كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]
المحقق: الدكتور سهيل زكار
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
فحينئذ راسل جوسلين الفرنجي أهل الرّها وعامّتهم من الأرمن ، وحملهم على العصيان وتسليم البلد ، فأجابوه إلى ذلك ، وواعدوهم يوما يصل إليهم فيه.
وسار إليها فملك البلد ، وامتنعت القلعة فقاتلها ، فبلغ الخبر إلى نور الدّين محمود بن زنكي ، وهو بحلب ، فسار إليها في عسكره ، فخرج جوسلين هاربا إلى بلده.
ودخلها نور الدّين فنهبها وسبى أهلها ، وخلت منهم ، فلم يبق بها منهم إلّا القليل (١).
وأرسل نور الدّين من سبيها جارية في جملة ما أهداه إلى زين الدّين علي كوچك ، نائب أبيه بالموصل ، فلمّا رآها دخل إليها ، وخرج من عندها وقد اغتسل ، وقال لمن عنده : «تعلمون ما جرى لي يومنا هذا؟» قالوا : «لا» ، قال : «لمّا فتحنا الرّها مع الشّهيد وقع بيدي من النّهب جارية رائقة أعجبني حسنها ومال قلبي إليها ، فلم يكن بأسرع من أن أمر الشّهيد فنودي بردّ السّبي المنهوب ، وكان مهيبا مخوفا ، فرددتها وقلبي متعلّق بها ، فلمّا كان الآن جاءتني هديّة نور الدّين وفيها عدّة جوار منهنّ تلك الجارية ، فوطئتها خوفا أن يقع مثل تلك الدّفعة».
وشرع نور الدّين ـ رحمهالله ـ في صرف همّته إلى الجهاد ، فدخل في
__________________
(١) أوفى التفاصيل حول هذه الواقعة عند المؤرخ السرياني المجهول. الموسوعة الشامية ص ٢٠١٥ ـ ٢٠٢١.
سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ، إلى بلد الفرنج ؛ ففتح أرتاح بالسّيف ، ونهبها وفتح حصن مابولة ، وبسرفوث ، وكفرلاثا وهاب (١).
وكان الفرنج بعد قتل والده قد طمعوا وظنّوا أنّهم يستردّون ما أخذه ، فلمّا رأوا من نور الدّين الجدّ في أول أمره ، علموا بعد ما أمّلوه.
وخرج ملك الألمان ونزل على دمشق ، في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، وسار لنجدتها سيف الدّين غازي من الموصل ، ونور الدين محمود ، فوصلا إلى حمص.
وتوّجه نور الدّين إلى بعلبكّ ، واجتمع بمعين الدّين أنر بها ، ورحل ملك الألمان عن دمشق ، وكان صحبته ولد الفنش ، وكان جده قد أخذ طرابلس من المسلمين ، فأخذ ولد الفنش هذا حصن العريمة من الفرنج ، وعزم على أخذ طرابلس من القمص ، فأرسل القمص إلى نور الدين إلى بعلبكّ يقول له في قصد حصن العريمة وأخذه من ولد الفنش.
فسار نور الدّين ومعين الدّين أنر معه ، وسيّرا إلى سيف الدّين غازي إلى حمص ، يستنجدانه فأمدّهما بعسكر كثير مع الدّبيسي صاحب الجزيرة ، فنازلوا الحصن ، وحصروه وبه ولد الفنش.
فزحف المسلمون إليه مرارا ، ونقب النقّابون السّور فطلب من به من الفرنج الأمان ، فملكه المسلمون ، وأخذوا كلّ من به من فارس وراجل ،
__________________
(١) انظر الأعلاق الخطيرة ـ قسم حلب ـ ج ٢ ص ٤٢٥.
وصبيّ ، وامرأة ، وفيهم ابن الفنش ، وأخربوا الحصن ، وعادوا إلى حمص (١).
ثم عاد سيف الدين غازي إلى الموصل.
وتجمّع الفرنج ليقصدوا أعمال حلب ، فخرج إليهم نور الدّين بعسكره والتقاهم بيغرى (٢) ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم الفرنج ، وأسر منهم جماعة وقتل خلق ، ولم ينج إلّا القليل.
وفي هذه الوقعة يقول الشّيخ أبو عبد الله القيسراني من قصيدة :
وكيف لا نثني على عيشناال |
|
محمود والسّلطان «محمود!» |
وصارم الاسلام لا يثني |
|
إلّا وشلو الكفر مقدود |
مكارم لم تك موجودة |
|
إلّا و «نور الدّين» موجود (٣) |
وشرع نور الدّين في تجديد المدارس والرّباطات بحلب ، وجلب أهل العلم والفقهاء إليها ، فجدّد المدرسة المعروفة بالحلاويّين ، في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، واستدعى برهان الدّين أبا الحسن علي بن الحسن البلخي الحنفي وولّاه تدريسها ، فغيّر الأذان بحلب ، ومنع المؤذّنين من قولهم : «حيّ على خير العمل» وجلس تحت المنارة ومعه الفقهاء ، وقال
__________________
(١) الحديث هنا عن حصار دمشق للمرة الثانية ، الآن من قبل ما يعرف بالحملة الثانية ، مع ما تلته من أحداث. انظر وليم الصوري ص ٧٧٩ ـ ٧٩١.
(٢) من عمل حارم ناحية العمق ، ولعلها المعروفة الآن باسم يغله في محافظة ادلب ـ ناحية كفر تخاريم.
(٣) انظر القصيدة بأكملها في الروضتين لأبي شامة ج ١ ص ٥٥ ـ ٥٦.
لهم : «من لم يؤذّن الأذان المشروع فألقوه من المنارة على رأسه» ، فأذّنوا الأذان المشروع ، واستمرّ الأمر من ذلك اليوم.
وجدّد المدرسة العصرونيّة على مذهب الشافعي ، وولّاها شرف الدّين بن أبي عصرون (١) ، ومدرسة النفري ، وولّاها القطب النّيسابوري (٢) ، ومسجد الغضائري وقف عليه وقفا ، وولّاه الشيخ شعيب (٣) ، وصار يعرف به.
وبقي برهان الدّين البلخي بحلب مدرسا بالحلاويّة إلى أن أخرجه مجد الدّين بن الدّاية ، لوحشة وقعت بينهما ، ووليها علاء الدّين عبد الرحمن بن محمود الغزنوي ومات ووليها ابنه محمود ، ثمّ وليها الرّضي صاحب المحيط ، ثمّ وليها علاء الدّين الكاساني (٤).
وتوفّي سيف الدّين غازي بن زنكي بالموصل في سنة أربع وأربعين وترك ولدا صغيرا ، فربّاه عمّه نور الدين ، وعطف عليه.
واتّفق الوزير جمال الدّين وزين الدين علي على أن ملّكوا قطب الدّين مودود بن زنكي الموصل ، وكان نور الدّين أكبر منه ، وكاتبه جماعة من الأمراء وطلبوه.
__________________
(١) انظر حولها الآثار الاسلامية ص ٢٢٦ ـ ٢٢٨.
(٢) انظر حوله الأعلاق الخطيرة ـ قسم حلب ج ١ ص ٢٤٨ ـ ٢٥١.
(٣) اسمه الآن جامع التوتة ، انظر حوله الآثار الاسلامية ص ٦٣ ـ ٦٤.
(٤) تحدث ابن شداد عن هذه المدرسة وترجم للذين درسوا فيها. الأعلاق الخطيرة ـ قسم حلب ـ ج ١ ص ٢٦٤ ـ ٢٧١.
وفيمن كاتبه المقدّم عبد الملك والد شمس الدّين محمد ، وكان بسنجار ، فكتب إليه يستدعيه ليتسلّم سنجار.
فسار جريدة في سبعين فارسا من أمراء دولته فوصل سنجار مجدا ، ونزل بظاهر البلد ، وأرسل إلى المقدّم يعلمه بوصوله ، فرآه الرّسول وقد سار إلى الموصل ، وترك ولده شمس الدّين محمّدا بالقلعة ، فسيّر من لحق أباه في الطّريق ، وأعلمه بوصول نور الدّين ، فعاد إلى سنجار ، وسلّمها إليه ، وأرسل إلى قرا أرسلان صاحب الحصن (١) يستدعيه لموجدة كانت بينهما ، فوصل إليه.
ولما سمع قطب الدّين والوزير جمال الدّين ، وزين الدّين بالموصل ، جمعوا العساكر ، وعزموا على قصد سنجار وساروا إلى تلّ أعفر (٢) ، فأشار الوزير جمال الدّين بمداراته ، وقال : «إنّنا نحن قد عظّمنا محلّه عند السّلطان ، وجعلنا محلّنا دونه ، وهو فيعظّمنا عند الفرنج ، ويظهر أنّه تبع لنا ، ويقول : إن كنتم كما نحبّ وإلّا سلّمت البلاد إلى صاحب الموصل ، وحينئذ يفعل بكم ويصنع ، فإن هزمناه طمع فينا السّلطان ويقول : إنّ الّذي كانوا يعظمونه ، ويخوّفوننا به أضعف منهم ، وقد هزموه ، وإن هو
__________________
(١) حصن كيفا ، وهو قلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر. الأعلاق الخطيرة ـ قسم الجزيرة ـ ج ٢ ص ٧٨٤.
(٢) ويقال له تل يعفر وتلعفر ، بلدة بالعراق غربي الموصل على طريق سنجار. الأعلاق الخطيرة ـ قسم الجزيرة ـ ج ٢ ص ١٧٧٣.
هزمنا طمع فيه الفرنج ، ويقولون : إنّ الّذي كان يحتمي بهم أضعف منه ، وبالجملة فهو ابن أتابك الكبير» ؛ وأشار بالصّلح.
وسار إلى نور الدين بنفسه ، فوفّق بينهما على أن يسلّم سنجار إلى قطب الدّين ، ويتسلّم الرّحبة ، ويستقلّ نور الدّين بالشّام جميعه ، وقطب الدين بالجزيرة ما خلا الرّها ، فإنّها لنور الدين (١).
وعاد نور الدّين إلى الشّام ، وأخذ ما كان قد ادّخره أبوه أتابك من الخزائن ، وكانت كثيرة جدّا.
فغزا نور الدّين محمود بن زنكي بلد الفرنج من ناحية أنطاكية ، وقصد حصن حارم وهو للفرنج ، فحصره ، وخرب ربضه ، ونهب سواده ، ثمّ رحل إلى حصن إنّب (٢) فحصره أيضا.
فاجتمع الفرنج مع البرنس صاحب أنطاكية وحارم ، وتلك الأعمال ، وساروا إلى نور الدّين ليرحّلوه عن إنّب ، فلقيهم يوم الأربعاء حادي وعشرين من صفر ، سنة أربع وأربعين وخمسمائة ، واقتتلوا قتالا عظيما ، وباشر نور الدين القتال ذلك اليوم ، فانهزم الفرنج أقبح هزيمة ، وقتل منهم جمع كثير ، وأسر مثله.
__________________
(١) انظر الروضتين ج ١ ص ٦٧ ـ ٦٨.
(٢) قال ياقوت : «إنب حصن من أعمال عزاز من نواحي حلب له ذكر» ، وفي أيامنا هذه إنب قرية تتبع ناحية محمبل ـ منطقة أريحا ، محافظة ادلب ، ويبعد عنها بقرابة كيلومتر واحد تل انب الأثري ، ويشرف هذا التل على كل من وادي الغاب وسهل الروج. المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري.
وكان ممّن قتل ذلك اليوم البرنس صاحب أنطاكية ، وكان من عظماء الفرنج وأقويائهم. ويحكى عنه أنّه كان يأخذ الركاب الحديد بيده ، فيطبقه بيده الواحدة ؛ وأنّه مرّ يوما وهو راكب حصانا قويّا تحت قنطرة فيها حلقة أو شيء ممّا يتعلّق به ، فتعلّق بيديه وضمّ فخذيه على الحصان فمنعه الحركة.
فلما قتل البرنس ملك ابنه بيمند ، وتزوّجت أمّه بابرنس آخر ، ليدبّر البلد إلى أن يكبر (١) ابنها ، وأقام معها بأنطاكية ، فغزاهم نور الدّين غزوة ثانية ، فاجتمعوا ولقوه فهزمهم ، وقتل منهم خلقا وأسر كذلك ، وأسر البرنس الثّاني زوج أم بيمند ، واستقلّ بيمند بأنطاكية.
وفي ذلك يقول الشّيخ أبو عبد الله القيسرانيّ من قصيدة أوّلها :
هذي العزائم لا ما تدّعي القضب |
|
وذي المكارم لا ما قالت الكتب |
صافحت يا «بن عماد الدّين» ذروتها |
|
براحة للمساعي دونها تعب |
أغرت سيوفك بالأفرنج راجفة |
|
فؤاد رومية الكبرى لها يجب |
ضربت كبشهم منها بقاصمة |
|
أودى بها الصّلب وانحطّت بها الصّلب |
طهّرت أرض الأعادي من دمائهم |
|
طهارة كلّ سيف عندها جنب (٢) |
وقال ابن منير في ذلك :
صدم الصّليب على صلابة عوده |
|
فتفرّقت أيدي سبا خشباته |
وسقى البرنس وقد تبرنس ذلّة |
|
بالرّوج ممّا قد جنت غدراته |
__________________
(١) انظر وليم الصوري ص ٧٨٩ ـ ٧٩٣ ، ٨٠٤ ، ٨١٤.
(٢) انظر القصيدة كاملة في الروضتين ج ١ ص ٥٨ ـ ٥٩.
تمشي القناة برأسه وهو الّذي |
|
نظمت مدار النيرّين قناته (١) |
وسار نور الدّين محمود إلى أفامية ، في سنة خمس وأربعين ، فالتجأ الفرنج إلى حصنها فقاتله ، واجتمع الفرنج وساروا إليه ليرحّلوه عنه ، فوجدوه قد ملكه وملأه من الرّجال والذّخائر ، فسار في طلبهم ، فعدلوا عن طريقه ، ودخلوا بلادهم.
وجمع نور الدّين العساكر وسار إلى بلاد جوسلين الفرنجي ليملكها وكان جوسلين من أشجع الفرنج وأسدّهم رأيا ، فجمع الفرنج وأكثر ، وسار إلى نور الدّين والتقيا ، فانهزم المسلمون وقتل منهم وأسر.
وكان سلاحدار نور الدّين ممّن أسر ، فأخذ جوسلين سلاحه ، فسيّره إلى الملك مسعود بن قلج أرسلان صاحب قونية ، وقال : «هذا سلاح زوج ابنتك» .. فعظم ذلك على نور الدّين ، وهجر الرّاحة إلى أن يأخذ بثأره ، وجعل يفكّر في حيلة يحتال بها على جوسلين ، وعلم أنّه إن قصده احتمى في حصونه.
فأحضر أمراء التّركمان ، وبذل لهم الرّغائب إن ظفروا بجوسلين ، فجعلوا عليه العيون ، فخرج إلى الصّيد فظفر به طائفة من التّركمان ، فصانعهم على مال يؤدّيه إليهم ، فأجابوه إلى إطلاقه إذا أحضر المال ، وأرسل في إحضاره.
__________________
(١) انظر القصيدة بأكملها في الروضتين ج ١ ص ٦٠ ـ ٦٢.
فمضى بعض التّركمان إلى مجد الدّين أبي بكر بن الدّاية ، وكان ابن داية نور الدّين ، واستنابه في حلب ، وسلّم أمورها إليه ، فأحسن الولاية فيها والتّدبير ، فأعلم ذلك التّركماني ابن الداية بصورة الحال ، فسيّر مجد الدّين معه عسكرا ، فكبسوا أولئك التّركمان ، وأخذوا جوسلين أسيرا ، وأحضروه إلى ابن الدّاية ، في محرم هذه السّنة (١).
فسار نور الدّين عند ذلك إلى قلاع جوسلين ، ففتح عزاز بعد الحصار ، في ثامن عشر شهر ربيع الأوّل ، سنة خمس وأربعين وخمسمائة ، وفتح تلّ باشر ، وتلّ خالد ؛ وفتح عين تاب سنة خمسين (٢) ؛ وفتح قورس (٣) والرّاوندان (٤) وبرج الرصاص (٥) ، وحصن البيرة وكفرسود (٦) ومرعش (٧) ونهر الجوز.
وتجمّع الفرنج وساروا إليه وهو ببلاد جوسلين ليمنعوه عن فتحها ، في سنة سبع وأربعين وخمسمائة ، فلمّا قربوا منه رجع إليهم ، ولقيهم عند دلوك ، فاقتتلوا فانهزم الفرنج ، وقتل منهم وأسر كثير ، وعاد إلى دلوك ففتحها (٨).
__________________
(١) انظر وليم الصوري ص ٧٩٣ ـ ٧٩٤.
(٢) انظر حولها بغية الطلب ص ٣٢٣.
(٣) انظر حولها الأعلاق الخطيرة ـ قسم حلب ـ ج ٢ ص ٤٣٨ ـ ٤٤١.
(٤) انظر حولها بغية الطلب ص ٣٢٤.
(٥) انظر الأعلاق الخطيرة ـ قسم حلب ـ ج ٢ ص ٩٨ ـ ٩٩.
(٦) ويعرف أيضا باسم كفرسوت ، قرب بهسنا. معجم البلدان.
(٧) من أجل مرعش انظر بغية الطلب ص ٢٣٥ ـ ٢٣٨.
(٨) من أجل دلوك انظر الأعلاق الخطيرة ـ قسم حلب. ج ٢ ص ٤٣٥ ـ ٤٣٧.
وأمّا تلّ باشر فإنّه تسلّمها منهم بعد فتحه دمشق ، لأنهم لما علموا أنّه فتح دمشق ، وأنّه يقصدهم ولا طاقة لهم به راسلوه ، وبذلوا له تسلميها إليه ، فسيّر إليهم الأمير حسّان صاحب منبج لقربها من منبج فتسلّمها منهم ، وحصّنها.
وكان فتحه دمشق في صفر سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، لأنّ الفرنج أخذوا عسقلان من المصريين في سنة ثمان وأربعين ، ولم يكن له طريق إلى إزعاجهم عنها لاعتراض دمشق بينه وبين عسقلان (١).
وطمع الفرنج في دمشق ، وجعلوا عليها قطيعة يأخذونها منهم في كلّ سنة ، فخاف نور الدّين أن يملكها الفرنج ، فاحتال في أخذها لعلمه أنّ أخذها بالقهر يصعب لأنّه متى نازلها راسل صاحبها الفرنج مستنجدا بهم ، وأعانوه خوفا من نور الدين أن يملكها فيقوى بها عليهم.
فراسل مجير الدين أبق بن محمد بن بوري صاحبها ، واستماله وهاداه ، وأظهر له المودّة ، حتى وثق به ، فكان يقول له في بعض الأوقات : «إنّ فلانا قد كاتبني في تسليم دمشق» ـ يعني بعض أمراء مجير الدّين ـ فكان يبعد ذلك عنه ، ويأخذ أقطاعه ، فلما لم يبق عنده أحد من الأمراء قدّم أميرا يقال له عطاء بن حفاظ الخادم ، وكان شجاعا وفوض إليه أمور دولته ، فكان نور الدّين لا يتمكّن من أخذ دمشق منه ، فقبض عليه مجير الدّين وقتله.
__________________
(١) انظر وليم الصوري ص ٨٠٨ ـ ٨١٤.
فسار نور الدّين حينئذ إلى دمشق ، وكان قد كاتب أهلها واستمالهم ، وكان النّاس يميلون إليه ، لما هو عليه من العدل والديّانة والاحسان ، فوعدوه بالتّسليم إليه.
فلمّا حصر دمشق أرسل مجير الدّين إلى الفرنج يبذل لهم الأموال وتسليم قلعة بعلبكّ إليهم ، لينجدوه ويرحلوا نور الدّين عنه ، فشرعوا في جمع فارسهم وراجلهم لذلك.
فتسلّم نور الدّين دمشق ، وخرج الفرنج وقد قضي الأمر فعادوا خائبين ، وسلّمها إليه أهلها من باب شرقي ، والتجأ مجير الدّين إلى القلعة ، فراسله وبذل له عوضا عنها حمص ، وغيرها ؛ فسلّمها إليه وسار إلى حمص ، ثم إنّه راسل أهل دمشق ، فعلم نور الدّين ، فخاف منه ، فأخذ منه حمص ، وعوّضه ببالس ، فلم يرض بذلك ، وسار إلى بغداد فمات بها.
وسار نور الدّين إلى حارم ، وهي لبيمند صاحب أنطاكية ، وحصرها في سنة إحدى وخمسين ، وضيّق على أهلها ، فتجمّع الفرنج وعزموا على قصده فأرسل والي حارم إلى الفرنج ، وقال : «لا تلتقوه فإنّه إن هزمكم أخذ حارم وغيرها ، ونحن في قوّة والرأي مطاولته» ، فأرسلوا إلى نور الدّين ، وصالحوه على أن يعطوه نصف أعمال حارم ، ورجع نور الدّين إلى حلب.
ووقعت الزّلازل في شهر رجب في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ، بالشّام ، فخربت حماة ، وشيزر ، وكفرطاب ، وأفامية ، ومعرّة النعمان ،
وحمص ، وحصن الشميميس (١) ، عند سلمية ، وغير ذلك من بلاد الفرنج.
وتهدّمت أسوار هذه البلاد فجمع نور الدّين العساكر ، وخاف على البلاد من الفرنج ، وشرع في عمارتها حتّى أمن عليها.
وأمّا شيزر ، فانقلبت القلعة على صاحبها وأهله ، فهلكوا كلّهم ، وكان قد ختن ولدا له وعمل وليمة ، وأحضر أهله في داره ، وكان له فرس يحبّه ولا يكاد يفارقه ، وإذا كان في مجلس أقيم ذلك الفرس على بابه ، فكان ذلك اليوم على الباب ، فجاءت الزّلزلة فقام النّاس ليخرجوا من الدّار فخرج واحد من الباب فرمحه ذلك الفرس فقتله ، فامتنع النّاس من الخروج ، فسقطت الدّار عليهم فهلكوا.
وبادر نور الدّين ، ووصل إلى شيزر ، وقد هلك تاج الدّولة بن منقذ وأولاده ، ولم يسلم منهم إلّا الخاتون أخت شمس الملوك زوجة تاج الدّولة ، ونبشت من تحت الرّدم سالمة ، فتسلّم القلعة وعمّر أسوارها ودورها ، وكان نور الدّين قد سأل أخت شمس الملوك عن المال وهدّدها ، فذكرت له أنّ الدار سقطت عليها وعليهم ، ونبشت وهي دونهم ، ولا تعلم بشيء ، وإن كان لهم شيء فهو تحت الرّدم.
وكان شرف الدّولة اسماعيل غائبا ، فلمّا حضر وعاين قلعة شيزر ، ورأى زوجة أخيه في ذلك الذّلّ بعد العزّ ، عمل قصيدة أوّلها :
ليس الصّباح من المساء بأمثل |
|
فأقول للّيل الطّويل ألا انجلي |
__________________
(١) بقايا هذا الحصن على مقربة من سلمية على الطريق الواصله بمدينة حماه.
قال فيها :
يا «تاج دولة هاشم» بل يا أبا التّ |
|
يجان بل يا قصد كلّ مؤمّل |
لو عاينت عيناك «قلعة شيزر» |
|
والسّتر دون نسائها لم يسبل |
لرأيت حصنا هائل المرأى غدا |
|
متهلهلا مثل النّقا المتهيل |
لا يهتدي فيه السّعاة لمسلك |
|
فكأنّما تسري بقاع مهول |
ذكر فيها زوجة أخيه ، فقال :
نزلت على رغم الزّمان ولو حوت |
|
يمناك قائم سيفها لم تنزل |
فتبدّلت عن كبرها بتواضع |
|
وتعوّضت عن عزّها بتذلّل (١) |
وأقامت الزّلازل تتردّد في البلاد سبع سنين ، وهلك فيها خلق كثير.
وفي هذه السّنة أبطل الملك العادل نور الدّين ، وهو بشيزر ، مظالم ومكوسا ببلاده كلّها مقدارها مائة وخمسون ألف دينار.
ثم إنّ نور الدّين تلطّف الحال مع ضحّاك البقاعيّ ، وراسله ، وهو ببعلبكّ ، وكان قد عصى فيها بعد فتح دمشق ، ولم ير أن يحصره بها لقربه من الفرنج ، فسلّمها إلى نور الدّين في هذه السّنة (٢).
وجرت وقعة بين نور الدّين وبين الفرنج بين طبريّة وبانياس ،
__________________
(١) انظر بغية الطلب ص ١٦٤٠ ـ ١٦٤٢.
(٢) انظر تاريخ ابن القلانسي ص ٥٠٩.
فكسرهم نور الدّين كسرة عظيمة في جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة (١).
ثمّ عاد نور الدّين إلى حلب ، فمرض بها في سنة أربع وخمسين مرضا شديدا ، بقلعتها ، وأشفى على الموت ، وكان بحلب أخوه الأصغر نصرة الدّين أمير أميران محمّد بن زنكي ؛ وأرجف بموت نور الدّين ؛ فجمع أمير أميران النّاس ، واستمال الحلبيّين ، وملك المدينة دون القلعة ، وأذن للشّيعة أن يزيدوا في الأذان : «حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» ، على عادتهم من قبل ، فمالوا إليه لذلك.
وثارت فتنة بين السّنة والشّيعة ، ونهب الشّيعة مدرسة ابن عصرون وغيرها من أدر السّنة ، وكان أسد الدّين شيركوه بحمص ، فبلغه ذلك فسار إلى دمشق ليغلب عليها ، وكان بها أخوه نجم الدّين أيّوب فأنكر عليه ذلك ، وقال : «أهلكتنا والمصلحة أن تعود إلى حلب ، فان كان نور الدّين حيّا خدمته في هذا الوقت ، وإن كان مات فأنا في دمشق ، وتفعل ما تريد».
فعاد مجدا إلى حلب ، فوجد نور الدّين وقد ترجح إلى الصّلاح ، فأجلسه في طيّارة مشرفة إلى المدينة ، بحيث يراه النّاس كلهم ، وهو مصفرّ الوجه من المرض ، ونادوا إلى الناس : «هذا سلطانكم». فقال بعضهم :
__________________
(١) انظر وليم الصوري ص ٨٩٠ ـ ٨٩٢.
«ما هذا نور الدّين ، بل هو فلان» ـ يعنون رجلا كان يشبهه وقد طلى وجهه بصفرة ، ليخدعوا الناس بذلك.
ولما تحقّق أمير أميران عافية أخيه خرج من الدّار الّتي كان بها تحت القلعة ، وبيده ترس يحميه من النّشّاب ، وكان النّاس قد تفرّقوا عنه ، فسار إلى حرّان ، فملكها.
وسير نور الدّين إلى قاضي حلب ، جدّي أبي الفضل هبة الله بن أبي جرادة ، وكان يلي بها القضاء والخطابة والإمامة ، وقال له : «تمضي إلى الجامع ، وتصلي بالنّاس ، ويعاد الأذان إلى ما كان عليه».
فنزل جدّي ، وجلس بشمالية الجامع تحت المنارة ، واستدعى المؤذّنين ، وأمرهم بالأذان المشروع على رأي أبي حنيفة ، فخافوا فقال لهم : «ها أنا أسفل منكم ولي أسوة بكم».
فصعد المؤذّنون وشرعوا في الأذان ، فاجتمع تحت المنارة من عوامّ الشّيعة وغوغائهم خلق كثير ؛ فقام القاضي إليهم ، وقال : «يا أصحابنا ، وفّقكم الله ، من كان على طهارة فليدخل وليصلّ ، ومن كان محدثا فليجدّد وضوءه ويصلي ، فان المولى نور الدّين ـ بحمد الله ـ في عافية ، وقد تقدّم بما يفعل ، فانصرفوا راشدين». فانصرفوا وقالوا : «ايش نقول لقاضينا»! ونزل المؤذّنون وصلى بالنّاس ، وسكنت الفتن.
فلما عوفي نور الدّين قصد حرّان ، فهرب نصرة الدّين أمير أميران ،
وترك أولاده بالقعلة بحرّان فتسلّمها ، وأخرجهم منها ، وسلّمها إلى زين الدين على كوچك ، نائب أخيه ، قطب الدّين.
ثمّ سار إلى الرقّة وبها أولاد أميرك الجاندار ، وقد مات أبوهم ، فشفع إليه بعض الأمراء في إبقائها عليهم ، فغضب ، قال : «هلّا شفعتم في أولاد أخي لمّا أخذت منهم حرّان ، وكانت الشّفاعة فيهم من أحب الأشياء إليّ» ؛ وأخذها منهم.
وخرج مجد الدّين بن الدّاية من حلب إلى الغزاة ، في شهر رجب من سنة خمس وخمسين ، فلقي جوسلين بن جوسلين ، فكسره ، وأخذه أسيرا ، ودخل به إلى قلعة حلب.
ثمّ إنّ الفرنج أغاروا على بلد عيّن تاب ، فأخذوا التّركمان ، ونهبوا أغنامهم ، وعادوا يريدون أنطاكية ، فخرج إليهم مجد الدّين ، ولقيهم بالجومة (١) ، وكسرهم ، وقتل منهم خلقا عظيما ، وأسر البرنس الثّاني وخلقا معه ، ودخل بهم إلى حلب في مستهل ذي الحجة من سنة ست وخمسين وخمسمائة.
وفي سنة سبع ، ولى نور الدّين كمال الدّين أبا الفضل محمّد بن الشّهرزوري قضاء ممالكه كلّها ؛ وأمر القضاة ببلاده أن يكتبوا في الكتب بالنّيابة عنه ، وكان قد حلف له على ذلك وعاهده عليه ، وكان ذلك بدمشق
__________________
(١) الجومة : من نواحي حلب. معجم البلدان.
في السّنة المذكورة ، فامتنع زكيّ الدّين قاضي دمشق ، فعزل ؛ وكتب إلى جدّي أبي الفضل بحلب ، فامتنع أيضا.
ووصل نور الدّين ومعه مجد الدّين بن الدّاية ، واستدعاه نور الدّين إلى القلعة ، وقال : «كنّا قد عاهدنا كمال الدّين ، وحلفنا له على هذا الأمر ، وما أنت إلّا نائبي ، وله اسم قضاء البلاد لا غير» فامتنع وقال : «لا أنوب عن مكانين». فولّى قضاء حلب محيي الدّين أبا حامد بن كمال الدّين ، وأبا المفاخر عبد الغفور بن لقمان الكردي ؛ وذلك بإشارة مجد الدّين لوحشة كانت بينه وبين جدّي.
ثمّ إنّ نور الدّين جمع العساكر بحلب ، في سنة سبع ، وسار إلى حارم ، وقاتلها ، فجمع الفرنج جموعهم ، وساروا إليه. فطلب منهم المصاف فلم يجيبوه ، وتلطّفوا معه حتّى عاد إلى حلب.
ثمّ جمع العساكر في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ، ودخل إلى بلاد الفرنج ، ونزل في البقيعة تحت حصن الأكراد محاصرا له ، وعازما على أن يقصد طرابلس.
فاجتمع الفرنج ، وخرج معهم الدّوقس الرّومي ، وكان قد خرج في جمع كثير من الرّوم ، واتّفق رأيهم على كبسة المسلمين نهارا ، فإنّهم يكونون آمنين ، فركبوا لوقتهم ولم يتوقفوا ، وساروا مجدين إلى أن قربوا من يزك (١)
__________________
(١) اليزك : الحرس المتقدم أو الطلائع.
المسلمين ، فلم يكن لهم بهم طاقة ، وأرسلوا إلى نور الدّين يعرّفونه الحال ، فرهقهم الفرنج بالحملة عليهم فلم يثبت المسلمون وعادوا منهزمين إلى نور الدّين والفرنج في ظهورهم ، فوصلوا جميعا إلى عسكر نور الدّين ، حتّى خالطهم الفرنج ، فقتلوا ، وأسروا ، قتلا عظيما وأسرا كبيرا.
وكان الدّوقس أشدّهم على المسلمين ، فلم يبق أصحابه على أحد وقصدوا خيمة نور الدّين ، وقد ركب فيها فرسه ، فنجا بنفسه ؛ ولسرعته ركب الفرس والشّبحة في رجله ، فنزل انسان كرديّ ، وفداه بنفسه ، فقطع الشّبحة ، ونجا نور الدّين ، وقتل الكرديّ ، فأحسن إلى مخلفيه ، ووقف عليهم الوقوف (١).
ووصل نور الدّين إلى بحيرة قدس (٢) ، وبينه وبين المعركة نحو أربعة فراسخ ؛ وتلاحق به من سلم من العسكر ، فقال له بعضهم : «المصلحة أن نسير ، فانّ الفرنج ربّما طمعوا وجاؤوا إلينا ، ونحن على هذه الحال» ؛ فوبّخه وأسكته ، وقال : «إذا كان معي ألف فارس التقيتهم ، وو الله لا أستظلّ بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الاسلام».
وأرسل إلى حلب ودمشق ، وأحضر الأموال والثّياب والخيام والسّلاح والخيل ، فأعطى الناس عوضا عمّا أخذ منهم بقولهم ، وأصبح عسكره كأن لم يهزم ولم ينكب ، وكلّ من قتل أعطى أولاده أقطاعه.
__________________
(١) انظر وليم الصوري ص ٨٨٧ ـ ٨٨٨.
(٢) بحيرة قدس هي بحيرة قطينة حاليا قرب حمص.
ولمّا رأى أصحاب نور الدّين كثرة خرجه قال له بعض صحابة السّوء : «إنّ لك في بلادك إدرارات وصلات ووقوفا كثيرة على الفقهاء ، والفقراء ، والقرّاء ، والصوفيّة وغيرهم ؛ فلو استعنت بها في هذا الوقت لكان أصلح» ، فغضب من ذلك وقال : «والله إنّني لا أرجو النّصر إلّا بدعاء أولئك ، فإنّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ، كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عنّي وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطىء ، وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال ، كيف يحلّ لي أن أعطيه غيرهم!».
وقيل : إنّ برهان الدّين البلخي قال لنور الدّين : «أتريدون أن تنصرا وفي عسكركم الخمور والطّبول والزّمور ، كلّا والله». فلمّا سمع نور الدّين كلامه عاهد الله على التّوبة ، ونزع عنه ثيابه تلك التي كان يلبسها ، والتزم بلبس الخشن ؛ وبطل جميع ما كان بقي في بلاده من الأعشار والمكوس والضّرائب ؛ ومنع من ارتكاب الفواحش ، وكتب إلى البلاد إلى زهّادها وعبّادها يذكر لهم ما نال المسلمين من القتل والأسر ، ويستمدّ منهم الدّعاء ، وان يحثّوا المسلمين على الغزاة ؛ وكاتب الملوك الإسلامية يطلب منهم النجد والاستعداد ، وامتنع من النّوم على الوطيء وعن جميع الشّهوات.
وراسله الفرنج في طلب الصّلح فامتنع ، فبينا هو في الاستعداد للجهاد إذ ورد عليه في شهر ربيع الأوّل ، من سنة تسع وخمسين وخمسمائة ، شاور وزير العاضد بمصر إلى دمشق ، ملتجئا إليه ، ومستجيرا به على ضرغام ، وكان قد نازعه في الوزارة وغلب عليها.
وطلب منه إرسال العسكر معه إلى مصر ليعود إلى منصبه ، ويكون لنور الدّين ثلث دخل البلاد بعد إقطاعات العساكر ، ويكون نائبه مقيما بعساكره في مصر ، ويتصرّف بأمر نور الدّين واختياره ، فبقي متردّدا بين أن يفعل ذلك وبين أن يجعل جلّ قصده إلى الفرنج ، ثمّ قوي عزمه وسيّر أسد الدّين شيركوه بن شادي ، في عسكر معه ، في جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين ، وتقدّم إلى أسد الدّين أن يعيد شاور إلى منصبه.
وسار نور الدّين إلى طرف بلاد الفرنج ممّا يلي دمشق ، بما بقي من العساكر ليمنع الفرنج من التّعرّض لأسد الدّين وشاور في طريقهما ، فاشتغل الفرنج بحفظ بلادهم من نور الدّين عن التّعرّض لهما ، ووصل أسد الدّين وشاور إلى بلبيس ، فخرج إليهم ناصر الدّين أخو ضرغام بعسكر المصريّين ، ولقيهم فانهزم وعاد إلى القاهرة.
ووصل أسد الدّين إلى القاهرة ، فنزل عليها في آخر جمادى الآخرة ، فخرج ضرغام فقتل ، وقتل أخوه ، وخلع على شاور وأعيد إلى الوزارة.
وأقام أسد الدّين بظاهر القاهرة ، فغدر شاور ، وعاد عمّا كان قرّره مع نور الدّين ، وأمر أسد الدّين بالعود إلى الشّام فامتنع ، وطلب ما كان استقرّ فلم يجبه إليه ، فأرسل أسد الدّين نوّابه فتسلّموا بلبيس ، وحكم على البلاد الشرقية.
فأرسل شاور إلى الفرنج ، واستنجد بهم ، وخوّفهم من نور الدّين إن ملك مصر ، فسارعوا إلى تلبيته ، وطمعوا في ملك الديار المصريّة ، وساروا