السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-277-6
الصفحات: ٥٤٦
ولا يكلّف اليمين ولا البيّنة ؛ للشبهة الدارئة بذلك.
( وبدعوى ) كلّ ( ما يصلح ) أن يكون ( شبهة ) لكن ( بالنظر إلى المدّعى ) لها خاصّة ؛ فلو ادّعاها أحدهما أو هما مع عدم إمكانها إلاّ بالنسبة إلى أحدهما ، سقط عنه دون صاحبه ؛ ووجهه واضح ممّا سلف ، مع دعوى الإجماع عليه حتى على عدم التكليف باليمين والبيّنة في كلام بعض الأجلّة (١).
( ولا يثبت الإحصان الذي يجب معه الرجم ) كما يأتي ( حتى يكون الزاني بالغاً ) عاقلاً ( حرّا ، له فرجٌ مملوك ) له ( بالعقد الدائم ) الصحيح ( أو الملك ) خاصّة ، بحيث ( يغدو عليه ويروح ) أي يكون متمكّناً من وطئه متى أراد ، بلا خلاف إلاّ في اعتبار العقل كما مرّ (٢) ، وفي حصول الإحصان بملك اليمين ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل عليه الإجماع في الانتصار والغنية (٣) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الدالّة عليه عموماً وخصوصاً.
ففي الصحيح : « من كان له فرجٌ يغدو عليه ويروح فهو محصن » (٤).
وفي آخر عن المحصن ، فقال : « الذي يزني وعنده ما يغنيه » (٥).
وفي الموثّق : عن الرجل إذا هو زنى وعنده السرية والأمة يطؤها ،
__________________
(١) كما في مجمع الفائدة ١٣ : ١٠.
(٢) في ص ٤٣٨.
(٣) الانتصار : ٢٥٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.
(٤) الكافي ٧ : ١٧٩ / ١٠ ، الفقيه ٤ : ٢٥ / ٥٧ ، التهذيب ١٠ : ١٢ / ٢٨ ، الوسائل ٢٨ : ٦٨ أبواب حدّ الزنا ب ٢ ح ١.
(٥) الكافي ٧ : ١٧٨ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٢ / ٢٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٤ / ٧٦٤ ، الوسائل ٢٨ : ٦٩ أبواب حدّ الزنا ب ٢ ح ٤.
تحصنه الأمة تكون عنده؟ فقال : « نعم ، إنّما ذلك لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا » قلت : فإن كان عنده أمة زعم أنّه لا يطؤها؟ فقال : « لا يُصدَّق » قلت : فإن كان عنده امرأة متعة ، تحصنه؟ قال : « لا ، إنّما هو على الشيء الدائم عنده » (١).
وفي آخر : الرجل تكون له الجارية ، أتحصنه؟ قال : فقال : « نعم ، إنّما هو على وجه الاستغناء » قلت : والمرأة المتعة؟ قال : فقال : « لا ، إنّما ذلك على الشيء الدائم » (٢).
وقصور السند منجبر بالعمل ؛ مع أنّه مرويّ عن كتاب عليّ بن جعفر في الصحيح : عن الحرّ تحته المملوكة ، هل عليه الرجم إذا زنى؟ قال : « نعم » (٣).
خلافاً للصدوق والقديمَين والديلمي (٤) ، فلم يروا الإحصان بالأمة ؛ للأصل ، والاحتياط.
ويندفعان بما مرّ.
وللصحيح : « كما لا تحصن الأمة والنصرانيّة واليهوديّة إذا زنى بحرّة ، فكذلك لا يكون عليه حدّ المحصن إن زنى بيهوديّة أو نصرانيّة أو أمة وتحته حرّة » (٥).
__________________
(١) الكافي ٧ : ١٧٨ / ١ ، التهذيب ١٠ : ١١ / ٢٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٤ / ٧٦٣ ، الوسائل ٢٨ : ٦٨ أبواب حدّ الزنا ب ٢ ح ٢.
(٢) الكافي ٧ : ١٧٨ / ٦ ، الوسائل ٢٨ : ٦٩ أبواب حدّ الزنا ب ٢ ح ٥.
(٣) مسائل عليّ بن جعفر : ١٢١ / ٧١ ، الوسائل ٢٨ : ٧٢ أبواب حدّ الزنا ب ٢ ح ١١.
(٤) الصدوق في المقنع : ١٤٨ ، حكاه عن القديمَين العماني والإسكافي في المختلف : ٧٥٧ ، وانظر المراسم : ٢٥٢.
(٥) الفقيه ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، التهذيب ١٠ : ١٣ / ٣١ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٥ / ٧٦٨ ، الوسائل ٢٨ : ٧١ أبواب حدّ الزنا ب ٢ ح ٩ ؛ بتفاوت يسير.
وحمله الشيخ على المتعة. ولا بأس به وإن بَعُد ؛ جمعاً بينه وبين الأدلّة المتقدّمة ، بإرجاعه إليها ؛ لكونها أقوى منه بالكثرة والشهرة العظيمة ، بحيث نقل عليه إجماع الطائفة.
ونحوه الجواب عن الصحيح الآخر : عن الرجل يزني ولم يدخل بأهله ، أيحصن؟ قال : « لا ، ولا الأمة » (١).
ويحتملان الحمل على التقيّة ، كما يستفاد من الانتصار ، حيث نسب مضمونهما إلى أبي حنيفة وأصحابه (٢).
وصريح الصحيح الأخير كغيره ممّا يأتي اعتبار الدخول في الفرج المملوك له قبل الزنا لتحقّق الإحصان ، كما عن المبسوط والنهاية والسرائر (٣) والجامع والإصباح والغنية مدّعياً إجماع الإماميّة (٤) ، وبه صرّح أيضاً من المتأخّرين جماعة (٥) من غير نقل خلاف.
ولكن العبارة مطلقة لا ذكر له فيها ولا في كتب كثير من القدماء ، كالمقنعة والانتصار والخلاف والتبيان ومجمع البيان ، ولكن يمكن الذبّ عن الإطلاق بحمله على الغالب ؛ مع وقوع التصريح باعتباره فيما سيأتي من النصّ وعبارة المتن (٦).
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٢٩ / ٧٦ ، التهذيب ١٠ : ١٦ / ٤٢ ، الوسائل ٢٨ : ٧٨ أبواب حدّ الزنا ب ٧ ح ٩.
(٢) الانتصار : ٢٥٨.
(٣) في « ح » : والتحرير.
(٤) المبسوط ٨ : ٣ ، النهاية : ٦٩٣ ، ٦٩٤ ، السرائر ٣ : ٤٣٧ ، الجامع للشرائع : ٥٥٠ ، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام ٢ : ٤٠٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.
(٥) انظر الشرائع ٤ : ١٥٠ ، والقواعد ٢ : ٢٥٣ ، والمفاتيح ٢ : ٧٣ ، وكشف اللثام ٢ : ٤٠٠.
(٦) انظر ص ٤٤٨ ، ٤٨٥.
ومنه يظهر اعتبار كون الفرج هو القبل دون الدبر ، كما صرّح به جماعة (١) ، من غير خلاف بينهم أجده ، إلاّ من إطلاق نحو العبارة ، وفيه ما عرفته.
وهل يشمل ملك اليمين ملك الوطء بالتحليل؟ الظاهر : العدم ، ( لعدم ) (٢) انصراف الإطلاق إليه ، مع أنّه كالمتعة لا يحصل بهما الغنية على الاستدامة ، وقد اعتبرها جملة من المعتبرة المتقدّمة (٣) ، معلّلة به (٤) عدم الإحصان بالمتعة ، كما هو المشهور ، بل لا خلاف فيه أجده ، وإن حكي عن الانتصار ما يشعر بوجوده (٥).
خلافاً للروضة ، فاستوجه إلحاق التحليل بملك اليمين ، قال : لدخوله فيه من حيث الحلّ ، وإلاّ لبطل الحصر المستفاد من الآية (٦) ، ولم أقف فيه هنا على شيء (٧).
( ويستوي المسلمة والذمّية ) حيث صحّ زوجيّتها دائمة في حصول الإحصان بهما ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي صريح الانتصار والغنية (٨) وظاهر غيرهما (٩) دعوى الإجماع عليه ؛ وهو الحجّة ،
__________________
(١) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ٢٥٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ٩ : ٧٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٠٠.
(٢) في « ن » : للأصل والاحتياط مع عدم.
(٣) في ص ٤٤١.
(٤) في حاشية « ن » : أي بعدم حصول الغنية.
(٥) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٤٠٠ ، وهو في الانتصار : ٢٥٨.
(٦) وهي قوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) المؤمنون : ٤ ٥.
(٧) الروضة البهيّة ٩ : ٧٦ ٧٧.
(٨) الانتصار : ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.
(٩) انظر كشف اللثام ٢ : ٤٠١ ، وفي النسخ : غيره ، والأنسب ما أثبتناه.
مضافاً إلى عموم جملة من المستفيضة المتقدّمة (١).
خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي والعماني والصدوق (٢) ، فاعتبروا إسلامها ؛ للصحيح لاعتبار الحرّية في الزوجيّة (٣) ، وجوابه قد عرفته.
( وإحصان المرأة كإحصان الرجل ) في اشتراط أن تكون بالغة ، عاقلة ، حرّة ، لها زوج ( دائم أو مولى ، و ) (٤) قد وطئها وهي حرّة بالغة عاقلة ، وهو عندها يتمكن من وطئها غدوّاً ورواحاً ، بلا خلاف أجده حتى في اعتبار كمال العقل فيها ، بل عليه الإجماع ظاهراً ، كما صرّح به الفاضلان هنا وفي الشرائع والتحرير (٥) وغيرهما (٦) ، بقولهم :
( لكن يراعى فيها العقل إجماعاً ) فلا رجم ولا حدّ على مجنونة زنى بها عاقل حال جنونها وإن كانت محصنة ، وعليه بل على أصل الحكم بأنّ إحصانها كإحصانه ادّعى الإجماع في الغنية (٧) ، فلا إشكال في المسألة ، سيّما بعد عدم ظهور الخلاف الذي عرفته ، واستفادته ولو في الجملة من بعض النصوص الآتية.
( ولا تخرج المطلّقة رجعيّةً ) بالطلاق ( عن الإحصان ، وتخرج البائن ) مطلقاً ، بطلاق كانت البينونة أو غيره ، بلا خلاف ظاهر ؛ لبقاء الزوجيّة المغنية عن الزنا في الأوّل ، وعدمه في الثاني. فلو زنت ، أو
__________________
(١) في ص ٤٤١.
(٢) حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف : ٧٥٧ ، الصدوق في المقنع : ١٤٨.
(٣) راجع ص ٤٤٢.
(٤) ما بين القوسين ليس في « ن ».
(٥) الشرائع ٤ : ١٥١ ، التحرير ٢ : ٢٢٠.
(٦) انظر التنقيح الرائع ٤ : ٣٣٠. والمهذّب البارع ٥ : ١٦.
(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.
تزوّجت فوُطِئت عالمةً بالتحريم ، رُجِمت ؛ كما في الحسن : عن امرأة تزوّجت في عدّتها ، فقال : « إن كانت تزوّجت في عدّة طلاقٍ لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها الرجم ، وإن كانت تزوّجت في عدّةٍ ليس لزوجها عليه الرجعة فإنّ عليها حدّ الزاني غير المحصن » (١).
( وكذا ) (٢) ( المطلِّق ) إن طلّق امرأته رجعيّاً لم يخرج عن الإحصان ، وإن طلّق بائناً خرج ؛ لتمكنّه من الرجعة متى شاء في الأوّل ، وعدمه في الثاني.
وعليه يحمل إطلاق الموثّق : عن رجل كانت له امرأة فطلّقها أو ماتت فزنى ، فقال : « عليه الرجم » وعن امرأة كان لها زوج فطلّقها أو مات ثم زنت ، عليها الرجم؟ قال : « نعم » (٣).
والمرويّ في قرب الإسناد ، عن رجل طلّق امرأته أو بانت منه ثم زنى ، ما عليه؟ قال : « الرجم » وعن امرأة طُلِّقت فزنت بعد ما طُلِّقت بسنة ، هل عليها الرجم؟ قال : « نعم » (٤).
ولكن ظاهرهما ثبوت الرجم مع البينونة ، وهو خلاف ما عرفته من القاعدة ، ولذا حمل الشيخ ذكر الموت في الأوّل على وهم الراوي ، ونحوه جارٍ في الثاني ، لكن ينافيه قوله : بسنة ، إلاّ أن يُقرَأ : بسنّة ، بتشديد النون ،
__________________
(١) الكافي ٧ : ١٩٢ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٦ / ٦٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٠ / ٦١ ، الوسائل ٢٨ : ١٢٦ أبواب حدّ الزنا ب ٢٧ ح ٣.
(٢) في « ن » زيادة : حكم.
(٣) التهذيب ١٠ : ٢٢ / ٦٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٧ / ٧٧٤ ، الوسائل ٢٨ : ١٢٩ أبواب حدّ الزنا ب ٢٧ ح ٨.
(٤) قرب الإسناد : ٢٥٤ / ١٠٠٤ ، ١٠٠٥ ، الوسائل ٢٨ : ٧٥ و ٧٦ أبواب حد الزنا ب ٦ ح ١ و ٢ ؛ بتفاوت يسير.
مراداً بها ما يقابل البدعة.
( ولو تزوّج ) الرجل ( معتدّةً عالماً ) بالعدّة والحرمة ( حُدَّ مع الدخول ) بها جلداً ، أو رجماً إن كان محصناً ، ولا مع العدم.
( وكذا المرأة ) تُحَدّ لو تزوّجت في عدّتها مطلقاً ، إلاّ أنّها لا ترجم في البائن منها ، بل تُجلَد خاصّة مع علمها بما مرّ من الأمرين ، ولا مع العدم.
( ولو ادّعيا الجهالة ) بهما أو بأحدهما ( أو ) ادّعاها ( أحدهما ، قُبِل ) من المدّعى ( على الأصحّ إذا كان ممكناً في حقّه ) بأن كان مقيماً في بادية بعيدة عن معالم الدين ، أو قريب العهد بالإسلام ، ونحو ذلك ، وفاقاً للحلّي (١) وعامّة المتأخّرين.
خلافاً للمحكيّ في المختلف عن المقنعة والنهاية (٢) ، فأطلقا عدم القبول من دون تقييد بعدم الإمكان ، ولكن حمل كلامهما عليه ، قال : فلا منازعة هنا في الحقيقة؟
أقول : ووجهه واضح بعد شهرة الحديث النبويّ بدرء الحدود بالشبهات (٣) ، مع عدم المعارض ، فيجلّ عن مخالفته نحو كلام الشيخين.
ولقد أغرب في التنقيح ، فنسب الخلاف إلى الحلّي ، والوفاق إليهما (٤). وعبارتهم المحكيّة في المختلف تفيد العكس كما ذكرنا.
( ولو راجع المخالع ) إمّا لرجوعها في البذل ، أو بعقد مستأنف
__________________
(١) السرائر ٣ : ٤٤٥.
(٢) المختلف : ٧٥٩ ، وهو في المقنعة : ٧٨٠ ، وفي النهاية : ٦٩٦.
(٣) الفقيه ٤ : ٥٣ / ٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤٧ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٤ ح ٤.
(٤) التنقيح الرائع ٤ : ٣٣٢.
( لم يتوجّه عليه الرجم حتى يطأ ) زوجته ؛ لزوال الإحصان بالبينونة ، وخروج الاختيار عن يده ، والرجوع غايته أنّه كعقد جديد أو نفسه ، وهو بمجرّده لا يوجب الإحصان ما لم يدخل ، كما مرّ (١) ؛ والنصوص به زيادة على الصحيح المتقدّم (٢) مستفيضة :
منها الصحيح : عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله ، أيرجم؟ قال : « لا » (٣).
والصحيح : عن قول الله عزّ وجلّ ( فَإِذا أُحْصِنَّ ) (٤) ، قال : « إحصانهنّ أن يدخل بهنّ » قلت : إن لم يدخل بهنّ أما عليهنّ حدّ؟ قال : « بلى » (٥).
والموثّق : عن البكر يفجر وقد تزوّج ففجر قبل أن يدخل بأهله؟ فقال : « يضرب مائة ، ويجزّ شعره ، وينفى من المصر حولاً ، ويفرّق بينه وبين أهله » (٦) ونحوه الخبر (٧).
( وكذا العبد لو أُعتق ، والمكاتب إذا تحرّر ) لا يتوجّه عليهما الرجم حتى يطئا زوجتهما أو مملوكتهما في حال الحرّية ؛ لعدم الوطء حالتها المشترط في ثبوت الرجم كما مضى ، ولخصوص الصحيح : في العبد
__________________
(١) في ص ٤٤٣.
(٢) في ص ٤٤٣.
(٣) الكافي ٧ : ١٧٩ / ٨ ، التهذيب ١٠ : ١٦ / ٤١ ، الوسائل ٢٨ : ٧٦ أبواب حدّ الزنا ب ٧ ح ١.
(٤) النساء : ٢٥.
(٥) الكافي ٧ : ٢٣٥ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ١٦ / ٤٣ ، الوسائل ٢٨ : ٧٦ أبواب حدّ الزنا ب ٧ ح ٤.
(٦) التهذيب ١٠ : ٣٦ / ١٢٤ ، الوسائل ٢٨ : ٧٧ أبواب حدّ الزنا ب ٧ ح ٧.
(٧) التهذيب ١٠ : ٣٦ / ١٢٥ ، الوسائل ٢٨ : ٧٨ أبواب حدّ الزنا ب ٧ ح ٨.
يتزوّج الحرّة ثم يعتق فيصيب فاحشة ، قال : فقال : « لا رجم عليه حتى يواقع الحرّة بعد ما يعتق » (١).
( ويجب الحدّ على الأعمى ) مطلقاً ، جلداً كان أو رجماً ، ولا يدفعه (٢) عماه إجماعاً ؛ لعموم الأدلّة.
( فإن ادّعى الشبهة ، فـ ) في قبول دعواه ودر الحدّ (٣) بها ( قولان ، أشبههما : القبول مع الاحتمال ) والإمكان في حقّ مثله ، وعليه الأكثر كما في المسالك (٤) ، بل المشهور كما في شرح الشرائع للصيمري (٥) ، بل عليه عامّة المتأخّرين وفاقاً منهم للحلّي ، لكنّه قيّده بما إذا شهد الحال بما ادّعاه ، بأن يكون قد وجدها على فراشه فظنّها زوجته أو أمته ، قال : ولو شهدت الحال بخلاف ذلك لم يصدَّق (٦).
وهو موافق للقوم إن أراد بشهادة الحال بخلافه : الشهادة بالقطع ؛ وضعيفٌ إن أراد بها الشهادة بنحوٍ من المظنّة ؛ لعدم ارتفاع الشبهة الحاصلة من دعواه بمجرّده وإن ضعفت معه ، فقوله على هذا التقدير ضعيف.
ونحوه في الضعف تقييد التنقيح قبول قوله بكونه عدلاً (٧) ؛ إذ لا وجه له أصلاً بعد حصول الشبهة الدارئة للحدّ بدعواه جدّاً.
والقول الثاني للشيخين والقاضي والديلمي ، فلم يصدّقوه في
__________________
(١) الكافي ٧ : ١٧٩ / ٩ ، الفقيه ٤ : ٢٧ / ٦٥ ، التهذيب ١٠ : ١٦ / ٤٠ ، الوسائل ٢٨ : ٧٧ أبواب حدّ الزنا ب ٧ ح ٥.
(٢) في « ن » زيادة : عنه.
(٣) في « ن » زيادة : عنه.
(٤) المسالك ٢ : ٤٢٥.
(٥) غاية المرام ٤ : ٣١٣.
(٦) السرائر ٣ : ٤٤٧.
(٧) التنقيح الرائع ٤ : ٣٣٢.
الدعوى ، قالوا : لأنّه قد كان ينبغي له أن يتحرّز ويتحفّظ من الفجور (١).
وهو كما ترى ، فإنّ وجوب التحرّز المزبور على تقدير تسليمه لا يدفع الشبهة المحتملة الدارئة ، ومخالفته ليس زنا ، ولا يوجب القطع بقصده إيّاه وعلمه به كما لا يخفى.
( و ) حيث قد عرفت اعتبار إيلاج الفرج في الفرج في تعريف الزنا لغةً وعرفاً وشرعاً ، ظهر لك أنّه ليس ( في التقبيل والمضاجعة والمعانقة ) وغير ذلك من الأُمور المحرّمة حدّ ، بل ( التعزير ) خاصّة ، فيناط بما يراه الحاكم ، وفاقاً للنهاية (٢) ، وعليه المتأخّرون كافّة كما في المسالك (٣) ، وادّعى عليه الشهرة المطلقة الماتن في الشرائع (٤) وجماعة (٥) ، بل عليه الإجماع في الغنية (٦).
للمعتبرة المستفيضة (٧) ، وفيها الصحاح والموثّق وغيرها ، الواردة في الرجلين أو الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد أنّها يضربان دون الحدّ ، كما في الصحيح منها (٨) ، أو مائة سوط غير سوط ، كما في باقيها.
وظاهرها وإن أفاد تعيّن المائة إلاّ واحداً وهو ينافي كونه تعزيراً
__________________
(١) المفيد في المقنعة : ٧٨٣ ، الطوسي في النهاية : ٦٩٩ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٢٤ ، الديلمي في المراسم : ٢٥٤.
(٢) النهاية : ٦٨٩.
(٣) المسالك ٢ : ٤٢٦.
(٤) الشرائع ٤ : ١٥٢.
(٥) انظر التنقيح الرائع ٤ : ٣٣٢ ، والمفاتيح ٢ : ٧٧ ، ومرآة العقول ٢٣ : ٢٧٦.
(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.
(٧) انظر الوسائل ٢٨ : ٨٤ أبواب حدّ الزنا ب ١٠.
(٨) التهذيب ١٠ : ٤٠ / ١٤٢ ، الإستبصار ٤ : ٢١٣ / ٧٩٣ ، الوسائل ٢٨ : ٨٩ أبواب حدّ الزنا ب ١٠ ح ١٦.
منوطاً برأي الحاكم إلاّ أنّ إطلاق الصحيح والإجماع الظاهر والمحكيّ وعدم قائل بتعيّن مضمونها أوجب حملها على ما إذا رأى الحاكم تعيّنه ؛ مع أنّه ورد : الضرب ثلاثين ثلاثين ، في الرجلين المجتمعين تحت إزار واحد (١).
وقال في الخلاف : روى أصحابنا في الرجل إذا وجد مع امرأة أجنبيّة يقبّلها ويعانقها في فراش واحد : أنّ عليهما مائة جلدة ، وروى ذلك عن عليّ عليهالسلام ؛ وقد روي : أنّ عليهما أقلّ من الحدّ (٢).
وظاهره التردّد ، أو ترجيح الأوّل ، ولا وجه له ؛ لرجحان الرواية بدون الحدّ بالكثرة ، والشهرة العظيمة ، وحكاية الإجماع المتقدّمة ، وبها يجاب عن الإجماع المستشعر من عبارته على ترجيح الرواية بتمام الحدّ ، وهي الصحيح : « إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جُلِدا مائة » (٣) ونحوه آخر (٤) وغيره (٥).
وحملها الشيخ على وقوع الزنا أيضاً وعلم به الإمام جمعاً. ولا بأس به ، بل متعيّن ؛ لندرة القائل بها كما مضى ، وربما يحكى عن المقنع
__________________
(١) الفقيه ٤ : ١٤ / ٢١ ، التهذيب ١٠ : ٤١ / ١٤٦ ، الإستبصار ٤ : ٢١٣ / ٧٩٧ ، الوسائل ٢٨ : ٩٠ أبواب حدّ الزنا ب ١٠ ح ٢١.
(٢) الخلاف ٥ : ٣٧٣.
(٣) الكافي ٧ : ١٨١ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ٤٣ / ١٥٣ ، الإستبصار ٤ : ٢١٥ / ٨٠٤ ، الوسائل ٢٨ : ٨٥ أبواب حدّ الزنا ب ١٠ ح ٥.
(٤) الكافي ٧ : ١٨١ / ٦ ، الفقيه ٤ : ١٥ / ٢٣ ، التهذيب ١٠ : ٤٣ / ١٥٦ ، الإستبصار ٤ : ٢١٦ / ٨٠٧ ، الوسائل ٢٨ : ٨٨ أبواب حدّ الزنا ب ١٠ ح ١٢.
(٥) التهذيب ١٠ : ٤٣ / ١٥٥ ، الإستبصار ٤ : ٢١٥ / ٨٠٦ ، الوسائل ٢٨ : ٩١ أبواب حدّ الزنا ب ١٠ ح ٢٤.
والإسكافي (١).
وعن المفيد : تعيّن التعزير من عشرة إلى تسعة وتسعين (٢). ونحوه عن غيره ، مبدلاً العشرة بالثلاثين (٣).
ومستندهما غير واضح ، عدا الإجماع في الغنية على الأوّل ، حيث ادّعاه عليه في كلّ تعزير (٤) ، ولكن ادّعى الشهرة المتأخّرة على الثاني بعض الأجلّة (٥).
( ويثبت الزنا ) على كلّ من الرجل والمرأة ( بالإقرار ) منهما به صريحاً ، بحيث لا يحتمل الخلاف ، كما في قضية ماعز بن مالك وغيرها ، فإنّه لم يقبل من الإقرار حتى صرّح بكونه قد أدخل كالميل في المكحلة والرشاء في البئر (٦).
( وبالبيّنة ) بلا خلاف ؛ لعموم الأدلّة ، وخصوص ما يأتي من المستفيضة.
( ولا بدّ من بلوغ المقر ، وكماله ) بكمال عقله وقصده ( واختياره ، وحرّيته ) بلا خلاف كما في سائر الأقارير ، بل اعتبارها هنا أولى.
( وتكرار الإقرار أربعاً ) للمعتبرة المستفيضة ، منها : « ولا يرجم الزاني حتى يقرّ أربع مرّات » (٧) ولا خلاف فيه ، بل في المسالك (٨)
__________________
(١) حكاه عنهما في المفاتيح ٢ : ٧٧ ، وانظر المقنع : ١٤٥.
(٢) حكاه عن في كشف اللثام ٢ : ٣٩٦ ، وهو في المقنعة : ٧٧٤.
(٣) حكاه في مفاتيح الشرائع ٢ : ٧٧.
(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.
(٥) انظر المسالك ٢ : ٤٣٣.
(٦) سنن البيهقي ٨ : ٢٢٥ ٢٢٨. والرشاء : الحبل الصحاح ٦ : ٢٣٥٧.
(٧) التهذيب ١٠ : ٨ / ٢١ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٤ / ٧٦٢ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٦ أبواب حدّ الزنا ب ١٦ ح ٣.
(٨) المسالك ٢ : ٤٢٥.
وغيره (١) : أنّ عليه الاتّفاق إلاّ من ظاهر العماني فاكتفى بالواحد ؛ للصحيح : « من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدّ من حدود الله تعالى مرّة واحدة ، حرّا كان أو عبداً ، حرّة كانت أو أمة ، فعلى الإمام أن يقيم الحدّ على الذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان ، إلاّ الزاني المحصن ، فإنّه لا يرجم حتى يشهد عليه أربعة شهود » (٢).
وحُمِل تارةً على غير حدّ الزاني جمعاً ، وأُخرى على التقيّة ، وأُخرى على غير ذلك (٣).
وكيف كان ، فطرحه متعيّن جدّاً ؛ لعدم مكافأته لما مضى ، مع شذوذه قطعاً بتضمّنه عدم اعتبار الحرّية في المقرّ ، وفرقه بين الزاني المحصن وغيره بعدم قبول الإقرار في الأوّل واختصاصه بالثاني ، وهما خلاف الإجماع قطعاً ، حتى من العماني ، إذ لم ينقل الخلاف منه إلاّ في (٤) اعتبار تكرار الإقرار لا في غيره.
( وهل يشترط اختلاف مجالس الإقرار ) أربعاً بعدده؟ ( أشبهه : أنّه لا يشترط ) وفاقاً لإطلاق الأكثر ، وبه صرّح عامّة من تأخّر ؛ لإطلاق الخبر الذي مرّ.
خلافاً للخلاف والمبسوط وابن حمزة (٥) ، فيشترط ؛ وحجّتهما عليه غير واضحة ، عدا الإجماع المستظهر من الأوّل كما قيل (٦) ، وما دلّ من
__________________
(١) انظر الروضة ٩ : ٤٦ ، والمفاتيح ٢ : ٦٥ ، وكشف اللثام ٢ : ٣٩٤.
(٢) التهذيب ١٠ : ٧ / ٢٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٣ / ٧٦١ ، الوسائل ٢٨ : ٥٦ أبواب حدّ الزنا ب ٣٢ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.
(٣) التهذيب ١٠ : ٨ ، وانظر المختلف : ٧٦٣ ، والمفاتيح ٢ : ٦٥.
(٤) في « س » زيادة : أُصول.
(٥) الخلاف ٥ : ٣٧٧ ، المبسوط ٨ : ٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤١٠.
(٦) كشف اللثام ٢ : ٣٩٤.
النصوص على تعدّد مجالس الأقارير عند النبيّ والأمير صلوات الله وسلامه عليهما (١).
والأوّل على تقدير صحّة الظهور موهون بندرة القائل به ؛ إذ ليس إلاّ الناقل ونادر. والثاني لا يفيد الحصر ؛ لأنّه قضية اتّفاقيّة ، مع أنّها ليست في اختلاف المجالس الأربعة صريحة ، ولا يحصل بمثلهما شبهة تكون للحدّ دارئة ، سيّما مع كون عدم الاشتراط مذهب المتأخّرين كافّة كما عرفته.
( ولو أقرّ ) أحدٌ ( بحدّ ولم يبيّنه ) ما هو؟ زنا أو غيره؟ لم يكلَّف البيان بلا خلاف ، و ( ضُرِبَ حتى ينهى ) ويمنع الضرب ( عن نفسه ) بأن يقول : يكفي ، كما في الصحيح (٢) على الصحيح ، وبه أفتى القاضي (٣) ، ورواه في النهاية (٤) مشعراً برضاه به ، ووافقهما الحلّي والفاضلان في الشرائع والإرشاد والتحرير والقواعد (٥) وغيرهما (٦) ، ولكنّهم قيّدوه بما إذا لم يزد على المائة ، ومع الزيادة لا يُضرَب وإن لم ينه عن نفسه ؛ إذ لا حدّ فوقها. (٧) وما يزاد عليها لشرف المكان أو الزمان تعزيرٌ زائد على أصل
__________________
(١) انظر الوسائل ٢٨ : ١٠٣ أبواب حدّ الزنا ب ١٦ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٥٣ أبواب حدّ الزنا ب ١٣.
(٢) الكافي ٧ : ٢١٩ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٤٥ / ١٦٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥ أبواب مقدّمات الحدود ب ١١ ح ١.
(٣) المهذب ٢ : ٥٢٩.
(٤) النهاية : ٧٠٢.
(٥) الحلّي في السرائر ٣ : ٤٥٥ ، الشرائع ٤ : ١٥٢ ، الإرشاد ٢ : ١٧١ ، التحرير ٢ : ٢٢٢ ، القواعد ٢ : ٢٥٠.
(٦) كالشهيد الثاني في الروضة ٩ : ١٢٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٩٤.
(٧) في « ب » : إذ.
الحدّ ، والأصل عدمه.
قيل : نعم ، إن علم بالعدد والمسألة وطلب الزيادة توجّه الضرب إلى أن ينهى عن نفسه (١).
وزاد الحلّي ، فقيّد في طرف النقيصة ، فقال : لا يضرب أقلّ من ثمانين ؛ إذ لا حدّ دونه (٢).
وفيه منع واضح ، فإنّ حدّ القوّاد خمسة وسبعون.
وزاد الفاضلان في وجه المنع احتمال إرادته من الحدّ التعزير (٣).
ورُدّ بأنّه مجاز لا قرينة عليه في إقراره (٤).
وفيه نظر ، إذ المجازيّة إنّما هي في الشرع لا في كلام المقرّ ، وهو يحتمل كون الحدّ فيه حقيقة في الأعمّ من الحدّ الشرعي والتعزير ، والقرينة المعيّنة هي نهيه عن الضرب فيما بعد ، وتصلح قرينة صارفة أيضاً على التقدير الأوّل ، كما يفهم من ظاهر الفاضلين وصريح غيرهما (٥) ، وفيه تأمّل.
ومع ذلك جارٍ مثله في طرف الزيادة على المائة ، فيقال : عدم الإنهاء عن نفسه إلى أن يزاد عليها قرينة إرادته من الحدّ المقرّ به التعزير ، فتأمّل (٦).
وبالجملة : الأجود أمّا العمل بإطلاق الرواية ، أو اطراحها بالمرّة كما عليه في المسالك (٧) لضعف السند بالاشتراك ، ومخالفتها الأُصول ، فإنّ الحدّ كما قد عُلم يطلق على الرجم ، وعلى القتل بالسيف ، والإحراق بالنار ،
__________________
(١) انظر كشف اللثام ٢ : ٣٩٤.
(٢) السرائر ٣ : ٤٥٥.
(٣) المحقّق في الشرائع ٤ : ١٥٢ ، العلاّمة في المختلف : ٧٦١.
(٤) انظر التنقيح الرائع ٤ : ٣٣٥ ، والمسالك ٢ : ٤٢٥.
(٥) كشف اللثام ٢ : ٣٩٤.
(٦) ليست في « ب » ، وفي « ح » زيادة : جدّاً.
(٧) المسالك ٢ : ٤٢٦.
ورمي الجدار عليه ، وغير ذلك ممّا ستقف عليه إن شاء الله تعالى ، وعلى الجلد ، والجلد يختلف كمّيةً وكيفيةً ، فحمل مطلقه على الجلد غير مناسب للواقع.
وهو حسن ، غير أنّ ما ذكر من تضعيف السند محلّ نظر ؛ لما مرّ ، ومع ذلك فبالشهرة الظاهرة ولو في الجملة والمحكيّة مطلقاً عن الماتن في النكت (١) منجبر.
وعلى هذا ، فالخروج عن الأُصول بمثله محتمل ، سيّما مع التأيّد بما عن المقنع ، من أنّه قال : وقضى أمير المؤمنين عليهالسلام في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ولم يبيّن أيّ حدٍّ هو؟ أن يجلد حتى يبلغ ثمانين ، فجلد ، ثم قال : « لو أكملت جلدك مائة ، ما ابتغيت عليه بيّنة غير نفسك » (٢). وهو قد يؤيّد ما عليه الحلّي.
وأمّا ما يخالف ذلك من (٣) النصوص (٤) ، فمع عدم وضوح سنده بل ضعفه غير واضح الدلالة على المخالفة.
قيل : وإطلاق الخبرين الأوّلين وكلمة الأصحاب منزّل على الحدّ الذي يقتضيه ما وقع منه من الإقرار ، فلا يحدّ مائة ما لم يقرّ أربعاً ، ولا ثمانين ما لم يقرّ مرّتين ، ولا يتعيّن المائة إذا أقرّ أربعاً ، ولا الثمانون إذا أقرّ مرّتين على قول غير الحلّي (٥).
ولعلّ التنزيل للجمع بين الأدلّة ، ولا بأس به.
( ولو أقرّ بما يوجب الرجم ثم أنكره ، سقط عنه ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع عن الخلاف (٦) ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
__________________
(١) حكاه في كشف اللثام ٢ : ٣٩٤ ، وهو في النكت ٣ : ٣٠٤.
(٢) المقنع : ١٤٧ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ١٥ أبواب مقدّمات الحدود ب ٩ ح ٢.
(٣) في « ن » زيادة : بعض.
(٤) انظر صحيح البخاري ٨ : ٢٠٧.
(٥) انظر كشف اللثام ٢ : ٣٩٥.
(٦) الخلاف ٥ : ٣٧٨.
ففي الصحيح : « من أقرّ على نفسه بحدّ أقمته عليه ، إلاّ الرجم ، فإنّه إذا أقرّ على نفسه ثم جحد لم يرجم » (١).
وليس فيها ولا فيما وقفت عليه من الفتاوى اعتبار الحلف ، وعن جامع البزنطي : أنّه يحلف ويسقط عنه الرجم ، وأنّه رواه عن الصادقين عليهماالسلام بعدّة أسانيد (٢). ولم أقف على شيء منها.
( و ) يستفاد منها : أنّه ( لا يسقط غيره ) من سائر الحدود بالإنكار ، ولا خلاف فيه أيضاً إلاّ من الخلاف والغنية ، حيث أطلقا سقوط الحدّ بالرجوع من دون فرق بين كونه رجماً أو غيره (٣) ؛ ومستندهما غير واضح ، عدا الإجماع الذي استدلّ به في الخلاف ، ووهنه ظاهر ، ومع ذلك عن معارضة ما مرّ من النصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة قاصر ؛ مع أنّه قيل : يمكن حمل كلام الأوّل على الرجوع قبل كمال ما يعتبر من المرّات في الإقرار (٤).
وأمّا الخبر : « لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرّتين ، فإن رجع ضمن السرقة ، ولم يقطع إذا لم يكن شهود » (٥) فمع ضعفه بالإرسال وغيره ، شاذّ لا عامل به ، محمول على الرجوع بعد الإقرار مرّة.
ويدخل في إطلاق غير الرجم في النصّ والعبارة ونحوها : القتل بغيره ، فلا يسقط بالرجوع عن الإقرار.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٢٠ / ٥ ، الوسائل ٢٨ : ٢٧ أبواب مقدمات الحدود ب ١٢ ح ٣.
(٢) لم نعثر عليه في مصادر الحديث المتوفرة لدينا.
(٣) الخلاف ٥ : ٣٧٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.
(٤) كشف اللثام ٢ : ٣٩٥.
(٥) الكافي ٧ : ٢١٩ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٤٣ / ١٤٥ ، التهذيب ١٠ : ١٢٩ / ٥١٥ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤٩ أبواب حدّ السرقة ب ٣ ح ١.
واستشكله في القواعد (١) ؛ من خروجه عن المنصوص ، ومن الاحتياط في الدماء ، وبناء الحدّ على التخفيف. ولعلّ هذا أظهر ، وفاقاً للمحكيّ عن الوسيلة (٢) ؛ لذلك ، ولمنع اختصاص النصّ بالرجم.
ففي المرسل كالصحيح بابن أبي عمير وجميل ، قال : « إذا أقرّ الرجل على نفسه بالقتل قُتِل إذا لم يكن عليه شهود ، فإن رجع وقال : لم أفعل ، تُرِك ولم يُقتَل » (٣) والقتل يشمل موجبه بغير الرجم إن لم نقل بظهوره فيه.
( ولو أقرّ ) بحدّ ( ثم تاب ) عن موجبه ( كان الإمام مخيّراً في الإقامة ) عليه أو (٤) العفو عنه مطلقاً (٥) ( رجماً كان أو غيره ) بلا خلاف إلاّ من الحلّي ، فخصّه بالرجم ، قال : لأنّا أجمعنا أنّه بالخيار في الموضع الذي ذكرنا ، ولا إجماع على غيره ، فمن ادّعاه وجعله بالخيار وعطّل حدّا من حدود الله تعالى فعليه الدليل (٦).
ورُدّ بأنّ المقتضي لإسقاط الرجم عنه : اعترافه بالذنب ، وهو موجود في الحدّ ؛ لأنّه إحدى العقوبتين ، ولأنّ التوبة تسقط تحتم أشدّ العقوبيتن ، فإسقاطها لتحتّم الأُخرى الأضعف أولى (٧).
والأولى الجواب عنه بقيام الدليل في غير الرجم أيضاً (٨) ، وهو النصوص.
__________________
(١) قواعد الأحكام ٢ : ٢٥٠.
(٢) الوسيلة : ٤١٠.
(٣) الكافي ٧ : ٢٢٠ / ٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢٧ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٢ ح ٤.
(٤) في « ب » « ح » « س » : و.
(٥) أثبتناه من « ن ».
(٦) السرائر ٣ : ٤٤٤.
(٧) المختلف : ٧٥٩.
(٨) أثبتناه من « ن ».
ففي الخبرين بل الأخبار ـ : « جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فأقرّ بالسرقة ، فقال : أتقرأ شيئاً من القرآن؟ قال : نعم ، سورة البقرة ، قال : قد وهبت يدك لسورة البقرة ، قال : فقال الأشعث : أتعطّل حدّا من حدود الله تعالى؟ فقال : وما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو ، وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا ، وإن شاء قطع » (١).
وقصور الأسانيد مجبور بالتعدّد ، مع عمل الأكثر ، بل الكلّ عداه ، وهو شاذٌّ كما صرّح به بعض الأصحاب (٢).
وأخصّية المورد مدفوع بعموم الجواب ، مع عدم قائل بالفرق بين الأصحاب.
مع ورود نصّ آخر باللواط متضمّناً للحكم أيضاً على العموم من حيث التعليل ، وهو المرويّ عن تحف العقول ، عن أبي الحسن الثالث عليهالسلام ، في حديث ، قال : « وأمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم تقم عليه البيّنة ، وإنّما تطوّع بالإقرار عن نفسه ، وإذا كان للإمام الذي من الله تعالى أن يعاقب عن الله سبحانه كان له أن يمنّ عن الله تعالى ؛ أما سمعت قول الله تعالى ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٣)؟! » (٤).
نعم ، ليس في شيء منها اعتبار التوبة ، كما هو ظاهر الجماعة ولعلّ اتّفاقهم عليه كافٍ في تقييدها بها.
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٤٤ / ١٤٨ ، التهذيب ١٠ : ١٢٧ / ٥٠٦ ، و ١٢٩ / ٥١٦ ، الاستبصار ٤ : ٢٥٢ / ٩٥٥ ، عوالي اللئلئ ٢ : ١٥٨ ، الوسائل ٢٨ : ٤١ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٨ ح ٣ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٣٤ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٩ ح ١.
(٢) انظر المفاتيح ٢ : ٨٨.
(٣) سورة ص : ٣٩.
(٤) تحف العقول : ٣٦٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤١ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٨ ح ٤.
وظاهره كباقي النصوص والفتاوى قصر التخيير على الإمام ، فليس لغيره من الحكّام ، وعليه نبّه (١) بعض الأصحاب (٢) ، واحتمل بعضٌ ثبوته لهم أيضاً (٣) ، وفيه إشكال ، والأحوط إجراء الحدّ أخذاً بالمتيقن ؛ لعدم لزوم العفو.
ثم إنّ هذا في حدود الله سبحانه.
وأمّا حقوق الناس ، فلا يسقط الحدّ إلاّ بإسقاط صاحبه ، كما صرّح به بعض الأصحاب (٤) ؛ ووجهه واضح. وفي بعض المعتبرة : « لا يعفى عن الحدود التي لله تعالى دون الإمام ، فأمّا ما كان من حقّ الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام » (٥).
( ولا يكفي في البيّنة أقلّ من أربعة رجال ، أو ثلاثة وامرأتين ) ويثبت الزنا بالأوّل ؛ بالكتاب (٦) ، والسنّة المستفيضة (٧) ، والإجماع.
وكذا بالثاني على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، عدا من سيذكر ، وربما نفي الخلاف عنه (٨) ، وفي الغنية : الإجماع عليه (٩) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
__________________
(١) في « ب » : بناء.
(٢) كشف اللثام ٢ : ٣٩٥.
(٣) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ١٣ : ٣٥.
(٤) كشف اللثام ٢ : ٣٩٥.
(٥) الكافي ٧ : ٢٥٢ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٥٢ / ١٨٥ ، التهذيب ١٠ : ١٢٤ / ٤٩٦ ، الوسائل ٢٨ : ٤٠ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٨ ح ١.
(٦) النساء : ١٥ ، النور : ٤ ، ١٣.
(٧) انظر الوسائل ٢٨ : ٩٤ أبواب حدّ الزنا ب ١٢.
(٨) انظر الكفاية : ٢٨٤.
(٩) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.