حيدر المحلاتي
الموضوع : التراجم
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-185-0
الصفحات: ٣٤٤
(فسلاح الإيمان أمضى سلاح) |
|
أنت فيـه علـى سلامة نفس |
||
حلمــك العبقري يمتار فـينا |
|
عاطفات ما بين عـود وكأس |
||
شاعر أنـت أي بستان حـب |
|
ليس فيه لديك أجمل غـرس |
||
بضّعت قـلبك التجاربُ حتـى |
|
أنهلت منـه كل رطب ويبس |
||
لا تقل ـ والضحى وليد أمانيـ |
|
ـك ودنياك في مطالع اُنس : |
||
( ان ليلي البهيم مـن غير نجم |
|
ونهاري المغيم مـن غير شمس ) |
||
لك يا فـارس الحمى وثبـاتٌ |
|
وثبـاتٌ ما بين عـرب وفرس |
||
أنت الف الضمير عن كـل الف |
|
وطليق الشعور من غيـر حبس |
||
وكتـاب الحيـاة أنت معـانيه |
|
النشـاوى وأنـت أبلغ درس |
||
أنت بالفكر ـ لا بعينيك ـ فذٌ |
|
تسبـر الحادثات طرداً لعكس |
||
كم على الدرب عبقري طموحٌ |
|
يتحـدى الدُنـا بقوة حدس |
||
وعلى أيكـة الهوى كم تغنّـى |
|
عنـدليب بألسن لك خـرس |
||
ان تعـريت من يراع وطـرس |
|
لا عدمت الشعاع من امّ رأس |
||
مكتب النفس ما يضـمّ فـؤادٌ |
|
من علوم ـ لا ما يُضم بطرس |
||
قيم الورد بالعطورـ ومعنى اللفظ |
|
لا اللفظ ـ من بحوثي ودرسي |
||
أنـا أنكـر الحقيقـة فيمـا |
|
تدعيه ان كنت أعرفُ نفسـي |
||
انّ للعيـن فـي الحيـاة مجـالاً |
|
غيـر ما للسماع في كل جنس |
||
فهماـ ان صدقتُ ـ نبعا شعور |
|
وجناحاه في مجـالات حـس |
||
غيـر انّ القضـاءَ وهو حـكيمٌ |
|
عـادلٌ ، منصفٌ ، بكل مجسِّ |
||
لستَ فـي محنةِ الظـلامِ وحيداً |
|
يا مديرَ الكؤوس من غير كأس |
||
ألف نـفس لـم تدرِ أينَ هداها |
|
وعلى الأُفق ألفُ شمس وشمس |
||
* * *
ضارب العـود أنت في كل دورٍ |
|
مرهفُ الحس حيثُ تغدو وتمسي |
القوافـي اللطافُ منبت طهـر |
|
لا اُصيبَ الرجـاءُ منهـا بيأس |
لحظـةٌ تـوقظ المشـاعر فيهـا |
|
هـي دنيـاك عنـد شيخ وقس |
واعتـدادٌ فـي النفس أبلغ زادٍ |
|
فـي طريـق الحياة للمتـأسي |
انّ أضـلاع كوخك المتـداعي |
|
دونه القصر مـن حديد وكلس |
خـل عنك العتاب فهو شجون |
|
كل فـرد منـا مصـاب بمس |
وقلـيلٌ مـا هم أخلاء صـدق |
|
جُبل الناس مـن صخور وجبس |
وضحـايا الوفاء تُـرمى بعشـرٍ |
|
حين ترمى ان كنت تُرمى بخمس |
زرعوا صبرهم وخـاطوا ثيـاباً |
|
من حنانٍ وعـاشرونـا بأنـس |
ياعريشاً قد اعتصرنـا زمـانـا |
|
من عنـاقيده حُميّـا التـأسي |
تحت أغصـانـه تفيـأ قـلبٌ |
|
حائرٌ ينشـدُ الـرجاء بـهمس |
لغـة الروح كم تحـدّر عنهـا |
|
(كلُ معنىً من العواطف سلس) |
في سماء الخيـال لـحظةُ فـكرٍ |
|
يبحث السر بيـن سعد ونحس |
وكما قلتَ ـ فالسعادة وهمٌ ـ |
|
طالعته العيون مـن غيـر لمس |
كيـف تُرجى سعـادة لأُنـاس |
|
بين نـابٍ مـن الشقاء وضرس |
وإذا كنت فـي خصوبة ذهـن |
|
( وجَنان صلد القوى غير نكس ) |
وإذا قـلت في لسـان القـوافي |
|
( ان يومي بالأجر يفضل أمسي ) |
فــعلامَ البكـاء والليـل زاهٍ |
|
وعـلامَ الـرثاء من غيـر تعس |
انّ قلبـاً يـعيش غرّ المعـانـي |
|
كيـف تطوي علاهُ ظلمةُ رمس |
عش مع الفجر في جناح الأماني |
|
ومع الشهب بـابتسامـة عرس |
وإذا اظـلم الفضـاءُ بعيــن |
|
لك فالقلبُ مُستهـلٌ بشمس (١) |
__________________
١ ـ مجلة الموسم : العددان ٢ ـ ٣ ( ١٩٨٩ م ) ، ص ٧٠٨ ـ ٧١٠.
البصر والبصيرة
|
د. حازم سليمان الحلي (١) |
صائغَ اللفظ انّ حبسك حبسي |
|
أنتَ مـا بيننا ولست بمنسي |
أنت فينا فكرٌ يُنيـر الديـاجي |
|
ويراعٌ يجـري على كل طرس |
أنت فينا شعـر يفيض حمـاساً |
|
هو خلوٌ مـن كـل عيب ولبس |
كنت في أحلك الظروف جريئاً |
|
لم تكن خائفاً ولـست بنكـس |
يا سجيناً في المحبسين وقاك الله |
|
من كـلِّ مـا يجـرُ ليــأس |
مـا عهدناك في الخطوب جزوعاً |
|
أنتَ في الحادثات صاحب بأس |
فتفاءل ولا تقـولن : (عنـدي |
|
ألف بابٍ قد دقّ بالشؤم جرسي) |
وغـريبٌ منـكَ التشـاؤم حتى |
|
لـو تنقلت بين حـزنٍ وبـؤس |
و لست الـذي تسلحت بالإيمان |
|
والصبـر قلت درعـي وترسي |
أين هـذا مـن ذاك يا من تغنّى |
|
بالقوافي تـزهو على كلِّ غرس |
فاجتماع الضديـن ذاك محـالٌ |
|
أثبتته الأحداث مـن غير درس |
أفتنسى بـأن دنيـاك كانـت |
|
وستبقى مـا بين سعدٍ ونـحس |
كن شكوراً إذا أصـابك سعـدٌ |
|
وصبـوراً إذا ابـتليت بـتعس |
إنْ ليـل الأحزان يفضي لصبحٍ |
|
وسفيـن الهموم لابُـدّ تـرسي |
__________________
١ ـ حازم سليمان الحلي ، أديب وشاعر واستاذ جامعي. من آثاره : « ديوان شعر » ، و« القراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة ».
إنّ هذا الذي تـراهُ غـريباً |
|
وجديداً مـن صابر متـأسي |
سلبتـك الأيـام أثمن شـيءٍ |
|
ثم أبقت لـديك أرهـف حسِّ |
كم بصير تراه أعمى ، وأعمى |
|
هو هادي سواه يضحي ويُمسي |
ربما عـاش مـبصرٌ بشقاءٍ |
|
ويبيت الأعمـى بـراحة نفس |
أو ما تسمع المنـادي يناديك |
|
بصوتٍ شقّ الدجى لا بهمس |
(أنـت بالفكـر لا بعينيك فذٌ |
|
تسبر الحادثات طرداً لعكس ) |
إنّما هذه الحيـاة استقامـت |
|
لأنـاس لا يشتـرون بـفلس |
أنت من معـدنٍ ثمين كـريم |
|
وسـواك الـذي يبـاع ببخس |
فعقيـق هـذا وذاك رخـامٌ |
|
ولجينٌ هـذا وذا مـحض كلس |
كثر الزيف ( والـوفاء قليـل |
|
في زمانٍ خالٍ من النبل جبس ) |
وحديث الوفـاء فيه شـؤون |
|
ان تخضها فقد تصـاب بمسّ |
ان تحدث عنـه يجبك حـكيم |
|
( أنا جربت مـا تقول بنفسي ) |
منذ عشر هذا مـصاب بهجر |
|
ويعـاني منـه وذا منـذ خمس |
* * *
صائغ اللفظ أنت تسكن بيتـاً |
|
قد تسامى فخراً على كل رجس |
( فوق مهدٍ من
الخشونة بـالٍ |
|
وتـراه أريكة مـن دمقس ) |
هذه منتهى السعـادة عنـدي |
|
لا تقـل انني أعـيش ببـؤس |
راهب الدار أنـت فوق حصير |
|
هو عندي أجلّ من ألف كرسي |
وأعـد قولك الجميل علينـا |
|
فله في نفـوسنا خيـر جـرس |
إن ذهني خصبٌ وذوقي سليمٌ |
|
وجناني صلد القوى غير نكس (١) |
__________________
١ ـ مجلة الموسم : العددان ٢ ـ ٣ ( ١٩٨٩ م ) ، ص ٧٠٦ ، ٧٠٧.
الفرطوسي شاعر الفضي
|
الشيخ جعفر الهلالي |
نعت الفضيلة للـورى انسانَها |
|
وغدت تقرِّح بالأَسى أجفـانها |
وتجاوبت دنيا الصلاح بصولةٍ |
|
مذ غادرت كفُّ الردى عنوانَها |
ومرابع التقوى تكـدّر صفوها |
|
لمـا تغيّبَ من يـزين مكـانها |
ومعاهد العلم اكتست حلل الأسى |
|
وعـرى المصاب بهوله سكانها |
خطبٌ تصـدَّعت القلوب لوقعه |
|
ألمـاً فأبـدت عنده أشجـانها |
فـي كلِّ آونـةٍ نـؤبنُ مـاجداً |
|
حُـرّاً أشاد مـن العلى أركانها |
وكـذاك شـأن الحـادثات فإنها |
|
حـربٌ تُصوِّب للكمـي طعانها |
* * *
( أأبا الحسين ) لنا بذكرك لوعة |
|
تبقى توجِّج في الحشى نيرانها |
مـا زلت حيّاً فـي علاك مخلّداً |
|
ستعيد فيك لنا الحيـاة جُمانها |
والمـرءُ تحييه الخصالُ حميدةً |
|
وتشيـد في العقبى له بنيانهـا |
قد كنت فيما بيننا حسنَ اللقا |
|
سهـل الخليقة قد كسبت رهانها |
عشت الطهارة والعفاف سجية |
|
مـا غيّرت مـدد لهـا ألـوانها |
متواضع وهي الحصيلة للأُولى |
|
علمـوا ولـم يتطلبوا عنـوانها |
ومهذب فـي القول تألف صدقه |
|
والنفس يظهـر صِدقُهـا إيمانها |
__________________
١ ـ هذه القصيدة وما يليها هي في رثاء الشيخ الفرطوسي.
فختمت عمرك والصـلاح قرينه |
|
وهناك في الاُخرى تحـلّ جنانها |
* * *
يا شاعراً مـحضَ الولاء لأحمدٍ |
|
ولآلـه يرجو به رضـوانَـها |
كم قد نظمت فريدة يحدو بهـا |
|
حـبٌّ لآل المصطفى قـد زانها |
غرر تقطّعُ مـن فؤادك صغتها |
|
درراً تعيـد علـى الورى ألحانها |
وخلاصة الأعمال (ملحمة) أتت |
|
في عدِّهـا نشأت بـه أقرانـها |
ضمنتهـا سيراً لهـم ومنـاقباً |
|
ومآثراً فيهـا جلـوت بيـانهـا |
ولتلك منك ( الباقيات ) ذخيرةً |
|
أعددتهـا توفـي بهـا ميـزانها |
لله دَرُّك بـاسمها أحــرزتـه |
|
فخراً يطاول في العلى كيـوانها |
* * *
والشعر يسمو عنـدما يسمو به |
|
قصد يحقّـق للنفـوس ضمـانها |
وأراه ان فقـد الـولاء فـإنّـه |
|
زبـد البحار رمت به شطـآنها |
ما الشعر إلاّ في الألى سبقوا الورى |
|
بفضائـل ألفت لها اذعـانهـا |
(آل الرسول )
وخير من وطأ الثرى |
|
من صاغها ربُّ العباد وصانهـا |
تمضـي السنون وذكرها متشعشع |
|
كالنيرات استوعبت أزمـانهـا |
هتفت بفضلهم السماء وكبّـرت |
|
عِظماً وفيهم أنـزلـت قـرآنهـا |
سعد (الكميت) و (دعبل) في مدحهم |
|
فحبتهما الاُخرى بهـا رضـوانهـا |
يا ربِّ زدنـا فـي الولاء محبّـة |
|
فيها ترينـا عِـزَّهـا وأمـانهـا |
* * *
والساسة العملاء كنت عليهم |
|
سـوطاً تـزيد عذابها وهوانها |
ألمستهم من حرِّ قولك جمـره |
|
مـثل الصواعق أرسلت نيرانها |
أنكرت مـا قـد أحدثوا من منكرٍ |
|
بفعالهم فـي كلِّ ما قـد شانها |
وبذاك قـد جاهدت شـرّ عصابة |
|
ورميت بـالسهم المصيب جنانها |
ما أقعدتك لضعفهـا شيخوخـة |
|
عن وقفة فرضَ الاله مكانها (١) |
__________________
١ ـ ديوان الهلالي ، مخطوط.
الغربة
|
السيد مدين الموسوي (١) |
على رؤاك خيالٌ صـادقٌ عذبُ |
|
وفي خطاك لهاثٌ نـازفٌ تعِبُ |
||
وبين جنبيك صوتٌ رحت تحبسه |
|
ما استوعبته السطور الحمر والكتبُ |
||
وفي ضلوعـك أشياءً تضيق بها |
|
أرضٌ وأنت عليها الحملُ والطلبُ |
||
فبيـن دنياً تراها وهـي كاشفةٌ |
|
أمام عينيك مـا يخفـى ويحتجب |
||
وبين مـا كنت تصبو نحو وافره |
|
من الحيـاة بمـا تعطي وما تهبُ |
||
لألف دُنيـاً تراهـا وهي عامرةٌ |
|
لفيض روحك ، تدعوها فتنجذبُ |
||
حتى تلّمستَ وجه الحق ترسم من |
|
خُطـاهُ وَثْبَتَهُ الكبرى وتحتـرب |
||
ياشاغل الناس والدنيا تضيق بـه |
|
بحـراً من الأدب الفوّار يضطرب |
||
أنّـى تلفّتُّ ألقـى منك بارقـة |
|
تخافُهـا الظُلمُ الخـرقاءُ والحجبُ |
||
وما تجلجل في سمعي صدى أدبٍ |
|
حـرٍّ تـردده الأجيال والحِقَـبُ |
||
إلاّ وكنت علـى أوتاره نغمـاً |
|
عذباً ومنـك على أكوابـه حَبَبُ |
||
* * *
ياملتقى الرافدين الخصب منبتُهُ |
|
له علـى جـدب مطلعٌ خصبُ |
نظمت عقد عيون الشعر فانطفأت |
|
عيناك إذ رفّ من إيحائها الهُدُبُ |
__________________
١ ـ مدين الموسوي : شاعر عراقي ولد سنة ١٩٥٧ م. من دواوينه الشعرية : « أوراق الزمن الغائب » ، و« الجرح يالغة القرآن » ، و« لهم الشعر » ، و« كان لي وطن ».
وعدت أبصرَ ممّا كنت يقدحُ في |
|
عيونك الشرر الأخّاذُ والشهُـبُ |
حتى أذبْتَ من الأوزان معـدنها |
|
وصغتهـا حليةً ما مسّها عطبُ |
وخضعتَ قعرَ بحار الشعر لا حذرٌ |
|
أودى بما كنت تـأتيه ولا تَعَبُ |
لتصطفي من عيونِ الدُّرِّ أروعها |
|
حتى تُصاغ عليها الحليـةُ العَجبُ |
لئـن فقدتَ بريق الدرِّ في بصرٍ |
|
وأُسـدلتْ دونَ ما تختارُهُ حُجُبُ |
ففي يراعك قـد أوقدتها شُعـلاً |
|
من كلّ حرف يفيض النور واللهبُ |
أغاضك الدهرُ فاستشرى بك الغضب |
|
أم ضاقَ ذرعاً بما تُعطي له الأدبُ |
أم الـزمان الذي ما كـنت تأمُنهُ |
|
سمّاً تقطّر منـه الـرأس والذَنَـبُ |
إني عهدتُك لا تلوي على مضَضٍ |
|
جيداً وإن نَفَحَتْ أوداجُهـا النَوبُ |
ولا تلوذُ بظلّ العمـر تحـرص أنْ |
|
ترى سنينـك لا يغتالُها النصـبُ |
وبعد ما ضاقَ وجه الأرض واختنقت |
|
صدور قومٍ غزا أحشاءهـا النهبُ |
ولم تعد أنت من قيسٍ وقد بـرئتْ |
|
منه الذمام وحُـلّ العقـد والنسب |
أبيت يغرف من شطيك ما قصرت |
|
عنـه الجـداول سقياً حين تُحتَلبُ |
* * *
ما للغريب أراه ضاع فـي زمن |
|
فجّ يصول به مَنْ لونُـه الوشب |
غامت بعينيه آفاق ففـاض بهـا |
|
روحاً يلاحقا الاعصار والسُحُبُ |
نأى عن الوطن المأسـور تمسكه |
|
يـدُ الحنيـن فتدنيـه ويقترب |
وان ترحّل عن أرضٍ يرفّ بهـا |
|
جُنحاه مُذ بان في أطرافه الزَغَبُ |
أو غاب عن أرضه في غربة بدناً |
|
فروحـه كجذور النخل تنجذب |
إلى العراق إلى الأرض التي ولدت |
|
من بعد عسر مخاضٍ كلَّ من وهبوا |
* * *
ما كنت أعجبُ من
كفٍّ تجود بها |
|
ودونهـا البحر إذ
يُدعى ويُنتَدب |
ومـا أثار شجـوني أنّ غـائمـةً |
|
مرّت بعينيك قد حلّت بها الكرَبُ |
لكنّ أغـرب مـا دوّنت من ألـمٍ |
|
على القلوب وما غصّت به النُدُبُ |
بأنّ ما صغت مـن وحيٍ ومن أدبٍ |
|
جـمٍّ تضجّ بـه مـن حُرقةٍ كتب |
ما عـاد يكفيك من أوصالـه كفناً |
|
إذ لامستك صفاحُ القبر والتـرُبُ |
ولا نعتك حروف الشعر أو صرخت |
|
لك القوافي ولا غنّـى لك القصبُ |
فمتَّ وحدك لا الأرض التي وسعت |
|
خطاك ضمك منها صدرها الرحبُ |
ولا الذين وهبـت النـور أعينهم |
|
سعـوا إليك ولا أندى لهم هدب |
يالوعـة الأدب المفجوع فـي زمن |
|
أرقُّ مـا فـي رؤاه أنهـا خشبُ |
إنـي تيقّنت لمـا عـدتَ مغتـرباً |
|
أن كلُّ فـادٍ بهذا العصر مغتـربُ |
يـا واهباً لعصـارات الندى ألقـاً |
|
يفيض من دمه القانـي وينسكبُ |
ويا منيـراً دروبـاً شُـحَّ سالكهـا |
|
وقد تردّم فيهـا الحـاذق الأربُ |
ويـا خدين غبـار الحـرب تحسبه |
|
ليل الهوى حينما تزهو بـه شهب |
أرِح ركابك أنّى شئت مـن تعب |
|
أما يـريحيك إلاّ الحـزن والتعب |
ولا تـروّيك إلاّ الكـاس مترعـةً |
|
من الأسى واللظى المهراق والنوبُ |
وما وجدت إلـى جمر الهوى سبباً |
|
إلاّ وجـرحك في اطفائـه سببُ |
لمن بسطت يداً تكتال عـن جـدةٍ |
|
وما يـزيد ففيه الكيـل ينقلـبُ |
الشُحُّ أكـرم إذ يُعطى لمـن جحدوا |
|
والترب أولى لمن لم يغنـه الذهب |
والنخـل إن عميتْ عيـنْ لمنبتـه |
|
فكيف يقطف منه العذق والرطبُ |
* * *
ما قيمة الأدب الهدّار يـرفل في |
|
ثوبٍ حريرٍ زهت ألوانه القُشُبُ |
تُثيره مـن قيانِ الدلِّ راقصـةٌ |
|
وفوق شدقيه كأس للهوى عذبُ |
أو قيمة الأدب الأخّـاذ تُلقمــه |
|
يـد السـلاطين لا يدنو لـه سغبُ |
||
يُلقي عصا السحر كي تعشى بصائرها |
|
قوم فتصنع مـن أشكالهـا لعـبُ |
||
بـل قيمـة الأدب المعطاء تلفظـه |
|
أسنـةٌ في الوغـى كالجمر تلتهبُ |
||
وقيمــة الأدب الهـدار يحبسـه |
|
ثقل القيـود تثنّت تحتهـا الـرُكَبُ |
||
وقيمـة الأدب الـفادي يـلاحقـه |
|
سوط الحكومات وهو الجمر والغضبُ |
||
عيونـه كعيـون الليث سـاهـرةٌ |
|
حتى وإن نـام لا يغفو لـه هـدب |
||
وقيمـة الأدب الأخّــاذ ملبسـه |
|
دمـاؤه كخضاب السيـف تختضب |
||
وحيـثُ تنهـالُ أصـواتٌ مزورةٌ |
|
يشرّع الزيـف من أصدائها صخبُ |
||
نضـا كرفةِ سيف بـارق رعـدتْ |
|
بـه قوائمه فـانجابـت الـحجبُ |
||
يأتي كمـا الوحـي يُعطي من نبوئته |
|
نـوراً فتنثـر أضـواء وتـنسكبُ |
||
وإن تردد وحـيٌ فــي مهمتـه |
|
فمـا هنالك لا وحـيٌ ولا أدب (١) |
||
__________________
١ ـ مدين الموسوي : كان لي وطن ، ص ٩٩ ـ ١٠٦.
رثاء اُمّة
|
الاستاذ فرات الاسدي (١) ( ضياء الدين فرج الله ) |
كُتبتْ هذه القصيدة التي اُثبِتَ بعضُها ـ هنا ـ رثاءً لاُمّةٍ من الشعر كان الفرطوسي يختصرها ، وقد حاول شاعرها ابّان ذلك عام ١٤٠٤ هـ ان يرسلها الى النجف الأشرف عزاءً لأحد أصفياء الفرطوسي المعدودين ممّن يعتبرونه ( ذخراً مذخوراً للنجف والتشيّع ) على حدّ ما سمعتُه منه كراراً عديدة ، ذلك هو خالهُ الفقيد العلاّمة الأديب الشيخ عبد الرحيم فرج الله ( غير عالمٍ حينها انّه سبقه إلى لقاء ربّه ) .. فإلى ذكراهما العطرة مجتمِعَين هذا الهديل الموجوع :
حلبـةَ الشعرِ والمـدى مستثيرُ |
|
كيف يكبـو بكِ الجـوادُ المُغيرُ |
كيف يُدمي خطاه شوطٌ ويهوي |
|
فـإذا المجـدُ والحفـاظُ عفيـرُ |
وهو ما زال ـ صاعداً ـ كرؤى |
|
النجم ـ مُغذّاً ـ كما يغذُّ النورُ |
قـابساً من يـد الضحى عنفواناً |
|
شدَّ جنحيهِ مشـرقٌ مسحـورُ |
ولقـد أعجَـبَ الميـادينَ منـهُ |
|
مطمـحٌ ثائرُ العنـان جسـورُ |
فاتَ كلَّ الجيادِ فـي السبق حتى |
|
ملأ الأمـسَ رَهْجُـهُ المستطيرُ |
ومضـى ينهـبُ السنينَ أصيلاً |
|
والقـوافي جنـاحُـهُ المنشـورُ |
ثـمّ غالتْهُ ـ ويلَها ـ غـربـةُ |
|
العمـرِ وألوى به المطافُ الأخيرُ |
__________________
١ ـ فرات الأسدي : شاعر عراقي وُلِدَ سنة ١٩٦٠ م. من دواوينه الشعرية : « ذاكرة الصمت والعطش » ، و« صدقت الغربة يا ابراهيم » ، و« النهر وجهك » ، وأعمال شعرية وأدبية اُخرى.
والمروءاتُ بعضُ مـا حملتْها |
|
غـايـةٌ حـرّةٌ وروحٌ كبيـرُ |
واصطبـارٌ على الهموم وقد أطبقَ |
|
يأسٌ وارتاعَ ـ ثَمَّ ـ مصيرُ |
غمـرةٌ تنجلـي واُخرى يكـادُ |
|
النوءُ يُلقي ـ ما حُمّلتْ ـ ويثورُ |
وحكـايـا هي النهـارُ وإن |
|
أطفـأَ ـ خزياً ـ لألاءها شرّيرُ |
خطرتْ في فم المغيبِ وسالتْ |
|
فتنـدّى ضـوءٌ وشـعَّ عبيرُ |
* * *
يا أبا الفكرةِ الجـريئة ، والصبوة |
|
، والحب ، والشجا إذ يمورُ.. |
طافَ في كلّ خاطرٍ منك لحنٌ |
|
عبقريٌّ واختالَ حرفٌ نضيرُ |
وهمـى مـن مواسـمِ الشعـر |
|
شلاّلُ قـوافٍ فَيْنـانةٍ .. وغديرُ |
وتهـادى السمّارُ يستـرقـونَ |
|
الكـأسَ إذ كلُّ رشفـةٍ إكسيرُ |
و( عليٌّ ) يمدُّ صوتك بالنُعمـى |
|
ليلقـاه وجهُـك المحبـورُ |
ويفيءَ النبوغُ تـحت ظـلالِ |
|
الخلد ِ ، والخلدُ حُلْمُـهُ مـأسورُ |
أطلقتْهُ عينـاكَ إذ آنَس الطـورَ |
|
جَنـانٌ ، وتـاهَ طرفٌ بصيرُ! |
* * *
نازحَ الدارِ .. هل تلَمَّستَ حزناً |
|
وجهَها .. إنَّ وجهَـها مذعـورُ |
والحمـى المستباحُ أودعتَ فيه |
|
جمـرةَ الشوق أم لظاهـا نثيرُ |
أمطرتْـهُ على الفـراتين كفٌّ |
|
لـكَ شاءتْ ان تستقيها البحورُ |
وعلـى كـل نخلـةٍ بَوْحُ لُقيا |
|
وطيوفٌ وسنـى وهمسٌ كثيرُ |
والصدى خلف غابةِ الدمع ينأى |
|
وهو في القلب منك نبضٌ جهيرُ |
كـم وعتْه الأسماع ذكرى حداءٍ |
|
بدويٍّ .. وكـم رعتْه الصدورُ |
وفدتْهُ لـو انَّ بالعمـرِ يُفـدى |
|
اُمّـةٌ مـن نـشيـدهِ تستنيـرُ |
ثم منّتْ به المحـافلُ أهـليهـا |
|
وقالت : عـلَّ الـزمانَ يـدور |
واستفاق الغريُّ يوماً وطـرفُ |
|
الشعر عن (راحلِ الخليج) حسيرُ |
* * *
فـإذا إلفُـهُ يعـود إليــهِ |
|
ذاتَ يومٍ .. وتصطفيه القبـورُ |
نَـمْ هنيئاً كالنبعِ يـا خِدْنَـه |
|
الأوفى فقـد طابَ مبدأٌ ومصيرُ |
وترشَّفْ .. فكـوثرُ الحبّ أدنى |
|
لك أقداحَهُ الـولاءُ الطهـورُ |
أيَّ مأوى جـوار ( حيـدر ) |
|
يشتـاقُ ثراه المبـرَّح المهجورُ |
الغريبُ .. الذي أرابَتْـهُ أرضٌ |
|
أنكرتْ نبتَهـا .. وطال النكيرُ! |
فبها كـل مرتعٍ عـادَ جدباً |
|
بعد ان غاله اللظـى والهجيرُ |
وعزاءً يا (خالُ) في نجف الحزنِ |
|
فقد ماتَ (ذخرُكَ المذخورُ )! (١) |
__________________
١ ـ اُلقيت هذه القصيدة في حفل تأبيني ونُشرت حينها كاملةً في إحدى الصحف ، وزودني بصورتها الحالية الشاعر نفسه.
اذهب إلى عزّ الجنان
|
هاشم الموسوي (١) |
أشجـى القلوب بحرقةٍ وتـألّم |
|
وأسال دمع العين ( عبدالمنعـمِ ) |
جبل هوى فأثار عـاصفة الشجا |
|
لله مـن قلب ثـوى في أعظُـمِ |
لله من نبع تـدفّـق سـاقيـاً |
|
جيلَ النهوض بسلسل بْردِ الظمي |
لله إيمـان يعــانقـه العـلا |
|
قد شيّعــوه بحسرة وتضـرّمِ |
حمل المصائب وهـي جدُّ عظيمة |
|
في خير خـافقة وصبر أعظـمِ |
إيمـانـه الوضاء كـان دليلـه |
|
نحو الصراط المنقـذِ المتقــدمِ |
قد سار في درب الهدى متبصّراً |
|
لم يلتفـت يوماً لنهـزَة مغنـمِ |
ومقدِّماً بين اليدين ذخــائـراً |
|
للـحشر يوم الامتحان المعلـمِ |
ولقد أبـى إلاّ الوقوف مع الإبا |
|
والحقِّ وقفـةَ مستنيـر مُقـدمِ |
وأنـار إيمــان التقـاة بهمّـةٍ |
|
متجاوزاً درب القتـاد المـؤلـمِ |
وشـدا لآلِ المصطفـى متقلّـداً |
|
آتي الـولاء مُطـوِّفـاً كمتيـمِ |
ان قال شعراً فالقلوب خـواشعٌ |
|
نشوى لهـذا المنشد المتـرنّـم |
أو قال نثراً فـالنفوس بـواسم |
|
تهفو لهـذا المـؤمـن المتكلّـمِ |
وأطار فيهم نيّـراتِ نجـومـه |
|
سحراً وما كلّ النجوم بـأنجـمِ |
آياتـه فيهم بملحمـة الهـدى |
|
مفتـاح جنّـات النعيم المُلهـمِ |
هي من عيون الشعر ، صيغَ نسيجُها |
|
مـن مـاء قلب بالمحبّة مُفعَـمِ |
__________________
١ ـ هاشم الموسوي شاعر وأديب من الامارات العربية المتحدة.
كم قد حوت علماً وجاء دواؤها |
|
كرداء تقـواه ، بعـزم مصمِّـمِ |
وجنت بلا شكٍّ رضـاءَ محمّـدٍ |
|
والآلِ إذ هي للأطايـب تنتمـي |
ياعيـنُ جودي بالبكاء لفقـده |
|
جـوداً ينهنـه عن عظيم تألمي |
فلقد أُصبنا في الصميـم بيـومه |
|
والحزن واصل مأتـماً فـي مأتـم |
لم لا نصبّ الدمع حزنـاً بعده |
|
لم لا يفيض القلب من طفح الـدمِ |
و (أبو الحسين) حبيب أطياب الورى |
|
فـي صمتـه ومقـاله المتفهّــمِ |
لم يبتعد عنـه التواضع لحظـةً |
|
كلاّ ولم يعـرف خصـال تبـرّمِ |
خُلُـق الكريم سلوكـه ومبـادئ |
|
للعلم والأدب النـديِّ الأقَــومِ |
قد جاءني نعـي علـى بعد المدى |
|
مـا خلته إلاّ التبـاس تـوهّـمِ |
قد حزّ في نفسي رحيلك واغتـدى |
|
كالطـود ظل في الخواطر يرتمـي |
وتبادرت صور حفـرت جذورها |
|
في القلب ، تعثر بالخيـال المؤلـمِ |
ولأنـت أكبـر من رثـائي إنّمـا |
|
حمل الرثـاءُ تصدّعـي وتضـرّمي |
ماضيك أحلـى ان ألـم بـوصفه |
|
في طهره وجـلالـه المتسنّــمِ |
ولئـن تنقّص جاهل من قـدركـم |
|
فالشمس ليست في يـدي متهجّمِ |
أو إن تجاهلكم طغـاة زمـانكـم |
|
فـالحقد يودي بالحقـود المجـرمِ |
أنتم على رغم البغـاة مكـانكـم |
|
شرف القلـوب وقَبْسَـةُ المتعلّـمِ |
من عطركـم فـاضت محـافل عزّة |
|
هي في الضمائر كالضحى المتبسّمِ |
تلـك العهود مـع الزمان مسيـرها |
|
ضوءٌ بأحنـاءِ الطـريـق المُعتـمِ |
تـرنيمـة بفــم التقـاة لأنهـا |
|
مـن صُنـع قومٍ قـائمين وصُوَّمِ |
لا الدهـر يسلينـا مواجـع فقدكم |
|
كـلاّ ولا آسٍ بــرقية بَلْسَـمِ |
فاذهب إلى عـزّ الجنـان وسحرها |
|
حيـث الخلود ويـالعظم المغنـمِ |
يلقـاك بــالبشـر النبيّ وآلُـه |
|
فيهـا ، جزاء ولائــك المتقـدّمِ |
وتقرّ عينـاك اللتـان تقـرّحا |
|
فيهم ، بـكل تلـذّذ وتنعّـمِ |
وترود فيهـا مجلسـاً لمحمّـدٍ |
|
والمرتضى والآل نعـم الأنجمِ |
وتكون فيها فـي جـوار أحبّةٍ |
|
كانوا أمـاناً للمحـبّ المُغـرمِ |
هـذا جزاء الصالحين ففز بـه |
|
ما فزت إلاّ بالنعيم الأعظـمِ (١) |
__________________
١ ـ مجلة الموسم : العددان ٢ ـ ٣ ( ١٩٨٩ م ) ، ص ٧١٧ ، ٧١٨.
الملحق رقم (٤)
مستدرك أشعار الفرطوسي