(مسائل)
(الأولى) للإمام ان يقضي بعلمه مطلقا في الحقوق ، ولغيره في حقوق الناس ، وفي حقوق الله قولان.
______________________________________________________
وفيه دلالة على جواز تجزي الاجتهاد ، لقوله (يعلم شيئا) ، وهو نكرة.
قال طاب ثراه : للإمام ان يقضي بعلمه مطلقا ، ولغيره في حقوق الناس ، وفي حقوق الله قولان.
أقول : إذا قامت البينة عند الحاكم ، أو أقر الخصم عنده سرا في مجلس قضائه وغيره بما يوجب حكما ، حكم قطعا ، وان لم يتفق أحدهما ، بل علم ما يوجب الحكم فهل يحكم بعلمه؟
فنقول : اما بالنسبة إلى جرح الشهود ، وتعديلهم ، فإنه يحكم بعلمه إجماعا ، والا لزم التسلسل ، أو الدور ، أو تعطيل الاحكام ، والكل باطل.
وما عدا ذلك هل يحكم فيه بعلمه؟ فالذي يظهر أن للأصحاب فيه ثلاثة أقوال :
(أ) الحكم مطلقا ، سواء كان إمام الأصل أو غيره ، وسواء كان الحق لله أو لآدمي ، وهو مذهب الشيخ (١) والمرتضى (٢) وأبي الصلاح (٣) واختاره المصنف (٤)
__________________
(١) الخلاف : كتاب آداب القضاء مسألة ٤١ قال : للحاكم ان يحكم بعلمه في جميع الأحكام إلخ.
(٢) الانتصار : مسائل القضاء والشهادات وما يتصل بذلك ص ٢٣٦ قال : مسألة إلى قوله : القول بان الامام والحكام من قبله ان يحكموا بعلمهم في جميع الحقوق والحدود.
(٣) الكافي : فصل في العلم بما يقتضي الحكم ص ٤٢٨ س ٧ قال : علم الحاكم بما يقتضي تنفيذ الحكم كاف في صحته إلخ.
(٤) الشرائع : مسائل (الأولى) قال : وغيره (اي غير الامام) من القضاة يقضي بعلمه في حقوق الناس ، وفي حقوق الله على قولين : أصحهما القضاء.
.................................................................................................
______________________________________________________
والعلّامة (١) وفخر المحققين (٢).
(ب) لا مطلقا في الحاكم والمحكوم به ، وهو مذهب أبي علي (٣) ونقله في المبسوط عن قوم (٤).
(ج) الحكم لإمام الأصل مطلقا ، ولغيره في حقوق الناس دون حقوقه تعالى ، قاله ابن حمزة (٥) وابن إدريس (٦).
احتج الأولون بوجوه :
(أ) قوله تعالى (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا) (٧) وقوله (وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٨) فمن علمه الحاكم زانيا أو سارقا وجب عليه القضاء بما أوجبته الآية.
(ب) ان قضائه بالشاهدين ظن ، وبالعلم يقين ، ومحال في الحكمة جواز الأول ومنع الثاني.
__________________
(١) القواعد : ج ٢ ، الفصل الثالث في مستند القضاء ٢٠٥ قال : وغيره يقضي به في حقوق الناس وكذا في حقه تعالى على الأصح.
(٢) الإيضاح : ج ٤ ص ٣١٢ س ٢٣ قال في شرح قول القواعد : وهو الأصح عندي وعند والدي.
(٣) المختلف : ج ٢ في لواحق القضاء ص ١٤٤ س ١٢ قال : وأبو علي بن الجنيد يصرح بالخلاف فيها ، ويذهب إلى انه لا يجوز للحاكم ان يحكم بعلمه في شيء من الحقوق ولا الحدود إلخ.
(٤) المبسوط : ج ٨ كتاب آداب القضاء ص ١٢١ س ١ قال : وقال آخرون لا يقضي ، وعندنا ان الحاكم إذا كان مأمونا قضى بعلمه إلخ.
(٥) الوسيلة : فصل في بيان سماع البينات وكيفية الحكم بها ص ٢١٨ س ١ قال : ويجوز للحاكم المأمون الحكم بعلمه في حقوق الناس إلخ.
(٦) السرائر : كتاب القضاء في سماع البينات ص ١٩٧ س ٢٠ قال : عندنا للحاكم ان يقضي بعلمه في جميع الأشياء ، ثمَّ استشهد بقضايا من حقوق الناس فلاحظ.
(٧) النور : ٢.
(٨) المائدة : ٣٨.
.................................................................................................
______________________________________________________
(ج) لو لم يحكم بعلمه ، لزم فسق الحكام ، أو إيقاف الاحكام ، لأنه إذا طلق الزوج زوجته بحضرته ، ثمَّ جحد الطلاق كان القول قوله مع يمينه ، فان حكم بغير علمه ، وهو استحلاف الزوج وتسليمها اليه فسق ، وان لم يحكم له وقف الحكم.
احتج المانعون بوجوه :
(أ) انّ فيه تهمة ، والتهمة تمنع القضاء ، كالشهادة ، فان تطرق التهمة إليها يمنع قبولها ، فتطرق التهمة في الحكم يمنع نفوذه.
(ب) انّ فيه تزكية نفسه ، وقال تعالى (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) (١).
(ج) ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في قضية الملاعنة : لو كنت راجما من غير بينة لرجمتها (٢).
وأجاب الأوّلون عن الأوّل : بأنّ التهمة حاصلة في الحكم بالبينة ، أو الإقرار مع عدم الالتفات إليها ، وأقوى فيما لو قال : ثبت عندي ، وصحّ لدىّ ، وحكمت بكذا ، فإنه يلزم حكمه ، ولا يبحث عمّا صح به عنده.
وعن الثاني : ان توليه الحكم وجلوسه مجلس القضاء ، تزكية نفسه ، وهو غير قادح في إمضاء حكمه.
وعن الثالث : بمنع السند.
احتج المفصلون : بالجمع بين القولين ، ولان حقوق الله تعالى مبنية على التخفيف.
هذا جملة ما يظهر لي في هذه المسألة من أقوال أصحابنا.
وادعى الامام فخر الدين قدس الله روحه : اتفاق الإمامية كافة على انّ الامام
__________________
(١) النجم : ٣٢.
(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥١٨ الحديث ١٤ ولاحظ ما علق عليه.
.................................................................................................
______________________________________________________
عليه السلام يحكم بعلمه ، لعصمته ، فعلمه يقيني ، واما غيره فهو موضع الخلاف (١).
قلت : ومعارضة السيد لأبي علي فيما أبطل به قوله ، حيث يقول : وكيف يخفى على ابن الجنيد هذا الذي لا يخفى على أحد ، أو ليس قد روت الشيعة الإمامية كلها ما هو موجود في كتبها ومشهور في رواياتها : انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله ادعى عليه أعرابي سبعين درهما عن ناقة باعها منه ، فقال صلّى الله عليه وآله : قد أوفيتك ، فقال الأعرابي : اجعل بيني وبينك رجلا حكما يحكم بيننا ، فاقبل رجل من قريش ، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله : احكم بيننا ، فقال للأعرابي : ما تدّعي على رسول الله؟ قال : سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه ، فقال : ما تقول يا رسول الله؟ قال : قد أوفيته ، فقال للأعرابي : ما تقول؟ قال : لم يوفني ، فقال لرسول الله : ألك بينة على انك قد أوفيته؟ فقال صلّى الله عليه وآله : لا فقال للأعرابي : أتحلف انك لم تستوف حقك وتأخذه؟ فقال : نعم ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لاحاكمن هذا الرجل الى رجل يحكم فينا بحكم الله عز وجل ، فاتى رسول الله صلّى الله عليه وآله الى علي بن أبي طالب ، ومعه الأعرابي ، فقال علي عليه السلام : ما لك يا رسول الله؟ فقال صلّى الله عليه وآله : يا أبا الحسن احكم بيني وبين هذا الأعرابي ، فقال عليه السلام : ما تدعي على رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ قال : سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه ، فقال : يا رسول الله ما تقول؟ فقال : قد أوفيته ثمنها ، فقال عليه السلام للأعرابي : أصدق رسول الله فيما قال؟ قال : لا ، ما أوفاني ، فأخرج علي عليه السلام سيفه فضرب عنقه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لم فعلت ذلك يا علي؟ فقال يا رسول الله نحن نصدقك على أمر الله ونهيه ، وأمر الجنة
__________________
(١) الإيضاح : ج ٤ كتاب القضاء ص ٣١٢ س ٢١ قال : اتفقت الإمامية كافة على ان الامام عليه السلام يحكم بعلمه لعصمته ، فعلمه يقيني.
.................................................................................................
______________________________________________________
والنار ، والثواب والعقاب ، ووحي الله عز وجل ، فلا نصدقك في ثمن ناقة هذا الأعرابي؟! ، واني قتلته لأنه كذبك لما قلت له : أصدق رسول الله فيما قال : فقال : لا ، ما أوفاني شيئا ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله أصبت يا علي ، فلا تعد الى مثلها ، ثمَّ التفت الى القرشي ، وكان قد تبعه ، فقال : هذا حكم الله لا ما حكمت به (١).
ثمَّ قال السيد بعد ما أورد هذا الخبر بطريق آخر ، وأورد ما يضاهيه : فمن يروي مثل هذه الاخبار مستحسنا لها ومعولا عليها ، كيف يجوز ان يشك في انه كان يذهب الى ان الحاكم يحكم بعلمه ، لو لا قلة التأمل من ابن الجنيد (٢).
قلت : وهذا الرد من السيد رحمه الله والحط على أبي علي بالمعارضة له بحكم علي عليه السلام ، وهو امام معصوم ، وكذا فخر الدين حيث قال : احتج المانعون بما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : لو كنت راجما من غير بينة لرجمتها ، فلم يحكم بعلمه عليه السلام وهو صاحب الشريعة (٣).
يدل على انّ المانع يمنع مطلقا ، فكيف يدعي اتفاق الإمامية كافة على انّ الامام يحكم بعلمه ، وموضوع الخلاف غيره ، لكنه رحمه الله اعلم بمواقع الخلاف ، ودقائق الأقوال ، وأجل ان يخفى عليه ما ظهر لنا ، فهو اعرف بما قال منّا.
__________________
(١) الانتصار : مسائل القضاء والشهادات ص ٢٣٨ س ٦ قال : وكيف خفي على ابن الجنيد الى آخره.
(٢) الانتصار : مسائل القضاء والشهادات ص ٢٤٠ س ٢٣ قال : فمن يروي هذه الاخبار إلخ.
(٣) الإيضاح : ج ٤ كتاب القضاء ص ٣١٣ س ٢٠ والحديث أوردها أصحاب الصحاح والمسانيد ، لاحظ صحيح البخاري : باب اللعان ، باب قول النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : لو كنت راجما بغير بينة ، وسنن ابن ماجه : ج ٢ كتاب الحدود (١١) باب من أظهر الفاحشة ص ٨٥٥ الحديث ٢٥٥٩ و ٢٥٦٠.
(الثانية) إذا عرف عدالة الشاهدين حكم ، وان عرف فسقهما اطرح ، وان جهل الأمرين ، فالأصح التوقف حتى يبحث عنهما.
(الثالثة) تسمع شهادة التعديل مطلقة ، ولا تسمع شهادة الجرح إلا مفصّلة.
(الرابعة) إذا التمس الغريم إحضار الغريم وجب اجابته ، ولو كان امرأة ، ان كانت برزة. ولو كان مريضا أو امرأة غير برزة ، استناب الحاكم من يحكم بينهما.
(الخامسة) الرشوة على الحاكم حرام ، وعلى المرتشي إعادتها.
______________________________________________________
قال طاب ثراه : إذا عرف عدالة الشاهدين ، حكم ، وان عرف فسقهما أطرح ، وان جهل الأمرين ، فالأصح التوقف حتى يبحث عنهما.
أقول : التوقف مذهب المفيد (١) وسلار (٢) والتقي (٣) واختاره المصنف (٤) والعلّامة (٥) لأن العدالة شرط قبول الشهادة ، ولا يجوز الحكم بالمشروط مع الجهل بالشرط ، ولأنه أحوط.
وقال الشيخ : يحكم لأن الأصل في المسلم العدالة ، ولأنه لم ينقل عن الصحابة
__________________
(١) المقنعة : باب كيفية سماع القضاة البينات ص ١١٣ س ١٨ قال : فان عرف له ما يوجب جرحه ، أو التوقف في شهادته لم يمض الحكم بها.
(٢) المراسم : ذكر احكام البينات ص ٢٣٤ س ١٢ قال : ومتى تلعثم الشاهد أو تتعتع الى قوله : ولا يحكمن بها الا بعد التعرف.
(٣) الكافي : فصل في الشهادات ص ٤٣٥ س ٦ قال : العدالة شرط في صحة الشهادة الى ان قال : وان اختل شرط لم تقبل الشهادة.
(٤) لاحظ عبارة النافع.
(٥) القواعد : ج ٢ ، الفصل الثالث في مستند القضاء ص ٢٠٥ س ١٣ قال : فان علم فسق الشاهدين لم يحكم الى ان قال : وان جهل الأمر بحث عنهما.
النظر الثالث : في كيفية الحكم
وفيه مقاصد
(الأول) في وظائف الحاكم وهي أربع :
(الأولى) التسوية بين الخصوم في السلام ، والكلام ، والمكان ، والنظر ، والإنصات ، والعدل في الحكم. ولو كان احد الخصمين كافرا جاز ان يكون الكافر قائما والمسلم قاعدا ، أو أعلى منزلا.
(الثانية) لا يجوز ان يلقّن احد الخصمين شيئا يستظهر به على خصمه.
(الثالثة) إذا سكتا استحب له ان يقول : تكلّما ، أو ان كنتما حضرتما لشيء ، فاذكراه ، أو ما ناسبه.
(الرابعة) إذا بدر احد الخصمين سمع منه ، ولو قطع عليه غريمه منعه حتى تنتهي دعواه ، أو حكومته ولو ابتدرا الدعوى سمع من الذي عن
______________________________________________________
والتابعين البحث عن حال المسلم (١).
وأجيب : بأن الإسلام يقتضي العدالة بمعنى ان المسلم أقرب إليها ، ولا يقتضيها اقتضاء يمنع من النقيض ، وقبول الشهادة مبني على اليقين ، لا التجويز.
وعن الثاني : بان عدم النقل لا يدل على عدم وقوعه ، وجاز لا وقوعه لعدم احتياجهم اليه.
__________________
(١) الخلاف : كتاب آداب القضاء ، مسألة ١٠ قال : دليلنا الى قوله : وأيضا الأصل في الإسلام العدالة ، والفسق طارئ عليه يحتاج الى دليل ، وأيضا نحن نعلم انه ما كان البحث في أيام النبيّ صلّى الله عليه وآله الى آخره.
يمين صاحبه. وان اجتمع خصوم كتب أسماء المدعين واستدعي من يخرج اسمه.
(المقصد الثاني) : في جواب المدعى عليه ، وهو اما إقرار ، أو إنكار ، أو سكوت. أما الإقرار فيلزم إذا كان جائز الأمر ، رجلا كان أو امرأة ، فإن التمس المدعي الحكم به ، حكم له. ولا يكتب على المقر حجة إلا بعد المعرفة باسمه ونسبه ، أو يشهد بذلك عدلان ، الا ان يقنع المدعي بالحلية. ولو امتنع المقر من التسليم أمر الحاكم خصمه بالملازمة ، ولو التمس حبسه ، حبس ، ولو ادعى الإعسار كلف البينة ، ومع ثبوته ينظر ، وفي تسليمه الى الغرماء رواية ، وأشهر منها تخليته.
______________________________________________________
قال طاب ثراه : ولو ادعى الإعسار كلف البينة ، ومع ثبوته ينظر ، وفي تسليمه الى الغرماء رواية ، وأشهر منها تخليته.
أقول : إنما كلف البينة بالإعسار إذا كان له أصل مال ، أو كان أصل الدعوى مالا ، اما لو لم يعرف له أصل مال ، ولا كان أصل الدعوى مالا ، بل جناية ، أو صداقا ، أو نفقة زوجة ، أو قريب استدان عليه بإذن منه ، أو من الحاكم ، فإنه يقنع بيمينه.
إذا عرفت هذا : فاذا ثبت إعساره شرعا ، فهل يخلى سبيله ، أو يسلم الى الغرماء؟ المشهور بين الأصحاب هو الأول قاله الشيخ في الخلاف (١) واختاره ابن إدريس (٢)
__________________
(١) الخلاف : كتاب التفليس ، مسألة ١٥ قال : إذا أفلس من عليه الدين الى قوله : لا يواجر ليكتسب ويدفع الى الغرماء إلخ.
(٢) السرائر : باب النوادر في القضايا ص ٢٠٢ س ١٢ قال بعد نقل حديث السكوني : هذا الخبر غير صحيح ولا مستقيم ، لأنه مخالف لأصول مذهبنا ، الى قوله : ولم يذكر استعملوه ولا أجروه إلخ.
.................................................................................................
______________________________________________________
وهو مذهب المصنف (١) واحد قولي العلّامة (٢) لقوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (٣) وقال في النهاية : للغرماء مؤاجرته (٤) وفصّل ابن حمزة فقال : إذا ثبت إعساره خلّى سبيله ان لم يكن ذا حرفة يكتسب بها ، وامره بالتمحل ، وان كان ذا حرفة دفعه اليه ليستعمله ، فما فضل عن قوته وقوت عياله بالمعروف أخذه بحقه (٥) واحتج بالحديث المشهور الذي رواه السكوني عن الصادق عليه السلام عن الباقر عليه السلام عن علي عليه السلام : انه كان يحبس في الدين ، ثمَّ ينظر ان كان له مال اعطى الغرماء ، وان لم يكن له مال دفعه الى الغرماء فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، ان شئتم وأجروه وان شئتم استعملوه (٦).
قال العلّامة في المختلف : وما قاله ابن حمزة ليس بعيدا من الصواب لأنه متمكن من أداء ما وجب عليه ، وإيفاء صاحب الدين حقه ، فيجب عليه ، أما الكبرى فظاهرة ، واما الصغرى فلأن الفرض انه متمكن من التكسب والتحصيل ، وكما يجب السعي في المؤنة كذا يجب في أداء الدين ، ونمنع إعساره ، لأنه متمكن ، ولا فرق بين القدرة على المال وعلى تحصيله ، ولهذا منعنا القادر على التكسب بالصنعة والحرفة من أخذ الزكاة باعتبار إلحاقه بالغني القادر على المال (٧).
__________________
(١) لاحظ عبارة النافع.
(٢) القواعد : ج ٢ ، الفصل الثاني فيما يترتب على الدعوى ص ٢٠٩ س ٤ قال : فان ادعى الإعسار إلى قوله : لم يحل حبسه وانظر الى ان يوسر.
(٣) البقرة : ٢٨٠.
(٤) النهاية : باب آداب القضاء ص ٣٣٩ س ٦ قال : والا أمر خصمه بملازمته حتى يرضيه ، وأورد في ص ٣٥٢ تحت رقم ١٢ الحديث عن السكوني ، ولم نظفر في النهاية بهذه العبارة.
(٥) الوسيلة : في بيان صفة القاضي وآداب القضاء ص ٢١٢ س ٧ قال : فاذا ثبت إعساره إلخ.
(٦) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات في القضايا والاحكام ص ٣٠٠ الحديث ٤٥.
(٧) المختلف : ج ٢ فيما يتعلق بالقضاء ص ١٥٩ قال : مسألة ، قال ابن حمزة الى آخره.
ولو ارتاب بالمقر ، توقف في الحكم حتى يتبين حاله.
واما الإنكار : فعنده يقال للمدعي : ألك بينة؟ فان قال نعم أمر بإحضارها ، فإذا حضرت سمعها ، ولو قال : البينة غائبة ، أجل بمقدار إحضارها. وفي تكفيل المدعى عليه تردد (١) ، ويخرج من الكفالة عند انقضاء الأجل ، وان قال : لا بينة ، عرّفه الحاكم ان له اليمين. ولا يجوز إحلافه حتى يلتمس المدعي ، فان تبرع ، أو أحلفه الحاكم لم يعتد بها ، وأعيدت مع التماس المدعي.
______________________________________________________
قلت : هذا التعليل لا ينهض بالدلالة على قول ابن حمزة لأن غاية وجوب السعي والتكسب في قضاء الدين ، لا يسلط صاحب الدين على استعماله ومؤاجرته ، لانتفاء ولايته عليه.
فان قيل : الولاية ثابتة بقول الحاكم : (ان شئتم وأجروه وان شئتم استعملوه).
قلنا : ولاية الحاكم وحجره تتعلق بالمال الموجود ، والتقدير انه لا مال له.
تنبيه
مذهب المصنف رحمه الله : أنه لا يجب التكسب في قضاء الدين ، بل إذا تكسب وفضل معه عن مئونته شيء ، وجب صرفه في قضاء دينه (١) ومذهب العلّامة وجوب السعي فيه (٢) والإجبار عليه كما يجبر على التكسب في مئونته ومئونة عياله ، وهو امتن ، وعليه يدل الأحاديث (٣) ويلزم المصنف مذهب الشيخ في الكتابة وهو لا يقول به. قال طاب ثراه : ولو قال : البينة غائبة ، أجّل بمقدار إحضارها ، وفي تكفيل
__________________
(١) لم أعثر عليه.
(٢) القواعد : ج ١ كتاب الدين ص ١٥٥ س ٢٣ قال : ويجب على المديون السعي في قضاء الدين وترك الإسراف في النفقة.
(٣) الكافي : ج ٥ كتاب المعيشة باب قضاء الدين ص ٩٥ الحديث ٢.
.................................................................................................
______________________________________________________
المدعى عليه هنا تردد.
أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :
(أ) تكفيله مدة لاحضارها وتخرج عن الكفالة بانقضاء الأجل قاله المفيد (١) والشيخ في النهاية (٢) وبه قال التقي (٣) والقاضي في الكامل (٤) وأطلقوا المدة ، والظاهر انها موكولة إلى نظر الحاكم.
(ب) تقييد المدة بثلاثة أيام ، فإن زادت لم يلزمه الكفيل ، ويخرج عن الكفالة بانقضائها قاله ابن حمزة (٥).
(ج) ليس له إلزامه بكفيل ، بل إمّا أن يحلفه أو يطلقه قاله الشيخ في الخلاف (٦) وهو مذهب أبي علي (٧) ، واختاره المصنف (٨) والعلامة (٩).
__________________
(١) المقنعة : باب قيام البينة على الحالف ص ١١٤ س ٨ قال : وإذا بعدت بينة المدعى كان له تكفيل المدعى عليه الى ان يحضر ببينة إلخ.
(٢) النهاية : باب آداب القضاء ص ٣٣٩ س ١٦ قال : وان قال المدعي : لست أتمكن من إحضارها جعل معه مدة من الزمان ليحضر فيه ببينة ويكفل بخصمه إلخ.
(٣) الكافي : الفصل الثالث من تنفيذ الاحكام ص ٤٤٦ س ١١ قال : وان ادعى بينة غائبة الى ان قال : فان انقضت المدة ولم يحضر بينة سقط تضمين خصمه إلخ.
(٤) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء وتوابعه ص ١٣٨ س ٣٦ قال : ولابن البراج قولان : ففي الكامل وافق الشيخ أيضا.
(٥) الوسيلة : كتاب القضايا والاحكام ص ٢١٢ س ١٨ قال : وان ادعى غيبة بينته الى قوله : ما لم تزد المدة على ثلاثة أيام ، فإن زادت لم يلزمه الكفيل إلخ.
(٦) كتاب الخلاف : كتاب آداب القضاء مسألة ٣٦ قال : فقال المدعي : لي بينة غير أنها غائبة لم يجب له ملازمة المدعى عليه ولا مطالبته له بكفيل إلخ.
(٧) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء في الآداب ص ١٣٨ س ٣٤ قال : وقال ابن الجنيد : ولو سأل المدعي القاضي مطالبة المدعي عليه بكفيل الى قوله لم يكن ذلك واجبا عليه إلخ الى ان قال : وما ذكرناه أولا (أي مختار الشيخ) هو الأظهر والأصح.
(٨) لاحظ عبارة النافع.
(٩) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء في الآداب ص ١٣٨ س ٣٤ قال : وقال ابن الجنيد : ولو سأل المدعي القاضي مطالبة المدعي عليه بكفيل الى قوله لم يكن ذلك واجبا عليه إلخ الى ان قال : وما ذكرناه أولا (أي مختار الشيخ) هو الأظهر والأصح.
ثمَّ المنكر اما ان يحلف ، أو يرد ، أو ينكل. فان حلف سقطت الدعوى ، ولو ظفر له المدعي بمال لم يجز له المقاصة ، ولو عاود الخصومة لم تسمع دعواه ، ولو اقام بينة لم تسمع (وقيل : يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها) (١) ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته.
فان رد اليمين على المدعي صح ، فان حلف استحق ، وان امتنع سقطت دعواه.
______________________________________________________
احتج الأولون : بانّ في تكفيله حفظا لحق المدعي ، وصونا له عن الضياع ، حذرا من هرب الغريم.
احتج المانعون : بأصالة البراءة ، وبان التكفيل عقوبة لم يثبت لها موجب.
قال طاب ثراه : وقيل : يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها.
أقول : اتفق المسلمون على سقوط الدعوى في مجلس الحلف ، وهل يسمع في غيره؟ للأصحاب فيه ثلاثة أقوال :
(أ) عدم السماع قاله الشيخ في النهاية (١) والخلاف (٢) وموضع من المبسوط (٣) ، وهو مذهب أبي علي (٤) واختاره المصنف (٥) والعلّامة (٦).
__________________
(١) النهاية : باب آداب القضاء ص ٣٤٠ س ١٦ قال : وان قال المدعي الى قوله : فحلفه الحاكم ثمَّ اقام بعد ذلك البينة ، لم يلتفت الى بينته وأبطلت.
(٢) كتاب الخلاف : كتاب الشهادات مسألة ٤٠ قال : إذا حلف المدعى عليه ثمَّ أقاما المدعي البينة بالحق لم يحكم له بها.
(٣) المبسوط : ج ٨ كتاب الشهادات ص ٢١٠ س ٤ قال : المدعى عليه إذا حلف ثمَّ اقام المدعي بعد ذلك بينة بالحق فعندنا لا يحكم له بها.
(٤) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء ، في الآداب ص ١٣٨ س ١٨ قال بعد نقل قول الشيخ في الخلاف والنهاية : وهو قول ابن الجنيد ، الى ان قال : والمعتمد ما نقله الشيخ في النهاية.
(٥) لاحظ عبارة النافع.
(٦) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء ، في الآداب ص ١٣٨ س ١٨ قال بعد نقل قول الشيخ في الخلاف والنهاية : وهو قول ابن الجنيد ، الى ان قال : والمعتمد ما نقله الشيخ في النهاية.
.................................................................................................
______________________________________________________
احتجوا : بأن البينة حجة المدعي ، فيكون اليمين حجة المنكر ، وكما لا يسمع حجة المنكر بعد حجة المدعي ، كذا لا يسمع حجة المدعي بعد حجة المنكر.
ولصحيحة عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام قال : إذا رضى صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف ان لا حق له قبله ، ذهبت اليمين بحق المدعي ، ولا دعوى له ، قلت له : وان كانت عليه بينة عادلة؟ قال : نعم ، وان أقام بعد ما استحلفه خمسين قسامة ما كان له ، وكان اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه (١).
قال رسول لله صلّى الله عليه وآله : من حلف لكم فصدقوه ، ومن سألكم بالله فأعطوه ذهب اليمين بدعوى المدعي فلا دعوى له (٢).
(ب) السماع ان لم يكن المنكر شرط سقوط الحق بيمينه ، وعدمه ان شرطه ، قاله المفيد (٣) والقاضي في الكامل (٤) وابن حمزة (٥).
(ج) قال في موضع من المبسوط : ان كان قد أقام البينة على حقه غيره ، وتولى ذلك الغير الاشهاد عليه ، ولم يعلم هو ، أو تولى هو إقامة البينة ونسي ، فإنه يقوى في
__________________
(١) التهذيب : ج ٦ (٨٩) باب كيفية الحكم والقضاء ص ٢٣١ الحديث ١٦.
(٢) الفقيه : ج ٣ (٢٤) باب بطلان حق المدعي بالتحليف وان كان له بينة ص ٣٧ الحديث ٢.
(٣) المقنعة : باب قيام البينة على الحالف ص ١١٤ س ٣ قال : اللهم إلا ان يكون المدعي قد اشترط على المدعى عليه ان يمحو عنه كتابه عليه ويرضى بيمينه في إسقاط دعواه.
(٤) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء ص ١٤٦ س ٢٠ قال : قال ابن البراج في الكامل بما ذهب اليه المفيد.
(٥) الوسيلة : كتاب القضايا والاحكام ص ٢١٣ س ٥ قال : وإذا حلف المدعى عليه وشرط في اليمين انه إذا حلف لم يكن رجوع إلخ.
ولو نكل المنكر عن اليمين وأصرّ ، قضي عليه بالنكول ، وهو المروي. وقيل : يرد اليمين على المدعي ، فان حلف ثبت حقه ، وان نكل بطل.
ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت اليه.
ولا يستحلف المدعي مع بينة إلا في الدين على الميت ، يستحلف على بقائه في ذمته ، استظهارا.
واما السكوت : فان كان لآفة توصل إلى معرفة إقراره أو إنكاره. ولو
______________________________________________________
نفسي انه تقبل بينته ، فاما مع علمه ببيّنته فلا تقبل (١) واختاره التقي (٢) وابن إدريس (٣) ومثله : لو اتفق انهما شهدا من غير شعور منه بشهادتهما ، واحتمله العلّامة في المختلف (٤) قال : لانّ طلب الإحلاف لظن عجزه عن استخلاص حقه بالبينة.
تنبيه
لو اقام المدعي بينة على إقراره بالحق بعد الحلف ، سمعت ، لجواز المطالبة مع إكذاب نفسه إجماعا.
قال طاب ثراه : ولو نكل المنكر عن اليمين وأصرّ ، قضى عليه بالنكول ، وهو
__________________
(١) المبسوط : ج ٨ كتاب الشهادات ، فصل آخر ص ٢١٠ س ١٥ قال : وان كان غيره تولى ذلك سمعت منه إلخ مع تفاوت يسير.
(٢) الكافي : القضاء ، الفصل الثالث ص ٤٤٧ س ٧ قال : اعلم المدعي ان استحلاف خصمك يسقط حق دعواك ويمنع من سماع بينة ان كانت لك الى قوله : فاذا حلف برئ من حق دعواه وتأثير بينة ان قامته له.
(٣) السرائر : كتاب القضاء ص ١٩٢ س ٢٩ قال : وان اعترف المنكر بعد يمينه بالله بدعوى خصمه عليه وندم على إنكاره ألزمه الحق إلخ.
(٤) المختلف : ج ٢ كتاب القضاء ص ١٤٧ س ٣٤ قال : ويحتمل قويا عندي سماع بينته إن خفي عنه ن له بينة الى قوله : لأنه طلب الإحلاف لظن عجزه عن استخلاص حقه بالبينة إلخ.
افتقر الى مترجم لم يقتصر على الواحد. ولو كان عنادا حبسه حتى يجيب.
______________________________________________________
المروي. وقيل : يرد اليمين على المدعي فان حلف ثبت حقه وان نكل بطل.
أقول : إذا نكل المنكر عن اليمين ، بمعنى انه لم يحلف ولم يرد ، هل يقضى عليه بالنكول ، ويلزم الحق ، ويكون النكول كإقراره ، أو كقيام البينة ، أو يرد اليمين على المدعي؟ الصدوقان (١) (٢) والمفيد (٣) وتلميذه (٤) والتقي (٥) على الأول ، واختاره المصنف (٦) وهو ظاهر النهاية (٧).
وابن حمزة (٨) وأبي علي (٩) وابن إدريس (١٠) على الثاني. وهو قوله في
__________________
(١) المختلف : ج ٢ الفصل الثالث في لواحق القضاء ص ١٤٣ س ١٩ قال : وبه (اي القضاء بالنكول) قال في القدماء من علمائنا ابنا بابويه.
(٢) المقنع : باب القضاء والاحكام ص ١٣٢ س ١٦ قال : فان نكل عن اليمين لزمه الحق.
(٣) المقنعة : باب آداب القاضي ص ١١٣ س ٥ قال : وان نكل عن اليمين ألزمه الخروج الى خصمه مما ادعاه عليه.
(٤) المراسم : ذكر احكام القضاء ص ٢٣١ س ٧ قال : وان نكل عن اليمين ألزمه المدعى عليه.
(٥) الكافي : القضاء ص ٤٤٧ س ١١ قال : وان نكل عن اليمين ألزمه الخروج اليه من حق دعواه.
(٦) لاحظ عبارة النافع.
(٧) النهاية : باب آداب القضاء ص ٣٤٠ س ٦ قال : وان نكل عن اليمين ألزمه الخروج الى خصمه مما ادعاه عليه.
(٨) الوسيلة : فصل في بيان احكام اليمين ص ٢٢٩ س ١٠ قال : وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين الى قوله : رد اليمين على المدعي.
(٩) المختلف : ج ٢ في لواحق القضاء ص ١٤٣ س ١٩ قال : وقال ابن الجنيد : يرد اليمين على المدعي ويحلف ويقضى له الى قوله : والمعتمد انه لا يحكم بالنكول ، بل بيمين المدعي.
(١٠) السرائر : في آداب القضاء ص ١٩٤ س ٤ قال : ولا يجوز ان يحكم عليه بالحق بمجرد النكول ، بل لا بد من يمين المدعي.
.................................................................................................
______________________________________________________
الخلاف (١) واختاره العلّامة (٢) وفخر المحققين (٣).
احتج الأولون : بصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام : انه حكى عن أمير المؤمنين عليه السلام : انه الزم أخرس بدين ادعي عليه ، فأنكر ، ونكل عن اليمين (٤) فالزمه الدين بامتناعه عن اليمين.
أجابوا : باحتمال إلزامه عقيب إحلاف المدعي.
احتج الآخرون بوجوه :
(أ) ان الحكم مبني على الاحتياط التام ، وأتم ما كان بعد يمين المدعي ، لاحتمال نكوله لا عن ثبوت الحق ، بل لحرمة اليمين ، أو لحلفه انه لا يحلف ، فهو أعم من ثبوت الحق ، ولا دلالة للعام على الخاص.
(ب) ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انه رد اليمين على طالب الحق (٥).
(ج) حسنة هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام انه قال : ترد اليمين على المدعي (٦) فلم يفصل ، فيتناول صورة النزاع.
__________________
(١) كتاب الخلاف : كتاب الشهادات مسألة ٣٨ قال : ردت اليمين على المدعي فيحلف ويحكم له ، ولا يجوز الحكم على المدعى عليه بنكوله.
(٢) المختلف : ج ٢ في لواحق القضاء ص ١٤٣.
(٣) الإيضاح : فيما يترتب على الدعوى ص ٣٣١ س ١٦ قال : وهو الحق عندي ، أي رد اليمين على المدعي.
(٤) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات في القضايا والاحكام ص ٣١٩ قطعة من حديث ٨٦.
(٥) سنن الدارقطني : ج ٤ كتاب في الأقضية والاحكام ص ٢١٣ الحديث ٢٤.
(٦) التهذيب : ج ٦ (٨٩) باب كيفية الحكم والقضاء ص ٢٣٠ الحديث ١١.
(المقصد الثالث) في كيفية الاستحلاف
ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا ، لكن ان رأى الحاكم إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه أردع ، جاز.
ويستحب للحاكم تقديم العظة. ويجزيه ان يقول : والله ما له قبلي كذا. ويجوز تغليظ اليمين بالقول والزمان والمكان. ولا تغليظ لما دون نصاب القطع.
ويحلف الأخرس بالإشارة ، وقيل : يوضع يده على اسم الله تعالى في المصحف ، وقيل : يكتب اليمين في لوح ويغسل ، ويؤمر بشربه بعد اعلامه ، فان شربه كان حالفا ، وان امتنع ألزم الحق.
ولا يحلف الحاكم أحدا إلا في مجلس قضائه ، إلا معذورا كالمريض ، أو امرأة غير برزة.
ولا يحلف المنكر الا على القطع ، ويحلف على فعل غيره على نفي
______________________________________________________
قال طاب ثراه : ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا ، لكن ان رأى الإمام إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه أردع ، جاز.
أقول : الأصل في اليمين ان يكون بالله ، لقوله عليه السّلام : من كان حالفا فليحلف بالله (١) و (من) من ألفاظ العموم ، نعم قد يرى الحاكم تحليف الذمي بما يقتضيه دينه أردع وأزجر من اليمين بالله ، فيكون كتغليظ اليمين في حق المسلم ، فيجوز حينئذ إحلافه بتلك اليمين المشتملة على الزجر.
قال طاب ثراه : ويحلف الأخرس بالإشارة ، وقيل : بوضع يده على اسم الله في
__________________
(١) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٤٤٥ الحديث ١٦٨ وفيه من كان حالفا فليحلف بالله ، أو ليذر.
العلم كما لو ادعى على الوارث فأنكر ، أو ادعى ان يكون وكيله قبض أو باع.
______________________________________________________
المصحف ، وقيل : يكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد اعلامه ، فان شرب كان حالفا والا ثبت الحق (١).
أقول : في كيفية تحليف الأخرس ، ثلاثة أقوال :
(أ) الاكتفاء بالإشارة المفهمة الدالة على حلفه كسائر أموره ، وهو المشهور ، واختاره المصنف (٢) والعلّامة (٣) لأن الشارع أقام الإشارة فيه مقام الكلام.
(ب) لا يكفي الإشارة وحدها ، بل لا بد من وضع يده على اسم الله تعالى ، قاله الشيخ في النهاية (٤) وعبارته : إذا أراد الحاكم ان يحلف الأخرس حلّفه بالإشارة والإيماء إلى اسم الله ويضع يده على اسم الله في المصحف ، ويعرف يمينه على الإنكار كما يعرف إقراره وإنكاره ، وان لم يحضر المصحف وكتب اسم الله ووضع يده عليه ، جاز. فهذا الكلام يعطي انه لا بد منهما ، ولا يكفي أحدهما. وقول المصنف : (وقيل : يضع يده على اسم الله) مراده مع الإشارة.
(ج) غسل اليمين بعد كتابتها وأمره بشربها ، وهو قول ابن حمزة في الوسيلة ، حيث قال : إذا توجهت اليمين على الأخرس ، وضع يده على المصحف ، وعرّفه حكمها ، وحلّفه بالأسماء : وان كتب اليمين على لوح ، ثمَّ غسلها ، وجمع الماء في شيء وأمر بشربه ، جاز ، فان شرب فقد حلف ، وان أبي ألزمه ، وجعله في النهاية رواية (٥).
وهي صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال : سألته عن
__________________
(١) في النسخ المخطوطة الحاضرة عندي (والا ثبت الحق) كما أثبتناه ، وفي النسخة المطبوعة من مختصر النافع كما أثبتناه في المتن ، والأمر سهل.
(٢) لاحظ عبارة النافع.
(٣) القواعد : ج ٢ ، المقصد الرابع في الإحلاف ص ٢١١ س ٩ قال : وحلف الأخرس بالإشارة.
(٤) النهاية : باب كيفية الاستحلاف ، ص ٣٤٧ س ١٦ قال : وإذا أراد الحاكم الى آخر ما أثبتناه.
(٥) النهاية : باب كيفية الاستحلاف ص ٣٤٨ س ١ قال : وقد روي انه يكتب نسخة اليمين إلخ.
واما المدعي ولا شاهد له ، فلا يمين عليه الا مع الرد ، أو مع نكول المنكر على قول (١) ، ويحلف على الجزم. ويكفي مع الإنكار الحلف على نفي الاستحقاق ، فلو ادعى المنكر الإبراء ، أو الأداء انقلب مدعيا ، والمدعي منكرا ، فيكفيه اليمين على بقاء الحق. ولا يتوجه على الوارث بالدعوى
______________________________________________________
الأخرس كيف يحلف إذا ادعي عليه دين ، ولم يكن للمدعي بينة؟ فقال : قال أمير المؤمنين عليه السلام ، لما ادعي عنده على أخرس من غير بينة : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للأمة جميع ما تحتاج اليه ، ثمَّ قال : ائتوني بمصحف ، فاتي به ، فقال للأخرس : ما هذا؟ ورفع رأسه الى السماء ، وأشار أنه كتاب الله عز وجل ، ثمَّ قال : ايتوني بوليه ، فأتي بأخ له ، فأقعده الى جنبه ، ثمَّ قال : يا قنبر عليّ بدواة وصحيفة ، فأتاه بهما ، ثمَّ قال لأخ الأخرس : قل لأخيك : هذا بينك وبينه : انه علي ، فتقدم اليه بذلك ، ثمَّ كتب أمير المؤمنين عليه السلام : والله الذي لا إله الا هو عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب الضار النافع المدرك المهلك ، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية : إن فلان بن فلان المدعي ليس له قبل فلان بن فلان أعني الأخرس حق ولا طلب بوجه من الوجوه ، ولا بسبب من الأسباب ، ثمَّ غسله وأمر الأخرس ان يشربه ، فامتنع ، فالزمه الدين (١).
وحملها ابن إدريس على أخرس لا يكون له كتابة معقولة ولا اشارة مفهومة (٢).
قال طاب ثراه : أما المدعي ولا شاهد له ، فلا يمين عليه الا مع الرد ، أو نكول المنكر على قول. (١)
__________________
(١) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات في القضايا والاحكام ص ٣١٩ الحديث ٨٦.
(٢) السرائر : باب كيفية الاستحلاف ص ١٩٨ س ٢٨ قال : ويمكن حمل هذه الرواية والعمل بها إلخ.
على موروثة إلا مع دعوى علمه بموجبة ، أو إثباته وعلمه بالحق ، وانه ترك في يده مالا. ولا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة ، ولا يتوجه بها يمين على المنكر. ولو ادعى الوارث لمورثه مالا ، سمع دعواه ، سواء كان عليه دين يحيط بالتركة أو لم يكن. ويقضي بالشاهد واليمين في الأموال والديون. ولا يقبل في غيره مثل الهلال والحدود والطلاق والقصاص.
ويشترط شهادة الشاهد أولا ، وتعديله. ولو بدأ باليمين وقعت لاغية ، ويفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة.
ولا يحلف مع عدم العلم ، ولا يثبت مال غيره.
(مسألتان)
(الاولى) لا يحكم الحاكم بأخبار لحاكم آخر ، ولا بقيام البينة بثبوت الحكم عند غيره ، نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم واشهد على نفسه ، فشهد شاهدان بحكم عند آخر ، وجب على المشهود عنده إنفاذ ذلك الحكم.
(الثانية) القسمة تمييز الحقوق ، ولا يشترط حضور قاسم ، بل هو أحوط ، فاذا عدلت السهام كفت القرعة في تحقق القسمة. وكل ما يتساوى اجزائه يجبر الممتنع على قسمته كالحنطة والشعير ، وكذا ما لا يتساوى اجزائه إذا لم يكن في القسمة ضرر ، كالأرض والخشب ، ومع الضرر لا يجبر الممتنع.
______________________________________________________
أقول : تقدم البحث في هذه المسألة.