الدكتور محمّد سالم محيسن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦١
المحدثين وروى عنهم ، وفي هذا يقول « الخطيب البغدادي » : « أبو الفرج القطان المقرئ من أهل « النهروان » سمع أحمد بن سلمان النجاد ، وجعفر الخلدي ، وله مصنف في القراءات ، وروى عنه أحمد بن رضوان الصيدلاني وغيره وكان ثقة (١).
اشتهر « عبد الملك » بالثقة ، واحتل مكانة سامية بين العلماء مما استوجب الثناء عليه ، وفي هذا يقول « الحافظ الذهبي » : « أبو الفرج النهرواني من حلبة شيوخ المقارئ » (٢).
وقال « الإمام ابن الجزري » : أبو الفرج النهرواني مقرئ أستاذ حاذق ثقة (٣).
قال « عبد السلام بن أحمد بن بكران المغازلي النهرواني » : مات « عبد الملك النهرواني » في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رمضان سنة أربع وأربعمائة. رحمهالله واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر تاريخ بغداد ١٠ / ٤٣١.
(٢) انظر القراء الكبار ١ / ٣٧١.
(٣) انظر طبقات القراء ١ / ٤٦٨.
رقم الترجمة / ١٧٨
« عبد المنعم بن غلبون » ت ٣٨٩ هـ (١)
هو : عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون بن المبارك ، أبو الطيب الحلبي نزيل مصر.
ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.
ولد « ابن غلبون » ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب لسنة تسع وثلاثمائة بحلب ، وانتقل إلى « مصر » فسكنها حتى توفاه الله.
أخذ « ابن غلبون » القراءة وحروف القرآن على خيرة العلماء ، وفي هذا يقول الإمام « ابن الجزري » : روى عبد المنعم بن غلبون القراءة عرضا وسماعا عن : إبراهيم بن عبد الرزاق ، وإبراهيم بن محمد بن مروان ، وأحمد بن محمد بن بلال ، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم البغدادي ، وأحمد بن الحسين النحوي ، وأحمد بن موسى ، وجعفر بن سليمان ، والحسين بن خالويه ، والحسن بن حبيب الحصائري ، وصالح بن ادريس ، وعبد الله بن أحمد بن الصقر ، وعلي بن محمد المكي ، وعمر ابن بشران ، ومحمد بن جعفر الفريابي وآخرون (٢).
__________________
(١) انظر ترجمته فيما يأتي : النشر في القراءات العشر ١ / ٧٨ ، وفهرست ابن خير ٢٥ ، ٢٧ ، ووفيات الأعيان ٥ / ٢٧٧ ( في ترجمة مكي بن حموش ) وتاريخ الإسلام الورقة ٢٠٢ ( آيا صوفيا ٣٠٠٨ ) والعبر ٣ / ٤٤ ، ومرآة الجنان ٢ / ٤٤٢. وطبقات السبكي ٣ / ٣٣٨ ، وطبقات الأسنوي ٢ / ٤٠٠ ـ ٤٠١ ، وغاية النهاية ١ / ٤٧٠ ـ ٤٧١. ونهاية الغاية الورقة ١٣١ ، وحسن المحاضرة ١ / ٤٩٠ ـ ٤٩١ ، وشذرات الذهب ٣ / ١٣١.
(٢) انظر طبقات القراء ١ / ٤٧٠.
تصدر « ابن غلبون » لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة وصحة القراءة ، وجودة الضبط وأقبل عليه حفاظ القرآن يأخذون عنه ، وتتلمذ عليه الكثيرون. وفي مقدمتهم : ولده أبو الحسن طاهر ، فقد عرض عليه القراءات. واشتهر مثل والده وصنف كتاب « التذكرة » في القراءات.
ومن الذين أخذوا القراءة عن عبد المنعم بن غلبون « أحمد بن علي الربعي ، وأبو جعفر أحمد بن علي الأزدي ، وأحمد بن علي تاج الأئمة ، وأحمد بن نفيس ، والحسن بن عبد الله الصقلي ، وخلف بن غصن ، وأبو عمر الطلمنكي ، وأبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن الأستاذ ، وأبو عبد الله محمد بن سفيان ، وأبو الحسين محمد ابن قتيبة الصقلي ، ومكي بن أبي طالب القيسي ، وأحمد بن أبي الربيع ، وأبو عبد الله مسلم شيخ غالب بن عبد الله » (١).
اشتهر « عبد المنعم بن غلبون » بين الناس وصنف كتاب « الإرشاد في القراءات » وقد استفاد منه الكثيرون من قراء القرآن الذين جاءوا من بعده.
كما احتل مكانة سامية بين العلماء مما استوجب الثناء عليه وفي هذا يقول « الإمام أبو عمرو الداني » : كان « عبد المنعم بن غلبون » حافظا للقراءة ضابطا ذا عفاف ونسك وفضل وحسن تصنيف ، وكان الوزير جعفر بن الفضل معجبا به ، وكان يحضر عنده المجلس مع العلماء ا هـ (٢).
وقال « أبو علي الغساني » : كان « ابن غلبون » ثقة خيارا (٣). قال « الإمام ابن الجزري » : كان « عبد المنعم بن غلبون » نزيل مصر أستاذا ماهرا كبيرا ، كاملا محررا ، ضابطا ، ثقة خيرا ، صالحا دينا ا هـ (٤).
__________________
(١) انظر طبقات القراء ١ / ٤٧١.
(٢) انظر القراء الكبار ١ / ٤٥٦.
(٣) انظر القراء الكبار ١ / ٤٥٦.
(٤) انظر طبقات القراء ١ / ٤٧٠.
ومن الأدلة على تقواه وصلته بالله تعالى ، أنه وجد على بعض مؤلفاته بخطه هذان البيتان :
صنفت ذا العلم أبغي الفوز مجتهدا |
|
لكي أكون مع الأبرار والسعدا |
في جنة في جوار الله خالقنا |
|
في ظل عيش مقيم دائم أبدا |
توفي « عبد المنعم بن غلبون » بمصر في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة ، رحمهالله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.
رقم الترجمة / ١٧٩
« عبد الوارث بن سعيد » ت ١٨٠ هـ (١)
الإمام الحافظ ، الثقة ، المقرئ. هو : عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان أبو عبيدة ، البصري.
ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة الخامسة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.
ولد « عبد الوارث » سنة اثنتين ومائة من الهجرة. وقرأ « القرآن » وجوّده على « أبي عمرو بن العلاء » البصري ، الإمام الثالث من أئمة القراءات. كما قرأ أيضا على « حميد بن قيس المكي ».
وتصدر « عبد الوارث » للاقراء ، فقرأ عليه عدد كثير منهم : ابنه « عبد الصمد » وبشر بن هلال ، ومحمد بن عمر القصبي ، وأبو الربيع الزهراني ، وأحمد ابن أبي عمر القرشي ، وعمران بن موسى القزاز ، وعون بن الحكم ، وآخرون (٢).
وكان « عبد الوارث » ثقة حجة ، موصوفا بالعبادة والدين ، والفصاحة ، والبلاغة ، وقد أثنى عليه الكثيرون من علماء عصره ، من ذلك قول « أبي عمرو الجرمي » : « ما رأيت فقيها أفصح من « عبد الوارث » إلا « حماد بن سلمة » (٣).
__________________
(١) انظر ترجمته فيما يأتي : تاريخ خليفة ٤٥١ ، وطبقاته ٢٢٤ ، وتاريخ البخاري الكبير ٦ / ١١٨ ، وتاريخه الصغير ٢ / ٢٢١ ، والمعرفة والتاريخ ١ / ١٧١ ، والجرح والتعديل ٦ / ٧٥ ، ومشاهير علماء الأمصار ١٦٠ ، وتذكرة الحفاظ ١ / ٢٥٧ ، وسير أعلام النبلاء ٨ / ٢٦٧ ، ومعرفة القراء الكبار ١ / ١٦٣ ، والكاشف ٢ / ٢١٩ ، وغاية النهاية ١ / ٤٧٨ ، وتهذيب التهذيب ٦ / ٤٤١ ، وخلاصة تذهيب الكمال ٢٤٧ ، وشذرات الذهب ١ / ٢٩٣.
(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ص ٤٧٨.
(٣) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ١٦٣.
وقد حدث « عبد الوارث » عن عدد من العلماء منهم : « أيوب السختياني ، وأيوب بن موسى ، وشعيب بن الحبحاب ، والجعد أبي عثمان ، وداود بن أبي هند ، وعبد العزيز بن صهيب ، وعبد الله بن أبي نجيح » ، وآخرون (١).
وكما كان « عبد الوارث » أستاذا في القرآن الكريم ، كان أيضا من علماء الحديث النبوي الشريف ، وقد حدث عنه عدد كثير منهم : ولده « عبد الصمد ، وأبو معمر عبد الله بن عمرو المقعد ، وهو رواية كتبه ، وقتيبة بن سعيد ، وبشر بن هلال ، وعلي بن المديني ، وعبيد الله بن عمر القواريري ، وخلق سواهم (٢).
وكان « عبد الوارث » من خيرة علماء عصره ، يقول عنه « الذهبي » : وكان « عبد الوارث » علما مجودا ، من فصحاء أهل زمانه ، ومن أهل الدين والورع ا هـ (٣).
وقال « معاوية بن صالح » : قلت « لأبي معين » : من أثبت شيوخ البصريين : قال : « عبد الوارث » وسمّى جماعة ا هـ (٤).
وقال « أبو زرعة » : « عبد الوارث » ثقة.
وقال « النسائي » : ثقة ، ثبت.
وقال « ابن سعد » : ثقة ، حجة.
توفي « عبد الوارث » سنة ثمانين ومائة من الهجرة ، بعد حياة حافلة في تعليم القرآن وسنة سيد الأنام ، رحم الله « عبد الوارث بن سعيد » رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ١٦٣.
(٢) انظر سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ٣٠١.
(٣) انظر سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ٣٠١.
(٤) انظر سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ٣٠٢.
رقم الترجمة / ١٨٠
« عبيد بن الصبّاح » ت ٢١٩ هـ (١)
هو : عبيد بن الصباح بن صبيح أبو محمد النهشلي الكوفي ، ثم البغدادي ، مقرئ ضابط صالح.
ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة السادسة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.
وقد اختلف المؤرخون في كل من : « عبيد بن الصباح وعمرو بن الصباح » هل هما أخوان أو لا؟ فقال « أبو علي الأهوازي » : ليسا بأخوين. وقال « أبو عمرو الداني » هما أخوان ا هـ (٢).
تلقى « عبيد بن الصباح » القرآن على مشاهير علماء عصره ، وفي هذا المعنى يقول « أبو عمرو الداني » : أخذ « عبيد بن الصباح » القراءة عرضا عن « حفص » وهو من أجل أصحابه وأضبطهم (٣).
وأقول : قراءة « حفص » هي التي يقرأ بها المسلمون الآن في معظم أنحاء العالم. وقد روى القراءة عرضا عن « عبيد بن الصباح » : « أحمد بن سهل الأشناني » وقال « ابن شنبوذ » : لم يرو عنه غير الأشناني ا هـ (٤).
وقال « ابن الجزري » : روى القراءة عن « عبيد بن الصباح » عرضا « أحمد بن سهل الأشناني ، وعبد الصمد بن محمد العينوني ، والحسن بن المبارك
__________________
(١) انظر ترجمته فيما يأتي : تاريخ الإسلام ، الورقة ٥٦ ( أحمد الثالث ٢٩١٧ / ٧ ) وغاية النهاية ١ / ٤٩٥.
(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ص ٤٩٥.
(٣) انظر القراء الكبار ج ١ ص ٢٠٤.
(٤) انظر القراء الكبار ج ١ ص ٢٠٤.
الأنماطي ، فيما ذكره « الأهوازي » عن شيخه « الغضائري » عن « أبي هاشم الزعفراني » عنه ا هـ (١).
توفي « عبيد بن الصباح » سنة تسع عشرة ومائتين. رحمهالله رحمة واسعة ، إنه سميع مجيب.
__________________
(١) انظر طبقات القراء ج ١ ص ٤٩٥.
رقم الترجمة / ١٨١
« أبو عبيد القاسم بن سلاّم » ت ٢٢٤ هـ (١)
هو : القاسم بن سلام ، أبو عبيد الخراساني ، الأنصاري مولاهم البغدادي ، الإمام الكبير ، الحافظ ، العلامة ، أحد الأعلام المجتهدين ، وصاحب التصانيف في القراءات ، والحديث ، والفقه ، واللغة ، والشعر.
ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة السادسة من حفاظ القرآن. وذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.
ولد « أبو عبيد » سنة سبع وخمسين ومائة ، وكان والده مملوكا روميّا لرجل من « هراة ».
وقد أخذ « أبو عبيد » القراءة عن مشاهير علماء عصره منهم : « علي بن حمزة الكسائي » الإمام السابع من أئمة القراءات ، وشجاع بن أبي نصر ، وسليمان بن حماد ، وإسماعيل بن جعفر ، وحجاج بن محمد ، ويحيى بن آدم ، وهشام بن عمّار » وآخرون (٢).
كما أخذ اللغة من مشاهير علماء اللغة مثل « أبي عبيدة ، وأبي زيد الأنصاري » وغيرهما (٣).
__________________
(١) انظر ترجمته فيما يأتي : طبقات ابن سعد ٧ / ٩٣ ، والتاريخ الكبير ٧ / ١٧٢ ، والمعارف ٥٤٩ ، وتاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٣ وطبقات الفقهاء للشيرازي ٩٢ وطبقات الحنابلة ١ / ٢٥٩ ، ونزهة الألباء ١٠٩ ، وصفة الصفوة ٤ / ١٣٠ ، وإرشاد الاريب ٦ / ١٦٢ ، وإنباه الرواة ٣ / ١٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٥٧ ووفيات الأعيان ٤ / ٦٠ ، وتذكرة الحفاظ ٢ / ٤١٧ ، وسير أعلام النبلاء ١٠ / ٤٩٠ ، والعبر ١ / ٣٩٢ ، والكاشف ٢ / ٣٩٠ ، ومعرفة القراء الكبار ١ / ١٧٠ ، وميزان الاعتدال ٣ / ٣٧١ ، ومرآة الجنان ٢ / ٨٣ ، وطبقات الشافعية للسبكي ٢ / ١٥٣ ، وغاية النهاية ٢ / ١٧ ، وتهذيب التهذيب ٨ / ٣١٥ ، وبغية الوعاة ٢ / ٢٥٣. وشذرات الذهب ٢ / ٥٤.
(٢) انظر طبقات القراء ج ٢ ص ١٧.
(٣) انظر سير أعلام النبلاء ج ١ ص ٤٩١.
كما أخذ الحديث عن خيرة العلماء منهم : « إسماعيل بن جعفر ، وشريك بن عبد الله ، وإسماعيل بن عياش ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن المبارك ، ويحيى القطان ، وإسحاق الأزرق » وخلق كثير (١).
وكان « أبو عبيد » علما بارزا من علماء القراءات ، وقد أخذ القراءة عنه الكثيرون منهم : « أحمد بن إبراهيم ورّاق خلف ، وأحمد بن يوسف التغلبي ، وعلي ابن عبد العزيز البغوي » ، وآخرون (٢).
كما حدث عن « أبي عبيد » الكثيرون ، منهم : « نصر بن داود ، وأبو بكر الصاغاني ، وأحمد بن يوسف التغلبي » ، وغيرهم كثير (٣).
وقد صنف « أبو عبيد » في شتى العلوم ، مثل القراءات ، واللغة ، والحديث ، والفقه والشعر ، وغير ذلك.
يقول « ابن درستويه » : ولأبي عبيد كتب لم يروها قد رأيتها في ميراث بعض الطاهرية تباع كثيرة في أصناف الفقه كله ، وبلغنا أنه إذا كان إذا ألّف كتابا أهداه إلى « ابن طاهر » فيحمل إليه مالا خطيرا ، والغريب المصنف من أجلّ كتبه في اللغة ، قال : ومنها كتابه في الأمثال أحسن تأليفه ، وغريب الحديث ذكره بأسانيده ، فرغب فيه أهل الحديث ، وكذلك كتابه « معاني القرآن » وله كتب في الفقه فإنه عمد إلى مذهب « مالك ، والشافعي » فتقلد أكثر ذلك ، وأتى بشواهده ، وحسّنه باللغة ، والنحو ، وله في القراءات كتاب جيّد ، ليس لأحد من الكوفيين قبله مثله ، وكتابه في « الأموال » من أحسن ما صنف في الفقه ، وأجوده ا هـ (٤).
__________________
(١) انظر سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٤٩١.
(٢) انظر معرفة القراء الكبار ج ٢ ص ١٨.
(٣) انظر سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٤٩٢.
(٤) انظر سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٤٩٤.
وقال « أحمد بن يوسف » : لما عمل « أبو عبيد » كتاب « غريب الحديث » عرضه على « عبد الله بن طاهر » فاستحسنه وقال : إن عقلا بعث صاحبه على عمل مثل هذا الكتاب لحقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش ، فأجرى له عشرة آلاف درهم في الشهر ا هـ (١).
يقول « أبو عبيد » رحمهالله : مكثت في تصنيف كتاب « غريب الحديث » أربعين سنة ، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال ، فأضعها في الكتاب ، فأبيت ساهرا فرحا مني بتلك الفائدة ، وأحدكم يجيئني فيقيم عندي أربعة أشهر أو خمسة فيقول : قد أقمت الكثير ا هـ (٢).
ولقد كان « أبو عبيد » من الذين يحترمون أنفسهم ، ويكرمونها لتكريم الله لها ، وهناك أكثر من شاهد على ذلك : قال « عبد الله بن محمد بن سيّار » : سمعت « ابن عرعرة » من « أبي عبيد » وطمع أن يأتيه في منزله ، فلم يفعل « أبو عبيد » حتى كان هو يأتيه ا هـ (٣).
ولقد كان « أبو عبيد » مع علمه ينطق بالحكمة ، فمن ذلك : قول « علي بن عبد العزيز » : سمعت « أبا عبيد » يقول : « المتبع للسنة كالقابض على الجمر ، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله » ا هـ (٤).
ونظرا لمكانة « أبي عبيد » العلمية والسلوكية ، والدينية فقد استحق ثناء العلماء عليه : قال « الداني » : « أبو عبيد » إمام أهل دهره في جميع العلوم صاحب سنة ، ثقة مأمون. ا هـ (٥).
__________________
(١) انظر سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٤٩٥.
(٢) انظر سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٤٩٦.
(٣) انظر سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٤٩٦.
(٤) انظر سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٤٩٦.
(٥) انظر طبقات القراء ج ٢ ص ١٨.
وقال « عبد الله بن طاهر » : « علماء الإسلام أربعة : عبد الله بن عبّاس في زمانه ، والشعبي في زمانه ، والقاسم بن معن في زمانه ، والقاسم بن سلاّم في زمانه » ا هـ (١).
وقال « إبراهيم الحربي » : ما مثلت أبا عبيد إلا بجبل نفخ فيه الروح (٢). وعن « محمد بن أبي بشر » قال : أتيت « أحمد بن حنبل » في مسألة فقال لي : ائت « أبا عبيد » فإن له بيانا لا نسمعه من غيره ، قال : فأتيته فشفاني جوابه ا هـ (٣).
وقال « عباس الدوري » : سمعت « أحمد بن حنبل » يقول : « أبو عبيد ممن يزداد عندنا كل يوم خيرا » ا هـ (٤).
وقال « الحسن بن سفيان » : سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول : « أبو عبيد » أوسعنا علما ، وأكثرنا أدبا ، وأجمعنا جمعا ، إنا نحتاج إليه ، ولا يحتاج إلينا ا هـ (٥). وقال « أبو داود » : « أبو عبيد » ثقة مأمون ا هـ (٦).
توفي « أبو عبيد » سنة أربع وعشرين ومائتين بعد حياة حافلة في تعليم القرآن ، واللغة ، وحديث النبي عليه الصلاة والسلام. رحم الله « أبا عبيد » رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء
__________________
(١) انظر سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٥٠١.
(٢) انظر طبقات القراء ج ٢ ص ١٨.
(٣) انظر طبقات القراء ج ٢ ص ١٨.
(٤) انظر سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٥٠٤.
(٥) انظر سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٥٠٠.
(٦) انظر سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٥٠٤.
رقم الترجمة / ١٨٢
« عبيد الله العبسيّ » ت ٢١٣ هـ (١)
هو : عبيد الله بن موسى بن باذام ، أبو محمد العبسي مولاهم الكوفي ، الإمام الحجة ، الحافظ ، الثقة.
ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة الخامسة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.
ولد « عبيد الله العبسي » بعد العشرين ومائة.
وقد تلقى القرآن ، وجوّده على مشاهير علماء عصره : فقد أخذ القراءة عرضا عن : « عيسى بن عمر ، وشيبان بن عبد الرحمن الهمذاني ، وعلي بن صالح بن حسن ».
وروى الحروف سماعا من غير عرض عن « حمزة الزيات » وقيل عرض عليه أيضا ، وكان يقرئ بها.
وسمع حروفا من القرآن من « الكسائي ، ومن شيبان بن عاصم » (٢).
وقد حدث « عبيد الله العبسيّ » عن : هشام بن عروة ، والأعمش ،
__________________
(١) انظر ترجمته فيما يأتي : طبقات ابن سعد ٦ / ٢٧٩ ، وتاريخ خليفة ٤٧٤ ، وطبقات خليفة ١٧١ ، والتاريخ الصغير ٢ / ٣٢٦ والتاريخ الكبير ٥ / ٤٠١ ، والمعرفة والتاريخ ١ / ١٩٨ والجرح والتعديل ٥ / ٣٣٤. وتذكرة الحفاظ ١ / ٣٥٣ والعبر ١ / ٣٦٤ ، والكاشف ٢ / ٢٣٤ ، وميزان الاعتدال ٣ / ١٦ ، ومرآة الجنان ٢ / ٧٥ ، ومعرفة القراء الكبار ١ / ١٦٨ ، ومرآة الجنان ٢ / ٧٥ ، وغاية النهاية ١ / ٤٩٣. وتقريب التهذيب ١ / ٥٣٩ ، والنجوم الزاهرة ٢ / ٢٠٧ ، وطبقات الحفاظ للسيوطي ١٥١ ، وخلاصة تذهيب الكمال ٢١٥ ، وشذرات الذهب ٢ / ٢٩ ، وانظر تهذيب الكمال.
(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ص ٤٩٥.
وإسماعيل بن أبي خالد ، وزكريا بن أبي زائدة ، وابن جريج ، والأوزاعي ، وشيبان ، وخلق سواهم (١).
وقد جلس « عبيد الله العبسي » للاقراء بالكوفة ، وتتلمذ عليه الكثيرون ، منهم : « إبراهيم بن سليمان ، وأيوب بن علي ، ومحمد بن عبد الرحمن ، وأحمد بن جبير ، وأبو حمدون الطيب ، ومحمد بن علي بن عفان ، وهارون بن حاتم » وغير هؤلاء كثير (٢).
كما حدث عن « عبيد الله العبسي » أحمد بن حنبل قليلا ، وأحمد بن أبي غرزة الغفاري ، ويحيى بن معين ، وعبد بن حميد ، وأبو نمير ، وعباس الدوري ، وخلق كثير (٣).
وكان « عبيد الله العبسي » من الثقات ، فقد وثقه « ابن معين » وغيره وقال « القاضي » : « عبيد الله العبسي » مشهور بالرواية ، ثقة في النقل ، معروف بالقراءة من رواة القرآن ، والحديث ، والفقه ، والفرائض ، علم في العلم ، والدراية وكان مع فضله ومعرفته ذا زهد ، وورع ، من العلماء العاملين بعلمه ا هـ (٤).
وقال « الذهبي » : حديث « عبيد الله العبسي » في الكتب الستة بواسطة ، وعند البخاري بلا واسطة ، وكان صاحب عبادة ، وتهجد ، وزهد ، صحب « حمزة الزيات » ا هـ (٥).
توفي « عبيد الله العبسي » سنة ثلاث عشرة ومائتين ، بعد حياة حافلة بتعليم القرآن ، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام. رحم الله « عبيد الله العبسي » وجزاه الله أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ١٦٩.
(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ص ٤٩٤.
(٣) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ١٦٩.
(٤) انظر طبقات القراء ج ١ ص ٤٩٤.
(٥) انظر معرفة القراء الكبار ج ١ ص ١٦٩.
رقم الترجمة / ١٨٣
« عبيد الله القيسي » ت ٣٦٠ هـ (١)
هو : عبيد الله بن عمر بن أحمد بن جعفر أبو القاسم القيسي البغدادي الشافعي نزيل الأندلس.
ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.
ولد « عبيد الله القيسي » ببغداد سنة خمس وسبعين ومائتين من الهجرة. رحل عبيد الله القيسي إلى بعض البلاد الإسلامية ليأخذ عن علمائها ، ويتلقى القرآن والفقه على قرائها وفقهائها ، وفي هذا يقول « الإمام ابن الجزري » : « قدم « عبيد الله » مصر ، فقرأ على أبي الفتح بن بدهن ، وقدم « الأندلس » فدخل « قرطبة » في المحرم سنة سبع وأربعين وثلاثمائة (٢).
أخذ « عبيد الله » الفقه على خيرة العلماء ، وفي مقدمتهم : أبو سعيد الاصطخري ، والقاضي المحاملي ، كما أخذ « عبيد الله » القراءة القرآنية عن خيرة العلماء ، يقول : الإمام ابن الجزري : وعرض القراءات على « ابن مجاهد » وأحمد بن يعقوب التائب ، وإبراهيم بن داود الرقي ، واسحاق بن أبي عمران الإمام ا هـ (٣).
واشتهر « عبيد الله القيسي » بالعلم في الفقه وأصوله والقراءات. وصنف في
__________________
(١) انظر ترجمته فيما يأتي : الكامل لابن الأثير ٨ / ٦١٢ ، وتاريخ الإسلام ، وفيات ٣٦٠ ، ( آيا صوفيا ٣٠٠٨ ) وميزان الاعتدال ٣ / ١٤ ، وغاية النهاية ١ / ٤٨٩ ـ ٤٩٠.
(٢) انظر طبقات القراء ١ / ٤٩٠.
(٣) انظر طبقات القراء ١ / ٤٨٩.
ذلك الكتب المفيدة. كما كان له مكانة مرموقة بين العلماء مما استوجب الثناء عليه. وفي هذا يقول « الفرضي » : « كان عبيد الله عالما بالأصول والفروع وإماما في القراءات ، صنف فيها وفي الفقه » (١).
وقال « الإمام الداني » : كان عبيد الله إماما في الفقه على مذهب الإمام الشافعي وغيره ، كثير التصنيف في أصول الأحكام وغير ذلك ا هـ (٢).
وقال « الإمام ابن الجزري » : « عبيد الله القيسي » إمام مقرئ علامة (٣).
توفي « عبيد الله » بقرطبة لأربع بقين من ذي الحجة لسنة ستين وثلاثمائة من الهجرة ، وله خمس وستون سنة ، رحمهالله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر طبقات القراء ١ / ٤٩٠.
(٢) انظر طبقات القراء ١ / ٤٩٠.
(٣) انظر طبقات القراء ١ / ٤٩٠.
رقم الترجمة / ١٨٤
« عبيد الله بن مهران » ت ٤٠٦ هـ (١)
هو : عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن مهران بن أبي مسلم أبو أحمد الفرضي البغدادي.
ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن. كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ هـ ضمن علماء القراءات.
أخذ « عبيد الله » القراءة عن خيرة العلماء ، وفي مقدمتهم : أبو الحسن بن بديان ، وهو آخر من بقي من أصحابه ممن روى عنه رواية « قالون » وغيرها (٢).
كما أخذ حديث الهادي البشير صلىاللهعليهوسلم عن عدد من العلماء. يقول الخطيب البغدادي : سمع عبيد الله بن مهران القاضي المحاملي ، ويوسف بن يعقوب ابن اسحاق بن البهلول ومن بعدهما ، وحضر مجلس أبي بكر بن الأنباري (٣).
تصدر « عبيد الله » لتعليم القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام واشتهر بالصدق والأمانة وصحة القراءة ، وأقبل عليه الطلاب. يقول الإمام « ابن الجزري » : أخذ عن « عبيد الله بن مهران » القراءة عرضا « الحسن بن محمد البغدادي ، ونصر بن عبد العزيز الفارسي والحسن بن علي العطار ، ومحمد بن علي الخياط ، وأبو علي غلام الهراس ، وعلي بن الحسين بن زكريا الطرثيثي ، وأبو
__________________
(١) انظر ترجمته فيما يأتي : تاريخ بغداد ١٠ / ٣٨٠ ـ ٣٨٢ ، وتاريخ الإسلام ، الورقة ٦٢ ( آيا صوفيا ٣٠٠٩ ) وتذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٦٤ ، والعبر ٣ / ٩٤ ، وطبقات السبكي الكبرى ٥ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، وغاية النهاية ١ / ٤٩١ ـ ٤٩٢. ونهاية الغاية ، الورقة ١٣٨ ، وشذرات الذهب ٣ / ١٨١.
(٢) انظر القراء الكبار ١ / ٣٦٤.
(٣) انظر تاريخ بغداد ١٠ / ٣٨٠.
الحسن علي بن محمد الخياط ، وعبد الرحمن بن أحمد الرازي ». وروى القراءة عنه سماعا : عبد الله بن محمد شيخ الداني ، وأعلى ما وقعت رواية قالون من طريقه (١).
وصف « عبد الله بن مهران » بعدة صفات حميدة ، منها : شدة إخلاصه ، وحبه لتعليم القرآن ، دون أن يأخذ على ذلك أجرا من أحد.
احتل « عبيد الله بن مهران » مكانة سامية واشتهر بالصدق والخوف من الله تعالى ، والاقبال على طاعة الله تعالى ، مما استوجب ثناء العلماء عليه ، وفي هذا يقول الخطيب البغدادي : كان « عبيد الله بن مهران » ثقة ، صادقا ، ديّنا ، ورعا ، ثم يقول : سمعت « العتيقي » ذكره فقال : ثقة مأمون ما رأينا مثله في معناه ، وسمعت الازهري ذكره فقال : كان إماما من الأئمة (٢).
وقال « الإمام ابن الجزري » : أبو أحمد الفرضي إمام كبير ثقة ورع (٣).
مما هو ثابت أن الجزاء من جنس العمل ، وصدق الله حيث قال : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٤).
ويفوح من سيرة « عبيد الله بن مهران » رائحة طيبة عطرة هي رائحة تمسكه بتعاليم الإسلام ، اذا فمن كان كذلك فان الله سبحانه وتعالى سيتفضل عليه بحسن الخاتمة. حول هذا المعنى يقول « أبو الحسن محمد بن أحمد » رأيت في منامي « أبا أحمد الفرضي » بهيئة جميلة أجمل مما كنت أراه في دار الدنيا : فقلت له : يا أبا
__________________
(١) انظر طبقات القراء ١ / ٤٩١.
(٢) انظر تاريخ بغداد ١٠ / ٣٨٠.
(٣) انظر طبقات القراء ١ / ٤٩١.
(٤) سورة النحل الآية ٣٢.
أحمد ، كيف رأيت الأمر؟. فقال لي : الفوز ، والأمن للذين قالوا : ربنا الله ثم استقاموا (١).
حقا ، لعلها رؤيا صادقة ، وصدق الله حيث قال في كتابه العزيز : ( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ، وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) (٢). لأنه كان يدخر ذلك العمل عند الله تعالى ، ومما يدل على ذلك الحادثة التالية : يقول الخطيب البغدادي : كتب « أبو حامد مع رجل من خراسان كتابا إلى « عبيد الله بن مهران » يشفع له أن يأخذ عليه القرآن ، فظن « عبيد الله » أنها مسألة قد استفتي فيها ، فلما قرأ الكتاب غضب ورماه من يده وقال : أنا لا أقرأ القرآن بشفاعة.
ثم يقول البغدادي : حدثني أبو القاسم منصور بن عمر الفقيه الكرخي قال : لم أر في الشيوخ من يعلم العلم لله خالصا لا يشوبه بشيء من الدنيا غير « أبي أحمد الفرضي » فإنه كان يكره أدنى سبب حتى المديح لأجل العلم.
قال : وكان قد اجتمعت فيه أدوات الرئاسة من علم ، وقرآن ، وإسناد ، وحالة متسعة في الدنيا ، وغير ذلك من الأسباب التي يداخل بمثلها السلطان ، وتنال بها الدنيا ، وكان مع ذلك ورع الخلق.
وكان يبتدئ كل يوم بتدريس القرآن ، ويحضر عنده الشيخ الكبير ذو الهيئة ، فيقدم عليه الحدث لأجل سبقه ، واذا فرغ من إقراء القرآن تولى قراءة الحديث علينا بنفسه فلا يزال كذلك حتى تستنفد قوته ، ويبلغ النهاية من جهده في
__________________
(١) انظر تاريخ بغداد ١٠ / ٣٨١.
(٢) سورة فصلت الآيات ٣٠ ـ ٣٢.
القراءة ، ثم يضع الكتاب من يده فحينئذ يقطع المجلس وينصرف ، وكنت أجالسه فأطيل القعود معه ، وهو على حالة واحد لا يتحرك ، ولا يعبث بشيء من أعضائه ولا يغير شيئا من هيئته حتى أفارقه ، وبلغني أنه كان يجلس مع أهله على هذا الوصف ولم أر في الشيوخ مثله (١) ومن صفاته أيضا شدة إمعان النظر ، والتفكر في مخلوقات الله تعالى ، يقول « الخطيب البغدادي » : « حدثني عيسى بن أحمد الهمذاني » قال : سمعت علي ابن عبد الواحد بن المهدي يقول : « اختلفت إلى « أبي أحمد الفرضي » ثلاث عشرة سنة لم أره ضحك فيها (٢).
فعن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : « من قرأ القرآن واستظهره (٣) فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله به الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت لهم النار » (٤).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضياللهعنهما أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : الصيام والقرآن يشفعان للعبد ، يقول الصيام : رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن : رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفعان (٥).
توفي « عبيد الله بن مهران » في شوال سنة ست وأربع مائة وله اثنتان وثمانون سنة رحمهالله رحمة واسعة ، إنه سميع مجيب.
__________________
(١) انظر تاريخ بغداد ١٠ / ٣٨١.
(٢) انظر تاريخ بغداد ١٠ / ٣٨٠.
(٣) أي حفظه عن ظهر قلب. انظر التاج ٤ / ٦.
(٤) رواه الترمذي.
(٥) رواه احمد والطبراني في الكبير.