آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مركز تراث السيد بحر العلوم قدّس سرّه
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
المقام الرابع
في الإمام علي بن الحسين عليهالسلام
قال ابن خَلّكان : (هو أحد الأئمّة الاثني عشر ، وكان من سادات التابعين).
قال الزهري : (ما رأيت قرشياً أفضل منه ، إلى أن قال : وكان يقال لزين العابدین : ابن الخيرتين ؛ لقوله صلىاللهعليهوآله : «لله تعالى من عباده خیرتان : فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم فارس») ، انتهى (١).
في عبادته عليهالسلام
وقال في الصواعق : (وزين العابدين هذا : هو الَّذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة ، وكان إذا توضّأ للصلاة أصفرّ لونه ، فقيل له في ذلك؟ فقال : ألا تدرون بین يدي من أقف.
قال : وحُكي أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة) ، انتهى (٢).
وفي ربيع الأبرار للزمخشري : (أنه عليهالسلام لمّا غسّلوه وجدوا على ظهره مجلاً (٣) ؛ ممَّا كان يستقي لضعفة جيرانه في الليل ، وممّا كان يحمل إلى بيوت المساكين في جرب الطعام) ، انتهى (٤).
وقال الجاحظ في رسالته التي في فضائل بني هاشم : (لم أجد أحداً يتماری في تفضيله ويشك في تقديمه) (٥).
__________________
(١) وفيات الأعيان ٣ : ٢٦٥ رقم ٤٢٢ ، الوافي بالوفيات ٢٠ : ٢٣٠ رقم ٣٢١.
(٢) الصواعق المحرقة : ٢٠٠.
(٣) يقال : مجلت يده تمجل مجلا ، ومجلت تمجل مجلا ، إذا ثخن جلدها وتعجر ، وظهر فيها ما يشبه البئر ، من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة. (النهاية في غريب الحديث : ٤ : ٣٠٠).
(٤) ربيع الأبرار ٢ : ٣٠٥ ح ٣٢٣.
(٥) نقله عنه ابن عنبة في عمدة الطالب : ١٩٣.
[وقال ابن عنبة :] (١) (وفضائله أكثر من أن تحصى أو يحيط بها الوصف) (٢).
قصيدة الفرزدق
وذكر أبو نعيم : (أنه لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في حياة أبيه ، أو الوليد ، لم يمكنه أن يصل إلى الحجر من الزحام ، فنُصب له منبر إلى جانب زمزم ، وجلس ينظر إلى الناس ، وحوله جماعة من أعيان أهل الشام ، فبينما هو كذلك إذ أقبل زین العابدين ، فلمَّا انتهى إلى الحجر تنحَّى له الناس حَتَّى استلمه. فقال أهل الشام لهشام : من هذا؟ قال : لا أعرفه ـ مخافة أن يرغب أهل الشام في زین العابدین ـ.
فقال الفرزدق : أنا أعرفه ، ثُمَّ أنشد :
هذا الَّذي تعرفُ البطحاءُ وطأتُهُ |
|
والبيتُ يعرفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ |
هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كُلِّهِمُ |
|
هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلَمُ |
إذا رأتهُ قريشٌ قال قائِلُهُمْ |
|
إلى مكارِمِ هذا ينتهي الكَرَمُ |
يُنمي إلى ذِروَةِ العزِّ التي قَصُرَتْ |
|
عن نيلِها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ |
إلى أن قال :
هذا ابنُ فاطمةٍ إن كُنتَ جاهِلَهُ |
|
بِجَدِّهِ أنبياءُ اللهِ قَدْ خُتِمُوا |
فَلَيْسَ قولُكَ مَنْ هذا بِضائِرِهِ |
|
العُربُ تَعرِفُ مَنْ أنكَرتَ والعَجَمُ (٣) |
والقصيدة مشهورة ، ذكر منها ابن الأثير في النهاية ، في (ج. ن. هـ) بيتاً ، وأشار إليها ، وقال : (إنها من شعر الفرزدق في علي بن الحسين ، زین العابدين) (٤).
__________________
(١) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
(٢) عمدة الطالب : ١٩٣.
(٣) حلية الأولياء ٣ : ١٦٣ رقم ٣٥٦٠ ، شرح دیوان الفرزدق : ٤٠٢ مع اختلاف في ترتيب الأبيات.
(٤) النهاية في غريب الحديث ١ : ٣٠٩ مادة : (ج. ن. هـ) ، و ٢ : ٢٨ مادة : (خ. ي. ز. ر. ا. ن).
وذكرها الجنابذي ، وابن الشافعي ، وابن حجر (١).
ومع ذلك : فمن الغريب ما عن ابن بكَّار في الموفَّقيات أنَّها للحزين اللَّيثي في بني اُميَّة (٢) ، وغلّطه في ذلك وأنكر عليه ابن عبد البرّ ، وقال : (إنه لا يصح) (٣).
والزبيرُ هذا من أشدّ الناس عداوة لله ولأوليائه. وإنَّما صنّف الموفَّقيات تقرباً إلى الموفَّق العبَّاسي : وهو معروف بالعداوة الشديدة لأهل البيت عليهمالسلام.
تاريخ ولادته عليهالسلام
ووُلد في الخامس من شعبان في المدينة المنورة سنة ٣٨ هـ ، وقُبض فيها سنة ٩٥ هـ ، في الخامس والعشرين من مُحرَّم ، كما في الكافي عن الصادق عليهالسلام (٤).
ويفهم من الرواية : أنَّ له حين قُتل أبوه اثنتين وعشرين سنة.
أمُّه المولود منها
وأمّا أمُّه الحقيقية : فقد روى الصدوق رحمهالله عن الرضا عليهالسلام : «ماتت في أيام نفاسها به ، فسلّمه الحسين عليهالسلام إلى اُمّ ولد له ، وكان يدعوها عليهالسلام : بالأُمّ ، وهي التي زوّجها لمولى له ، لا اُمُّه الحقيقية».
والسبب في إقدامه على تزويجها على ما رواه الصدوق : (أنه عليهالسلام واقع بعض
__________________
(١) الجنابذي هو محمّد بن عبد العزيز المعروف بابن الأخضر ، وكتابه (معالم العترة النبوية) ولم أقف عليه ، وكذا مصدر قول ابن الشافعي ، وذكرها ابن حجر في الصواعق المحرقة : ٢٠٠ ، وفي مجمع الزوائد ٩ : ٢٠٠.
(٢) الموفقيات : ٦٣٤.
(٣) الاستيعاب ٣ : ١٣٠٥ في ترجمة (قثُمَّ بن العبَّاس).
(٤) الكافي ١ : ٤٦٨ ح ١ وفيه : سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قُبض علي بن الحسين عليهالسلام وهو ابن سبع وخمسين سنة ، في عام خمس (خمسة ـ ظ) وتسعين ، عاش بعد الحسين خمساً وثلاثين سنة».
نسائه ثُمَّ خرج يغتسل ، فلقيته اُمُّه هذه ، فقال لها : إن كان في نفسك شيء من هذا الأمر فاتقي الله وأعلميني؟ فقالت : نعم ، فزوّجها. فقال الناس : زوّج علي بن الحسين عليه اُمُّه) (١).
حَتَّى نقل ابن قتيبة في كتاب (المعارف) : (أنَّ اُمّ زین العابدین زوّجها بعد أبيه بزيد مولى أبيه ، وأعتق جارية له وتزوَّجها ، فكتب إليه عبد الملك بن مروان يعيّره بذلك.
فكتب إليه زين العابدين : لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (٢) ، وقد أعتق رسول الله صلىاللهعليهوآله صفية بنت حييّ بن أخطب ، وتزوَّجها ، وأعتق زيد بن حارثة ، وزوّجه بنت عمَّته زينب بنت جحش») (٣).
ولكن حقيقة الحال ما عرّفناك ، فكيف لا؟ والنفس تستنكف عن قبوله ، والحال أنها كانت بنت يزدجرد ملك الفرس. ولمّا اُتي بها لم ترضَ إلّا بالحسين عليهالسلام ، فكيف ترضى بعده بأحد الموالي (٤).
وعلى كلّ حال ، إنَّ المتحقق من السّيَر والأخبار ، أن في اُسراء الفرس الَّذين جاؤوا إلى المدينة من بنات يزدجرد ثلاث فتيات :
تزوّج واحدة منهن عبد الله بن عمر ، فأولدها سالم. والاُخرى محمّد بن أبي بكر ، فأولدها القاسم. والثالثة : الحسين عليهالسلام ، فأولدها علي بن الحسين عليهالسلام ، وهي
__________________
(١) عیون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٣٥ ح ٦.
(٢) سورة الأحزاب : من آية ٢١.
(٣) المعارف لابن قتيبة : ٩٤.
(٤) ينظر رواية رضاها وعدمه : بصائر الدرجات : ٣٥٥ ح ٨ ، الكافي ١ : ٤٦٦ ح ١ ، مناقب آل أبي طالب عليهالسلام ٣ : ٢٠٧.
شاه زنان (١) ، ولم تحضر وقعة الطف قطعاً.
ومن الممكن أن شهربانويه التي كانت في كربلاء ، هي زوجة محمّد بن أبي بكر ، قَدْ تزوّجها الحسين عليهالسلام بعد وفاته ، وهي التي رمت نفسها في الفرات بعد قتل الحسين عليهالسلام (٢).
وبالجملة : فلا ينال عليَّ بن الحسين عليهالسلام نقص من جهة اُمُّه ، وأنَّها من المجوس ، وأن ولادتها من غير عقد ، كما قاله صاحب العمدة (٣) ؛ فإنه ناشئ من عدم الخبرة بالأحكام الشرعية ، فإنَّ الكافر إذا أسلم على نكاح اُقرّ عليه ، إذا كان صحيحاً عندهم ؛ وإن كان فاسداً عندنا ، فإن لكل قوم نكاحاً ، ولا يجب الفحص عن كيفيته ؛ فإن كثيراً من الكفَّار أسلموا على عهده صلىاللهعليهوآله مع أزواجهم ، فأقرّهم على نكاحهم من غير استفصال ، نعم ، إذا اشتمل على ما يبطله استدامةً كنكاح المحارم ، كان باطلاً بعد الإسلام (٤).
فصل
في أولاده عليهالسلام
وُلد له ستة عشر ولداً :
محمّد الباقر عليهالسلام : المكنّى بأبي جعفر ، اُمُّه أم عبد الله ، بنت عمّه الحسن بن
__________________
(١) مجمع البحرين ٢ : ٢٧٠ ، عن ربيع الأبرار.
(٢) ينظر : مناقب آل أبي طالب عليهالسلام ٣ : ٢٥٩ رواه عن أبي مخنف ، ونحن نجلّ زوجة الإمام الحسين عليهالسلام أن ترمي بنفسها في الفرات ، وهي المصطفاة المختارة مع كون هذا الفعل يتعارض مع صريح الشرع المقدّس ، وينظر عن هذا المطلب : الأنوار النعمانية ٤ : ٨٧.
(٣) عمدة الطالب : ١٩٣.
(٤) تعرضت الكتب الفقهية إلى ذلك في باب نكاح الكافر ، فلتراجع.
علي عليهالسلام ، كما سيأتي.
قال الدميري في (حياة الحيوان) : (لم يكن للحسين عليهالسلام عقب إلا من ابنه زين العابدين ، ولم يكن لزين العابدین نسل إلا من ابنة عمّه الحسن عليهالسلام ، فجميع الحسينيين من نسله ، وكل حسيني لأب ، هو حسني لأم ، ولا عكس) (١).
[عبد الله بن علي بن الحسين عليهالسلام]
وعبد الله كان يلي صدقات رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وصدقات أمير المؤمنين عليهالسلام ، وكان فاضلاً فقيهاً ، يروي عن آبائه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أخباراً كثيرة ، وحدّث الناس عنه ، وحملوا عنه الآثار (٢).
وفي أول (شرح المسائل الناصرية) : (روی أبو الجارود زياد بن المنذر ، قال : قيل لأبي جعفر الباقر عليهالسلام : أيّ إخوتك أحبّ إليك وأفضل؟ فقال عليهالسلام : «أمّا عبد الله فيدي التي أبطش بها ـ وكان عبد الله أخاه لأبيه واُمُّه ـ (ويقال له : الباهر ؛ لجماله ، ما جلس مجلساً إلا بهر جماله وحسنه من حضر ، توفّي وهو ابن سبع وخمسين سنة ، وله عقب ذكره في العمدة) (٣).
وأمّا عمر : فبصري الَّذي اُبصر به ، وأمّا زيد : فلساني الَّذي أنطق به ، وأمّا الحسين : فحليم يمشي على الأرض هوناً ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً» (٤)) (٥).
__________________
(١) حياة الحيوان ١ : ١٧٣ (مادة : البغل) ، وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق ٤١ : ٣٧٤.
(٢) الإرشاد ٢ : ١٦٩.
(٣) ما بين القوسين من المؤلف رحمهالله للبيان نقله عن عمدة الطالب : ٢٥٢.
(٤) إقتباس من سورة الفرقان : من آية ٦٣.
(٥) الناصريات : ٦٤.
وهذا الخبر وإن كان مرسلاً إلا أن الظاهر من إيراد السيِّد له كونه عنده قطعياً ؛ ولعله ذُكر إظهاراً لمدح عبد الله ، وشاهداً على حسن حاله.
ولكن يعارض هذا الخبر ما رواه ابن شهر آشوب ، قال : «رُوي عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : فيما أوصاني به أبي عليهالسلام أن قال : يا بني ، إذا أنا مِتُّ فلا يلي غسلي غيرك ، فإن الإمام لا يغسّله إلا إمام مثله بعده. واعلم أنَّ عبد الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه ، فامنعه ، فإنْ أبى ، فإنَّ عمره قصير.
قال الباقر عليهالسلام : فلمَّا مضى أبي ادَّعي عبد الله الإمامة ، فلم أنازعه ؛ فلم يلبث إلا شهوراً يسيرة حَتَّى قضى نحبه (١) ، وتربته في الموصل» (٢).
والحسن والحسين الأكبر : وهما مع عبد الله ، اُمُّمهم أم ولد (٣) ، وكان الحسين عليهالسلام تابعياً مدنياً ، مات سنة ١٥٧ هـ ، ودُفن بالبقيع ، يكنّى أبا عبد الله ، وله أربع وستون سنة ، من أصحاب أبيه الباقر والصادقعليهمالسلام.
كذا في رجال الشيخ (٤).
وفي إرشاد المفيد رحمهالله : (إنه كان فاضلاً ورعاً) ، انتهی (٥).
زيد بن علي بن الحسين عليهالسلام
(وزيد : وهو الَّذي نُسب إليه الزيدية ، وهم جماعة قالوا بإمامته بعد أبيه ، وهو
__________________
(١) ينظر : مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٥١.
(٢) ذكره القندوزي في ينابيع المودة ٣ : ١٥٢.
(٣) الأصح : (والحسن والحسين الأكبر أمهما أم ولد). (السيد محمّد الطباطبائي).
(٤) رجال الطوسي : ١١٢ رقم ١٠٩٨ / ٥ ، ١٣٠ رقم ١٣٢٨ / ٧ ، ١٨٢ رقم ٢١٩٧ / ٥٤ ، وفي المطبوع : (أربع وسبعون سنة).
(٥) الإرشاد ٢ : ١٧٤.
جدّ شرفاء اليمن) (١).
والروايات في مدح زيد وذمَّه متعارضة ، وما يدل على المدح أكثر.
قال في (الرجال الكبير) : (هو جليل القدر ، عظيم المنزلة ، قُتل في سبيل الله وطاعته سنة ١٢١ هـ. وله اثنتان وأربعون سنة ، وورد (ووردت ـ ظ) في علو قدره روايات تضيق (يضيق ـ ط) المقام عن إيرادها) ، انتهى (٢).
وفي الإرشاد : (كان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليهالسلام وأفضلهم ، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويطالب بثارات الحسين عليهالسلام (٣).
واعتقد كثير من الشيعة فيه أنه الإمام ، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمّد صلىاللهعليهوآله ، فظنوه يريد بذلك نفسه ، ولم يكن يریدها ؛ لمعرفته باستحقاق أخيه للإمامة من قبله ، ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله عليهالسلام) ، انتهى (٤).
وليس المراد بالرضا الإمام الثامن عليهالسلام كما لا يخفى ، بل المراد من يرضون به من آل محمّد صلىاللهعليهوآله.
ما ورد فيه من الأخبار
ومن جملة ما ورد في مدحه ، ما رواه في الأمالي يسنده إلى ابن أبي عمير ، عن حمزة بن حمران ، قال : «دخلت على الصادق عليهالسلام ، فقال : من أين أقبلت؟
__________________
(١) ذكره القندوزي في ينابيع المودة ٣ : ١٥٢.
(٢) منهج المقال : ١٥٤.
(٣) الإرشاد ٢ : ١٧١.
(٤) الإرشاد ٢ : ١٧٢.
فقلت له : من الكوفة. قال : فبكی عليهالسلام حَتَّى بُلَّت لحيتُه ، فقلت له : يا ابن رسول الله مالك أكثرت من البكاء؟ فقال : ذكرت عمِّي زيداً وما صُنع به فبكيت.
فقلت : وما الَّذي ذكرت منه؟ فقال : ذكرت مقتله ، وقد أصاب جبینه سهم ، فجاءه ابنه يحيى فأنكبّ عليه ، وقال له : أبشر يا أبتاه ، إنك ترد على رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام.
قال : أجل يا بني ، ثُمَّ دعا بحدّاد ، فنزع السَّهم من جبينه ، فكانت خروج نفسه معه ، فجيء به إلى ساقية تجري عند بستان زائدة ، فحفر له فيها ودُفن ، واُجري عليه الماء. وكان معهم غلام سندي لبعضهم ، فذهب إلى يوسف بن عمر ـ الثقفي عامل هشام بن عبد الملك (١) ـ من الغد ، فأخبره بدفنهم إيّاه ، فأخرجه يوسف بن عمر ، وصلبه في الكناسة أربع سنين ، ثُمَّ أمر به فاُحرق بالنار ، وذُري في الرياح. فلعن الله قاتله وخاذله. وإلى الله جل اسمه أشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيه بعد موته ، وبه نستعين على عدونا ، وهو خير مستعان» (٢).
إلى غير ذلك ممَّا لا يُحصى كثرة.
وأمّا العلماء المتصدون لمدحه ، فأولهم: الصدوق رحمهالله في العيون ، ثُمَّ تبعه شيخنا المفيد ، والطبرسي في كتاب إعلام الورى (٣).
ومنهم : النجاشي في ترجمة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، وشيخ الطائفة في الفهرست (٤).
__________________
(١) ما بين الشارحتين من المؤلف رحمهالله للبيان ، فلاحظ.
(٢) آمالي الصدوق : ٤٧٧ رقم ٦٤٣ / ٣.
(٣) عیون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢٢٥ ـ ٢٢٨ باب ٢٥ وفيه ٧ أحادیث ، الإرشاد ٢ : ١٧١ ، إعلام الوری ١ : ٤٩٣.
(٤) رجال النجاشي : ٧٦ رقم ١٨٢ ، الفهرست : ٦٢ رقم ٦٥ / ٣ ، رقم ١١٢٦ / ١.
ومنهم : شيخنا الشهيد في (الذكرى) في مسألة الصلاة على المصلوب ، ووافقه الشهيد الثاني في (الروضة البهية) (١).
ومنهم : الأستر آبادي في رجاله (٢).
[عمر الأشرف]
وعمر : وهو مع أخيه زيد لاُمِّ ولد واحدة. وسمعت مدحه في الخبر المتقدّم ، ونزيدك : أنه قال الطوسي رحمهالله (٣) : (إنَّه مدني تابعي ، روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنیف) (٤).
وفي الإرشاد : (كان عمر بن علي بن الحسين عليهالسلام فاضلاً جليلاً ، ولِيَ صدقات النبي صلىاللهعليهوآله وصدقات أمير المؤمنين عليهالسلام ، وكان ورعاً سخياً) (٥).
وهو جدّ السيِّد الرضي والمرتضى [لأمهما] (٦) ، قال المرتضی رحمهالله في شرح (المسائل الناصرية) ، عند وصف أجداده من قبل اُمّه : (وأمّا عمر بن علي بن الحسين عليهالسلام ولقبه : الأشرف ، فإنه كان فخم السيادة ، جليل القدر والمنزلة في الدولتين معاً : الاُموية والعبَّاسية ، وكان ذا علم. وقد رُوي عنه الحديث ، ثُمَّ ذكر الخبر المذكور) (٧).
__________________
(١) ذكرى الشيعة ١ : ٤٤٥ ، روض الجنان : ٣٠٨ للشهيد الثاني قدس سره ولم يذكر في الروضة كما ذكر المؤلف رحمهالله ، فلاحظ.
(٢) منهج الرجال : ١٥٤.
(٣) في الأصل : (قال الصدوق) وهو اشتباه ، والصحيح ما أثبتناه.
(٤) رجال الطوسي : ٢٥٢ رقم ٣٥٤٠ / ٤٤٩.
(٥) في الأصل : (متجنبا) وما أثبتناه من المصدر ، الإرشاد ٢ : ١٧٠.
(٦) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
(٧) الناصريات : ٦٣.
وإنما قيل له : الأشرف بالنسبة إلى عمر الأطرف عم أبيه ، فإن هذا لمّا نال فضيلة ولادة الزهراء البتول عليهاالسلام ، كان أشرف من ذلك ، وسُمي الآخر : الأطرف ؛ لأن فضيلته من طرف واحد ، وهو طرف أبيه أمير المؤمنين عليهالسلام (١).
[بقية أولاده عليهالسلام]
والحسين الأصغر ، وعبد الرحمن ، وسليمان لاُمّ ولد ، وعلي ـ وكان أصغر أولاده ـ ومحمّد الأصغر اُمّه اُمُّ ولد ، وخديجة هي مع أخيها علي الأصغر ، من اُمّ ولد واحدة ، تزوجها محمّد بن عمر بن علي ، فولدت له عدة أولاد.
وفاطمة ، وعلية ـ ذكرها النجاشي في الفهرست ـ وصرّح بأنَّ لها كتاباً يرويه عنها أبو جعفر محمّد بن عبد الله ، عمّن روى عنهم ، عن زرارة بن أعين عنها (٢).
واُم كلثوم : لاُمَّهات أولاد.
ومليكة : من اُمِّ ولد.
وذكر بعضهم موضع ولد وبنتين ، من الذكور القاسم ، واُمّ الحسن ، [ومن الإناث] (٣) وأم الحسين ، وأنه من أولاده عليهالسلام هذا لم يعقب (٤).
__________________
(١) عمدة الطالب : ٣٠٥ ، وينظر عن مرقده : مراقد المعارف ٢ : ١١١ رقم ١٠٨.
(٢) رجال النجاشي : ٣٠٤ رقم ٨٣٢.
(٣) ما بين المعقوفين زيادة منا يقتضيها السياق للتوضيح.
(٤) ينظر في أولاده عليهالسلام : المجدي في أنساب الطالبین : ٩٣ ، عمدة الطالب : ١٩٤ ، بحار الأنوار ٤٦ : ١٥٥ ـ ٢١٢ باب ١١ وفيه جمع من الأقوال.
المقام الخامس
الإمام محمّد بن علي الباقر عليهالسلام
لقّبه بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله، وأبلغه السلام على لسان جابر لمّا اُضرّ في آخر عمره. «وافاه الباقر عليهالسلام في يوم من الأيام وسلّم عليه ، وكان حدث السن ، فردّ عليه جابر وسأله من أنت؟ فقال له عليهالسلام : أنا محمّد بن علي بن الحسين عليهالسلام ، فقال : اُدنُ منّي ، فدنا منه عليهالسلام ، فأخذ يده وقبله ، وقال له : يا بن رسول الله ، إنَّ رسول الله يقرؤك السلام.
فقال الباقر عليهالسلام : على رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته. ثُمَّ قال عليهالسلام : وكيف كان ذلك؟ فقال جابر : كنت يوماً مع رسول الله ، فقال : يا جابر لعلَّك تبقى حَتَّى توافي أحد ولدي ، يقال له : محمّد بن علي بن الحسين عليهالسلام ، أعطاه الله النور والحكمة. أبلغه سلامي» (١).
قال صاحب (عمدة الطالب) : (ويُقال له : عمود الشرف ، ومناقبه متواترة بين الأنام ، مشهورة بين الخاص والعام ، وقصده المنصور الدوانيقي بالقتل مراراً ، فعصمه الله منه) ، انتهى (٢).
ويكنّى بأبي جعفر ، ويظهر من بعض الأخبار أنه كان يُكنّى بذلك في صغر سنّه ، ويؤيده ما رُوي عنه من : «إنّا لنُكنّي أولادنا في صغرهم مخافة النّبز أن يُلحق بهم» (٣).
__________________
(١) المؤلف رحمهالله نقل الحديث باختصار وتصرف يسير ، ورد تمامه في : روضة الواعظين : ٢٠٢ ، کشف الغُمَّة ٢ : ٣٣٥ ، مناقب الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام للكوفي ٢ : ٢٧٥ ح ٧٤٣ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢٢٥ ـ ٢٢٩.
(٢) عمدة الطالب : ١٩٦ ، والحديث كما في المصدر عن الإمام الصادق عليهالسلام ، وليس عن أبيه عليهالسلام ، فلاحظ.
(٣) الكافي ٦ : ٢٠ ح ١١ ، وأمّا كنيته عليهالسلام من الصغر ، تظهر لنا من أحاديث لقائه بالصحابي جابر الأنصاري رضياللهعنه.
مولده عليهالسلام
ولد عليهالسلام بالمدينة ، يوم الجمعة أول شهر رجب ، وقيل : (يوم الثالث من صفر) (١).
والأول أصح ؛ لما رواه الشيخ في المصباح ، عن جابر الجعفي قال : (وُلد الباقر أبو جعفر بن علي عليهالسلام يوم الجمعة ، غرّة رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة) (٢).
اُمُّه عليهالسلام
وكانت اُمُّه فاطمة ، المكنّاة : باُمّ عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. قال الصادق فيها : «إنَّها كانت صدّيقة ، لم تُدرك في آل الحسن امرأة مثلها» (٣).
وفي (دعوات الراوندي) : رُوي عن أبي جعفر عليهالسلام أنه قال : «كانت اُمِّي قاعدة عند جدار ، فتصدّع الجدار ، وسمعنا هدّة شديدة ، فأشارت بيدها ، وقالت : لا وحقِّ المصطفى ، ما أذن الله لك في السقوط ، فبقي معلّقاً حَتَّى جازته ، فتصدّق عنها أبي بمائة دينار» (٤).
وهو هاشمي من هاشميّين ، وعلوي من علويّين (٥).
قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي : (واُمُّها اُمُّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر) (٦).
وهذا من الاشتباه والغلط ؛ فإنَّ من المُسلَّم أنّ اُمَّ فروة بنت القاسم هذه زوجة
__________________
(١) المصباح للكفعمي : ٥١٠ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢١٢ باب في ولادته.
(٢) مصباح المتهجد : ٨٠١.
(٣) الكافي ١ : ٤٦٩ ح ١.
(٤) الدعوات : ٦٨ ح ١٦٥ ، الكافي ١ : ٤٦٩ ح ١.
(٥) تهذيب الأحكام ٦ : ٧٧ باب ٢٤.
(٦) معالم العترة النبوية ، عنه کشف الغُمَّة ٢ : ٢٣١.
الباقر عليهالسلام ، أم ولده الصادق عليهالسلام ؛ فكيف يمكن أن تكون جدّة الباقر يعني : اُمّ اُمّه.
وأشنع من ذلك ما صدر من صاحب (جنات الخلود) ، من : (أنَّ الأصحّ : أنَّ اُمُّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر) (١) ، مع أنّ اُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ـ أيضاً ـ اُمُّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وصرّح به هو أيضاً ؛ ولذا كان الصادق عليهالسلام يقول : «لقد ولدني أبو بكر مرّتين». وذلك من حيث إنَّ اُمَّه اُمّ فروة ، كانت بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر من طرف الأب ، وبنت أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر من طرف الأُم (٢) ، فأبو بكر جدّه عليهالسلام لأُمه من الطرفين ، وثبت بالنص الصحيح : أنَّ أجداد الأئمة عليهمالسلام كلُّهم أولاد حلال.
وعلى كل حال : فلا يجتمع القول : بكون زوجة الباقر عليهالسلام بنت أسماء هذه ، مع القول : بكون اُمُّه بنت أسماء المزبورة.
فإن كان من المحقِّق : أنّ اُمّ عبد الله التي هي بنت الحسن عليهالسلام أمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، فلا نسلّم أنَّها اُمّ الباقر عليهالسلام ، فقد ذكر الطريحي في المجمع : (أنَّ اُمَّ الباقر عليهالسلام كانت بنت عبد الله بن الحسن بن علي عليهالسلام) (٣) ، وذُكر في الدراية : (أنَّ اُمَّه اُم عبد الله بنت الحسن بن الحسن بن علي عليهالسلام) (٤) ، وإن كان الأخير باطلاً أيضاً ؛ فإن الحسن بن الحسن ، قَدْ تزوج بفاطمة بنت الحسين عليهالسلام ، فتكون بنته هذه بنت اُخت علي بن الحسين عليهالسلام ، فلا يصح له تزوَّجها ، ولعله لذلك عدل
__________________
(١) جنات الخلود : ٢٧.
(٢) کشف الغُمَّة ٢ : ٣٧٤ ، عمدة الطالب : ١٩٥.
(٣) مجمع البحرين ١ : ٥٧١.
(٤) جامع المقال : ١٨٨.
إلى ما في المجمع ؛ فإنَّه متأخّر تصنيفه عن الدراية.
والصحيح : أنَّ اُمَّها اُم ولد تدعى : صافية (١) ، كما تقدم بيانه في أولاد الحسن عليهالسلام ، فعليك بالتأمُّل التام في هذا المقام ، فقد زلَّت فيه جملة من الأقدام.
وفاته عليهالسلام بالمدينة
وقُبض مسموماً بالمدينة ، من هشام بن عبد الملك بن مروان سنة ١١٤ من الهجرة ، وله يومئذ سبع وخمسون سنة ، عاش بعد أبيه تسع عشرة سنة وشهرين ، كما في الكافي. ودُفن بالبقيع ، في القبر الَّذي دُفن فيه أبوه : علي بن الحسين عليهالسلام (٢).
فصل
في أولاده عليهالسلام
وُلد له عليهالسلام سبعة أولاد : أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام ، وعبد الله ، من اُمٍّ واحدة ، اُمُّهما : اُم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وكان عبد الله يشار إليه بالفضل والصلاح.
وفي مقاتل الطالبيين : (أن عبد الله هذا دخل على رجل من بني اُميَّة فأراد قتله ، فقال له عبد الله : لا تقتلني أكن لله عليك عيناً ، ولك على الله تعالى عوناً. فقال : لست هناك ، وترکه ساعة ، ثُمَّ سقاه سمّاً في شراب سقاه إياه فقتله (٣)) (٤).
وإبراهيم ، وعبد الله ، اُمُّهما : اُمّ حكيم بنت الأسد بن المغيرة الثقفي.
__________________
(١) ترجمة الإمام الحسن عليهالسلام من طبقات ابن سعد : ٢٨ ح ٢٣.
(٢) الكافي ١ : ٤٦٩.
(٣) في الأصل : (سقاه أيام فقتله) وما أثبتناه من المصدر.
(٤) مقاتل الطالبين : ١٠.