الشيخ عبد الرضا البهادلي
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز عين للدراسات والبحوث المعاصرة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٧
منه)(١).
وقال العلامة الحليقدسسره : (العمرة واجبة مثل الحجّ بشرائطه في العمر مرّة واحدة على الفور على أهل مكّة وغيرهم)(٢).
وقال العلامة قدسسرهفي التذكرة : (والعمرة واجبة ـ كالحج في وجوبه وهيئة وجوبه ـ على من يجب عليه الحج عند علمائنا أجمع)(٣).
وقال الشهيد الاول قدسسره : (تجب العمرة كالحجّ بشرائطه ... , وقد تجب بالنذر ، والعهد ، واليمين ، والاستئجار ، والإفساد ، وفوات الحجّ ، ولوجوب الدخول إلى مكَّة(٤).
قال السيد اليزديقدسسره : (تجب بأصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج في العمر مرة بالكتاب والسنة والإجماع ، ففي صحيحة زرارة : العمرة واجبة على الخلق بمنزلة
__________________
(١) القاضي ابن البراج : أبو القاسم القاضي السعيد عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز : المهذب : ج١ : ص ٢١١.
(٢) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف بن علي : تحرير الاحكام : ج٢ : ص ١٠٩.
(٣) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف بن علي : تذكرة الفقهاء : ج٧ : ص ١١.
(٤) الشهيد الاول : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جمال الدين : الدروس : ج ١ : ص ٣٣٧.
الحج ، فإن الله تعالى يقول : وأتموا الحج والعمرة لله. وفي صحيحة الفضيل في قول الله تعالى : وأتموا الحج والعمرة ، قال عليهالسلام : هما مفروضان. ووجوبها بعد تحقق الشرائط فوري كالحج ، ولا يشترط في وجوبها استطاعة الحج ، بل تكفي استطاعتها في وجوبها ، وإن لم تتحقق استطاعة الحج ، كما أن العكس كذلك ، فلو استطاع للحج دونها وجب دونها ، والقول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كل منهما وأنهما مرتبطان ضعيف ، كالقول باستقلال الحج ، في الوجوب دون العمرة)(١).
المطلب السادس : النيابة في العمرة المفردة
العمرة كالحج في الوجوب والنيابة ، فالنيابة فيها كالنيابة في الحج الوجب تماما من حيث استقرار الوجوب في الذمة بالاستطاعة ومن حيث جواز استنابة العاجز في الاعتمار عنه ، ووجوب الاعتمار عن الميت الذي وجبت عليه العمرة من ماله ومن حيث شروط النائب ومنها التكليف وان يكون قد اعتمر عن نفسه وسائر شروط الحج.
ولذلك لم اجد من تعرض الى النيابة في العمرة بشكل مستقل الا لانها تاخذ حكم النيابة في الحج من حيث الشروط والاحكام ،
__________________
(١) اليزدي : محمد كاظم : العروة الوثقى : ج ٤ : ٥٩٧ ـ ٦٠٠.
نعم وجدت من تعرض الى ذلك بنحو الاشارة.
العلامة الحلي قدسسره : (واما الحج فتجوز النيابة .... وكذا العمرة وكثير من أفعال الحج كطواف النساء والرمي وكذا يجوز النيابة في ذبح الضحايا)(١).
وكذلك الشيخ زين الدينقدسسره : (وتصح النيابة عنه في العمرة الواجبة والمندوبة ، ومن أي أقسام العمرة الواجبة إذا كانت مما تقضى)(٢).
__________________
(١) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف بن علي : تذكرة الفقهاء : ج٢ : ص ١١٧.
(٢) زين الدين : محمد امين : كلمة التقوى : ج ٣ : ص ١٢٩.
المبحث الثاني
النيابة في بعض المناسك
والمراد من الاستنابة في بعض المناسك ، النيابة في ادائها بشكل مستقل عن غيرها كأن يعجز الحاج عن ركن او واجب لمرض ، او اغماء بسبب السفر او تغير المناخ او العجز لشدة الازدحام او غير ذلك ، فهل لاحد ان ينوب عنه في رمي الجمار او يطوف او يهدي عنه ، هذا ما سوف نقوم ببحثه في هذا البحث.
المطلب الاول : النيابة في الاحرام عن المغمى عنه
لا خلاف في انه لا يحرم احد عن المكلف الصحيح القادر على الاحرام بنفسه ، لان الاحرام في حقيقته هو نية الحج ، والاصل انه لا تجوز النيابة في النيات والاعتقادات ولكن في فقهاء الامامية جوزوا الاحرام عن المغمى عليه والنائم بسبب المرض.
قال الشيخ الطوسي قدسسره : (ومن جاء إلى الميقات ، ولم يقدر على الاحرام لمرض أو غيره ، فليحرم عنه وليه ، ويجنبه ما يجتنبه المحرم ، وقد تم إحرامه)(١).
قال ابن الجنيد قدسسره : (ومن كان مغلوبا عليه في وقت الأحرام
__________________
(١) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : النهاية : ص ٢١١.
أحرم به ويمنع مما يمنع منه المحرم ، وكذلك الطفل)(١).
وقال العلامة الحليقدسسره : (لا نزاع في أن العاقل يحرم بنفسه ويعقد الإحرام بقلبه ويلبي ، إنما النزاع في المغمى عليه والمغلوب على عقله ، فإنا نقول : يجوز للولي أن يحرم عنه)(٢).
ثم قال العلامةقدسسره دليلنا : (إن الإحرام عبادة يصح فيها النيابة فأجزأ إحرام الولي عنه)(٣).
وما رواه جميل عن أحدهما‘ : (في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الموقف ، فقال : يحرم عنه رجل)(٤).
المطلب الثاني : النيابة في رمي الجمار(٥)
__________________
(١) الاشتهاردي : علي بناه : فتاوى ابن الجنيد ، ص ١٢٥.
(٢) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : مختلف الشيعة : ج ٤ : ص ٤٥.
(٣) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : مختلف الشيعة : ج٤ : ص ٤٥.
(٤) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة : ج١١ : ص ٣٣٩.
(٥) قال في لسان العرب : رمى يرمي رميا فهو رام. وفي التنزيل العزيز : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. ابن منظور : محمد بن مكرم : لسان العرب : ١٤ ، ٣٣٥. واصطلاحا : دفع الحصى الصغار بِقُوَّةٍ إلى موضع الرمي داخل حوض الجمرة.
قال الشريف المرتضى : ومما انفردت به الإمامية القول : بوجوب الخذف بحصى الجمار ، وهو أن يضع الرامي الحصاة على إبهام يده اليمنى ويدفعها بظفر الإصبع الوسطى. المرتضى : علي بن الحسين : الانتصار : ٢٦٠.
اولا : جواز النيابة في الرمي
لا خلاف بين الفقهاء في جواز رمي الجمار عن الغير العاجز عنه لمرض أو حبس أو إغماء أو شدة الازدحام أو نحو ذلك ، ويقع الرمي عن المستنيب ، واشترط الفقهاء في ذلك بعدم زوال العذر عن العاجز وقت الرمي.
قال العلامة الحليقدسسره : (يجوز الرمي عن كل ذي عذر ، كالعليل والمبطون والمغمى عليه والصبي ومن أشبههم)(١).
وقال صاحب الجواهر قدسسره : ((و) لا خلاف أجده في أنه (يجوز أن يرمي عن المعذور كالمريض) إذا لم يزل عذره وقت الرمي ، بل الاجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص)(٢).
وقال السيد الخوئي قدسسره : (المريض الذي لا يرجي برؤه إلى المغرب يستنيب لرميه ، ولو اتفق برؤه قبل غروب الشمس رمى بنفسه أيضا على الأحوط)(٣).
وقال الميرزا التبريزي قدسسره : (المريض الذي لا يرجى برؤه إلى المغرب يستنيب لرميه ، ولو اتفق برؤه قبل غروب الشمس رمى
__________________
(١) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : التذكرة : ج٨ : ص ٣٦٦.
(٢) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : التذكرة : ج٨ : ص ٣٦٦.
(٣) السيد الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الحج : ج ٥ : ص ٤٢٠.
بنفسه أيضا على الأحوط)(١).
ثانيا : الادلة التي استدل بها الفقهاء على جواز الرمي
عن الكليني ، بإسناده عن معاوية بن عمار وعبد الرحمان بن الحجاج جميعا عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : (الكسير والمبطون يرمى عنهما ، قال : والصبيان يرمى عنهم)(٢).
وعن الكليني بإسناده عن إسحاق بن عمار أنه سأل أبا الحسن موسى عليهالسلام : (عن المريض ترمى عنه الجمار؟ قال : نعم يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه ، قلت : لا يطيق ، قال : يترك في منزله ويرمى عنه)(٣).
وعن رفاعة بن موسى ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : (سألته عن رجل أغمي عليه؟ فقال : يرمى عنه الجمار(٤).
عن داود بن علي اليعقوبي قال : (سألت أبا الحسن موسىعليهالسلام عن المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار؟ فقال : يرمى عنه)(٥).
__________________
(١) الميرزا جواد التبريزي : جواد بن الحاج علي : مناسك الحج : ص ٢١٤.
(٢) الكليني : محمد بن يعقوب : الكافي : ج٤ : ص ٤٨٥.
(٣) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة : ج٤ : ص ٧٥.
(٤) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : تهذيب الاحكام : ج٥ : ص ٢٦٨.
(٥) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : تهذيب الاحكام : ج٥ : ص ٢٦٨.
عن يحيى بن سعيد ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : (سألته عن امرأة سقطت عن المحمل فانكسرت ولم تقدر على رمي الجمار؟ فقال : يرمى عنها ، وعن المبطون)(١).
عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليهالسلام : (في المرأة المريضة التي لا تعقل أنه يرمى عنها)(٢).
عن أبي البختري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن عليا عليهالسلام قال : (المريض يرمى عنه ، والصبي يعطى الحصى فيرمي)(٣).
المطلب الثالث : النيابة في الطواف الواجب
الطواف(٤). في البيت احد مناسك الحج وركن من اركانه ، ولا يصح حج من لم يات به فلا يسقط بحال ، ولا يستعاض عنه ، وفي
__________________
(١) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة : ج١٤ : ص ٧٦.
(٢) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة : ج١٤ : ص ٧٦.
(٣) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة : ج١٤ : ص ٧٦.
(٤) قال في معجم مقاييس اللغة : (الطاء والواو والفاء أصل واحد صحيح يدل على دوران الشيء على الشيء وأن يحف به ثم يحمل عليه يقال طاف به وبالبيت يطوف طوفا وطوافا واطاف به واستطاف ثم يقال لما يدور بالأشياء ويغشيها من الماء طوفان) معجم مقاييس اللغة ـ أبو الحسين أحمد بن فارس زكريا ـ ج ٣ ـ ص ٤٣٢. وكذا انظر ابن منظور : لسان العرب : ج٩ ، ص ٢٢٥. واصطلاحا : (الدوران حول الكعبة مع النية). قلعجي : معجم لغة الفقهاء : ص ٢٩٣.
هذا المطلب نتعرض الى عدة امور
الامر الاول : اقوال الفقهاء في جواز الطواف
لا يوجد خلاف بين الفقهاء في عدم جواز الطواف للحاضر ، كما لا خلاف بينهم في جواز الطواف للمعذور.
اولا : لا يجوز النيابة في الطواف الواجب عن الحاضر
وقال المحقق قدسسره : (لا يطاف عن حاضر متمكن من الطواف ، لأنه عبادة تتعلق بالبدن ، فلا يصح بالنيابة فيه مع التمكن)(١).
وقال العلامة الحلي قدسسره : (لا يجوز لحاضر مكة المتمكن من الطواف الاستنابة فيه ، لأنه عبادة بدنية يمكن الإتيان بها مباشرة ، فلا تجوز الاستنابة فيها كالحج)(٢).
وقال الشيخ الجواهري قدسسره(٣) : للأصل ومرسل ابن أبي نجران عن الصادق عليهالسلام سئل : الرجل يطوف عن الرجل وهما مقيمان بمكة قال : لا ، ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب)(٤).
ثانيا : لا يوجد خلاف بين الفقهاء في جواز الطواف عن المعذور
__________________
(١) المحقق الحلي : جعفر بن الحسن : المعتبر : ج٢ : ص ٧٧١.
(٢) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء : ج٧ : ص ١٦٠.
(٣) انظر : الجواهري : محمد حسن : جواهر الكلام : ج١٧ : ص ٣٨٢.
(٤) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة : ج١١ : ص ١٩٠.
كالاغماء والبطن والغائب وما شابههما(١).
قال المحقق الحلي قدسسره : (نعم لو كان غايبا جاز ، ويدل على ذلك : ما رواه عبد الرحمن أبي بحران عمن حدثه عن أبي عبد الله عليهالسلام قلت : (الرجل يطوف عن الرجل وهما مقيمان بمكة؟ قال لا ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب ، قلت وكم قدر الغيبة ، قال عشرة أميال)(٢).
ثم قال قدسسره : (ويجوز لو كان مريضا ، لا يستمسك الطهارة)(٣).
وقال العلامة الحلي قدسسره : (ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب ، قلت : وكم قدر الغيبة؟ قال : عشرة أميال)(٤).
ثم قال العلامة قدسسره : (إذا عرفت هذا ، فإنه يجوز للحاضر غير المتمكن من الطواف ، لعدم تمكنه من الطهارة ، بأن يكون مريضا لا يستمسك الطهارة ، فإنه يطاف عنه)(٥).
وقال المحقق النراقي قدسسره : (من كان مريضا لا يمكنه الطواف
__________________
(١) المحقق الحلي : جعفر بن الحسن : شرائع الاسلام : ج١ : ص ١٧٠.
(٢) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة : ج١١ : ص ١٩٠.
(٣) المحقق الحلي : جعفر بن الحسن : المعتبر : ج٢ : ص ٧٧١.
(٤) الشيخ الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : التهذيب : ج٥ : ص ٤١٩.
(٥) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : التذكرة : ج٧ : ص ١٦٠.
بنفسه في وقته طيف به محمولا ، فإن لم يتمكن من أن يحمله أحد ـ لعدم استمساك طهارته المانع من دخول المسجد أو نحو ذلك من أنحاء العذر ـ طاف آخر نيابة عنه ، فإن ذلك مجزئ عن طوافه بنفسه ، بلا خلاف في شئ من الحكمين بين الأصحاب ، كما في المدارك والمفاتيح وشرحه)(١).
الامر الثاني : ادلة الفقهاء على جواز النيابة في الطواف :
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام : (المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما)(٢).
عن معاوية أيضاً وقد رواها الشيخ الطوسي(قده) أيضاً في التهذيب عن أبي عبد الله عليهالسلام : (الكسير يحمل فيطاف به والمبطون يرمى ويطاف عنه ويصلى عنه)(٣).
عن حبيب الخثعمي عن أبي عبد الله عليهالسلام : (أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطاف عن المبطون والكسير)(٤).
الامر الثالث : هل تدخل الحائض ضمن اصحاب الاعذار
__________________
(١) المحقق النراقي : أحمد بن محمد مهدي : مستند الشيعة : ج١٢ : ص ١٣٠.
(٢) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : الاستبصار : ج ٢ : ص ٢٢٦.
(٣) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة (آل البيت) : ج١٣ : ص ٣٩٤.
(٤) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة (آل البيت) : ج١٣ : ص ٣٩٤.
خلاف بين الاعلام بين الفقهاء في دخول الحائض ضمن اصحاب الاعذار واليك تفصيل ذلك.
اولا : الحاق الحائض بذوي الاعذار
قال صاحب كشف اللثامقدسسره جوز الحاق الحائض بذوي الاعذار(١) : (ومن أصحاب الأعذار أو الغيبة الحائض إذا ضاق الوقت أو لم يمكنها المقام حتى تطهر ، ولا يكون لها العدول إلى ما يتأخر طوافه ، وهي داخلة فيمن لا يستمسك الطهارة إذا ضاق الوقت ، وإلا لم تستنب للطواف إلا إذا غابت ، فلا يطاف عنها ما دامت حاضرة وإن علمت مسيرها قبل الطهر(٢).
وقال العاملي قدسسرهفي المدارك : (وقوى الشارح جواز استنابة الحائض في طواف الحج وطواف النساء مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها عن أهلها في البلاد البعيدة وهو غير بعيد ، ويقوى الجواز في طواف النساء ، بل مقتضى صحيحة أبي أيوب الخزاز قال : (كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فدخل عليه رجل فقال : أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ويأبى الجمال أن
__________________
(١) الفاضل الهندي : بهاء الدين محمد بن الحسن : كشف اللثام (ط. ج) : ج ٥ : ص ١٦٨.
(٢) الفاضل الهندي : بهاء الدين محمد بن الحسن : كشف اللثام : ج٥ : ص ١٩٦.
يقيم عليها قال : فأطرق وهو يقول : لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها ثم رفع رأسه إليه فقال : تمضي فقد تم حجها)(١)(٢).
وقال الجواهري قدسسره : (بل قد يقال باندراج الحائض في ذلك ، ضرورة عدم تمكنها من الطهارة كالمبطون بل في كشف اللثام التصريح به)(٣).
وقال المحقق السبزواري : (فبعد ان نقل الجواز عن الشهيد الثاني ، قال هذا ليس بعيدا : وقوى الشهيد الثاني جواز استنابة الحائض في طواف الحج وطواف النساء مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها عن أهلها في البلاد البعيدة وهو غير(٤).
وقال الحكيم قدسسره : (وبالجملة : إطلاق كلمات الأصحاب جواز النيابة في الطواف عن المعذور يقتضي العموم للحائض ، كما ذكر في كشف اللثام. والنصوص الواردة في الأعذار المتقدمة لا يبعد
__________________
(١) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة : ج ١٣ : ص ٤٥٣.
(٢) السيد العاملي : محمد بن علي الموسوي : مدارك الأحكام : ٧ : ص ١٣٠.
(٣) الجواهري : محمد حسن : الجواهر : ج١٧ : ص ٣٨٤.
(٤) المحقق السبزواري : ذخيرة المعاد (ط. ق) : ج ١ق٣ : ص ٥٦٨.
التعدي عن موردها إلى المقام)(١).
ثانيا : التردد في عدم الالحاق
قال الشهيد الأول قدسسره في الدروس فقد تردد في الحاق الحائض في ذوي الأعذار : «في استنابة الحائض عندي تردد ...)(٢).
قال الشيخ الجواهري قدسسره معلقا على عبارة الدروس : (قال في الجواهر : (قلت : لعله من ذلك ومن عدم قابليتها لوقوع الطواف ـ الذي هو كالصلاة ـ منها ، فكذا نائبها ، ومن بطلان متعتها وعدولها إلى حج الافراد لو قدمت إلى مكة حائضا وقد تضيق وقت الوقوف ، إذ لو كانت النيابة مشروعة لصحت متعتها ...)(٣).
المطلب الرابع : النيابة في الطواف المستحب
لا اشكال ولا خلاف في الطواف المستحب سواء عن الميت او الحي وفي ذلك عدة امور.
الامر الاول : اقوال الفقهاء
قال السيد الخوئي قدسسره : (الطّواف مستحب في نفسه فتجوز
__________________
(١) السيد الحكيم : محسن بن مهدي بن صالح بن أحمد : مستمسك العروة ، ج ١١ : ص ١١٢.
(٢) الشهيد الاول : محمد بن مكي العاملي : الدروس : ج١ : ص ٣٢٢.
(٣) انظر : الجواهري : محمد حسن : جواهر الكلام : ج١٧ : ص ٣٨٥.
النيابة فيه عن الميّت وكذا عن الحي إذا كان غائباً عن مكّة ، أو حاضراً فيها ولم يتمكّن من الطّواف مباشرة)(١).
وفي شرح الحج قال السيد الخوئي قدسسره : (أي أنّ الطّواف مستحب نفسي مستقلاًّ من دون أن يكون في ضمن الحجّ أو العمرة ، كالصلاة ونحوها من المستحبّات والعبادات المستقلّة ، فتجوز النيابة في نفس الطّواف مستقلاًّ وإن لم يكن جزءاً للحج أو العمرة ، والّذي يدل على استحبابه النفسي نصوص كثيرة وقد عقد في الوسائل أبواباً تتضمّن ذلك ، كما أنّ مقتضى إطلاق جملة منها وخصوص بعضها الآخر جواز النيابة فيه عن الميّت والحي كالنصوص الواردة في الطّواف عن المعـصومين (عليهم السلام) أحياءً وأمواتا)(٢).
وقال الشيخ التبريزي قدسسره : (الطواف مستحب في نفسه ، فتجوز النيابة فيه عن الميت. وكذا عن الحي إذا كان غائبا عن مكة أو حاضرا فيها ولم يتمكن من الطواف مباشرة)(٣).
وقال السيد السيستاني دام ظله : (الطواف مستحب في نفسه ،
__________________
(١) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الحج : ج ٣ : ص ١٩٠.
(٢) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الحج : ج ٣ : ص ١٩١.
(٣) الميرزا التبريزي : جواد علي : مناسك الحج : ص ٥٩.
فتجوز النيابة فيه عن الميت ، وكذا عن الحي إذا كان غائبا عن مكة أو كان حاضرا فيها ولم يتمكن من الطواف مباشرة(١).
وقال الشيخ الوحيد دام ظله : (الطواف مستحب نفسي ، فتجوز النيابة فيه عن الميت. وكذا عن الحي إذا كان غائبا عن مكة ، أو حاضرا فيها ولم يتمكن من الطواف مباشرة)(٢).
الامر الثاني : الادلة التي استدل بها الفقهاء
١ ـ عن علي بن مهزيار ، عن موسى بن القاسم قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليهالسلام : قد أردت أن أطوف عنك وعن أبيك ، فقيل لي : إن الاوصياء لا يطاف عنهم ، فقال : بلى ، طف ما أمكنك ، فإن ذلك جائز ، ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين : إنّي كنت استأذنتك في الطواف عنك وعن أبيك ، فأذنت لي في ذلك ، فطفت عنكما ما شاء الله ، ثم وقع في قلبي شيء فعملت به ، قال : وما هو؟ قلت : طفت يوما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال ثلاث مرات : صلى الله على رسول الله ، ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن عليهالسلام ، والرابع عن الحسين عليهالسلام ،
__________________
(١) السيستاني : علي محمد باقر : مناسك الحج : ص ٥٩.
(٢) الشيخ الخراساني : محمد حسين بن الشيخ حسن بن الشيخ إسماعيل : مناسك الحج ، ص ٥٢.
والخامس عن علي بن الحسين ، واليوم السادس عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) ، واليوم السابع عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) ، واليوم الثامن عن أبيك موسى عليهالسلام ، واليوم التاسع عن أبيك علي عليهالسلام ، واليوم العاشر عنك يا سيدي ، وهؤلاء الذين أدين الله بولايتهم ، فقال : إذا والله تدين الله بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره ، فقلت : وربما طفت عن امك فاطمة (عليها السلام) ، وربما لم أطف ، فقال : استكثر من هذا فإنّه أفضل ما أنت عامله ، إن شاء الله(١).
٢ ـ أمّا استحبابه عن الغائب فيدل عليه صحيح معاوية بن عمار قال «قلت له : فأطوف من الرجل والمرأة وهما بالكوفة؟ فقال : نعم)(٢).
٣ ـ وأمّا استحبابه عن الحاضر المعذور من الطّواف بنفسه فيدل عليه عدّة من النصوص الواردة في المبطون والمريض والمغمى عليه.
٤ ـ وأمّا الحاضر غير المعذور فلا استحباب للنيابة عنه ، كما
__________________
(١) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : تهذيب الأحكام : ج ٥ : ص ٤٥١.
(٢) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة (آل البيت) : ج ١١ : ص ١٩٠.
دلّ عليه صحيح إسماعيل ابن عبدالخالق قال «كنت إلى جنب أبي عبدالله عليهالسلام وعنده ابنه عبدالله أو ابنه الّذي يليه ، فقال له رجل : أصلحك الله يطوف الرّجل عن الرّجل وهو مقيم بمكّة ليس به علّة؟ فقال : لا ، لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني فلاناً فطاف عنِّي ـ سمّى الأصغر وهما يسمعاني)(١)
المطلب الخامس : النيابة في ذبح الهدي(٢).
الامر الاول : اقوال الفقهاء في جواز النيابة في الهدي
لا خلاف بين الفقهاء في جواز النيابة في ذبح الهدي او الكفارة ، ولا يشترط المباشرة في ذلك ، بل يجوز حتى في حال الاختيار ، نعم لا بد ان يكون الذابح مسلما ، ولا بد أن تكون النية مستمرة من صاحب الهدي إلى الذبح.
قال العلامة الحلي قدسسره : (يجوز النيابة في ذبح الضحايا والهدايا
__________________
(١) الكليني : محمد بن يعقوب : الكافي : ٤ : ٤٢٣.
(٢) الهدي ، بالتشديد : كالهدي بالتخفيف ، وهو ما يهدى إلى البيت الحرام من النعم لتنحر فأطلق على جميع الإبل وإن لم تكن هديا تسمية للشئ ببعضه. ابن منظور : محمد بن مكرم : لسان العرب : ١٥ ، ٣٥٨ ـ ٣٥٩. واصطلاحا : (الهدي) ما يهدى إلى الحرم من النعم. وهو ما يلزم الحاج ذبحه في اليوم العاشر من ذي الحجة بمنى. معجم ألفاظ الفقه الجعفري ـ الدكتور أحمد فتح الله ـ ص ٤٣٤.
لان النبيصلىاللهعليهوآله أناب فيه ونحر عن علي عليهالسلام وهو غايب وعنه صلىاللهعليهوآله مأة ناقة ثلثاها عنه صلى الله عليه وآله وثلثها عن عليعليهالسلام)(١)
وقال السيد الخونساري قدسسره : (ويشترط النية في الذبح ويجوز أن يتولى بنفسه وبغيره ... وأما جواز تولي الغير نيابة فلما دل على جواز النيابة وقد سبق خبر أبي بصير المتضمن للرخصة للنساء والصبيان في الإفاضة من المشعر بالليل وأن يرموا الجمار فيه وأن يصلوا الغداة في منازلهم فإن خفن الحيض مضين إلى مكة ووكلن من يضحي عنهن(٢).
وفي صراط النجاة اجاب السيد الخوئيقدسسره على عدة اسئلة في خصوص الانابة في ذبح الهدي منها :
س : إذا كانت المرأة نائبة ، فهل يمكنها أن تستنيب شخصاً آخر يذبح عنها؟
(بسمه تعالى : يمكنها ذلك ، والله العالم).
س : شخص كان وكيلًا عن أربعة اشخاص في تحصيل الهدى لهم والذبح عنهم فذبح عن اثنين ولما أراد الذبح عن الباقين نسي
__________________
(١) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : التذكرة : ج٢ : ص ١١٧.
(٢) السيد الخوانساري : أحمد بن السيّد يوسف : جامع المدارك : ج٢ : ص ٤٥٠.
المذبوح عنهما أوّلًا بالكلية ، فما هي وظيفته؟
(بسمه تعالى : تكفي الإشارة الإجمالية إلى كل واحد منهما ، والله العالم).
س : إذا وكل جماعة شخصاً في شراء الهدى لهم والذبح عنهم ، فهل يلزمه ان يعين لكل منهم شاة عند الشراء والذبح أم يكفي أن يشتري ويذبح بعددهم من غير تعيين؟
(بسمه تعالى : لا بد من التعين ولو بالعنوان الإجمالي فإذا اشترى الأغنام مثلًا ثم نوى أن يكون كل واحدة منها عن أحد هؤلاء الجماعة أجزأ ، والله العالم)(١).
الامر الثاني : وقد استدل الشيخ الفياض على جواز الاستنابة في الذبح بما يلي
الأول : السيرة القطعية الجارية بين الحجاج على عدم مباشرة كل حاج الذبح أو النحر بنفسه ، بل ان كثيرا منهم لا يعرفون الذبح ، فلو كانت المباشرة واجبة لشاعت بين المسلمين ، ولأشير إلى اعتبارها في الروايات البيانية وغيرها ، حيث ان اعتبار قيد المباشرة يكون على خلاف الارتكاز.
__________________
(١) الخوئي : ابو القاسم علي اكبر : صراط النجاة : ج٤ : ص ٢٣٥.