تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

لبعض : إن كان محمد لا يعلم ما نقول له ، فالله يعلمه ، ولو كان نبيا لأعلمه الله ما نقول ، ولعاقبنا ، فذلك قوله (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) لنبيه وأصحابه يقول الله (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ) شدة عذابها (يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ـ ٨ ـ يعني بئس المرجع إلى النار (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ) يعني الذين أقروا باللسان ، وهم المنافقون منهم عبد الله بن أبى ، بو عبد الله بن سعد ابن أبى سرح ، وغيرهم كان نجواهم أنهم كانوا يخبرون عن [١٨٧ ب] «سرايا (١)» النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ما يشق «على (٢)» من أقام من المؤمنين ، وبلغنا أن ذلك كان فى سرية جعفر بن أبى طالب ، وزيد بن حادثة ، وعبد الله بن رواحة ، قتلوا يوم مؤتة ، ولعل حميم أحدهم فى السرية فإذا رأوه تناجوا بينهم فيظن المسلم أن حميمه قد قتل فيحزن ، لذلك ، فنهاهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن النجوى : (فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) يعني المعصية والظلم (وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) لأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان نهاهم عن ذلك ، ثم قال : (وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) يعني الطاعة ، وترك المعصية ، ثم خوفهم فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ـ ٩ ـ بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم ، ثم قال : (إِنَّمَا النَّجْوى) يعني نجوى المنافقين (مِنَ) تزيين (الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) يعني إلا أن يأذن الله فى ضره (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ـ ١٠ ـ يعني بالله فليثق المصدقون (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جلس فى صفة ضيقة ، ومعه أصحابه

__________________

(١) فى أ : «السرايا».

(٢) فى أ : «عن».

٢٦١

فجاء نفر من أهل بدر ، منهم : ثابت بن قيس بن شماس الأنصارى ، فسلموا على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فرد عليهم ، ثم سلموا على القوم ، فردوا عليهم ، وجعلوا ينتظرون ليوسع لهم فلم يفعلوا ، فشق قيامهم على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكان يكرم أهل بدر وذلك يوم الجمعة ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قم يا فلان ، وقم يا فلان. لمن لم يكن من أهل بدر ، بعدد القيام من أهل بدر ، فعرف النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الكراهية فى وجه من أقيم منهم ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : رحم الله رجلا تفسح لأخيه ، فجعلوا يقومون لهم بعد ذلك ، فقال المنافقون للمسلمين : أتزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس ، فو الله ، ما عدل على هؤلاء ، إن قوما سبقوا فأخذوا مجلسهم وأحبوا قربه فأقامهم ، وأجلس من أبطأ عن الخير ، فو الله ، إن أمر صاحبكم كله فيه اختلاف. فأنزل ـ الله تعالى ـ («يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي (الْمَجالِسِ) (١))» يعني أوسعوا فى «المجالس» (٢) (فَافْسَحُوا) يقول أوسعوا (يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) يقول وإذا قال لكم نبيكم : ارتفعوا عن المجلس فارتفعوا فإن الله يأجركم إذا أطعتم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ثم قال : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) يعني أهل بدر (وَ) يرفع الله (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) منكم فيها تقديم يعني بالقرآن (دَرَجاتٍ) يعني الفضائل إلى الجنة على من سواهم ممن لا يقرأ القرآن من المهاجرين والتابعين (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ـ ١١ ـ فى أمر المجلس وغيره.

__________________

(١) فى أ : «المجلس».

(٢) فى أ : «المجلس».

٢٦٢

«حدثنا عبد الله : حدثني أبى : حدثنا الهذيل : قال مقاتل بن سليمان» (١) : إذا انتهى المؤمنون إلى باب الجنة ، يقال للمؤمن الذي ليس بعالم : ادخل الجنة بعملك الصالح ، ويقال للعالم قم على باب الجنة ، فاشفع للناس (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) يعنى الصدقة (خَيْرٌ لَكُمْ) من إمساكه (وَأَطْهَرُ) لذنوبكم نزلت فى الأغنياء (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) الصدقة على الفقراء (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ١٢ ـ لمن لا يجد الصدقة ، وذلك أن الأغنياء كانوا يكثرون مناجاة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويغلبون الفقراء على مجالس النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وكان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم ، فلما أمرهم بالصدقة عند المناجاة انتهوا عند ذلك ، وقدرت الفقراء على كلام النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومجالسته ولم يقدم أحد من أهل الميسرة بصدقة غير على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ قدم دينارا ، وكلم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عشر (٢) كلمات فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى أنزل الله ـ تعالى ـ : (أَأَشْفَقْتُمْ) يقول أشق عليكم (أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) يعنى أهل الميسرة ولو فعلتم لكان خيرا لكم ، (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) يقول وتجاوز الله عنكم (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) لمواقيتها (وَآتُوا الزَّكاةَ) لحينها (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فنسخت الزكاة الصدقة التي كانت عند المناجاة (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) ـ ١٣ ـ قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) يقول ألم تنظر يا محمد إلى الذين ناصحوا اليهود بولايتهم فهو عبد

__________________

(١) فى أ : «وبإسناده مقاتل» ، والمثبت من ف.

(٢) فى أ : «بعشر».

٢٦٣

الله بن نتيل المنافق ، يقول الله ـ تعالى ـ : (ما هُمْ) يعنى المنافقين عند الله (مِنْكُمْ) يا معشر المسلمين (وَلا مِنْهُمْ) يعنى من اليهود فى الدين والولاية فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لعبد الله بن نتيل : إنك تواد اليهود فحلف عبد الله بالله إنه لم يفعل وأنه ناصح ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ـ ١٤ ـ أنهم كذبة (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ) فى الآخرة (عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ) يعنى بئس (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ١٥ ـ (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) يعنى حلفهم (جُنَّةً) من القتل (فَصَدُّوا) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعنى دين الله الإسلام (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ـ ١٦ ـ فقال رجل من المنافقين : إن محمدا يزعم أنا لا ننصر يوم القيامة ، لقد شقينا إذا ، إنا لأذل من البعوض ، والله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا إن كانت قيامة ، فأما اليوم فلا نبذلها ، ولكن نبذلها يومئذ لكي ننصر ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) يوم القيامة (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ ١٧ ـ [١٨٨ ب] يعنى مقيمين فى النار لا يموتون ، قوله : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) يعنى المنافقين (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) وذلك أنهم كانوا إذا قالوا شيئا «أو عملوا» (١) شيئا ، وأرادوه ، سألهم المؤمنون عن ذلك ، فيقولون : والله لقد أردنا الخير فيصدقهم المؤمنون بذلك ، فإذا كان يوم القيامة «سئلوا» (٢) عن أعمالهم الخبيثة فاستعانوا بالكذب كعادتهم فى الدنيا ، فذلك قوله يحلفون لله فى الآخرة كما يحلفون لكم فى الدنيا (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) من الدين فان يغنى عنهم ذلك من الله شيئا (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) ـ ١٨ ـ

__________________

(١) فى أ : «وعملوا» ، وفى ف : «أو عملوا».

(٢) فى أ : «يسلوا» ، وفى ف : «سئلوا».

٢٦٤

فى قولهم (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) يقول غلب عليهم الشيطان (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ) يعنى شيعة (الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ) يعنى شيعة (الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) ـ ١٩ ـ

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ) يعنى يعادون الله (وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) ـ ٢٠ ـ يعنى فى الهالكين (كَتَبَ اللهُ) يعنى قضى الله (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وذلك أن المؤمنين قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لئن فتح الله علينا مكة وخيبر وما حولها فنحن «نرجو أن يظهرنا الله» (١) ما عاش النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على أهل الشام وفارس والروم. فقال عبد الله بن أبى للمسلمين : أتظنون بالله أن أهل الروم وفارس كبعض أهل هذه القرى التي غلبتموهم عليها ، كلا والله لهم أكثر جمعا ، وعددا.

فأنزل الله ـ تعالى ـ فى قول عبد الله بن أبى («... وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) ...» وأنزل «كتب الله كتابا وأمضاه» (٣) (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحده (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ـ ٢١ ـ يقول أقوى ، وأعز من أهل الشام والروم وفارس.

قوله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعنى يصدقون بالله أنه واحد لا شريك له ، ويصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال (يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) يعنى يناصحون من عادى الله ورسوله ، نزلت فى حاطب بن أبى بلتعة

__________________

(١) فى أ : «أن يظهر بالله» ، وفى ف : «أن يظهرنا الله».

(٢) سورة الفتح : ٤.

(٣) نص الآية : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) ، فما ورد من قوله : «كتب الله كتابا وأمضاه» من باب الشرح والتفسير.

٢٦٥

العنسي حين كتب إلى أهل مكة ، (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ) الذين لم يفعلوا ذلك (كَتَبَ) يقول جعل (فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) يعنى التصديق نظيرها فى آل عمران («... فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (١) ...» يعنى فاجعلنا مع الشاهدين. وقال أيضا فى الأعراف : («... فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) (٢) ...» يعنى فسأجعلها (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) يقول قواهم برحمة من الله عجلت لهم فى الدنيا (وَيُدْخِلُهُمْ) فى الآخرة (جَنَّاتٍ) يعنى بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) مطردة (خالِدِينَ فِيها) يعنى مقيمين فى الجنة لا يموتون (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بأعمالهم الحسنة (وَرَضُوا عَنْهُ) يعنى عن الله بالثواب والفوز (أُولئِكَ) الذين ذكر (حِزْبُ اللهِ) يعنى شيعة الله (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ) يعنى ألا أن شيعة الله (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ـ ٢٢ ـ يعنى «الفائزين» (٣).

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ٥٣ وتمامها : (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ، ووردت أيضا فى سورة المائدة : ٨٣ ، وتمامها : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ).

(٢) سورة الأعراف : ١٥٦ ، وتمامها : (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ).

(٣) فى أ : «يعنى الفائزون» ، وفى ف : «يعنى الفائزون».

٢٦٦

سورة الحشر

٢٦٧
٢٦٨

(٥٩) سورة ... مدنية

وآياتها أربع وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ

٢٦٩

وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢) وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤) ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥) وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧) لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ

٢٧٠

يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ

٢٧١

أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤))

٢٧٢

[سورة الحشر (١)]

سورة الحشر مدنية عددها أربع (٢) وعشرون آية كوفى (٣).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

الخبر عن جلا بنى النضير ، وقسم الغنائم ، وتفصيل حال المهاجرين والأنصار ، والشكاية من المنافقين فى واقعة قريظة ، وذكر برصيصا. العابد وقد حمل عنيه بعضهم الآية ١٦ ، والنظر إلى العواقب وتأثير نزول القرآن وذكر أسماء الحق ـ تعالى ـ وصفاته وبيان أن جملة الخلائق فى تسبيحه وتقديسه فى قوله : (... لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة الحشر : ٢٤

(٢) فى أ : «أربعة» ، وصوابه ما ذكرت.

(٣) فى المصحف : (٥٩) سورة الحشر مدنية ، وآياتها ٢٤ نزلت بعد سورة البينة ، سميت سورة الحشر لقوله (... لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ...) : ٢ تفسير مقاتل ج ٤ ـ م ١٨

٢٧٣
٢٧٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يقول ذكر الله ما فى السموات من الملائكة ، وما فى الأرض من الخلق (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه (الْحَكِيمُ) ـ ١ ـ فى أمره (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى يهود بنى النضير (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) بعد قتال أحد أخرجهم (مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) يعنى القتال والحشر الثاني القيامة ، وهو الجلاء من المدينة إلى الشام وأذرعات (ما ظَنَنْتُمْ) يقول للمؤمنين ما حسبتم (أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا) يعنى وحسبوا (أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) يعنى من قبل قتل كعب بن الأشرف ، ثم قال : (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) بقتل كعب بن الأشرف أرعبهم الله بقتله لأنه كان رأسهم وسيدهم قتله محمد بن مسلمة الأنصارى وكان أخاه من الرضاعة ، وغيره ، (١) وكان مع محمد ليلة قتل كعب بن الأشرف أخو محمد بن سلمة ، وأبو ليلى ، وعتبة كلهم من الأنصار ، قوله : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) وذلك أن المنافقين دسوا وكتبوا إلى اليهود ألا يخرجوا من الحصن ، «وأن يدربوا» (٢) على الأزقة وحصونها ، فإن قاتلتم محمدا فنحن معكم لا نخذلكم ولننصرنكم ، ولئن أخرجتم لنخرجن معكم ، فلما سار النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إليهم وجدهم ينوحون

__________________

(١) أى كان مع محمد بن مسلمة غيره من المسلمين.

(٢) «ودربوا» : كذا فى أ ، ف : والأنسب : «وأن يدر برا».

٢٧٥

على كعب بن الأشرف. قالوا : يا محمد ، واعية على أثر واعية ، وباكية على أثر باكية ، ونائحة أعلى أثر نائحة. قال : نعم. قالوا : فذرنا نبكي شجونا ، ثم نأتمر لأمرك. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : اخرجوا من المدينة. قالوا : الموت أقرب إلينا من ذلك. فتنادوا الحرب ، واقتتلوا وكان المؤمنون إذا ظهروا على درب من دروبهم تأخروا إلى الذي يليه فنقبوه من دبره ، ثم حصنوها ويخرب المسلمون ما ظهروا عليه من نقض بيوتهم ، فيبنون «دوربا» (١) على أفواه الأزقة ، فذلك قوله : («يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ» فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) ـ ٢ ـ يعنى المؤمنين أهل البصيرة فى أمر الله ، وأمر النضير ، ثم قال : (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ) [١٨٩ ب] يعنى قضى الله ، نظيرها فى المجادلة «قوله» (٢) : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ ...) (٣) يعنى قضى الله (عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) من المدينة (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بالقتل بأيديكم (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) ـ ٣ ـ (ذلِكَ) الذي نزل بهم من الجلاء (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) يعنى عادوا الله ورسوله (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ) ورسوله يعنى ومن يعادى الله ورسوله (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ـ ٤ ـ إذا عاقب ، نظيرها فى هود (... لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي ...) (٤) يعنى عداوتي «... وليخزي الفاسقين» (٥) يعنى وليهن اليهود ، وذلك أن النبي

__________________

(١) فى أ : «نحوتا» ، وفى ف : «درربا».

(٢) فى أ : «قوله» ، وفى ف : «كقوله».

(٣) سورة المجادلة : ٢١ وتمامها (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).

(٤) سورة هود : ٥٩ وفيها (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ).

(٥) سورة الحشر : ٥.

٢٧٦

ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أمر بقطع ضرب من النخيل من أجود التمر يقال له اللين شديد الصفرة ترى النواة من اللحى (١) من أجود التمر بغيب فيه الضرس ، النخلة أحب إلى أحدهم من وصيف ، «فجزع» (٢) أعداء الله لما رأوا ذلك الضرب من النخيل يقطع. فقالوا : يا محمد ، أوجدت فيما أنزل الله عليك الفساد فى الأرض أو الإصلاح فى الأرض ، فأكثروا القول ووجد المسلمون ذمامة من قطعهم النخيل خشية أن يكون فسادا ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) وكانوا «قطعوا» (٣) أربع نخلات كرام عن أمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ غير العجوة (أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها) هو كله («فَبِإِذْنِ) (٤) (» اللهِ) يعنى بأمر الله (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) ـ ٥ ـ لكي يخزى الفاسقين وهم اليهود بقطع النخل ، فكان قطع النخل ذلالهم وهوانا.

قال أبو محمد : قال الفراء : كل شيء من النخيل سوى العجوة فهو اللين.

قال أبو محمد : قال الفراء : حدثني حسان عن الكلبي ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس ، قال : أمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بقطع النخل كله إلا العجوة ذلك اليوم فكل شيء سوى العجوة فهو اللين.

وقال أبو محمد : وقال أبو عبيدة : اللين ألوان النخل سوى العجوة والبرني ، واحدتها لينة.

__________________

(١) ترى النواة من ظاهر النمرة.

(٢) فى أ : «فجزعوا».

(٣) فى أ ، ف : «فقطعوا» ، والأنسب ما ذكرته.

(٤) فى الأصول : «بإذن» ، ولكن الآية : «فبإذن».

٢٧٧

فلما «يأس» (١) اليهود أعداء الله من عون المنافقين رعبوا رعبا شديدا بعد قتال إحدى وعشرين ليلة ، فسألوا الصلح فصالحهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على أن يؤمنهم على دمائهم وذراريهم وعلى أن لكل ثلاثة منهم بعيرا يحملون عليه ما شاءوا من عيال أو متاع «وتعيد» (٢) أموالهم «فيئا» (٣) للمسلمين ، فساروا قبل الشام إلى أذرعات وأريحا ، وكان ما تركوا من الأموال «فيئا» (٤) للمسلمين ، فسأل الناس النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الخمس كما خمس يوم بدر ، ووقع فى أنفسهم حين لم يخمس فأنزل الله ـ تعالى ـ (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) (٥) يعنى أموال بنى النضير (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ) يعنى على الفيء (مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) يعنى الإبل يقول لم تركبوا فرسا ، ولا بعيرا ، ولكن مشيتم مشيا حتى فتحتموها [١٩٠ أ] غير أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ركب حمارا له ، فذلك قوله : «(وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، يعنيهم» (٦) (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من النصر وفتحها (قَدِيرٌ) ـ ٦ ـ قوله : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) يعنى ، قريظة والنضير ، وخيبر ، وفدك ، وقريتي عرينة (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) يعنى قرابة

__________________

(١) فى أ ، ف : «أيس» ، وقد حدث فيها قلب مكاني من «يأس» ، وأخذت الأنسب «يأس».

(٢) فى أ : «وتعتد» وفى ، ف : «وتعيد».

(٣) فى أ ، ف : «فيء» ، وصوابها : «فيئا».

(٤) فى أ ، «فيء».

(٥) فى حاشية أ : «الذي فى الأصل هنا ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى يعنى أموال بنى النضير».

(٦) وفى البيضاوي : «(وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) بقذف الرعب فى قلوبهم».

٢٧٨

النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً) يعنى يكون المال دولة (بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) يعنى لئلا يغلب الأغنياء الفقراء على الفيء فيقسمونه بينهم ، فأعطى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الفيء للمهاجرين : ولم يعط الأنصار غير رجلين ، منهم سهل بن حنيف ، وسماك بن خرشة ، أعطاهما النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أرضا من أرض النضير ، وإنما سموا المهاجرين لأنهم هجروا المشركين وفارقوهم ، قوله : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ) يقول ما أعطاكم الرسول محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الفيء (فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ) يخوفهم الله من المعاصي ، ثم خوفهم فقال : (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ـ ٧ ـ إذا عاقب أهل المعاصي ، ثم ذكر الفيء فقال : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) أخرجهم كفار مكة (يَبْتَغُونَ) يعنى يطلبون (فَضْلاً مِنَ اللهِ) يعنى رزقا من الله فى الجنة (وَرِضْواناً) يعنى رضى ربهم (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) ـ ٨ ـ فى إيمانهم وليسوا بكاذبين فى إيمانهم كالمنافقين ، ثم ذكر الأنصار فأثنى عليهم حين طابت أنفسهم عن الفيء ، إذ جعل «المهاجرين» (١) دونهم ، فقال : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ) يعنى «أوطنوا» (٢) دار المدينة من قبل هجرة المؤمنين ، إليهم بسنين ، ثم قال : (وَ) تبؤوا (الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من قبل هجرة المهاجرين ، ثم قال للأنصار : (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) من المؤمنين (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ) يعنى قلوبهم (حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) يعنى مما أعطى إخوانهم المهاجرين من الفيء

__________________

(١) فى الأصل : «المهاجرين».

(٢) فى أ : «وطنوا» ، وفى ف : «أوطنوا».

٢٧٩

(وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ) يقول لا تضيق (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) يعنى الفاقة فآثروا المهاجرين بالفيء على أنفسهم ، ثم قال : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) يعنى ومن يقيه الله حرص نفسه يعنى الأنصار حين طابت أنفسهم عن الفيء لإخوانهم (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ـ ٩ ـ فقد ذهب صنفان المهاجرون والأنصار وبقي صنف واحد وهم التابعون الذين دخلوا فى الإسلام إلى يوم القيامة (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) يعنى من بعد المهاجرين والأنصار فدخلوا فى الإسلام إلى يوم القيامة [١٩٠ ب] وهم التابعون (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) الماضين من المهاجرين والأنصار فهذا استغفار ، ثم قال التابعون : (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ـ ١٠ ـ.

وأنزل فى دس المنافقين إلى اليهود أنا معكم فى النصر والخروج فقال : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) نزلت فى عبد الله بن نتيل ، وعبد الله بن أبى رافع ابن يزيد ، كلهم من الأنصار (يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ «الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ») (١) من اليهود منهم حيى بن أخطب ، وجدي وأبو ياسر ، ومالك ابن الضيف ، وأهل قريظة ، (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) (٢) لئن أخرجكم محمد من المدينة كما أخرج أهل النضير (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً) يقول لا نطيع فى خذلانكم أحدا (أَبَداً) يعنى بأحد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحده (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) يعنى لنقاتلن معكم ، فكذبهم الله ـ تعالى ـ فقال :

__________________

(١) (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) : ساقطة من أ.

(٢) (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) : ساقط أ.

٢٨٠