تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين ، إلى قيام يوم الدين.
وبعد ...
فإن حياة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ، وحتى عضوياً بحياة أخيه السبط الشهيد الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام ..
وبالأخص حياتهما السياسية ، فهما شريكان في صنع الأحداث ، أو في التأثير فيها ، سواء على مستوى الموقف ، أو على مستوى نتائجه وآثاره ..
ولا يقتصر ذلك على الفترة التي عاشاها كإمامين ، يتحملان بالفعل مسؤولية القيادة والهداية للأمة .. بل وينسحب أيضاً حتى على الفترة التي عاشاها في كنف جدهما الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فضلاً عما تلاها من تحولات وتطورات في عهد الخلفاء الثلاثة ، ثم إبان تصدي أبيهما أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه للإمامة الظاهرة ..
بل إننا حتى بعد استشهاد الإمام الحسن عليهالسلام ، لنجد ملامح الآثار
المباشرة لمواقفه عليهالسلام (١) على مجمل المواقف والأحداث التي كان للإمام الحسين عليهالسلام التأثير فيها ، أو المسؤولية في صنعها ..
وليس ذلك ـ فقط ـ لأجل أن دور أحدهما ـ كإمام ـ لا بد أن يكون امتداداً لدور الآخر .. وإنما يضاف إلى ذلك طبيعة الظروف التي رافقت حياتهما ، والمسؤوليات المتميزة التي فرض عليهما القيام بها في تلك الفترة الزمنية ، ذات الطابع الخاص جداً ..
ولأجل ذلك .. فإن على من يريد البحث والتعرف على الحياة السياسية لأحدهما عليهما الصلاة والسلام ، أن لا يهمل النظر إلى حياة الآخر ، وملاحظة مواقفه. بل لا بد وأن يبقى على مقربة منها ، إذا أراد أن يستفيد الكثير ممّا يساعده على فهم أعمق لما هو بصدد البحث فيه ، ويهدف إلى التعرف عليه ، وعلى أسبابه ، وعلى آثاره ونتائجه ..
ونحن في هذا البحث المقتضب ، وإن كنا لم نستطع أن نؤمن ـ حتى الحد الأدنى في مجال الالتزام بهذا الاتجاه ، وذلك بسبب عدم توفر الفرصة ، وكثرة الصوارف .. إلا أننا لا نُبعد كثيراً إذا قلنا : إن ملامح هذا الاتجاه ليست مطموسة تماماً في بحثنا هذا ..
وأخيراً .. فإن هذه الدراسة الموجزة ، قد تكون قادرة ـ ولو جزئياً ـ على رسم صورة تكاد تكون واضحة عن الحياة السياسية للإمام الحسن عليه الصلاة والسلام. كما أنها يمكن أن تساعد بشكل فعال في الحصول على تصورٍ ـ ولو محدود ـ عن بعض التيارات والمناحي السياسية لتلك الفترة ... فـ :
إلى ما يلي من صفحات
|
٢٠/ ١ / ١٤٠٤ هـ. ق ٥ / ٨ / ١٣٦٢ هـ. ش جعفر مرتضى الحسيني العاملي |
__________________
١ ـ كتربيته للعديد من الشخصيات ، وكلماته وخطبه التي ألقاها في المناسبات المختلفة ، ثم صلحه الذي ساهم في حفظ كيان الشيعة ، وفي فضح الأمويين والمنافقين ، وكشف نواياهم من خلال أقوالهم وممارساتهم اللا إسلامية واللا إنسانية تجاه الأمة.
ما هي السياسة؟ :
قيل :
سأل بعض الناس الإمام الحسن عليهالسلام عن رأيه في السياسة ، فقال عليهالسلام :
« هي أن تراعي حقوق الله ، وحقوق الأحياء ، وحقوق الأموات. فأما حقوق الله ، فأداء ما طلب ، والاجتناب عما نهى. وأما حقوق الإحياء ، فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك ، ولا تتأخر عن خدمة أمتك ، وأن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته ، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا حاد عن الطريق السوي. وأما حقوق الأموات ، فهي أن تذكر خيراتهم ، وتتغاضى عن مساوئهم ، فإن لهم رباً يحاسبهم » (١).
__________________
١ ـ حياة الحسن عليهالسلام للقرشي : ج ١ ص ١٤٢ / ١٤٣ عن مجلة العرفان : ج ٤ جزء ٣ نقلاً عن التذكرة المعلوفية : ج ٩ والإمام الحسن بن علي ، لمحمد علي دخيل ص ٥٢ / ٥٣ ، وسيرة الأئمة الأثني عشر : ج ١ ص ٥٢٥.
ويرى بعض المحققين : أن هذا الخبر منقول بالمعنى ، وأنه غير صحيح أصلاً. ولكنني لم أفهم سر حكمه هذا؟!.
الفصل الأول :
في عهد الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله
روي أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال في حديث له : « لو كان العقل رجلاً لكان الحسن »
( فرائد السمطين ج ٢ ص ٦٨ وعن مقتل الحسين للخوارزمي )
بداية :
لقد ولد الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام في حياة جده الرّسول الأكرم ، محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبالذات في النصف من شهر رمضان المبارك ، من السنة الثالثة للهجرة النبوية ، على المشهور .. وعاش في كنف جده المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم سبع سنوات من عمره الشريف ، وكانت تلك السنوات على قلتها ، كافية لأن تجعل منه الصورة المصغرة عن شخصية الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتى ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم ، الذي حباه به جده ، حينما قال له ـ حسبما روي :
« أشبهت خلْقي وَخُلُقي » (١).
وقال المحقق العلامة الأحمدي : « أضف إلى ذلك ما لصحبة العظماء من الأثر الروحي على الإنسان ، فمن عاشر كبيراً ، وصاحب عظيما ، فيشرق عليه من نوره ، ويلفح عليه من عطره المعنوي ما تَغْنى به نفسه ، وتسمو به ذاته .. وقد ألمحت الأحاديث الكثيرة الورادة في العِشْرة ، واختيار الصديق إلى هذا
__________________
١ ـ حياة الحسن عليهالسلام للقرشي : ج ١ ص ٢٩ ، وسيرة الأئمة الاثني عشر للحسني : ج ١ ص ٥١٣ ، وصلح الإمام الحسن عليهالسلام لفضل الله ص ١٥ عن الغزالي في إحياء العلوم. وحول شبهه عليهالسلام بجده راجع : تاريخ اليعقوبي ط صادر : ج ٢ ص ٢٢٦ والبحار ج ١٠ وأعيان الشيعة ج ٩ وذكر ذلك العلامة المحقق الأحمدي عن : كشف الغمة ص ١٥٤ والفصول المهمة للمالكي ، والإصابة ج ١ ص ٣٢٨ وكفاية الطالب ص ٢٦٧ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢٠٢ وينابيع المودة ص ١٣٧ وتاريخ الخلفاء ص ١٢٦ / ١٢٧ والتنبيه والاشراف ص ٢٦١ والبحار عن الإرشاد ، والروضة وأعلام الورى ، والعكبري ، والترمذي ، وشرف النبوة.
المعنى، وأشار أمير المؤمنين عليهالسلام إلى صحبته لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في خطبته القاصعة ، فقال : « ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به الخ .. ».
أضف إلى ذلك : أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد نحل الحسنين عليهماالسلام نحلة سامية ، حينما قال : أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي ، وأما الحسين فله جودي وشجاعتي » (١) انتهى.
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومستقبل الأمة :
والرسول الأعظم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم هو ذلك الشخص الذي يتحمل مسؤولية هداية ورعاية الأمة ، ومسؤولية تبليغ وحماية مستقبل الرسالة ، ثم وضع الضمانات التي لا بد منها في هذا المجال ..
وهو صلىاللهعليهوآله المطلع عن طريق الوحي على ما ينتظر هذا الوليد الجديد ، الإمام الحسن عليهالسلام من دَور قيادي هام على هذا الصعيد .. كما أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم مأمور بأن يساهم هو شخصياً ، وبما هو ممثل للإرادة الإلهية بالإعداد لهذا الدور ، سواء فيما يرتبط ببناء شخصية هذا الوليد اليافع ، ليكون الإنسان الكامل الذي يمتلك الصفات الإنسانية المتميزة ، أو فيما يرتبط ببنائه بناء فذّاً يتناسب مع المهام الجسام ، التي يؤهل للاضطلاع بها على صعيد هداية ورعاية وقيادة الأمة.
وإذا كانت هذه المهام هي ـ تقريباً ـ نفس المهام التي كان يضطلع بها الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم .. فإن من الطبيعي أن تتجلى في
__________________
١ ـ راجع هذا الحديث في : روضة الواعظين ، وكفاية الطالب ص ٢٧٧ ، وحلية الأولياء ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢١٤ ، وكشف الغمة ص ١٥٤ وينابيع المودة ص ٢٥٩ ، والبحار عن قرب الإسناد. وإسعاف الراغبين ، بهامش نور الأبصار ص ١١٦ ..
شخصية من يخلفه نفس الصفات والمؤهلات التي كانت للشخصية النبوية المباركة ..
وهكذا .. فإنه يتّضح المراد من قوله فإن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم للإمام الحسن عليهالسلام : أشبهت خَلْقي وَخُلُقي .. فأما شبهه له في الخلق ، فذلك أمر واقع ، كما عن أبي جحيفة (١) وأما شبهه له في الخُلُق فلا بد أن يعتبر وسام الجدارة والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي ، الذي هو وراثة وخلافة النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم وصيه علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.
نعم .. لابد من ذلك ، سواء بالنسبة لما يرتبط بشخصية ذلك الوليد .. أو بالنسبة إلى خلق المناخ النفسي الملائم لدى الأمة ، التي يفترض فيها أن لا تستسلم لمحاولات الابتزاز لحقها المشروع في الاحتفاظ بقيادتها الإلهية ، التي فرضها الله تعالى لها .. أو على الأقل أن لا تتأثر بعمليات التمويه والتشويه ، وحتى الإعدام والنسف للمنطلقات والركائز ، التي تقوم عليها رؤيتها العقائدية والسياسية ، التي يعمل الإسلام على تعميقها وترسيخها في ضمير الأمة ووجدانها ..
ومن هنا .. نعرف السر والهدف الذي يرمي إليه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في تأكيداته المتكررة ، تصريحاً ، أو تلويحاً على ذلك الدور الذي ينتظر الإمام الحسن وأخاه عليهماالسلام ، وإلى المهمات الجلّى التي يتم إعدادهما لها ، حتى ليصرح بأنهما عليهماالسلام : إمامان قاما أو قعدا (٢) كما أنه يقول
__________________
١ ـ راجع : ذكر أخبار أصبهان ج ١ ص ٢٩١ وتاريخ الخلفاء ص ١٨٨ و ١٨٩ عن عبد الله ابن الزبير.
٢ ـ أهل البيت ، تأليف توفيق أبو علم ص ٣٠٧ والارشاد للمفيد ص ٢٢٠ ومجمع البيان ج ٢ ص ٤٥٣ وكشف الغمة للأربلي ج ٢ ص ١٥٩ وروضة الواعظين ص ١٥٦ ، وحياة الحسن بن علي عليهالسلام للقرشي ج ١ ص ٤٢ ، والبحار ج ٤٤ ص ٢ ، وعلل الشرايع ج ١ ص ٢١١ ، وإثبات الهداة ج ٥ ص ١٤٢ و ١٣٧ و ١٣٥ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ٣٦٧ وعبر عنه بالخبر المشهور ، وقال ص ٣٩٤ : « اجتمع أهل
=
لهما : أنتما الإمامان ، ولأمكما الشفاعة (١).
وفي مودة القربى أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال للحسين عليهالسلام : « أنت سيد ، ابن سيد ، أخو سيد ، وأنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، وأنت حجة ، ابن حجة ، أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة ، تاسعهم قائمهم » (٢).
وفي حديث عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول فيه عن الإمام الحسن عليهالسلام : « وهو سيد شباب أهل الجنة ، وحجة الله على الأمة ، أمره أمري ، وقوله قولي ، من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فإنه ليس مني الخ » (٣) وثمة أحاديث أخرى تدل على إمامتهما ، وإمامة التسعة من ذرية الحسين عليهالسلام : فلتراجع (٤).
فكل ما تقدم إنما يعني : أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد بث في الحسنين عليهماالسلام من العلوم النافعة ، والحكمة الساطعة ، وربى فيهما من المؤهلات ما يكفي لأن يجعلهما ، جديرين بمقام خلافته ، وهداية الأمة بعده ..
كما أننا نلاحظ حرصه صلىاللهعليهوآلهوسلم على ربط قضاياهما عقيدة وتشريعاً ، وحتى عاطفياً ووجدانياً بنفسه صلىاللهعليهوآلهوسلم شخصياً ، حتى
__________________
=
القبلة على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال الخ .. » وسيرة الأئمة الاثني عشر للحسني ج ١ ص ٥٥٤ و ٥٤٤ وقال : « بإجماع المحدثين ».
١ ـ نزهة المجالس ج ٢ ص ١٨٤ وحياة الحسن بن علي للقرشي ج ١ ص ٤٢ عنه وعن الاتحاف بحب الاشراف ص ١٢٩ وإثبات الهداة ج ٥ ص ٥٢.
٢ ـ ينابيع المودة ص ١٦٨ وراجع منهاج السنة لابن تيمية ج ٤ ص ٢٠٩ وإثبات الهداة ج٥ ص ١٢٩ والبحار ج ٣٦ ص ٢٩٠ و ٢٩١ عن كفاية الأثر.
٣ ـ فرائد السمطين ج ٢ ص ٣٥ وأمالي الصدوق ص ١٠١ وحول ما يثبت إمامة الإمام الحسن عليهالسلام راجع : ينابيع المودة ص ٤٤١ و ٤٤٢ و ٤٤٣ و ٤٨٧ عن المناقب. وفرائد السمطين ج ٢ ص ١٤٠ و ١٣٤ و ١٥٣ و ٢٥٩ وفي هوامشه عن المصادر التالية : غاية المرام ص ٣٩ وكفاية الأثر المطبوع في آخر الخرائج والجرائح ص ٢٨٩ عيون أخبار الرضا باب ٦ ص ٣٢ والبحار ج ٣ ص ٣٠٣ و ج ٣٦ ص ٢٨٣ و ج ٤٣ ص ٢٤٨ وأمالي الصدوق ص ٣٥٩ المجلس رقم ٦٣.
٤ ـ راجع : ينابيع المودة ص ٣٦٩ و٣٧٢ و٣٧٣ و ٣٧٤ حتى ٣٩٩ وإثبات الهداة ج ٥ ص ١٣٢.
ليقول لهما : أنما سلم لمن سالمتم ، وحربٌ لمن حاربتم (١) والأحاديث بهذا المعنى كثيرة جداً لا مجال لاستقصائها.
وفي نص آخر عن أنس بن مالك قال : دخل الحسن على النبي صلىاللهعليهوآله ، فأردت أن أمطيه عنه ، فقال صلىاللهعليهوآله : « ويحك ياأنس ، دع ابني ، وثمرة فؤادي ، فإن من آذى هذا آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله » (٢).
بل إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ليخبر الناس بما يجري على الإمام الحسن عليهالسلام بعده ، فيقول حسبما روي : « إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين » (٣).
__________________
١ ـ راجع سنن الترمذي ج ٥ ص ٦٩٩ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٥٢ وينابيع المودة ص ١٦٥ عنهما و ص ٢٣٠ و ٢٦١ و ٣٧٠ عن جامع الأصول وغيره وروضة الواعظين ص ١٥٨ وذخائر العقبى ص ٢٥ ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٥ و ٦١ وترجمة الإمام الحسن لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص ٩٧ / ٩٨ وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص ١٠٠ والصواعق المحرقة ص ١٤٢ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢١١ وأُسد الغابة ج ٥ ص ٥٢٣ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٩ ، والمناقب للخوارزمي ص ٩١ و ٢١١ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٤٩ ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص ٦٣ والبداية والنهاية ج ٨ ص ٢٠٥ وتايخ بغداد ج ٧ ص ١٣٧ ومسند أحمد ج ١ ص ٤٤٢ وفرائد السمطين ج ٢ ص ٣٨ و ٤٠ وفي هامشه عن الرياض النضرة ج ٢ ص ١٨٩ وعن المعجم الصغير للطبراني ج ٢ ص ٣ وعن المعجم الكبير ج ٣ ص ٣٠ ط ١ وعن سمط النجوم ج ٢ ص ٤٨٨ ، وفي بعض الهوامش الأخرى عن تهذيب الكمال.
٢ ـ أهل البيت ، تأليف توفيق أبو علم ص ٢٧٤ ، وراجع سنن ابي ماجة ج ١ ص ٥١.
٣ ـ أُسد الغابة ج ٢ ص ١٣ والبدء والتاريخ ج ٥ ص ٢٣٨ ودلائل الإمامة ص ٦٤ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٦٥٨ وقال عنه : هذا حديث حسن صحيح ، وتاريخ الخلفاء ص ١٨٨ وعن سنن أبي داود ص ٢١٩ ، و ٥٢٠.
ولكن قد جاء في مصادر كثيرة التعبير بـ « فئتين من المسلمين » أو « من المؤمنين » ونحسب أنها من تزيد الرواة ، من أجل هدف سياسي خاص هو إثبات الإيمان والإسلام للخارجين على إمام زمانهم. ولعل أول من زادها هو معاوية نفسه كما تدل عليه قصة ذكرها المسعودي ، وفيها إشارة صريحة للهدف السياسي المشار إليه ، قال في مروج الذهب ج ٢ ص ٤٣٠ : إن معاوية حينما أتاه البشير بصلح الحسن كبّر ، فسألته زوجته
=
أما إخباراته صلىاللهعليهوآله بما يجري على أخيه السبط الشهيد الإمام الحسين عليهالسلام ، فهي كثيرة أيضاً ، وليس هنا موضع التعرض لها.
وبعد ذلك كله ، فإننا نجده صلىاللهعليهوآلهوسلم يُقَبّل الإمام الحسن عليهالسلام في فَمِه ، يُقَبل الإمام الحسين عليهالسلام في نحره ، في إشارة صريحة منه إلى سبب استشهادهما عليهماالسلام ، واعلاماً منه عن تعاطفه معهما ، وعن تأييده لهما في مواقفهما وقضاياهما ..
هذا كله ، بالإضافة الى كثير من النصوص التي تحدثت عن دور الأئمة وموقعهم بشكل عام ، ككونهم باب حطة ، وربانيي هذه الأمة ، ومعادن العلم ، وأحد الثقلين ، بالإضافة الى الأحاديث التي تشير الى ما سوف يلاقونه من الأمة ، وغير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه ..
وعلى كل حال .. فإن الشواهد على أن الرسول الأعظم ، محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يهتم في إعطاءالملامح الواضحة للركائز والمنطلقات ، التي لا بد منها لتكوين الرؤية العقائدية والسياسية الصحيحة والكاملة ، تجاه الدور الذي ينتظر السبطين الشهيدين صلوات الله وسلامه عليهما ، والتي تمثل الضمانات الكافية ، والحصانة القوية لضمير الأمة ضد كل تمويه او تشويه ـ هذه الشواهد ـ كثيرة جداً لا مجال لا ستقصائها ، ولكننا نؤكد بالإضافة الى ما تقدم على الأمور التالية :
ألف : العاطفة قد تعني موقفاً :
لقد كان الإمام الحسن عليهالسلام أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه
__________________
= عن سبب ذلك فقال : « أتاني البشير بصلح الحسن وانقياده ، فذكرت قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إن ابني هذا سيد أهل الجنة ، وسيصلح له بين فئتين عظيمتين من المؤمنين ، فالحمد لله الذي جعل فئتي إحدى الفئتين » انتهى.
وآله وسلم ... (١) بل لقد بلغ من حبه صلىاللهعليهوآلهوسلم له ولأخيه عليهماالسلام : أنه يقطع خطبته في المسجد ، وينزل عن المنبر ليحتضنهما ، بالإضافة الى بعض ما تقدم وما سيأتي من النصوص الكثيرة ، والتي ذكرنا بعضها ، حيث لا مجال لتتبعها جميعاً في عجالة كهذه ..
والكل يعلم : أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن ينطلق في مواقفه ، وكل أفعاله وتروكه من منطلق المصالح ، أو الأهواء الشخصية ، ولا بتأثير من النزعات والعواطف ، وإنما كان صلى عليه وآله فانياً في الله بكل وجوده ، وبكل عواطفه وأحاسيسه ، وبكل ما يملك من فكر ، ومن طاقات ومواهب ، فهو صلىاللهعليهوآلهوسلم من الله سبحانه كان ، ومن أجل دينه ورسالته يعيش ، وعلى طريق حبه ، وحال اللقاء معه يموت .. فالله سبحانه هو البداية ، وهو الاستمرار ، وهو النهاية .. الأمر الذي يعني : أن كل موقف لا يكون خطوة على طريق خدمة دين الله ، وإعلاء كلمته ، لا يمكن أن يصدر عنه ، أياً كان نوعه ، ومهما كان حجمه.
ولكن ذلك لا يعني أبداً : أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن يملك العواطف البشرية ، والأحاسيس الطبيعية ، ولا يمنحها قسطها الطبيعي في مجال التأثير الإيجابي في الحياة ، أو حتى الاستفادة المباحة منها.
وإنما نريد أن نقول : إنه حينما يتخذ ذلك التأثير العاطفي صفة الموقف ، بإعطائه صفة العلنية ، ويصبح واضحاً : أن ثمة إصراراً أكيداً على إبرازه وإظهاره للملأ العام ، وحتى على المنبر أحياناً ، فلابد أن يكون ذلك في خدمة الرسالة ، وعلى طريق الهدف الأسمى.
بل .. وحتى على صعيد منحه صلىاللهعليهوآلهوسلم أحاسيسه وعواطفه قسطها الطبيعي في التأثير في مجاله الشخصي البحت .. فإنه سيحولها إلى عبادة زاخرة بالعطاء ، غنية بالمواهب ، تمنحه المزيد من الطاقة ، وتؤثر المزيد من
__________________
١ ـ نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٢٣ ـ ٢٥.
القرب من الله سبحانه وتعالى ..
نعم .. وان هذا الذي ذكرناه هو الذي يفسر لنا ذلك القدر الهائل من النصوص والآثار ، التي وردت عنه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله تجاه العلاقة التي تربطه بالحسنين صلوات الله وسلامه عليهما ، مثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بالنسبة للإمام الحسن عليهالسلام : اللهم إن هذا ابني وأنا أحبُّه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه (١).
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أحب أهل بيتي إليَّ : الحسن والحسين .. إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة جداً (٢).
فإن هذا الموقف المتميز من الحسنين عليهماالسلام ، وتلك الرعاية الفريدة لهما زاخرة ولا شك بالعديد من الدلالات والإشارات الهامة حستما ألمحنا إليه ..
ولنا أن نخص بالذكر هنا .. موقف ، ومبادرات ، وأقوال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حين ولادتهما عليهماالسلام ، فنجده حين ولادة الإمام الحسن عليهالسلام يأتي إلى بيت الزهراء صلوات الله وسلامه عليها ن ويقول : « يا أسماء هاتي ابني » ، أو « هلمي ابني » (٣).
__________________
١ ـ تهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢٠٥ و ٢٠٦ و٢٠٧ والغدير ج ٧ ص ١٢٤.
٢ ـ راجع الكثير من هذه النصوص في تهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢٠٥ ـ ٢٠٧ و ٢١٠ ، والغدير ج ٧ ص ١٢٤ ـ ١٢٩ و ج ١٠ وسيرتنا وسنتنا ص ١١ ـ ١٥ ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ، وفرائد السمطين ، وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٤١ وتاريخ الخلفاء ص ١٨٩.
وترحمة الحسن ، وترجمة الحسين من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ، والفصول المهمة للمالكي ، وترجمة الإمام الحسن عليهالسلام من أنساب الأشراف ، ونور الأبصار ، والصواعق المحرقة ، والبحار ج ٤٤ و ٤٣ والإرشاد للمفيد ، وأسد الغابة ، والإصابة ، والاستيعاب ترجمة الحسنين عليهماالسلام ، وحياة الحسن عليهالسلام للقرشي ، وغير ذلك من المصادر التي تقدمت وستأتي.
٣ ـ راجع البحار ، ترجمة الإمام الحسن عليهالسلام. وغير ذلك من المصادر التي تقدمت في الحاشية السابقة.
ثم إنه لم يكن ليسبق ربه في تسمية المولود الجديد ، فينزل الوحي لينبئه عن الخالق الحكيم قوله له : « سمه حسناً » .. ثم يعق عنه بكبش .. ويتولى بنفسه حلق شعره ، والتصدق بزنته فضة ، وطلي رأسه بالخلوق بيده المباركة .. وقطع سرته .. إلى آخر ما هنالك مما جاء عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الواقعة (١).
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أسماء هاتي ابني .. وذلك في أول يوم من عمر الإمام الحسن عليهالسلام له مغزى عميق ، وهدف بعيد ، سنلمح إليه في الفترة التالية إن شاء الله تعالى.
ب ـ قضية المباهلة :
ومما يدخل في الحياة السياسية للإمام الحسن عليهالسلام في عهد جده النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم قضية المباهلة.
ويرجح العلامة الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه ، أن هذه القضية قد كانت في سنة ست من الهجرة ، أو قبلها (٢).
ومجملها :
ان علماء نصارى نجران وفدوا على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وناظروه في عيسى ، فأقام عليهم الحجة .. فلم يقبلوا .. ثم اتفقوا على المباهلة (٣) أمام الله ، فيجعلوا لعنة الله الخالدة ، وعذابه المعجل على الكاذبين
__________________
١ ـ تاريخ الخميس ج ١ ص ٤١٨ ، والإمام الحسن بن علي ، لآل ياسين ص ١٦ و ١٧ وحياة الحسن عليهالسلام للقرشي ج ١ ص ٢٤ حتى ص ٢٨ عن بعض المصادر والمصادر المتقدمة في الحاشية ما قبل السابقة ، وفير ذلك مما سيأتي مما يتعرض لترجمة الإمام الحسن عليهالسلام.
٢ ـ تفسير الميزان ج ٣ ص ٣٦٨.
٣ ـ من البهلة ، وهي اللعنة ، ثم كثر استعمال الابتهال في المسألة والدعاء ،
=
قال تعالى : ( إنَّ مَثَلَ عيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ. الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ، فَلاَ تَكُنْ مِنَ المُمْتَرينَ. فَمَنْ حاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ العِلمِ ، فَقُلْ : تَعَالُوا ، نَدْعُ أَبنَاءَنَا وَأَبْنَاءكُمْ ، وُنِسَاءنَا وِنسَاءكُمْ ، وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ، ثمَّ نَبتَهِل ، فَنَجعل لَعنَةَ اللهِ عَلَى الكاذِبين ) (١).
فلما رجعوا الى منازلهم قال رؤساؤهم ، السيد ، والعاقب ، والأهتم : إن باهلنا بقومه باهلناه : فإنه ليس نبياً ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصة لم نباهله ، فإنه لايُقدِمُ الى أهل بيته إلا وهو صادق.
وفي اليوم المحدد خرج إليهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعه علي ، وفاطمة ، والحسنان عليهمالسلام ، فسألوا عنهم ، فقيل لهم : هذا ابن عمه ، ووصيه ، وختنه علي بن أبي طالب ، وهذه ابيته فاطمة ، وهذان ابناه الحسن والحسين ، ففرِقوا : فقالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة. فصالحهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على الجزية ، وانصرفوا ..
هذه خلاصة ما ذكره القمي رحمهالله في تفسيره.
وفي بعض النصوص أنهم قالوا له : لم لا تباهلنا بأهل الكرامة والكبر ، وأهل الشارة ممن أمن بك واتبعك؟! فقا صلىاللهعليهوآلهوسلم : أجل ، أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض ، وأفضل الخلق.
ثم تذكر الرواية قول الأسقف لأصحابه : « أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله .. إلى أن قال : أفلا ترون الشمس قد تغير لونها ، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة ، والريح تهب هائجة سوداء ، حمراء ، وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان؟! لقد أطلَّ علينا العذاب! انظروا إلى الطير وهي تقيء حواصلها ، وإلى الشجر كيف يتساقط أوراقها ،
__________________
= إذا كان إلحاح.
١ ـ آل عمران : ٥٩ ـ ٦١.