تفسير ابن عرفة - ج ٤

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي

تفسير ابن عرفة - ج ٤

المؤلف:

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي


المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-5181-9

الصفحات: ٣٩٩

غير تام ؛ لأن رتبة الفاعل التقديم وقد قدمته ؛ فهذا لا يجوز ؛ بخلاف ما ضرب إلا عمرا زيد فإن الفاعل مقدم في المعنى فقد استثنيت من كلام تام في المعنى.

قوله تعالى : (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى).

تحتمل عود الضمير على سفر وتخصيص البشر بالذكر ؛ لأنهم أكثر تأثرا في عذاب النار ، لأن الجن منها هنا خلق والملائكة زبانيتها.

قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ).

فسر في الأول بإذ ، وفي الثاني بإذا مع أن فعل القسم والشرط الأصل فيهما الاستقبال ؛ لأن زمان الماضي متقدم على المستقبل ، والإدبار اعتبار ماض أو مستلزم لأن الإسفار هو أول النهار ، والإدبار في آخر الليل ، وأورد الزمخشري في قوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) [سورة الشمس : ١ : ٢] سؤالا ترد مثله هنا ، والجواب كالجواب ، قال : إن جعلت الواو للقسم خالفت مذهب سيبويه والخليل ، وإن جعلتها عاطفة وقعت في العطف على عاملين وهو فعل القسم والعامل في إذا ، وأجاب بأن الواو نابت مناب فعل القسم وهو في إذا.

قوله تعالى : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ).

هذا خبر في معنى الأمر الوارد للتهديد ؛ لأنها إنذار لمن شاء الإيمان إن لم نؤمن.

قوله تعالى : (بِما كَسَبَتْ).

إن كان قيدا في المبتدأ فلا تخصيص ، وإن كان قيدا في الخبر فيكون العموم مخصوصا بالأنبياء والشهداء.

قوله تعالى : (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ).

يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة باعتبار تعذيبهم للمنافي الدار الآخرة ، كما أكثر الأصوليون ، واشتمل كلامهم على نفي وإثبات ، فقوله (فَما تَنْفَعُهُمْ) راجع للنفي ، وقوله (فَما لَهُمْ) راجع للإثبات.

قوله تعالى : (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ).

يدل على إبطال الكفر عنادا لا أن المعاند من يحصل له اليقين ، ودلت الآية أن ذلك إنما يحصل لهم في الدار الآخرة.

قوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ).

٣٢١

مفهومه أن المؤمنين تنفعهم أو يكون مثل" على لاحب" ، فإن قلت : هلا قيل : فلا شافع لهم فهو أبلغ وأعم ، قلت : هو تنبيه على حرمانهم من قبول الشفاعة فيهم مع قبولها في المؤمنين فإن قلت : هذا فعل في سياق النفي فهو عام ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن شفاعته نفعت أبا طالب ، قلت : إنما الشفاعة في زوال ما وقع ، وقد حصل تخفيف عذاب أبي طالب قبل الشفاعة ، وهذه ... (١) على المعتزلة النافين للشفاعة ، وحمله الزمخشري على رفع الدرجات جريا على مذهبه وهو باطل ؛ لا أن الكفار لم يثبت لهم دخول الجنة فزعا عن أن ننفي عنهم رفع الدرجات فيها.

قوله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ).

المراد بالتذكر الاعتبار لا النسيان فتدل على وجوب النظر لذمهم على تركه.

قوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ).

لما شبههم بالحمر أو أنهم إذا نفذوا الأمر خافوه كالحمر فنفي هذا التوهم.

قوله تعالى : (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).

الزمخشري : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي إلا أن يقرهم على الذكر ويلجئهم إليه ؛ لأنهم مطبوع على قلوبهم معلوم أنهم لا يؤمنون اختيارا ، انتهى.

كأنه يقول : إلا أن يشاء الله ذكركم واعتباركم مشيئة فسروا لها وهذا من ضعفهم في أصول الدين ؛ لأن مذهب المعتزلة أن العبد يخلق أفعاله ويستقل بها وهم يوافقونا في أن الداعي مخلوق لله ؛ إذ لو كان مخلوق للعبد لاحتاج إلى داع ويلزم التسلسل ، ولذلك يقولون : لو لا العلم والداعي لصح الاعتزال ، وتم له سبب [...] تفرق بين الفعل وبين الداعي للفعل ، وبين الحركة والداعي لها ، ومعنى قولهم : القسر والإلجاء أن شرب الإنسان الشراب اللذيذ الطيب من فعله واختياره ، وشراب المؤمنين الشراب الكريه الطعم بالقسر والإلجاء ، ففسره على مذهبه الباطل في خلق الأفعال ، ولا يحتاج إلى ذلك ولو أبقاه على ظاهره ، فقال معناه : إلا أن يشاء الله مشيئتكم لصح عندنا أو عندهم لأنه يرجع إلى خلق الداعي وإن فسرناه نحن بالأفعال فنقول معناه إلا أن يشاء ذكركم إلا أن يخلق الله في قلوبكم الذكر والاعتبار فتؤمنوا ، والخطاب لهم باعتبار من لم يؤمن ؛ لأن بعضهم آمن بعد نزول هذه الآية.

__________________

(١) طمس في المخطوطة.

٣٢٢

سورة القيامة

قوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ).

الزمخشري : (بَلْ يُرِيدُ) عطف على (أَيَحْسَبُ) فهو إما مثله استفهام ، وإما أن يجاب على أن يضرب عن مستفهم عنه إلى آخر ، أو يضرب عن مستفهم عنه إلى موجب ، انتهى.

فقل : المعنى بل أيريد أو بل يريد ، ويتعقب بأنه جعلها عاطفة مع مماثلة ما بعدها لما قبلها في الاستفهام ، وقد نصوا على أن بل من الحروف المشركة في .... (١) لا في المعنى ، فإن قلت : هو استفهام في معنى النفي فيرجع إلى مسألة سيبويه والمبرد وهي : ما قام زيد بل عمرو معناه عند سيبويه : بل قام عمرو ، وعند المبرد : بل قام عمرو ، قلت : ما معنى التشريك إلا أن الحكم المسند للأول أبطل عنه وحكم به للثاني من نفي أو إثبات ، وهذه الآية ليس المراد فيها إبطال الأول ؛ مثل الجمع بين الاستفهام عن الأول والثاني في الاستفهام.

قوله تعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ).

أي شاهد عليها ، وهو من باب التجريد ، أو يراد بالإنسان العقل ، يعني أن العقل يشهد على النفس ، ويصح كون بصيرة مبتدأ ، وعلى نفسه خبر إلا أن بصيرة خبر الإنسان كما جعله الزمخشري ، لكن يرد على ما قلناه أن يكون مدلول هذه الجملة كمدلول التي قبلها ؛ لأن يعني كون على نفس الإنسان بصيرة رقيب فلا بد أن ينبه بما عمل ، وعلى قول الزمخشري يكون تأسيسا وهو أولى.

قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ).

فيه دليل على أن القول بأن النهي عن الشيء أمر لضدّه ، وأن السكون أمر عدمي مما لا يجتمعان ، فإنهم اختلفوا أهل السكون عدمي أو وجودي ، وهل متعلق النهي الترك أو فعل الصلاة ، فإن قلت : هلا قيل : لا تحرك به شفتيك كما في أول البخاري ، عن ابن عباس : كان رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم يعالج من التنزيل شدة وكان مما يحرك به شفتيه ، فالجواب أن اللعاب أكثر مرادفا من الشفتين ، قال تعالى (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) [سورة الروم : ٢٢].

قوله تعالى : (لِتَعْجَلَ بِهِ).

__________________

(١) طمس في المخطوطة.

٣٢٣

هذا نهي تعليل ، مثل : لا تشرب الخمر لتسلم من العقوبة ، فالنهي معجل باستعجال الحفظ ، قال الفخر : احتج بها من [...] [٨٢ / ٤٠٩] وقوع الشعائر من الأنبياء ، وأجاب عنه بجواب ضعيف ، وإنما الجواب أنه نهى عن الاتصاف بالمرجوح دون الأرجح باعتبار الانتقال من مقام إلى مقام أعلى منه ؛ لأن في المقام الأول [..] بوجه.

قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْناهُ).

أي قرأه جبريل.

قوله تعالى : (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ).

فإن قلت : ما ضد المحبة إلا الكراهة ، وما ضد الترك إلا الفعل ، فالجواب أنه من حذف التقابل أي تحبون العاجلة وتقبلون عليها وتكرهون الآخرة وتذرونها.

قوله تعالى : (وُجُوهٌ).

فسر الزمخشري الوجه هنا بالذات وهو من مجاز تسمية الكل باسم الجزء ، ويدل على ذلك قوله (تَظُنُ) لأن الظن من أعمال القلوب.

قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ).

أي يوم إذ تحضر الآخرة أو يوم ينبأ الإنسان.

قوله تعالى : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ).

إن قلت : يرد على قولهم : الوجود مصحح للرؤية أن الوجود ، إن قلنا : إنه نفس الموجود لزم إيجاب الشيء لنفسه وتصحيحه نفسه وهو باطل ، وإن قلنا : إنه غيره فيرجع إلى القول بالحال والحال لا توجب بغيرها حكما بوجه ، فالجواب من وجهين :

الأول : جدلي من باب المعارضة وهو أنه يلزم مثله في الإمكان ، فإنه إذا قام بشيء وجب له التسمية فيمكن فيلزم إيجاب الشيء لنفسه ؛ لأن الإمكان للجوهر صفة نفيسة.

الثاني : حقيقي وهو أن الوجود دليل على صحة الرؤية لا أنه موجب لصحتها ، فإن قلت : لا معنى لمعارضة هذا بالإمكان لأنا كذلك نعارضه بالتخيير للجوهر فإنه صفة نفسية له ، قلت : الإمكان علة في وجود الممكن ؛ بخلاف التخير فإنه ليس علة فما كل الصفات يعلل بها.

قوله تعالى : (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ).

٣٢٤

يدل على أن النفوس بعد مفارقتها الأجسام لا تنعدم بل تنتقل من حالة إلى حالة إذ لو كانت تنعدم لما أطلق عليها المفارقة.

قوله تعالى : (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ).

يحتمل أن يريد عموم المقاربة والزوجة فقط كما هو المراد في قول في المسافر : يمر ببلد فيها أهله أنه يقيم الصلاة ولا [...] خصص ذلك بالأهل إشارة إلى تكرره عنه.

قوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى).

كان الفقيه أبو زكريا يحيى بن نوح البقريني يقول : إن ذلك باعتبار الأزمنة ، أي أولى الهلاك في الدنيا ؛ فأولى لك الهلاك في القبر في زمن البرزخ ، ثم أولى الهلاك يوم القيامة في الحشر ؛ فأولى لك الهلاك حين دخوله النار ، والأولان قرينتان متعاقبتان فعطفا بالفاء ، ولما كان بين نزول القبر ويوم القيامة زمنا طويلا بقوله : ثم ، وقيل : هو لف ونشر ؛ لأنه تقدمت أربعة أمور اثنان فيها في قوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) وهما متباينان فلذلك كرر فيها لا ، والثالث قوله (وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) وهما كالشيء الواحد فلذلك عطفه بالواو فقط ، والرابع (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) فقابلنا بأربع بكل واحدة منها هلاك علتها يخصها ، وعلى قول ابن حبيب في أن تارك الصلاة كافر يكون تولى فلا صدق ولا صلى شيئا واحدا أي فلا صدق بالنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم.

قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ).

[.....] على الظن ليفيد التوبيخ على العلم من باب آخر ولم يذكر الشك ؛ لأن الأغلب في الناس هو ذلك لا الشك ، والإنسان إما للعهد وهو أبو جهل أو للجليس المطلق فلا يحتاج إلى التخصيص أو للعموم فيكون مخصوصا.

قوله تعالى : (أَنْ يُتْرَكَ سُدىً).

أن يعمل في الدنيا من التكاليف ، وفي الآخرة من المجازاة ، قلنا : وفي الآية دليل على أصل ذلك ، وهو جواز الإعادة مع المعجزات الواردة من الرسل واعتبارهم بوقوعها فينتج وجوها ، ولا يصح أن يكون ذلك على وجوب الإعادة على مذهب الحكماء والمعتزلة القائلين بالتحسين والتقبيح ، وأن ترك الإنسان سدى قبيح ، ووجه الدليل منها أن خلقه وتطويره على هذه الحالة ينتج اعتقاد جواز إعادته ، وهذه الآية ليست من أول ما نزل بل إما نزل بعد [...] المعجزات والإخبار بالرسل بوقوع الإعادة في الدار الآخرة فينتج القطع بوجوبها شرعا في مذهب أهل السنة لا عقلا.

٣٢٥

قوله تعالى : (ثُمَّ كانَ عَلَقَةً).

قول ابن عطية في هذه القطعة من الدم خطأ إذ لا خلاف أن الأمة إذا وضعت منه دما [...] ، فقال ابن القاسم : تكون أم ولده ولم يرد أشهب ، ... والمسئلة في كتاب الاستبراء من المدونة وعطف هنا بثم للمهلة المعنوية بين النطفة والعلقة ، وفي قد أفلح عطفه بالفاء نظر إلى الحالة إذ لا صلة في ذلك ، وآدم وغيره أخل في ذلك هو إما عيني فيحتمل الدخول وإما لا ؛ لأن قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [سورة آل عمران : ٥٩] حمله جماعه إما حال من عيسى فيكون مخلوقا من التراب ، أو من آدم ويكون عيسى مخلوقا من نطفة ، وخلقه الله تعالى في رحم مريم كما خلقها في ظهر الرجال ونقلها إلى أرحام النساء.

قوله تعالى : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ).

رد على الطبائعية إذ لو كان بالطبيعة لكان الخلق صنعا واحدا.

قوله تعالى : (الْمَوْتى).

الألف واللام إما للجنس فتدخل البهائم والحشرات ، وإما للعهد فلا تدخل.

٣٢٦

سورة الإنسان

قوله تعالى : (هَلْ).

ابن هشام : هل تأتي بمعنى قد وذلك مع الفعل ؛ وبه فسر قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) جماعة منهم ابن عباس رضي الله عنهما ، والكسائي ، والفراء ، والمبرد ، قال في مقتضبه : هل للاستفهام نحو هل جاء زيد ويكون بمنزلة قد ، نحو قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ).

وبالغ الزمخشري فزعم أنها أبدأ بمعنى قد ، وأن الاستفهام إنما هو مستفاد من همزة مقدرة معها ، ونقله في المفصل عن سيبويه أن هل بمعنى قد إلا أنهم تركوا الألف قبلها لأنها لا تقع إلا في الاستفهام وقد جاء وهو لهما عليه في قوله : " أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم" ، ولو كان كما ذكر لم تدخل إلا على الفعل كقد إذ لم أتى في كتب سيبويه ما نقله عنه إنما قال في باب عده ما يكون عليه الكلام ما نصه ، وهل هي للاستفهام؟ لم نرد على ذلك ، وقال الزمخشري في كشافه : (هَلْ أَتى) قد أتى على معنى التقدير والتقريب جميعا ؛ أي أتى على الإنسان قبل بزمان قريب طائفة من الزمان الطوال لمن ولم يكن فيه شيئا مذكورا على شيئا منسيا نطفه في الإقلاب ، والمراد بالإنسان الجنس بدليل (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) ، انتهى. وفسرها غيره بقد خاصة ولم يحملوا قد على معنى التقريب ، وقال بعضهم : معناه التوقع وكأنه قيل لقوم يتوقعون الخبر عن ما أتى الإنسان ، وهو آدم عليه‌السلام ، قال : والخبر من كونه طينا ، وفي تسهيل ابن مالك : الآيتين [...] هل لقد إذا دخل عليها الهمزة بمعنى كما في البيت ومفهومه أنها لا تتعين لذلك إذا لم تدخل عليها ؛ بل قد تأتي لذلك كما في الآية ، وقد لا تأتي لم ، وقد عكس كونهم ، قاله الزمخشري فزعموا أن مثل هل لا تأتي بمعنى قد مثلا وهذا هو الصواب عندي أن لا يتمسك لمن أثبت ذلك لأحد ثلاثة أمور أحدهما : تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ولعلمه إنما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير وليس باستفهام حقيقي ، وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين ، فقال بعضهم : هل هنا للاستفهام التقريري والمقرر به من أنكر البعث ، وقد علم أنهم يقولون : نعم قد مضى دهر طويل والإنسان فيه ، فيقال لهم : فالذي أحدث الناس بعد أن يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم ، وهو معنى قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى) [سورة الواقعة : ٦٢] أن من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن قادرا على إعادته بعد موته ، انتهى ، وقال آخر : مثل ذلك إلا أنه فسر الحين بزمن التطوير في الرحم ، فقال : المعنى ألم يأت على الناس حينا من الدهر كانوا نطفا ثم علقا ثم مضغة إلى أن صاروا

٣٢٧

شيئا مذكورا ، وكذا قال الزجاج إلا أنه حمل الإنسان على آدم عليه‌السلام ، فقال : المعنى ألم يأت على الإنسان حين من الدهر كان فيه ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح ، انتهى ، وقال بعضهم : لا تكون هل للاستفهام التقريري وإنما ذلك من خصائص الهمزة ، وليس كما قال ، وذكر جماعة من النحويين أن هل بمنزلة إن في إفادة التأكيد والتحقيق ، وحملوا على ذلك : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) [سورة الفجر : ٥] قدروه جوابا للقسم ، وهو بعيد ، والدليل الثاني : قول سيبويه وقد مضى أنه لم يقل ذلك ، والثالث : دخول الهمزة على مثلها في البيت والحرف لا يدخل على مثله في المعنى ، وقد رأيت عن السيرافي أن الرواية الصحيحة أم هل دام هذه منقطعة؟ [٨٢ / ٤١٠] بمعنى بل ، فلا دليل وبتقدير ثبوت ذلك الرواية فالبيت شاذ فيمكن تخريجه على أنه من الجمع بين حرفين لمعنى واحد على سبيل التوكيد كقوله : هؤلاء للانتماء بهم [.....] الذي في ذلك البيت أممثل لاختلاف اللفظين ، وكون أحدهما على حرفين ، كقوله :

فأصبحن لا يسألنه عن ما به أصعّد في علو الهوى أم تصوبا.

قوله تعالى : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).

فيه سؤال : وهو ما السر في العدول عن صريح المقابلة ، فيقال : إما شاكرا وإما كفورا ، ويقال : إما شكورا وإما كفورا؟ والجواب : أنه من حذف التقابل حذف شكورا لدلالة كفورا عليه ، وحذف كافر لدلالة شاكر ، والقسمة الممكنة باعتبار التقابل أربعة : شكور كفور ، شاكر كافر ، شاكر كفور ، شكور كافر.

قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ).

إن قلت : لم عبر في ذكر تعذيب الكفار بالإعداد ، ولم يقل في ذكر تنعيم المؤمنين : إنا اعتدنا للأبرار شرابا؟ فالجواب : أن اعتداد العذاب للمعذب أشد عليه ؛ لأن انتظار العذاب أشد من حصوله ، ولو ذكر في تنعيم المؤمنين لتألموا بعدم تعجيله مع أن الإنعام على إنسان بما لم يسبق له شعور أكمل مما سبق له شعور.

قوله تعالى : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً).

إن كانت إنما قوله (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ) للحصر فهذا تأكيد وإلا فهو تأسيس ، ويدل على أن إرادة وجه الله وإرادة الشكر والجزاء الآن لا [...] ، فإن قوله في المدونة في السلم الأول : إن أسلمت ثوبا فسطاطيا في ثوب فسطاطي إلى أجل فهو قرض ؛ فإن

٣٢٨

ابتغيت نفع الذي أقرضته جاز ، وإن ابتغيت به نفسك يظل السلم ، وقالوا في إرادتهما هما نفس المعاملة الآدمية فأحرا معاملة الخالق.

قوله تعالى : (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً).

إن قلت : لا يلزم من عدم الرؤية عدم الوجود ؛ والآية إنما سيقت لبيان عدم وجود ذلك كما قال الزمخشري ، قلت : المقصود بيان تعديد النعم عليهم وعدم تألمهم بما ذكر ، فالمعنى : لا ترون فيها نحو فمتأخر شمس كما يرونه في الدنيا مؤلما.

قوله تعالى : (كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً).

استدلال الزمخشري ببيت الأعشى على كون الزنجبيل مستطابا عند الغرب ، يرد بأن الآية مكية ، والأعشى متأخر عنها ، فيكون سمع الآية فأخذ هنا كونه مستطابا ، والأعشى مات كافرا ، وإنما يصح الاستدلال لو كان البيت لغيره سابقا على الآية.

قوله تعالى : (أَوْ كَفُوراً).

نقل الطيبي في سورة الأنعام عن ابن الحاجب أن أو هذه بمعناها وهو أحد الأمرين ، وإنما جاء التعميم من النهي الذي فيه معنى البغي ؛ لأن المعنى قبل وجود النهي تطلع منهم آثما أو كفورا أي واحدا منهما ، فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا في المعنى فيصير المعنى ، ولا تطلع واحدا منهما فيجيء التعميم من وجه النهي الداخل بخلاف الإثبات ، قال الطيبي : وهو معنى دقيق حسن.

قوله تعالى : (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً).

هل معناه زمنا طويلا ، أو المراد الليل الطويل من الليالي ، وكان بعضهم يتحرى أطول ليل في العام فيقومه ذهبا لهذين الاحتمالين.

قوله تعالى : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ).

راجع لقوله تعالى : (حَكِيماً).

قوله تعالى : (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ).

راجع لقوله تعالى : (عَلِيماً) فهو لف ونشر.

٣٢٩

سورة المرسلات

قوله تعالى : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً).

قيل : الرياح ، وقيل : الملائكة ، وهو على هذا صفة ولا يصح حذف الموصوف ، وإبقاء صفة إلا بدليل إما اشتهار الأسماء أو معلومية الموصوف ، أو نحو ذلك ، وليس ذلك هنا إلا دليل على إرادة الرياح والملائكة ، والجواب : بأحد أمرين : إما بكون الملائكة من نوع ما يرسل ، وصار ذلك معلوما ؛ فلذلك حذف ، لكن الرياح ليست من نوع ما يرسل ، وإما بأن المقصود من الكلام في دلالته ، أما الموصوف فلا يجوز حذفه وإبقاء الصفة فيجوز ، والكلام هنا في الثاني ؛ أعني أن المقصود الصفة فلذلك اعتنى بذكرها دون الموصوف ، فإن قلت : كيف يصح تفسير المرسلات بما لم يرد فيه حديث ولا أثر ، قلت : يصح حمل ألفاظ القرآن على مدلولها لغة ما لم يعارض معارض.

قوله تعالى : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ).

ما ورد به الزمخشري هنا على الشاعر صحيح ؛ لأن الشاعر قد ألف في معارضة القرآن و .... (١) البيت الذي ذكره ، وزعم أنه أتى بأبلغ من تشبيه الآية ، ولم يدر أن تشبيه الآية أبلغ من حيث اشتماله على ... (٢) ، وأن في قوله : (كَأَنَّهُ) وفي البيت الكاف فقط ، وقد تقرر أن قولنا : زيد كأنه الأسد أبلغ من قولنا : زيد كالأسد.

سورة عم

قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً).

أخذ منه صحة صلاة العريان في الظلمة.

قوله تعالى : (كانَ مِيقاتاً).

الوقت أخص من الزمان الواقع فيه مظروفه.

قوله تعالى : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ).

عبر عن النفخ بالمضارع ، ثم قال (وَفُتِحَتِ وَسُيِّرَتِ) بالماضي ؛ لأن النفخ يتجدد شيئا بعد شيء ، قال : ثم نفخ فيه أخرى وهي ثلاث نفخات ، والنفخ والسير يقع دافعة.

__________________

(١) طمس في المخطوطة.

(٢) طمس في المخطوطة.

٣٣٠

قوله تعالى : (وَكَواعِبَ أَتْراباً).

فيه سؤال تقرير أن عندنا قاعدتين ظرفية وبيانية ؛ أما البيانية ، فقالوا : إن الكلام المشتمل على أساليب يزداد تفننا وحسنا ، وإما ظرفية فتقتضي أن دوام التماثلات كالمتخلفات في الاستماع ، قلت : وجوابه أن الآية لم تدل على الحصر بل هذا بعض ما ينعمون به ، ولهم أنواع أخر من النعيم.

سورة النازعات

تأمل سر العدول عن صريح المطابقة اللفظية في التأكيد بالمصادر في (وَالنَّاشِطاتِ وَالسَّابِحاتِ فَالسَّابِقاتِ) دون (وَالنَّازِعاتِ) فلم يقل : والنازعات نزعا.

قوله تعالى : (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ).

فيه سؤالان : الأول : ما السر في التعبير عن المقول ثانيها بقالوا بصيغة الماضي ، بخلاف ما قبله؟

الثاني : ما وجه تكرير لفظ القول؟

وجواب الأول : أن المقول له حالتان : تارة يعبر عنه من حيث وقوعه متجردا شيئا فشيئا ، وتارة باعتباره وصيرورتهم عظاما ليس دفعة بل شيئا فشيئا فأثبته المضارع وحالهم في الرجعة والكرة المنكرة لديهم دفعة واحدة فجعل كالواقع فأشبه الماضي.

وجواب الثاني : أنه لما كان المقول الثاني في غاية الشناعة أطنب فيه.

قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى).

الظاهر أن هذا أول ما أنزل من قصص موسى ؛ لأن السورة مكية ، وانظر [...] ما سرّ التعبير بالحديث دون النية.

سورة الأعمى

فيها دليل لنمط ما استدل ابن الحاجب في مسألة اجتهاده عليه‌السلام بعفا الله عنك ، وما أخذه ابن عطية من لفظ الإعماء لا يصح ؛ لأن هذا من الله لا يقاس عليه ، وبعض كلام الزمخشري هنا غير حسن.

قوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ).

٣٣١

خرج ابن خروف في أوائل شرح سيبويه أن مثل هذا في القرآن لا يجوز أن يكون دعاء.

قوله تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ).

بعض هذه الأمور الستة متكررة منعكسة.

قوله تعالى : (الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ).

إن جعل الفجرة منه لما صدق عليه الكفرة ، يكون التقسيم غير مستوف ؛ لأن [......] قسم ثالث ، وإن جعل غير تابع للكفرة كان مستوفيا.

سورة التكوير

أكثر ما ذكر في المكي الوعد والوعيد وبراهين الحشر والنشر ، وما أشبه ذلك ؛ لأنه نزل بعد نزول كثير من الأحكام في المدني ، وتقرر أيضا في السنة ، وما نقض به ابن الحاجب على الزمخشري فلا أقسم بالجنس لا يتعين ؛ لأن للزمخشري أن يقول قوله (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) وما بعده ، هذا أول القسم ؛ لأن قوله (فَلا أُقْسِمُ) حتى يلزم منه إظهار فعل القسم ، ويتم جواب الزمخشري ؛ لأنه ليس في (وَاللَّيْلِ) إلى آخره إظهار فعل القسم مع الواو.

سورة الانفطار

قوله تعالى : (كِراماً كاتِبِينَ).

انظر ما ذكره ابن التلمساني في أول مسألة من الباب الخامس من شرح المعالم اللدنية ، نقل عن بعض الحكماء أن الإنسان هو ذو القوة الفكرية ، وعن بعضهم أنه الحيوان الناطق [٨٢ / ٤١١] ونقض بدخول الجن والملائكة فزاد الكاتب فرده ابن التلمساني بهذه الآية ، وانظر هل الحفظة متجددون أو متعددون.

قوله تعالى : (ما تَفْعَلُونَ).

العمل أعم من الفعل.

قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ).

في الآية حذف التقابل ؛ لأنه ذكر في القسم الأول ما يحصل لهم دون محله ، وفي القسم الثاني العكس.

٣٣٢

سورة المطففين

قوله تعالى : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ).

إن قلت : لم عدل عن المناسبة اللفظية ؛ لأن نضرة النعيم مدركة بحاسة البصر ، قلت : لأن متعلق المعرفة أعم من كونه محسوسا أو معقولا ، فإن قلت : قوله تعالى : (فِي وُجُوهِهِمْ) تقتضي قصره على إدراك العين ، قلت : يكون بالوجوه الذوات ، فإن قلت : يلزم على هذا إضافة الشيء إلى نفسه ، قلت : لا يلزم ؛ لأن الضمير راجع إلى الأبرار ، وهو وصف عبر به عن الموضوع ، وعنوان الموضوع غير الموضوع ، ولا يمتنع صدق وصفين على ذات واحدة.

سورة الانشقاق

قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ).

ففي الآية حذف التقابل المعنى (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) ويجزى جنة وحريرا ، وأما من أوتي كتابه بشماله فسوف يحاسب حسابا كثيرا ويدعو ويصلى سعيرا ، والظاهر أن القسمة جاهرة.

سورة البروج

قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا).

انظر ابن خروف في باب اذن.

قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ).

حجة لأهل السنة ؛ لأنه في قوة كل مراد مفعول لكن ليشكل بالمعدوم الذي علم الله أنه لا يكون فاته مراد العدم وليس بمفعول ؛ أي فموجود حالة عدمه ؛ لأن متعلق القدرة الإيجاد والعدم ليس بإيجاد.

سورة الطارق

قال شيخنا ابن عرفة : رأيت بالديار المصرية كتابا في علم الهيئة ذكر فيه عن بعض الملوك أنه سأل جماعة من العلماء لم تظهر الكواكب بالليل دون النهار؟ فقالوا يحجبها شعاع الشمس وفي الليل تحول الأرض بينها وبين الشمس ، فقال : قد ثبت أن الشمس قدر الأرض أربعمائة مرة ونيف ، وجرم الصغير لا يحجب الكبير فيلزم على قاعدتهم

٣٣٣

أن الأرض إذا لم تمنع ضياء الشمس أن لا ترى النجوم بالليل ، قال شيخنا : والجواب أن هذا الظهور والإنحجاب إنما هو باعتبار الرائي لا المرئي ، ونحن في مخروط ظل الأرض فلا يدرك ما يخرج عنه ؛ لأن الخارج عنه من الشعاع مرافقنا عن أفقنا ، ومعلوم أن من هو في الظلام يرى من هو في الضوء ألا ترى أنا نرى بالليل النار البعيدة عنا ، ومن هو عندها لا يرانا ؛ فنظير الكلام الليل ؛ لأنا حينئذ في مخروط ظل الأرض فلذلك رأينا النجوم ، ولما كنا بالنهار في الضياء يمنعنا رؤية النجوم ، وإنما عبر بالطارق ؛ لأن النجوم تأتي في كل ليلة طروقا يطلع كل ليلة نجوم لم تطلع قبل ، وكان الشيخ الفقيه أبو العباس أحمد بن إدريس يقول : من نظر إلى جدي بنات نعش ، وقال أيضا (النَّجْمُ الثَّاقِبُ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) [سورة الطور : ٢٧] (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [سورة البقرة : ١٣٧] فإنه لا يلدغه عقرب ما بقي من عمره ، وإن لدغته لم تضره وذكر أنه جربه ، فصح.

قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ).

الحفظ مقول بالتشكيك ؛ فالمجنون محفوظ بأن يصاب بأكثر ... (١) ، أو المراد بالحفظ ما تضمن قوله تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) [سورة الانفطار : ١٠].

سورة سبح

قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى).

فيه سؤالان : الأول : الخلق صفة فعل حادثة ، والتقدير صفة فعل قديمة ؛ لأنها إما بمعنى قضائه أو بمعنى إرادته الشيء على صفة ما دعي سابقة على الخلق فلو أخرت ، والجواب : أن ذلك بالنسبة إلى الفاعل ، وأما بالنسبة إلى المخاطب فينظر أولا إلى المخلوق وصفته ، فيعتقد أن فعله كان عن إرادته.

وتقدير السؤال الثاني لم كرر الموصول في الخلق والتقدير ، ولم يكرره في التسوية والهداية ، والجواب : أنه أشار إلى قرب التسوية من الخلق والهداية من التقدير ، وقوله (خَلَقَ فَسَوَّى) إشارة إلى وقوع خلقه على وفق مراده فالأحدب خلق في أحسن تقويم لأن ذاته أتت على وفق ما قدره الخالق وأراده.

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

٣٣٤

سورة الغاشية

قوله تعالى : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً).

من باب نفي الشيء بنفي لازمه ؛ أي لا لغو فيها ، فيسمع مثل على لاحب لا يهتدى بمناره.

سورة الفجر

فسر بعضهم الشفع والوتر بمقدمتي القياس ونتيجته ، وأعرض بأنا نجد النتيجة غير وتر وهي نتيجة الشرط في الجزاء التام فإنها من كتبه.

سورة الليل

قوله تعالى : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى).

كون السعي شتى معلوم ، فالمقصود التهييج على العمل بدليل ما بعده.

سورة الضحى

قال ابن عرفة : فيه مناسبة قسم بالمقسم به ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي وقت الضحى ويصلي في جوف الليل.

قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) [سورة المزمل : ١ : ٢] فهما وقتان ثبت لهما الفضيلة.

قال الزمخشري : الأصل تقديم القسم بالضحى ؛ لأنها الساعة التي كلم الله فيها موسى وألقى السحرة فيها سجدا ، بقوله (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) [سورة طه : ٥٩] قال ابن عرفة : ويخرج من هذا الجواب عن سؤال مقدر وهو لأي شيء قدم الضحى على الليل مع أن الأصل تقديم الليل؟ ، وورد في صلاة الضحى أنها صلاة الأوابين ، والصلاة في جوف الليل فضلها بأن ورد في الصلاة آخر الليل أنها معهودة ، فقد قال تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) [سورة الإسراء : ٧٩] قال عياض في الشفاء : أقسم الله له وتعظيمه الأول القسم عما أخبر عنه ، وهذا من أخطر درجات النبوة.

الثاني : مكانته عنده بقوله (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) أي ما تركك وما أبغضك ، وقيل : ما أهملك بعد أن اصطفاك.

٣٣٥

الثالث : قوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) أي لك عندنا أعم مما أعطيت من كرامة الدنيا.

الرابع : قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) قال أبو إسحاق : فترضيته بالفلاح في الدنيا والثواب في الآخرة ، وقيل : يعطيه الحوض والشفاعة ، ولا يرضى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدخل أحد من أمته النار.

الخامس : ما عدده عليه من نعمه في آخر السورة.

السادس : أمره بإظهار نعمته عليه وشكر ما ما شرف به ، بقوله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) فإن من شكر الله على النعمة الحديث بها وهو خاص به عام لأمته ، قال ابن عرفة : فإن قلت : الترك أعم من الخصوص ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص ، فلو بدأ بنفي الأخص لكان تأسيسا فلم عدل عنه إلى التوكيد ، فالجواب أن التأكيد هنا أبلغ ؛ لأنه في مقام الاعتناء والتعظيم للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وتنزيه من الخصال الذميمة كلها.

قوله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى).

في تفسيره وجوه أحسنها ما قاله الزمخشري : من أباه مات وهو في بطن أمه في سادس شهر ، وماتت أمه وهو ابن ثمان سنين ، فكفله أبو طالب وذلك من نعم الله عليه ، قال ابن عطية : وقيل لجعفر الصادق : لم يتم النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم؟ ، فقال : لئلا يكون عليه حق للمخلوق ، قيل لابن عرفة : العصمة تمنع ذلك ، فقال : أجمع المسلمون على أن السلامة من التكليف أحسن من الدخول في عهدة التكليف وقضاؤه وقصارى العصمة إنما توجب اتصاف المعصوم بالكمال ولا توجب اتصافه بالأكمل احتمال.

وقيل : لئلا يكون عليه سبيل وحق للمخلوق ، ورده ابن عرفة بأن عمه كفله فيلزم أن يكون عليه الحق ، قال ابن عرفة : وأورد سؤالا فقالوا اليتيم ماض فهلا عبر عنه بالماضي [٨٣ / ٤١٦] لمن يشاء ، قال : وأما المتكلمون ، فقالوا : إن القرآن على ثلاثة أقسام ؛ قسم في جنات الله وما تجوز له وما لا تجوز ، وقسم [في] أمور الدنيا ، وقسم في أمور الآخرة ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) تضمنت القسم الأول فقط ، ولذلك سميت سورة الإخلاص إنما فجعلت أو خلصت من صفات الله ، وأما (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) [سورة الكافرون : ١] فيضاف إلى هذه الأقسام الثلاثة قسم رابع وهو أن التعبد لا يصح له الإخلاص حتى يتبرأ من كل معبود سوى الله ، و (قُلْ يا أَيُّهَا

٣٣٦

الْكافِرُونَ) ليس أكبر من البراءة ، وأما (إِذا زُلْزِلَتِ) [سورة الزلزلة : ١] فالقرآن يشتمل على أمور الدنيا وأمور الآخرة ، وهذه لم تتضمن غير أمر الآخرة فكلفت بعدل نصفه ، وانظر البيان والتحصيل لابن رشد في أول رسم التحريم عد حرفه من كتاب الصلاة الثاني ، وانظر العارضة لابن العربي والاعتناء من في كتاب.

سورة والعاديات ضبحا (١)(٢)

الظاهر أنها الإبل كما قال ابن [...] ذلك إن صحّ ذلك عنه ؛ لأن العاديات جمع عادية ، وعادية جمع فهو جمع الجمع ، وهو بعيد ، وغزوة بدر على ما قال : لم يكن فيها إلا فرسان ، قال ابن عرفة : والقسم يحتمل الجهاد والإبل مجازا ، والمراد كأنها أولها حقيقة كما قال الفقهاء يسهم للفرس سهمان وسهم لراكبه فاعتبروا الفرس نفسه أو نعته وحذف الموصوف هنا مع أن الصفة خاصة وهي للمدح ؛ لأن هذه الموصوفات كلها اشتركت فيه بمعنى الذي قد أقسم لأجله ، ونحوه قد تقدم في النازعات ، وفي سورة (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) [سورة الليل : ١].

قوله تعالى : (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً).

ابن عرفة : هو عندي اعتراض ؛ لأن الخيل لا تضبح إلا في وسط عدوها وفي آخره عند إخفاق نفسها وشدة جريها ، وذلك مظنة لكونه غابت عانت العياء والكلل بحيث لا تعدوا بعدوها الإبل ، بدليل الواحد منا إذا توسط في الجري وأجهد نفسه فإنها مظنة لضعف قوته ، قال (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) احتراسا من ذلك ، وسبيلها على أن شدة جريها لم يزل بحيث يقدح الزناد (٣) نحو فرسها بحوافرها ، وبالغ في وصفها

__________________

(١) ضبح الخيل ، كمنع ، ضبحا وضباحا : أسمعت من أفواهها صوتا ليس بصهيل ولا حمحمة ، أو عدت دون التّقريب ، و ـ النار الشيء : غيّرته ، ولم تبالغ فانضبح. والضّبح ، بالكسر : الرّماد. القاموس المحيط مادة : (ض ب ح) ، لسان العرب (ض ب ح).

(٢) ذكر أبو موسى في الذيل وحكى عن مقاتل بن سليمان أنه ذكر المسيب بن عمرو في تفسير سورة والعاديات ، وقال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثه في سرية إلى حي من بني كنانة وأمره عليهم ، وكان أحد النقباء فغابت السرية ولم يأت خبرها ، فقال المنافقون قتلوا جميعا ؛ فترلت : " والعاديات ضبحا".

(٣) الزّند هو : موصل طرف الذراع في الكف وهما زندان الكوع والكرسوع والزند أيضا العود الذي تقدح به النار وهو الأعلى والزّندة السفلى فيها ثقب وهي الأنثى فإذا اجتمعا قيل زندان ولم يقل زندتان والجمع زناد بالكسر وأزند وأزناد وثوب مزنّد بتشديد النون أي قليل العرض. القاموس المحيط مادة : (ز ن د) ، لسان العرب (ز ن د).

٣٣٧

بشدة الغور والقدح والضبح هديا كلها مشتغل بأمور الحرب والترتيب بالفاء موافقة لحالتها الوجودية فهي أولا تعدو ثم تقدح أواسط العدو ، ثم تصل إلى محل العدو فتغير عليه في الضبح ، وقال (ضَبْحاً ؛) لأن غزوة بني المصطلق كانت ضبحا وعلى غفلة العدو ، وانتهازا لفرصة فيه.

ابن عطية : لأنها [...] ليلة الغارة فتضبح العدو.

قوله تعالى : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً).

الفاء إما ظرفية والمعنى بذلك الوقت أو بالعدو أو بالمكان ، وإما سببية ، والمعنى فأثرن بالعدو والضبح نقعا أي غبارا.

قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ).

ابن عطية : الضمير هنا بلا شك عائد على الإنسان ، والخير المال ، ابن عرفة : ويحتمل أن يعود على الله تعالى والخير الطاعة ، كما ورد أن الله تعالى محب الطاعة ، قال : وإذا كان الضمير للإنسان كما قال الفراء ، فالمراد بها الكثرة ، أي وأمته لحب الخير لشديد حب الخير وهو من تكرار الظاهر بلفظه فأغنى عن الرابط ، كقوله تعالى : (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) [سورة إبراهيم : ١٨] أي عاصف ريحه ، وأبطله ابن عرفة بأن ريحه الفاعل فيه مضاف حذف وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب بإعرابه فاستتر فلم يحذف منه فاعل في الحقيقة ، بخلاف من فإن الشدة من صفة الحب فإضماره يؤدي الفاعل ، وهو توكيد قوله تعالى : (يَعْلَمُ) أي جهل فلا يعلم ، وأنكر عليهم عدم اعتقادهم ذلك علما ، فيتناول إنكار من يظن ذلك ، ومن يشك فيه ، وفي سورة المطففين (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) [سورة المطففين : ٤] وتحصر على عدم ظنهم ذلك في أحد تفسيري الزمخشري (١) وابن عطية ، قال : الظن هنا يعني العلم ، وحكاه الزمخشري قولا.

قوله تعالى : (بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ).

__________________

(١) هو : العلامة كبير المعتزلة ، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي النحوي صاحب الكشاف والمفصل. سير أعلام النبلاء ٢٠ / ١٥١ ، طبقات المحدثين ١ / ١٥٩ ، ميزان الاعتدال ٦ / ٣٨٣.

٣٣٨

مع أن الغريق والحريق ومن أكله السباع والحوت ليس في القبر إما باعتبار الأعم الأغلب ، وإما لأن الجميع مآلهم (١) إلى الأرض فهي قبورهم.

(وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) أي ظهر ما كان حاصلا في الصدور والتحصيل متعلق بالأقوال والأفعال لكن لما كانت الأعمال كلها من طاعة وعصيان إلا بنية ، لحديث : " إنما الأعمال بالنيات" (٢) أسند التحصيل إليها لأنها رأس كل عمل.

قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ).

قال : المراد أنه عليم علم المجازات وكذلك قيده ب (يَوْمَئِذٍ) وإلا فهو عليم بهم مطلقا ، فإن قلت : هلا قيل : إن ربك ، فإن الآية وعد لنا ووعيد [٤١٦ و] لهم ، ولفظ الربوبية يقتضي الحنان والشفقة ، فالجواب : إذا غلب مقام البشارة (٣) ، وإذا كان خبيرا بهم خبر المجازات مع استحضار مقام التربية والحنان فأحرى مع عدم ذلك.

__________________

(١) أي : مرجعهم. القاموس المحيط مادة : (أول) ، لسان العرب (أول).

(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ١ / ٣ (١) ، وابن حبان في صحيحه ٢ / ١١٣ (٣٨٨) ، والبيهقي في سننه الكبرى ١ / ٤١ (١٨١) ، وأبو داود في سننه ٢ / ٢٦٢ (٢٢٠١) ، وابن ماجة في سننه ٢ / ١٤١٣ (٤٢٢٧) ، والطيالسي في مسنده ١ / ٩ (٣٧).

(٣) هي : البشرى. القاموس المحيط مادة : (ب ش ر) ، لسان العرب (ب ش ر).

٣٣٩

سورة القارعة ما القارعة

أورد ابن عرفة أن المبتدأ لا بد أن يكون معلوما ، والخبر مجهولا ، فإن القارعة خبرا في الجملة الثانية بطل كونه مبتدأ في الأولى ، وأجيب بوجهين : إما أنه فيهما مبتدأ وغيره في الثانية ما فهو معلوم ، وإما بأن ما تعملونه من حيث كونها قارعة بمعنى أنها تقرع الأسماع ومجهولة من حيث ما يشاء من قروعها من الخير والشكر وتفريق أجزاء الجمال ، وغير ذلك ، قلت : وضعف بعض الأول بأن سيبويه نص أن الاستفهام هو المبتدأ ، مثل : من زيد الآتي؟ ، مثل : كيف زيد؟ ؛ لأجل أن كيف ظرف ، قال : ولا يصح تضعيفه بأن يقال : أنه وخبره خبر عن الأول ، وانظر لما تقدم في الواقعة.

قال أبو حيان : وقرأ عيسى بنصبهما على إضمار اذكروا القارعة ، فما زائدة للتوكيد ، والقارعة توكيد لفظي للأول ، ابن عرفة : الصواب أن ما نافية فيه ، والفاعل فيه فعل ، أي ما يعلم القارعة والأصل عدم الزيادة.

قوله تعالى : (يَكُونُ النَّاسُ).

ابن عطية : ظرف العامل فيه القارعة ، واعترضه أبو حيان بأنه إن أراد لفظ القارعة الأول وهو في صفة الألف واللام فيلزم الفصل بين الصلة والموصول بآخر بأجنبي وأيضا فقد قيل : القارعة علم وعلى هذا فلا يعلم في الظرف وإن أراد الثاني فلا يعطيه المعنى ، وأجاب ابن عرفة : عن كون القارعة علما ، فلا يعلم أن الجوامد قد تعمل في الظروف نحو : أنا ابن مارية أنا [.....] ، وقال الزمخشري : بمعني دلت عليه القارعة أي يقرع يوم ، وقيل : العامل مقدر أي اذكر يوم ويكون العامل مقدر أي اذكر ، قال ابن عرفة : فعلى هذا يكون عاملا فيه عمل الفعل في المفعول به ، وعلى الأولين يعمل فيه عمل الفعل في الظرف ، قلت : لأن الذكر لا يكون في ذلك اليوم ، وإنما يذكر اليوم نفسه.

ونقل عن المفسر المشرقي أن ما في القارعة صفة للقارعة ، (وَما أَدْراكَ) اعتراض ، (يَوْمَ يَكُونُ) خبر القارعة الأولى ، ورده ابن عرفة : بأن جملة الاستفهام غير خبرية فلا يصح كونها صفة إلا على إضمار القول مثل : جاءوا بحذف هل رأيت الذئب قط؟ ، قال ابن عرفة : ويحتمل أن تكون الجملتان معا اعتراضا كما قالوا في قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [سورة الواقعة : ٧٥ ـ ٧٦ ـ ٧٧] إلا ابن مالك فيما أظن ذكر أنه بجملتين دليل.

قوله تعالى : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ).

٣٤٠