أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-332-4
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٦٩
بإنجيلهم ، وأهل القرآن بقرآنهم (١) » (٢) .
مع ما سيأتي أيضاً متواتراً من إخبار النبيّ صلىاللهعليهوآله وكذا عليّ عليهالسلام كلّ من سألهما من أهل الملل السابقة عمّا في كتبهم ، وما حفظوه عن أنبيائهم بنحو ما كان عندهم ، بحيث لم يقدر أحد منهم إلاّ على الاعتراف بأنّه كذلك ، وهكذا سائر الأئمّة عليهمالسلام .
حتّى أنّ المخالفين ذكروا مثل ذلك عن الرضا عليهالسلام في مجالس مناظرات المأمون ، وسيأتي تفصيل جميع ذلك مع سائر الشواهد في مواضعها ، بحيث يحصل الجزم بكون علومهم لدنّيّاً من اللّه (لا من رأي) (٣) ولا قياس .
حتّى ورد في رواية صحيحة أنّ رجلاً سأل أبا عبد اللّه الصادق عليهالسلام عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل : أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها ؟
فقال له : «مه ! ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، لسنا من أرأيت في شيء» (٤) .
ولنذكر هاهنا نبذاً ممّا ورد من طرق المخالفين في كون علوم النبيّ صلىاللهعليهوآله وعليّ عليهالسلام بالتوارث وبالتعلّم من اللّه ولو في ضمن الكتب الإلهيّة ، لا سيّما القرآن ، بحيث يظهر كون سائر الأنبياء والأئمّة (٥) على هذا
__________________
(١) في «س» و«ش» و«ن» : «بالقرآن» .
(٢) التوحيد : ٣٠٥ ، الاختصاص : ٢٣٥ .
(٣) بدل ما بين القوسين في «س» و«ش» : «من غير رأي» .
(٤) بصائر الدرجات : ٣٢٠ / ٨ ، بتفاوت يسير ، الكافي ١ : ٤٧ / ٢١ (باب البدع والرأي والمقائيس) .
(٥) في «ش» زيادة : «أيضاً» .
المنوال ، وأنّ هذا هو مصداق العلم لا غير ذلك من نتائج الآراء والأهواء ، وسائر ما لم يكن مأخوذاً من اللّه عزوجل :
ففي مسند ابن حنبل : عن زيد بن أبي أوفى (١) ، بأسانيد عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال لعليّ عليهالسلام في حديث له : «أنت أخي ووارثي» ، فقال عليّ عليهالسلام : «وما أرث منك يا رسول اللّه ؟» فقال : «ما وَرّث الأنبياء قبلي» ، قال : «وما وَرّث الأنبياء قبلك ؟» قال : «كتاب اللّه وسنّة نبيّهم» (٢) .
وفي كتاب ابن سعد : عن عائشة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «(أيّها الناس ،) (٣) لا تعلّقوا عليَّ بواحدة ، ما أحللت إلاّ ما أحلّ اللّه ، وما حرّمت إلاّ ما حرّم اللّه» (٤) .
وقد قال عليّ عليهالسلام ، كما في النهج وغيره : «اعلموا أنّ اللّه تعالى لن يرضى عنكم بشيء سخطه على من كان قبلكم ، ولن يسخط عليكم بشيء رضيه ممّن كان قبلكم» (٥) ، الخبر .
وفي كبير الطبراني : عن ابن عمر ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : «اُوتيت مفاتيح كلّ شيء إلاّ خمس» ، ثمّ قرأ قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ
__________________
(١) هو زيد بن أبي أوفى علقمة بن الحارث الأسلمي ، أخو عبد اللّه بن أبي أوفى يعدّ في أهل المدينة ، روى عنه سعـد بن شرحبيل ، وروى هو حديث المؤاخاة بتمامه .
انظر : طبقات خليفة : ١٨٥ / ٦٨٥ ، التاريخ الكبير ٣ : ٣٨٦ / ١٢٨٥ ، الثقات ٣ : ١٤٠ ، الاستيعاب ٢ : ٥٣٦ / ٨٣٩ ، الوافي بالوفيات ١٥ : ٤٣ / ٤٨ .
(٢) وجدناه في فضائل الصحابة : ١٤٢ / ٢٠٧ ، الثقات لابن حبّان ١ : ٢٢١ ، المعجم الكبير للطبراني ٥ : ٢٢١ .
(٣) ما بين القوسين لم يرد في «م» .
(٤) الطبقات لابن سعد ٢ : ٢٥٦ .
(٥) نهج البلاغة : ٢٦٦ ، الخطبة ١٨٣ ، وعنه المجلسي في بحار الأنوار ٥ : ٣١٩ / ٣ .
السَّاعَةِ ) (١) (٢) ، إلى آخر الآيات .
وفي أوسط الطبراني وحلية الأولياء وكتابي ابن عدي والخطيب وغير ذلك : عن عائشة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علماً يقرّبني إلى اللّه فلا بورك في طلوع شمس ذلك اليوم» (٣) .
وقد ورد في أخبار أهل بيته أيضاً أنّهم يزدادون علماً في كلّ يوم وفي ليالي الجمعة ونحو ذلك (٤) .
ولا يخفى أنّ رواية هؤلاء جميعاً أدّل دليل على توهّم ابن الجوزي حيث عدّه من الموضوعات (٥) .
وفي مناقب ابن المغازلي : عن أنس ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «من أراد أن ينظر إلى علم آدم وفقه نوح عليهماالسلام فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب عليهالسلام » (٦) .
وفي حلية الأولياء : عن ابن عبّاس ، قال : إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عهد إلى عليّ عليهالسلام سبعين عهداً لم يعهده إلى غيره (٧) .
وفي كتاب نهاية الطلب لإبراهيم بن عليّ الحنبلي (٨) : عن ابن عبّاس
__________________
(١) سورة لقمان ٣١ : ٣٤ .
(٢) المعجم الكبير ١٢ : ٣٦٠ / ١٣٣٤٤ .
(٣) المعجم الأوسط ٧ : ٢٠ / ٦٦٣٦ ، حلية الأولياء ٨ : ١٨٨ ، الكامل لابن عدي ٢ : ٢٧٣ (ترجمة بقية بن الوليد ٥٩ / ٣٠٢) ، تاريخ بغداد ٦ : ١٠٠ ، الجامع الصغير ١ : ٥٦ / ٣٤٣ ، وفيها بتفاوت يسير .
(٤) انظر : بصائر الدرجات : ١٥٠ (باب ما يزداد الأئمة عليهمالسلام في ليلة الجمعة) ، والكافي ١ : ١٩٧ (باب أنّ الأئمّة عليهمالسلام يزدادون في ليلة الجمعة) ، وينابيع المعاجز : ٢٩٣ ـ ٣٠٤ .
(٥) الموضوعات لابن الجوزي ١ : ٢٣٣ .
(٦) المناقب لابن المغازلي : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ / ٣٢٨ .
(٧) حلية الأولياء ١ : ٦٨ بتفاوت يسير .
(٨) إبراهيم بن عليّ بن محمّد الدينوري ، من فقهاء الحنابلة وعلمائهم ، ولم نعثر له
أنّه قال في حديث له : إنّ العبّاس والنبيّ صلىاللهعليهوآله في أوّل نبوّته جاءا إلى أبي طالب وأخبره النبيّ صلىاللهعليهوآله بخبره ، فحثّه أبو طالب على أمره ، وقال في جملة كلامه : ولقد كان أبي يقرأ الكتب جميعاً ، ولقد قال : إنّ من صلبي لنبيّاً ، ولوددت أنّي أدركت ذلك الزمان فآمنت به (١) ، الخبر ، وأمثاله كثيرة ستأتي في بحث علائم نبوّته .
وفي تفسير الرازي : قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام أشياء من جملتها أنّه قال له : «استعمل العلم فإنّه ميراثي» (٢) .
وفي تفسير الثعلبي (٣) ، والواحدي (٤) وغيرهما : عن جمعٍ منهم بريدة الأسلمي ، قال : قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام : «إنّ اللّه أمرني أن أُدنيك ولا أقصيك ، وأن اُعلّمك وأن تعي ، وحقّ على اللّه أن تعي» ، قال : فنزل
__________________
على ترجمة أكثر من هذا .
انظر : الطرائف ١ : ٤٢٠ .
(١) حكاه عنه السيّد ابن طاووس في الطرائف ١ : ٤٢٠ / ٣٨٨ ، والبياضي في الصراط المستقيم ١ : ٣٣٧ ، والأميني في الغدير ٧ : ٣٤٨ .
(٢) التفسير الكبير للرازي ٢ : ١٩١ .
(٣) هو أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي ، يكنّى أبا إسحاق ، حدّث عنه جماعة كثيرة ، ويروى عنه الحديث المشهور : «من مات على حبّ آل محمّد صلىاللهعليهوآله . . . » ، وله كتب منها : التفسير الكبير (الكشف والبيان) المعروف بتفسير الثعلبي ، والعرائس ، مات سنة ٤٢٧هـ ، وقيل : ٤٣٧ هـ .
انظر : روضات الجنّات ١ : ٢٤٥ / ٧٤ ، معجم الأدباء للحموي ٥ : ٣٦ / ٥ ، وفيات الأعيان ١ : ٧٩ / ٣١ ، سير أعلام النبلاء ١٧ : ٤٣٥ / ٢٩١ .
(٤) هو عليّ بن أحمد بن الواحدي النيسابوري الشافعي ، يكنّى أبا الحسن ، عارف بالأدب ، له كتب كثيرة ، منها : التفاسير الثلاثة : البسيط ، والوسيط ، والوجيز ، وأسباب النزول ، والمغازي ، مات سنة ٤٦٨هـ .
انظر : روضات الجنّات ٥ : ٢٤٤ / ٥٠١ ، معجم الاُدباء للحموي ١٢ : ٢٥٧ / ١٣ ، وفيات الأعيان ٣ : ٣٠٣ / ٤٣٨ ، سير أعلام النبلاء ١٨ : ٣٣٩ / ١٦٠ الأعلام ٤ : ٢٥٥ .
قوله تعالى : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) (١) (٢) .
وفي مناقب ابن المغازلي ، وكتاب الخوارزمي : عن ابن عبّاس ، قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله في حديث له : «قُسّمت الحكمة عشرة أجزاء ، فاُعطي عليّ عليهالسلام تسعة أجزاء ، والناس جزءاً واحداً» (٣) (٤) .
ثمّ قال : «أتاني جبرئيل بدُرْنُوكٍ (٥) من الجنّة فجلست عليه ، فلمّا صرت بين يدي ربّي كلّمني وناجاني ، فما علمت شيئاً إلاّ علّمته عليّاً عليهالسلام ، فهو باب مدينة علمي» (٦) .
وفي مناقب ابن مردويه بإسناده عن اُمّ سلمة ، قالت في حديث لها : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال لها : «إنّ جبرئيل أتاني من اللّه بما هو كائنٌ بعدي ، وأمرني أن اُوصي به عليّاً عليهالسلام واُعلّمه جميع ذلك ، فعلّمته» (٧) .
وفي مناقب الخوارزمي أيضاً : عن أنس ، قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله في
__________________
(١) سورة الحاقّة ٦٩ : ١٢ .
(٢) المناقب لابن شهرآشوب ٣ : ٩٥ ، كشف اليقين : ٤٤ ـ ٤٥ ، جامع البيان للطبري ٢٩ : ٣٥ ، تفسير الثعلبي ١٠ : ٢٨ ، أسباب النزول للواحدي : ٤٦٥ / ٨٣٨ ، المناقب للخوارزمي : ٢٨٢ / ٢٧٦ ، لباب النقول في أسباب النزول : ٣٩٦ / ١١٥٧ .
(٣) وردت في نسخنا : «جزء واحد» وما أثبتناه من المصادر .
(٤) المناقب لابن المغازلي : ٢٨٦ / ٣٢٨ عن عبداللّه ، المناقب للخوارزمي : ٨٢ / ٦٨ ، كشف اليقين : ٥١ وفيه عن ابن مسعود ، حلية الأولياء ١ : ٥٦ ، مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي : ٤٣ وفيها عن ابن مسعود أيضاً .
(٥) الدُّرْنُوك : سترٌ له خمل ، وجمعه : دَرانِك .
انظر : النهاية ٢ : ١١٥ ـ درنك ـ .
(٦) المناقب لابن المغازلي : ٥٠ / ٧٣ بتفاوت يسير .
(٧) حكاه عنه السيّد ابن طاووس في الطرائف ١ : ٤١ / ٢٢ ، ولم يرد فيه : «واُعلّمه . . . » .
حديث له لعليّ عليهالسلام : «أنت أخي ووزيري وخير من اُخلّف (١) بعدي» إلى أن قال : «وتبيّن لاُمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي ، وتعلّمهم من تأويل القرآن ما لم يعلموا» (٢) ، الخبر .
وفيه أيضاً : عن جابر ، قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وذكر الحديث ، إلى أن قال : «ثمّ خلق اللّه الخلق وفوّض إلينا أمر الدين ، فالسعيد من سعد بنا ، والشقيّ مـن شقي بنا ، نحـن المحلّلون لحلال اللّه والمحرّمون لحرام اللّه» (٣) .
وفيه أيضاً : بأسانيد عنه صلىاللهعليهوآله أنّه قال في حكاية المعراج : «قال اللّه عزوجل لي : يا محمّد ، هل اتّخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك ، ويعلّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون ؟ فقلت : أنت اختر لي ، فقال : اخترت لك عليّاً عليهالسلام » إلى قوله عزوجل : «ونحلته علمي وحلمي» (٤) ، الخبر .
وفيه أيضاً : عن ابن عبّاس وغيره : أنّ «وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» (٥) عليّ عليهالسلام (٦) .
__________________
(١) في «م» زيادة : «من أهل بيتي» .
(٢) أورده ابن طاووس في اليقين : ١٣٨ / ٨ ، والأربلي في كشف الغمّة ١ : ٣٤١ ، وعنه في بحار الأنوار ٣٨ : ١٣٤ / ٨٧ ، وفيهما عن ابن مردويه ، ولم نعثر عليه في مناقب الخوارزمي بعنوان حديث واحد ، بل جاءت الفقرة الاوُلى في : ١١٢ / ١٢١ ، والفقرة الثانية في : ٣٢٩ / ٣٤٦ .
(٣) المناقب للخوارزمي : ١٣٤ / ١٥١ ، وعنه الحلّي في كشف اليقين : ٢٥٥ ، وفيهما بتفاوت يسير .
(٤) المناقب للخوارزمي : ٣٠٣ / ٢٩٩ .
(٥) سورة الرعد ٤٣ : ٤٣ .
(٦) لم نعثر عليه في مناقب الخوارزمي ، أورده الحاكم في شواهد التنزيل ١ : ٣٠٧ / ٤٢٢ ، و٤٢٣ .
وفي كتاب ابن أبي شيبة : عن عمير بن عبد الملك (١) ، قال : قال عليّ عليهالسلام في خطبته : «كنت إذا سكتُّ عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ابتدأني ، وإن سألته أنبأني ، وإنّه حدّثني عن ربّه» (٢) ، الخبر ، وهو طويل صريح في كون جميع العلوم والأحكام من اللّه عزوجل ، وسيأتي مفصّلاً في محلّه من كتاب نهج البلاغة .
وقد روى الترمذي أيضاً ما ذكرناه من هذا الخبر (٣) .
وفيه : «واللّه ما اُنزلت آية إلاّ وقد علمت فيمَ نزلت وأين نزلت ؛ إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً» (٤) .
وقد روى هذا الخبر الأخير غير الترمذي أيضاً منفرداً (٥) .
وفي صحيح النسائي ، وكتاب البيهقي وغيرهما : عن عليّ عليهالسلام قال : «بعثني رسول اللّه صلىاللهعليهوآله إلى اليمن قاضياً ، فقلت : بعثتني وأنا شابّ لا أدري ما القضاء ؟ فضرب في صدري ، فقال : اللّهمّ اهدِ قلبه وثبّت لسانه ، ثمّ قال لي : انطلق فإنّ اللّه سيهدي قلبك ويثبّت لسانك ، فواللّه الذي فلق الحبّة ،
__________________
(١) لم نعثر على ترجمة له .
(٢) كتاب العرش : ٦١ / ١٩ ، وفيه : عن عمير بن عبداللّه ، وورد صدر الحديث بسند آخَر في كتاب المصنف لابن أبي شيبة ١٢ : ٥٨ / ١٢١١٨ و٥٩ / ١٢١١٩ .
(٣) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٧ / ٣٧٢٢ ، و٦٤٠ / ٣٧٢٩ ، عن عمرو بن هند الحبليّ ، وفيه ورد مختصراً .
(٤) أورده ابن عساكر في تاريخ مدنية دمشق ٤٢ : ٣٩٨ والمتقي الهندي في كنز العمال ١٣ : ١٢٨ / ٣٦٤٠٤ ولم نعثر عليه في كتاب ابنه أبي شيبة .
(٥) الصراط المستقيم ١ : ٢١٩ ، الطبقات لابن سعد ٢ : ٣٣٨ ، وفيهما بتفاوت يسير ، حلية الأولياء ١ : ٦٧ ـ ٦٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٣٩٨ ، شواهد التنزيل : ٣٢ / ٣٦ ، تاريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) : ٦٣٧ ، الإتقان لعلوم القرآن ٤ : ٢٣٣ ، كنزل العمّال ١٣ : ١٢٨ / ٣٦٤٠٤ .
ما شككت بعده في قضاءٍ بين اثنين» (١) .
وفي كتاب السخاوي وغيره : عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «إنّ هذا العلم دين ، فانظروا عمّن تأخذون دينكم» (٢) .
وفي صحيح البخاري : عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال في حديث له : «إنّما العلم بالتعلّم ، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء» (٣) .
وفيه : عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : «إذا اُضيعت الأمانة فانتظروا الساعة» ، قيل : كيف إضاعتها ؟ قال : «إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله» (٤) ، الخبـر .
وفي كبير الطبراني : عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : «إنّ اللّه أعطى كلّ ذي حقّ حقّه ، ألا إنّ اللّه قد فرض فرائض ، وسنّ (٥) سُنناً ، وحدّ حدوداً ، وأحلّ حلالاً ، وحرّم حراماً ، وشرّع الدين» (٦) ، الخبر .
وفي إحياء الغزالي : عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : «ثوّروا (٧) القرآن والتمسوا غرائبه ، ففيه علم الأوّلين والآخرين» (٨) .
__________________
(١) خصائص عليّ بن أبي طالب عليهالسلام للنسائي : ٤٢ / ٣٢ ـ ٣٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ : ٨٦ و١٤٠ ، كشف اليقين : ٤٥ ، الطبقات لابن سعد ٢ : ٣٣٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١٢ : ٥٨ / ١٢١١٧ ، وفيها بتفاوت .
(٢) سنن الدارمي ١ : ١١٣ ، صحيح مسلم ١ : ١٤ الباب ٥ من المقدّمة ، الجامع الصغير ١ : ٣٨٤ / ٢٥١١ ، وفيها مقطوعاً .
(٣) صحيح البخاري ١ : ٢٦ ، ٢٧ بتقديم وتأخير .
(٤) أورده السيّد الرضيّ في المجازات النبويّة : ٤٠٦ / ٣٢٤ ، صحيح البخاري ١ : ٢٣ .
(٥) وردت في نسخنا : «سنن» ، والأولى ما أثبتناه من المصدر .
(٦) المعجم الكبير ١١ : ٢١٣ / ١١٥٣٢ .
(٧) في «ش» : شوروا .
(٨) إحياء علوم الدين ٤ : ٣٤٣ بتفاوت يسير .
وفيه : عنه صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «من لم يستغنِ بآيات اللّه فلا أغناه اللّه» (١) .
وفيه وفي غيره : عن عليّ عليهالسلام : «إنّ القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنكشف الظلمات إلاّ به» (٢) .
وفي المستدرك : عن حذيفة قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : («دُوروا مع القرآن حيث دار» (٣) .
وفي كتاب السجزي وكتابي الخوارزمي والديلمي وغيرها : عن عليّ عليهالسلام قال : «قال النبيّ :) (٤) ألا أدلّكم على الخلفاء منّي ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي ؟ هم حملة القرآن ، والأحاديث عنّي وعنهم ، في اللّه وللّه» (٥) .
وفي تفسير الثعلبي : عن ابن مسعود قال : إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن (٦) .
وفي الإحياء ، والنهج وغيرهما : أنّ عليّاً عليهالسلام قال لكميل (٧) في
__________________
(١) إحياء علوم الدين ٤ : ١٢٥ بتفاوت يسير .
(٢) إحياء علوم الدين ١ : ٢٨٩ بتفاوت ، نهج البلاغة : ٦١ الخطبة ١٨ ، الاحتجاج ١ : ٦٢٠ / ١٤٢ ، مجمع البيان ١ : ٩ ، كشف اليقين : ١٨٩ ، شرح نهج البلاغة لابن الحديد ١ : ٢٨٨ .
(٣) المستدرك للحاكم ٢ : ١٤٨ بتفاوت يسير .
(٤) ما بين القوسين لم يرد في «م» .
(٥) فردوس الأخبار ١ : ١٧٠ / ٤٦٩ ، تاريخ جرجان : ٣٧٢ / ٦٢٢ ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير عن السجزي ١ : ٤٤٢ / ٢٨٧٥ ، ولم نعثر عليه في كتاب الخوارزمي .
(٦) حكاه عنه التستري في إحقاق الحقّ ٥ : ٥١٥ ، وذكره عن ابن مسعود الحافظ أبو نعيم في حليته ١ : ٦٥.
(٧) كميل بن زياد النخعي من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين والإمام الحسن المجتبى
حديث له : «إنّ الناس ثلاثة : عالم ربّانيّ ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهَمَج رَعاع أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح لم يستضيؤوا بنور اللّه (١) ، ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيق» إلى أن قال : «إنّ هاهنا ـ وأشار إلى صدره ـ لعلماً جمّاً لو وجدت له أهلاً» إلى أن قال في آخر كلامه : «بلى ! لا تخلو (٢) الأرض من قائم للّه بحجّة إمّا ظاهراً مشهوداً ، أو خائفاً مغموراً ؛ لئلاّ تبطل حجج اللّه وبيّناته .
اُولئك هم الأقلّون عدداً ، والأعظمون عند اللّه قدراً ، يحفظ اللّه بهم حججه وبيّناته حتّى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم . هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا أرواح اليقين ، وأنِسوا بما استوحش منه الجاهلون» إلى قوله : «اُولئك خلفاء اللّه في أرضه والدعاة إلى دينه» (٣) ، الخبر .
وقال عليهالسلام في بعض خطبه ـ كما في النهج وغيره ـ : «أيّها الناس !
__________________
صلوات اللّه عليهما ، وهو : راوي دعاء كميل المعروف ، قتله الحجّاج سنة ٨٢ هـ ، وكان أمير المؤمنين عليهالسلام قد أخبره بذلك ، وبالجملة هو متفّق العدالة والجلالة بين الفريقين .
انظر : رجال البرقي : ٦ ، رجال الشيخ : ٨٠ / ٧٩٢ ، و٩٤ / ٩٤٦ ، الخلاصة : ٣٠٩ / ١٢٠٢ ، منتهى المقال ٥ : ٢٥٩ / ٢٣٧٢ ، قاموس الرجال ٨ : ٦٠٠ / ٦١٥٩ ، الطبقات لابن سعد ٦ : ١٧٩ ، طبقات خليفة : ٢٤٩ / ١٠٥٨ ، التاريخ الكبير ٧ : ٢٤٣ / ١٠٣٦ ، الثقات ٥ : ٣٤١ .
(١) في «ش» : «العلم» بدل «اللّه» .
(٢) في «م» : «لم يخل» وفي «س» ، «ش» ، «ن» : «لن تخلو» ، وما أثبتناه من المصدر .
(٣) إحياء علوم الدين ١ : ٧١ ـ ٧٢ ، نهج البلاغة : ٤٩٥ / ١٤٧ ، تحف العقول : ١٦٩ ـ ١٧١ ، الخصال ١ : ١٨٦ / ٢٥٧ ، إكمال الدين ١ : ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، الأمالي للمفيد : ٢٤٧ ـ ٢٥٠ / ٣ ، الأمالي للطوسي : ٢٠ ـ ٢١ / ٢٣ ، اختيار مصباح السالكين لابن ميثم البحراني : ٦١٤ / ١٣٤ .
إنّي قد بثثت فيكم المواعظ التي وعظ بها الأنبياء اُممهم ، وأدّيت إليكم ما أدّت الأوصياء إلى مَن بعدهم» (١) ، الخبر .
وقال أيضاً : «إنّ أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به» ، ثمّ تلى قوله تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) (٢) » (٣) .
وقال أيضاً : «إنّ اللّه عزوجل بعث رسله بما خصّهم به من وحيه ، وجعلهم حجّة له على خلقه ؛ لئلاّ تجب الحجّة لهم بترك الأعذار إليهم ، فدعاهم بلسان الصدق إلى سبيل الحقّ» إلى قوله عليهالسلام : «أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ؟» (٤) الخبر .
وقال عليهالسلام أيضاً : «فبعث اللّه محمّداً صلىاللهعليهوآله بالحقّ ؛ ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته ، ومن طاعة الشيطان إلى طاعته بقرآن قد بيّنه وأحكمه ؛ ليعلم العباد بربّهم» إلى قوله عليهالسلام : «فالتمسوا ذلك من عند أهله ؛ فإنّهم عَيش العلم وموت الجهل ، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق» (٥) .
وقال أيضاً في ذكر الرسول صلىاللهعليهوآله : « أرسله اللّه بالدين المشهور ، والعلم المأثور ، والكتاب المسطور ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ؛ إزاحةً
__________________
(١) نهج البلاغة : ٢٦٣ ، الخطبة ١٨٢ ، وعنه في بحار الأنوار ٣٤ : ١٢٦ / ٩٥٣ .
(٢) سورة آل عمران ٣ : ٦٨ .
(٣) نهج البلاغة : ٤٨٤ / ٩٦ ، حِكَم أمير المؤمنين عليهالسلام .
(٤) نهج البلاغة : ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، الخطبة ١٤٤ .
(٥) نهج البلاغة : ٢٠٤ ـ ٢٠٦ ، الخطبة ١٤٧ .
للشبهات ، واحتجاجاً بالبيّنات» (١) ، الخبر .
وقال عليهالسلام أيضاً : «وإنّي على بيّنة من ربّي ومنهاج من نبيّي ، وإنّي لعلى الطريق الواضح ألقطه لَقطاً (٢) . انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سَمْتَهم واتّبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدىً ، ولن يعيدوكم في ردىً ، ولا تسبقوهم فتضلّوا ، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا» (٣) ، الخبر .
وقال أيضاً : «تاللّه ، لقد عُلِّمت تبليغ الرسالات ، وإتمام العِدات ، وتمام الكلمات ، وعندنا أهل البيت أبواب الحُكم وضياء الأمر ، ألا وإنّ شرائع الدين واحدة ، وسبله وحيدة ، من أخذ بها لحق وغنم ، ومن وقف عنها ضلّ وندم» (٤) ، الخبر .
وفي رواية عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، ممّا روى مثله بعض علماء المخالفين أيضاً ـ كما يأتي في محلّه ـ عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «إنّ عند كلّ بدعة تكون من بعدي يُكاد بها الإيمان وليّاً من أهل بيتي موكّلاً به يذبّ عنه ، ينطق بإلهام من اللّه ، ويعلن الحقّ وينوّره ، ويردّ كيد الكائدين ، يعبّر عن الضعفاء» (٥) ، الخبر .
وفي رواية اُخرى التي روى مثلها أيضاً بعض المخالفين : «فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه ، فإنّ فينا أهل البيت في كلّ خَلف عدولاً ،
__________________
(١) نهج البلاغة : ٤٦ ، الخطبة ٢ .
(٢) في نسخة «ش» : «ألفظه لفظاً» .
(٣) نهج البلاغة : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، الخطبة ٩٧ .
(٤) نهج البلاغة : ١٧٦ ، الخطبة ١٢٠ ، بتفاوت يسير .
(٥) المحاسن ١ : ٣٢٩ / ٦٦٩ ، الكافي ١ : ٤٤ / ٥ (باب البدع والرأي والمقائيس) .
ينفون عن العلم تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين» (١) .
وقد رواها المخالفون هكذا ، كما في الصواعق ، وكتاب شرف النبيّ ، قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : «في كلّ خلف من اُمَّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى اللّه عزوجل ، فانظروا من توفدون» (٢) .
وقد ذكر الغزالي وغيره : أنّه حُكي لعليّ عليهالسلام عن عهد موسى عليهالسلام أنّ شرح كتابه كان أربعين حملاً ، فقال عليّ عليهالسلام : «لو أذن اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله لأشرح في شرح الفاتحة حتّى يبلغ أربعين وِقْراً (٣) » .
ثمّ قال الغزالي : هذه السعة في العلم لا تكون إلاّ بعلم لدنّي (٤) .
وأقول : من أوضح الواضحات كون علوم الأنبياء والأوصياء ، لا سيّما نبيّنا صلىاللهعليهوآله وعليّ والأئمّة من ذرّيّتهما عليهمالسلام لدُنّيّاً ، بالقرائن الصريحة في ذلك ، حيث أخبروا كثيراً بما ينادي بذلك ، كما سيأتي مفصّلاً في المقالات الآتية ، ولم يرد أصلاً عمل منهم بالرأي والقياس وأمثالهما ، بل صرّحوا ببطلانهما ، كما مرّ (٥) .
__________________
(١) بصائر الدرجات ١ : ٣٠ ـ ٣١ / ١ ، ٣ ، الكافي ١ : ٢٤ / ٢ و٢٥ (باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء) ، قرب الإسناد : ٧٧ / ٢٥٠ ، إكمال الدين ١ : ٢٢١ / ٧ وفيها بتفاوت .
(٢) الصواعق المحرقة ٢ : ٤٤١ ، وكتاب شرف النبيّ صلىاللهعليهوآله غير متوفّر لدينا .
(٣) الوِقر : الحِمل .
انظر : النهاية ٥ : ٢١٣ ـ وقر ـ .
(٤) مجموعة رسائل الغزالي (الرسالة اللدنيّة) ٣ : ١٠٦ ، وعنه السيّد ابن طاووس رحمهالله في الطرائف ١ : ٢٠٥ / ٢١٥ ، وسعد السعود : ٥٥٦ ، وفيها بتفاوت .
(٥) في ص٧٥ وما بعدها .
وهذا كلّه مع ما ذكرناه هاهنا يكفي بالجزم بالمقصود لمن مراده فهم الحقّ دون العصبيّة ، فلا حاجة إذن إلى إطالة الكلام هاهنا ، لا سيّما مع اتّضاحه ممّا سيأتي غاية الاتّضاح ، واللّه الهادي .
الفصل الرابع
في بيان نبذ ممّا ورد في اختلاف الاُمم السّالفة وتفرّقها عقيب أنبيائها من بعد ما جاءهم العلم إلى فِرَق كثيرة ، وأنّ فرقة واحدة منها ناجية والباقون هالكون ، مع بيان شرذمة من مذاهب تلك الفِرَق ، وتوضيح كون كلّ اختلافها بسبب متابعة الأهواء والآراء ، وفيه أيضاً ما اشتمل من الأخبار على تفرّق هذه الاُمّة إلى نيّف وسبعين أيضاً ، وكون واحدة منها ناجية ، وبعض علائم الناجية ، ولكن تشخيص الناجية في الفصل الآتي ؛ لكونه موضوعاً لذلك ، وإنّما سبب ذكر الأخبار هاهنا تضمّنها تفرّق الاُمم أيضاً .
فاعلم أنّ علماء الإسلام قاطبة اتّفقوا على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : «افترقت اُمَّة موسى عليهالسلام على إحدى وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة ، وافترقت اُمَّة عيسى عليهالسلام على اثنتين وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة ، وستفترق اُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة» ، وقد رواه كلّ من المؤالف والمخالف بأسانيد كثيرة متضافرة ، بحيث لم يوجد له منكر ، بل يدلّ على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله ذكره في مواضع عديدة ، وأنّه لأجل هذا ورد بأنحاء من التعبير ، وبعض زيادات في بعض الروايات ، ولنبيّن نبذاً منها :
فالّذي ذكره الشيعة في بعض رواياتهم من أئمّتهم المعلومين عليهمالسلام
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «افترقت اُمَّة موسى عليهالسلام على إحدى وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة ، وهي التي اتّبعت وصيّه يوشع عليهالسلام ، وافترقت اُمّة عيسى عليهالسلام على اثنتين وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة ، وهي التي اتّبعت وصيّه شمعون عليهالسلام ، وستفترق اُمَّتي على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة ، وهي التي تتّبع وصيّي عليّاً عليهالسلام » (١) .
والذي ذكره غيرهم : فمنه ما رواه جمع ، منهم : الحافظ محمّد بن مؤمن الشيرازي (٢) في التفسير الذي استخرجه من اثني عشر تفسيراً من تفاسير القوم ، كتفسير ابن جريج ، وتفسير مقاتل (٣) ، وتفسير قتادة ، وتفسير السدّي ، ومجاهد وغيرهم ، عن أنس قال : كنّا جلوساً عند رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، فتذاكرنا رجلاً يصلّي ويصوم ويتصدّق ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : «لا أعرفه» . فقلنا : يا رسول اللّه ، إنّه ليعبد اللّه ويسبّحه ويقدّسه ويهلّله ، فقال : «لا أعرفه» ، فبينا نحن في ذكر الرجل إذ طلع علينا ، فقلنا : هو ذا ، فنظر إليه
__________________
(١) قد جاء هذا الحديث بطرق مختلفة ، وبتفاوتٍ في الالفاظ ، انظر :
كتاب سليم بن قيس ٢ : ٩١٣ ، الكافي ٨ : ٢٢٤ / ٢٨٣ ، الخصال : ٥٨٥ / ١١ ، الأمالي للشيخ الطوسي : ٥٢٣ /١١٥٩ ، العمدة لابن البطريق : ٧٤ / ٨٩ ، بشارة المصطفى : ٣٣٤ / ٢٢ .
(٢) هو مصنّف كتاب نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليهالسلام ، ومن رجال المذاهب الأربعة ، وله تفسير القرآن استخرجه من اثني عشر تفسيراً .
انظر : أمل الآمل ٢ : ٢٩٦ / ٨٩٣ ، رياض العلماء ٥ : ١٥٥ ، تنقيح المقال ٣ : ١٧٨ / ١١٣٠٨ .
(٣) هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني البلخي ، يكنّى أبا الحسن ، من الزيديّة ، يعدّ من أعلام المفسّرين ، من كتبه : التفسير الكبير ، ونوادر التفسير ، ومتشابه القرآن وغيرها ، مات سنة ١٥٠ هـ .
انظر : الفهرست لابن النديم : ٢٢٧ ، وفيات الأعيان ٥ : ٢٥٥ / ٧٣٣ ، الأعلام ٧ : ٢٨١ .
النبيّ صلىاللهعليهوآله وقال لأبي بكر : «خذ سيفي هذا وامض إليه واضرب عنقه ، فإنّه أوّل من يأتي في حزب الشيطان » فدخل أبو بكر المسجد فرآه راكعاً ، فقال : واللّه ، لا أقتله ، فإنّ رسول اللّه نهانا عن قتل المصلّين ، فرجع !
فقال له رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : «اجلس فلست بصاحبه ، قم يا عمر ، فخذ سيفي وادخل المسجد واضرب عنقه» .
قال عمر : أخذت السيف ودخلت المسجد فرأيت الرجل ساجداً ، فقلت : لا واللّه ، لا أقتله ؛ إذ لم يقتله من هو خير منّي ، فرجع وقال : رأيته ساجداً .
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : «اجلس فلست بصاحبه ، قم يا عليّ ، فإنّك قاتله ، فإن وجدته فاقتله ؛ فإنّك إن قتلته لم يبق بين اُمّتي اختلاف » ، فلمّا دخل عليّ عليهالسلام المسجد لم يره ، فرجع إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله وقال : «ما رأيته» .
فقال : «يا أبا الحسن ، إنّ اُمّة موسى عليهالسلام افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقون في النار ، وإنّ اُمّة عيسى عليهالسلام افترقت على اثنتين وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقون في النار ، وستفترق اُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقون في النار» .
فقال عليّ عليهالسلام : «فما الناجية ؟» ، قال : «المتمسّك بما أنت عليه وأصحابك» ، الخبر ، وفي آخره قال ابن عبّاس : واللّه ، ما قتل ذلك الرجل إلاّ عليّ عليهالسلام يوم صفّين (١) .
وبمعناه ما رواه الترمذي في صحيحه عن ابن عمر ، قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : «ليأتينّ على اُمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النّعل بالنّعل ،
__________________
(١) المصدر غير متوفّر لدينا ، وعنه ابن طاووس رحمهالله في الطرائف ٢ : ١٣٣ بتفاوت .
حتّى أن لو كان منهم من أتى اُمّه علانية لكان في اُمّتي من يصنع ذلك ، وإنّ بني إسرائيل تفرّقت على ثنتين وسبعين ملّة ، وتفترق اُمّتي على ثلاث وسبعين ملّة كلّهم في النّار إلاّ ملّة واحدة» ، قيل : ومن هم؟ قال : «الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي » (١) .
أقول : وإنّما قلنا هذا بمعنى ذلك ؛ لأنّ الحقّ أنّ مفاد هذه الأخبار الثلاثة شيء واحد ، وهو كون الفرقة الناجية من اقتصر في دينه على قول اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله لا غير ؛ ضرورة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله وأصحابه في زمانه إنّما كانوا على هذه الطريقة فقط ولم يكن غيرها معهوداً عندهم أصلاً ، وإنّما حدث الرأي فيما بعده ، كما بيّنّاه غير مرّة فيما تقدّم مفصّلاً .
وظاهر أنّ مراد النبيّ صلىاللهعليهوآله ما عليه أصحابه في زمانه الذي هو وقت إخباره ، كما هو المتبادر أيضاً من سياق الكلام والمقام ، بل في رواية : أنّه قال : «ما أنا عليه اليوم وأصحابي» (٢) ، وهو صريح فيما ذكرناه .
وكذا معلوم أنّ هذا بعينه كان طريقة عليّ عليهالسلام وأصحابه الذين هم المتمسّكون به ، التابعون لمسلكه ، القائلون بوصايته ، كسلمان ، وأبي ذرّ ، وعمّار ، والمقداد ، ونظرائهم .
فخرج حينئذٍ عن هذه الفرقة كلّ عامل بالرأي ، تارك لاقتفاء النبيّ صلىاللهعليهوآله والوصيّ في أخذ اُمور الدين ، كما يشهد لهذا صريحاً ما مرّ سابقاً في بطلان الرأي مطلقاً (٣) ، لا سيّما ما تقدّم أيضاً من كتابي الخوارزمي والديلمي : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : «ستفترق اُمَّتي على بضع وسبعين فرقة ،
__________________
(١) سنن الترمذي ٥ : ٢٦ / ٢٦٤١ .
(٢) الضعفاء الكبير ٢ : ٢٦٢ / ٨١٥ ، فردوس الأخبار ٢ : ٩٩ / ٢١٨٠ .
(٣) انظر : ص٧٨ .
أعظمها فتنةً على اُمّتي قوم يقيسون الأمر ، فيحرّمون الحلال ، ويحلّلون الحرام» (١) .
وما رواه أبو داوُد في صحيحه : عن معاوية ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «ألا إنّ من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة ، وإنّ هذه الاُمّة ستفترق على ثلاث وسبعين ملّة ، ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنّة ، وإنّه سيخرج من اُمّتي أقوام تَجَارى بهم تلك الأهواء كما يَتجارى الكَلب بصاحبه ، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلاّ دخله» (٢) ، الخبر .
هذا ، مع ما سبق أيضاً ممّا يدلّ على أنّ اختلاف الاُمم السابقة أيضاً كان بسبب ترك متابعة الأوصياء ، والاعتماد على الآراء .
ثمّ لا يخفى عليك أنّك إذا أحطت خبراً بما بيّنّاه ، ظهر لك بطلان ما توهّمه المخالفون في الحديث الأخير ، حيث زعموا ـ بناءً على رسوخهم في حسن حال كلّ الصحابة ـ أنّ في قوله صلىاللهعليهوآله : «هم ما أنا عليه وأصحابي» (٣) دلالةً على صحّة جميع ما صدر من الصحابة بعده ولو بحسب الرأي ، من غير أن يلاحظوا ـ كما هو دأبهم ـ ما أوضحناه من دلائل خلافه ، لا سيّما قوله صلىاللهعليهوآله : «ما أنا عليه . . . » ، وملاحظة بعض الأخبار مع بعض ، وكون مدار الصحابة في زمانه ـ الذي وقت ورود الخبر ـ على محض إطاعة ما ورد عن اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله ، وظهور كون الرأي منشأ الاختلافات كلّها ،
__________________
(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، فردوس الأخبار ٢ : ٩٨ / ٢١٧٦ ، وفيهما بتفاوت ، وتقدّم تخريجه أيضاً في ص ٤٩ ، هامش (٣) .
(٢) سنن أبي داوُد ٤ : ١٩٨ / ٤٥٩٧ بتفاوت يسير ، وتقدّم أيضاً في ص ٤٩ ـ ٥٠ .
(٣) مرّ تخريجه في ص ٢١٨ ، هامش (١) .
كيف لا ؟ وقد مرّ ويأتي في كثير من الصحابة من الذموم التي لا يمكن إنكارها ولا توجيهها ، حتّى أنّه يظهر منها أنّ المراد بالصحابة في هذه المواضع هم الخواصّ منهم ، كعليّ عليهالسلام ونظرائه ممّن بقي على الحالة التي كان عليها في زمان النبيّ صلىاللهعليهوآله .
وممّا يشهد ، بل ينادي بما في هذا المقام ما رواه ابن مردويه والخوارزمي في كتابيهما ، وكذا رواه أبو الفرج المعافى بن زكريّا (١) شيخ البخاري ، كلٌّ بإسناده : عن سلمان وأبي ذرّ والمقداد ، قالوا : كنّا قعوداً عند رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ما معنا غيرنا ، إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين البدريّين ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : «تفترق اُمّتي بعدي ثلاث فِرَق : فرقة أهل حقّ لا يشوبونه بباطل ـ وفي رواية : لا يشوبه باطل ـ مَثلهم كمثل الذهب كلّما فتنته بالنار ازداد جودةً وطيباً ، وإمامهم هذا لأحد الثلاثة ، وهو الذي أمر اللّه به في كتابه : ( إِمَامًا وَرَحْمَةً ) (٢) .
وفرقة أهل باطل لا يشوبونه بحقّ ـ وفي رواية : لا يشوبه حقّ ـ مَثلهم كمثـل خبث الحديث كلّما فتنته بالنار ازداد خبثاً ، وإمامهم هذا لأحـد الثلاثة .
__________________
(١) الموجود في كتب التراجم هو المعافى بن زكريّا بن يحيى الجريري النهرواني ، يكنّى أبا الفرج ، قاض ، من الأدباء الفقهاء ، له شعر حسن ، ولي القضاء ببغداد نيابة عن ابن صنبر ، وقيل له : الجريري ؛ لأنّه كان على مذهب ابن جرير الطبري ، وله كتب منها : التفسير ، والجليس والأنيس ، والتحرير والنقر ، مات سنة ٣٩٠ هـ بالنهروان.
ولا يمكن أن يكون هذا المترجم له شيخاً للبخاري بعد ملاحظة سنة الوفاة .
انظر : تاريخ بغداد ١٣ : ٢٣٠ / ٧١٩٩ ، الفهرست لابن النديم : ٢٩٢ ، وفيات الأعيان ٥ : ٢٢١ / ٧٢٦ ، سير أعلام النبلاء ١٦ : ٥٤٤ / ٣٩٨ .
(٢) سورة الأحقاف ٤٦ : ١٢ .