الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨
بعض أبناء رؤساء عصره ، وقد أنفذ إليه كتاباً فلم يجبه عنه :
ها قد كتبتُ فما رددتَ جوابي |
|
ورجّعتَ مختوماً عليَّ كتابي |
وأتى رسولاً مستكيناً يشتكي |
|
ذُلَّ الحجابِ ونخوةَ البوّابِ |
وكأنّني بكَ قد كتبتَ معذِّراً |
|
وظلمتني بملامةٍ وعتابِ |
فارجع إلى الإنصاف واعلم أنَّه |
|
أولى بذي الآدابِ والأحسابِ |
يا رحمةَ اللهِ التي قد أصبحتْ |
|
دون الأنامِ عليَّ سوطَ عذابِ |
بأبي وأمّي أنت من مستجمعٍ |
|
تِيهَ القيانِ ورقّةَ الكتّابِ |
وقوله الآخر في هجاء جماعة من الرؤساء :
عدمتُ رئاسةَ قومٍ شَقُوا |
|
شباباً ونالوا الغنى حين شابوا |
حديثٌ بنعمتهم عهدُهمْ |
|
فليس لهم في المعالي نصابُ |
يَرَوْن التكبّرَ مُستصوَباً |
|
من الرأي والكبرُ لا يُستصابُ |
وإن كاتبوا صارفوا في الدعاء |
|
كأنّ دعاءَهم مستجابُ |
ومن لطيف شعره في الهجاء قوله :
إنّ مظلومةَ التي |
|
زُوّجتْ من أبي عمرْ |
وَلَدَتْ ليلةَ الزفا |
|
ف إلى بعلِها ذَكَرْ |
قلت من أين ذا الغلا |
|
مُ وما مسّها بشرْ |
قال لي بعلُها ألمْ |
|
يأتِ في مسندِ الخبرْ |
ولد المرءِ للفرا |
|
شِ وللعاهر الحجَرْ |
قلت هُنِّيتَهُ على |
|
رغم من أنكر الخبرْ |
كشاجم والرئاسة :
وبما كان المترجَم ـ كما سمعت ـ مطبوعاً بسلامة النفس ، وقداسة النَفَس ،
وطيب السريرة ، متحلّياً بمكارم الأخلاق ، خالياً من المكيدة والمراوغة والدسيسة ، مزايلاً للبذاء والإيذاء والاعتساف ، كان رافعاً نفسه عن الرتبة وإشغال المنصّة في أبواب الملوك والولاة ، وما كان له مطمعٌ في شأن من الوزراء والولاية والكتابة والعمالة عند الأمراء والخلفاء ، وما اتّخذ فضائله الجمّة لها شرَكاً ، ولنيل الآمال وسيلةً ، وكان يرى التقمّص بالرئاسة من مرديات النفس ويقول :
رأيت الرئاسةَ مقرونةً |
|
بلبسِ التكبّرِ والنخوهْ |
إذا ما تقمّصها لابسٌ |
|
ترفّع في الجهر والخلوهْ |
ويقعدُ عن حقّ إخوانِهِ |
|
ويطمع أن يُهْرَعوا نَحْوهْ |
ويُنقِصهمْ من جميلِ الدعاءِ |
|
ويأملُ عندهم حظوهْ |
فذلكَ إنْ أنا كاتبتُه |
|
فلا يسمعُ اللهُ لي دعوهْ |
ولستُ بآتٍ له منزلاً |
|
ولو أنَّه يسكن المَروهْ |
وكان بالطبع ـ والحال هذه ـ ينهى أولياءه عن قبول الوظائف السلطانية ، والتولّي لشيءٍ من المناصب عند الحكّام ، ويحذِّرهم عن التصدّي لوظيفةٍمن شئون الملك والمملكة ، ويمثِّل بين يديهم شنعة الائتمار ، وينبِّههم بما يقتضيه الترؤس من الظلم والوقيعة في النفوس ، ونصب العداء لمخالفيه ، وما يوجب من دحض الحقِّ ، وإضاعة الحقوق ، ورفض مكارم الأخلاق. وحسبك ما كتبه إلى صديق له وكان قد تقلّد البريد من قوله :
صرتَ لي عاملَ البريدِ مقيتا |
|
وقديماً إليَّ كنتَ حبيبا |
كنت تستثقل الرقيبَ فقد صر |
|
تَ علينا بما وَلِيتَ رقيبا |
كرهَتْكَ النفوسُ وانحرفتْ عن |
|
ـكقلوبٌ وكنت تسبي القلوبا |
أفلا يُعجَبُ الأنامُ بشخصٍ |
|
صار ذئباً وكان ظبياً ربيبا |
حِكَمه ودرر كَلِمِه :
فيا له في شعره من شواهد صادقة تمثِّله بهذا الجانب العظيم ، وتعرب عن قَدم
صدقه في حثِّ أمّته إلى المولى سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبثِّ الدعوة إليه بدُرَر الكلم وغُرَر الحِكَم ، وإصلاح أمّته ببيان الحقيقة ، وتشريح دعوة النفس الأمّارة بالسوء ، ومن حكميّاته قوله :
ليس خلقٌ إلاَّ وفيه إذا ما |
|
وقع الفحصُ عنه خيرٌ وشرُّ |
لازمٌ ذاك في الجبلّة لا يد |
|
فعُهُ من له بذلك خُبْرُ |
حكمةُ الصانعِ المدبِّرِ أن لا |
|
شيءَ إلاَّ وفيه نفعٌ وضُرُّ |
فاجتهد أن يكون أكبرُ قسمي |
|
ـكَ من النفعِ والأقلَّ الأضرُّ |
وتحمّل مرارةَ الرأيِ واعلمْ |
|
أنّ عُقبى هواكَ منه أَمَرُّ |
رُض بفعلِ التدبيرِ نفسَك واقصر |
|
ها عليه ففيهِ فضلٌ وفخرُ |
لا تُطعها على الذي تبتغيهِ |
|
ولْيَرُعْها منك اعتسافٌ وقهرُ |
إنّ من شأنها مجانبةَ الخي |
|
ـرِ وإتيانَ كلِّ ما قد يغرُّ |
وقوله :
عجبي ممّن تعالتْ حالُهُ |
|
وكفاه اللهُ زلاّتِ الطلبْ |
كيف لا يقسمُ شَطْرَيْ عمرهِ |
|
بين حالينِ نعيمٍ وأدبْ |
فإذا ما نال دهراً حظَّهُ |
|
فحديثٌ ونشيدٌ وكتُبْ |
مرّة جِدّا وأخرى راحةً |
|
فإذا ما غسقَ الليلُ انتصبْ |
يقتضي الدنيا نهاراً حقَّها |
|
وقضى لله ليلاً ما يجبْ |
تلك أقسامٌ متى يَعملْ بها |
|
عاملٌ يَسْعَدْ ويرشُدْ ويُصِبْ |
ومن كلمه الذهبيّة في تحليل معنى الرضا عن النفس ، وما يوجب ذلك من سخطها وجموحها ورفض الآداب قوله :
لم أرضَ عن نفسي مخافةَ سَخْطِها |
|
ورضا الفتى عن نفسِهِ إغضابُها |
لو أنَّني عنها رَضِيتُ لَقَصّرَتْ |
|
عمّا تُريدُ بمثلِها آدابُها |
وببيننا آثارُ ذاك وأكثرتْ |
|
عَذلي عليه وطالَ فيه عتابُها |
ومن حِكَمه قوله :
بالحرص في الرزقِ يَذِلُّ الفتى |
|
والصبرُ فيه الشرفُ الشامخُ |
ومستزيدٌ في طِلابِ الغنى |
|
يجمعُ لحماً ما لهُ طابخُ |
يُضيع ما نال بما يرتجي |
|
والنارُ قد يُطفِئها النافخُ |
وقوله :
حُلَلُ الشبيبةِ مستعارهْ |
|
فدع الصبا واهجرْ ديارهْ |
لا يُشْغِلَنْكَ عن العُلى |
|
خَوْدٌ (١) تُمنِّيك الزيارهْ |
خَوْدٌ تطيّبُ طيبَها |
|
ويزينُ ساعدَها سوارهْ |
يحلو أوائلُ حبِّها |
|
ويشوبُ آخرَه مرارهْ |
ما عذرُ مثلِكَ خالعاً |
|
في سُكْرِ لذّتِهِ عِذارهْ |
من بعد ما شدّ الأشدّ على تلابيبهِ إزاره
من سادَ في عصر الشبا |
|
ب غدت لسؤددِهِ غفارهْ |
ما الفخر أن يغدو الفتى |
|
متشبِّعاً ضخمَ الحرارهْ |
كَلِفاً بشُربِ الراح مش |
|
ـغوفاً بغزلانِ الستارهْ |
مهجورةً عرصاتُه |
|
لا تقربُ الأضيافُ دارهْ |
الفخر أن يُشجي الفتى |
|
أعداءه ويُعزُّ جارهْ |
ويَذبُّ عن أعراضه |
|
ويشبُّ للطرّاق نارهْ |
ويروح إمّا للإما |
|
رة سعيُهُ أو للوزارهْ |
__________________
(١) الخَوْد : الشابّة الجميلة.
فردُ الكتابةِ والخطا |
|
بةِ والبلاغةِ والعبارهْ |
متيقّظ العَزَماتِ يج |
|
ـتنبُ الكرى إلاّ غرارهْ |
فكأنّه من حدّةٍ |
|
ونفاذِ تدبيرٍ شرارهْ |
حتى يُخافَ ويُرتجى |
|
ويُرى له نَشَبٌ وشارَهْ |
في موكبٍ لَجِبٍ كأنّ |
|
الليلَ ألبسَه خِمارهْ |
تزهي به عصبٌ تنفّ |
|
ـضُ عن مناكبِهِ غُبارهْ |
ويُطيل أبناء الرغا |
|
ئبِ في مشاكله انتظارهْ |
فادأبْ لمجدٍ حادثٍ |
|
أو سالفٍ يُعلي منارهْ |
واعمر لنفسك في العلى |
|
حالاً وكن حَسَنَ العمارهْ |
واقمر لها سوقاً يُنفِّ |
|
ـقها وتاجرُها تجارهْ |
لا تَغدُ كَلّ واجتنب |
|
أمراً يخاف الحرُّ عارهْ |
وإذا عدمتَ عن المآ |
|
كلِ خيرَها فَكُلِ الحِجارهْ |
رحلة كشاجم :
غادر المترجم بيئة نشأته ـ الرملة ـ إلى الأقطار الشرقية ، وساح في البلاد ، ورحل رحلة بعد أخرى إلى مصر وحلب والشام والعراق ، وكان كما قال في قصيدته التي يمدح بها ابن مقلة بالعراق :
هذا على أنَّني لا أستفيقُ ولا |
|
أُفيقُ من رِحلةٍ في إثرِها رِحلَه |
وما على البدرِ نقصٌ في إضاءتِهِ |
|
أن ليس ينفكُّ من سيرٍ ومن نَقْلَه |
وقال وهو في مصر :
قد كان شوقي إلى مصرٍ يُؤرِّقني |
|
فاليومَ عُدْتُ وعادتْ مصرُ لي دارا |
أغدو إلى الجيزةِ الفيحاءِ مُصطحباً |
|
طوراً وطوراً أرجِّي السيَر أطوارا (١) |
بينا أُسامي رئيساً في رئاسته |
|
إذْ رحتُ أُحسَبُ في الحاناتِ خمّارا |
فللدواوين إصباحي ومُنصرفي |
|
إلى بيوتِ دُمىً يَعْلَمْن أوتارا |
أمّا الشبابُ فقد صاحبتُ شِرّتَهُ |
|
وقد قضيت لُباناتٍ وأوطارا |
من شادنٍ من بني الأقباطِ يعقِدُ ما |
|
بين الكَثِيبِ وبين الخِصْرِ زُنّارا |
وكأنّه في بعض آناته يرى نفسه بين مصر والعراق ، ويتذكّر أدواره فيهما ، وما ناله في سفره إليهما من سرّاء أو ضرّاء ، أو شدّة أو رخاء ، وما حظي من الأهلين من النعمة والنقمة ، والإكبار والاستحقار ، فيمدح هذا ويذمُّ ذلك فيقول :
يا هذه قلتِ فاسمعي لفتىً |
|
في حالِهِ عبرةٌ لمعتبره |
أمرتِ بالصبرِ والسلوِّ ولوْ |
|
عَشِقْتِ أُلْفِيتِ غيرَ مصطبره |
مَنْ مبلغٌ إخوتي وإن بَعُدوا |
|
أنَّ حياتي لبعدهم كَدِره |
قد هِمْتُ شوقاً إلى وجوهِهمُ |
|
تلك الوجوه البهيّة النضره |
أبناءُ مَلْكٍ عُلاهمُ بهمُ |
|
على العلى والفخار مفتخره |
ترمي بهمْ نعمةٌ تُزيِّنها |
|
مروءةٌ لم تكن تُرى نَزِره |
ما انفكّ ذا الخلقُ بين منتصرٍ |
|
على الأعادي بهم ومنتصره |
جبالُ حِلمٍ بُدورُ أنديةٍ |
|
أُسدُ وغىً في الهياج مُبتدره |
بيضٌ كرامُ الفعالِ لا بُخُلُ ال |
|
أيدي وليست من الندى صَفِرَه |
للناسِ منهم منافعٌ ولهمْ |
|
منافعٌ في الأنامِ مُشتهره |
متى أراني بمصر جارَهم |
|
نَسبي بها كلُّ غادةٍ خَضِره |
والنيلُ مستكملٌ زيادتَه |
|
مثلَ دروعِ الكماةِ منتثره |
تغدو الزواريقُ فيه مُصعِدَةً |
|
بنا وطوراً تروحُ منحدره |
__________________
(١) الجيزة : بليدة في غربي فسطاط مصر [معجم البلدان : ٢ / ٢٠٠]. (المؤلف)
والراحُ تسعى بها مذكّرةً |
|
أردانُها بالعبير مُختمره |
بكرانِ لكن لهذه مائة |
|
وتلك ثنتان واثنتا عشره |
يا ليتني لم أرَ العراقَ ولم |
|
أسمعْ بذكرِ الأهواز والبصره |
ترفعني تارةً وتخفضني |
|
أخرى فمن سهلة ومن وَعِره |
فوق ظهرِ سلهبةٍ |
|
قطانها والبدار مغتفره (١) |
وتارةً في الفراتِ طاميةً |
|
أمواجُه كالخيالِ معتكره |
حتى كأنّ العراقَ تعشقني |
|
أو طالبتْني يدُ النوى بِتِرَه (٢) |
وكان يجتمع في رحلاته مع الملوك والأمراء والوزراء ويحظى بجوائزهم ، ويستفيد من صِلاتهم ، ويتّصل بمشيخة العلم والحديث والأدب ، ويقرأ عليهم ، ويسمع عنهم ، ويأخذ منهم ، وجرت بينه وبينهم محاضرات ومناظرات ومكاتبات ، إلى أن تضلّع في العلوم ، وحاز قصب السبق في فنون متنوِّعة ، وتقدّم في الكتابة والخطابة ، وحصل له من كلِّ فنّ حظّه الأوفى ، ونصيبه الأعلى حتى عرّفه المسعودي في مروج الذهب (٣) (٢ / ٥٢٣) بأنّه كان من أهل العلم والرواية والأدب.
عقيدته :
إنّ عصر المترجَم من العصور التي زاغت فيه النِّحل والمذاهب ، وشاعت فيه الأهواء والآراء ، وقلَّ فيه من لا يرى في العقائد رأياً يفسِّر به إسلامه وهو ينصُّ به على خبيئة قلبه تارةً ويضمرها أخرى ، وأمّا شاعرنا فكان في جانبٍ من ذلك إما ميّا صادق التشيّع ، موالياً لأهل بيت الوحي متفانياً في ولائهم ، ويجد الباحث في خلال شعره بيِّنات تظاهره بالتهالك في ولاء آل الله ، وبثِّه الدعوة إليهم بحججه القويّة ،
__________________
(١) السلهبة : الجسيمة. (المؤلف)
(٢) الترة : الثأر.
(٣) مروج الذهب : ٤ / ٣٤٨.
والتفجّع في مصابهم والذبِّ عنهم ، والنيل من مناوئيهم ، واعتقاده فيهم أنَّهم وسائله إلى المولى في الحاضرة ، وواسطة نجاحه في الآخرة.
وكان من مصاديق الآية الكريمة (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) (١) فإنّ نَصْب جدِّه السندي بن شاهك وعدائه لأهل البيت الطاهر ، وضغطه واضطهاده الإمام موسى بن جعفر ـ صلو ات الله عليه ـ في سجن هارون ممّا سار به الركبان ، وسوّدت به صحيفة تاريخه ، إلاّ أنّ حفيده هذا باينه في جميع نزعاته الشيطانية ، فهو من شعراء أهل البيت المجاهرين بولائهم ، والمتعصِّبين لهم ، الذابِّين عنهم ، ولا بدع فإنّ الله هو الذي يخرج الدرَّ من بين الحصى ، وينبت الورد محتفّا بالأشواك ، فمن نماذج شعره في المذهب قوله :
بكاءٌ وقلَّ غَناءُ البكاءِ |
|
على رُزءِ ذرّيةِ الأنبياءِ |
لِئن ذلَّ فيه عزيزُ الدموعِ |
|
لقد عزّ فيه ذليلُ العَزاءِ |
أَعاذلتي إنّ بُردَ التقى |
|
كسانيه حبّي لأهلِ الكِساءِ |
سفينةُ نوحٍ فمن يعتلقْ |
|
بحبِّهمُ يعتلقْ بالنجاءِ |
لَعمري لقد ضلَّ رأي الهوى |
|
بأفئدةٍ من هواها هوائي |
وأوصى النبيُّ ولكن غدتْ |
|
وصاياهُ مُنبذةً بالعراءِ |
ومن قبلِها أُمِر الميِّتونَ |
|
بردِّ الأمور إلى الأوصياءِ |
ولم ينشرِ القومُ غِلّ الصدو |
|
ر حتى طواهُ الردى في رداءِ |
ولو سلَّموا لإمامِ الهدى |
|
لقوبل معوجُّهم باستواءِ |
هلالٌ إلى الرشد عالي الضيا |
|
وسيفٌ على الكفرِ ماضي المَضاءِ |
وبحرٌ تدفّقَ بالمعجزاتِ |
|
كما يتدفّق ينبوعُ ماءِ |
علومٌ سماويةٌ لا تُنالُ |
|
ومَن ذا ينالُ نجومَ السماءِ |
لَعمري الأُلى جحدوا حقّه |
|
وما كان أولاهمُ بالولاءِ |
__________________
(١) الروم : ١٩.
وكم موقفٍ كان شخصُ الحِمامِ |
|
من الخوف فيه قليلَ الخفاءِ |
جلاه فإن أنكروا فضلَه |
|
فقد عرفتْ ذاك شمسُ الضُّحاءِ |
أراها العجاجَ قُبيل الصباحِ |
|
ورُدَّتْ عليه بُعيدَ المساءِ |
وإن وَتَر القومَ في بدرِهمْ |
|
لقد نقضَ القومُ في كربلاءِ |
مطايا الخطايا خذي في الظلامِ |
|
فما همَّ إبليسَ غيرُ الحداءِ |
لقد هُتِكتْ حُرَمُ المصطفى |
|
وحلَّ بهنَّ عظيمُ البلاءِ |
وساقوا رجالَهمُ كالعبيدِ |
|
وحادوا نساءَهمُ كالإماءِ |
فلو كان جدُّهمُ شاهداً |
|
لَيَتبَعُ أظعانَهم بالبكاءِ |
حُقودٌ تضرّمُ بدريّةٌ |
|
وداءُ الحَقودِ عزيزُ الدواءِ |
تراهُ مع الموتِ تحت اللوا |
|
ء والله والنصر فوقَ اللواءِ |
غداةَ خميس إمام الهدى |
|
وقد غاث فيهم هِزَبر اللقاءِ |
وكم أنفسٍ في سعيرٍ هوتْ |
|
وهامٍ مُطَيَّرةٍ في الهواءِ |
بضربٍ كما انقدَّ جيبُ القميصِ |
|
وطعنٍ كما انحلّ عقْدُ السقاءِ |
وخيرةُ ربّي من الخيرتينِ |
|
وصفوةُ ربّي من الأصفياءِ |
طَهُرْتُمْ فكنتمْ مديحَ المديحِ |
|
وكانَ سِواكمْ هجاءَ الهجاءِ |
قَضَيْتُ بحبِّكمُ ما عَليَ |
|
إذا مادُعيتُ لفصلِ القضاءِ |
وأيقنتُ أنّ ذنوبي بهِ |
|
تَساقطُ عنّي سقوط الهَباءِ |
فصلّى عليكم إلهُ الورى |
|
صلاةً توازي نجومَ السماءِ |
وقوله في مدحهم ـ صلوات الله عليهم ـ :
آلَ النبيِّ فَضُلْتُمُ |
|
فَضْلَ النجومِ الزاهره |
وبهرتمُ أعداءَكمْ |
|
بالمأثُراتِ السائره |
ولكم مع الشرفِ البلا |
|
غةُ والحُلومُ الوافره |
وإذا تُفوخرَ بالعُلى |
|
فبكمْ عُلاكم فاخره |
هذا وكم أطفأتمُ |
|
عن أحمدٍ من نائره |
بالسمرِ تُخْضَبُ بالنج |
|
ـيعِ وبالسيوفِ الباتره (١) |
تُشفى بها أكبادُكمْ |
|
من كلِّ نفسٍ كافره |
ورفضتمُ الدنيا لذا |
|
فُزْتُم بحظِّ الآخره |
وقوله في ولاء أمير المؤمنين عليهالسلام مشيراً إلى ما رويناه (ص ٢٦) في الجزء الثالث ممّا ورد في حبِّ أمير المؤمنين :
حبُّ الوصيِّ مَبَرّةٌ وَصِلَه |
|
وطهارةٌ بالأصلِ مكتفلَه |
والناسُ عالمُهمْ يَدينُ به |
|
حُبّا ويجهلُ حقَّه الجَهَلَه |
ويرى التشيّعَ في سراتِهمُ |
|
والنصْبَ في الأرذالِ والسفَلَه |
وقوله في المعنى :
حبُّ عليٍّ عُلوُّ هِمّه |
|
لأنّه سيِّدُ الأئمّه |
مَيِّزْ مُحبِّيهِ هلْ تراهم |
|
إلاّ ذوي ثروةٍ ونِعمه |
بينَ رئيسٍ إلى أديبٍ |
|
قد أكملَ الطرفَ واستتمّه |
وطيِّبُ الأصلِ ليس فيهِ |
|
عند امتحانِ الأصولِ تُهمه |
فهم إذا خَلُصوا ضياءٌ |
|
والنُّصَّبُ الظالمون ظُلْمه |
هذه الأبيات ذكرها له الثعالبي في ثمار القلوب (٢)) (ص ١٣٦) في وجه إضافة السواد إلى وجه الناصبي ، ويأتي مثله في ترجمة الناشئ الصغير.
ولكشاجم يرثي آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله :
__________________
(١) النجيع : من الدم ما كان مائلاً إلى السواد. (المؤلف)
(٢) ثمار القلوب : ص ١٧٣ رقم ٢٤٩.
أجلْ هو الرزءُ فادِحُه |
|
باكرُهُ فاجعٌ ورائحُه |
لا ربعُ دارٍ عفا ولا طللٌ |
|
أوحشَ لمّا نأتْ ملاقحُه |
فجَائعٌ لو درى الجنينُ بها |
|
لَعَاد مُبيضَّةً مسالحُه |
يا بُؤسَ دهرٍ على آلِ رسو |
|
لِ اللهِ تجتاحهمْ جوائحُه (١) |
إذا تفكّرتُ في مُصابِهمُ |
|
أثقبَ زندَ الهمومِ قادحُه |
فبعضهم قُرِّبتْ مصارعُه |
|
وبعضُهمْ بُوعِدَتْ مطارحُه |
أظْلَمَ في كربلاءَ يومهُمُ |
|
ثمّ تجلّى وهمْ ذبائحُه |
لا يبرحُ الغيثُ كلَّ شارقةٍ |
|
تهمي غواديهِ أو روائحُه |
على ثرى حلّة غريبُ رسو |
|
ل اللهِ مجروحةٌ جوارحُه |
ذلَّ حماهُ وقلَّ ناصرُهُ |
|
ونال أقصى مناهُ كاشحُه |
وسيق نسوانُه طلائحاً |
|
أَحسنَ أن تهادى بهم طلائحُه (٢) |
وهنّ يُمْنَعن بالوعيدِ من الن |
|
ـوحِ والملأ الأعلى نوائحُه |
عادى الأسى جدَّه ووالدَهُ |
|
حين استغاثتْهما صوائحُه |
لو لم يُرد ذو الجلالِ حربَهم |
|
به لضاقَتْ بهمْ فسائحُه |
وهو الذي اجتاح حينما عُقِر |
|
تْ ناقتُه إذ دعاهُ صالحُه |
يا شِيَعَ الغيِّ والضلال ومن |
|
كلُّهمُ جمّةٌ فضائحُه |
غششتمُ اللهَ في أذيّة من |
|
إليكمُ أُدِّيتْ نصائحُه |
عفّرتمُ بالثرى جبينَ فتىً |
|
جبريلُ قبل النبيِّ ما سحُه |
سيّان عند الإلهِ كلُّكمُ |
|
خاذلُه منكمُ وذابحُه |
على الذي فاتَهمْ بحقِّهمْ |
|
لعنٌ يغادِيه أو يُراوحُه |
__________________
(١) جاحه وأجاحه واجتاحه : استأصله وأهلكه. جوائح جمع جائحة : البليّة والداهية العظيمة. (المؤلف)
(٢) طلائح : معياة من السفر. (المؤلف)
جهلتمُ فيهمُ الذي عرف ال |
|
ـبيت وما قابلَتْ أباطحُه |
إن تصمتوا عن دعائهم فلكمْ |
|
يومُ وغىً لا يُجابُ صائحُه |
في حيث كبشُ الردى يُناطحُ من |
|
أبصرَ كبشَ الورى يُناطحُه |
وفي غدٍ يعرفُ المخالفُ مَن |
|
خاسرُ دينٍ منكمُ ورابحُه |
وبين أيديكمُ حريقُ لظىً |
|
يلفحُ تلك الوجوهَ لافحُه |
إن عبتموهمْ بجهلكمْ سفَهاً |
|
ما ضرَّ بدرَ السماءِ نائحُه |
أو تكتموا الحقَّ فالقرآنُ مشكلُهُ |
|
بفضلهمْ ناطقٌ وواضحُه |
ما أشرقَ المجدُ من قبورِهم |
|
إلا وسكّانُها مصابحُه |
قومٌ أبى حدُّ سيفِ والدِهمْ |
|
للدين أو يستقيمَ جامحُه |
وهو الذي استأنسَ الزمانُ به |
|
والدينُ مذعورةٌ مسارحُه |
حاربَهُ القومُ وهو ناصرُهُ |
|
قِدماً وغَشّوهُ وهو ناصحُه |
وكم كسى منهمُ السيوفَ دماً |
|
يومَ جِلادٍ يطيحُ طائحُه |
ما صفحَ القومُ عندما قَدَروا |
|
لمّا جنتْ فيهمُ صفائحُه |
بل منحوهُ العنادَ واجتهدوا |
|
أن يمنعوهُ واللهُ مانحُه |
كانوا خِفافاً إلى أذيّتهِ |
|
وهو ثقيلُ الوَقارِ راجحُه |
وله قوله :
زعموا أنّ من أحبَّ عليّا |
|
ظلَّ للفقرِ لابساً جِلبابا |
كذبوا من أحبّهُ من فقيرٍ |
|
يتحلّى من الغنى أثوابا |
حرّفوامنطقَ الوصيِّ بمعنىً |
|
خالفوا إذ تأوّلوهُ الصوابا |
إنّما قال ارفضوا عنكم الد |
|
نيا إذا كنتمُ لنا أحبابا (١) |
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٣٨.
مشايخه وتآليفه :
لم نقف في المصادر التي بين أيدينا على ما يفيدنا في التنقيب عن أيّام صباه ، وكيفيّة تعلّمه ، وأساتذته في فنونه ، ومشايخه في علومه ؛ والمصادر برمّتها خاليةٌ من البحث عن هذا الجانب ، إلاّ أنّ شعره يفيدنا تَلَمُّذه على الأخفش الأصغر ع ليِّ بن سليمان المتوفّى سنة (٣١٥) فهو إمّا قرأ عليه في مصر أيّام الأخفش بها ، وقد ورد الأخفش مصر سنة (٢٨٧) وخرج منها إلى حلب سنة (٣٠٦) ، وإمّا في بغداد قبل أن غادرها الأخفش إلى مصر ؛ إذ يذكر قراءته عليه في قصيدة يمدحه بها في الشام ، حينما نزل بها الأخفش إمّا في رواحه إلى مصر ، وإمّا في أوبته عنها ، فقال :
فلمّا خُيِّل الصبحُ |
|
ولمّا يُبْدِ تبليجَه |
وأتبعتُ العرا وجهاً |
|
كسى البشرُ تباهيجَه |
إلى كعبةِ آدابٍ |
|
بأرضِ الشامِ محجوجَه |
إلى معدنٍ بالحك |
|
ـمةِ والآدابِ ممزوجَه |
سماعيٌّ قرائيٌ |
|
له في العلم مرجوجَه |
ومن يعدلُ بالعلمِ |
|
من المنآدِ تعويجَه (١) |
إذ الأخبارُ حاجتُهُ |
|
ثناها وهي محجوجَه |
به تغدو من الشكِ |
|
قلوبُ القومِ مثلوجَه |
ويلقى طُرُقَ الحكمةِ |
|
للأفهام منهوجَه |
لكي يفرجَ عنّي الخطْ |
|
ـبَ لا أسطيع تفريجَه |
وكي يمنحَني تأدي |
|
ـبه المحضَ وتخريجَه |
ومن أولى بتقريبٍ |
|
خلا من كنتُ ضرِّيجَه |
ومن توّجني من عل |
|
ـمِهِ أحسنَ تتويجَه |
__________________
(١) إنآد : انحنى وناء.
له :
١ ـ أدب النديم ، كما في فهرست ابن النديم (١).
٢ ـ كتاب الرسائل.
٣ ـ ديوان شعره.
٤ ـ كتاب المصائد والمطارد (٢).
٥ ـ خصائص الطرف.
٦ ـ الصبيح.
٧ ـ البَيْزَرة في علم الصيد.
ولادته ووفاته :
ما عثرنا في الكتب والمعاجم على ما يفيدنا تاريخ ولادته ، لكن يلوح من شعره الذي يذكر فيه شيبه وهرمه في أوائل القرن الرابع أنّه ولد في أواسط القرن الثالث ، قال من قصيدة :
وإنّ شيبيَ قد لاحتْ كواكبُهُ |
|
في ظلمةٍ من سوادِ اللمَّة الجَثْله |
فهذه جملةٌ في العذرِ كافيةٌ |
|
تغنيك فاغنَ عن التفصيلِ بالجمله |
وبان منّي شبابٌ كان يشفعُ لي |
|
سقياً له من شبابٍ بانَ سقياً له |
قد كان بابيَ للعافينَ مُنتجَعاً |
|
ينتابه ثُلّةٌ من بعدها ثُلّه |
وكنتُ طودَ المنى يُؤوى إلى كَنَفي |
|
كحائطٍ مُشرفٍ من فوقِه ظُلّه |
أفنى الكثيرَ فما إن زال ينقصني |
|
متى دفعت إلى الأفنان والقلّه |
وقد غَنِيتُ وأشغالي تُبيِّن من |
|
فضلي فقد ستَرَتْهُ هذه العَطْله |
والسيفُ في الغمد مجهولٌ جواهرُهُ |
|
وإنّما يجتنيهِ عينُ من سلّه |
__________________
(١) الفهرست : ص ١٥٤.
(٢) ينقل عنه ابن خلّكان في تاريخه : ٢ / ٣٧٩ [٣ / ٩١ رقم ٣٤٥ و ٦ / ١٩٩ رقم ٨٠٢].(المؤلف)
وهذه القصيدة يمدح بها أبا عليّ بن مقلة الوزير ببغداد في أيّام وزارته قبل حبسه ، وقد قبض عليه وحبس سنة (٣٢٤) وتوفّي (٣٢٨).
وأمّا وفاته ففي شذرات الذهب (١)) : أنّه توفِّي سنة (٣٦٠) وتبعه تاريخ آداب اللغة العربية (٢). وفي كشف الظنون (٣) ، وكتاب الشيعة وفنون الإسلام (٤) ، والأعلام للزركلي (٥) ، أنّها في سنة (٣٥٠) وردّدها غير واحد من المعاجم بين التاريخين ، وكلٌّ منهما يمكن أن يكون صحيحاً ، كما يقرب إليهما ما في مقدّمة ديوانه من أنّه توفّي سنة (٣٣٠) وهو كما سمعت في مدحه ابن مقلة كان يشكو هرمه قبل سنة (٣٢٤).
لفت نظر :
ذكر المسعودي في مروج الذهب (٦) (٢ / ٥٢٣) لكشاجم أبياتاً كتبها إلى صديق له ، ويذمّ [فيها] النرد ، وذكر اسمه أبا الفتح محمد بن الحسن ، وأحسبه منشأ تردد سيِّدنا صدر الدين الكاظمي في تأسيس الشيعة (٧) في اسمه واسم أبيه بين محمود ومحمد ، والحسين والحسن ، وذكر المسعودي صوابه في مروجه (٨) (٢ / ٥٤٥).
ولده :
أعقب المترجم ولديه أبا الفرج وأبا نصر أحمد ، ويُكنّي كشاجم نفسه بالثاني
__________________
(١) شذرات الذهب : ٤ / ٣٢١ حوادث سنة ٣٦٠ ه.
(٢) مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ : مج ١٤ / ٨١ ، وفيه أرّخ وفاته بسنة ٣٥٠ ه.
(٣) كشف الظنون : ١ / ٨٠٧.
(٤) الشيعة وفنون الإسلام : ص ١٤٠.
(٥) الأعلام : ٧ / ١٦٧ ، وفيه : أنّه توفّي سنة ٣٦٠ ه.
(٦) مروج الذهب : ٤ / ٣٤٨ وفيه ذكر المترجم باسم محمود بن الحسين.
(٧) تأسيس الشيعة : ص ٢٠٤.
(٨) مروج الذهب : ٤ / ٣٨٣ ، ٣٨٦ ، ٣٨٩.
في قوله :
قالوا أبو أحمدٍ يبني فقلتُ لهم |
|
كما بنت دودةٌ بُنيانَ السَّرَق |
بنتهُ حتى إذا تمَّ البناءُ لها |
|
كان التمامُ وَوشْكُ الخيرِ في نَسق |
ويثني عليه ويصفه بقوله :
نفسي الفداءُ لمن إذا جَرَحَ الأسى |
|
قلبي أَسَوْتُ به جروحَ أسائي |
كبدي وتاموري وحَبّةُ ناظري |
|
ومؤمَّلي في شدّتي ورخائي (١) |
ربّيتُهُ متوسِّماً في وجهِهِ |
|
ما قبلُ فيَّ توسّمَتْ آبائي |
ورُزِقْتُهُ حَسَن القَبولِ مبيِّناً |
|
فيهِ عطاءَ اللهِ ذي الآلاءِ |
وغدوتُ مقتنياً له عن أُمِّهِ |
|
وهي النجيبةُ وابنةُ النجباءِ |
وعمرتُ منه مجالسي ومسالكِي |
|
وجمعتُ منه مآربي وهوائي |
فأظلُّ أَبْهَجُ في النهار بقربِهِ |
|
وأريهِ كيف تناولُ العلياءِ |
وأُزيرهُ العلماءَ يأخذ عنهمُ |
|
ولشذَّ من يغدو إلى العلماءِ |
وإذا يجنُّ الليلُ بات مسامِري |
|
ومجاوري وممثِّلاً بإزائي |
فأَبِيتُ أُدني مهجتي من مهجتي |
|
وأضمُّ أحشائي إلى أحشائي |
وكان أبو نصر أحمد بن كشاجم شاعراً أديباً ، ومن شعره يذمُّ به بخيلاً قوله (٢) :
صديقٌ لنا من أبرعِ الناسِ في البخلِ |
|
وأفضلِهم فيه وليس بذي فضلِ |
دعاني كما يدعو الصديقُ صديقَهُ |
|
فجئتُ كما يأتي إلى مثلِهِ مثلي |
فلمّا جلسْنا للطعامِ رأيتُهُ |
|
يرى أنّه من بعض أعضائهِ أكلي |
ويغتاظُ أحياناً ويشتُمُ عبدَهُ |
|
وأعلم أنّ الغيظَ والشتمَ من أجلي |
__________________
(١) التامور : القلب.
(٢) يتيمة الدهر : ١ / ٢٤٨ [١ / ٣٥١] ، نهاية الأرب : ٣ / ٣١٨ [٣ / ٣١٣]. (المؤلف)
فأقبلت أستلُّ الغِذاءَ مَخافةً |
|
وألحاظُ عينيه رقيبٌ على فِعلي |
أمدُّ يدي سرّا لأسرقَ لقمةً |
|
فيلحظُني شَزراً فأعبثُ بالبقلِ |
إلى أن جَنَت كفّي لحتفي جنايةً |
|
وذلك أنّ الجوعَ أعدمني عقلي |
فجرّت يدي للحين رجلَ دجاجةٍ |
|
فجرّتْ كما جرّت يدي رجلَها رجلي |
وقدّم من بعد الطعامِ حلاوَةً |
|
فلم أستطعْ فيها أمرّ ولا أحلي |
وقمتُ لو انّي كنت بيّتُّ نيّةً |
|
ربحتُ ثوابَ الصوم مع عدمِ الأكلِ |
وذكر الثعالبي في يتيمة الدهر (١) (١ / ٢٤٧ ـ ٢٥١) من شعره ما يناهز الستّين بيتاً. وقال صاحب تعاليق اليتيمة (١ / ٢٤٠) : لم نعثر في ديوان كشاجم على شيء من هذه المختارات ، ذاهلاً عن أنّ الديوان المعروف هو لكشاجم لا لابنه أبي نصر أحمد الذي انتخب الثعالبي من شعره ، ويستشهد بشعره الوطواط في غرر الخصائص (٢).
خرج أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات الوزير ، المتوفّى سنة (٣٩١) إلى بستانه بالمقس ، فكتب إليه أبو نصر بن كشاجم على تفّاحة بماء الذهب وأنفذها إليه (٣).
إذا الوزيرُ تخلّى |
|
للنيل في الأوقاتِ |
فقد أتاه سَمِيّا |
|
ه جعفرُ بنُ الفراتِ |
ويوجد في بدائع البدائه شيء من شعره راجع (١ / ١٥٧) ، وذكر من شعره ابن عساكر في تاريخه (٤) (٤ / ١٤٩) ما نظمه سنة (٣٥٦) بالرملة لمّا ورد إليها أبو عليّ القرمطي القصير.
__________________
(١) يتيمة الدهر : ١ / ٣٥٠ ـ ٣٥٥.
(٢) غرر الخصائص الواضحة : ص ١٦٢.
(٣) في معجم الأدباء : ٢ / ٤٤١ [٧ / ١٧٤]. (المؤلف)
(٤) تاريخ مدينة دمشق : ١٣ / ٦ رقم ١٢٧٨ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٦ / ٣١٢. بدءاً من هذا الجزء اعتمدنا تاريخ مدينة دمشق في طبعته البيروتية الجديدة بتحقيق علي شيري.
ويذكر محمد بن هارون بن الأكتمي ابني كشاجم ، ويهجوهما بقوله (١) :
يا ابْني كشاجمَ أنتما |
|
مُستعملانِ مُجَرّبانِ |
مات المشومُ أبوكما |
|
فخلفتُماه على المكانِ |
وقُرِنتما في عصرنا |
|
ففعلتما فعل القرانِ |
لغلاء أسعار الطعا |
|
مِ وميتةِ الملك الهجانِ |
__________________
(١) يتيمة الدهر : ١ / ٣٥٢ [١ / ٤٧٥].
ـ ٢٣ ـ
الناشئ الصغير
المولود (٢٧١)
المتوفّى (٣٦٥)
يا آلَ ياسينَ من يحبّكمُ |
|
بغير شكٍّ لنفسِهِ نَصَحا |
أنتمْ رشادٌ من الضلالِ كما |
|
كلُّ فسادٍ بحبِّكمْ صَلحا |
وكلُّ مستحسَنٍ لغيرِكمُ |
|
إن قِيسَ يوماً بفضلكم قبُحا |
ما مُحيتْ آيةُ النهارِ لنا |
|
وآيةَ الليل ذو الجلال محا |
وكيف تُمحى أنوارُ رشدِكمُ |
|
وأنتمُ في دُجى الظلام ضحى |
أبوكمُ أحمدٌ وصاحبُهُ |
|
الممنوحُ من علم ربِّه منحا |
ذاك عليُّ الذي تفرُّدُهُ |
|
في يوم خُمٍّ بفضله اتّضحا |
إذ قال بين الورى وقامَ به |
|
مُعتضداً في القيام مُكتشحا |
من كنتُ مولاه فالوصيُّ لهُ |
|
مولىً بوحيٍ من الإله وحى |
فبخبخوا ثمّ بايعوهُ ومَنْ |
|
يُبايعِ اللهَ مخلصاً ربِحا |
ذاك عليُّ الذي يقولُ له |
|
جبريلُ يوم النزالِ مُمتدحا |
لا سيفَ إلاَّ سيفُ الوصيِ ولا |
|
فتىً سواهُ إنْ حادثٌ فَدَحا |
لو وزنوا ضربَهُ لعمروٍ وأعما |
|
لَ البرايا لَضَربُه رَجَحا |
ذاك عليُّ الذي تراجع عن |
|
فتحٍ سواه وسارَ فافتتحا |
في يوم حضَّ اليهودَ حين أقلّ الباب من حصنهم وحين دحا
لم يشهدِ المسلمون قطُّ رحى |
|
حربٍ وألفوا سواه قطبَ رحى |
صلّى عليه الإله تزكيةً |
|
ووفّقَ العبدَ يُنشئ المِدَحا |
وقال في قصيدة يوجد منها (٣٦) بيتاً :
ألا يا خليفةَ خيرِ الورى |
|
لقد كفرَ القومُ إذ خالفوكا |
أدلُّ دليلٍ على أنّهم |
|
أبَوْك وقد سمعوا النصّ فيكا |
خلافُهمُ بعد دعواهمُ |
|
ونكثهمُ بعدما بايعوكا |
إلى أن قال :
فيا ناصرَ المصطفى أحمدٍ |
|
تعلّمتَ نصرتَهُ من أبيكا |
وناصبتَ نُصّابَهُ عنوةً |
|
فلعنةُ ربّي على ناصبيكا |
فأنت الخليفةُ دون الأنامِ |
|
فما بالُهمْ في الورى خلّفوكا |
ولا سيّما حين وافيتَهُ |
|
وقد سار بالجيشِ يبغي تبوكا |
فقال أُناسٌ قلاهُ النبيُ |
|
فصرتَ إلى الطهْر إذ خفّضوكا |
فقال النبيُّ جواباً لما |
|
يؤدّي إلى مسمعِ الطهرِ فوكا |
ألمْ ترضَ أنّا على رغمهمْ |
|
كموسى وهارونَ إذ وافقوكا |
ولو كان بعدي نبيٌّ كما |
|
جُعِلْتَ الخليفةَ كنتَ الشريكا |
ولكنّني خاتمُ المرسلينَ |
|
وأنتَ الخليفةُ إن طاوعوكا |
وأنت الخليفةُ يوم انتجاك |
|
على الكور حيناً وقد عاينوكا |
يراك نجيّا له المسلمون |
|
وكان الإله الذي ينتجيكا |
على فمِ أحمدٍ يوحي إليك |
|
وأهلُ الضغائن مُستشرفوكا |
وأنت الخليفةُ في دعوةِ |
|
العشيرةِ إذ كان فيهم أبوكا |
ويومَ الغديرِ وما يومُهُ |
|
ليترُكَ عُذراً إلى غادريكا |