أبي المؤيّد بن أحمد المكّي أخطب خوارزم [ خوارزمي ]
المحقق: الشيخ محمّد السماوي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6223-01-X
الصفحات: ٣٦٠
(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الروم / ٤١ ، وإنما فتح بقتل «هابيل» ، ويختم بقتل «الحسين بن علي».
١٥ ـ وأخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، عن شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد البيهقي ، عن أبيه ، حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا خلف بن محمد البخاري ، حدثنا صالح بن محمد الحافظ ، حدثنا أحمد بن حيان المصيصي ، حدثنا عيسى بن يونس السبيعي ، عن الأعمش ، عن نشيط أبي فاطمة قال : جاء مولاي أبو هرثمة من «صفين» فأتيناه فسلمنا عليه ، فمرت شاة وبعرت ، فقال : لقد ذكرتني هذه الشاة حديثا ، أقبلنا مع ـ عليّ ـ ، ونحن راجعون من صفين فنزلنا «كربلاء» فصلّى بنا الفجر بين شجرات ، ثمّ أخذ بعرات من بعر الغزال ، ففتها في يده ، ثمّ شمها فالتفت إلينا ، وقال : «يقتل في هذا المكان قوم يدخلون الجنّة بغير حساب».
١٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله الحافظ ، حدثنا محمّد بن يعقوب ، حدثنا الحسن بن علي بن عفان ، حدثنا أبو اسامة ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن عبد الله بن الأصم ، عن عمه يزيد بن الأصم ، قال : خرجت مع الحسن بن علي من الحمام فبينما هو جالس يحك ظفره من الحناء ، إذ أتت إضبارة من الكتب ، فما نظر في شيء منها حتّى دعا الخادم ـ بالمخضب والماء ـ فألقاها فيه ، ثمّ دلكها ، فقلت : يا أبا محمد! ومن أين هذه الكتب؟ قال : «من العراق ، من عند قوم لا يقصرون عن باطل ، ولا يرجعون إلى حقّ».
قال سفيان : فزادني غير عبد الله في ـ هذا الحديث ـ ، أنّه قال : «أما إني لست أخشاهم على نفسي ، ولكني أخشاهم على ذاك» ، وأشار إلى الحسين.
١٧ ـ وأخبرنا عين الأئمة أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي ، حدثنا القاضي الإمام أبو نصر أحمد بن عبد الرحمن الريغدموني ـ سنة خمس وثمانين وأربعمائة ـ ، حدثني والدي ، حدثني الفقيه أبو شعيب صالح بن محمد بن صالح السخاوي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الباقي ، أخبرني أبي ، أخبرني يوسف بن الجراح ، حدثنا أبو الأحوص القاضي البصري ـ بعكبراء وهو من ولد حمّاد ـ ، أتيته ومعنا أبو العباس الهمداني ، وجماعة من الرازيين ، منهم : أبو القاسم بن أبي زرعة الرازي ، فمما روى لنا هذا الحديث.
حدثني محمد بن عبيد الله بن محمّد العجلي ثمّ التيمي ، حدثني أبي ، حدثني وكيع بن الجراح ، حدثني محمد بن سهل ـ خال ولد أبي صالح السمان ـ ، عن مولى لابن عباس اسمه ـ خالد بن نافع ـ ، قال : سمعت ابن عباس يقول (١) : أخذ بيدي علي بن أبي طالب عليهالسلام وقال : «يا عبد الله بن عباس! كيف بك إذا قتلنا ، وولغت الفتنة في أولادنا ، وسبيت ذرارينا كما تسبى الأعاجم»؟ قال : فقلت : أعيذك بالله ، يا أبا الحسن! يا ابن عم! لقد كلمتني بشيء ساءني ، وما ظننت أنّه يكون هذا؟ أما ترى الإيمان ما أحسنه! والإسلام ما أزينه! أتراهم فاعلين ذلك بنا؟ لعلّها أمّة غير هذه الامة ، قال : «لا ، والله ، بل هذه الامة».
قال : فأمرض قلبي وساءني فصرت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبرته على استحياء وخوف ، قلت : ـ وشاركتني بالحديث ميمونة ـ وكأني اريد بالحديث إياها.
فقال النبيّ : «الله أكبر! من أخبرك بذلك»؟ فقلت إنه حدثني ـ يعني :
__________________
(١) هذا الحديث سنده مظلم ولفظه مضطرب فهو من الموضوعات أو المزيد فيها.
عليّا ـ ، فقال لي رسول الله : «ائت عليا فادعه» ، فإذا هو بالباب ، وإذا هو عند ميمونة فسلم فأمره بالقعود ، وقال له : «يا حبيبي! مالي أراك متغيرا لونك»؟ قال : «خيرا! يا رسول الله» قال : «لعلك ذكرت أمرا فأحزنك» ، قال : «قد كان ذلك» قال : «إنّ عبد الله حدّث عنك بما حدّث ، فمن أين قلت لقد أمرضت قلبي وأحزنتني»؟
قال : «إنّ ابنتك ـ فاطمة ـ أخبرتني أنها رأت رؤيا أقلقتني ، عند ما قصتها عليّ ، فقال صلىاللهعليهوآله : «ما هي»؟ قال : «إنها أخبرتني كأن الشمس انكسفت ، وأن قمرين طلعا فقاما مقامها ، قالت : فقلت : فما بال الشمس انكسفت؟ فقيل لي : هذه الشمس رسول الله يموت ، وأنّ هذين القمرين ـ أبو بكر وعمر ـ يقومان مقامه بالدّين ، ويسوسان الأمّة ، وطلع نجم زاهر بينهما كان وضيئا ، فاذا خمد القمران أزهر هذا بنوره ، وأمدهما هذا بضوئه ، فما هو إلّا أن لبث قليلا حتّى ذهب أحد القمرين ذات اليمين ، فقلت : الى أين ذهب هذا فقد كان وضيئا؟ فقيل : إلى حيث ذهبت الشمس ، ثمّ ما لبث القمر الآخر حتى صار أحمر ، ثم انكسف وغاب ، والنجم طالع زاهر نوره لا ينقص بل يزيد نوره ، فقلت : اوه! إلى أين ذهب الآخر ، فقيل لي : ذهب إلى حيث ذهبت الشمس وأخوها ، فقلت : ما القمران اللذان غابا؟ فقيل : صاحبا رسول الله والخليفتان بعده ، فبينا أنا اسأل عن ذلك ، إذ طلع قمر آخر بين القمرين مثل حسنهما ، ثم اجتمعت النجوم كلّها عليه وذلك القمر الزاهر طلع معه نجمان آخران بقربه يزهران كزهر النجم ، ولقد اعجبت منهما ولقد مددت يدي إليهما ، فجاءاني وجاء الأوّل بينهما ، ثمّ ضممتهما إلى صدري فما هو إلّا أن تفرقا على القرب مني ، إذا اشتقت فمالي إليهما سبيل ، وكانت النجوم قد اشتبكت فنظرت
فيها ، فإذا هم يزهرون ، وأقام القمر على ذلك ما شاء ، وكانوا يقصدونه مرة ، ويتأخرون عنه مرّة ، ثم صار أحدهما ملازما له حتى ما رأيت إلّا أن الطالع الأكبر منهم قد أفل وهو الذي قد طلع بعد ذهاب ذينك ، فقلت : ما هذا؟ فقيل لي : هذا رجل يملك الدّنيا ، ثم يقتل ويتفرق عنه من رأيت من قومه ، فقلت : إن هذا لعجب ولقد وافاني أحد تلك النجوم حتى دخل إلى بيتي فرأيته محزونا خامدا نوره فكلمته وكلّمني ، فقلت : مالك؟ فقال لي : لا احسن الكلام ، ثم بكى ، فقلت : مم بكاؤك؟ فقال : إن صاحبي يقتل وولدك يقتلون ظلما ، كما قتل اللّذان رأيت ظلما ، وأنه سيكون بعدك فتنة ، وأنه يؤخذ منك ولدك وولد ولدك ، فلو لا أن الله يريد أن لا يهلك العباد كلّهم لرجمهم كما رجم قوم لوط بالحجارة».
قال : فقام رسول الله ، وقمت معه ، وبيده علي حتى دخل على فاطمة ، فقامت مستقبلة له وهي تبكي ، فضمّها إلى صدره وقبلها في رأسها وهو يبكي ، وسألها عن الرؤيا؟ فأخبرته فقال : «إن عشت سترين ، غير أنّك لا تعيشين ، وسيعيش زوجك ويرى ذلك أنه قد نزل عليّ في هذه الليلة ألف ملك ، يعزونني في نفسي وفيك ، وإنك لا تعيشين من بعدي إلّا يسيرا ، والذي رأيت من الأقمار ، هم كما رأيت ـ أبو بكر وعمر ـ ، والقمر الثالث : رجل من بعدهما مني ، هو شيخ قريش وأوسعها حلما وأفضلها سخاء وأكثرها عطاء ، يا علي! لا تختلف عليه بذلك.
أخبرني حبيبي وإنّك ستراه في مقامك هذا ـ فطلع عثمان بن عفان ـ ، وأنّ ولدك يقتل ، وأن ذريتك تقتل ، وتحمل نسائي وبناتي إلى الشّام ، والملائكة بذلك يخبروني ، وجاءني جبرئيل يقرؤك السلام ، ويقرئ عليا السلام ، ويعزيني فيكما وفي ولديكما ، ولا تسكن الفتنة إلّا بكما ، وأنّ الله
تعالى وعدكما الأجر والثواب ، ولك عنده فضيلة ليست لغيرك ، لصبرك واحتسابك على ما أبلاك ، وأبلى ولدك بعدك ، وأنه ليعطيك قلما من نور فتقعد على حوضي وبين يديك ولدان من نور ، فكل من أراد الشرب من النّاس ، والصديقين غير المرسلين ، والشهداء ـ البحريين والبريين ـ ، تكتب لهم برق من نور فيأخذه الولدان ، وتملأ أواني من نور فيسقون اولئك بإذنك ، وإذا أذن لأحد منهم أن يذهب إلى الجنّة كتبت له رقعة الى ـ رضوان ـ فهي جوازه حتّى يدخله الجنّة فعليك السلام من بعدي ، وأنت الوصي على أزواجي ، والخليفة على كتابي ، وكتاب ربي وسنتي ، فلا تكن من القاعدين ، ولا الكسلين ، وإنّ الله قد منعك من حرام الدّنيا ولم يجعل لها عليك سبيلا ، ولا على ولدك ، وجعل قوتكم قدرا منها ليقل الحساب ، ووهب لمن تمسك بسيرتك ، واعتقد بحبك ، ونصر ولدك ، شفاعتك والنظر إليك جزاء بما كانوا يكسبون لا يصرفون عنها ، ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم ، وإن كانت لهم حاجة عند ربهم في آبائهم وأزواجهم وأولادهم قضاها ؛ فبشر امتي وعرفها ذلك ، فإنّ السعيد يقبل والشقي يحرم». انتهى.
١٨ ـ وأخبرني الحافظ سيد الحفاظ أبو منصور الديلمي ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ ، أخبرنا أبو منصور محمد بن إسماعيل الأشقر ـ بقراءتي عليه بداره في أصبهان ـ ، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن الحسين بن فادشاه ، أخبرنا الطبراني [ح] وأخبرني أبو علي الحداد ـ مناولة ـ ، أخبرني أبو نعيم الحافظ ، أخبرني الطبراني قال : أخبرني أبو بكر محمد بن الحسين المقري ـ فيما كتب إليّ من قزوين سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة ـ ، أخبرني أبو القاسم بن أبي المنذر الخطيب ، أخبرني علي بن إبراهيم ، أخبرني محمد بن يزيد ؛ وابن ماجه القزويني ؛ بإسنادهما إلى الحسين بن علي عليهماالسلام قال : «قال لي رسول
الله صلىاللهعليهوآله : يا حسين! آخر شربة من الدنيا تشربها من ماء تشربها على ظمأ».
١٩ ـ وروي : أن النبيّ صلىاللهعليهوآله لما دخل الجنّة ليلة المعراج ، رأى فيها قصرين من ياقوتتين : إحداهما خضراء ؛ والأخرى حمراء ، فسأل جبرئيل عنهما ، فقال : اسأل رضوان عنهما ، فسأل رضوان ، فقال : الخضراء للحسن ؛ والحمراء للحسين ، فقال : «يا رضوان! لم خلق الله الخضراء للحسن ؛ والحمراء للحسين»؟ فقال رضوان : إن الحسن تقتله امتك بالسم فيصير أخضر ؛ والحسين تقتله امتك بالسيف فيتلطخ بدمه فيصير أحمر ، فأعلم الله قصريهما بهاتين العلامتين ، فبكى رسول الله ، فقال الله : يا محمد! لم تبكي؟ وأن دموعك لا قيمة لها عندي (١) ، ولكن إن رضيت أن تحفظهما ولا شفاعة لك يوم القيامة فعلنا ، فقال رسول الله : «بل الشفاعة أحبّ إليّ يا رب ، وإن قتلت قرّة عيني معهما فاطمة».
٢٠ ـ وذكر عبد الله بن المبارك : أن يحيى الحضرمي كان صاحب مطهرة عليّ بن أبي طالب عليهالسلام فلما سار الى صفين وحاذى «نينوى» وهو منطلق إلى «صفين» ، نادى : «صبرا أبا عبد الله! صبرا أبا عبد الله!» وهو بشط الفرات ، فقلت : مالك يا أمير المؤمنين؟ قال : «دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وعيناه تفيضان ، فقلت : بأبي وأمي أنت! ما لعينيك تفيضان؟ قال : قام من عندي جبرئيل آنفا فأخبرني إنّ الحسين يقتل بالفرات ، وقال : فهل لك أن اشمك من تربته؟ قلت : نعم ، فقبض قبضة من تراب وأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا».
وقيل : لما أتى جبرئيل بالتربة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله من موضع يهراق فيه دم أحد ولديه ، ولم يخبره باسمه ، شمها ، وقال : «هذه رائحة ابني
__________________
(١) أي عزيزة غالية لا ثمن لها.
الحسين» ، وبكى ، فقال جبرئيل : صدقت.
٢١ ـ وذكر أبو عليّ السلامي البيهقي في «تاريخه» : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال للحسين بن علي عليهماالسلام : «إنّ لك في الجنّة درجة لا تنالها إلا بالشهادة».
قال السلامي : فكان يعلم وقت اجتماع العسكر عليه أنه مقتول ، فصبر ولم يجزع حتى نال الشهادة (عليه أفضل السّلام).
الفصل التاسع
في بيان ما جرى
بينه وبين الوليد بن عتبة ومروان
بن الحكم بالمدينة في حياة معاوية وبعد وفاته
١ ـ أخبرنا سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ ، أخبرنا الرئيس محيي السنة أبو الفتح بن عبد الله كتابة ، أخبرنا الشيخ العدل أبو الفرج عليّ بن محمد ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السّراج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثني من أدرك ـ مروان بن الحكم ـ ، أنه خطب النّاس على المنبر ، ليدعو إلى ـ يزيد بن معاوية ـ ، فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، فجلس على قوائم المنبر ، فقال : لا ، ولا نعمة عين لك ، أدين الهرقلية كلّما ذهب واحد جاء آخر ، هلك أبو بكر فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، ثمّ نحاها عنهم وجعلها إلى رجل من بني عدي بن كعب ، ثم هلك عمر بن الخطاب فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، فنحاها عنهم وجعلها شورى بين النّاس.
قال : وقالت عائشة : يا مروان! أما والله ، إنكم للشجرة الملعونة التي ذكر الله في القرآن.
٢ ـ وذكر هذه القصة ـ الإمام أحمد بن أعثم الكوفي (ره) في «تاريخه» أطول من هذه. قال : كتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره أن يدعو النّاس إلى بيعة يزيد ، ويخبره في كتابه : إن أهل ـ مصر والشام والعراق ـ قد بايعوا. فأرسل مروان إلى وجوه أهل المدينة فجمعهم في المسجد الأعظم ، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر الطاعة وحضّ عليها ، وذكر الفتنة وحذّر منها ، ثمّ قال في بعض كلامه : أيها النّاس! إن أمير المؤمنين قد كبر سنه ، ودقّ عظمه ، ورق جلده ، وخشي الفتنة من بعده ، وقد أراه الله رأيا حسنا ، وقد أراد أن يختار لكم ولي عهد يكون لكم من بعده مفزعا ، يجمع الله به الالفة ، ويحقن به الدّماء ، وأراد أن يكون ذلك عن مشورة منكم ، وتراض ، فما ذا تقولون؟
قال : فقال النّاس من جانب : إنا ما نكره ذلك إذا كان رضا ، فقال مروان : فإنه قد اختار لكم الرّضا الذي يسير فيكم بسيرة الخلفاء الراشدين المهتدين ـ وهو ابنه يزيد ـ ، قال : فسكت النّاس ، وتكلّم عبد الرّحمن بن أبي بكر ، فقال : كذبت والله ، وكذب من أمرك بهذا ، والله ، ما يزيد بمختار ، ولا رضا ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية.
وقال في غير هذا الموضع : في يزيد الخمور ، يزيد القرود ؛ يزيد الفهود ، فقال مروان: إنّ هذا المتكلم هو الذي أنزل الله فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) الأحقاف / ١٧.
قال : فغضب عبد الرحمن ، وقال : يا ابن الزرقاء! أفينا تتأوّل القرآن ، وأنت الطريد ابن الطريد؟ ثمّ بادر إليه فأخذ برجليه ، وقال : انزل ، يا عدوّ الله! عن منبر رسول الله ، فليس مثلك من يتكلم على أعواده.
قال : فضجّت ـ بنو اميّة ـ في المسجد ، وبلغ ذلك عائشة ، فخرجت
من منزلها متلفعة ـ بملاءة ـ لها ، ومعها نسوة من قريش ، حتّى دخلت المسجد ، فلمّا نظر إليها ـ مروان ـ كأنّه فزع من ذلك ، فقال : سألتك بالله ، يا أم المؤمنين! إن قلت إلّا حقا. فقالت عائشة : لا أقول إلا حقا ، أشهد لقد لعن رسول الله أباك ، ولعنك فأنت فضض من لعنة رسول الله ، وأنت الطريد ابن الطريد ، أتكلم أخي ـ عبد الرحمن ـ بما تكلّمه ، فسكت مروان ، ولم يرد عليها شيئا ، وتفرق الناس.
وكتب مروان إلى معاوية يخبره بما كان من عبد الرحمن بن أبي بكر ، فلما قرأ معاوية كتاب مروان أقبل على جلسائه ، وقال : عبد الرحمن شيخ قد خرف ، وذهب عقله ، ونحن أن نكف ونحتمل ما كان منه ، فليس هذا من رأيه ، ولكن رأي غيره.
٣ ـ أخبرني سيد الحفاظ أبو منصور الديلمي ـ كتابة ـ ، أخبرنا محمود ابن إسماعيل الصيرفي ، أخبرنا أحمد بن فادشاه [ح] وأخبرنا أبو علي الحداد إجازة ، أخبرنا أبو نعيم ، قالا : أخبرنا الطبراني ، عن أحمد بن رشدين المصري ، عن محمد بن سفيان الحضرمي ، عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل : أنّ ابن موهب أخبره : أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان فدخل عليه مروان فكلمه في حوائجه ، وقال : اقض حاجتي ، يا أمير المؤمنين! فو الله ، إن مئونتي لعظيمة ، إني أصبحت أبا عشرة ، وأخا عشرة ، وعمّ عشرة ، فلما أدبر مروان ، قال معاوية لابن عباس ـ وكان جالسا معه على سريره ـ : أنشدك الله ، يا ابن عباس! أما تعلم أن رسول الله قال : «إذا بلغ ـ بنو الحكم ـ ثلاثين رجلا : اتخذوا مال الله بينهم دولا ، وعباده خولا ، وكتابه دغلا ، فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة ، كان هلاكهم أسرع من التمرة.
فقال ابن عباس : اللهمّ! نعم ، ثم قال : أنشدك الله يا ابن عباس! أما
تعلم أن رسول الله صلىاللهعليهوآله ذكر هذا ، فقال : «أبو الجبابرة الأربعة» ، فقال ابن عباس : اللهمّ! نعم.
٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن الطبراني أيضا ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن يزيد بن ربيعة ، عن أبي الأشعث ، عن ثوبان قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : «رأيت ـ بني مروان ـ يتعاورون على منبري ، فساءني ذلك ، ورأيت بني العبّاس يتعاورون على منبري فسرى ذلك عني».
٥ ـ وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور الديلمي ـ كتابة ـ ، أخبرني زاهر ابن طاهر الشحامي ، أخبرني عبد الرحمن بن محمد ، أخبرني أحمد بن محمد بن حمدان ، أخبرني أبو العلاء الموصلي ، عن مصعب بن عبد الله ، عن أبي حازم ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «رأيت في النوم ـ بني الحكم بن أبي العاص ـ ينزون على منبري ، كما تنزو القردة» ، فأصبح كالمتغيظ ، فما رؤي رسول الله صلىاللهعليهوآله مستجمعا ضاحكا بعد ذلك ، حتّى مات.
٦ ـ وذكر الإمام أحمد بن أعثم الكوفي : أن معاوية لما حجّ حجته الأخيرة ارتحل من «مكة» فلما صار ـ بالأبواء ـ ونزلها ، قام في جوف الليل لقضاء حاجته ، فاطلع في ـ بئر الأبواء ـ فلما اطلع فيها اقشعر جلده ، وأصابته اللقوة في وجهه ، فأصبح وهو لما به مغموم ، فدخل عليه النّاس يعودونه ، فدعوا له وخرجوا من عنده ، وجعل ـ معاوية ـ يبكي لما قد نزل به ، فقال له مروان بن الحكم : أجزعت يا أمير المؤمنين؟ فقال : لا يا مروان! ولكني ذكرت ما كنت عنه عزوفا ، ثم إني بكيت في إحني ، وما يظهر للناس مني ، فاخاف أن يكون عقوبة عجلت لي لما كان من دفعي حق علي بن أبي
طالب عليهالسلام ، وما فعلت ـ بحجر بن عدي ـ وأصحابه ، ولو لا هواي من يزيد لأبصرت رشدي ، وعرفت قصدي.
قال : ولما أخذ البيعة ـ ليزيد ـ أقبل عليه ، فقال : يا بني! أخبرني الآن ما أنت صانع في هذه الأمة؟ أتسير فيهم بسيرة ـ أبي بكر الصديق ـ الذي قاتل أهل الردّة ، وقاتل في سبيل الله ، حتى مضى والنّاس عنه راضون؟ فقال : يا أمير المؤمنين! إني لا اطيق أن أسير بسيرة أبي بكر ، ولكن آخذهم بكتاب الله وسنّة رسوله.
فقال : يا بني! أتسير فيهم بسيرة ـ عمر بن الخطاب ـ الذي مصر الأمصار ، وفتح الديار ، وجنّد الأجناد ، وفرض الفروض ، ودوّن الدواوين ، وجبا الفيء ، وجاهد في سبيل الله ، حتّى مضى والنّاس عنه راضون؟ فقال يزيد : لا أدري ما صنع عمر؟ ولكن آخذ الناس بكتاب الله والسنّة.
فقال معاوية : يا بني! أفتسير فيهم بسيرة ابن عمك ـ عثمان بن عفّان ـ الذي أكلها في حياته ، وورثها بعد مماته ، واستعمل أقاربه ، فقال يزيد : قد أخبرتك يا أمير المؤمنين! إنّ الكتاب بيني وبين هذه الامة : به آخذهم ، وعليه أقتلهم.
قال : فتنفس معاوية الصعداء ، وقال : إني من أجلك آثرت الدّنيا على الآخرة ، ودفعت حق ـ عليّ بن أبي طالب ـ ، وحملت الوزر على ظهري ، وإني لخائف أنّك لا تقبل وصيتي فتقتل خيار قومك ، ثم تغزو حرم ربّك فتقتلهم بغير حقّ ، ثم يأتي الموت بغتة ، فلا دنيا أصبت ، ولا آخرة أدركت.
يا بني! إني جعلت هذا الملك مطعما لك ولولدك من بعدك ، وإني موصيك بوصية فاقبلها ، فإنك تحمد عاقبتها ، وانّك بحمد الله صارم
حازم ، انظر أن تثب على أعدائك كوثوب الهزبر البطل ، ولا تجبن كجبن الضعيف النكل ، فإني قد كفيتك الحلّ والترحال ، وجوامع الكلم والمنطق ، ونهاية البلاغة ، ورفع المؤنة ، وسهولة الحفظ ، ولقد وطأت لك يا بني البلاد ، وذلك لك رقاب العرب الصعاب ، وأقمت لك المنار ، وسهلت لك السبل ، وجمعت لك اللجين والعقيان ، فعليك يا بني! من الأمور بما قرب مأخذه ، وسهل مطلبه ، وذر عنك ما اعتاص عليك ، واعلم يا بنيّ! أن سياسة الخلافة لا تتم إلا بثلاث : بقلب واسع ؛ وكف بسيط ؛ وخلق رحيب ، وثلاث أخر : علم ظاهر ؛ وخلق طاهر ؛ ووجه طلق ، ثم تردف ذلك بعشر آخر : بالصبر ؛ والأناة ؛ والتودد ؛ والوقار ؛ والسكينة ؛ والرزانة ؛ والمروءة الظاهرة ؛ والشجاعة ؛ والسخاء ؛ والاحتمال للرعية بما تحب وتكره.
ولقد علمت يا بني! أني قد كنت في أمر الخلافة جائعا شبعان ، بشما شهوان ، اصبح عليها جزعا ، وامسي هلعا ، حتّى أعطاني النّاس ثمرة قلوبهم ، وبادروا إلى طاعتي ، فادخل يا بنيّ! من هذه الدنيا في حلالها ، واخرج من حرامها ، وانصف الرعية ، وأقسم فيهم بالسوية ، واعلم يا بنيّ! أني أخاف عليك من هذه الامة ـ أربعة نفر ـ من قريش : عبد الرحمن بن أبي بكر ؛ وعبد الله بن عمر ؛ وعبد الله بن الزبير ؛ وشبيه أبيه الحسين بن عليّ.
فأما ـ عبد الرحمن بن أبي بكر ـ فإنه إذا صنع أصحابه صنع مثلهم ، وهو رجل همته النساء ، ولذة الدنيا ، فذره يا بني! وما يريد ، ولا تأخذ عليه شيئا من أمره ، فقد علمت ما لأبيه من الفضل على هذه الامة ، وقد يحفظ الولد في أبيه.
وأما ـ عبد الله بن عمر ـ فإنه رجل صدق ، وحش من النّاس ، قد أنس بالعبادة ، وخلا بالوحدة ، فترك الدنيا وتخلى منها ، فهو لا يأخذ منها
شيئا ، وإنما تجارته من الدنيا كتجارة أبيه ـ عمر بن الخطاب ـ ، فاقرأ عليه يا بني! منك السلام ، وابعث إليه بعطاياه موفرة مهنأة.
وأما ـ عبد الله بن الزبير ـ فما أخوفني منه عنتا ، فإنّه صاحب خلل في القول ، وزلل في الرأي ، وضعف في النظر ، مفرط في الامور ، مقصر عن الحقّ ، وأنه ليجثو لك كما يجثو الأسد في عرينه ، ويراوغك روغان الثعلب ، فإذا امكنته منك فرصة لعب بك كيف شاء ، فكن له يا بني! كذلك واحذه كحذو النعل بالنعل ، إلا أن يدخل لك في الصلح والبيعة ، فأمسك عنه ، واحقن دمه ، وأقمه على ما يريد.
وأمّا ـ الحسين بن علي ـ فأوه أوه يا يزيد! ما ذا أقول لك فيه؟ فاحذر أن تتعرض له إلّا بسبيل خير ، وامدد له حبلا طويلا ، وذره يذهب في الأرض كيف يشاء ، ولا تؤذه ، ولكن ارعد له وأبرق ، وإياك والمكاشفة له : في محاربة بسيف ، أو منازعة بطعن رمح ، بل أعطه وقربه وبجله ، فإن جاء إليك أحد من أهل بيته فوسع عليهم وارضهم ، فإنهم أهل بيت لا يسعهم إلّا الرضا والمنزلة الرفيعة.
وإياك يا بني! أن تلقى الله بدمه ، فتكون من الهالكين ، فقد حدثني ـ ابن عبّاس ـ ، فقال : حضرت رسول الله صلىاللهعليهوآله عند وفاته ، وهو يجود بنفسه ، وقد ضمّ الحسين إلى صدره ، وهو يقول : «هذا من اطائب ارومتي ، وأبرار عترتي ، وخيار ذريتي ، لا بارك الله فيمن لم يحفظه من بعدي» ، قال ابن عباس : ثم اغمي على رسول الله ساعة ، ثم أفاق فقال : «يا حسين! إنّ لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربي ، وخصومة ، وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصما لمن قاتلك يوم القيامة.
يا بني! فهذا حديث ابن عباس ، وأنا احدثك عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه
قال : «أتاني يوما حبيبي جبرئيل ، فقال : يا محمد! إن امتك تقتل ابنك ـ حسينا ـ وقاتله لعين هذه الأمة» ، ولقد لعن النبي صلىاللهعليهوآله قاتل حسين مرارا ، فانظر يا بني! ثم انظر أن تتعرض له بأذى ، فإنه مزاج ماء رسول الله ، وحقه والله ، يا بنيّ! عظيم ، وقد رأيتني كيف كنت أحتمله في حياتي ، وأضع له رقبتي ، وهو يجبهني بالكلام القبيح الذي يوجع قلبي ، فلا اجيبه ولا أقدر له على حيلة ، لأنه بقية أهل الله بأرضه في يومه هذا ، وقد أعذر من أنذر.
ثمّ أقبل ـ معاوية ـ على ـ الضحاك بن قيس الفهري ؛ ومسلم بن عقبة المري ـ وهما من اعظم قواده ، وهما اللذان كانا يأخذان البيعة ليزيد ، فقال لهما : اشهدا على مقالتي هذه ، فو الله ، لو فعل بي الحسين وفعل ، لاحتملته ، ولم يكن الله تعالى يسألني عن دمه ، أفهمت عني يا بني! ما أوصيتك به؟
قال : قد فهمت يا أمير المؤمنين! ثم قال معاوية : وانظر إلى ـ أهل الحجاز ـ فإنهم أصلك ، وفرعك فأكرم من قدم عليك منهم ، ومن غاب عنك فلا تجفهم ولا تعقهم ، وانظر إلى ـ أهل العراق ـ فإنهم لا يحبونك أبدا ، ولا ينصحونك ، ولكن دارهم ما أمكنك واستطعت ، وإن سألوك أن تعزل عنهم في كل يوم عاملا فافعل ، فإن عزل عامل واحد أيسر عليك ، وأخف من أن يشهروا عليك مائة ألف سيف ، وانظر يا بني ـ أهل الشام ـ ، فإنهم بطانتك وظهارتك ، وقد بلوتهم وخبرتهم وعرفت نياتهم ، وهم : صبر عند اللقاء ، حماة في الوغى ، فإن دار بك أمر من عدوّ يخرج عليك فانتصر بهم ، فإذا أصبت منهم حاجتك فارددهم إلى بلادهم يكونوا بها إلى وقت حاجتك إليهم.
قال : ثم تنفّس الصعداء ، ثمّ غشي عليه ، فلم يفق من غشيته يومه
ذلك ، فلما أفاق قال : اوه (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) الإسراء / ٨١ ، ثم جعل يقول :
إن تناقش يكن نقاشك يا رب |
|
عذابا لا صبر لي بالعذاب |
أو تجاوز فأنت ربّ رحيم |
|
عن مسيء ذنوبه كالتراب |
ثمّ التفت إلى أهل بيته وقرابته وبني عمّه ، فقال : اتقوا الله حق تقاته ، فإنّ تقوى الله جنة حصينة ، وويل لمن لم يتّق الله من عذابه ، وأليم عقابه ، ثم قال : اعلموا أني كنت بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله ذات يوم ، وهو يقلّم أظفاره ، فأخذت القلامة ، وأخذت بمشقص من شعره على الصفا ، وجعلتها في قارورة هي عندي ، فاجعلوا أظفاره وشعره في فمي واذني وصلّوا عليّ وواروني في حفرتي ، وذروني وربي فإنّه غفور رحيم.
ثمّ انقطع كلامه فلم ينطق بشيء (١).
قال : وكان يزيد خرج من يومه ذلك إلى «حوران» موضع من الشام ليتصيد هنالك ، وقال للضحاك بن قيس : انظر ، لا تخف عليّ شيئا من أمر أمير المؤمنين ، فتوفي معاوية في غد ذلك اليوم ، وليس يزيد عنده ، فكان ملكه تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر ، وتوفي ـ بدمشق ـ يوم الأحد لأيام خلت من شهر رجب سنة ستين وهو ابن ثمان وسبعين سنة.
قال : ثمّ خرج الضحاك بن قيس من دار معاوية وهو لا يكلّم أحدا ، والأكفان معه ، فدخل المسجد الأعظم ، ونودي له في الناس ، فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال: أيها الناس! إنّ أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان قد ذاق الموت ، وشرب كأس الحتف ، وهذه أكفانه ، نحن مدرجوه فيها ، ومدخلوه قبره ، ومخلون بينه وبين عمله ، فمن كان منكم يريد أن
__________________
(١) هذا الخبر يناقض ما بعده من كون يزيد بحوران.
يشهده فليحضر بين الصلاتين ، ولا تقعدوا عن الصلاة عليه ، ثمّ نزل عن المنبر ، وكتب إلى يزيد.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي لبس رداء البقاء ، وكتب على عباده الفناء ، فقال عزوجل : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) الرحمن / ٢٦ ـ ٢٧ ، لعبد الله يزيد أمير المؤمنين من الضحاك بن قيس :
أما بعد ، فكتابي إلى أمير المؤمنين : كتاب تهنئة ؛ ومصيبة ، فأما ـ التهنئة ـ فالخلافة التي جاءتك عفوا ، وأما ـ المصيبة ـ فموت أمير المؤمنين معاوية فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فإذا قرأت كتابي هذا فالعجل العجل لتأخذ النّاس ببيعة اخرى مجددة ، ثم كتب في أسفل «كتابه» هذين البيتين :
مضى ابن أبي سفيان فردا لشأنه |
|
وخلفت فانظر بعده كيف تصنع؟ |
أقمنا على المنهاج واركب محجّة |
|
سدادا فأنت المرتجى حين نفزع |
فلما ورد الكتاب على يزيد وقرأه ، وثب باكيا ، وأمر باسراج دوابه ، وسار يريد «دمشق» فصار إليها بعد ثلاثة أيام من مدفن معاوية ، وخرج النّاس إلى استقباله ، فلم يبق أحد يطيق حمل السلاح إلا ركب وخرج ، حتّى إذا قرب من دمشق جعل الناس يتلقونه ويبكون ، ويبكي معهم ، وأيمن ابن خريم الأسدي بين يديه ينشده ويقول :
رمى الحدثان نسوة آل حرب |
|
بمقدار سمدن له سمودا |
فرد شعورهن السّود بيضا |
|
وردّ وجوههن البيض سودا |
وإنّك لو سمعت بكاء هند |
|
ورملة إذ يلطمن الخدودا |
بكيت بكاء موجعة بحزن |
|
أصاب الدّهر واحدها الفريدا |
فصبرا يا بني حرب! تعزّوا |
|
فمن هذا الذي يرجو الخلودا؟ |