تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

ـ تعالى ـ فى كتابه : «... طوبي لهم وحسن مآب) (١) ينبع من ساق السدرة عينان أحدهما السلسبيل ، والأخرى الكوثر فينفجر من الكوثر أربعة أنهار التي ذكر الله ـ تعالى ـ فى سورة محمد (٢) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الماء واللبن والعسل والخمر ، ثم قال : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) (٣) ـ ١٦ ـ (ما زاغَ الْبَصَرُ) يعنى بصر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعنى ما مال (وَما طَغى) ـ ١٧ ـ يعنى وما ظلم ، لقد صدق محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بما رأى تلك الليلة (لَقَدْ رَأى) محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) ـ ١٨ ـ وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رأى رفرفا أخضر قد غطى الأفق ، فذلك («مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى» أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) ـ ١٩ ـ (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ـ ٢٠ ـ وإنما سميت اللات والعزى لأنهم أرادوا أن يسموا الله ، فمنعهم الله فصارت اللات وأرادوا أن يسموا العزيز فمنعهم فصارت العزى (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) ـ ٢١ ـ حين قالوا إن الملائكة بنات الله (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) ـ ٢٢ ـ يعنى جائزة عوجاء أن يكون لهم الذكر وله الأنثى ، ثم ذكر آلهتهم فقال : (إِنْ هِيَ) يقول ما هي (إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ «ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ») (٤) بأنها آلهة من قوله «أم أنزلنا عليهم سلطانا ...» (٦) يعنى كتاب فيه حجة ، مثل قوله («أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) (٦) ...»

__________________

(١) سورة : الرعد ٢٩.

(٢) سورة محمد : ١٥.

(٣) (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) : ساقطة من أ ، ف ، وفى الجلالين : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) من طير وغيره و «إذ» معمولة ل «رآه».

(٤) (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) ساقط من أ.

(٥) سورة : الصافات : ١٥٦.

(٦) سورة الروم : ٣٥.

تفسير مقائل ج ٤ ـ م ١١

١٦١

يعنى كتابا لهم فيه حجة (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) يقول «ما لهم من علم (١) بأنها» آلهة إلا ظنا ما يستيفتون بأن اللات والعزى ومناة آلهة (وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) يعنى القلوب (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) ـ ٢٣ ـ يعنى القرآن (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) ـ ٢٤ ـ بأن الملائكة تشفع لهم ، وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قرأ سورة النجم ، «أعلنهما (٣)» بمكة فلما بلغ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ ، وَالْعُزَّى ، وَمَناةَ) نعس فألقى الشيطان على لسانه تلك «الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلا (٤)» عندها الشفاعة ترتجى (٥) يعنى الملائكة ففرح كفار مكة ورجوا أن يكون للملائكة شفاعة فلما بلغ آخرها سجد وسجد المؤمنون تصديفا لله ـ تعالى ـ وسجد كفار مكة عند ذكر الآلهة غير أن الوليد بن المغيرة [١٧٤ أ] وكان شيخا كبيرا فرفع التراب إلى جبهته «فسجد عليه (٦)» فقال : يحيا كما تحيا أم أيمن وصواحباتها وكانت أم أيمن خادم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأيمن خادم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قتل يوم خيبر.

وقال فى الأنعام : («... لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) (٧) ...» لا شك فيه («... لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (٨) ...» ،

__________________

(١) فى أ : «ما لهم من علم به».

(٢) سورة الليل : ١.

(٣) فى أ : «علنها» ، وفى ف : «أعلنهما».

(٤) فى أ : «تلك الغرانيق العلى ـ تلك الثالثة الأخرى».

(٥) هذه رواية باطلة لا أصل لها وقد ردّها ابن العربي ، والقاضي عياض ، وغيرهم ، على أن المعقول والمنقول يأبيان قبولها وقد حققت الموضوع عند تفسير الآية ٥٢ من سورة الحج فى الجزء الثالث من هذا التفسير : ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ، وانظر لباب المنقول فى أسباب النزول السيوطي : ١٥١.

(٦) «فسجد عليه» : ساقطة من أ ، وهي من ف.

(٧) سورة الأنعام : ١٢.

(٨) سورة النجم : ٣١.

١٦٢

فلما رجوا أن للملائكة شفاعة ، أنزل الله ـ تعالى ـ (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) ـ ٢٥ ـ يعنى الدنيا والآخرة (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي) يقول لا تنفع (شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ) من بنى آدم فيشفع له ، أ(وَيَرْضى) ـ ٢٦ ـ الله له بالتوحيد (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) يعنى لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال (لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) ـ ٢٧ ـ حين زعموا أن الملائكة إناث وأنها تشفع لهم ، يقول الله : (وَما لَهُمْ بِهِ) بذلك (مِنْ عِلْمٍ) أنها إناث (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) يقول ما يتبعون إلا الظن وما يستيقنون أنها إناث (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ـ ٢٨ ـ (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا) يعنى عن من أعرض عن الإيمان بالقرآن (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) ـ ٢٩ ـ (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) يعنى من مبلغ رأيهم من العلم أن الملائكة إناث وأنها تشفع لهم (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) يعنى عن الهدى من غيره (وَهُوَ أَعْلَمُ) من غيره (بِمَنِ اهْتَدى) ـ ٣٠ ـ منكم ، ثم عظم نفسه بأنه غنى عن عبادتهم والملائكة وغيرهم عبيد وفى ملكه ، فقال : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) فى الآخرة (الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) من الشرك فى الدنيا ، وذلك «أنه قال (١)» فى الأنعام (٢) ، والنساء (٣) ـ

__________________

(١) فى أ : «أنهم قالوا» ، وفى ف : «أنه قال».

(٢) سورة الأنعام : ١٢ ، وتمامها : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).

(٣) سورة النساء : ٨٧ ، وتمامها : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً).

١٦٣

(لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) يعنى لا شك فى البعث أنه كائن (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) من الشرك فى الدنيا (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا) التوحيد فى الدنيا (بِالْحُسْنَى) ـ ٣١ ـ وهي الجنة ، ثم نعت المتقين فقال : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) يعنى كل ذنب يختم بالنار (وَالْفَواحِشَ) يعنى كل ذنب فيه حد (إِلَّا اللَّمَمَ) يعنى ما بين الحدين نزلت فى نبهان التمار وذلك أنه كان له حانوت يبيع فيه التمر ، فأتته امرأة تريد تمرا ، فقالت لها : ادخلى الحانوت ، فإن فيه تمرا جيدا. فلما دخلت راودها عن نفسها ، فأبت عليه ، فلما رأت الشر خرجت فوثب إليها ، فضرب عجزها بيده ، فقال : والله ، ما نلت منى حاجتك ، ولا حفظت غيبة أخيك المسلم. فذهبت المرأة وندم الرجل ، فأتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخبره بصنيعه [١٧٤ ب]. فقال له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويحك يا نبهان ، فلعل زوجها «غاز (١)» فى سبيل الله ، فقال : الله ورسوله أعلم. فقال : أما علمت أن الله يغار للغازى ما لا يغار للمقيم ، فلقى أبا بكر ـ رضى الله عنه ـ فأعلمه ، فقال : ويحك فلعل زوجها «غاز (٢)» فى سبيل الله. فقال : الله أعلم. ثم رجع فلقى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فأخبره ، فقال : ويحك لعل زوجها «غاز (٣)» فى سبيل الله. قال : الله أعلم. فصرعه عمر فوطئه ، ثم انطلق به إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : يا رسول الله ، إخواننا غزاة فى سبيل الله تكسر الرماح فى صدورهم يخلف هذا ونحوه أهليهم بسوء ، فاضرب عنقه.

__________________

(١) فى أ : «غازى» ، وفى ف : «غزا».

(٢) فى أ : «غازى» ، وفى ف : «غاز».

(٣) فى أ«غازى» ، وفى ف : «غاز».

١٦٤

فضحك النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال أرسله يا عمر فنزلت فيه (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) يعنى ضربه عجزيتها بيده (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) لمن تاب ، ثم قال : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) من غيره (إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) يعنى خلقكم من تراب (وَ) هو أعلم بكم (إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) يعنى جنين الذي يكون فى بطن أمه (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) قال وقال ناس من المسلمين : صلينا وصمنا وفعلنا فزكوا أنفسهم ، فقال الله ـ تعالى ـ : («فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ» هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) ـ ٣٢ ـ (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) ـ ٣٣ ـ عن الحق يعنى الوليد بن المغيرة (وَأَعْطى قَلِيلاً) من الخير بلسانه (وَأَكْدى) ـ ٣٤ ـ يعنى قطع (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ) بأن الله لا يبعثه (فَهُوَ يَرى) ـ ٣٥ ـ الإقامة على الكفر نظيرها فى الطور ، (١) وفى ن «أم عندهم الغيب فهم يكتبون».

(أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ) يعنى يحدث (بِما فِي صُحُفِ مُوسى) ـ ٣٦ ـ يعنى التوراة كتاب موسى (وَ) صحف (إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) ـ ٣٧ ـ لله بالبلاغ وبلغ قومه ما أمره الله ـ تعالى ـ (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ـ ٣٨ ـ يقول لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ) فى الآخرة (إِلَّا ما سَعى) ـ ٣٩ ـ يعنى إلا ما عمل فى الدنيا (وَأَنَّ سَعْيَهُ) يعنى عمله فى الدنيا (سَوْفَ يُرى) ـ ٤٠ ـ فى الآخرة حين ينظر إليه (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) ـ ٤١ ـ يوفيه جزاء عمله فى الدنيا كاملا ، ثم أخبر عن هذا الإنسان

__________________

(١) سورة الطور : ٤١ ، وتمامها : (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ).

(٢) سورة القلم : ٤٧.

١٦٥

الذي قال «له (١)» فقال : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) ـ ٤٢ ـ ينتهى إليه بعمله ، ثم أخبره عن صنعه فقال : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) (٢) ـ ٤٣ ـ يقول أضحك واحدا وأبكى آخر ، وأيضا أضحك أهل الجنة وأبكى أهل النار (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ) الأحياء (وَأَحْيا) ـ ٤٤ ـ الموتى (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ) الرجل والمرأة كل واحد منهما زوج بالآخر (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) ـ ٤٥ ـ خلقهما (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) ـ ٤٦ ـ يعنى «إذا تدفق (٣)» المنى (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) ـ ٤٧ ـ يعنى الخلق الآخر يعنى البعث فى الآخرة «بعد الموت (٤)» (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) ـ ٤٨ ـ يقول موّل وأرضى هذا الإنسان بما أعطى «ثم قال» : (٥) (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) ـ ٤٩ ـ.

قال مقاتل : الشعرى اليمانية النيرة الجنوبية كوكب مضيء وهي التي تتبع «الجوزاء (٦)» ويقال لها المزن والعبور ، كان «أناس (٧)» من الأعراب من خزاعة ، وغسان ، وغطفان ، يعبدونها وهي الكوكب «الذي (٨)» يطلع بعد الجوزاء ،

__________________

(١) «له» : ساقطة من أ.

(٢) الآيات من ٤٠ ـ ٤٣ بها أخطاء فى أ ، ف.

(٣) فى أ : «إذا أنفق» ، وفى ف : «إذا أنفق».

(٤) فى أ : «بعد موت الأول ، وفى ف : «بعد الموت الخلق الأول».

(٥) فى أ ، ف : «ثم قال فى التقديم لهذا الإنسان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) يعنى ما ذكّر من صنعه يقول فبأى نعماء ربك تشك فيه أنه ليس من الله ـ عزوجل ـ» وفيه كما ترى تفسير الآية ٥٥ بعد الآية ٤٨ ثم كرر الآية ٥٥ فى مكانها.

(٦) فى أ : «الجوزي» ، وفى ف : «الجوزاء».

(٧) فى أ : «ناسا» ، وفى ف : «أناس».

(٨) فى أ : «التي».

١٦٦

قال الله ـ تعالى ـ أنا ربها فاعبدوني (١) (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) ـ ٥٠ ـ بالعذاب ، وذلك أن أهل عاد وثمود وأهل السواد وأهل الموصل وأهل العال كلها من ولد «إرم (٢)» بن سام بن نوح ـ عليه‌السلام ـ فمن ثم قال (أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) يعنى قوم هود بالعذاب.

(وَ) أهلك (ثَمُودَ) بالعذاب (فَما أَبْقى) ـ ٥١ ـ منهم أحد (وَ) أهلك (قَوْمَ نُوحٍ) بالغرق (مِنْ قَبْلُ) هلاك عاد وثمود (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) ـ ٥٢ ـ من عاد وثمود وذلك أن نوحا دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فلم يجيبوه ، حتى إن الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه فينطلق به إلى نوح ـ عليه‌السلام ـ فيقول له : احذر هذا ، فإنه كذاب ، فإن أبى قد مشى بى إلى هذا وأنا مثلك ، فحذرني منه فاحذره فيموت الكبير على الكفر وينشؤ الصغير على وصية أبيه ، فنشأ قرن بعد قرن على الكفر ، هم كانوا أظلم وأطغى فبقى من نسلهم ، بعد عاد أهل السواد ، وأهل الجزيرة ، وأهل العال ، فمن ثم قال : (عاداً الْأُولى) ، ثم قال : (وَ) أهلك (الْمُؤْتَفِكَةَ) يعنى الكذبة (أَهْوى) ـ ٥٣ ـ يعنى «قرى (٣)» قوم لوط ، وذلك أن جبريل ـ عليه‌السلام ـ أدخل جناحه تحتها فرفعها إلى السماء حتى «سمعت (٤)» ملائكة سماء الدنيا أصوات الديكة ، ونباح الكلاب ، ثم قلبها فهوت من السماء إلى الأرض مقلوبة قال : (فَغَشَّاها ما غَشَّى)

__________________

(١) وبذلك تعرف مر قوله ـ تعالى ـ (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) مع أنه فى الحقيقة رب كل شيء ، ولكن لما كان بعض الأعراب يعبدونها خصها بالذكر ليبين لهم أنه هو ربها وخالفها ، فالعبادة له لا لما خلقه بقدرته.

(٢) فى أ : «آدم» ، وفى ف : «إرم».

(٣) فى أ ، ف : «قريات لوط».

(٤) فى أ ، ف : «سمع» ، والأنسب : «سمعت».

١٦٧

ـ ٥٤ ـ يعنى الحجارة التي غشاها من كان خارجا من القرية ، أو كان فى زرعه ، أو فى ضرعه ، ثم قال : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ) يعنى بأى نعمة ربك (تَتَمارى) ـ ٥٥ ـ يعنى يشك فيها ابن آدم (١) (هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) ـ ٥٦ ـ فيها تقديم ، يقول هذا الذي أخبر عن هلاك الأمم الخالية يعنى قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، يخوف كفار مكة ليحذروا معصيته (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) ـ ٥٧ ـ يعنى اقتربت الساعة [١٧٥ ب] (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) ـ ٥٨ ـ يقول لا يكشفها أحد إلا الله يعنى الساعة لا يكشفها أحد من الآلهة إلا الله ـ تعالى ـ الذي يكشفها (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ) يعنى القرآن (تَعْجَبُونَ) ـ ٥٩ ـ تكذيبا به (وَتَضْحَكُونَ) استهزاء (وَلا تَبْكُونَ) ـ ٦٠ ـ يعنى كفار مكة مما فيه من الوعيد (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) ـ ٦١ ـ يعنى لاهون عن القرآن ـ بلغه اليمن ـ (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ) يعنى «صلوا (٢)» الصلوات الخمس (وَاعْبُدُوا) ـ ٦٢ ـ يعنى وحدوا الرب ـ تعالى ـ.

__________________

(١) فى أزيادة : «فيها تقديم لقوله : (خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ...) إلى قوله : (أَغْنى وَأَقْنى).

(٢) «صلوا» : زيادة اقتضاها السياق ليست فى أ ، ولا فى ف.

١٦٨

سورة القمر

١٦٩
١٧٠

(٥٤) سوةر القصص مكية

وآياتها خمس و؟؟؟

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣)

١٧١

تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ

١٧٢

فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠) وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)

١٧٣
١٧٤

[سورة القمر (١)]

سورة القمر مكية عددها خمس وخمسون آية (٢).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

التخويف بهجوم القيامة ، والشكوى من عبادة أهل الضلالة ، وذلهم فى وقت البعث وقيام الساعة ، وخبر الطوفان وهلاك الأمم المختلفة ، وقصة ناقة صالح ، وإهلاك جبريل قومه بالصيحة ، وحديث قوم لوط ، وتماديهم فى المعصية ، وحديث فرعون ، وتعديه فى الجهالة ، وتقرير القضاء ، والقدر ، واظهار علامة القيامة ، ونزول المتقين (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) سورة القمر : ٥٥.

(٢) فى المصحف :

(٥٤) سورة القمر مكية إلا الآيات ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦ ، فمدنية ، وآياتها ٥٥ نزلت بعد سورة الطارق.

وسميت سورة القمر لاشتمالها على ذكر انشقاق القمر.

١٧٥
١٧٦

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) يعنى القيامة ، «ومن علامة ذلك (١)» خروج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، والدخان ، وانشقاق القمر ، وذلك أن كفار مكة سألوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يريهم آية فانشق القمر نصفين فقالوا : هذا عمل السحرة. يقول الله ـ تعالى ـ : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (٢) ـ ١ ـ (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً) يعنى انشقاق القمر (يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) ـ ٢ ـ يعنى سحر ذاهب ، فاستمر ، ثم التأم القمر بعد ذلك ، يقول الله ـ تعالى ـ : (وَكَذَّبُوا) بالآية يعنى بالقمر أنه ليس من الله ـ تعالى ـ (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ) هذا وعيد (مُسْتَقِرٌّ) ـ ٣ ـ يعنى لكل حديث منتهى وحقيقة ، يعنى العذاب فى الدنيا القتل ببدر ، ومنه فى الآخرة عذاب النار (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ) يعنى جاء أهل مكة من حديث القرآن (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) ـ ٤ ـ يعنى موعظة لهم ، وهو النهى عن المعاصي جاءهم (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) يعنى القرآن نظيرها فى يونس : «... ما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون» (٣) يقول أرسلت إليهم وأنذرتهم فكفروا بما جاءهم من البيان (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) ـ ٥ ـ (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) يعنى فأعرض عن كفار مكة إلى (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) وهو

__________________

(١) «ومن علامة ذلك» : زيادة اقتضاها السابق.

(٢) (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) : ليست فى أ ، ولا فى ف.

(٣) سورة يونس : ١٠١.

تفسير مقاتل ج ٤ ـ م ١٢

١٧٧

إسرافيل ينفخ الثانية «قائما (١)» على صخرة بيت المقدس (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) ـ ٦ ـ يعنى إلى أمر فظيع (خُشَّعاً) (٢) يعنى ذليلة خافضة (أَبْصارُهُمْ) عند معاينة النار (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) يعنى القبور (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) ـ ٧ ـ حين انتشر من معدنه فشبه الناس بالجراد إذا خرجوا من قبورهم (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) يعنى مقبلين سراعا إذا خرجوا من القبور إلى صوت إسرافيل القائم على الصخرة التي ببيت المقدس ، فيهون على المؤمنين الحشر ، كأدنى صلاتهم ، والكفار يكبون على وجوههم ، فلا يقومون مقاما ، ولا يخرجون مخرجا إلا عسر عليهم فى كل موطن شدة ومشقة ، فذلك قوله : (يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) ـ ٨ ـ (كَذَّبَتْ «قَبْلَهُمْ») (٣) قبل أهل مكة (قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) نوحا [١٧٦ أ] (وَقالُوا) لنوح : (مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) ـ ٩ ـ يعنى استطار القلب منه وأوعدوه بالقتل وضربوه (فَدَعا رَبَّهُ «أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ») (٤) ـ ١٠ ـ بعد ما كان يضرب فى كل يوم مرتين حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون».

قال أبو محمد : قال أبو العباس : «وازدجر» : دفع عما أراد منهم. فأجابه الله ـ تعالى ـ (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) أربعين يوما (بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) ـ ١١ ـ يعنى منصب كثير (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ) أربعين يوما (عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) ـ ١٢ ـ وذلك أن ماء السماء وماء الأرض قدر الله

__________________

(١) فى أ ، ف : «قائم».

(٢) فى أ : «خاشعا».

(٣) فى أ : «قبل».

(٤) (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) : ساقط من أ ، ف.

١٧٨

ـ تعالى ـ كليهما ، فكانا سواء لم يزد ماء السماء على ماء الأرض ، وكان ماء السماء باردا مثل الثلج ، وماء الأرض جارا مثل الحميم ، فذلك قوله : (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) لأن الماء ارتقع فوق كل جبل ثلاثين يوما ، ويقال أربعين ذراعا ، فكان الماء الذي على الأرض ، والذي على رءوس الجبال سواء فابتلعت الأرض ماءها ، وبقي ماء السماء أربعين يوما «لم تشربه الأرض (١)» فهذه البحور التي على الأرض منها (وَحَمَلْناهُ) نوحا (عَلى ذاتِ أَلْواحٍ) يعنى ألواح السفينة وهي من ساج ، ثم قال : (وَدُسُرٍ) ـ ١٣ ـ يعنى مسامير من حديد تشد به السفينة ، كان بابها فى عرضها (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) يقول تجرى السفينة فى الماء بعين الله ـ تعالى ـ فأغرق الله قوم نوح ، فذلك الغرق (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) ـ ١٤ ـ يعنى نوحا المكفور به (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً) يعنى السفينة كانت عبرة وآية لمن بعدهم من الناس ، نظيرها فى الحاقة (٢) ، وفى الصافات (٣) ، وفى العنكبوت (٤).

__________________

(١) فى أ : «لم ينسفها الأرض» وفى ف : «لم ينشقها الأرض».

(٢) عله يشير إلى الآية ١١ ، ١٢ من سورة الحاقة وهما (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ ، لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ).

(٣) عله يشير إلى الآية ١٤ وهي (وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ). أو إلى قصة نوح فى سورة الصافات فى الآيات ٧٥ ـ ٨٢ ، وتمامها (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ، وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ، وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ ، وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ، سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ ، إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ).

(٤) يشير إلى آيتي ١٤ ، ١٥ من سورة العنكبوت وفيهما (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ ، فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ).

١٧٩

(فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ـ ١٥ ـ يقول هل من يتذكر؟ فيعلم أن ذلك حق فيعتبر ويخاف عقوبة الله ـ تعالى ـ (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (١) ـ ١٦ ـ (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا) يقول هونا (الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) يعنى ليتذكروا فيه (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ـ ١٧ ـ يعنى فيتذكر فيه ولو لا أن الله ـ تعالى ـ يسر القرآن للذكر ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله ـ تعالى ـ ولكن الله ـ تعالى ـ يسره على خلقه فيقرءونه على كل حال (كَذَّبَتْ عادٌ) هودا بالعذاب (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) ـ ١٨ ـ يقول الذي أنذر قومه «ألم يجدوه (٢)» حقا؟ ثم أخبر عن عذابهم فقال : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) يعنى باردة شديدة (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) يعنى شديد (مُسْتَمِرٍّ) ـ ١٩ ـ يقول استمرت عليهم الريح لا تفتر عنهم سبع ليال ، وثمانية أيام حسوما دائمة (تَنْزِعُ) الريح أرواح (النَّاسَ) من أجسادهم فتصرعهم ، ثم شبههم فقال : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ) يعنى أصول النخل (مُنْقَعِرٍ) (٣) ـ ٢٠ ـ يقول «انعقرت» (٤) النخلة من أصلها فوقعت [١٧٦ ب] وهو «المنقطع (٥)».

__________________

(١) (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) ـ ٢١ ـ : ساقطة هي وتفسيرها من الأصول.

(٢) «ألم يجدوه» أنسب من «أليس وجدوه».

(٣) فى أ : (يكون «منعقر») ، فى ف : (يكون «منقعر»)

(٤) فى أ : «انعقرت» ، وفى ف : «انقرعت» ، وفى النسفي «انقلعت».

(٥) قال النسفي : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) أصول نخل منقلع عند مغارسه وشبهوا بأعجاز النخل لأن الريح كانت تقطع رءوسهم فتبقى أجسادا بلا رءوس فيتساقطون على الأرض أمواتا وهم جئت طوال كأنهم أعجاز نخل وهي أصولها بلا فروع وذكر صفة «تخل» على اللفظ ولو حملها على المعنى لأنث كما قال : (... كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) سورة الحاقة : ٧.

١٨٠