ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

الثامنة : يستحب للمرأة وضع القناع في وضوء الغداة والمغرب ، لأنه مظنّة التبذل ، وتمسح بثلاث أصابع.

ويجوز في غيرهما إدخال الإصبع تحت القناع ، وتجزئ الأنملة ، قاله الصدوق والمفيد ـ رحمهما الله (١). والذي في رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « يجزئها ان تمسح قدر ثلاث أصابع ، ولا تلقي خمارها » (٢).

نعم ، في رواية الحسين بن زيد عن الصادق عليه‌السلام : « لا تمسح المرأة كما يمسح الرجال ، إنّما المرأة إذا أصبحت مسحت برأسها وتضع الخمار عنها ، وفي الأربع الباقية تمسح بناصيتها » (٣).

فروع :

الأول : الفرض بالمسح عندنا وصول البلّة بواسطة اليد ، ولا يكفي وصول البلّة وحدها. فلو قطر على المحل ( ماء الوضوء ) (٤) أو مسح بآلة غير اليد ، لم يجز لمخالفته المعهود.

ولو مسح على حائل غير مانع من وصول الماء إلى البشرة لم يجز ، لاقتضاء « الباء » الإلصاق مع التبعيض. نعم ، لو أدخل يده تحت الجبهة ومسح بشرة الرأس ، أو أصل شعر الناصية ، أجزأ. ولو وضع يده بالبلّة على المحل ولم يمسح ، فالأقرب : عدم الاجزاء ، لعدم مسمّى المسح.

والظاهر : أنّ باطن اليد أولى. نعم ، لو اختص البلل بالظاهر وعسر نقله أجزأ. ولو تعذّر المسح بالكفّ ، فالأقرب جوازه بالذّراع.

الثاني : يجوز المسح على كل من البشرة والشعر المختص بالمقدّم ، لصدق الناصية عليهما. ولو مسح على شعر خارج عن المقدّم ، لم يصح ولو جمعه على‌

__________________

(١) المقنعة : ٥ ، وفي الفقيه ١ : ٣٠ ، والمقنع : ٦ ، والهداية : ١٧ بلفظ : تدخل إصبعها.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٧٧ ح ١٩٥.

(٣) التهذيب ١ : ٧٧ ح ١٩٤ ، باختصار في الألفاظ.

(٤) ليست في س.

١٤١

المقدّم. ولو كان شعر المقدّم يخرج بمدّه عن حدّ الناصية ، لم يجز.

وكذا لا يجزئ المسح على الجمّة ، وهي : مجتمع شعر الناصية عند عقصه.

نعم ، لو أدخل يده تحت الجمّة ، ومسح بشرة الرأس ، أو أصل شعر الناصية ، أجزأ. وللأغم والأصلع يمسح مكان ناصية مستوي الخلقة.

الثالث : لا يستحبّ مسح جميع الرأس عندنا ، لعدم توظيف الشرع ، والأقرب : كراهيته ، لأنه تكلّف ما لا يحتاج اليه.

وحرّمه ابن حمزة (١) لمخالفة الشرع.

وفي الخلاف : أجمعنا على أنّه بدعة فيجب نفيه (٢).

وقال ابن الجنيد : لو مسح من مقدّم رأسه الى مؤخّره أجزأه إذا كان غير معتقد فرضه ، ولو اعتقد فرضه لم يجزه إلاّ أن يعود الى مسحه (٣). ويضعف باشتماله على الواجب ، فلا يؤثّر الاعتقاد في الزائد.

وأبو الصلاح أبطل الوضوء لو تديّن بالزيادة في العسل أو المسح (٤) وهو كالأول في الردّ. نعم ، يأثم باعتقاده.

الرابع : لو مسح بثلاث أصابع ، فالأقرب : ان الزائد موصوف بالاستحباب ، لجواز تركه. ويمكن الوجوب ، لأنه أحد جزئيات الكلّي. هذا إذا أوقعه دفعة ، ولو أوقعه تدريجا فالزائد مستحبّ قطعا.

الخامس : يجوز كون البلل من الغسلة الثانية ، لما يأتي من استحبابها ، ومن منعه ينبغي ان لا يجزئ عنده. أمّا الثالثة فإن قلنا بتحريمها لم يجز ، وان قلنا بأنها كلفة أمكن الاجزاء ، والأقرب : عدمه ، لأنّها لا تعدّ من الوضوء ووجه الاجزاء في الجميع اختلاطه بماء الوضوء ، وهو الذي نصره في المعتبر (٥).

__________________

(١) الوسيلة : ٥٠.

(٢) الخلاف ١ : ٨٣ المسألة ٣٠.

(٣) مختلف الشيعة : ٢٤.

(٤) الكافي في الفقه : ١٣٢.

(٥) المعتبر ١ : ١٤٧ ، ١٦٠.

١٤٢

السادس : لو جفّ ماء الوضوء عن يديه أخذ من مظانه‌ ـ كما مر ـ ولو من مسترسل اللحية طولا وعرضا ، لما بيّنا من استحباب غسله. ولو تعذّر ـ لإفراط الحر وشبهه ـ أبقى جزء من اليسرى أو كلّها ثم تغمس في الماء ، أو يكثر الصب ويمسح به. ولا يقدح قصد إكثار الماء لأجل المسح ، لأنّه من بلل الوضوء ، وكذا لو مسح بماء جار على العضو وان أفرط الجريان ، لصدق الامتثال ، ولأنّ الغسل غير مقصود.

السابع : لو مسح على الحائل لضرورة ثم زال السبب ، فالأقرب : عدم الإعادة ، للامتثال ، وقيامه مقام المحل.

ووجه الإعادة : تقدّر الطهارة بقدر الضرورة.

قلنا : ايّ دليل قام على ذلك ، وحمله على المتيمم والمستحاضة قياس.

الواجب الخامس : مسح الرجلين ، بإجماعنا ، لدلالة الكتاب والسنة عليه.

أمّا الكتاب ، فلقوله تعالى ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (١) ، عطف الأرجل على الرأس الممسوح إمّا لفظا أو محلا ، وهو أولى من عطف المنصوب على الأيدي ، للقرب وللفصل وللإخلال بالفصاحة من الانتقال عن جملة إلى أخرى أجنبية قبل تمام الغرض. ولأنّ العمل بالقراءتين واجب وهو بالعطف على الموضع.

ولو عطف على الأيدي لزم وجوب المسح بقراءة الجر ، والغسل بقراءة النصب ، فان جمع بينهما فهو خلاف الإجماع الاّ من الناصر الزيدي (٢). وان خيّر بينهما فلم يقل به غير الحسن والجبائي وابن جرير (٣). وقد استقر الإجماع بعدهم على خلافهم ، وتعيين أحدهما ترجيح من غير مرجّح.

لا يقال : الغسل مسح وزيادة فنكون عاملين بهما.

__________________

(١) سورة المائدة : ٦.

(٢) التفسير الكبير ١١ : ١٦١.

(٣) جامع البيان ٦ : ٨٣ ، احكام القرآن لابن عربي ٢ : ٥٧٧ ، التفسير الكبير ١١ : ١٦١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٨.

١٤٣

فنقول : ظاهر أنهما حقيقتان مختلفتان لغة وشرعا ، والتداخل خلاف الأصل ، ولأنّه لو كان الاشتمال يجوّز التسمية باسم المشتمل ـ وهو اختيار البصريّين في إعمال الثاني ـ لتهافتت اللغة ، إذ الغسل مثلا يشتمل على اعتماد وحركة فليسم بهما.

لا يقال : الجر بالمجاورة لا بالعطف ، مثل : جحر ضب خرب.

..................................

وكبير أناس في بجاد مزمل (١)

« وَحُورٌ عِينٌ » (٢) فيمن قرأ بالجر لمجاورتها « لحم طير » لأنهن يطفن ولا يطاف بهن.

وقول الشاعر (٣).

لم يبق إلا أسير غير منفلت

وموثق في عقال الأسر مكبول

بجر موثق بالمجاورة لمنفلت ومن حقه الرفع بالعطف على أسير.

فنقول : المثالان الأولان ظاهر مخالفتهما الآية لعدم حرف العطف ، ومحقّقو النحو نفوا الجر بالمجاورة أصلا ورأسا ، وقالوا : المراد خرب جحرة ومزمّل كبيرهم ، فحذف المضاف ثم استكن المضاف إليه في خرب ومزمّل.

« وحور عين » فمن جرّها بالعطف على ( جَنّاتِ النَّعِيمِ ) (٤) كأنّه قال : هم في جنّات وفاكهة ولحم ومقارنة حور ، أو على ( أكواب ) لأن معناه ينعمون بأكواب ، ولا يلزم ان يطاف بهنّ ولو طيف بهنّ فلا امتناع فيه.

واما البيت ، فموثق معطوف على التوهم لأن معنى ( إلاّ أسير غير أسير ، ومثله في العطف على التوهم قول زهير (٥) :

__________________

(١) البيت لإمرئ القيس من قصيدته المعلقة. وصدره :

كأن ثبيرا في عرانين وبله

..................................

(٢) سورة الواقعة : ٢٢.

(٣) مع التتبع الكثير لمظانه لم نعثر على قائله وقد استشهد به الشيخ الطوسي في التبيان ٣ : ٤٥٣.

(٤) سورة الواقعة : ١٢.

(٥) شرح شعر زهير بن أبي سلمى : ٢٠٨.

١٤٤

بدا لي اني لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

على توهّم دخول الباء في الخبر ، لكثرة دخولها فيه فجرّ ( سابق ).

وقال سيبويه : يجوز في قولهم : قام القوم غير زيد وعمرو ، نصب عمرو على التوهم لأن غير زيد في موضع إلاّ زيدا : وهذا عكس البيت فلم يحتج إلى المجاورة.

ولضعف هذا التمسك ، وظهور العطف على الرءوس مع جرّ الأرجل ، جنح متخذ لقولهم الى ان المسح انما عبر به عن الغسل تنبيها على وجوب الاقتصاد في صب الماء ، لأنّ الأرجل تغسل بالصبّ من بين الأعضاء فهي مظنّة الإسراف ، ثم جي‌ء بقوله ( إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (١) إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة ، لأن المسح لم يضرب له غاية في الشرع.

قلت : هؤلاء فرّوا من مخالفة القواعد النحوية فوقعوا في مخالفة الوضع اللغوي والشرعي ، لأن المعلوم من الوضع اختلاف حقيقتي المسح والغسل ، فما الذي بعث على التعبير بأحدهما عن الآخر ، وجعله مضلة للإفهام وعرضة للأوهام؟ ومن ذا الذي قال بالاقتصاد في صب الماء على الرجلين من العلماء؟ ومن أين أن الاقتصاد مدلول المسح؟ واي محذور يلزم من عطف المحدود على غير المحدود؟

بل هو في هذا المقام حسن ، لأنّه تعالى قال ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) (٢) فعطف في الغسل المحدود على غير المحدود ، فالتناسب ان يعطف في المسح كذلك لتأخذ الجملة الثانية بحجزة الاولى.

وآخرون حملوا الجر على طهارة ذي الخفين ، فالتزموا التعبير عن الخف بالرجل ، وهو أشنع من الأول.

وقد روى علماء أهل البيت عن علي عليه‌السلام ان هذه الآية ناسخة‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٦.

(٢) سورة المائدة : ٦.

١٤٥

للمسح على الخفين (١).

وأمّا السنّة ، فمن طريق العامة ما رواه أوس بن أوس الثقفي ، قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى كظامة قوم بالطائف أو بالمدينة ، فتوضأ ومسح على قدميه (٢). والكظامة ـ بكسر الكاف ـ : بئر إلى جنبها بئر ، وبينهما مجرى في بطن الوادي.

وروى حذيفة : انه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ ومسح على نعليه (٣).

ووصف ابن عباس وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانه مسح على رجليه ، وقال : ان في كتاب الله المسح ويأبى الناس الا الغسل (٤).

وقال أيضا : الوضوء غسلتان ومسحتان (٥).

وروى حبة العرني : رأيت عليا عليه‌السلام يشرب في الرحبة قائما ، ثم توضّأ ومسح على نعليه (٦).

وروى ابن عليّة عن موسى بن أنس : إنه قيل لأنس : أن الحجّاج خطبنا بالأهواز فذكر التطهير ، وقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم ، وانه ليس شي‌ء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما! فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، قال الله سبحانه وتعالى :

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦١ ح ١٠٩١.

(٢) مسند أحمد ٤ : ٨ ، سنن أبي داود ١ : ٤١ ح ١٦٠ ، السنن الكبرى ١ : ٢٨٦.

(٣) جامع البيان ٦ : ٨٦.

(٤) التهذيب ١ : ٦٣ ح ١٧٣ ، ١٧٤ ، مجمع البيان ٢ : ١٦٤ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٥٦ ح ٤٥٨.

(٥) جامع البيان ٦ : ٨٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٩٦ ، السنن الكبرى ١ : ٧٢ ، المجموع ١ : ٤١٨ ، الجامع الأحكام القرآن ٦ : ٩٢ ، شرح معاني الآثار ١ : ٣٤ ، الدر المنثور ٢ : ٢٦٢.

(٦) جامع البيان ٦ : ٨٢ ، المغني ١ : ١٥٠ ، كنز العمال ٩ : ٤٣٥ ح ٢٦٨٥٦ عن سنن سعيد بن منصور.

١٤٦

( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (١).

وقال الشعبي : نزل جبرئيل بالمسح (٢).

وقال أيضا الوضوء مغسولان وممسوحان ، وفي التيمم يمسح ما كان غسلا ، ويلغى ما كان مسحا (٣).

وقال يونس : حدثني من صحب عكرمة الى واسط ، قال : ما رأيته غسل رجليه انما كان يمسح عليها (٤).

واما الخاصة ، فاخبارهم بذلك متواترة كما أن إجماعهم عليه واقع ، مثل : ما تقدّم من وصف وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥).

وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ما نزل القرآن إلاّ بالمسح ، ويأبى الناس الا الغسل » (٦).

وعن غالب بن هذيل ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المسح على الرجلين؟ فقال : « هو الذي نزل به جبرئيل » (٧).

وعن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « انّ عليّا عليه‌السلام مسح النعلين ولم يستبطن الشراكين » (٨).

وخبر محمد بن مروان السالف عن الصادق عليه‌السلام (٩).

__________________

(١) جامع البيان ٦ : ٨٢ ، السنن الكبرى ١ : ٧١ ، المغني ١ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ١ : ١٤٧ المجموع ١ : ٤١٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٩٢.

(٢) جامع البيان ٦ : ٨٢ ، المصنف لابن أبي شيبة : ١ : ١٩ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٩٢.

(٣) جامع البيان ٦ : ٨٢ ، المغني ١ : ١٥١ ، الشرح الكبير ١ : ١٤٧ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٩٢.

(٤) جامع البيان ٦ : ٨٢.

(٥) تقدّم في ص ١٢٧ الهامش ٦.

(٦) لاحظ : التهذيب ١ : ٦٣ ح ١٧٤ ، ١٧٥.

(٧) التهذيب ١ : ٦٣ ح ١٧٧ ، الاستبصار ١ : ٦٤ ح ١٨٩.

(٨) الفقيه ١ : ٢٧ ح ٨٦ ، التهذيب ١ : ٦٤ ح ١٨٢.

(٩) تقدّم في ص ١٤٠ الهامش ٦.

١٤٧

وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « وامسح على القدمين » (١).

وعن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) : « فعرفنا حين وصلها بالرأس ان المسح على بعضها ، ثمّ فسّر ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنّاس فضيعوه » (٢).

وعن جعفر بن سليمان عن الكاظم عليه‌السلام : جواز إدخال اليد في الخلف المخرّق ومسح ظهر القدم (٣).

واعتمدوا على وصف عبد الله بن زيد بن عاصم وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغسل رجليه (٤). وخبر عبد الله بن عمر : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى قوما وأقدامهم تلوح لم يمسها الماء ، فقال : « ويل للأعقاب من النار ، أسبغوا الوضوء » (٥). ويقرب منهما خبر أبي هريرة (٦). وروي أنّ عثمان حكاه أيضا ، وقال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما توضّأ نحو وضوئي هذا (٧).

والجواب : هذه معارضة بطرق أهل البيت عليهم‌السلام الذين هم أعرف به وأكثر اطّلاعا عليه ، مع اعتضادها بالكتاب. على أنّ قول عثمان يشعر بعدم دوامه على ذلك ، فجاز أن يكون قد غسل رجليه ذلك اليوم للتنظيف ، وكذا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٥٦ ح ٢١٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣١ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٦٥ ح ١٨٥.

(٤) الموطأ ١ : ١٨ ، صحيح البخاري ١ : ٥٨ ، صحيح مسلم ١ : ٢١٠ ح ٢٣٥ ، سنن أبي داود ١ : ٢٩ ح ١١٨ ، الجامع الصحيح ١ : ٦٦ ح ٤٧ ، سنن النسائي ١ : ٧١ ، سنن الدار قطني ١ : ٨١.

(٥) صحيح البخاري ١ : ٥٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢١٤ ح ٢٤١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٥ ح ٤٥٠ ، السنن الكبرى ١ : ٦٩.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٢١٤ ح ٢٤١ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٥٤ ح ٤٥٣ ، الجامع الصحيح ١ : ٥٨ ح ٤١ ، السنن الكبرى ١ : ٦٩.

(٧) صحيح البخاري ١ : ٥٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٠٤ ح ٢٢٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٦ ح ١٠٦ ، سنن النسائي ١ : ٦٤ ، سنن الدار قطني ١ : ٨٣.

١٤٨

حكاية الراويين الآخرين يمكن حملها على ذلك ، واما المسح فلا محمل له ولا اشتباه فيه ، وبتقدير تعارض الروايات تتساقط ، فنرجع الى كتاب الله تعالى الصريح في المسح.

مسائل :

الأولى : الكعبان عندنا معقد الشراك وقبتا القدم. وعليه إجماعنا ، وهو مذهب الحنفية (١). وبعض الشافعية (٢). وأكثر الأصحاب عبر عنهما بالناتئين في وسط القدم أو ظهر القدم.

وقال المفيد : هما قبتا القدمين امام الساقين ما بين المفصل والمشط (٣).

وقال ابن أبي عقيل : الكعبان ظهر القدم (٤).

وابن الجنيد : الكعب في ظهر القدم دون عظم السّاق (٥) لاشتقاقه من قولهم كعب إذا ارتفع ، ومنه كعب ثدي الجارية إذا علا ، قال (٦) :

قد كعب الثدي على نحرها

في مشرق ذي صبح نائر

قال العلاّمة اللغوي عميد الرؤساء في كتاب الكعب : هاتان العقدتان في أسفل الساقين اللتان تسميان كعبين عند العامّة ، فهما عند العرب الفصحاء وغيرهم جاهلييهم واسلاميّيهم تسميان المنجمين ـ بفتح الجيم والميم ـ والرهرهتين ـ بضم الرائين. وأكثر في الشواهد على أنّ الكعب هو الناشز في سواء ظهر القدم‌

__________________

(١) احكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٤٧ ، بدائع الصنائع ١ : ٧ ، اللباب ١ : ٦.

(٢) المجموع ١ : ٤٢٢ ، السراج الوهاج : ١٧.

(٣) المقنعة : ٥.

(٤) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة : ٢٤.

(٥) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة : ٢٤.

(٦) ديوان الأعشى ٩٣ ( ط المكتبة الثقافية بيروت ) ص ٩٣ وفيه :

قد نهد الثدي على صدرها

في مشرق ذي صبح نائر

١٤٩

امام الساق حيث يقع معقد الشراك من النعل.

ولثبوت المسح المستلزم لذلك لامتناع خرق الإجماع ، ولقوله تعالى : ( إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) ولو أراد الظّنبوبين لقال : إلى الكعاب.

وللنقل المتواتر عن أهل البيت عليهم‌السلام ، كما رواه زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه‌السلام وسألاه عن الكعبين؟ فقال : هاهنا. يعني : المفصل دون عظم الساق (١).

وعن ميسر عن أبي جعفر عليه‌السلام : انّه وصف الكعب في ظهر القدم (٢).

وعنه عليه‌السلام في وصف وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثم مسح رأسه وقدميه ثم وضع يده على ظهر القدم ، وقال : « هذا هو الكعب » وأومأ بيده الى أسفل العرقوب ، وقال : « هذا هو الظنبوب » (٣).

تنبيه : تفرّد الفاضل بأنّ الكعب هو المفصل بين الساق والقدم ، وصبّ عبارات الأصحاب كلها عليه ، وجعله مدلول كلام الباقر عليه‌السلام ، محتجّا برواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام المتضمّنة لمسح ظهر القدمين ، وهو يعطي الاستيعاب ، وبأنه أقرب الى حدّ أهل اللغة (٤).

وجوابه : انّ الظهر المطلق هنا يحمل على المقيد ، لأن استيعاب الظهر لم يقل به أحد منّا ، وقد تقدّم قول الباقر عليه‌السلام : « إذا مسحت بشي‌ء من رأسك ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٧٦ ح ١٩١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٦ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٧٥ ح ١٨٩ ، الاستبصار ١ : ٦٩ ح ٢١٠.

(٣) التهذيب ١ : ٧٥ ح ١٩٠.

والظنبوب : حرف الساق اليابس من قدم ، وقيل : هو ظاهر الساق ، لسان العرب مادة ـ ظنب.

(٤) مختلف الشيعة : ٢٤.

ورواية زرارة في الكافي ٣ : ٢٥ ح ٤ ، والفقيه ١ : ٢٤ ح ٧٤.

١٥٠

أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع ، فقد أجزأك » في رواية زرارة وأخيه بكير (١).

وقال في المعتبر : لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح ، بل يكفي المسح من ( رءوس الأصابع إلى الكعبين ولو بإصبع واحدة ، وهو إجماع فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام ، ولأنّ الرجلين معطوفة على الرأس الذي يمسح بعضه فيعطيان حكمه (٢).

وقال في موضع آخر : تجزئ الأنملة (٣) وقد تبع المفيد في ذلك حيث قال : يجزئه ان يمسح على كل واحدة منهما برأس مسبّحته من أصابعها إلى الكعبين (٤).

وأهل اللغة إن أراد بهم العامة فهم مختلفون وان أراد به لغوية الخاصة فهم متفقون على ما ذكرناه حسب ما مر. ولأنّه إحداث قول ثالث مستلزم رفع ما أجمع عليه الأمة ، لأن الخاصّة على ما ذكر ، والعامة على أنّ الكعبين ما نتأ عن يمين الرجل وشمالها ، مع استيعاب الرجل ظهرا وبطنا ، ومع إدخال الكعبين في الغسل كالمرفقين.

ومن أحسن ما ورد في ذلك ما ذكره أبو عمر الزاهد في كتاب فائت الجمهرة ، قال : اختلف الناس في الكعب. فأخبرني أبو نصر ، عن الأصمعي : أنه الناتئ في أسفل الساق عن يمين وشمال. وأخبرني سلمة ، عن الفرّاء ، قال : هو في مشط الرجل ، وقال هكذا برجله. قال أبو العباس : فهذا الذي يسمّيه الأصمعي الكعب هو عند العرب المنجم. قال : وأخبرني سلمة ، عن الفراء ، عن الكسائي ، قال : قعد محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام في مجلس كان له وقال : « ها هنا الكعبان ». قال : فقالوا هكذا. فقال : « ليس هو هكذا ولكنّه‌

__________________

(١) تقدّم في ص ٥ الهامش ١٣١.

(٢) المعتبر ١ : ١٥٠.

(٣) المعتبر ١ : ١٥٢.

(٤) المقنعة : ٥.

١٥١

هكذا » وأشار الى مشط رجله. فقالوا له : ان الناس يقولون هكذا! فقال : « لا ، هذا قول الخاصة ، وذاك قول العامة ».

نعم ، لو قيل بوجوب إدخال الكعبين في المسح ، إما لجعل « الى » بمعنى ( مع ) ، واما لإدخال الغاية في المغيّا لعدم المفصل المحسوس ، قرب مما قاله وان لم يكن إياه ، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب والأخبار بخلافه. ويؤيّده النص على المسح على النعلين من غير استبطان الشّراك كما تقدّم (١). ورواه الأحول عن الباقر عليه‌السلام قال : « ولا يدخل أصابعه تحت الشراك » (٢) وصرّح في المعتبر بعدم دخولهما محتجا برواية زرارة المذكورة (٣).

ولك ان تقول : إن كان هذا تحديدا للمسح وجب إدخال الكعبين فيه كالمرافق ، وان كان تحديدا للممسوح فلا يجب البلوغ الى الكعبين فضلا عن دخولهما ، لأنّه لا يراد به الاستيعاب قطعا ، بل المراد به بيان (٤) محل المسح ، وبالجملة دخولهما أحوط.

الثانية : يجب المسح بالبلّة‌ كما قلناه في الرأس ، وأحكامه أحكامه. ولو غسل موضع المسح اختيارا بطل ، لما سلف ولو كان لتقية ، صحّ.

ولو أراد التنظيف قدّم غسل الرجلين على الوضوء ، ولو غسلهما بعد الوضوء لنجاسة مسح بعد ذلك ، وكذا لو غسلهما لتنظيف.

وفي خبر زرارة قال : قال : « إن بدا لك فغسلت فامسح بعده ، ليكون آخر ذلك المفترض » (٥).

وقال المفيد : يجعل بين الغسل والمسح مهلة ، ولا يتابع بينهما ، ليفصل‌

__________________

(١) تقدّم في ١٤٧ الهامش ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٢٥ ح ٥ عن زرارة وبكير.

(٣) المعتبر ١ : ١٥١.

ورواية زرارة تقدمت في ص ١٤٧ الهامش ٨.

(٤) ليست في س.

(٥) الكافي ٣ : ٣١ ح ٨ ، التهذيب ١ : ٦٥ ح ١٨٦ ، ٩٣ ح ٢٤٧ ، الاستبصار ١ : ٦٥ ح ١٩٣.

١٥٢

الوضوء من غيره (١).

وهل يشترط جفاف الرجل من الماء؟ نصّ ابن الجنيد وابن إدريس والمحقق على جواز المسح عليهما رطبتين (٢). وبالغ ابن الجنيد فجوّز إدخال اليد في الماء والمسح فيه عند الضرورة (٣). قال ابن إدريس : لأنه ماسح إجماعا ، والظواهر (٤) من الآي والأخبار تتناوله (٥). وقال المحقق : لأن يديه لا تنفكّ عن ماء الوضوء (٦). واما ابن الجنيد فيمكن بناؤه على أصله من جواز الاستئناف.

وقوّى الفاضل المنع ، محتجا بأنّه مسح بماء جديد (٧) ، وهو بإزاء قول المحقق. وله أن يقول : الواجب في المسح مسماه ، والجري فيه غير معتبر ، وهذا صادق مع هذا الماء الجديد ، لأنّه وان قلّ فلا يقصر عن المسمى.

نعم ، لو غلب ماء المسح رطوبة الرجلين ارتفع الاشكال. وبالجملة ما ذكروه قويّ ، وما ذكره أحوط.

الثالثة : هل ظهر القدم محل للمسح كالمقدّم في الرأس ، بحيث لو وقع المسح على جزء منه يجزئ كالرأس ، ويكون التحديد للقدم الممسوح لا للمسح؟ يحتمل ذلك ، تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولحديث الأخوين عن الباقر عليه‌السلام (٨). ومنعه في المعتبر بعد التردّد ، محتجّا بأنّه لا بدّ من الإتيان بالغاية (٩) ولا ريب انه أحوط ، وعليه عمل الأصحاب.

الرابعة : هل يجزئ النكس؟ المشهور : نعم ، لخبر حماد بن عثمان‌

__________________

(١) المقنعة : ٥.

(٢) السرائر : ١٨ ، المعتبر ١ : ١٦٠ ، مختلف الشيعة : ٢٦.

(٣) مختلف الشيعة : ٢٦.

(٤) في س ، ط : والظاهر.

(٥) السرائر : ١٨.

(٦) المعتبر ١ : ١٦٠.

(٧) مختلف الشيعة : ٢٦.

(٨) تقدم في ١٣١ الهامش ٥.

(٩) المعتبر ١ : ١٥٢.

١٥٣

السالف (١).

وفي عبارة أخرى لحماد عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا » (٢).

وروى يونس عمن رأى أبا الحسن عليه‌السلام بمنى : يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم الى الكعب ، ومن الكعب إلى أعلى القدم (٣).

وزاد في الكافي : ويقول : ( الأمر في مسح الرجلين موسّع ، من شاء مسح مقبلا ، ومن شاء مسح مدبرا ) (٤) وهو إمّا من كلام الإمام أو من كلام الراوي ، وعلى التقديرين فظاهره انه جمع بينهما عليه‌السلام ، فيمكن أن يقال باستحبابه ، ويكون إسباغا للمسح كما يستحبّ إسباغ الغسل.

ويؤيده مرفوع أحمد بن محمد بن عيسى الى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في مسح القدمين ومسح الرأس ، قال : « مسح الرأس واحدة من مقدّم الرأس ومؤخّره ، ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما » (٥).

ولصحيحة البزنطي عن الرضا عليه‌السلام ، وسأله عن المسح على القدمين ، فوضع كفّه على الأصابع فمسحهما الى الكعبين ، فقلت : لو انّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا الى الكعبين كلها؟ قال : « لا ، إلاّ بكفّه » (٦) وأقلّ أحواله الاستحباب ، إلاّ أنّ هذا لا دلالة فيه على تعاكس المسح.

ويؤيد عدم استحباب العكس فتوى الأصحاب بأنه لا تكرار في المسح (٧)

__________________

(١) تقدم في ص ١٢١ الهامش ٥.

(٢) التهذيب ١ : ٨٣ ح ٢١٧ ، الاستبصار ١ : ٥٧ ح ١٦٩.

(٣) قرب الاسناد : ١٢٦ ، التهذيب ١ : ٥٧ ح ١٦٠ ، ٦٥ ح ١٨٣ ، ٨٣ ح ٢١٦ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ح ١٧٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣١ ح ٧.

(٥) التهذيب ١ : ٨٢ ح ٢١٥ ، الاستبصار ١ : ٦١ ح ١٨١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٩١ ح ٢٤٣ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ح ١٨٤.

(٧) راجع : المقنعة : ٥ ، المبسوط ١ : ٢٣ ، السرائر : ١٧ ، المعتبر ١ : ١٦٠.

١٥٤

ولخلوّ الآية وأكثر الأخبار منه.

ويظهر من كلام ابن بابويه (١) والمرتضى (٢) ، وبه قطع ابن إدريس (٣) : انه يجب الابتداء من رءوس الأصابع إلى الكعبين ، جعلا لـ « الى » على ما بها من الانتهاء. ولأنّ في وصف الباقر عليه‌السلام : « مسح قدميه إلى الكعبين بفضل كفه » (٤). ويلوح منه دخول الكعبين في المسح ، لأنّه لبيان غاية المسح هنا وهو من جنس المغيّا ، وكذا في خبر البزنطي عن الرضا عليه‌السلام (٥). ولأن الوضوء البياني من الرسول لم ينكس فيه قطعا ، وإلاّ لما أجزأ خلافه ، مع أنّه مجزئ بالإجماع. وهذا القول أولى ، لحصول اليقين بالخروج عن العهدة بفعله.

الخامسة : هل يجب البدأة باليمنى من الرجلين؟ المشهور : العدم ، لإطلاق الآية والأخبار. وظاهر ابني بابويه وابن أبي عقيل وجوبه (٦) وبه أفتى ابن الجنيد وسلار (٧) عملا بالوضوء البياني ، وأخذا بالاحتياط.

وفي كلام بعضهم : يجوز مسحهما معا لا تقديم اليسرى. والعمل بالترتيب أحوط.

السادسة : إذا قطع بعض القدم مسح على ما بقي. ولو أوعب موضع المسح سقط ، لامتناع التكليف بالمحال. ولم نقف على نصّ في مسح موضع القطع كما جاء في اليدين ، غير أنّ الصدوق لما روى عن الكاظم عليه‌السلام غسل‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨ ، الهداية : ١٧.

(٢) الانتصار : ٢٩.

(٣) السرائر : ١٧.

(٤) التهذيب ١ : ٥٦ ح ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٥٧ ح ١٦٨.

(٥) راجع الهامش ٦ ، المتقدّم.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨ ، مختلف الشيعة : ٢٥.

(٧) المراسم : ٣٨ ، مختلف الشيعة : ٢٥.

١٥٥

الأقطع عضده ، قال : وكذلك روي في أقطع الرجلين (١).

والقول في مسح الرجل الزائدة كما قلناه في اليد ، بحسب الأصالة والزيادة. ولو كانت تحت الكعب ، فالأقرب : المسح عليهما ، للعموم. ويمكن الاجتزاء بالتامّة منهما ، فان استويا تخيّر ، لأنّ المسح لا يجب فيه الاستيعاب طولا وعرضا.

السابعة : لا يجوز المسح على حائل من خفّ وغيره ، إلاّ لضرورة أو تقية إجماعا منا ـ قال ابن الجنيد : روى يحيى بن الحسين : انّ آل رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمعين ) أجمعوا على ذلك ، وقال به خلق كثير من الصحابة والتابعين ـ لعدم مسمّى الرجل فيه ، ولإفادة الباء الإلصاق ، ولحمله على الوجه واليدين في عدم إجزاء غسل الحائل ، ولأن الوضوء البياني الذي حكم فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه لا تقبل الصلاة إلاّ به لم يمسح فيه على الخفّين إجماعا.

قال الفاضل : والعجب تسويغهم المسح على الخفّين لرفع الحدث عن الرجلين ، ومنعه عن البشرة (٢).

واشتهر ذلك من قول علي عليه‌السلام ومناظراته ، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « جمع عمر أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيهم علي عليه‌السلام ، فقال : ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة ابن شعبة ، فقال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح على الخفين. فقال علي عليه‌السلام : أقبل المائدة أو بعدها؟ فقال : لا أدري. فقال علي عليه‌السلام : سبق الكتاب الخفّين ، إنما أنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة » (٣).

وسمع أبا مسعود البدري يروي ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦١ ح ١٠٩١.

١٥٦

فقال : « أقبل نزول المائدة أو بعده »؟ فسكت أبو مسعود (١).

وعن علي عليه‌السلام : « ما أبالي أمسح على الخفين ، أو على ظهر عير بالفلاة » (٢) ـ بالياء المثناة تحت بعد العين المهملة وقبل الراء ـ ومثله عن أبي هريرة (٣) وعن عائشة أيضا (٤).

وعنها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : « أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره » (٥).

وعنها : لأن تقطع رجلاي بالمواسي أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفين (٦).

وإنكار هؤلاء يدلّ على عدم فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاه. ورواية سعد وغيره انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح على الخفين (٧) معارضة بما تلوناه ، والترجيح معنا لشهادة الكتاب به ، وإمكان حملها على الضرورة ـ كالبرد الشديد ، والعدو المرهق ـ أو على أنّه كان ثم نسخ ، لما روي عن علي عليه‌السلام انه قال : « نسخ الكتاب المسح على الخفين » (٨) ومناظراته تدلّ على أنّه كان مشروعا ثم نسخ ، وهذا جواب حسن حاسم للشبهة.

وأما الروايات عن أهل البيت عليهم‌السلام فكثيرة ، منها :

ما رواه رقبة بن مصقلة ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فسألته‌

__________________

(١) أخرجه العلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١٨.

(٢) أخرجه العلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١٨ ، وروى نحوه ابن أبي شيبة في المصنف ١ : ١٨٦ عن ابن عباس ، واحمد في مسنده ١ : ٣٢٣.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ج ١ ح ١٨٦.

(٤) الفقيه ١ : ٣٠ ح ٩٧ ، أمالي الصدوق : ٥١٥.

(٥) الفقيه ١ : ٣٠ ح ٩٦ ، أمالي الصدوق : ٥١٥.

(٦) المصنف لعبد الرزاق ١ : ٢٢١ ح ٨٦٠ ، التفسير الكبير للرازي ١١ : ١٦٣.

(٧) الموطأ ١ : ١٨ ، صحيح البخاري ١ : ٥٨ ، صحيح مسلم ١ : ٢٢٨ ح ٢٧٢ ، سنن أبي داود ١ : ٢٩ ح ١١٨.

(٨) التهذيب ١ : ٣٦١ ح ١٠٩١.

١٥٧

عن أشياء ، فقال : « إني أراك ممن يفتي في مسجد العراق ». فقلت : نعم. فقال : « ممن أنت ». فقلت ابن أعم لصعصعة. فقال : « مرحبا بك يا ابن عم صعصعة ». فقلت له : ما تقول في المسح على الخفين؟ فقال : « كان عثمان يراه ثلاثا للمسافر ، ويوما وليلة للمقيم ، وكان أبي لا يراه في سفر ولا حضر ». فلما خرجت من عنده فقمت على عتبة الباب ، فقال لي : « أقبل يا ابن عمّ صعصعة ». فأقبلت عليه فقال لي : « القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون ويصيبون وكان أبي لا يقول برأيه » (١). وهذا تصريح منه عليه‌السلام بعدم النص في المسح على الخفين ، وانّما هو رأي رأوه.

وعن محمد بن مسلم عن أحدهما انه سأل عن المسح على الخفّين وعلى العمامة ، فقال : « لا تمسح عليهما » (٢).

وعن أبي الورد ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ أبا ظبيان حدّثني أنّه رأى عليا عليه‌السلام أراق الماء ثم مسح على الخفّين! فقال : « كذب أبو ظبيان أما بلغك قول علي عليه‌السلام فيكم : سبق الكتاب الخفّين ». فقلت : فهل فيهما رخصة؟ فقال : « لا ، إلاّ من ( عذر أو تقية ) (٣) أو ثلج تخاف على رجليك » (٤).

تنبيهات :

الأول : قال المرتضى ـ رحمه‌الله ـ في الناصرية : من مسح على الخفين مقلّدا أو مجتهدا ، ثم وقف على خطئه أعاد الصلاة لأنه ما ادّى الفرض (٥).

ويشكل : بحسن زرارة وبكير والفضيل ، ومحمد بن مسلم وبريد العجلي ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦١ ح ١٠٨٩ ، وفيه « كان عمر يراه ».

(٢) التهذيب ١ : ٣٦١ ح ١٠٩٠.

(٣) في المصدرين : « عدو تتقيه ».

(٤) التهذيب ١ : ٣٦٢ ح ١٠٩٢ ، الاستبصار ١ : ٧٦ ح ٢٣٦.

(٥) الناصريات : ٢٢١ المسألة ٣٤.

١٥٨

عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، قالا : في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحروريّة والمرجئة والعثمانية والقدرية ، ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو صدقة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : « ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بدّ أن يؤديها ، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها ، انّما موضعها أهل الولاية » (١).

قال في المعتبر : اتفقوا على انه لا يعيد شيئا من عبادته التي فعلها سوى الزكاة ، والرواية عامة للماسح على الخفين سواء كان مجتهدا أو مقلّدا (٢).

الثاني : قد مرّ جواز المسح على العربي‌ وان لم يدخل يده تحت الشّراك.

قال ابن الجنيد ـ في النعال ـ : وما كان منها غير مانع لوصول الراحة والأصابع أو بعضها إلى مماسّة القدمين ، فلا بأس بالمسح عليهما.

قال : وقد روي المسح عليهما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والباقر والصادق عليهما‌السلام ، وانّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضّأ ومسح على نعليه ، فقال له المغيرة : أنسيت يا رسول الله؟ قال : « بل أنت نسيت هكذا أمرني ربي ».

قال : وروى الطبريّ والسّاجيّ وغيرهما أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح عليهما ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وأوس بن أوس. وروي عن أبي ظبيان وزيد الجهني أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام توضأ ومسح عليهما.

فرع :

ظاهر كلام ابن الجنيد عدم اختصاص ذلك بالعربي ، فيجوز على كل ما لا يمنع. فحينئذ يجوز في السير المركب على الخشب إذا كان في عرض الشّراك‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٥ ح ١ ، علل الشرائع : ٣٧٣ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ح ١٤٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٦٦.

١٥٩

تقريبا. وتوقّف فيه في التذكرة ، قال وكذا لو ربط رجله بسير للحاجة بل عبثا (١).

قلت : أمّا السير للحاجة فهو ملحق بالجبائر ، وأما العبث فان منع فالأقرب الفساد إن أوجبنا المسح الى الكعبين ـ وهو الأقرب كما مرّ ـ لأنّه قد تخلّف شي‌ء خارج عن النص.

الثالث : قال الصدوقان : عن العالم عليه‌السلام : « ثلاثة لا أتّقي فيهن أحدا : شرب المسكر ، والمسح على الخفين ، ومتعة الحج » (٢). وهو في الكافي والتهذيب بسند صحيح عن زرارة ، قال : قلت له : أفي مسح الخفين تقيّة؟ فقال : « ثلاث لا أتقي فيهن أحدا : شرب المسكر ، ومسح الخفين ، ومتعة الحج » (٣).

وتأوّله زرارة ـ رحمه‌الله ـ بنسبته الى نفسه ، ولم يقل : الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهنّ أحدا (٤). وتأوّله الشيخ بالتقيّة ، لأجل مشقة يسيرة لا تبلغ الى الخوف على النفس أو المال (٥) ، لما مرّ من جواز ذلك للتقية.

قلت : ويمكن أن يقال : انّ هذه الثلاث لا يقع الإنكار فيها من العامة غالبا ، لأنهم لا ينكرون متعة الحج ، وأكثرهم يحرّم المسكر ، ومن خلع خفّه وغسل رجليه فلا إنكار عليه ، والغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما. وعلى هذا يكون نسبته الى غيره كنسبته الى نفسه في أنّه لا ينبغي التقيّة فيه ، وإذا قدّر خوف ضرر نادر جازت التقية.

الرابع : المقتضى للمسح على الخفين عينا هو الضرورة والتقية ، فيدوم بدوامهما ولا يتقدّر بما قدّروه. فإذا زالت الضرورة ولم يحدث ، فهل يعيد لصلاة‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨.

(٢) الفقيه ١ : ٣٠ ح ٩٥ ، المقنع : ٦ ، الهداية : ١٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ ح ١٠٩٣ ، الاستبصار ١ : ٧٦ ح ٢٣٧.

(٤) راجع الهامش السابق.

(٥) التهذيب ١ : ٣٦٢ ، الإستبصار ١ : ٧٦.

١٦٠