تفسير ابن عرفة - ج ٤

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي

تفسير ابن عرفة - ج ٤

المؤلف:

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي


المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-5181-9

الصفحات: ٣٩٩

مع أن (مَساكِنُهُمْ) لم تدمر؟ فيجاب : بأن بقاءها خالية منهم تدمير لهم وهو عام مخصوص.

قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً).

ابن عطية : آلهة بدل من قربانا.

أبو حيان : فيه نظر ابن عرفة : النظر أنه تناقض لأنه اتخاذهم آلهة مناقض لعبادتهم على أنهم قربان.

قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً).

ابن عطية : العامل في أن مضمر أي اذكر.

ورده أبو حيان : بأنها غير متصرفة.

ابن عرفة : بأنها لا يريد التحامل فيها بذاتها بل العامل فيها أضيف إليها مما يقتضيه الكلام أي اذكر نعت (إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ) ولا خلاف أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم بعث إلي الإنس والجن ، واختلف هل بعث إلى الجن رسول منهم قبل بعثته هو إليهم ، وإنما بعث إليهم من الإنس.

قال : وقضايا الأمم السالفة تارة تحكي على سبيل الإنذار كقصة عاد وثمود ، وتارة تحكي على سبيل الإخبار بها في نفسها كقصة يوسف عليه‌السلام ، وتارة على سبيل الثناء والمحمدة لفاعلها ، لقوله تعالى : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) [سورة التغابن : ١٢].

قوله تعالى : (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ).

ابن عرفة : تقدم لنا نظيره بوجهين :

أحدهما : أن (الْحَقِ) راجع إلى الأمور الاعتقادية ، وال (طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) راجع إلى الأمور الفعلية العملية.

والثاني : أن الحق راجع إلى الأحكام الشرعية ، والطريق المستقيم راجع لأدلتها.

قوله تعالى : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ).

قال ابن عرفة : استجاب يقتضي الإجابة الموافق فهو أخص من أجاب فهلا عبر بالأخص؟ وأجيب : بأن عطف : (وَآمِنُوا بِهِ) فلو قيل : استجيبوا ل (داعِيَ اللهِ)

٢١

لكان (وَآمِنُوا بِهِ) تأكيدا ، فلما عبر بالأعم ، كان قوله تعالى : (وَآمِنُوا بِهِ) تأسيسا.

قوله تعالى : (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ).

ابن عرفة : فيه إيماء إلى صحة إعادة خلق الإنسان فإن الإعادة إيجاد عن عدم ، وأن المعدوم يعاد بعينه لأن المعاد مثله وليس عينه إذ لو كان دوام بقائه حيا موجبا لأعي الله تعالى بقاء جرم السماوات والأرض مع عظمها فهذا يعدم ويعاد على ما هو عليه ، قال : وقوله تعالى : (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) من باب السلب والإيجاب مثل الحائط لا يبصر.

قوله تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).

نقل ابن عطية عن مقاتل : أنهم ست نوح أنه صبر على أذى قومه طويلا ، وإبراهيم صبر على النار.

ابن عرفة : كان بعضهم يقول : إنما صبر إبراهيم على الرمي في المنجنيق كما في النار فإنها صارت عليه بردا وسلاما.

قوله تعالى : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ).

إن قلت : هلا قال : إلا ساعة من ليل ، فهو أبلغ لأن العرب إنما يؤذون بالليل؟

فالجواب : أن ساعة النهار يعقبها ظلام الليل وساعة الليل يعقبها ضوء النهار غلبت ساعة من الليل يعقبه المزج بخلاف العكس.

٢٢

سورة القتال

قال الزمخشري ، عن مجاهد : أنها مدنية ، وعن الضحاك ، وسعيد بن جبير : مكية.

ابن عطية : مدنية بإجماع غير أن بعضهم قال قي قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) أنها نزلت بمكة وقت دخول النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم لها عام الفتح أو سنة الحديبية.

قال : وما كان مثل فهو مدني لأن المراعى في ذلك ما كان قبل الهجرة فهو مكي ، وما كان بعدها فمدني.

وقال ابن عطية : تلك الآية أنها نزلت أثر خروج النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم من مكة في طريق المدينة ، وقيل : بالمدينة ، وقيل : بمكة بعد الحديبية ، وقيل : عام الفتح وهذا كله مدني.

قيل لابن عرفة : فما نزله حين الهجرة بعد خروجه من مكة وقبل وصوله إلى المدينة؟ فقال : لم ينقل ذلك ولو نقل فالمراعى أشد الهجرة ، فبعد خروجه من مكة كل ما كان نزل عليه مدني.

قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ).

ابن عطية : (صَدُّوا) إما قاصر أي صدوا في أنفسهم ، أو متعدي أي صدوا غيرهم.

ابن عرفة : فعل أنه قاصر ، يقال : ما في فائدته بعد قوله تعالى : (كَفَرُوا) قال :

عادتهم يجيبون : بأن الكفر قسمان : إكراه ، وطوع ، فأفاد قوله تعالى : (وَصَدُّوا) أن كفرهم اختياري لا اضطراري.

قوله تعالى : (فَضَرْبَ الرِّقابِ).

ابن عرفة : تقدم لنا سؤال : وهو أن دلالة الخاص على الخاص أقوى من دلالة العام على الخاص فهلا قيل : اضربوا رقابهم؟ وأجيب : بأن إذا عند مالك لا تقتضي بخلاف كلما ، فلو قيل : كذلك لا كان مطلقا فيصدق بلقائهم مرة واحدة ، فلما أتى به عاما كان قرينه في عموم الشرط تكراره.

قوله تعالى : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها).

إما غاية للغاية الأولى فقط ، أو غاية لها أو لما يعي بها.

٢٣

[٦٨ / ٣٣١] قوله تعالى : (وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ).

أي ليبلو المسلم بالكافر.

قوله تعالى : (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ).

إما على قراءة قاتلوا فظاهر واو المراد (سَيَهْدِيهِمْ) لأداء الفرائض (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) بأفعال المندوبات ، أو (سَيَهْدِيهِمْ) لطاعته (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) بخير ما نقص منها أو تتميم ما بقي عليهم من أفعال البر والإعانة أو بمغفرة ذنوبهم ، وإما على قراءة قتلوا فالمراد سيهديهم في الدار الآخرة إلى طريق الجنة بالفعل ويغفر ذنوبهم ويدخلهم الجنة.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ).

قال ابن عرفة : المذاهب ثلاثة مذاهب المعتزلة أن العبد يخلق أفعاله ، وأهل السنة يقولون بالكسب ، والجبرية يقولون أنه كالميت بين يدي الفاعل ولا فعل له بوجهه ، والآية حجة على المجبرة لأنه يلزم عليه أن يكون الشرط غير الجزاء إن ينصركم الله ، قال : والجواب ....... (١) باختلافهما باعتبار المتعلق ، أي (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ) [سورة آل عمران : ١٦٠] في موطن (يَنْصُرْكُمْ) [سورة آل عمران : ١٦٠] في مواطن أخر ، مثل : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) [سورة الرحمن : ٦٠] ، وأما أن الأول : باعتبار ابتداء القتال والصبر على مشقته ، أي تقدموا على القتال أو تصبروا على مشقته يظفركم الله بعدوكم ، فالثاني : باعتبار الظفر بالعدو أي أن يخلق لكم القدرة على القتال والصبر عليه يخلق لكم الظفر بعدوكم.

قال ابن عرفة : وتقدم لنا أن القضية الشرطية المتصلة يلزمها منفصلة بالغة الخلو من نقيض مقدمها وعين تاليها ، ومانع الجمع من غير مقدمها ونقيض تاليها ، فمنع الخلو هنا مقصورتين ، وأما منع الجمع ففيه إشكال لأنها لا تقتضي أنه لا يجتمع نصرهم دين الله مع عدم نصر الله مع أن ذلك قد وقع في غزوة أحد ، وغزوة صفين وغيرها ، إلا أن يجاب : بأن يكون النصر في الآخرة باعتبار الثواب ، أو النصر مطلقا أي أن تنصروا دين الله مرة ينصركم مرة أخرى فهو مطلق يصدق على تلك المرة وعلى غيرها ويكون ذلك باعتبار الأعم الأغلب.

قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ).

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

٢٤

إن كان التقدير .... (١)(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ، فالجملة موصولة غير مفصولة وتقرر أنها ما يؤتى بها مفصوله إلا لكمال الاتصال أو لكمال الانفصال ، وعطف هنا بالفاء لظهور السببية ، وفي غير هذه الآية قالوا أو لعدم ظهورها.

قوله تعالى : (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها).

الكافرون من تقدم ومن تأخر ومن هو موجود في الحال ، وجميع الأمثال إما على التوزيع أو لكل كافر مثل ذلك ، أو لكل كافر أمثال ذلك باعتبار التجدد شيئا بعد شيء.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا).

أسند إدخالهم الجنة إلى نفسه تشريفا لهم ، وقال في الكافرين : (ليست في الكافرين) (النَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) زيادة في البغي عليهم ، كما قال تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) [سورة آل عمران : ٧٧].

قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ).

ابن عرفة : كان بعضهم يقول : كم الخبرية لكثير آحاد العدد ذاته ، (وَكَأَيِّنْ) تكفر له باعتبار صفته بدليل قوله تعالى هنا : (هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ) فهي تكثير لها باعتبار أوصافها الشديدة.

قوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ).

ابن عطية ، والزمخشري : أي صفة الجنة.

وقال القرطبي : إن المثل بمعنى الحديث ذكره في سورة المدثر.

قوله تعالى : (وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ).

قال ابن عطية : أي ونعيم أفادته المغفرة وإلا فالمغفرة إنما هي قبل دخول الجنة.

وقال ابن عرفة : هو عند إشارة إلى أن هذا النعيم ليس خالصا بمن لم يقترن السيئات ، بل هو عام يدخل فيه من خلط العمل الصالح بالسيء.

قوله تعالى : (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ).

ابن عطية : هنا سؤال : وهو أنه لا يحتاج إلى التنبيه على المخالفة بين الشيئين إلا إذا كان ممن يقارنهما ، أما إذا كانت المخالفة بينهما معلومة بالبديهة فلا فائدة بالتنبيه

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

٢٥

على مخالفتهما ، قال : وعادتهم يجيبون : بأن فائدة التبشير والمحمدة والثناء لقوم والتخويف والإنذار لقوم آخرين تقبيحا على الحرص على أسباب المقام الأول والبعد عن المقام الثاني ، قال : وقوله تعالى : (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) أخص من قوله : كمن هو في النار خالد ، لأن إتيان الخبر مقيد بصفة أخص من إتيانه مع صفة ، فقولك : زيد ضاحك في الدار ضاحكا لا خبر بعد خبر ، فوصفته بالأمرين فما يلزم منه أن يكونا مجتمعين إلى حالة واحدة.

قوله تعالى : (فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ).

قالوا : هو أخص من قولك : قطعت أمعاءهم.

قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ).

أي ومن الناس المستمعون هم المنافقون.

قوله تعالى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً).

ابن عرفة : انظر هل المستقبل هو الذي يأتي للحال أو الماضي ، والحال هما اللذان يأتيان للمستقبل ، قال : والصواب أن المستقبل هو الآتي للحال ، فيقال : زيد أتاه أجله ، ولا يقال : زيد أتى أجله ، قال : ووجهه أن الماضي معدوم والمستقبل صار موجودا فالموجود هو الآتي.

قيل لابن عرفة : إنما ذلك بين زمنين والتعاند هنا بين الإنسان والساعة وهما موجودان ، فقال : الإنسان لا يوجد إلا في زمان ، فزمانه الحالي الذي كان فيه وكان فاصلا بينه وبين الساعة صار حين إتيان الساعة معروفا ، قال : وعادتهم يستشكلون الآية من ناحية الجمع بين إتيانها بغتة مع مجيء أشراطها لأنها بعد مجيء أشراطها حصل لهم الشعور بها ، فلم تأتيهم بغتة ، لا يقال : هلك زيد بغتة إلا إذا لم يكن عنده بأسباب الهلاك شعور.

قيل لابن عرفة : حصل لهم العلم بها جملة لا يتعين وقتها ، فقال : إنما يصدق لفظ البغتة عليها مع العلم جملة ، قيل له : قد قال تعالى في آخر الأعراف : (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [سورة الأعراف : ١٨٧] وهي خطاب للمسلمين وقد حصل لهم العلم بأشراطها ، فقال : لم يذكر هنالك معها مجيء أشراطها؟ قال : والجواب أنه لم يقل : فقد جاء أشراطها بل حذف المفعول ، وأشراطها إنما حصل بها لنا لا للكفار فهي للكفار بغتة حقيقة.

٢٦

قيل لابن عرفة : في هذا إشكال لأن ينظرون بمعنى ينتظرون ، والمنتظر قاصد والقاصد للشيء المنتظر له لا تأتيه بغتة لأن الانتظار جاء في البغتة ، وأجيب : بأن المراد فهل حالهم ، قيل : إلى إتيان الساعة بغتة لأنه شبهه بمن ينتظر إتيانه بغتة.

قوله تعالى : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها).

أي من باب استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لأن بعض أشراطها وهو : بعث النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم وانشقاق القمر والدخان وباقيها لم يقع فهو مثل : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [سورة النحل : ١] أو يكون عاما مخصوصا.

قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ).

ابن عرفة : وجه مناسبتها لما قبلها أنه لما تقدمها : (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) ومقتضاه كراهية المنافقين هذا الدين عقب بيان دوامهم على ذلك إذ قد يتوهم أنهم إذا عزم الأمر لا يدومون بل يسمعوا ويطيعوا ظاهرا وباطنا.

قال الزمخشري : والعزم بمعنى الجد.

قال ابن عرفة : ليس كذلك لأن الجد في الشيء يقتضي التلبس به ، والعزم إنما هو قيل : التلبس بالعزم على الشيء إنما هو بتحصيل أكثر أسبابه ، ولذلك قالوا في المسافر إذا عزم على إقامة أربعة أيام أنه يتم ، وإن عزم على أقل منها فلا يتم ، وتقدم الخلاف في الوجوب هل يتعلق بأول الوقت أو بآخره [٦٨ / ٣٣٢] واختلفوا في الواجب الموسع هل ينتقل عنه إلى بدل أم لا والبدل عندهم العزم على الفعل ، وهو أن يعرض مثلا عند الزوال على أن يصلي الظهر في نصف الوقت.

قوله تعالى : (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ).

قيل لابن عرفة : كيف يفهم هذا على قاعدة لو كان نفيها إيجاب ، وإيجابها نفي ، وإنما ينتفي فيها الثاني لانتفاء الأول ، فيقال : لأنهم لم يصدقوا الله فلم يكن صدقهم خيرا لهم مع أن الصدق كله خير بالإطلاق؟ فأجاب : ابن عرفة بأنها سالبة والسالبة لا تقتضي ثبوت الموضع بوجه بخلاف المعدولة.

قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ).

هذا نهي عليهم أو ليست لكم قدرة بوجه بحيث لو كانت لكم ولاية وسلطنة في الأرض لما قدرتم على الفساد بوجه.

٢٧

قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ).

ولم يقل : أفلا يتذكرون القرآن ، أو أفلا يتفكرون القرآن لأن التذكر والتفكر هو استحضار أمر مستقبل يتوقع مجيئه ، والكفار لم يكن لهم شعور بالقرآن في وجه لأنه ينزل شيئا بعد شيء.

قوله تعالى : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها).

ابن عرفة : جمع القلوب جمع كثرة ، والأقفال جمع قلة ، والقائل : إذا وزع على الكثير على لا يقوم به ، قال : وعادتهم يجيبون بوجهين :

أحدهما : أن كل قلب عليه أقفال.

والثاني : أن أقفالا مصدر لا جمع كما هو قراءة إقفالها بكسر الهمزة.

قوله تعالى : (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ).

ابن عرفة : هذا البعض هو الذي كانوا مخالفين لهم فيه ، والبعض الآخر كانوا موافقين لهم.

قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ).

قرئت بفتح الهمزة وكسرها فهو بالكسر مصدر وبالفتح جمع سر ، والمصدر أبلغ لأن علم المعنى يستلزم علم اللفظ المعبر به عن ذكر المعنى.

قوله تعالى : (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ).

ضمير الفاعل في (يَضْرِبُونَ) إما عائد على الملائكة وهو أظهر ، أو على الكفار أي يضرب بعضهم وجه بعض.

فإن قلت : قد نهى في الحديث عن الضرب في الوجه في الجهاد وغيره.

ابن عرفة : وجهه أنه قد يسببه المسلمون فيجدونه معيبا فينفض منه.

قلنا : إما بأن تلك عقوبة دنيوية وهذه عقوبة أخروية وليست الدار دار تكليف ، وإما أنه من باب مطرنا السهل والجبل والمراد به التعميم.

قوله تعالى : (اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ).

وهو عذابه ، و (اتَّبَعُوا) ما أراد وقوعه من العذاب ، أو يكون المعنى اتبعوا منهيات الله تعالى الموجبات لإيقاع السخط بهم.

قوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ).

٢٨

رؤية ظاهرة لا شك فيها بحيث تصفهم لغيرك ، والواحد منا إذا رأى شيئا تارة يكون لو سئل عنه لوصفه لغيره كأنه يشاهد فهذا أحاط بصفته ، وتارة لا يقدر على وصفه لغيره.

قوله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ).

هو مقتضاه ، وهو نحو قول الأصوليين : لحن الخطاب وهو عندهم دلالة اللفظ التزاما على ما لا يستقل الحكم إلا به : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [سورة الشعراء : ٦٣] أي فضرب فانفلق ، وقد أطال أبو علي المعالي في الأعالي الكلام في لفظ اللحن انظر فيه.

قال ابن عرفة : فاقتضت الآية أن الله تعالى لم يريهم لنبيه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أعلمه بهم لكن جعل له علامة على معرفتهم وهو أنهم يتكلمون بمحضره كلاما يفهم منه عنهم النفاق من غير أن يقصدون به إفهامهم.

قيل لابن عرفة : تقدم لنا هنا أن هذه الآية دالة على صحة الشهادة على الخط في الكلمة الواحدة ، لقوله تعالى : (فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ولم يقل : لحن الكلام ، والقول أعم من الكلام.

قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ).

قال ابن عرفة : يدخل فيه النظر والنية كما تقدم في قوله : " إنما الأعمال بالنيات (١) " ، أنه يستثنى منه النية والنظر.

قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ).

قال ابن عرفة : هذا ترق في العلم فأظهرها العلم بالجهاد ثم العلم بالصبر ، وأخفاها العلم بالإخبار ، فإن الأقوال فيها الحقيقة والمجاز والعموم والخصوص

__________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم : ١ ، وأبو داود السجستاني في سننه حديث رقم : ١٨٨٦ ، وابن ماجه في سننه حديث رقم : ٤٢٢٥ ، والبيهقي في السنن الصغير حديث رقم : ١٦٨٢ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٣٩١٤ ، والحميدي في مسنده حديث رقم : ٣٠ ، والحسن بن علي الجوهري في مسنده حديث رقم : ٢ ، والشهاب القضاعي في الشهاب في الحكم والآداب حديث رقم : ١٠٨٤ ، والربيع بن حبيب في مسنده حديث رقم : ٢ ، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء حديث رقم : ١١٥١٦.

٢٩

والاستعارة والتعريض والرموز ، والظاهر والمأول والكنايات الظاهر والكناية الحقيقية فالعلم بها أخفى من العلم بالصبر.

قال ابن عرفة : وفيه سؤال : وهو أن قوله تعالى : (ولنبلو) معطوف على (لَنَبْلُوَنَّكُمْ) أو على قوله تعالى : (حَتَّى نَعْلَمَ) وكونه منصوبا دليل على أنه معطوف على (حَتَّى نَعْلَمَ) ، فإن كان قوله : (ولنبلو) بمعنى قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) لزم أن يكون الشيء غاية لنفسه ، وإن كان أخص منه لزم كون الكلي غاية للجزئي وهو باطل عنه ، والجواب : أنه خاص لا أخص ، كقولك : والعورة من السرة إلى الركبة لأنه ليس المراد إظهار المطلق بل المقيد بالأقوال ، أي ولنخبرنكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونختبر أقوالكم.

قوله تعالى : (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً).

وهذا إما على ظاهره ، أو المراد (لَنْ يَضُرُّوا) رسول الله ، مثل (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [سورة الفتح : ١٠] و (شَيْئاً) مصدر مؤكد للنفي لا للفعل المنفي ، فهو داخل بعد النفي لا قبله.

قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ).

تقدم الخلاف في الطاعة هل هي موافقة الأمر وعدم مخالفته ، فمن عجز عن فعل ما أمر به مطبق على الثاني دون الأول.

قوله تعالى : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ).

يتناول الأعمال الموجبة كمن شرع في نافلة لا يحل له أن يقطعها ، ويتناول البشرية كمن يتصدق بدرهم ثم أذى الفقير أو من به عليه ، قال تعالى (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [سورة البقرة : ٢٦٤].

قوله تعالى : (ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ).

العطف بثم إما نعي عليهم إشارة إلى أنهم أمهلوا وأخروا لكي ينزجروا وينظر النظر السديد فلم يؤمنوا ، وأما البعد ما بين مطلق الكفر والموت على الكفر.

فإن قلت : ما الفرق بين قولكم : ماتوا كافرين ، وبين قولك : و (ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ؟) فالجواب : كان بعضهم يقول : الثاني أبلغ لأنه تصديق والأول راجع لقسم التصور ، لأن الثاني جملة إسنادية خبرية ، والأول قيد في الجملة فهو مفرد.

قوله تعالى : (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).

٣٠

مفهومه أن من لم يمت كافرا يجوز أن يغفر الله له ، بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [سورة النساء : ٤٨ ، ١١٦] أي ليس إرجاء من هذه الآية لأنه أثبت لهم المغفرة حقيقة.

قال ابن عطية : روي أنها نزلت بسبب عدي بن حاتم ، قال : يا رسول الله ، إن حاتما كانت له أفعال برّ فما حاله؟ فقال : هو في النار فبكى وولى ، فبدأ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : أبي وأبوك وأبو إبراهيم في النار" ، فنزلت هذه الآية في ذلك.

قال ابن عرفة : هذا لا ينبغي أن يكون نقله بحضرة العوام ، والأولى تركه والوقوف عنه وعدم السؤال عليه لأنه ليس بأمر اعتقادي ، ولا يمس الإنسان من تركه شيء على أن الحديث مذكور في المصنفات.

قوله تعالى : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ).

إما أن يكون انتقال من قصة إلى إنشاء حكم فلا يحتاج فيه إلى مناسبة ، وكان بعضهم يقرر وجه المناسبة : بأن عدم مغفرة لهم فيقتضي إبعاده لهم وإبقاءه لهم ، يؤذون بفشلهم وضعفهم وتكاسلهم عن اتباع التكليف ، فنهى المؤمنون عن الاتصاف بصفتها التي أوجبت لهم الطرد والإبعاد عن رحمة الله عزوجل.

قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ).

هذا احتراز من أي أنتم الغالبون والله معينكم وناصركم عليهم ولو كنتم [٦٨ / ٣٣٣] أقل منهم.

قوله تعالى : (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ).

وهو مأخوذ من الوتر وهو الداخل.

ابن عرفة في صحاح الجوهري بالحاء والدال المهملتين ، قال : الداخل الحقد ، وفي مختصر العين بالدال المهملة : هو النار ، وبالدال المعجمة : هو البيت الصغير ، وفي صحيح مسلم في كتاب اللباس لا يبق في رقبة بعير قلادة من وتر إلا قطعت.

قال المازري : يلزم قصر النهي على الوتر خاصة ، وأجازه ابن القاسم بغير الوتر.

قال عبد الوهاب : يكره للمسافر الأجراس والأوتار لحديث لا يصحب الملائكة رفقة فيها جرس ، وأما الأوتار فقد تؤدي إلى الاختناق بها وعمل بعضهم النهي عن اتخاذ الأوتار الدخول.

٣١

قال ابن عطية : وقيل : مأخوذ من الوتر وهو الفرد ، أي أنه أفردكم من ثواب أعمالكم.

قوله تعالى : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ).

قال ابن عرفة : كان بعضهم يقول إذا قلت : هذا الثوب أسود فتارة تريد الحقيقة بمعنى أنه لا بياض فيه بوجه ، وتارة تطلقه مجازا بمعنى أن بعضه أسود وإن كان بعضه أبيض ، فقوله (الدُّنْيا) إن كان على معنى الأول فهي حياة لا حظ فيها للآخرة بل هي كلها مشغولة بالأمور الدنيوية فقط ، فالوصف بالدنيا للتحصر والقصر على شهواتها ، وإن كان على المعنى الثاني فهي حياة دنيوية وإن خالطها بعض أسباب الآخرة فوصفها بالدنيا مجازا أو اللعب.

كان بعضهم يقول : هو الاشتغال بما لا فائدة فيه مطلقا ، كلعب الأطفال واللهو والاشتغال مما يسلي النفس ويلهيها عما نالها من الغم والهم والحزن ، كلعب المسجونين ، وقدم في الأعراف والعنكبوت اللهو على اللعب ، وفي غيرها عكس ذلك بحسب الوقائع ، فإن كان حال الناس حين نزول الآية عليه مشغولا بما لا فائدة فيه كالأطفال قدم اللعب ، وإن كان العكس قدم اللهو.

قوله تعالى : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ).

قيل لابن عرفة : مفهومه (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) مع أنه لا أجر لهم هنالك بوجه ، فقال : السالبة لا يقتضي وجود الموضوع بوجه ، قيل له : يبقى مفهوم آخر وهو أنه إن لم يؤمنوا ولا يتقوا سألهم أموالهم ، يقال : مال الحربي غير محرم ، أو تقول : الكفار مخاطبون بالفروع.

قوله تعالى : (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ).

يؤخذ منه صحة ما قاله الأصوليون من أن الغيرين يصدقان على المثلين.

قيل لابن عرفة : كيف هذا وقد ورد في الحديث : " لو لم تذنبوا لخلق الله قوما يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم" فأجاب بمفهوم : قوله تعالى : (تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) معا.

٣٢

سورة الفتح

قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً).

قالوا : التأكيد بإنا إما لأن المخاطب منكر أو عليه مخائل الإنكار ، فإن لم يكن منكرا الأظهر عليه مخائل الإنكار ، فالتأكيد لمجرد التعظيم والتفخيم لهذه الآية ، واجمعوا على أن السورة مدنية ، وإنما اختلفوا في محل نزولها ، وحاصل الجميع أنها نزلت بعد الهجرة.

قوله تعالى : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ).

قال : الذنب ما استلزم الذم والعتب أو العقوبة ، وعذابه بمعنى المؤاخذة وعدم المؤاخذة يبطل لازمه فيبطل الذنب فلا ذنب هنالك ونظيره ، قوله تعالى : (وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) [سورة محمد : ١٥] وليست الدار دار تكليف فليس فيها ذنب يغفر بل هو راجع لعدم المؤاخذة بما يفعلون ، فهو دليل لما قلناه.

وقيل : المغفرة تطلق على ستر المعصية بمعنى الحفظ منها ، وعلى ستر المرتب عليها بمعنى التجاوز عنه.

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ).

إشارة إلى شدة ثبوتها واستقرارها في القلب لأن الإنزال يقتضي الثبوت لا سيما من موضع مرتفع بعيد.

قوله تعالى : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ).

احتج بها الفخر على أن الإيمان يزيد وينقص ، وأجيب : بأن زيادته بحسب متعلقات يزيد بزيادة الأعمال ، قال : المزيد غير المزيد عليه وليس مثله ، بدليل قوله تعالى : (مَعَ إِيمانِهِمْ) ولم يقل : إلى إيمانهم ، كما في التوبة (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) [سورة التوبة : ١٢٥].

قوله تعالى : (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ).

مع أن تكفير السيئات سابق على دخول الجنة؟ وأجيب : بأن المراد تكفيرها سترها فمعناه يستر عنهم سيئاتهم حتى لا يرونها ولا يتأسفوا عليها.

قوله تعالى : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ).

٣٣

السين للاستقبال أو التحقيق ، فإن قلت : هلا قال : المخلفون لأن العبارة باسم الفاعل أبلغ في الذم؟ والجواب : أنه قصد التنبيه على الاستغناء عنهم ، وأن الله تعالى خلقهم ، كما قال تعالى (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) [سورة التوبة : ٤٦] وإن كان التخلف في ظاهر الحال منهم فهو في الباطن منسوب إلى المؤمنين بمعنى أنهم تركوهم ولم ينالوهم.

قوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ).

فيه سؤالان :

الأول : قال في آل عمران : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [سورة آل عمران : ١٦٧] قلب القول للأفواه كما لا للألسنة؟ فالجواب : أن قولهم هنالك أكثر وأعظم وأشنع لأنهم قالوا : (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) [سورة آل عمران : ١٦٧] ، وبدليل قول الله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) [سورة آل عمران : ١٦٧] فدل على كثرة قولهم ، فنسب الكثير للأفواه إذ هي أوسع من الألسنة.

الثاني : قالوا يؤخذ من الآية الرد على إمام الحرمين ، في قوله :

إن الكلام لفي اللسان وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وردوا عليه بأن ابن العربي إنما يحتج بقوله : فيما ينطق فيه بطبعه من رفع ونصب وخفض ، أما ما يحكم فيه فلا ، وأجيب : بأن هذا حكم على اللغة والعربي إذا تكلم بكلمة ويقول : معناها عندي كذا فالمرجع لقوله على وجه الدليل من الآية ، أن الله تعالى قال (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) والضمير في (لَيْسَ) عائد على القول فلو لا أن ذلك القول قابل لأن يكون قال (فِي قُلُوبِهِمْ) والضمير عائد على المذكور ، والمذكور إنما هو القول ، قال : ونسبها لقول اللسان مع أن مخارج الحروف غير منحصرة في اللسان لكنه هو أعمها.

قوله تعالى : (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا).

يقال : بفتح الضاد وضمها وهما راجعان لمعنى واحد أحدهما حسّي والأخرى معنوي.

قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ).

٣٤

ابن عطية : كان سبب هذه الآية كذا وكذا ، ثم قال : وحيث جعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يده على يده ، وقال : " هذه عن عثمان وهو خير من يد عثمان".

قال ابن عرفة : أراد بذلك إزالة النقص المتقدم بحق عثمان من كونه لم يحضر ولم يبايع ، فمعناه أن بيعة النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم عنه خير من بيعته هو لنفسه مباشرة.

فإن قلت : وإنما بايعوا على الموت وعثمان قد شاع عندهم حينئذ موته ، فكيف يبايع النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم عنه على الموت وهو يعتقد أنه ميت؟

قلنا : قد يكون سبب البيعة أشد أسماعهم الخبر بموت عثمان ثم في أثناء الأمر ورد يحيونه.

قوله تعالى : (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها).

فيها حجة على المجبرة القائلين : بأن العبد لا قدرة له ولا كسب لأجل نفي القدرة عنهم في هذه ، فمفهومه ثبوت القدرة لهم على غيرها وإلا فلا فائدة لتخصيص هذه بنفي القدرة ، والمراد غنيمة أخرى أو نعمة أخرى.

ابن عرفة : أي غنيمة مغايرة [٦٨ / ٣٣٤] الأولى أو غنيمة مغايرة لها أو سابقة عنها في الزمان ، كقوله : [.....].

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ).

قال ابن عرفة : يؤخذ منه أن القدم الإضافي متعلق به القدرة ، وتقدم لنا مثله في قوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) [سورة فاطر : ٢] قيل له : حجة فيه ولاحتمال أن يرجع إلى الإرادة ، فقال : والإرادة مؤثرة لأن من شأنها الاختصاص.

قيل له : الأشهر عندهم أنها غير مؤثرة ، قال : وعادتهم يقولون : الآية خرجت مخرج الامتنان والنعمة في كف أيدي الكفار عن المسلمين ظاهرة ، وأما كف أيدينا عنهم ففيه عكس النعمة ، وأجيب : بأن المراد لازم ذلك وهو إسلامهم فبإسلامهم وانقيادهم حض كف أيدينا عنهم لا بالعجز عن قتالهم.

٣٥

سورة الحجرات

قوله تعالى : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ).

الآية دالة على حرمة الاجتهاد بحضرته عليه‌السلام لأن معنى التقدم في غيبة.

قوله تعالى : (فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ).

قال : وكذا مثله في القدر أو دونه.

قوله تعالى : (مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ).

حال من المنادي.

قوله تعالى : (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).

قال ابن عرفة : يعود على ضمير (الَّذِينَ) فنبين أن المراد بالذين مدلوله الضمير فلا يكون مدلوله الأول داخلا في النداء.

قوله تعالى : (أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ).

عداه بحتى دون إلى لأن معنى حتى المراد به حقيقته وظهوره ، وفي إلى الانتهاء إليه فقط.

قوله تعالى : (فاسِقٌ بِنَبَإٍ).

قال ابن عرفة : النبأ أخص من الخبر فإذا رتب التبين على الأخص المخبر به [.....] فأحرى الأعم الذي لا يتحفظ في نقله.

قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ).

عبر هنا بالرسول وفيما قبل هذا بالنبي لأن المراد هنا شرف الرسالة ، وشرف النبي تبعا لها وبقاء التعظيم في ذاته ، ولما كانت المحبة قد تزول ولا تدوم أخبر تعالى بأنه مزين راسخ لا يزول فهو تأسيس ، ولهذا عبر مع التزيين بعن ، ومع حبب بإلى إشعارا بهذا.

قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا).

قال ابن عرفة : في الآية استشهاد واستشكال ، أما الاستشهاد فيدل على أن الفسق لا يسلب صدق الإيمان على صاحبه ، كقوله تعالى : (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى) مع إطلاق الإيمان عليها ، وأما الاستشكال فهو في الجمع بينهما وبين قوله

٣٦

عليه الصلاة والسّلام : " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" (١) ، والآية دلت على عدم تكفيره بالقتل ، الجواب : أن الحديث مأول فيمن استحل أو نحوه لا يدل على الكفر.

قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

قال ابن عرفة : الأخوة إما باعتبار الحكم فظاهر ، وإن كانت باعتبار وجود الخارجي فكان بعضهم يقدره بأنه تمثيل لأن الأجنبي يكون بالاشتراك في الإيمان أو في أحدهما ، وهو هنا بالاشتراك في كلمة الشهادتين فهي تمثيل ، كقوله : زيد أسد ، والأول كقوله : زيد قائم.

قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

ولم يقل : لعلكم تفلحون إشارة إلى قوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " الراحمون يرحمهم الرحمن" (٢) ، فالأمر بالصلح إما بالتراحم بينهم والشفقة والحنان ليكون ذلك سببا في رحمة الله لهم.

__________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم : ٥٦١٣ ، ومسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٩٧ ، وابن حبان في صحيحه حديث رقم : ٦٠٦٥ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم حديث رقم : ١٦٥ ، والترمذي في جامعه حديث رقم : ٢٥٧٩ ، والنسائي في السنن الكبرى حديث رقم : ٣٤٦٨ ، وابن ماجه في سننه حديث رقم : ٣٩٣٧ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٩٣٢٣ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٣٩٨٥ ، وإسحاق بن راهويه في مسنده حديث رقم : ٣٤٥ ، والحميدي في مسنده حديث رقم : ١٠٣ ، وأبو بكر البزار في البحر الزخار بمسند البزار حديث رقم : ١٤٩٨ ، وأبو يعلى الموصلي في مسنده حديث رقم : ٤٩٢٢ ، ومحمد بن هارون الروياني في مسنده حديث رقم : ٨٦٧ ، والشاشي في المسند حديث رقم : ٥٣٥ ، والبوصيري في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة حديث رقم : ٥٧٦٤ ، وأبو عوانة الإسفرائيني في مسنده حديث رقم : ٤٨٩٨ ، والطبراني في مسنده حديث رقم : ٢٣١١ ، والنسائي في سننه حديث رقم : ٤٠٦٦ ، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء حديث رقم : ٦٣٤٧.

(٢) أخرجه الترمذي في جامعه حديث رقم : ١٨٤٤ ، وأبو داود السجستاني في سننه حديث رقم : ٤٢٩٣ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٦٥٢٥ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٦٣١٦ ، والحميدي في مسنده حديث رقم : ٥٧٥ ، وعبد الله بن المبارك في مسنده حديث رقم : ٢٧١ ، وابن أبي شيبة في مصنفه حديث رقم : ٢٣٩٢٢.

٣٧

قوله تعالى : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ).

قال ابن عطية : السخرية والاستهزاء أخف من السخرية ، فالاستهزاء عدم المبالاة به مع استحضاره ، قال تعالى (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [سورة البقرة : ٦٧].

قال : ورأيت نحوه للسهيلي في الروض الأنف ، قلت : قال الزمخشري : في قوله تعالى : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) [سورة المؤمنون : ١١٠] هو بالضم والكسر مصدر كالسخر إلا في باب النسب بزيادة قوة في الفعل كما فعل بالخصوصية والخصوص.

عن الكسائي والفراء : أن الكسر من الهمزة والمضموم من السخرية والعبودية والأول مذهب الخليل وسيبويه.

قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ).

ابن عرفة : هذا إما تعليل للنهي أو نفي للفعل المعلل ، فهو إما راجع للاسخار ، أي لا تسخروا بقوم لتكونوا خير منهم ولا تسخروا بقوم ، وعلى الثاني حمله الزمخشري وغيره ، والقوم الرجال.

قيل لابن عرفة : يخرج منه سخرة الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، فالصواب جعل القوم صادق على الرجال والنساء.

وقال ابن عرفة مرة أخرى : للقائل أن يقول لا يصح فغير القوم على الذكور لدلالة قوله تعالى : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) لئلا يلزم عليه عدم استيفاء الآية للأقسام الممكنة فيها ، وهي أربعة رجال من رجال ، ونساء من نساء ، ورجال من نساء ، ونساء من رجال ، فإن خصصنا القوم بالذكور خرج الأخيران ، فإن جعلناه شاملا لهم وللإناث شمل الجميع ويكون قوله تعالى : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) تأكيدا وهو أولى من كونه تأسيسا المستلزم لعدم كمال الفائدة.

قوله تعالى : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ).

نقل الزمخشري : هنا عن الحسن أنه قال في الحجاج أتانا أخيفش أعيمش إلى أخره.

قال ابن عرفة : هذا لقوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم" لا غيبة في فاسق".

قيل لابن عرفة : هذا لا يصح لأن القاضي عياض حمل الحديث على غيبة الفاسق فيما كان به فاسقا ، يقال : ظلم في كذا بأفعاله الكسبيه لا بصفاته الخلقية التي لم يكن

٣٨

بها فاسقا فقال يصح ذلك بمعنى أبدا المانع جهالة عن الفسق كما قال : " أشد الناس عذابا يوم القيامة الشيخ الزاني ، والعالم المستكبر ، والأمير الكذاب" ، لأن الداعي لهم إلى الفسق معدوم في حقهم ، قال : ونهيه الإنسان على خيره من باب لمزه نفسه.

ابن عطية : لأنه يطعن بعضكم على بعض بذكر النقائص وقد تكون اللمز بالقول وبالإشارة ، والهمز لا يكون إلا باللسان وهو مشبه بالهمز والعود.

قيل لأعرابي : أتهمز الفأرة ، فقال : الهر همزها انتهى. ذكر هذا ليستدل به على أن الهمز يكون بالفعل ومعنى قوله أتهمز الفأرة ، أي تقول : بالهمز ، فأجابه الأعرابي مستخفّا به لأن الهر يهمزها وهمز الهر لها بالفعل.

وما ذكر ابن عطية : من أن سبب نزول الآية [.....] بما يكره ضعيف لأنه مسرع فيبعد أن يترك ردا عليه.

ابن عطية : كان المؤمنون كنفس واحدة فإذا لمز أحدهم صاحبه فكأنه لمز نفسه ، انتهى. والمراد النهي عن سبب اللمز ، أي لا تفعلوا من المعايب ما يكون سببا في لمزكم ، فإن فعلتم ذلك فكأنكم لمزتم أنفسكم بفعلكم سببه فإنه من إطلاق اسم المسبب وهو اللمز على سببه وهي العيوب.

الزمخشري : وعن الحسن رضي الله عنه في ذكر الحجّاج : أخرج إليّ بنانا قصيرة قلّما عرقت فيها الأعنّة في سبيل الله ، ثم جعل يطبطب شعيرات له ويقول : يا أبا سعيد يا أبا سعيد. وقال لما مات : اللهم أنت أمتّه فاقطع سنّته ، فإنه أتانا أخيفش أعيمش يخطر في مشيته ويصعد المنبر [٦٩ / ٣٣٥] حتى تفوته الصلاة ، لا من الله يتقي ولا من الناس يستحي. انتهى.

ابن عرفة : وهذه غيبة لكن في فاسق وقد ورد" لا غيبة في فاسق" إذا تظاهر بالمعاصي فلا تحرم غيبته ، ولقد سئل بعضهم عمن حلف بالطلاق أن الحجاج من أهل النار ، فقال : قل له يبقى مع زوجته فلان غفر الله للحجاج ، فهو راحم به إذا بقى مع زوجته في الحرام وهي سيئة من سيئات عبد الملك بن مروان.

قوله تعالى : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ).

فسره الزمخشري بثلاثة أوجه :

أحدها : استقباح ما بين الإيمان وبين الفسق الذي يأباه الإيمان ويمنعه ، وهذا توقيف على مذهبه في أن الفاسق كافر وليس بمؤمن ، ولو صدر هذا الكلام من سني

٣٩

لأمن فيه التأويل ، وقد قال بعض الناس فيمن تأول كلام الفارسي في رهبانية ابتدعوها على مذهب أهل السنة : أنه لوسع تأويله لبصق في وجهه.

قال : الوجه الثالث : أن يجعل من فسق غير مؤمن ، كما تقول للمتمول عن التجارة إلى الفلاحة بئس الحرفة الفلاحة بعد التجارة ، انتهى. أراد بئس الانتقال من الإيمان إلى الفسوق وهذا على مذهبه أيضا لأن الفاسق عنده كافر ، ولذلك ........ (١) بالانتقال من التجارة إلى الفلاحة لأنه سلب عنه اسم التجارة ووصفه بالفلاحة ، ونحن نقول : المراد بئس الانتقال من الإيمان الخالص الكامل إلى الإيمان المخالط.

وظاهر كلام الزمخشري أن التاجر أحسن من الفلاح ، وقال غيره : الفلاح أحسن لما يحصل من الأخروي فيما يصنع ويؤكل ، والتاجر لا يخلوا من تطفيف في الوزن أو حيف أو زيادة في الثمن بخلاف الفلاح ، وكان أكثر أهل المدينة فلاحين ، وأكثر أهل مكة تجارا ، وظاهر الآية أن التحدث في الناس بالمعايب ، وذكر ما لهم حرجه تسقط شهادة المتكلم بذلك لأن الآية دلت على أنه من الكبائر لأن الكبائر ما توعد على فعله.

قوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ).

إن قلت : لم قيل : (اجْتَنِبُوا) بلفظ الأمر ، ولم يقل : لا تظنوا بلفظ النهي ، لأن اجتناب المنتهي أشد من فعل المأمور ، لقوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" (٢) ، ولأن النهي عند الأكثرين للتحريم بخلاف الأمر فإن فيه خلافا ، فالجواب : أنه لو قيل : لا تظنوا كان النهي عاما في جميع الظن ، والمراد إنما هو يعين الظنون ، فأتى فيه بلفظ الأمر وفي ضمنه النهي ، لأن مادة الاجتناب تدل عليه ، وعلق النهي بأكثر الظن لا بجميعه ، ولأن

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

(٢) أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٢٣٨٥ ، ومحمد بن نصر المروزي في السنة حديث رقم : ١٠٩ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم حديث رقم : ٢٨٤٨ ، وابن حبان في صحيحه حديث رقم : ٣٧٨٩ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ٨٠٠٣ ، ١٢٦٥٧ ، والبيهقي في السنن الصغير حديث رقم : ٦٧٣ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ١٠٣٧٥.

٤٠