تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي

تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

المؤلف:

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-21-8
الصفحات: ٦٣٢

الذكرى (١) ، أم لا ، كما عليه المعظم ؟

قولان :

أجودهما : الثاني ؛ لما مرّت إليه الإشارة.

[ الرابعة والثلاثون : ] هل يجوز للمفتي الفاقد في الواقع أو باعتقاده لشيء من الشروط المعتبرة في صحّة إفتائه السالفة ـ مع عدم علم المستفتي بفقده وعلمه ولو حكما باستكماله الشروط ـ الإفتاء ، أم لا ، بل يحرم ؟ وجهان.

والذي يقتضيه التحقيق أن يقال : إن فقد الفقاهة والعلم من الشروط فالثاني ، بلا خلاف فيه فتوى ودليلا ، من الآيات والسنّة المعتبرة ، بل المتواترة ولو معنى ، والإجماع المحصّل والمنقول عليه مطلقا ، أو في الجملة في كلام جماعة.

وإن فقد شيئا ممّا عداهما منها فالأوّل ، بلا خلاف ظاهر أجده فيه فتوى ودليلا ، من العمومات وغيرهما.

[ الخامسة والثلاثون : ] لو ارتدّ المفتي أو خرج عن الإيمان أو العدالة ، فلا شكّ في جواز العمل له لما أدّى إليه اجتهاده المعتبر ، ولا في وجوبه عليه ؛ لما مرّت إليه الإشارة ، من الاستصحاب والعمومات الدالّة على عدم جواز نقض اليقين إلّا باليقين ، المقتضية للجواز ووجوب البقاء وصحّة العمل بما أدّى إليه اجتهاده.

مضافا إلى العمومات الآتية الدالّة على وجوب العمل على المجتهد بما أدّى إليه اجتهاده ، والمانعة من عدم جواز التقليد له وبطلانه في حقّه ، والدالّة على عدم وجوب الاحتياط عليه في ذلك ، السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

وكيف ما كان ، فهذا ممّا لا إشكال فيه بحمد الله ، وإنّما الإشكال في موضعين :

الأوّل : أنّه لو عرض له الجنون ، فهل يبطل اجتهاده ، فلا يجوز له العمل بما أدّى إليه اجتهاده بعد إفاقته ؟

__________________

(١) ذكرى الشيعة ، ج ١ ، ص ٤٣.

٢٠١

لم أقف على من صرّح بذلك ، ولكنّ الذي يقتضيه التحقيق أن يقال : إن كان الجنون بحيث صار بعد الإفاقة ما اجتهد فيه قبله مجهولا له غير عالم به ومنسيّا بالمرّة ، فالحقّ عدم جواز العمل له بما أدّى إليه اجتهاده ، ووجوب تجديد النظر والاجتهاد عليه إن تمكّن منه ؛ لعموم ما مرّت إليه الإشارة من الاصول والعمومات ، وكونه حينئذ كالجاهل بالحكم أو عينه ، وإلّا فالتقليد أو الاحتياط كما تأتي إليه الإشارة.

وإن لم يكن الجنون كذلك ، فالحقّ جواز العمل له بما أدّى إليه اجتهاده ؛ للأصل ، والعمومات السالفة.

الثاني : أنّه لو انحطّ عن درجة الاجتهاد والفقاهة ، وصار عاميّا صرفا أو بحكمه ، فهل يصحّ له البقاء على ما أدّى إليه اجتهاده قبل الانحطاط فيما علم به ، أم لا ، بل يجب عليه الرجوع إلى تقليد غيره الجامع للشرائط كالعامي ؟

لم أجد من تعرّض له أو نبّه عليه من الفقهاء والاصوليّين ، ولكنّ الذي يقتضيه التأمّل أن يقال : إن تمّ الاستصحاب والعمومات الدالّة على عدم جواز نقض اليقين إلّا باليقين ، المقتضية لوجوب العمل عليه بما أدّى إليه اجتهاده وصحّته ، وعدم جواز العدول إلى تقليد غيره.

مضافا إلى الأصل والاستصحاب ، والعمومات المانعة من التقليد والعمل بغير العلم ، المعتضدة أو المؤيّدة بالإطلاقات أو العمومات الدالّة على جواز عمل المجتهد بما أدّى إليه اجتهاده وصحّته ووجوبه.

فالمعتمد (١) هو الأوّل ، وإلّا فالثاني هو المعتمد ؛ لما مرّت إليه الإشارة.

ولكنّ الإنصاف أنّ القول الأوّل في بادي النظر لا يخلو عن قوّة ورجحان ؛ لما مرّ ، إلّا أنّه عند نافيه لا يصفو عن تأمّل وإشكال ، فإنّ هذا المجتهد المفروض انحطاطه عن درجته ، إمّا عاميّ صرف مطلقا ، وإمّا متجزّ قادر على استعلام حكم هذه المسألة

__________________

(١) جواب لقوله : « إن تمّ الاستصحاب و... » .

٢٠٢

المبحوث عنها ، وإمّا متجزّ غير قادر عليه وقادر على استعلام حكم غيرها.

فعلى الأوّل : لا شكّ ولا شبهة في أنّ وظيفته في هذه المسألة هي التقليد لمن يصحّ له تقليده ، فإن أفتى له بالبقاء وصحّ هذا الفتوى منه ، عمل فيها بهذه الفتوى ، وفي غيرها بما أدّى إليه اجتهاده ، وإن أفتى له بالمنع ، فعليه التقليد في غيرها ممّا أدّى إليه اجتهاده أيضا ، والوجه واضح لا يكاد يخفى.

وعلى الثاني : فإن أدّى نظره فيها إلى الجواز وصحّ باعتقاده مؤدّاه واعتقد حجّيّته في حقّه بحكم الدليل المعتبر عنده فيما بينه وبين الله ، اتّجه له البقاء على ما أدّى إليه اجتهاده قبل الانحطاط ؛ لذلك.

وإن لم يؤدّ نظره إليه أصلا ، أو أدّى نظره إلى المنع ، فالمتّجه حينئذ أيضا كونه كالعاميّ الصرف ذكر من الحكم في غير ما يتجزّأ فيه ، خصوصا في المسألة المبحوث عنها.

والوجه واضح لا يكاد يخفى ، سيّما على اولي النهى وذوي الحجى.

[ السادسة والثلاثون : ] كما يجوز للمجتهد ويجب عليه كائنا من كان إذا اجتهد في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة على الوجه المعتبر العمل بما أدّى إليه اجتهاده إجماعا فتوى ودليلا ، فكذا يجوز له الإفتاء ، ويصحّ للعاميّ ومن بحكمه العمل بمقتضى فتواه إذا اجتمع فيه جميع الشروط المعتبرة فيه السالفة ، ويكون قوله وفتواه حجّة شرعيّة في حقّ العاميّ ومن بحكمه ، بلا خلاف فيه بين القائلين بمشروعيّة التقليد ، بل عليه الإجماع القاطع ، كما صرّح به في كثير من العبائر.

ففي النهاية : ووجوب العمل بقول المفتي والشاهدين للإجماع عليه ، وقيام الأدلّة كالنصوص (١) .

وفي منية اللبيب : لوقوع الإجماع على التعبّد بقبول خبر المفتي والشاهد.

__________________

(١) نهاية الوصول إلى علم الاصول ، الورقة ٣١٦.

٢٠٣

وفي المعالم وغيره : وقبول الواحد فيها ـ أي : الفتوى ـ موضع وفاق (١) .

وفي شرح الجواد : فقول الواحد فيها ـ أي : الفتوى ـ مقبول إجماعا.

وفي حاشية المعالم لسلطان العلماء : ليس الحكم في الفتوى والإقرار منوطا بحصول الظنّ من قول المفتي والمقرّ ، بل باعتبار الشارع لهما المعلوم بدليل الإجماع وغيره (٢) .

وفي بعض العبائر : لزوم عمل المقلّد بفتوى المجتهد وهو خارج عن البحث وهو اتّفاقي.

وفي إحكام الآمدي : ووجوب قبول قول المفتي والشاهدين ؛ للإجماع على ذلك (٣) . انتهى.

وهو الحجّة في هذا الباب ، مضافا إلى غيره من الأدلّة الآتية القطعيّة وغيرها المعتبرة ، الدالّة على مشروعيّة التقليد والعمل بفتوى المفتي الجامع للشرائط ، المعتضدة أو المؤيّدة بكثير من الاعتبارات والآيات وغيرها ، السليمة عمّا يصلح للمعارضة جدّا.

[ السابعة والثلاثون : ] هل يجوز للمفتي الجامع للشرائط الرواية عن المفتي الآخر كذلك ما لم يتحقّق منه تدليس في ذلك ؟

المعتمد : نعم ، بلا خلاف ظاهر أجده فيه ، بل ولعلّه موضع وفاق ، كما يظهر من كلماتهم وسيرتهم.

وهو الحجّة ، مضافا إلى الاصول والعمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة جدّا.

نعم ، لا يجوز له التدليس في ذلك قطعا كما في غيره ؛ لعموم ما دلّ على حرمة التدليس.

[ الثامنة والثلاثون : ] كلّ ما اعتبرناه من الشروط في حقّ المفتي ـ عدا طهارة المولد والذكورة ـ فإنّما يكون معتبرا في حقّه حال الإفتاء وبعده وإن كان فاقدا له قبله وحال الاجتهاد ، بلا خلاف فيه فيما أعلم ، بل ولعلّه موضع وفاق.

__________________

(١) معالم الدين ، ص ١٩٠.

(٢) حاشية سلطان العلماء على معالم الدين ، ص ١٩٢.

(٣) الإحكام في اصول الأحكام ، ج ٤ ، ص ٤٤٥.

٢٠٤

فهو الحجّة ، مضافا إلى لزوم الاقتصار فيما خالف العمومات على القدر المتيقّن.

[ التاسعة والثلاثون : ] لا يشترط في صحّة إفتاء المفتي ـ كاجتهاد المجتهد ـ في واقعة علمه بجميع الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بجميع الوقائع بالفعل ، بلا خلاف ظاهر أجده فيه ، بل ولعلّه موضع وفاق ، كما يستفاد من سيرتهم وعملهم وديدنهم.

مضافا إلى الأصل ، والعمومات الدالّة على اعتبار اجتهاده وإفتائه ، والدالّة على بطلان التكليف بما لا يطاق ، وعلى نفي الحرج والضرر في الشريعة.

مضافا إلى استلزام اشتراطه للدور المحال الباطل جدّا ؛ فتفطّن.

[ الأربعون : ] لا إشكال ـ بل ولا خلاف ظاهرا أيضا فتوى ودليلا فيما أعلم ـ في جواز رجوع المستفتي والمقلّد إلى المفتي في استعلام حال غيره من المفتين ، في أنّه هل يكون ممّن يصلح للإفتاء والعمل بفتواه والتقليد له ، أم لا ؛ لكونه من أهل الخبرة في تشخيص هذا الموضوع ، فيصحّ الاعتماد عليه في ذلك ، لا من باب التقليد له والعمل بقوله من حيث الفتوى ؛ لأنّه ليس من الحكم الشرعي الفرعي ، بل من الموضوع الصرف له ، ووظيفة العاميّ ومن بحكمه فيه إنّما هو الاجتهاد لا التقليد ، بلا ريب ولا إشكال ، بل ولا خلاف فيما أعلم فيه ، كما في سائر الموضوعات الصرفة.

وهل يجوز ويصحّ الرجوع إليه في ذلك من باب التقليد ، بأن يكون قول هذا المفتي مثلا : « زيد مفت جامع للشرائط يصحّ تقليده والعمل بفتواه » أيضا فتوى بذلك ، وحكما شرعيّا ، ويكون الرجوع إليه فيه والعمل بقوله للعاميّ ومن بحكمه اتّكالا على قول هذا المفتي وتقليدا له ، ففي الحقيقة يكون مقلّدا لهذا المفتي في الرجوع إلى ذاك المفتي ؟

أم لا ، فلا يصحّ له تقليده في الرجوع إلى غيره والعمل بفتواه ؟ وجهان.

والمعتمد بزعم العبد هو الثاني ، ولعلّه لا خلاف فيه فيما أعلم ؛ لعدم كونه حكما شرعيّا ، بل هو إخبار بموضوع صرف للحكم الشرعي ، أو شهادة على ثبوته مثلا ، ولا تقليد في الموضوعات الصرفة قولا واحدا فيما أعلم فتوى ودليلا.

٢٠٥

مضافا إلى استلزام تجويزه لتقليده لغيره من حيث الفتوى للحكم بغير ما أنزل الله إمّا مطلقا ، وإمّا بالإضافة إلى المسائل والأحكام التي يكون هذا المفتي مخالفا فيها لذلك خاصّة وإفتائه بما اعتقد خلافه ، وعلم ولو حكما ببطلانه ، واستلزامه للتناقض في الحكم ولو في الجملة ، كاستلزامه لإفتاء المفتي عن نفسه بفتوى غيره الممتنع شرعا.

مضافا إلى الاصول والعمومات المانعة عن التقليد والعمل بغير العلم وعدم حجّيّتهما السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة معها جدّا.

وهل يجوز ويصحّ الرجوع إليه في ذلك والعمل للمستفتي والمقلّد بحكم الحاكم ، أم لا؟

لم أقف على من صرّح بذلك أو نبّه عليه ، ولكن مقتضى جملة ما مرّت إليه الإشارة هو الثاني ، وسيأتي تمام الكلام فيه في كتاب القضاء إن شاء الله سبحانه.

المقصد الثاني

في المستفتي وما يتعلّق به من الشروط والآداب والأحكام

وفيه أبحاث :

البحث الأوّل

في بيان ما يشترط في المستفتي وصحّة استفتائه ، والعمل بما أفتى له به المفتي الجامع للشروط السالفة وتقليده

وهو امور :

الأمر الأوّل : أن لا يكون قاطعا بالحكم ، فلو كان قاطعا به عمل بقطعه ، ولا يجوز ولا يصحّ له فيه الاستفتاء ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع القاطع ، كما يستفاد من كلماتهم في الاصول والفروع.

٢٠٦

وهو الحجّة ، مضافا إلى كون الاستفتاء حينئذ لغوا وتحصيلا للحاصل ، أو (١) للأدنى مع وجود الأعلى.

مضافا إلى ما دلّ على وجوب اتّباع العلم والعمل به ، وعدم جواز العمل بخلافه.

مضافا إلى فحوى ما دلّ على عدم جواز الاستفتاء للمفتي والمجتهد في الجملة أو مطلقا.

ولا فرق في ذلك بين المجتهد والمتجزّئ والعامي الصرف ومن بحكمه قطعا ، فتوى ودليلا.

وهل هو شرط في وجوبه أيضا حيثما قلنا به ؟

المعتمد : نعم ، إجماعا فتوى ودليلا ممّا مرّت إليه الإشارة.

الأمر الثاني : أن لا يكون مجتهدا مطلقا قادرا على تحصيل الحكم الجاهل به المحتاج إليه بالاجتهاد ، كما مرّ. ولا يصحّ له الاستفتاء والعمل بفتوى غيره الجامع للشرائط ، كما مرّ ؛ فتذكّر.

وهل هو أيضا شرط الوجوب فيه كذلك ؟

المعتمد : نعم ، قولا واحدا فيما أعلم فتوى ودليلا ، كما لا يخفى.

الأمر الثالث : أن لا يكون متجزّيا في الحكم الذي يريد استفتاءه من المفتي والعمل به ، أي : مجتهدا على الوجه المعتبر في بعض الأحكام خاصّة ، فلو كان متجزّيا ومجتهدا في هذا الحكم مثلا ، فلا يصحّ له بالإضافة إلى ما اجتهد فيه على الوجه المعتبر فيه خاصّة ـ بناء على إمكانه عقلا ووقوعا ـ الاستفتاء والعمل بفتوى المفتي فيه على الأصحّ.

وفاقا لجماعة ، بل المشهور كما في بعض العبائر (٢) ، بل المعظم كما في آخر (٣) ،

__________________

(١) أي : تحصيلا للأدنى مع وجود الأعلى.

(٢) قال السيّد محسن الحكيم في مستمسك العروة ، ج ١ ، ص ٤٥ : كما لعلّه المشهور المنصور.

(٣) مفاتيح الاصول ، ص ٥٨٤.

٢٠٧

ومنهم العلّامة في التهذيب والمبادي والقواعد والتحرير (١) ، والشهيدان في الذكرى والدروس والمقاصد العليّة (٢) ، وشيخنا البهائي ووالده في الزبدة وشرح الألفيّة (٣) ، والفاضل الهندي في الكشف (٤) ، والتوني في الوافية (٥) ، وغيرهم.

للأصل والاستصحاب والعمومات المقتضية لعدم صحّة التقليد وعدم مشروعيّته وعدم مشروعيّة العمل بغير العلم وعدم حجّيّته شرعا ، السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

وخلافا للمعالم (٦) ، وللمحكيّ في المفاتيح للسيّد السند العلّامة الاستاد ـ دام ظلّه ـ عن جدّه ووالده ـ طاب ثراهما ـ أيضا (٧) ؛ للاستصحاب والعمومات المقتضية لوجوب التقليد مطلقا ، ولزوم الاقتصار فيما خالفهما على القدر المتيقّن خروجه بالدليل ، وهو المجتهد المطلق.

وكلاهما كما ترى لا يصلحان للدلالة على ذلك.

أمّا الأوّل : فلأنّ هذا الاستصحاب على تقدير جريانه هنا ـ مع أنّه محلّ التأمّل جدّا ـ لا يعارض ما مرّ من الدليل ، كما تقرّر في محلّه ، خصوصا مع تأييده أو اعتضاده بالشهرة المحصّلة والمحكيّة.

مضافا إلى الدليل المعتبر في حقّه بالفرض ، الدالّ على أنّ الحكم الشرعيّ المتعيّن في حقّه هو ما دلّ عليه الدليل وأدّى إليه اجتهاده ، المندفع به أيضا هذا الاستصحاب كما لا يخفى على اولي الألباب.

وأمّا الثاني : فلمنع العموم بحيث يشمل ما نحن فيه جدّا ، ولئن سلّم فمعارض بما

__________________

(١) انظر تهذيب الوصول إلى علم الاصول ، ص ٢٩١ ؛ مبادي الوصول إلى علم الاصول ، ص ٢٤٣ ؛ قواعد الأحكام ، ج ٣ ، ص ٤٢٣ ؛ تحرير الأحكام ، ج ٥ ، ص ١١١.

(٢) ذكرى الشيعة ، ج ١ ، ص ٤٣ ؛ الدروس الشرعيّة ، ج ٢ ، ص ٦٦ ؛ المقاصد العليّة ، ص ٤٩.

(٣) زبدة الاصول ، ص ١٢٠ وحكاه عن والد الشيخ البهائي في مفاتيح الاصول ، ص ٥٨٤.

(٤) كشف اللثام ، ج ١٠ ، ص ٢٧.

(٥) الوافية في اصول الفقه ، ص ٢٤٥.

(٦) معالم الدين ، ص ٢٣٣.

(٧) مفاتيح الاصول ، ص ٥٨٤.

٢٠٨

دلّ على عدم جواز التقليد ومشروعيّته تعارض العامّين من وجه ، ولا شكّ في أنّ الترجيح في تخصيص هذا العامّ بذاك ؛ لتأييده ، أو اعتضاده بالأصل والاستصحاب والشهرة المحصّلة والمنقولة.

مضافا إلى الدليل المعتبر في حقّه بالفرض ، الدالّ على ما أدّى إليه اجتهاده الخاصّ المطلق بالإضافة إليه ، كما لا يخفى.

مسائل :

المسألة الاولى : هل هو شرط الوجوب أيضا ؟

المعتمد : نعم ، بلا خلاف فيه بين القائلين بالمختار فيه فيما أعلم ؛ لما تقدّم.

المسألة الثانية : هل يصحّ له ويجب عليه التقليد والعمل بفتوى المفتي الجامع للشرائط فيما لم يجتهد ولم يقدر على الاجتهاد فيه ؟

المعتمد : نعم ، بلا خلاف ظاهر فيه بين القائلين بمشروعيّة التقليد في حقّ العامي فيما أعلم ؛ لما سيأتي إليه الإشارة.

المسألة الثالثة : هل يجب عليه على المختار بالإضافة إلى ما اجتهد فيه العمل به مطلقا ، كما هو اللائح أو الظاهر من معظم القائلين بالمختار ، أم لا ، بل يجب عليه الاحتياط إن أمكن ، وإلّا فيتخيّر بينه وبين العمل بفتوى المفتي الجامع للشرائط ، كما مال إليه السيّد السند العلّامة الاستاد ـ دام ظلّه العالي ـ في المفاتيح مع قوله بأولويّة العمل بما أدّى إليه اجتهاده (١) ؟

قولان ، أجودهما : الأوّل ، أمّا فيما إذا تعذّر أو تعسّر عليه الاحتياط والعمل بفتوى المفتي الجامع للشرائط فواضح لا يخفى ؛ إذ لا مفرّ له حينئذ بالفرض إليه مع فرض عدم سقوط التكليف الثابت في حقّه ، مضافا إلى ما سيأتي.

وأمّا إذا تمكّن بسهولة منهما معا أو من أحدهما ؛ فللدليل المعتبر بالفرض الدالّ

__________________

(١) مفاتيح الاصول ، ص ٥٨٧.

٢٠٩

على ما أدّى إليه اجتهاده ، وعلى كونه المتّبع والمعمول به ، المعتضد بعموم ما دلّ على عدم جواز التقليد ، وعدم جواز العمل بغير العلم ، وعدم وجوب الاحتياط ، وبالعمومات الآتية الدالّة على حجّيّة عمل العالم بعلمه وصحّته.

مضافا إلى تأييده أو اعتضاده بوجوه أخر :

منها : ما تمسّك به جماعة من رواية أبي خديجة ـ المنجبر ضعف سندها بالاشتهار بين الأصحاب واتّفاقهم ، كما عن المسالك (١) ، وفي مجمع الفائدة وغيره على العمل بمضمونها ولو في الجملة (٢) ـ : « ولكن انظروا إلى رجل يعلم شيئا من قضايانا ، فاجعلوه بينكم قاضيا ، فإنّي قد جعلته قاضيا ، فتحاكموا إليه » فتأمّل.

ومنها : ما دلّ من العقل والإجماع المنقول في صريح المنية على وجوب ترجيح الراجح على المرجوح وبطلان ترجيح المرجوح ؛ فتأمّل.

ومنها : ما دلّ من العقل والإجماع المنقول من الإيضاح وغيره على وجوب دفع الضرر المظنون (٣) ؛ فتأمّل.

ومنها : ما قيل : وظاهر أنّ العمل بالروايات في عصر الأئمّة للرواة بل وغيرهم أيضا لم يكن موقوفا على إحاطتهم بمدارك كلّ الأحكام والقوّة القويّة على الاستنباط ، بل يظهر بطلانه بأدنى اطّلاع على حقيقة أحوال قدماء الأصحاب (٤) ؛ فتأمّل فيه.

ومنها : ما أفاده بعض الأعاظم من المشايخ ـ طاب ثراه ـ بقوله : إنّ اشتراط الاطّلاع على مدارك جميع الأحكام بالنسبة إلى كلّ مسألة مسألة ـ بحيث يطّلع على أنّها هل لها دخل فيها ، أم لا ؟ ـ حرج عظيم ، ومناف للملّة السمحة السهلة ، ويأبى عنه خصوصيّات التكاليف الواردة والتتبّع فيها وفي سائر الأحكام الصادرة ، وكذا الأحاديث الخاصّة الواردة في التوسعة ، فالأصل عدمه ، بل الظاهر أنّه لم يوجد مجتهد

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ١٣ ، ص ٣٣٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ١٢ ، ص ٧.

(٣) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٢٥٦.

(٤) قال به الفاضل التوني في الوافية في اصول الفقه ، ص ٢٤٧.

٢١٠

بهذه المثابة في المسلمين ، كما لا يخفى على المطّلع بأحوال الماهرين منهم المشهورين ، فضلا عن غيرهم.

بل لا يبعد أن يقال : إنّه تكليف بما لا يطاق بعد ملاحظة أنّ كلّ أحد مبتلى بامور معاشه الضروريّة وسائر أفعاله اللازمة العاديّة وممتحن بحسب العادة بالآفات السماويّة والأرضيّة في بدنه وأهله وأقربائه وأصدقائه وماله في أيّامه ودهوره وأعوانه ، سيّما بالنسبة إلى بعض الأزمنة ، مثل زماننا الذي جعل الولدان شيبا (١) . انتهى ؛ فتأمّل فيه.

ومنها : مصير المعظم ـ كما في المفاتيح ـ إلى الأخذ بما أدّى إليه اجتهاده ، بل في المفاتيح : لم أجد مخالفا إلّا صاحب المعالم ، فإنّه هو الذي فتح باب المناقشة في حجّيّة ظنّ المتجزّئ ، بعد تسليم تحقّقه ، ولو ادّعي شذوذه وعدم الالتفات إلى خلافه لم يكن بعيدا. انتهى (٢) .

ومنها : ما أفاده السيّد السند العلّامة الاستاد ـ دام ظلّه ـ في المفاتيح بقوله : إنّ أكثر الموارد التي لم يثبت فيها حجّيّة الظنّ ـ كالقبلة والوقت والصلاة وغيرهما ـ فيكتفى فيها بمجرّد حصول الظنّ ، ولم يشترط معه شيء زائد عليه ، فكذا الاجتهاد ؛ عملا بالاستقراء (٣) . انتهى ؛ فتأمّل.

ومنها : ما أفاده أيضا بقوله : إنّ العمل بالظنّ في مقام انسداد باب العلم من مقتضيات العقول ، كما لا يخفى على من لاحظ العقلاء في محاوراتهم ومعاملاتهم ، ومن الظاهر أنّهم لا يوجبون شيئا زائدا على نفسه ؛ إذ لم يسمع إلى الآن أنّ أحدا أبطل ظنّا في مقام باعتبار عدم القدرة على تحصيله في مقام آخر ؛ فتأمّل.

ومنها : ما أفاده أيضا بقوله : إنّ شرعيّة التقليد تستلزم شرعيّة العمل بمثل هذا الاجتهاد بالطريق الأولى ؛ فتأمّل فيه جدّا.

__________________

(١) حكاه عن جدّه في مفاتيح الاصول ، ص ٥٨٦.

(٢) مفاتيح الاصول ، ص ٥٨٧.

(٣) المصدر.

٢١١

وبما ذكر جمع يندفع عموم ما دلّ على وجوب التقليد وصحّته بالإضافة إليه لو سلّم شموله لما نحن فيه ، كما يندفع أيضا ما دلّ على الاحتياط. وكيف ما كان ، فالحقّ والصواب هو المختار ، كما لا يخفى بعد على اولي الأبصار والأنظار.

نعم ، لو اجتهد في هذه المسألة وأدّى اجتهاده فيها على الوجه المعتبر في حقّه إلى المنع وعدم الصحّة ، تعيّن في حقّه حينئذ القول بالعدم ؛ فافهم.

الأمر الرابع : أن لا يكون في الواقعة التي يريد الاستفتاء والعمل بفتوى من يريده منه فيها مقلّدا للمفتي الآخر الجامع للشرائط ، ولا عاملا بفتواه ، فلو كان قد قلّده وعمل بفتواه فيها ، لم يصحّ له ذلك على بعض ما سيأتي إليه الإشارة من الوجوه والأقوال فيما بعد إن شاء الله سبحانه.

الأمر الخامس : أن يكون الحكم المستفتى عنه من الأحكام الشرعيّة الفرعيّة والنظريّة في حقّه ، فلو كان من غيرها من المطالب والأحكام العقليّة والشرعيّة المتعلّقة باصول الدين واصول الفقه وغيرها من مبادى الفقه واصوله ، والمطالب الكلاميّة واللغويّة والمنطقيّة ، والموضوعات الصرفة للأحكام الشرعيّة وغيرها ، فلا يصحّ له الاستفتاء شرعا ، كما لا يصحّ للمفتي أيضا الإفتاء ، بلا خلاف في ذلك فتوى ودليلا ، كما مرّ ؛ لما مرّت إليه الإشارة.

وهل هو شرط الوجوب أيضا ؟

المعتمد : نعم ؛ لما تقدّم.

الأمر السادس : أن يكون عالما ولو حكما بكون من يريد الاستفتاء عنه والعمل بفتواه مفتيا جامعا للشرائط بالإضافة إليه في حال الاستفتاء ، فلا يصحّ له الاستفتاء عمّن جهل بكونه جامعا لها كذلك ، ولا عمّن علم بعدم كونه كذلك ، إجماعا فتوى ودليلا كما عرفتها وستعرفها أيضا مفصّلا.

[ مسائل : ]

المسألة الاولى : هل يصحّ له الاستفتاء عمّن ظنّ بعدم كونه كذلك ، والعمل بفتواه

٢١٢

من حيث هو كذلك ؟

المعتمد : لا ، بلا خلاف ظاهر أجده فيه ؛ لفقد الشرط ولو ظنّا بالفرض ، ويلزمه فقد المشروط.

مضافا إلى الاصول والعمومات المشار إليها ، السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، وما دلّ على اعتبار الظنّ لو كان معتبرا ؛ فتفطّن.

المسألة الثانية : لو شكّ في كونه كذلك ولم يكن هناك ما يدلّ على كونه كذلك ولو تعبّدا شرعا ، فهل يصحّ له الاستفتاء عنه والعمل بفتواه ؟

المعتمد : لا ، بلا خلاف فيه فيما أعلم ؛ لعين ما مرّ آنفا.

المسألة الثالثة : لو ظنّ بكونه كذلك ، فهل يصحّ له الاستفتاء عنه والعمل بفتواه ؟

المعتمد : نعم إن كان الظنّ معتبرا شرعا في حقّه هنا ، أو قلنا باعتباره هنا مطلقا ، بلا خلاف ظاهر فيه فيما أعلم ؛ لما دلّ على اعتبار الظنّ كما هو المفروض ، وكونه بالفرض في حكم من علم بكونه كذلك شرعا.

وإن لم يكن الظنّ معتبرا شرعا ، أو قلنا بعدم اعتبار مطلق الظنّ هنا ، فالمعتمد : لا ، بلا خلاف ظاهر فيه أيضا فيما أعلم ؛ لما مرّت إليه الإشارة.

المسألة الرابعة : هل هو شرط الوجوب أيضا ؟

المعتمد : لا ، قولا واحدا فيما أعلم فتوى ودليلا ، فلو جهله وجب عليه ولو من باب المقدّمة السعي في تحصيله ومعرفته مهما تيسّر.

وعليه ، فهل يجب عليه في معرفة كونه بالغا الاقتصار على العلم الحاصل له به ، وعلى ما يفيده ، فلا يثبت له بغيره أصلا ، أم لا ، فيثبت بغيره أيضا ؟

المعتمد : هو الثاني ؛ لثبوت البلوغ شرعا بشهادة العدلين ، بلا خلاف ظاهر أجده فيه ، بل ولعلّه عليه الإجماع ، كما يظهر من كلماتهم في كتاب الشهادات وغيره.

وهو الحجّة ، مضافا إلى الاستقراء ، والخبر الصحيح ـ كما قيل ـ الدالّ على شهادة العدلين ، وثبوت الموضوعات بها شرعا مطلقا ، إلّا ما أخرجه الدليل ، وليس

٢١٣

هذا منه جدّا.

مضافا إلى إطلاق الإجماعات المنقولة سابقا ، وبالشياع المفيد للظنّ أيضا ، وبالخبر الواحد العدل المفيد للظنّ ، بلا خلاف ظاهر في ثبوته بهما أيضا ، وبقوله المفيد للظنّ أيضا من دون يمين بلا خلاف ظاهر أجده فيه هنا.

مضافا إلى حمل قول المسلم كفعله على الصحّة فيما لم يعلم خلافه ؛ فتأمّل.

المسألة الخامسة : هل يجب في معرفة كونه عاقلا الاقتصار على العلم وما يفيده ، فلا يثبت بغيره أصلا ، أم لا ، فيثبت ؟

المعتمد : هو الثاني ؛ كثبوت العقل شرعا بشهادة العدلين ، بلا خلاف أجده فيه فيما أعلم ، بل ولعلّه موضع وفاق.

فهو الحجّة كما مرّ ، مضافا إلى الاستقراء والأصل والاستصحاب والعمومات الدالّة على عدم جواز نقض اليقين إلّا باليقين فيما علم سبق علمه وشكّ بعده في بقائه ؛ فتدبّر.

وبالشياع والخبر الواحد العدل المفيدين للظنّ به ، بلا خلاف ظاهر أجده في ثبوتهما أيضا.

مضافا إلى ما مرّت إليه الإشارة آنفا ؛ فتدبّر.

المسألة السادسة : هل يجب عليه الاقتصار في معرفة كونه مؤمنا على العلم وما يفيده ؟

المعتمد : لا ؛ لثبوت إيمان المرء مطلقا بظاهر حاله وقوله ودعواه ، بلا خلاف ظاهر فيه فيما أعلم ، بل ولعلّه موضع وفاق ، فهو الحجّة ، كأصالة حمل فعل غير المسلم وفعله كقوله وفعله على الصحّة.

مضافا إلى الأصل والاستصحاب والعمومات المانعة عن نقض اليقين إلّا باليقين فيما لو علم تولّده على الإيمان وبقاؤه عليه ولو تبعا وحكما ، والعمومات النافية للعسر والحرج في الشريعة ، المؤيّدة أو المعتضدة بغيرها من الأخبار والاعتبار ،

٢١٤

وبشهادة العدلين أيضا ، بلا خلاف فيه فيما أعلم ، بل ولعلّه عليه الإجماع ، كما يظهر من كلماتهم ، وهو الحجّة.

مضافا إلى ما مرّ ، وبالشياع والخبر العدل الواحد المفيدين للظنّ أيضا بلا خلاف فيه أيضا ، بل ولعلّه عليه الإجماع قولا وفعلا ، كما لا يخفى على المطّلع على أقوالهم وأفعاله ، وهو الحجّة كما مرّ.

المسألة السابعة : هل يجب عليه الاقتصار في معرفة كونه عادلا على العلم وما يفيده ، فلا يثبت بغيره ؟

المعتمد : لا ؛ لثبوت العدالة بقول مطلق شرعا بشهادة العدلين ، بلا خلاف ظاهر أجده فيه كما عن مجمع الفائدة (١) ، بل ولعلّه عليه الإجماع كما في كلام بعض السادة الأجلّة. وهو الحجّة في هذا الباب ؛ مضافا إلى ما مرّت إليه الإشارة وغيرها ممّا يأتي إن شاء الله في محلّه ؛ وبالمعاشرة المفيدة للظنّ بها على الأصحّ ، وفاقا لظاهر جماعة ، وصريح اخرى ، وللمحكيّ في بعض العبائر عن صريح مجمع البيان والمختلف والمنتهى والتذكرة والقواعد والتحرير والشرائع والإرشاد والمسالك وروض الجنان ومجمع الفائدة وكنز العرفان والموجز ، (٢) لوجوه :

منها : الإجماع المنقول عليه في ظاهر جملة من العبائر ، ففي كلام بعض السادة من أفاضل العصر : الظاهر إطباق العلماء على جواز الاجتزاء بالظنّ بتحقّقها من المعاشرة ، وفي كلام بعض فضلاء العصر : ولكنّه ـ أي : اعتبار العلم بتحقّقها منها ـ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ١٢ ، ص ٧٣.

(٢) انظر مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٣٩٨ ( وعبارة العلّامة في المختلف والمنتهى ليست بصريحة ، ولكن لم نعثر على غير هذين الموضعين ما يدلّ على المطلب ) : مختلف الشيعة ، ج ٨ ، ص ٤٨٤ ؛ منتهى المطلب ، ج ٩ ، ص ٢٣٧ ؛ تذكرة الفقهاء ، ج ٦ ، ص ١٣٣ ؛ قواعد الأحكام ، ج ٣ ، ص ٤٣١ ؛ تحرير الأحكام ، ج ٥ ، ص ١٣٣ ؛ الشرائع ، ج ٤ ، ص ٧٧ ؛ إرشاد الأذهان ، ج ٢ ، ص ١٤١ ؛ مسالك الأفهام ، ج ١٣ ، ص ٤٠٥. ( ولم نعثر له في روض الجنان للشهيد الثاني ) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٧ ، ص ١٩٧ ، وج ١٢ ، ص ٦٦ ؛ كنز العرفان في فقه القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٨٤ ؛ الموجز الحاوي لتحرير الفتاوي ( الرسائل العشر لأبي العبّاس بن فهد الحلّي ) ص ١١١.

٢١٥

خلاف ما عليه الأصحاب.

إلى غير ذلك من العبارات الآتية الظاهرة الدالّة على أنّ الاكتفاء بالظنّ بها مطلقا مجمع عليه ؛ فترقّب.

ومنها : العمومات النافية للعسر والحرج في الشريعة ؛ بناء على استلزام القول بعدم ثبوتها بها خصوصا فيما نحن فيه لذلك ، إمّا مطلقا أو في الجملة ، مع عدم ظهور القائل بالفرق.

ومنها : ما أفاده بعض السادة الأجلّة بقوله : اعتبار العلم ممّا يوجب الاختلال بكثير من الامور المهمّة التي لا بدّ منها في المعاش والمعاد ، واللازم باطل ، فكذا الملزوم.

أمّا الشرطيّة : فلأنّا وإن لم ندّع استحالة العلم بها ـ كما ادّعي في المختلف والروض وغيرهما (١) ـ لكنّ الإنصاف أنّه في غاية الندرة ، وأنّه ليس إلّا في واحد بعد واحد ، فلو اعتبرنا العلم يلزم ذلك.

أمّا بطلان اللازم : فلأنّا نقطع في أنّ الترغيب البليغ والتحثيث الأكيد من الشارع في الجماعة ـ مثلا ـ إنّما هو للاهتمام والمحافظة عليها وتداولها بين الناس ، وقد استفاض دعوى الإجماع في توقّفها على العدالة ، فلو اعتبرنا العلم بها لا يتأتّى ذلك ، وهكذا الحال في المرافعات والحدود وغيرها. (٢)

منها : كثير من المعتبرة الدالّة على الاكتفاء في ثبوت العدالة مطلقا بظهورها والظنّ بها ، المؤيّدة أو المعتضدة بما سيأتي إليه الإشارة.

خلافا للمحكيّ في بعض العبائر عن ظاهر موضع من المختلف والذكرى ، فقالا بعدم ثبوتها به (٣) ، ولا وجه لهما عدا الأصل والعمومات المندفع كلّ منهما بما مضى.

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٣ ، ص ٥٢ ؛ ذكرى الشيعة ، ج ٤ ، ص ٣٩١.

(٢) انظر ما حكاه مفتاح الكرامة ، ج ٨ ، ص ٢٧٠ عن مصابيح الظلام ، وقريب منه قال الوحيد البهبهاني في مصابيح الظلام ، ج ١ ، ص ٤٤١.

(٣) انظر مختلف الشيعة ، ج ٣ ، ص ٥٢ ؛ ذكرى الشيعة ، ج ٤ ، ص ٣٩١.

٢١٦

وبشهادة العدل الواحد المفيد للظنّ بها أيضا ، إمّا مطلقا ، أو هنا خاصّة ، بلا خلاف صريح ظاهر أجده فيه هنا ، بل ولعلّه عليه الإجماع ، كما يظهر من جملة من العبائر الآتية.

وهو الحجّة في هذا الباب ، المعتضدة أو المؤيّدة بالمعتبرة المشار إليها ، وبعموم ما دلّ على حجّيّة قول المفتي إلّا ما أخرجه الدليل.

وبالشياع المفيد للظنّ بها ، إمّا مطلقا ، أو هنا خاصّة ، بلا خلاف ظاهر أجده فيه هنا ، بل ولعلّه عليه الإجماع ، كما في ظاهر جملة من العبائر الآتية.

وهو الحجّة ، المعتضدة أو المؤيّدة بما مرّت إليه الإشارة.

وباقتداء العدلين به في الصلاة ، المفيد للظنّ بها على الأصحّ ، وفاقا للمحكيّ عن الدروس والروض والروضة والموجز ؛ (١) لاعتبار الظنّ بها في ثبوتها بحكم ما مرّ ، وسيأتي إليه الإشارة.

وباستفتاء العدلين العارفين وتقليدهما له ، وتحاكمهما إليه ، المفيد للظنّ بها أيضا على الأقرب كذلك ، لذلك.

المسألة الثامنة : هل يجب عليه في معرفة كونه مجتهدا وفقيها الاقتصار على العلم به ، فلا يثبت بغيره أصلا ـ كما نسب إلى ظاهر الذريعة والمعارج (٢) ـ أم لا ، فيثبت بغيره أيضا كما عليه المعظم ؟ قولان.

ولكنّ المعتمد هو الثاني ؛ لثبوته بشهادة العدلين على الأصحّ ، وفاقا لصريح جماعة ، منهم شيخنا الشهيد الثاني في المنية ، وولده في المعالم ، (٣) وظاهر اخرى ممّا يأتي إلى ذكرهم الإشارة ؛ لما مرّت إليه الإشارة.

__________________

(١) الدروس الشرعيّة ، ج ١ ، ص ٢١٨ ؛ روض الجنان ، ج ١ ، ص ٩٦٨ ؛ الروضة البهيّة ، ج ١ ، ص ٣٧٩ ؛ الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى ( الرسائل العشر لابن فهد الحلّي ) ، ص ١١١.

(٢) حكاه عنهما في مفاتيح الاصول ، ص ٦١٣ ؛ وهو في الذريعة إلى اصول الشيعة ، ج ٢ ، ص ٨٠١ ؛ ومعارج الاصول ، ص ٢٧٩.

(٣) منية المريد ، ص ٣٠٤ ؛ معالم الدين ، ص ٢٧٦.

٢١٧

مضافا إلى ما سيأتي من حجّيّة الظنّ في مثل المقام ، ولا شكّ في إفادتها الظنّ به عادة.

مضافا إلى ما دلّ على ثبوت ولاية القاضي ، مع عدم ظهور القائل بالفرق ، أو ظهور عدمه ، أو فحواه ؛ فتأمّل.

خلافا للمحكيّ عن ظاهر الذريعة والمعارج والجعفريّة والوافية ، فقالوا بعدمه. (١)

ولا وجه لهم ، عدا الأصل والعمومات المندفع كلّ منهما بما مرّ.

و(٢) بالخبر الواحد العدل ، المفيد للظنّ ، كما صرّح به بعض الأعلام ، لما مرّ وسيأتي.

وبغير ما ذكر من الأسباب والأمارات المفيدة للظنّ به ولو كان دعوى المدّعي ، بلا خلاف صريح ظاهر أجده فيه ، بل ولعلّه عليه الإجماع ، كما في ظاهر جملة من العبائر. (٣)

ففي المبادي ـ على ما حكي ـ : الاتّفاق على أنّه لا يجوز أن يستفتي إلّا من غلب على ظنّه أنّه من أهل الاجتهاد والورع ، بأن يراه منتصبا للفتوى بمشهد من الخلق ، وعلى أنّه لا يجوز أن يسأل من يظنّه غير عالم ولا متديّن. (٤)

وفي النهاية ـ كذلك ـ : الإجماع على أنّه لا يجوز استفتاء من اتّفق ، بل يجب أن يجمع المفتي وصفين : الأوّل : الاجتهاد ، والثاني : الورع ، ولا يجب على المستفتي الاجتهاد البالغ في معرفة المجتهد المتورّع ، بل يكفيه البناء على الظاهر ، بأن يراه منتصبا للفتوى بمشهد من الخلق ، ويرى اجتماع الخلق عليه ، والانقياد إلى ما يفتيهم به ، وإقبال المسلمين على سؤاله ، وقد وقع الإجماع على أنّه لا يجوز أن يقلّد من يظنّه غير عالم ولا متديّن ، وإنّما وجب عليه ذلك لأنّه بمنزلة نظر المجتهد

__________________

(١) حكاه عنهم في مفاتيح الاصول ، ص ٦١٤ ؛ وهو في الذريعة إلى اصول الشريعة ، ج ٢ ، ص ٨٠١ ؛ ومعارج الاصول ؛ والجعفريّة ( حياة المحقّق الكركي وآثاره ) ، ج ٤ ، ص ١٣٤ ؛ والوافية في اصول الفقه ، ص ٢٩٩.

(٢) عطف على قوله : « ولكنّ المعتمد هو الثاني لثبوته بشهادة العدلين ... » .

(٣) انظر مفاتيح الاصول ، ص ٦١٤.

(٤) مبادي الوصول إلى علم الاصول ، ص ٢٤٧.

٢١٨

في الأمارات. (١)

وفي التهذيب : لا يشترط في المستفتي علمه بصحّة اجتهاد المفتي ، بل يجب عليه ظنّه أنّه من أهل الاجتهاد والورع ، وإنّما يحصل له الظنّ برؤيته له منتصبا له للفتوى بمشهد من الخلق ، واجتماع المسلمين على استفتائه وتعظيمه ، وإذا غلب على ظنّ المستفتي أنّ المفتي غير عالم ولا متديّن ، حرم استفتاؤه إجماعا ؛ لأنّه بمنزلة نظر المجتهد في الأمارات. (٢)

وفي شرح المبادي لفخر الإسلام : الإجماع على أنّه لا يجوز استفتاء من اتّفق ، بل يجب أن يجمع الاجتهاد والورع ، ولا يجب على المستفتي الاجتهاد البالغ في معرفة المجتهد المتورّع ، بل يكفي البناء على غلبة الظنّ ، بأن يراه منتصبا للفتوى بمشهد من الخلق ، ويرى اجتماع الخلق عليه والانقياد إلى ما يفتيهم به ، وإقبال المسلمين على سؤاله ، وقد وقع الإجماع على أنّه لا يجوز أن يقلّد من يظنّه غير عالم ولا متديّن. (٣)

وفي المنية : الاتّفاق واقع على أنّه لا يجوز تقليد من يظنّه غير عالم ولا متديّن ، ثمّ قال : بل الواجب على المستفتي استفتاء من يغلب على ظنّه وصفي العلم والورع. (٤)

وفي التمهيد : قال في المحصول : اتّفقوا على أنّ العامي ليس له أن يستفتي إلّا من غلب على ظنّه أنّه من أهل الاجتهاد والورع ، بأن يراه منتصبا للفتوى بمشهد من الخلق ، ويرى إجماع المسلمين على سؤاله. (٥)

وفي إحكام الآمدي : القائلون بوجوب الاستفتاء على العامي اتّفقوا على جواز استفتائه لمن عرفه بالعلم وأهليّة الاجتهاد والعدالة ، بأن يراه منتصبا للفتوى والناس متّفقون على سؤاله والاعتقاد فيه ، وعلى امتناعه فيمن عرفه بالضدّ من ذلك. (٦)

وعن مختصر الحاجبي : الاتّفاق على استفتاء من عرف بالعلم والعدالة ، أو يراه

__________________

(١) نهاية الوصول إلى علم الاصول ، الورقة ، ٣١٩.

(٢) تهذيب الوصول إلى علم الاصول ، ص ٢٩٢.

(٣) حكاه عنهما في مفاتيح الاصول ، ص ٦١٤.

(٤) حكاه عنهما في مفاتيح الاصول ، ص ٦١٤.

(٥) تمهيد القواعد ، ص ٣٢٠ ، قاعدة ١٠٠.

(٦) الإحكام في اصول الأحكام ، ج ٤ ، ص ٤٥٣.

٢١٩

منتصبا والناس مستفتون معظّمون ، وعلى امتناعه في ضدّه. (١)

وعن شرح العضدي : المستفتي إمّا أن يظنّ المفتي علمه وعدالته ، أو عدم علمه وعدالته ، أو يجهل حاله فيهما. أمّا من ظنّ علمه وعدالته إمّا بالخبر ، وإمّا بأن يراه منتصبا للفتوى والناس متّفقون على سؤاله وتعظيمه ؛ فيستفتيه بالاتّفاق. وأمّا من ظنّ عدم علمه ، أو عدم عدالته ، أو كلاهما ، فلا يستفتيه اتّفاقا انتهى. (٢)

وهو الحجّة في ذلك ، مضافا إلى ما أفاده سيّدنا العلّامة الاستاد ـ دام ظلّه العالي ـ في المفاتيح بقوله : إنّ في الاقتصار على العلم وشهادة العدلين بذلك حرجا عظيما كما لا يخفى ، فليس بلازم ، فيلزم حجّيّة الظنّ مطلقا ؛ إذ لا قائل بالفصل على الظاهر ، وأنّ الاعتماد على الظنّ مطلقا في ذلك هو المعهود من سيرة المسلمين ، كما لا يخفى ؛ مضافا إلى شهرة القائل بذلك. ويؤيّد ما ذكر فحوى ما دلّ على قبول شهادة العدلين ، ومرسل يونس عن مولانا الباقر عليه‌السلام : « خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بظاهر الحكم : الولايات ، والمناكح ، والذبائح ، والشهادات ، والأنساب » (٣) وعدم إشارة العلّامة وابنه والسيّد عميد الدين والشهيد إلى وجود المخالف في ذلك ، انتهى. (٤)

أقول : ويؤيّده أو يعضده ـ ولو في الجملة ـ ما دلّ على وجوب حمل فعل المسلم وقوله على الصحّة ؛ فتنبّه.

المسألة التاسعة : هل يجب عليه في معرفة كونه طاهر المولد الاقتصار على العلم به وما يفيده ، فلا يثبت بغيره ؟

المعتمد : لا ، بل يكفيه عدم العلم به ، وعدم ثبوته أيضا بالشهادة المعتبرة إجماعا

__________________

(١) المختصر مع شرحه للعضدي ، ص ٤٨١ و٤٨٢.

(٢) المصدر.

(٣) الفقيه ، ج ٣ ، ص ١٦ ، ح ٣٢٤٤ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ٦ ، ص ٣٨٣ ، ح ٧٨١ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ٢٨٩ ، ٣٣٧٧٦.

(٤) مفاتيح الاصول ، ص ٦١٥.

٢٢٠