المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) ـ ١ ـ وذلك أن قريشا كانوا تجارا يختلفون إلى الأرض ثم سميت «قريش (١)» ، وكانوا يمتارون (٢) فى الشتاء من الأردن وفلسطين لأن ساحل البحر «أدفا (٣)» ، فإذا كان الصيف تركوا طريق الشتاء والبحر من أجل الحر ، وأخذوا إلى اليمن للميرة فشق عليهم الاختلاف ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) يقول لا اختلاف لهم «ولا تجارة (٤)» قد قطعناها عنهم فذلك : («إِيلافِهِمْ) (٥) (» رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) ـ ٢ ـ فقذف الله ـ عزوجل ـ فى قلوب الحبشة أن «يحملوا (٦)» الطعام فى السفن إلى مكة للبيع ، فحملوا إليهم فجعل أهل مكة يخرجون إليهم بالإبل والحمير ، فيشترون الطعام على مسيرة يومين من مكة ، «وتتابع (٧)» ذلك عليهم سنين ، فكفاهم الله مؤنة الشتاء والصيف ، ثم قال : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) ـ ٣ ـ لأن رب هذا البيت كفاهم مؤنة الخوف والجوع ، فليألفوا العبادة له ، كما ألفوا الحبشة ولم يكونوا يرجونهم ،
__________________
(١) فى أف : «قريشا» ، وفى ل : «قريش».
(٢) يمتارون : يحضرون الميرة والطعام.
(٣) «أدفا» : من ل ، وفى ف : «أدنى» ، وفى أ : «من الأردن وفلسطين إلى ساحل البحر» ، أقول والمعروف أن سفرهم كان فى الشتاء إلى اليمن.
(٤) «ولا تجارة» : من ف ، وفى ل : «ولا عاد».
(٥) «إيلافهم» : من ل ، وفى أ ، ف : «الفهم».
(٦) فى ف : «يحملوا» ، وفى أ : «يجعلوا».
(٧) فى أ ، ف : «فتتابع».
(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) (١) حين قذف فى قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم الطعام فى السفن (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ـ ٤ ـ يعنى القتل والسبي ، وذلك أن العرب فى الجاهلية كان يقتل بعضهم بعضا ، ويغير بعضهم على بعض : فكان الله ـ عزوجل ـ يدفع عن أهل الحرم ، ولا يسلط عليهم عدوا ، فذلك قوله : (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).
وأيضا (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) يقول لا ميرة لقريش ، ولا اختلاف ، وذلك أن قريشا «كانت (٢)» لا تأتيهم التجار ، ولا يهتدون إليهم ، فكانت قريش تمتار «لأهلها (٣)» الطعام من الشام فى الشتاء ، «ومن اليمن فى الصيف (٤)» وذلك أنهم كانوا فى الشتاء ينطلقون إلى الشام ليتماروا الطعام لأهلهم ، فإذا جاء «الصيف (٥)» انطلقوا إلى اليمن فكانت لهم «رحلتان (٦)» فى الشتاء والصيف فرحمهمالله ـ عزوجل ـ فقذف فى قلوب الحبش أن يحملوا إليهم الطعام فى السفن فكانوا يخرجون على مسيرة ليلة إلى جدة ، فيشترون الطعام وكفاهم الله مؤنة الشتاء والصيف ، فأنزل الله
__________________
(١) (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) : ساقطة من أ ، ومتأخرة عن مكانها فى ف ، فأعدتها إلى مكانها حسب ترتيب المصحف.
(٢) «كانت» : زيادة اقتضاها السباق ، ليست فى النسخ.
(٣) فى أ ، ف : «لأهلهم».
(٤) «ومن اليمن فى الصيف» : زيادة اقتضاها السياق.
(٥) فى أ ، ف ، ل : «الشتاء» ، ونلاحظ أن القرطبي والجلالين وغيرهما من كتب التفسير ذكروا أن رحلة الشتاء كانت اليمن ، ورحلة الصيف كانت الشام ، ولكن مقاتل سار على العكس ولعله سهو من الناسخ ، ثم ذكرها أن رحلة الشتاء كانت للشام ورحلة الشتاء كانت اليمن فلا بد أن كلمة «الشتاء» الثانية محرفة عن الصيف حسب ما ورد فى أول السورة.
(٦) فى ف. «رحلتين» ، وفى أ : «مرحلتين».
ـ عزوجل ـ يذكرهم النعم فقال : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ، إِيلافِهِمْ ، رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) والإيلاف من المؤنة والاختلاف ، ثم قال : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) يقول أخلصوا العبادة له (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) حين قذف فى قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم الطعام فى السفن ، ثم قال : (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) يعنى القتل والسبي «لأن العرب (١)» «كانت (٢)» يقتل بعضهم بعضا ويسبى بعضهم بعضا ، وهم «آمنون (٣)» فى الحرم.
__________________
(١) فى أ : «والعذاب» ، وفى ف : «لأن العرب».
(٢) فى أ : «كان» ، وفى ف : «كانت».
(٣) فى أ : «آمن» ، وفى ف : «آمنون».
سورة الماعون
(١٠٧) سورة؟؟؟ مكية
وآياتها سبع
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧))
[سورة الماعون (١)]
سورة الماعون مكية عددها سبع آيات (٢).
__________________
(١) معظم مقصود الصورة :
الشكاية من الجافين على الأيتام والمساكين ، وذم المقصرين ، والمرائين ، ومانعي نفع المعونة عن الخيرات والمساكين فى قوله : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) سورة الماعون : ٨.
(٢) فى المصحف : (١٠٧) سورة الماعون مكية ثلاث الآيات الأولى ، مدنية الباقي ، وآياتها (٧) نزلت بعد سورة التكاثر.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) ـ ١ ـ يعنى بالحساب ، نزلت فى العاص ابن وائل السهمي ، وهبيرة بن أبى وهب المخزومي ، زوج أم هانى «بنت عبد المطلب (١) عمة النبي» ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ثم أخبر عن المكذب بالدين فقال : (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) ـ ٢ ـ يعنى يدفعه عن حقه ، فلا يعطيه ، نظيرها : «يوم يدعون إلى نار جهنم» (٢) ، ثم قال : (وَلا يَحُضُ) نفسه (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ـ ٣ ـ يقول لا يطعم المسكين (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) ـ ٤ ـ يعنى المنافقين فى هذه الآية ، ثم نعتهم فقال : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) ـ ٥ ـ يعنى لاهون عنها حتى يذهب وقتها ، وإن كانوا فى خلال ذلك يصلونها (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) ـ ٦ ـ الناس فى الصلاة ، يقول إذا أبصرهم الناس صلوا ، يراءون الناس بذلك ولا يريدون الله ـ عزوجل ـ بها (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) ـ ٧ ـ يعنى الزكاة المفروضة والماعون بلغة قريش الماء.
قال أبو صالح ، وذكره عن يحيى بن أبى كثير ، عن أبى سلمة ، عن أبى هريرة قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «الماعون» الإبرة والماء والنار وما يكون فى البيت من نحو هذا فيمنع.
__________________
(١) فى أ : «بنت أبى طالب بن عبد المطلب عمة النبي» والمثبت من ف وهو الصواب ، لأنها إذا كانت بنت أبى طالب تكون ابنة عمه لا عمته ، وأما إذا كانت بنت عبد المطلب فتكون عمته.
(٢) سورة الطور : ١٣.
سورة الكوثر
(١٠٨) سورة الكوثر مكية
وآياتها ثلاث
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣))
[سورة الكوثر (١)]
سورة الكوثر مكية عددها ثلاث آيات كوفى (٢).
__________________
(١) معظم مقصود السورة :
بيان المنة على سيد المرسلين ، وأمره بالصلاة والقربان ، وإخباره بهلاك أعدائه أهل الخيبة والخذلان.
(٢) فى المصحف : (١٠٨) سورة الكوثر مكية وآياتها (٣) نزلت بعد سورة العاديات.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ـ ١ ـ لأنه أكثر أنهار الجنة خيرا ، وذلك النهر عجاج يطرد مثل السهم طينة المسك «الأذفر (١)» ورضراضه الياقوت ، والزبرجد ، واللؤلؤ ، أشد بياضا من الثلج وألين من الزبد ، وأحلى من العسل ، حافتاه قباب الدر المجوف ، كل قبة طولها فرسخ فى فرسخ ، «وعرضها فرسخ فى فرسخ (٢)» عليها أربعة آلاف مصراع من ذهب ، فى كل قبة زوجة من الحور العين ، لها سبعون خادما ، «فقال (٣)» رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : يا جبريل ، ما هذه الخيام؟ «قال (٤)» جبريل ـ عليهالسلام ـ هذه «مساكن (٥)» أزواجك فى الجنة ، يتفجر من الكوثر أربعة أنهار لأهل الجنان التي «ذكر (٦) الله» ـ عزوجل ـ فى سورة محمد (٧) ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : الماء ، والحمر ،
__________________
(١) فى أ : «الأدفر» ، وفى ف : «الأذفر» بإعجام الذال.
(٢) فى أ : «وفى عرضها فرسخ فى فرسخ» ، والأنسب ما أثبت والجملة كلها ساقطة من ف.
(٣) فى أ ، ف : «فقال» ، والأنسب : «قال».
(٤) فى أ ، ف : «فقال».
(٥) فى أ : «مسكن» ، وفى ف : «مساكن».
(٦) فى أ ، ف : «ذكر» والمألوف : «ذكرها».
(٧) يشير إلى الآية ١٥ من سورة محمد ، وتمامها : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ...).
واللبن ، والعسل ، ثم قال : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) يعنى الصلوات الخمس (وَانْحَرْ) ـ ٢ ـ البدن يوم النحر فإن المشركين لا يصلون ولا يذبحون لله ـ عزوجل ـ [٢٥٤] (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ـ ٣ ـ وذلك أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ دخل المسجد الحرام من باب بنى سهم بن عمرو بن هصيص ، وأناس من قريش جلوس فى المسجد فمضى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، ولم يجلس حتى خرج من باب الصفا ، فنظروا إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حين خرج ولم يروه حين دخل ، ولم يعرفوه ، فتلقاه العاص بن وائل السهمي بن هشام ابن سعد بن سهم على باب الصفا ، وهو (١) يدخل ، وكان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «قد (٢)» توفى ابنه عبد الله ، وكان الرجل إذا مات ولم يكن له من بعده ابن يرثه سمى الأبتر فلما انتهى العاص إلى المقام ، قالوا : من الذي تلقاك؟ قال : الأبتر فنزلت (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) يعنى أن مبغضك هو الأبتر يعنى العاص ابن وائل السهمي «هو الذي (٣)» ابتر من الخير ، وأنت يا محمد ستذكر معى إذا ذكرت فرفع الله ـ عزوجل ـ له ذكره فى الناس عامة ، فيذكر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى كل عيد للمسلمين «فى صلواتهم (٤)» ، وفى الآذان ، والإقامة ، وفى كل موطن حتى خطبة النساء ، وخطبة الكلام ، وفى الحاجات.
__________________
(١) الضمير يعود على العاص ، والمعنى بينما كان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خارجا من باب الصفا ، كان العاص داخلا.
(٢) «قد» : زيادة اقتضاها السياق.
(٣) فى ف : «الذي هو».
(٤) فى أ : «وفى صلاتهم» ، وفى ف : «فى صلواتهم».