شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي
المحقق: الدكتور عمر عبدالسلام تدمري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٧٦
بسم الله الرحمن الرحيم
[الطبقة الستّون]
سنة إحدى وتسعين وخمسمائة
[استيلاء مؤيّد الدين على همذان]
أنبأنا ابن البزوريّ قال : في المحرّم وصل الخبر على جناح طائر باستيلاء الوزير مؤيّد الدّين محمد بن القصّاب على همذان ، وضربت الطّبول (١).
[عناية الناصر بالحمام]
قلت : واعتنى الناصر لدين الله هذه المدّة بالحمام اعتناء عظيما.
[انتهاب الريّ]
قال : وولّى مؤيّد الدّين كلّ بلد أميرا ، واجتمع بختلغ إنج (٢) فخلع عليه ، واتّفقا على الخوارزميّة وقتالهم ، فقصد الوزير دامغان وقصد خلتغ إنج الريّ فدخلها وتحصّن بها ، وخالف فيها الوزير فحصره ، ففارقها ختلغ إنج ، ودخلها الوزير وأنهبها عسكر بغداد. ثمّ ولّاها فلك الدّين سنقر النّاصريّ (٣).
[دخول خوارزم شاه همذان]
ثمّ سار فحارب ختلغ إنج ، فانكسر ختلغ إنج ونجا بنفسه ، ورجع الوزير فدخل همذان. فنفّذ خوارزم شاه يعتب على الوزير ، ويتهدّده لما فعل
__________________
(١) الكامل في التاريخ ١٢ / ١١١ ، مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٤٥.
(٢) في الكامل : «قتلغ إينانج».
(٣) البداية والنهاية ١٣ / ١١.
في أطراف بلاده ، فاستعدّ الوزير للملتقى ، فتوفّي دون ذلك ، وجيّش خوارزم شاه ، وقصد همذان ، وحارب العسكر فهزمهم ، ونبش الوزير ليشيع الخبر أنّه قتل في المعركة. ثمّ عاد إلى خراسان (١).
[تأمير كوكج على البهلوانية]
ثمّ إنّ المماليك البهلوانيّة أمّروا عليهم كوكج (٢) ، وملكوا الريّ ، وأخرجوا فلك الدّين سنقر (٣).
[خروج العزيز لأخذ دمشق]
وفيها سار الملك العزيز من مصر ليأخذ دمشق ، فبادر الملك الأفضل منها وساق إلى عمّه العادل ، وهو بقلعة جعبر ، وطلب نجدته ، ثمّ عطف إلى أخيه الظّاهر يستنجده. فساق العادل وسبق الأفضل إلى دمشق ، وقام معهما كبار الأمراء ، فردّ العزيز منهزما ، وسار وراءه العادل والأفضل فيمن معهما من الأسديّة والأكراد ، فلمّا رأى العادل انضمام العساكر إلى الأفضل وقيامهم معه ، خاف أن يملك مصر ، ولا يسلّم إليه دمشق ، فبعث في السّرّ إلى العزيز يأمره بالثّبات ، وأن يجعل على بلبيس من يحفظها ، وتكفّل بأنّه يمنع الأفضل ، فجهّز العزيز النّاصريّة مع فخر الدّين جركس ، فنزلوا ببلبيس ، وجاء الأفضل والعادل فنازلوهم ، فأراد الأفضل مناجزتهم ودخول مصر ، فمنعه العادل من الأمرين وقال : هذه عساكر الإسلام ، فإذا قتلوا في الحرب فمن يردّ العدوّ ، والبلاد بتحكّمك. وأخذ يراوغه.
وجاء القاضي الفاضل في الصّلح ، ووقعت المطاولة ، واستقرّ العادل بمصر عند العزيز ، ورجع الأفضل.
__________________
(١) الكامل ١٢ / ١١١ ، ١١٢.
(٢) يرد : «كوكج» و «كوكجه».
(٣) الكامل ١٢ / ١١٧ ، ١١٨.
هذا ملخّص ما قاله «ابن الأثير» (١).
[تجديد الهدنة]
وفي هذه المدّة جدّد العزيز الهدنة مع ملك الفرنج كندهري ، وزاد في المدّة. ثم لم يلبث كندهري أن سقط من مكان بعكّا فمات ، واختلفت أحوال الفرنج قليلا.
[سوء تدبير الوزير ضياء الدين]
قال ابن واصل (٢) وغيره : لمّا عزم العزيز على قصد الشّام ثانيا ، أشار العقلاء على الملك الأفضل بملاطفة أخيه العزيز ، ولو فعل لصلح حاله ، وأرضى منه العزيز بإقامة السّكّة والخطبة له بدمشق ، لكن قبل ما أشار به وزيره الضّياء بن الأثير ، من اعتصامه بعمّه العادل والالتجاء إليه ، وكان ذلك من فاسد الرأي ، حتّى استولى عمه على الأمر ، وغلب على السّلطنة.
[إقبال الأفضل على الزهد]
ولمّا رجع الأفضل من بلبيس أقبل أيضا على الزّهد والعبادة وفوّض الأمور إلى ابن الأثير ، فاختلّت به غاية الاختلال (٣).
[قدوم ابن شملة بغداد]
وفيها قدم بغداد شمس الدّين عليّ بن سوسيان بن شملة ، ومعه نساء أبيه وجواريه ، فتلقّى بالموكب الشّريف. وكان صبيّا بديع الجمال ، تضرب بحسنة الأمثال (٤).
__________________
(١) في الكامل في التاريخ ١٢ / ١١٨ ـ ١٢٠ ، وانظر : مفرّج الكروب ٣ / ٥٠ ـ ٥٤ ، وزبدة الحلب ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٥ ، والمختصر ٣ / ٩١ ، والدرّ المطلوب ١٢٧ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١١١ ، والعسجد المسبوك ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ومرآة الجنان ٣ / ٤٧٣ ، والبداية والنهاية ١٣ / ١١ ، وتاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٣١ ، ٣٣٢ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٢١٧ ، وتاريخ ابن الفرات ج ٤ ق ٢ / ١٠٣ ـ ١٠٦.
(٢) في مفرّج الكروب ٣ / ٤١.
(٣) مفرّج الكروب ٣ / ٥٥ ، تاريخ ابن الفرات ج ٤ ق ٢ / ١٣٠ ، البداية والنهاية ١٣ / ١١.
(٤) مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٤٥.
وقال أبو شامة (١) : فيها قدم العزيز إلى الشّام أيضا ونزل على الغوار ، ثمّ رحل إلى مصر لمّا سمع بقدوم العساكر مع عمّه العادل وأخيه الأفضل ، فتبعاه إلى مصر ، وخرج القاضي الفاضل فأصلح الحال ، فدخل العادل مصر مع العزيز وأقام عنده ، وردّ الملك الأفضل إلى دمشق.
[وقعة الزّلّاقة بالمغرب]
وفيها كانت بالمغرب وقعة الزّلّاقة ، وكانت ملحمة عظيمة بين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ، وبين الفنش (٢) ملك طليطلة لعنه الله تعالى.
كان الفنش قد استولى على عامّة جزيرة الأندلس ، وقهر ولاتها ، وكان يعقوب ببرّ العدوة مشغولا عن نصرة أهل الأندلس بالخوارج الخارجين عليه ، وبين الأندلس وبين سبتة كان أدقّ ما يكون من عرض البحر ، وعرضه ثلاثة فراسخ ، ويسمى العدوة ، وزقاق سبتة ، وغير ذلك. ومنه دخل المسلمون في المراكب لمّا افتتحوا الأندلس في دولة الوليد بن عبد الملك. واستصرى الفونش واستفحل أمره ، واتّسع ملكه ، وكتب إلى يعقوب ينخّيه في الدّخول إليه ، فأخذته حميّة الإسلام ، وسار فنزل على زقاق سبتة ، وجمع المراكب ، وعرض جيوشه ، فكانوا مائة ألف مرتزقة ، ومائة ألف مطوّعة ، وعدّوا كلّهم ، ووصل إلى موضع يقال له «الزّلّاقة» ، وجاءه الفنش في مائتي ألف وأربعين ألفا ، فالتقوا ، فنصر الله دينه ، ونجا الفونش في عدد يسير إلى طليطلة ، وغنم المسلمون غنيمة لا تحصى.
قال أبو شامة (٣) : كان عدّة من قتل من الفرنج مائة ألف وستّة وأربعين ألفا ، وأسر ثلاثون ألفا ، وأخذ من الخيام مائة ألف خيمة وخمسون ألفا ، ومن
__________________
(١) في ذيل الروضتين ٧.
(٢) وهو ألفونس الثامن.
(٣) في ذيل الروضتين ٧ ، ٨.
الخيل ثمانون ألف رأس ، ومن البغال مائة ألف ، ومن الحمير أربعمائة ألف حمار ، تحمل أثقالهم ، لأنّهم لا جمال عندهم ، ومن الأموال والجواهر والقماش ما لا يحصى.
قال : وبيع الأسير بدرهم ، والسّيف بنصف ، والحصان بخمسة دراهم ، والحمار بدرهم. وقسّم يعقوب الملقّب بأمير المؤمنين الغنائم على مقتضى الشّريعة فاستغنوا للأبد.
وأمّا الفنش فوصل بلده على أسوأ حال ، فحلق رأسه ونكّس صليبه ، وآلى أن لا ينام على فراشه ولا يقرب النّساء ، ولا يركب حتّى يأخذ بالثّأر. وأقام يجمع من الجزائر والبلاد ويستعدّ.
قال : وقيل إنّما كانت هذه الوقعة في سنة تسعين ، وهذا وهم ، إنّما كانت في سنة إحدى وتسعين في تاسع شعبان (١).
__________________
(١) انظر عن (وقعة الزلّاقة) في : الكامل في التاريخ ١٢ / ١١٣ ـ ١١٦ ، وتاريخ مختصر الدول ٢٢٤ ، وذيل الروضتين ٧ ، ٨ ، ومرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٤٦ ـ ٤٤٨ ، و ٤٤٩ ، والمختصر ٣ / ٩١ ، والدرّ المطلوب ١٢٧ ، ودول الإسلام ٢ / ١٠٢ ، ١٠٣ ، ومرآة الجنان ٣ / ٤٧٢ ، والبداية والنهاية ١٣ / ١٠ ، ١١ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ١١١ ، وتاريخ ابن الفرات ج ٤ ق ٢ / ١٢٧ ـ ١٣٠ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ١٣٧ ، ١٣٨ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٢١٦ ، وشذرات الذهب ٤ / ٣٠٦.
سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة
[نيابة ابن البخاري بالوزارة]
فيها استنيب في الوزارة قاضي القضاة أبو طالب عليّ بن عليّ البخاريّ (١).
[ولاية طاشتكين خوزستان]
وفيها أفرج عن الأمير مجير الدّين طاشتكين الحاجّ ، وولّي مملكة بلاد خوزستان ، ووسم بالملك ، وأنعم عليه بكوسات (٢) وأعلام.
[دخول العزيز وعمّه دمشق]
وقال أبو شامة (٣) : وفيها قدم الملك العزيز ثالثا إلى الشّام ومعه عمّه الملك العادل.
قلت : فحاصرا دمشق مدّة يسيرة ، ووقعت المخامرة من عسكر دمشق ففتحوا الأبواب ، ودخل العزيز والعادل في رجب.
قال ابن الأثير (٤) : كان أبلغ الأسباب في ذلك وثوق الأفضل بعمّه ، وقد بلغ من وثوقه أنّه أدخله بلده وهو غائب عنه. وقد كان أرسل إليه أخوه
__________________
(١) خلاصة الذهب المسبوك ٢٨٣ ، مختصر التاريخ لابن الكازروني ٢٥٠.
(٢) الكوسات : صنوجات من نحاس تشبه الترس الصغير قال القلقشندي : والّذي يضرب بالصنوج النحاس بعضها على بعض الكوسيّ. (صبح الأعشى ٤ / ٩ و ١٣).
(٣) في ذيل الروضتين ٩.
(٤) في الكامل ١٢ / ١٢٢ ، ١٢٣.
الظّاهر يقول : أخرج عمّنا من بيننا ، فإنّه لا يجيء علينا منه خير ، وأنا أعرف به منك ، وأنا زوج ابنته.
فردّ عليه الأفضل : أنت سيّئ الظّنّ ، وأيّ مصلحة لعمّنا في أن يؤذينا؟
ولمّا تقرّر العادل بمصر استمال الملك العزيز ، وقرّر معه أن يخرج إلى دمشق ، ويملك دمشق ويسلّمها إليه ، فسار معه وقصدوها ، واستمالوا أميرا فسلّم إليهم باب شرقيّ ، وفتحه ودخل منه العادل ووقف العزيز بالميدان (١).
فلمّا رأى الأفضل أنّ البلد قد ملك ، خرج إلى أخيه ودخل به البلد ، واجتمعا بالعادل وقد نزلا في دار أسد الدّين شيركوه ، فبقيا أياما كذلك ، ثمّ أرسلا إلى الأفضل ليتحوّل من القلعة ، فخرج وسلّم القلعة إلى أخيه (٢).
قلت : رجع العزيز إلى مصر ، وأقام العادل بدمشق ، فتغلّب عليها ، وأخرج أولاد أخيه صلاح الدّين عنها ، وأنزل الأفضل في صرخد.
وقال أبو شامة (٣) : انفصل الحال على أن خرج الأفضل إلى صرخد ، وتسلّم البلد الملك العزيز ، وسلّمها إلى عمه ، وأسقط ما فيها من المكوس ، وبقيت بها الخطبة والسّكّة باسم الملك العزيز.
وقال في «الروضتين» (٤) : فيها نزل العزيز بقلعة دمشق ، ودخل هو وأخوه الأفضل متصاحبين إلى الضّريح النّاصريّ ، وصلّى الجمعة عند ضريح والده. ودخل دار الأمير سامة في جوار التّربة ، وأمر القاضي محيي الدّين أن يبنيها مدرسة للتربة ، فهي المدرسة العزيزيّة. ووقف عليها قرية محجّة.
__________________
(١) هو الميدان الأخضر ، كما في الكامل ١٢ / ١٢٢.
(٢) الكامل ١٢ / ١٢١ ـ ١٢٣ ، مفرّج الكروب ٣ / ٦٢ ـ ٧٠ ، المختصر ٣ / ٩٢ ، الدرّ المطلوب ١٢٨ ، العسجد المسبوك ٢٣٧ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١١١ ، دول الإسلام ٢ / ١٠٣ ، مرآة الجنان ٣ / ٤٧٣ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٢ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٣٢ ، السلوك ج ١ ق ١ / ١٢٩ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٢١٧ ، ٢١٨.
(٣) في الذيل على الروضتين ١٠.
(٤) ص ١٠.
قلت : ما أحسن قول ملك البلاغة القاضي الفاضل رحمهالله ورضي عنه : أمّا هذا البيت فإنّ الآباء منه اتّفقوا فملكوا ، وأنّ الأبناء منه اختلفوا فهلكوا ، إذا غرب نجم فما في الحيلة تشريقه ، وإذا خرق ثوب فما يليه إلّا تمزيقه ، وإذا كان الله مع خصم فمن يطيقه؟
قال أبو شامة (١) : وأخذت قلعة بصرى من الملك الظّافر خضر ابن صلاح الدّين ، أخذها أخوه.
[هبوب ريح سوداء]
قال : وفيها بعد خروج النّاس من مكّة هبّت ريح سوداء عمت الدنيا ، ووقع على الناس رمل أحمر ، ووقع من الركن اليمانيّ قطعة ، وتجرّد البيت مرارا (٢).
[طلب خوارزم شاه السلطنة ببغداد]
ومن خبر خوارزم شاه أنّه كان قد قطع نهر جيحون في خمسين ألفا ، ثمّ وصل همذان وشحن على البلاد إلى باب بغداد ، وبعث إلى الخليفة يطلب السّلطنة ، وإعادة دار السّلطنة إلى ما كانت ، وأن يجيء إلى بغداد ، وأن يكون الخليفة من تحت يده كما كانت الملوك السّلجوقيّة. فانزعج الخليفة وأهل بغداد ، وغلت الأسعار.
[حصار طليطلة]
قال (٣) : وفيها كانت وقعة أخرى ليعقوب بن يوسف مع الفنش. وكان الفنش قد حشد وجمع جمعا أكثر من الأوّل ، ووقع المصاف ، فكسره
__________________
(١) في ذيل الروضتين ١٠.
(٢) الكامل ١٢ / ١٢٣ ، ذيل الروضتين ١٠ ، مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٤٨ ، ٤٤٩ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٢.
(٣) القائل أبو شامة في ذيل الروضتين ٨.
يعقوب ، وساق خلفه إلى طليطلة ونازلها ، وضربها بالمنجنيق ، وضيّق عليها ، ولم يبق إلّا أخذها ، فخرج إليه والدة الفنش وبناته وحريمه ، وبكين بين يديه ، وسألنه إبقاء البلد عليهنّ ، فرقّ لهنّ ومنّ عليهنّ بالبلد. ولو فتح طليطلة لفتح إلى مدينة النّحاس.
وعاد إلى قرطبة وقسّم الغنائم ، وصالح الفنش مدّة (١).
وقيل : إنّ هذه الوقعة كانت في سنة إحدى وتسعين.
وفيها وفي الّتي قبلها عاث ابن غانية الملثّم ، وخلت له إفريقية ، وكان بالبرّيّة مع العرب ، فعاود إفريقية ، وخرّبت عساكره البلاد. فلهذا صالح يعقوب الفرنج ورجع إلى المغرب لحرب الملثّم.
__________________
(١) الكامل ١٢ / ١١٣ ـ ١١٦ ، ذيل الروضتين ٧ ، ٨ ، المختصر ٣ / ٩١ ، مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٤٩ ، الدرّ المطلوب ١٢٧ ، دول الإسلام ٢ / ١٠٢ ، ١٠٣ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١١١ ، مرآة الجنان ٣ / ٤٧٢ ، تاريخ مختصر الدول ٢٢٤ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٠ ، ١١ ، النجوم الزاهرة ٦ / ١٣٧ ، ١٣٨ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٢١٧ ، شذرات الذهب ٤ / ٣٠٦.
سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة
[إكرام أبي الهيجاء السمين ببغداد]
فيها وصل الأمير أبو الهيجا الكرديّ ، المعروف بالسّمين. كان مفرط السّمن ، ومن أعيان أمراء الشّام. ترك خدمة الملك العزيز عثمان بن صلاح الدّين وقدم بغداد ، فتلقّى وأكرم ، وبالغوا في احترامه (١).
[اعتقال أبي الهيجاء]
ثمّ جرت من أجناده ناقصة لمّا جرّدوا وحاربوا عسكر الدّيوان ، فكان هو ببغداد فاعتقل (٢).
[سلطنة العزيز بمصر والشام]
وفيها خطب وضربت السّكّة للملك العزيز ، كما خطب له عام أوّل بدمشق ، وتمّت له سلطنة مصر والشّام ، مع كون عمّه العادل صاحب دمشق ، وأخيه صاحب حلب (٣).
[قطع بركة المسافة من واسط إلى بغداد]
وفي جمادى الآخرة جرى بركة السّاعي من واسط إلى بغداد في يوم وليلة ، وهذا لم يسبق إلى مثله ، وخلع عليه خلع سنيّة ، وحصل له مال (٤).
__________________
(١) الكامل ١٢ / ١٢٥ ، مفرّج الكروب ٣ / ٧٠ ، مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٥٢.
(٢) لم يذكر ابن الأثير أن أبا الهيجاء اعتقل. انظر الكامل ١٢ / ١٢٥ ، ومفرّج الكروب ٣ / ٧٠.
(٣) مفرّج الكروب ٣ / ٦٩.
(٤) تقدّم خبر عنه في سنة ٥٨٧ ه.
[وفاة أبي الهيجاء]
ثم خلع على أبي الهيجاء السّمين ، وأمر أن ينزل بهمذان ، وتوفّي بعد شهر (١).
[توجّه الرسول إلى غزنة]
وفيها توجّه مجير الدّين الحسن بن الربيع رسولا إلى شهاب الدّين الغوريّ صاحب غزنة.
[انقضاض كوكب]
أنبأنا ابن البزوريّ قال : وانقضّ في شوّال كوكب عظيم سمع لانقضاضه صوت هائل ، واهتزّت الدّور والأماكن ، فاستغاث الناس ، وأعلنوا بالدّعاء ، وظنّوا ذلك من أمارات القيامة (٢).
[مقتل ملك اليمن]
قال : وفيها ملك إسماعيل بن سيف الإسلام طغتكين بلد اليمن بعد أبيه ، وأساء في ولايته ، وادّعى أنّه قرشيّ ، وخطب لنفسه ، وتسمّى بالهادي ، ثمّ قتل (٣).
[فتح يافا]
قال أبو شامة (٤) : وفي شوّالها فتح العادل يافا عنوة وأخربها ، وكان قد
__________________
(١) الكامل ١٢ / ١٢٥ ، مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٥٨ ، ٤٥٩ (في المتوفين سنة ٥٩٤ ه.) ، البداية والنهاية ١٣ / ١٥.
(٢) انظر البداية والنهاية ١٣ / ١٣ ، ١٤.
(٣) الكامل ١٢ / ١٢٩ ، ١٣٠ ، مفرّج الكروب ٣ / ٧٢ و ٧٣.
(٤) في ذيل الروضتين ١٠.
أتاها أربعون فارسا نجدة ، فلمّا عاينوا الغلبة دخلوا الكنيسة وأغلقوا بابها ، ثمّ قتل بعضهم بعضا ، فكسر المسلمون الباب فوجدوهم صرعى ، وهذا ثالث فتح لها ، لأنّها فتحت أيّام بيت المقدس ، ثمّ استرجعها الإنكتير ، ثمّ أخذها ثاني مرّة صلاح الدّين ، ثمّ افتتحها في هذا الوقت الملك العادل ، ثمّ ملكتها الفرنج ، ثمّ افتتحها السّلطان الملك النّاصر رابعا ، ثمّ خرّبت (١).
[كتاب الفاضل يصف البرق والريح]
كتب الفاضل إلى محيي الدّين بن الزّكيّ يقول : «وممّا جرى من المعضلات بأس من الله طرق ونحن نيام ، وظنّ النّاس أنّه اليوم الموعود ، ولا يحسب المجلس أنّي أرسلت القلم محرّفا ، والقول مجزّفا ، فالأمر أعظم ، ولكنّ الله سلّم. إنّ الله تعالى أتى بساعة كالسّاعة ، كادت تكون للدّنيا السّاعة ، في الثّلث الأوّل من ليلة الجمعة تاسع عشر (٢) جمادى الآخرة ، أتى عارض فيه ظلمات متكاثفة وبروق خاطفة ، ورياح عاصفة ، قوي الهواء (٣) بها ، واشتدّ هبوبها (٤) ، وارتفعت لها صعقات (٥) ، فرجفت الجدران ، واصطفقت ، وتلاقت على بعدها ، واعتنقت ، وثار عجاج (٦) ، فقيل : لعلّ هذه قد انطبقت (٧). وتوالت البروق على نظام ، فلا يحسب إلّا أنّ جهنّم قد سال منها واد ، وزاد
__________________
(١) الكامل في التاريخ ١٢ / ١٢٦ ، مفرّج الكروب ٣ / ٧٥ ، الأعلاق الخطيرة ٢ / ٢٥٦ ، ذيل الروضتين ١٠ ، ١١ ، الدرّ المطلوب ١٣٠ ، دول الإسلام ٢ / ١٠٣ ، مرآة الجنان ٣ / ٤٧٥ ، السلوك ج ١ ق ١ / ١٠٤ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٢١٨ و ٢٢١ ، المختصر ٣ / ٩٣ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١١٢ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٣٣ ، شفاء القلوب ٢٠٤ ، تاريخ ابن الفرات ج ٤ ق ٢ / ١٣٤ (حوادث سنة ٥٩٤ ه.).
(٢) في البداية والنهاية ١٣ / ١٣ «في ليلة الجمعة التاسع من جمادى الآخرة».
(٣) في البداية والنهاية ١٣ / ١٣ «قوي الجو».
(٤) في البداية والنهاية ١٣ / ١٣ بعدها : «قد أثبت لها أعنّة مطلقات».
(٥) في البداية والنهاية ١٣ / ١٣ «صفقات».
(٦) في البداية والنهاية ١٣ / ١٣ «وثار السماء والأرض عجاجا».
(٧) في البداية والنهاية ١٣ / ١٣ «حتى قيل إن هذه على هذه قد انطبقت».
عصف الريح إلى أن تغطّت النّجوم (١) ، وكانت تسكن وتعود عودا عنيفا ، ففرّ النّاس والنّساء والأطفال ، وخرجوا من دورهم لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا ، بل يستغيثون ربّهم ، ويذكرون دينهم. ولا يستغربون العذاب ، لأنّهم على موجباته مصرّون وفي وقت وقوع واقعاته باستحقاقه مقرّون ، معتصمين بالمساجد الجامعة ، وملتقين الآية النّازلة من السّماء بالأعناق الخاضعة ، بوجوه عانية ، ونفوس عن الأموال والأهل سالية. قد انقطعت من الحياة علقهم ، وعميت عن النّجاة طرقهم ، فدامت إلى الثّلث الأخير ، وأصبح كلّ يسلّم (٢) على رفيقه ، ويهنّيه بسلامة طريقه ، ويرى أنّه بعث بعد النّفخة ، وأفاق بعد الصّرخة (٣). وتكسّر عدّة مراكب في البحار ، وتقلّعت الأشجار الكبار ، ومن كان نائما في الطّرق من المسافرين دفنته الرّيح حيّا ، وركب فما أغنى الفرار شيئا ، والخطب أشقّ ، وما قضيت بعض الحقّ. فما من عباد الله من رأى القيامة عيانا إلّا أهل بلدنا ، فما اقتصّ الأوّلون مثلها في المثلات ، والحمد لله الّذي جعلنا نخبر عنها ولا تخبر عنّا». في كلام طويل (٤).
[أخذ الفرنج بيروت]
وفيها أخذت الفرنج بيروت ، وكان أميرها الأمير عزّ الدّين سامة لمّا سمع بوصول العدوّ إلى صيدا هرب ، فملكها الفرنج ثاني يوم. وفيه صنّف :
سلّم الحصن ما عليك ملامه |
|
ما يلام الّذي يروم السّلامه |
فعطاء الحصون من غير حرب (٥) |
|
سنّة سنّها ببيروت سامه (٦) |
__________________
(١) في البداية والنهاية ١٣ / ١٣ «إلى أن أطفأ سرج النجوم».
(٢) في البداية والنهاية ١٣ / ١٤ «مسلم».
(٣) في البداية والنهاية ١٣ / ١٤ «بعد الصيحة والصرخة».
(٤) النص في البداية والنهاية ١٣ / ١٣ ، ١٤ باختلاف وزيادة.
(٥) وفي رواية :
إنّ أخذ الحصون لا عن قتال
(٦) البيتان لأحد الدماشقة وقد زاد بيتا ثالثا :
__________________
= أبعد الله تاجرا سنّ ذا البيع |
|
وأخزى بخزيه من أسامه |
والأبيات والخبر في :
الكامل في التاريخ ١٢ / ١٢٧ ، والروضتين ٢ / ٢٣٣ ، والذيل ١١ ، ومفرّج الكروب ٣ / ٧٤ ، ومرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٥٣ ، والأعلاق الخطيرة ٢ / ١٠٣ ٢ / ١٠٣ ، وزبدة الحلب ٣ / ١٤١ ، وتاريخ مختصر الدول ٢٢٥ ، والعسجد المسبوك ٢٤٠ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٩٣ ، ودول الإسلام ٢ / ١٠٣ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٢ ، ومرآة الجنان ٣ / ٤٧٥ ، والبداية والنهاية ١٣ / ١٥ ، وتاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٣٣ ، والسلوك ج ١ ق ١ / ١٤٠ ، وتاريخ بيروت لصالح بن يحيى ٢١ ، وشفاء القلوب ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) ١ / ٢١٩ ، ٢٢٠ ، وتاريخ ابن الفرات ج ٤ ق ٢ / ١٣٣ وفيه اختلاف في لفظ الأبيات.
سنة أربع وتسعين وخمسمائة
[نزول الفرنج على تبنين]
فيها نزلت الفرنج على تبنين ، وقدم منهم جمع كبير في البحر ، فانتشروا بالسّاحل ، وكثروا ، وخاف النّاس ، فنفّذ الملك العادل صاحب دمشق القاضي محيي الدّين إلى صاحب مصر الملك العزيز مستصرخا ، فجاء العزيز ، فترحّل الفرنج بعد أن قرّرت معهم الهدنة خمس سنين وثمانية أشهر (١).
[الحجّ من الشام]
وحجّ بالنّاس من الشّام قراجا (٢).
[ملك خوارزم شاه بخارى]
وفيها ملك علاء الدّين خوارزم شاه ، واسمه تكش بن ايل رسلان بخارى ، وكان لصاحب الخطا ، وجرى له معهم حروب وخطوب ، وانتصر عليهم ، وقتل خلقا منهم ، وساق وراءهم ، ثمّ حاصرهم مدّة ، وافتتحها عنوة ، وعفى عن الرعيّة ، وكان يقع في مدّة الحصار بين الفريقين سبّ. وتقول الخوارزميّة : يا أجناد الكفّار أنتم تعينون الخطا علينا ، أنتم مرتدّة.
__________________
(١) مفرّج الكروب ٣ / ٧٥ ، ٧٦ ، ذيل الروضتين ١٣ ، الدرّ المطلوب ١٣٣ ، مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٥٥ ، ٤٥٦ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٩٣ ، ٩٤ ، دول الإسلام ٢ / ١٠٤ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١١٢ ، ١١٣ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٣٣ ، السلوك ج ١ ق ١ / ١٤١ ، شفاء القلوب ٢٠٤ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٢٢٢ ، تاريخ ابن الفرات ج ٤ ق ٢ / ١٣٤ ، ١٣٥.
(٢) مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٥٦.
وكان خوارزم شاه أعور ، فعمد أهل بخارى إلى كلب أعور ، وألبسوه قباء ، ورموه في المنجنيق عليهم ، وقالوا : هذا سلطانكم تكش (١).
[موت أمير القدس]
وفيها مات سنقر الكبير أمير القدس. وولّي بعده صارم الدّين خطلوا الفرّخشاهيّ (٢).
[ملك أرسلان شاه الموصل]
وفيها سار ملك الموصل نور الدّين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود فنازل نصيبين ، وأخذها من ابن عمّه قطب الدّين ، فسار إلى الملك العادل واستجار به ، فسار معه بعسكره ، وقصدا نصيبين ، فتركها أرسلان شاه ، وسار إلى بلده ودخلها ، وعاد قطب الدّين فدخل نصيبين شاكرا للعادل. وأراد الرجوع في خدمته إلى دمشق فردّه.
[منازلة ماردين]
ونازل العادل ماردين ، وحاصرها أشهرا ، وملك ربضها ، ثمّ رحل عنها (٣).
__________________
(١) الكامل ١٢ / ١٣٥ ـ ١٣٨ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦ ، ١٧.
(٢) في مفرّج الكروب ٣ / ٧٦ «ختلج مملوك عزّ الدين فرخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب» ، تاريخ ابن الفرات ج ٨ ق ٢ / ١٣٨.
(٣) الكامل ١٢ / ١٣٨ ، مفرّج الكروب ٣ / ٨٠ ، مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٤٥٩.