، ج ٢ ، ص ١٨٦ ، باب تذاكر الإخوان ، ح ٢ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ٨٧ ، ح ٣٣٢٨٣.

(٣) رجال الكشّي ، ج ١ ، ص ٣٤٨ ، ح ٢١٩.

(٤) رجال الكشّي ، ج ١ ، ص ٣٤٨ ، ح ٢٢٠.

٣٨٩

أقول : وفي معناهما أحاديث كثيرة جدّا ، ولا يخفى دلالتها على وجوب الرجوع إلى رواة الحديث ، وأنّ قول كلّ واحد منهم حجّة فيما يرويه ، لا فيما يقوله من عند نفسه. وحينئذ يظهر حجّيّة اتّفاقهم على العمل بخبر وترك معارضه بالضرورة. وهذا هو القسم الثاني من الإجماع ، بل هو شامل للأوّل أيضا.

الحادي عشر : ما رواه العامّة والخاصّة من قوله عليه‌السلام « لا تجتمع امّتي على الخطأ » . (١) وفي رواية اخرى « على ضلالة » . (٢)

وقد تقدّم نقله في جملة الحديث الثاني ، ومعلوم أنّ الاعتبار إنّما هو برئيس الامّة وهو الإمام ، فلا بدّ من تحقيق قوله. وفائدة انضمام الباقي إليه من الإماميّة هو نفي احتمال التقيّة ؛ لأنّه قد علم بالتتبّع أنّ أحاديث التقيّة قد كانت مرجوحة لا يعمل بها إلّا النادر ؛ فكان هذا الإجماع ـ وهو القسم الأوّل أو الثاني ـ حجّة ومرجّحا قطعيا عند اختلاف الأحاديث ، وهو ما أشرنا إليه.

الثاني عشر : ما رواه الكليني وغيره من المحدّثين في أحاديث كثيرة في مدح المؤمنين والشيعة والشهادة لهم بالنجاة بطريق الحصر ، ووجوب الرجوع إلى رواة الحديث منهم ، وأنّهم حجّة على الشيعة في زمن الغيبة. ويأتي بعض من أشرنا إليه وتقدّم بعضه ، فعلم وجوب العمل بما اتّفقوا على روايته ونقله ؛ ويأتي له مزيد تحقيق إن شاء الله.

__________________

(١) رواه من الخاصّة الفضل بن شاذان في الإيضاح ، ص ٥٢٦ لكن ردّه بأنّه خبر واحد ، وكذلك محمّد طاهر القمّي في كتابه الأربعين ، ص ١٣٠ ، ومن العامّة ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، ج ٢٠ ، ص ٣٣ ، والكتاني في نظم المتناثر ، ص ١٦١ ، ح ١٧٩.

(٢) رواه من الخاصّة الحرّاني في تحف العقول ، ص ٤٥٨ ، والطبرسي في الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٢٥١ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥ ، ص ٢٠ ، ح ٣٠ ، ومن العامّة ابن ماجة في سننه ، ج ٢ ، ص ١٣٠٢ ، ح ٣٩٥٠ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، ج ٧ ، ص ٢٢١.

٣٩٠

الفصل الخامس

في المعاني التي تستعمل فيها لفظ الإجماع أحيانا

وهي كثيرة :

أحدها : اتّفاق جميع المسلمين على حكم شرعي منصوص ضروري ، كوجوب الصلاة وتحريم الزنى ونحوهما.

الثاني : اتّفاق جميع الإماميّة على حكم منصوص من ضروريّات المذهب ، كالمسح في الوضوء ، وإباحة المتعة ونحوها.

الثالث : اتّفاق جميع الأخباريّين على حكم منصوص مع العلم بعدم مخالف منهم.

الرابع : اتّفاق جميع الاصوليّين على حكم غير منصوص ، بل سنده بعض الاعتبارات الظنّيّة الاصوليّة ، أو لا يظهر لنا سنده. وأمّا اتّفاق الاصوليّين على حكم منصوص فداخل في الثالث ؛ لأنّ الأخباريّين أو بعضهم داخل في ذلك قطعا ، كما لا يخفى على المتتبّع.

الخامس : اتّفاق جماعة من الأخباريّين بحيث لا يظهر لهم مخالف ولو عند مدّعي الإجماع.

السادس : اتّفاق جماعة منهم بحيث يظهر لهم مخالف نادر شاذّ أو أقلّ منهم.

السابع : اتّفاق جماعة من الاصوليّين كذلك.

وهذا القسم والذي قبله يطلق عليهما « المشهور » في كلام الفريقين ، وقد اشير إليه في الحديث الثالث.

الثامن : وجود حديث في بعض الاصول الأربعمائة المجمع على صحّتها. ومعنى الإجماع الذي يدّعى هنا على الحكم المذكور في ذلك الحديث هو الاتّفاق على نقله وثبوته من المعصوم ، وقد يكون له معارض أضعف منه أو أقوى ، وقد يكون من باب التّقية.

٣٩١

إذا عرفت ذلك ، فلا يخفى بعد ما تقدّم أنّ الثلاثة الاول حجّة ؛ للعلم بدخول الإمام عليه‌السلام والنصّ على حجيّتها كما عرفت.

وأنّ الرابع ليس بحجّة ؛ لما مضى ويأتي إن شاء الله.

وأمّا الخامس فهو مرجّح للنصّ إن كان ظاهرا وله معارض ، ودالّ على وجود النصّ إن لم يكن ظاهرا ، يعلم ذلك بالتتبّع قطعا.

والسادس إجماع مجازي ضعيف.

والسابع أضعف منه ، بل لا حجّيّة فيه ولا يصلح للترجيح.

وأمّا الثامن فحكمه ظاهر ويجب العمل به مع عدم المعارض ، والترجيح بالوجوه المنقولة عنهم عليهم‌السلام مع وجوده ، ويأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه.

الفصل السادس

في وجه تعارض دعوى الإجماع كثيرا

اعلم أنّه قد كثر دعوى الإجماع من بعض العلماء على حكم ، ودعوى غيره أو دعوى المدّعي الأوّل الإجماع على خلافه.

وأمّا دعوى الإجماع في محلّ النزاع فهي كثيرة جدّا.

وبما ذكرنا ـ من أقسام الإجماع وذكر معانيه التي يطلق عليها ـ يمكن الجمع بين دعواه في تلك الصور ، ودعواه في نقيضها ، أو ظهور الخلاف معه.

وقد اعتذر لهم الشهيد في الذكرى بذلك حيث قال :

والعذر إمّا بعدم اعتبار المخالف المعيّن ، وإمّا تسميتهم (١) للأشهر (٢) إجماعا ، وإمّا بعدم ظفره حين ادّعى الإجماع بالمخالف ، وإمّا بتأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الإجماع وإن بعد ، كجعل الحكم من باب التخيير ، وإمّا

__________________

(١) ب : لتسميتهم.

(٢) الف ، ب : الأشهر. وفي المصدر : لما اشتهر.

٣٩٢

إجماعهم على روايته بمعنى تدوينه في كتبهم منسوبا إلى الأئمّة. (١) انتهى.

ولا يخفى على أحد أنّ كثرة دعوى كثير من الأجلّاء في موضع النزاع ، وكثرة تعارض دعواه في مسألة واحدة على حكمين مختلفين ، توجب عدم الوقوف بمثله وعدم الاحتجاج بنقله كما أشرنا إليه سابقا. ويؤيد ذلك ما ذكرناه من كثرة معاني الإجماع التي أكثرها ليس بحجّة ، مع أنّ إجماع المنقول بخبر الواحد لم يقم دليل عقلي ولا نقلي على حجّيّته ، بل لا بدّ من التتبّع ليعلم ثبوته وتحقّقه ، ويحصل اليقين بدخول الإمام.

ولا بأس بنقل كلام في هذا المقام يؤكّد ما نقلناه عنهم ، ونسبناه إلى بعضهم بقصد تحقيق الحقّ وكشف حقيقة هذا الأمر :

قال المحقّق الجليل الشهيد الثاني قدس‌سره في بعض رسائله :

فأمّا ما اتّفق لكثير من الأصحاب خصوصا المرتضى في الانتصار والشيخ في الخلاف مع أنّهما إماما الطائفة ومقتدياها في دعوى الإجماع على مسائل كثيرة مع اختصاصهما بذلك القول من بين الأصحاب أو شذوذ الموافق لهما ، فهو كثير لا يقتضي الحال ذكره.

ومن أعجبه دعوى المرتضى في الكتاب المذكور إجماع الإماميّة وجعله حجّة على المخالفين على وجوب التكبيرات الخمس في كلّ ركعة للركوع والسجود والقيام منهما ، ووجوب رفع اليدين لهما (٢) ، وأنّ أكثر النفاس ثمانية عشر يوما (٣) ، وأنّ خيار الحيوان ثبت للمتبايعين معا (٤) ، وأنّ الشفعة تثبت في كلّ مبيع من حيوان وعروض ومنقول ، غير قابل للقسمة وغيره (٥) ، وأنّ أكثر الحمل سنة (٦) ،

__________________

(١) ذكرى الشيعة ، ج ١ ، ص ٥١.

(٢) الانتصار ، ص ١٤٧ ، المسألة ٤٥ ، لا يخفى أنّه لا يوجد فيه تصريح بوجوب التكبيرات الخمس في كلّ ركعة.

(٣) الانتصار ، ص ١٢٩ ، المسألة ٢٨.

(٤) الانتصار ، ص ٤٣٣ ، المسألة ٢٤٥.

(٥) الانتصار ، ص ٤٤٨ ، المسألة ٢٥٦.

(٦) الانتصار ، ص ٣٤٥ ، المسألة ١٩٣.

٣٩٣

وأنّ الهبة جائزة ما لم تعوض وإن كانت لذي رحم (١) ، وأنّ المهر لا تصلح زيادته من خمسمائة درهم قيمتها خمسون دينارا ، فما زاد عنها يرد إليها (٢) ، وأنّ العقيقة واجبة (٣) ، إلى غير ذلك من المواضع التي اختصّ هو بالقول بها فضلا عن أن يوافقه فيها شذوذ.

وفي دعوى الشيخ في كتبه ما هو أعجب من ذلك وأكثر لا يقتضي الحال ذكره ، ولو ضممنا إليه ما ادّعاه كثير من المتأخّرين خصوصا المرحوم الشيخ عليّ ، لطال الخطب.

ومن غريبها دعوى الشيخ عليّ في شرح الألفيّة الإجماع على أنّ ناسي الغصب في الثوب والمكان لا تجب عليه الإعادة خارج الوقت وداخله (٤) ، مع ظهور المخالف في ذلك ، حتّى أنّ الفاضل في القواعد أفتى بالإعادة مطلقا كالعالم (٥) ، وفي شرحها للشيخ عليّ قال : إنّ في المسألة ثلاثة أقوال : الإعادة مطلقا ، وفي الوقت وعدمه مطلقا. (٦)

وكذلك ادّعى في شرحه للقواعد الإجماع على أنّ المستعير لنوع زرع يجوز له التخطّي إلى المساوي والأدون (٧) ، مع أنّ مختار المحقّق في الشرائع فضلا عن غيره المنع من التخطّي إلى الأقلّ ضررا فضلا عن المساوي. (٨)

وكذلك ادّعى الإجماع أيضا على أنّ المساقاة لا تبطل بالموت ، (٩) مع أنّ الشيخ في المبسوط جزم بالبطلان ونسبه إلى علمائنا بعبارة تشعر بالإجماع ولا أقلّ من [ عدم ] الخلاف (١٠) ، وفي الشرائع ومختصرها صرّح بالخلاف في المسألة أيضا (١١) ، ولو أتيت لك على جميع ما ذكره في مؤلّفاته ورسائله لطال ، وفي هذا القدر

__________________

(١) الانتصار ، ص ٤٦٠ ، المسألة ٢٦١.

(٢) الانتصار ، ص ٢٩٢ ، المسألة ١٦٤.

(٣) الانتصار ، ص ٤٠٦ ، المسألة ٢٣٣.

(٤) شرح الألفيّة ( حياة المحقّق الكركي وآثاره ) ج ٧ ، ص ٣٨٣.

(٥) قواعد الأحكام ، ج ١ ، ص ٢٥٦.

(٦) جامع المقاصد ، ج ٢ ، ص ٩٠.

(٧) جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٨٧.

(٨) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧٢.

(٩) جامع المقاصد ، ج ٧ ، ص ٣٤٨.

(١٠) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٢١٦.

(١١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٥٤ ؛ المختصر النافع ، ص ١٤٨.

٣٩٤

كفاية ، فإذا أضفت هذا إلى ما قرّرناه سابقا كفاك في الدلالة على حال هذا الإجماع ـ ونقله بخبر الواحد المنقول به الإجماع.

والله يشهد وكفى به شهيدا أنّ الغرض من كشف هذا كلّه ليس إلّا بيان الحقّ الواجب المتوقّف عليه ؛ لقوّة عسر الفطام من المذهب المألوف الذي يألفه الأنام ، ولو لاه لكان لنا أعظم صارف ، والله تعالى يتولّى أسرار عباده ويعلم حقائق أحكامه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل. (١)

انتهى كلام الشهيد الثاني قدس‌سره.

وقال في رسالة اخرى ألّفها في مسائل ادّعى فيها الشيخ الإجماع ، مع أنّه نفسه خالف في حكم ما ادّعى الإجماع فيه ، قال :

أفردناها للتنبيه على أنّ لا يغترّ الفقيه بدعوى الإجماع ، فقد وقع فيه الخطأ والمجازفة كثيرا من كلّ واحد من الفقهاء سيّما من الشيخ والمرتضى ـ رضي الله عنهما ـ.

قال :

فممّا ادّعى فيه الإجماع من كتاب النكاح دعواه في الخلاف الإجماع على أنّ الكتابيّة إذا أسلمت وانقضت عدّتها قبل أن يسلم الزوج ، ينفسخ النكاح (٢) . وقال في النهاية (٣) وفي كتابي الأخبار : لا ينفسخ النكاح بينهما ولكن لا يمكّن من الدخول عليها ليلا (٤) كما في الرواية. (٥)

ومنها : أنّه ادّعى الإجماع فيه على كراهية وطي الأمة إذ اشتراها حاملا (٦) . وأفتى في النهاية بالتحريم قبل مضيّ أربعة أشهر وعشرة أيّام. (٧)

ومنها : أنّه إذا ملك الرجل أمة ولمسها أو نظر منها على ما يحرم على غير المالك ،

__________________

(١) رسالة في صلاة الجمعة ( رسائل الشهيد الثاني ) ج ١ ، ص ٢٣٨ ـ ٢٤٠.

(٢) الخلاف ، ج ٤ ، ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، المسألة ١٠٥.

(٣) النهاية ، ص ٤٥٧.

(٤) تهذيب الأحكام ، ج ٧ ، ص ٣٠٠ ـ ٣٠١ ؛ الاستبصار ، ج ٣ ، ص ١٨٢.

(٥) انظر : الكافي ، ج ٥ ، ص ٣٥٨ ، باب نكاح الذميّة ، ح ١٧ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ٧ ، ص ٣٠٢ ، ح ١٢٥٩.

(٦) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٨٥ ، المسألة ٤٦. ولا يخفى أنّه قال بالكراهة فيه قبل مضيّ أربعة أشهر.

(٧) النهاية ، ص ٤٩٦.

٣٩٥

قال في الخلاف : تحرم على أب اللامس وابنه ، وكذلك تحريم امّها وإن علت ، وبنتها وإن سفلت على المولى محتجّا بإجماع الفرقة (١) . وفي موضع آخر من الكتاب خصّ التحريم بالنظر إلى فرجها. (٢)

ومنها : أنّه ادّعى الإجماع في الخلاف على أنّه إذا تزوّج حرّة على أمة ، كان للحرّة الخيار في نفسها ، لا في عقد الأمة (٣) . وفي التبيان ذهب إلى تخييرها بين فسخ عقد نفسها وفسخ عقد الأمة. (٤)

ومنها : أنّه ادّعى في المبسوط الإجماع على الفسخ بالجبّ متى وجد (٥) . وقال في موضع آخر منه : وعندنا أنّ الرجل لا يردّ من عيب يحدث به إلّا الجنون. وهو يشعر بدعوى الاتّفاق عليه أيضا. (٦)

وفي كتاب الطلاق منع في الخلاف من طلاق الوليّ عن المجنون محتجّا بإجماع الفرقة (٧) ، وفي النهاية جوّزه (٨) . ومنع في الخلاف أيضا من وقوع الطلاق بالكتابة مطلقا محتجّا بالإجماع مطلقا (٩) ، وفي النهاية جوّزه للغائب. (١٠) ومنع فيه من إرث المطلّق مريضا زوجته إذا كان الطلاق بائنا محتجّا بإجماع الفرقة (١١) ، وفي موضع آخر منه بالإجماع مطلقا (١٢) . وفي النهاية أثبت التوارث بينهما في العدّة البائنة والرجعيّة. (١٣)

وكذلك ادّعى في الخلاف والمبسوط معا الإجماع من أهل العلم على أنّ الحامل بتوأمين لا تبين إلّا بوضع الاثنين (١٤) وفي النهاية حكم بأنّها تبين بوضع

__________________

(١) انظر : الخلاف ، ج ٤ ، ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ، المسألة ٨١.

(٢) انظر : الخلاف ، ج ٤ ، ص ٣٠٩ ، المسألة ٨٢.

(٣) الخلاف ، ج ٤ ، ص ٣١٨ ، المسألة ٩٢.

(٤) التبيان ، ج ٣ ، ص ١٧٠ ، ذيل الآية ٢٥ من سورة النساء. وفي الف : ذهب بين تخييرها وفسخ عقد الأمة.

(٥) المبسوط ، ج ٤ ، ص ٢٦٤.

(٦) المبسوط ، ج ٤ ، ص ٢٥٢.

(٧) الخلاف ، ج ٤ ، ص ٤٤٢ ، المسألة ٢٩.

(٨) النهاية ، ص ٥٠٩.

(٩) الخلاف ، ج ٤ ، ص ٤٦٩ ، المسألة ٢٩.

(١٠) النهاية ، ص ٥١١.

(١١) الخلاف ، ج ٤ ، ص ١٠١ ـ ١٠٢ ، المسألة ١١١.

(١٢) الخلاف ، ج ٤ ، ص ٤٨٤ ، المسألة ٥٤.

(١٣) النهاية ، ص ٥٠٩.

(١٤) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٦٠ ، المسألة ٨ ؛ المبسوط ، ج ٥ ، ص ٢٤١.

٣٩٦

الأوّل ولا تنكح حتّى تضع الثاني. (١)

ومن كتاب الظهار في الكفّارة قال في الخلاف : إذا كان له عبد قد جنى عمدا لم يجز إعتاقه من الكفّارة ، وإن كان خطأ جاز ، واحتجّ عليه بإجماع الفرقة (٢) . وعكس في المبسوط وقال : الذي يقتضيه مذهبنا أنّه إن كان عمدا نفذ العتق ، وإن كان خطأ لم ينفذ. (٣)

وجوّز في الخلاف دفع الكفّارة إلى الصغير محتجّا بالإجماع (٤) . وفي المبسوط منع من ذلك واعتبر قبض وليّه. (٥)

ومن كتاب الإيلاء اشترط في الخلاف تجويزه محتجّا بالإجماع (٦) . وفي المبسوط جوّز وقوعه معلّقا على الشرط والصفة. (٧)

وقال في الخلاف إذا وطئ المولى بعد مدّة التربّص وجبت عليه الكفّارة محتجّا بإجماع الفرقة (٨) . وفي المبسوط قوّى عدم الكفّارة وخصّها بما لو وطئ في المدّة. (٩)

ومن كتاب العتق ادّعى في الخلاف الإجماع على السراية مع انتقال التنقّص إليه بغير الاختيار كالإرث (١٠) . وفي المبسوط اختار عدم السراية بذلك. (١١)

ومن كتاب النذر قال في الخلاف : إذا نذر أن يهدي هديا وأطلق ، ينصرف إلى النعم ، ويعتبر فيه صفات الأضحية محتجّا بإجماع الفرقة (١٢) . وقال في المبسوط : يجزي كلّ شيء حتّى الدجاجة والبيضة والتمر وغيرها. (١٣)

ومن كتاب الصيد قال في الخلاف : لا يشترط في الكلب أن يعلّمه المسلم ، فلو علّمه مجوسي فاستعاره وأرسله المسلم حلّ المقتولة ، واستدلّ عليه بإجماع

__________________

(١) النهاية ، ص ٥١٧.

(٢) الخلاف ، ج ٤ ، ص ٥٤٦ ، المسألة ٣٣.

(٣) المبسوط ، ج ٥ ، ص ١٦١.

(٤) الخلاف ، ج ٤ ، ص ٥٦٤ ، المسألة ٦٨.

(٥) المبسوط ، ج ٥ ، ص ١٧٨.

(٦) الخلاف ، ج ٤ ، ص ٥١٧ ، المسألة ١٢.

(٧) المبسوط ، ج ٥ ، ص ١١٧ و١٢٨ ـ ١٢٩.

(٨) الخلاف ، ج ٤ ، ص ٥٢٠ ، المسألة ١٨.

(٩) المبسوط ، ج ٥ ، ص ١٣٥.

(١٠) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٣٦٨ ، المسألة ٧.

(١١) المبسوط ، ج ٦ ، ص ٦٨.

(١٢) الخلاف ، ج ٦ ، ص ١٩٧ ، المسألة ٨.

(١٣) لم نعثر عليه في المبسوط.

٣٩٧

الفرقة وأخبارهم (١) . وقال في المبسوط : لو علّمه مجوسي فاستعاره المسلم أو غصبه فاصطاد به قال بعضهم : لا يحلّ ، وهو الأقوى عندي. (٢)

ومن كتاب الأطعمة قال في الخلاف : الغراب كلّه حرام محتجّا بإجماع الفرقة وأخبارهم (٣) . وقال في النهاية : يكره أكل الغربان (٤) ، وفي التهذيب والاستبصار أيضا صرّح بالكراهة من دون التحريم في الجميع (٥) ، وفي المبسوط حرّم الكبير الأسود الذي يسكن الجبال والأبقع ، وقال في غراب الزرع ـ وهو الزاغ ـ وفي الغداف ـ وهو أغبر أصغر منه ـ : قال قوم يحرم ، وقال آخرون هو مباح ، وهو الذي ورد في رواياتنا (٦) ؛ مع أنّه لم يوجد بذلك رواية أصلا.

وقال في النهاية : من استحلّ الجريّ والمارماهي وجب عليه القتل. ذكر ذلك في كتاب الحدود منها (٧) ، وهو يقتضي الإجماع على تحريمها من المسلمين فضلا عن الفرقة ؛ لأنّ المخالف لإجماع الفرقة خاصّة لا يقتل عنده ولا عند غيره بالإجماع ، مع أنّه في النهاية أيضا في كتاب الأطعمة جعلهما مكروهين. (٨) وهذا عجيب غريب.

وقال في الخلاف لا يجوز للمضطرّ تناول الخمر للعطش ولا لغيره مطلقا محتجّا بإجماع الفرقة (٩) ، وجوّزه في النهاية. (١٠)

ومن كتاب الغصب قال في الخلاف : لو جنى على بعض أعضاء الدابّة ، فكلّ ما في البدن منه اثنان فيه القيمة ، وفي أحدهما نصفها محتجّا بالإجماع (١١) .

وفي المبسوط حكم بالأرش في أطراف الحيوان مطلقا ، دابّة وغيرها (١٢) ،

__________________

(١) الخلاف ، ج ٦ ، ص ١٩٩ ، المسألة ١٨.

(٢) المبسوط ، ج ٦ ، ص ٢٦٢.

(٣) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٨٥ ، المسألة ١٥.

(٤) النهاية ، ص ٥٧٧.

(٥) تهذيب الأحكام ، ج ٩ ، ص ١٨ ـ ١٩ ، باب الصيد والزكاة ؛ الاستبصار ، ج ٤ ، ص ٦٦ ، باب كراهيّة لحم الغراب.

(٦) المبسوط ، ج ٦ ، ص ٢٨١.

(٧) النهاية ، ص ٧١٣.

(٨) قال به في كتاب الصيد والذبائح من النهاية ، ص ٥٧٦ ، لا الأطعمة.

(٩) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٩٧ ، المسألة ٢٢.

(١٠) النهاية ، ص ٥٩١ ـ ٥٩٢.

(١١) الخلاف ، ج ٣ ، ص ٣٩٧ ، المسألة ٤.

(١٢) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٦٢.

٣٩٨

كقول الجماعة. (١)

ومن كتاب الميراث قال في الخلاف : إن كان المعتق رجلا ورث الولاء أولاده الذكور والإناث ، واستدلّ عليه بإجماع الفرقة (٢) . وفي النهاية والإيجاز : ترثه الذكور دون الإناث. (٣)

واختلف كلامه في الاستبصار : ففي العتق اختار مذهب النهاية (٤) ، وفي الميراث اختار مذهب الخلاف. (٥)

وفي ميراث الخنثى قال في الخلاف : تورث بالقرعة محتجّا بالإجماع (٦) ، وفي المبسوط والإيجاز : تورث نصف النصيبين. (٧)

ومن كتاب القضاء قال في الخلاف : إذا حلف المدّعى عليه ، ثمّ أقام المدّعي البيّنة بالحقّ ، لم يحكم له بها ، وادّعى عليه إجماع الفرقة وأخبارهم (٨) . وقال في المبسوط : يسمع ؛ ذكره في فصل ما على القاضي والشهود (٩) ، وفصّل في موضع آخر منه بسماعها مع عدم علمه بها ونسيانه. (١٠)

وقال في الخلاف : لا يقضى على المنكر بالنكول ، وادّعى فيه الإجماع (١١) . وفي النهاية اختار القضاء بالنكول. (١٢)

وقال في الخلاف : لو تعارض قديم الملك واليد ، فاليد أولى ؛ مستدلّا

__________________

(١) قال به الشافعي في كتاب الأمّ ، ج ٣ ، ص ٢٤٥ ، والنووي في المجموع ، ج ١٤ ، ص ٢٤٥ ، وابن حزم في المحلّى ، ج ١٠ ، ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ، وابن قدامة في المغني ، ج ٧ ، ص ٣٧١ ـ ٣٧٢.

(٢) الخلاف ، ج ٤ ، ص ٧٩ ـ ٨٠ ، المسألة ٨٤.

(٣) النهاية ، ص ٥٤٧ ـ ٥٤٨ ؛ الإيجاز ( المطبوع ضمن الرسائل العشر ) ، ص ٢٧٧.

(٤) الاستبصار ، ج ٤ ، ص ٢٥.

(٥) الاستبصار ، ج ٤ ، ص ١٧٣.

(٦) الخلاف ، ج ٤ ، ص ١٠٦ ، المسألة ١١٦.

(٧) المبسوط ، ج ٤ ، ص ١١٤ ؛ الإيجاز ( المطبوع ضمن الرسائل العشر ) ، ص ٢٧٥.

(٨) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، المسألة ٤٠.

(٩) المبسوط ، ج ٨ ، ص ١٥٨.

(١٠) المبسوط ، ج ٨ ، ص ٢١٠.

(١١) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، المسألة ٣٨.

(١٢) النهاية ، ص ٣٤٠.

٣٩٩

بالإجماع (١) . وفي المبسوط رجّح قديم الملك. (٢)

ومن كتاب الشهادات جعل في الخلاف المسلم على العدالة إلّا أن يظهر فيه الفسق مدّعيا الإجماع (٣) ، وخالف في غيره. (٤)

ومن كتاب الحدود قال في الخلاف : لا ينتصف حدّ القذف على العبد محتجّا بالإجماع (٥) ، وحكم في غيره بتنصيفه عليه. (٦)

وفي باب الارتداد حكم في الخلاف بأنّ الولد من المرتدّ حال ارتداد أبويه يجوز استرقاقه إن ولد في دار الحرب لا في دار الإسلام محتجّا بالإجماع والأخبار ، وذكر ذلك في كتاب قتال أهل الردّة (٧) . وذكر في كتاب المرتدّ من الخلاف والمبسوط أنّه يجوز استرقاقه مطلقا مصرّحا بعدم الفرق بين الدارين. (٨) ومن كتاب القصاص إذا كان المدّعى عليهم القتل للواحد أكثر من واحد مع اللوث وتوجّهت عليهم اليمين ، فهل يتوجّه عليهم جميعا خمسون يمينا ، أم يجب على كلّ واحد خمسون يمينا ؟ ذهب في الخلاف إلى الثاني محتجّا بالإجماع والأخبار (٩) ، وفي المبسوط إلى الأوّل. (١٠)

وفي القصاص أيضا قال في المبسوط : إذا قطع إنسان يد غيره ، وقطع آخر رجله ، وأوضحه ثالث فسرى إلى نفسه ، كان وليّه مخيّرا بين أن يقتصّ في الجراح فيقطع القاطع ثمّ يقتله ويوضح الذي أوضحه ثمّ يقتله. (١١) وقال في الخلاف : إن أراد وليّ الدم قتلهم قتلهم ، وليس له أن يقتصّ منهم ثمّ يقتلهم.

__________________

(١) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، المسألة ١٥.

(٢) المبسوط ، ج ٨ ، ص ٢٨٠.

(٣) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٢١٧ ـ ٢١٨ ، المسألة ١٠.

(٤) النهاية ، ص ٣٢٥ و٣٤٢ ـ ٣٤٣ ؛ المبسوط ، ج ٨ ، ص ٢١٧.

(٥) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ، المسألة ٤٧.

(٦) المبسوط ، ج ٨ ، ص ١٦.

(٧) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٥٠١ ، المسألة ١.

(٨) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٣٦٠ ، المسألة ١١ ؛ المبسوط ، ج ٧ ، ص ٢٧٦.

(٩) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٣١٤ ، المسألة ١٣. ولا يخفى أنّ الشيخ ذهب فيه إلى القول الأوّل.

(١٠) المبسوط ، ج ٧ ، ص ٢٢٢. ذهب فيه إلى القول الثاني.

(١١) المبسوط ، ج ٧ ، ص ١٤.

٤٠٠