أبو البركات بن الأنباري
المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (١١).
أن ، فيها وجهان. أحدهما : أن تكون مفسرة بمعنى (أى). والثانى : أن تكون مخففة من الثقيلة ولم تعوّض ، وتقديره ، أنه سبّحوا. فحذف وخفف الاسم ، كقوله :
(لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا)(١).
وتقديره ، لو لا أنه منّ الله علينا ؛ كما جاءت بعوض فى قوله تعالى :
(أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً)(٢)
وقوله تعالى :
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى)(٣).
إلى غير ذلك.
قوله تعالى : (خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) (٢١).
الباء فى (بقوة) فى موضع الحال ، أى خذ الكتاب مجدّا مجتهدا.
قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (١٢).
الحكم ، المفعول الثانى (لآتيناه). وصبيّا ، منصوب على الحال من المفعول الأول ، وهى الهاء فى (آتيناه).
قوله تعالى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) (١٣).
حنانا ، منصوب لأنه معطوف على (الحكم).
قوله تعالى : (انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) (١٦).
مكانا ، منصوب من وجهين. أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه ظرف مكان والعامل
__________________
(١) ٨٢ سورة القصص.
(٢) ٨٩ «طه.
(٣) ٢٠ «المزمل.
فيه (انتبذت). والثانى : أن يكون مفعولا به والعامل فيه مقدّر ، وتقديره ، وقصدت مكانا قصيّا. وشرقيا ، صفة له.
قوله تعالى : (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) (٢١).
الواو فيها وجهان. أحدهما : أن تكون واو عطف. ولنجعله ، معطوف على قوله : (لاهب لك). والثانى : أن تكون الواو زائدة.
قوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) (٢٥).
الباء فى (بجذع) زائدة ، وتقديره ، وهزّى إليك جذع النخلة.
وتساقط ، يقرأ بفتح التاء والتخفيف ، وتسّاقط بفتح التاء والتشديد ويساقط بضم الياء وكسر القاف.
فمن قرأ (تساقط) بالفتح والتخفيف ، فأصله (تتساقط) ، فحذف إحدى التاءين تخفيفا.
ومن قرأ (تسّاقط) بالتشديد ، فأصله (تتساقط) أيضا ، فأبدل من إحدى التاءين سينا ، وأدغم السّين فى السّين.
ورطبا جنيّا ، منصوب فى هاتين القراءتين على التمييز والحال أيضا ، ويجوز أيضا أن يكون فيهما منصوبا (بهزّى) وتقديره ، وهزّى إليك رطبا جنيّا متمسكة بجذع النخلة. فتكون الباء فى (بجذع النخلة) على هذا فى موضع الحال لا زائدة.
ومن قرأ (تساقط) نصب (رطبا جنيّا) على أنه مفعول (تساقط) ، أى ، تساقط النخلة رطبا.
ومن قرأ (يسّاقط) نصب أيضا رطبا جنيّا على أنه مفعول (يسّاقط) أى ، يسّاقط جذع النخلة رطبا.
قوله تعالى : (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) (٢٦).
عينا ، منصوب على التمييز ، أى ، من عين ، كقوله : (طاب به نفسا) أى ، من نفس. وكل ما حسن فيه تقدير (من) من هذا النحو كان منصوبا على التمييز.
قوله تعالى : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) (٢٦).
ترينّ ، أصله (ترأيين) على وزن تفعلينّ ، إلّا أنه حذفت الهمزة منه فبقى (تريينّ) على وزن تفلينّ ، لذهاب العين منه فتحركت الياء الأولى وانفتح ما قبلها فبقى (تراين) ، فاجتمعت الألف ساكنة ، وياء التأنيث ساكنة ، واجتمع ساكنان ، وساكنان لا يجتمعان ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين فبقى (ترين) ، وحذفت النون لأنّها نون إعراب ، لطرءان (١) البناء لدخول نون التوكيد المشددة عليها ، وكسرت الياء لسكونها وسكون النون المشددة ، ولم تحذف الياء لأنه ليس قبلها كسرة تدل عليها ؛ فصارت (ترينّ) ؛ على وزن (تفينّ).
قوله تعالى : (يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) (٢٨).
أخت ؛ التاء فيها بدل عن واو ؛ وليست للتأنيث ؛ والدليل على أنها ليست للتأنيث وجهان. أحدهما : أن ما قبلها ساكن ؛ ولو كانت للتأنيث ؛ لكان يجب أن تكون متحركة. والثانى : أنها تكتب بالتاء ولا تكتب بالهاء ولو كانت للتأنيث نحو قائمة وذاهبة ، لكانت تكتب بالهاء.
وقيل : أصلها (أخو) على فعل ؛ فحذفت الواو وضمت الهمزة ، ليدل على الواو المحذوفة ، فيبقى الاسم على حرفين ، وزيدت التاء للإلحاق ببناء قفل وقلب ، وحذفت الواو منه لكثرة الاستعمال.
__________________
(١) (لطريان) فى أ.
وكذلك التاء فى (بنت) زيدت ليلتحق ببناء جذع وحمل ، وأصله (بنية) بالياء فحذفت الياء وكسرت الباء ، لتدل على حذف الياء ، وقيل : إنها بدل من الواو (كأخت) وليس هنا موضع الكلام عليه.
وبغيّا ، أصله (بغويا) على فعول ، إلا أنه لما اجتمعت الواو والياء والسابق منهما ساكن ، قلبوا الواو ياء ، وجعلوهما ياء مشددة ، وكسرت الغين لمجاورتها الياء ، لأنها من جنسها ، وفعول فى هذا الموضع بمعنى (فاعلة) ، ولهذا جاء بغير تاء ، وهو صفة للمؤنث كقولهم : امرأة صبور وشكور ، وكما يأتى فعول بغير هاء إذا كان بمعنى مفعول كقوله تعالى :
(فَمِنْها رَكُوبُهُمْ)(١).
ولا يجوز أن يكون (بغيا) فى الأصل على فعيل ، لأنه لو كان فى الأصل على فعيل ، كان يجب أن تدخله تاء التأنيث ، لأن فعيلا إذا كان بمعنى فاعل ، فإنه تدخله تاء التأنيث ، نحو (شريفة وظريفة ولطيفة) ، وإنما تحذف الهاء من فعيل إذا كان بمعنى مفعول ، نحو (كف خضيب ، وعين كحيل ، ولحية دهين) ، أى ، (كف مخضوبة ، وعين مكحولة ، ولحية مدهونة) ، فلما أتى (بغىّ) ههنا بغير تاء وهو بمعنى فاعل ، علم أنه فى الأصل على وزن فعول لا على فعيل.
قوله تعالى : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (٢٩).
كان ، فيها ثلاثة أوجه :
الأول : أن تكون بمعنى (حدث ووقع) فيكون (صبيا) منصوبا على الحال من الضمير فى (كان).
والثانى : أن يكون بمعنى (صار) ، فيكون (صبيّا) منصوبا لأنه خبر (صار).
__________________
(١) ٧٢ سورة يس.
والثالث : أن تكون (كان) زائدة ، و (صبيّا) منصوب على الحال ، والعامل فيها على هذا الاستقرار.
ولا يجوز أن تكون (كان) ههنا الناقصة ، لأنه لا اختصاص (لعيسى) فى ذلك ، لأنه ما من أحد إلّا كان صبيّا فى المهد يوما من الأيام ، وإنما تعجبوا من كلام من وجد وصار فى حال الصّبىّ فى المهد.
قوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) (٣١).
ما ، مصدرية ظرفية زمانية ، وتقديره ، مدة دوامى حيّا. وحيّا ، منصوب لأنه خبر (ما دمت) وموضع الجملة نصب على الظرف والعامل فيه (أوصانى).
قوله تعالى : (وَبَرًّا بِوالِدَتِي) (٣٢).
برّا ، منصوب لأنه معطوف على قوله : (مباركا). ومباركا ، منصوب لأنه مفعول ثان (يجعل).
ومن قرأ : (وبرّ) بكسر الباء والجر عطفه على (الصلاة) وتقديره ، وأوصانى بالصلاة وببرّ بوالدتى.
قوله تعالى : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ) (٣٤).
قرئ : (قول) بالرفع والنصب.
فمن قرأ : بالرفع كان مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، ذلك قول الحقّ ، أو هذا قول الحقّ. وقيل : إنّ الإشارة إلى عيسى لأن الله تعالى سماه (كلمة) ، إذ كان بالكلمة على ما قال تعالى :
(إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(١).
__________________
(١) ٥٩ سورة آل عمران.
ولهذا قال الكسائى : قول الحقّ ، نعت لعيسى.
ومن قرأه بالنصب ، كان منصوبا على المصدر ، وتقديره ، أقول قول الحق.
وقرئ فى الشواذ : قال الحقّ. بنصب (قال) على المصدر ، وجر (الحق) ، لإضافة (قال) الذى هو المصدر إليه.
قوله تعالى : (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) (٣٦).
قرئ بكسر الهمزة من (أن) وفتحها.
فمن قرأ بالكسر ، جعلها مبتدأة.
ومن قرأ بالفتح ، جعلها معطوفة على (الصلاة) وتقديره ، وأوصانى بالصلاة والزكاة وأنّ الله ربّى.
قوله تعالى : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ) (٣٥)
من ، زائدة ، وتقديره ، ما كان لله أن يتخذ ولدا. وزيدت ههنا فى المفعول ، وزيادتها فى الفاعل أكثر ، كقولهم : ما جاءنى من أحد. أى ، ما جاءنى أحد ونظائره كثيرة.
قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا) (٣٨).
أى ، ما أسمعهم وأبصرهم ، والجار والمجرور فى موضع رفع ، لأنه فاعل (أسمع) ، وكان الأصل أن يقول : وأبصر بهم. إلّا أنه حذف (بهم) اكتفاء بذكره مع (أسمع).
وأسمع بهم وأبصر ، لفظه لفظ الأمر وليس بأمر ، وإنما هو تعجب. والدليل على أنه ليس بأمر ، أنه يكون فى المذكر والمؤنث والتثنية والجمع على لفظ واحد ، نحو ، يا زيد أحسن بعمرو ، ويا زيدان أحسن بعمرو ، ويا زيدون أحسن بعمرو ، ويا هند أحسن بعمرو ، ويا هندان أحسن بعمرو ، ويا هندات أحسن بعمرو. فيكون كله بلفظ واحد ، ولو كان فعل أمر ، لكان يظهر فيه علامة التثنية والجمع والتأنيث ، نحو : أحسنا وأحسنوا وأحسنى وأحسن. فلما لم يظهر دل على أنه ليس للأمر وإنما هو للتعجب.
ويوم ، منصوب على الظرف ، يتعلق بفعل التعجب.
قوله تعالى : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ) (٤٢).
إذ ، فى موضع نصب على البدل من قوله : (واذكر فى الكتاب إبراهيم) أى ، واذكر فى الكتاب قصة إبراهيم. ثم بيّن فقال إذ قال لأبيه ، وتقديره ، واذكر إذ قال لأبيه (١).
قوله تعالى : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي) (٤٦).
أراغب ، مرفوع بالابتداء ، وحسن الابتداء بالنكرة لأنها اعتمدت على همزة الاستفهام.
وأنت ، مرفوع براغب ارتفاع الفاعل بفعله ، لأن اسم الفاعل ، قد اعتمد على همزة الاستفهام ، واسم الفاعل إذا اعتمد على همزة الاستفهام ، جرى مجرى الفعل ، فارتفع ما بعده ارتفاع الفاعل بفعله ، والفاعل ههنا يسد مسد خبر المبتدأ ، ألا ترى أنك تقول : أقائم أخواك ، وأذاهب الزيدان ، فيكون (قائم وذاهب) مرفوعين بالابتداء ، (وأخواك والزيدان) قد سدّا مسدّ خبر المبتدأ.
قوله تعالى : (سَلامٌ عَلَيْكَ) (٤٧).
سلام ، مرفوع لأنه مبتدأ ، والجار والمجرور خبره ، وحسن الابتداء بالنكرة لأن فيها معنى المنصوب والدعاء ومعنى المتاركة والتّبرّؤ ، فلما كان فيها فوائد ، جاز أن يبتدأ بها. والأصل ألّا يبتدأ بنكرة إلّا أن يكون فيها فائدة عند المخاطب ، وقد وجدت فيها هذه الفوائد ، فلذلك كان جائزا.
قوله تعالى : (وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) (٥٥).
مرضيّا ، أصله. (مرضويا) ، إلا أنهم أبدلوا من الضمة ، كسرة ، ومن الواو ياء ،
__________________
(١) (وتقديره واذكر إذ قال لأبيه) جملة ساقطة من أ ، ومنقولة من ب.
هذا على لغة من قال فى تثنية (الرضا) (رضوان). ومن قال : (رضيان) كان من ذوات الياء ، وأصله (مرضوى) فاجتمعت الواو والياء والسابق منهما ساكن ، فقلبوا الواو ياء وأدغموا الياء فى الياء ، وكسروا ما قبل الياء توطيدا لها ولأنه أخف.
قوله تعالى : (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) (٥٨).
منصوبان على الحال وهى حال مقدرة ، أى ، مقدّرين السجود والبكاء.
وبكيّا ، جمع (باك) وقيل : (بكيّا) ، منصوب على المصدر وليس يجمع (باك) ، وتقديره ، وبكوا بكيّا. وأصله على كلا الوجهين ، (بكوى) ، إلا أنه لما اجتمعت الواو والياء والسابق منهما ساكن ، قلبوا الواو ياء وجعلوهما ياء مشددة ، وكسر ما قبل الياء (١) توطيدا لها لأنه أخف ، ومنهم من يكسر الباء إتباعا لكسرة الكاف ، لأنه أخف على اللسان من الخروج من ضم إلى كسر.
قوله تعالى : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) (٦١).
جنّات ، منصوب على البدل من (الجنة) ، فى قوله تعالى : (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) ، وتقديره ، يدخلون جنات عدن ، [وهذا بدل الشىء من الشىء وهو نفسه ، لأنّ الألف واللام فى الجنة للجنس](٢).
قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) (٦٢).
سلاما ، منصوب من وجهين.
أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه استثناء منقطع.
والثانى : أن يكون منصوبا على البدل من (لغو).
قوله تعالى : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) (٦٣).
__________________
(١) (وكسر ما قبل الياء) جملة ساقطة من أ ، ومنقولة من ب.
(٢) ما بين المعقوفين فى هامش (أ) ، ولم يذكر فى ب.
نورث ، مضارع (أورث) ، وهو يتعدى إلى مفعولين ، الأول منهما محذوف وهو الهاء ، التى وقعت عائدا إلى الاسم الموصول الذى هو التى ، وتقديره ، نورثها ، والمفعول الثانى (مَنْ كانَ تَقِيًّا).
ومن عبادنا ، يتعلق (بنورث) وتقديره ، (تلك الجنة التى نورثها من كان تقيا من عبادنا).
قوله تعالى : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ) (٦٤).
تقديره ، قل ما نتنزّل إلّا بأمر ربّك. فحذف (قل) ، وحذف القول كثير فى كلامهم ، وفى كتاب الله تعالى.
وله ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ، فى هذه الآية ، دلالة على أنّ الأزمنة ثلاثة ، ماض وحاضر ومستقبل.
قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ) (٦٤ ، ٦٥).
ربّ السّموات والأرض ، فى رفعه ثلاثة أوجه.
الأول : أن يكون مرفوعا لأنه بدل من قوله : (ربّك) فى قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ) وهو اسم كان.
والثانى : أن يكون خبر مبتدأ مقدّر ، وتقديره ، هو ربّ السّموات والأرض.
والثالث : أن يكون مبتدأ وخبره (فاعبده) عند أبى الحسن الأخفش ، لأنه يجوز أن تزاد الفاء فى خبر المبتدأ ، وإن لم يكن المبتدأ اسما موصولا ، أو نكرة موصوفة ، ويجوز عنده (زيد فمنطلق) ، ويكون (منطلق) خبر (زيد) ، والفاء زائدة ، والأكثرون على أنّ الفاء عاطفة لا زائدة ، عطفت جملة على جملة ، وتقديره ،
هذا زيد فهو منطلق. فزيد ومنطلق ، كلّ واحد منهما خبر مبتدإ محذوف على ما بيّنّا.
قوله تعالى : (أَإِذا (١) ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) (٦٦).
إذا ، ظرف فى موضع نصب بفعل مقدر ، وتقديره ، إذا ما مت بعثت ، ولا يجوز أن يعمل فيه (أخرج) لأنّ ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها ، كما أنّ ما بعد (إنّ والشرط والاستفهام والنفى) كذلك.
قوله تعالى : (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) (٦٨).
جثيّا ، منصوب على الحال ، إن جعلت (جثيّا) جمع (جاث) ، وعلى المصدر إن لم تجعله جمعا ، وجعلته مصدرا.
جثا يجثوا جثوّا (٢). وأصله (جثوو) ، على فعول على كلا الوجهين ، إلّا أنهم استثقلوا اجتماع ضمتين وواين متطرفتين ، فأبدلوا من الضّمة كسرة ، وقلبوا الواو الأخيرة ياء ، لأنّ الأولى مدّة كالألف فى (كساء وسماء) ، فصار (جثوى) ، فاجتمعت الواو والياء والسابق منهما ساكن ، فقلبوا الواو وجعلوهما ياء مشددة ، فصارت (جثيّا).
ومنهم من يقرأ بكسر الجيم ، يتبع الكسر الكسر ، طلبا للمجانسة والخفّة.
قوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) (٦٩).
قرئ بالرفع والنصب.
فأما الرفع وهى القراءة المشهورة ، فاعلم أنّ مذاهب البصريين والكوفيين اختلفت. فأما البصريون فذهب أكثرهم إلى أنّ (أيّهم) فى موضع نصب ب (لننزعنّ) ، وأن الضمة فيه ضمة بناء ، لأن القياس يقتضى أن تكون (أىّ) مبنية لوقوعها موضع
__________________
(١) (إذا) فى أ.
(٢) (جثى) بالياء فى أ ، ب ـ و (جثيا) فى ب ـ و (جثوا) بدل (جثوو).
الاسم الموصول ، أو الاستفهام ، أو الجزاء ، كما بنيت (من وما) إلا أنّهم أعربوها حملا على نظيرها وهو (بعض) ، وعلى نقيضها وهو (كلّ) ، إلّا أنها لما دخلها نقص بحدف العائد ، ضعفت ، فردّت إلى ما تستحق من البناء ، يدلّ عليه أنّ (أيّهم) استعملت استعمالا لم يستعمل عليه أخواتها من حذف المبتدأ نحو (اضرب أيّهم أفضل). يريد ، أيّهم هو أفضل ، ولو قلت : اضرب من أفضل ، وكلّ ما أطيب (١). تريد من هو أفضل وما هو أطيب. لم يجز ، فلما خالفت أخواتها زال تمكنها فوجب أن تبنى ، ووجب أن تبنى على الضم لأنّهم لما حذفوا المبتدأ من صلتها بنوها على الضم ، لأنه أقوى الحركات تعويضا عن المحذوف ، كما أنّهم لمّا حذفوا المضاف إليه من (قبل وبعد) ، بنيا على الضم ، لأنه أقوى الحركات ، تعويضا عن المحذوف ، والذى يدل على أن البناء أولى ، إنّما كان لحذف المبتدأ ، لأنهم إذا لم يحذفوا المبتدأ أعربوها ، فقالوا : اضرب أيّهم هو أفضل. فأعربوها بالإجماع ، وإنّما حسن حذف المبتدأ من (أىّ) ، دون سائر أخواتها لأنّ (أىّ) ، لا تكاد تنفكّ عن الإضافة ، فيصير المضاف إليه عوضا عن حذف المبتدأ ، بخلاف غيرها من أخواتها ، نحو (من وما).
وذهب الخليل بن أحمد إلى أنّ (أيّهم) مرفوع على الحكاية ، وتقديره ، ثم لننزعنّ من كلّ شيعة الّذى يقال له أيّهم. كما قال الشاعر :
١٢١ ـ ولقد أبيت من الفتاة بمنزل |
|
فأبيت لا حرج ولا محروم (٢) |
وتقديره ، فأبيت لا يقال فى هذا حرج ولا محروم.
ولو كان كما زعم الخليل ، لكان ينبغى أن يجوز أن يقول : اضرب الفاسق الخبيث ، أى ، اضرب الذى يقال له الفاسق الخبيث ، وهذا لا يجوز بالإجماع فكذلك
__________________
(١) (وكل ما طبت) فى أ.
(٢) من شواهد سيبويه ١ ـ ٢٥٩ وقد نسبه للأخطل.
ههنا ، وأمّا قول الشاعر : فأبيت لا حرج ولا محروم : فهو مرفوع (بلا) (كليس) ، وخبر ليس محذوف ، وتقديره ، لا حرج ولا محروم فى مكانى.
وزعم يونس بن حبيب البصرى (*) : أن (أيّهم) ، مرفوع بالابتداء. وأشدّ ، خبره ، ويعلق (لننزعنّ) عن العمل وينزله منزلة أفعال القلوب [نحو ظننت وحسبت وعملت وما أشبهها](١) ، وهذا ضعيف ، لأن هذا الفعل ليس من أفعال القلوب بشىء ؛ بل هو فعل كسائر الأفعال المؤثرة ، فينبغى ألّا يلغى ، كما يلغى غيره من سائر الأفعال المؤثرة.
وأما الكوفيون فذهبوا إلى أنّ الضمّة فى (أيّهم) ضمة إعراب ، وأنه مرفوع بالابتداء ، وأشدّ ، خبره ، وأنهما يترافعان على ما يقتضيه مذهبهم ، وأنّ (لننزعن) ملغّى لم يعمل ، فقال الفرّاء إنّما لم يعمل لأنّ معنى (لننزعنّ) (لننادينّ) ، فلم يعمل لأنه بمعنى النداء.
وذهب بعضهم إلى أنّ (أيّهم) لم يعمل فيها (لننزعنّ) ، لأنّ (أيّهم) فيها معنى الشرط والجزاء ، والشرط له صدر الكلام ، فلا يعمل فيه ما قبله.
[وذهب آخرون إلى أنّ (لننزعنّ) عمل فى (من) وما بعدها ، واكتفى الفعل بما ذكر معه كما تقول : قتلت من كلّ قتيل ، وأكلت من كلّ طعام ، فيكتفى الفعل بما ذكر معه ، فكذلك ههنا](٢). وذهب آخرون إلى أن تقدير الآية : ثم لننزعنّ من كلّ قوم شايعوا ، فينظروا أيّهم أشدّ على الرحمن عتيّا. والنظر من دلائل الاستفهام ، وهو مقدّر معه.
ولو قلت : لأنظرنّ أيّهم أشدّ ، لكان الفعل معلقا ، لأن النظر والمعرفة والعلم من أفعال القلوب ، وأفعال القلوب يسقط عملهن إذا كان بعدهن استفهام.
__________________
(*) يونس بن حبيب البصرى من أكابر النحويين ، أخذ عن أبى عمرو بن العلاء ، وأخذ عنه سيبويه ت ٨٣ ه. فى خلافة هارون الرشيد.
(١) الجملة بين القوسين ساقطة من أ.
(٢) ما بين القوسين ساقط من أ ، ونقل من ب.
وأما من قرأ : (أيّهم) بالنصب ، فإنه نصبها (بلننزعن) ، وجعلها معربة وهى لغة لبعض العرب. قال أبو عمر الجرمى (١) : خرجت من الخندق ـ يعنى خندق البصرة ـ حتى صرت إلى مكة ، لم أسمع أحدا يقول : (اضرب أيّهم أفضل) أى كلّهم ، أى ، كلهم منصوب ، وقد سمع الضم ، قال الشاعر :
إذا ما أتيت بنى مالك |
|
فسلّم على أيّهم أفضل |
بضم (أيّهم) ، فدل على أنها لغة منقولة ، وهى اللغة العالية الفصيحة ، وقد ذكرنا الكلام على (أيّهم) مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٢).
قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٧١).
إن بمعنى (ما) وتقديره ، ما أحد منكم. وأحد ، مبتدأ. ومنكم ، صفته. وواردها ، خبره.
ولا يجوز إعمال (إن) ههنا على لغة من يعملها ، لدخول حرف الاستثناء ، وهذا يبطل عمل (ما) ، فما كان مشبّها بها أولى.
قوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) (٧٤).
كم ، فى موضع نصب ب (أهلكنا) ، وتقديره ، كم قرن أهلكنا ، فحذف (قرنا) (٣) لدلالة الكلام عليه.
ورئيا ، يقرأ بالهمز وترك الهمز ، وكان من مذهب أبى عمرو ترك الهمزة الساكنة إلا فى هذا الموضع ، وقال : خفت أن يلتبس بالرّىّ من الماء ، فهمزت لأنه أريد حسن المنظر والشارة.
__________________
(١) أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمى النحوى. كان أبو عمر رفيق المازنى ، وكانا السبب فى إظهار كتاب سيبويه. ت ٢٢٥ ه.
(٢) المسألة ١٠٢ الإنصاف ٢ / ٤١٩ والقصة بألفاظها مذكورة فى الإنصاف أيضا.
(٣) (التمييز) فى ب.
وقرئ أيضا : (وريئا) على وزن (وريعا) ، بتقديم الياء على الهمزة
فمن قرأ (ورئيا) بالهمز أتى به على الأصل ، لأنه من (رأيت).
ومن قرأ : (وريّا) بغير همز ، أبدل من الهمزة ياء ، لانكسار ما قبلها لأن كل همزة ساكنة فإنها يجوز أن تقلب ياء إذا كانت قبلها كسرة ، وههنا قبلها كسرة ، جاز أن تقلب ياء ، كما قالوا فى بئر بير ، وفى ذئب ذيب ، فلما قلبت ياء ، أدغمت فى الياء التى هى لام الكلمة ، فصار (ريّا).
ومن قرأ (وريئا) على وزن (وريعا) ، فإنه قلب اللام إلى موضع العين ، واللام ياء والعين همزة ، كقولهم : قسىّ. فإذا جاز أن يقدموا اللام على الفاء فى (أشياء) وأصلها (شيئاء) ، فلأن يجوز أن يقدموا اللام على العين أولى.
وقد قرئ : أحسن أثاثا وزيّا. بالزاى المعجمة ، والزى معروف ، وأصله : زوى ، إلا أنه قلبت منه الواو ياء ، لسكونها وانكسار ما قبلها. وأما قولهم فلان يتزيّا بكذا. فأصله أن يقال : يتزوّى. إلا أنهم قالوا : يتزيّا ، بالياء لأنسهم بها فى (زىّ) ، كما قالوا : أرياح ، لأنسهم بها فى (ريح) ، وكما قالوا : أعياد ، وأصلها الواو ، لأنسهم بها فى (عيد) ، وكما قالوا : مياثيق ، وأصله الواو ، لأنسهم بها فى (ميثاق). وكقول الشاعر :
١٢٢ ـ إن ديّموا جاد وإن جادوا وبل (١)
وأصل : ديّموا ، الواو ، لأنه من الدوام ، لأنسهم بها فى (ديمة) فى حروف صالحة فكذلك ههنا.
__________________
(١) قال ابن جنى : أنشد أبو زيد :
هو الجواد ابن الجواد ابن سبل |
|
إن دوّموا جاد وإن جادوا وبل |
ورواه أيضا (ديموا) بالياء. الخصائص ١ / ٣٥٥. وسبل : فرس نجيبة فى العرب.
قوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ) (٧٥).
فليمدد ، لفظه الأمر ، ومعناه الخبر ، كما يأتى لفظ الخبر ومعناه الأمر ،
كقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ)(١)
أى ، ليرضعن. ونظائره كثيرة.
وجواب (حتّى إذا رأوا ما يوعدون) قوله تعالى :
(فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ)
وإمّا العذاب وإمّا الساعة ، انتصب العذاب والساعة على البدل من (ما) التى فى
قوله تعالى : (رَأَوْا ما يُوعَدُونَ).
قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا) (٧٧).
رأيت ، ههنا بمعنى علمت ، يتعدى إلى مفعولين. والذى وصلته ، فى موضع المفعول الأول.
وقوله تعالى : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٧٨).
فى موضع المفعول الثانى.
قوله تعالى : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) (٨٠).
تقديره ، ونرث منه ما يقول. فحذف حرف الجر فصار (نرثه).
قوله تعالى : (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) (٨٢).
__________________
(١) ٢٣٣ سورة البقرة.
عبادة ، مصدر يجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل ، ويجوز أن يكون مضافا إلى المفعول ، فإن كان مضافا إلى الفاعل كان تقديره ، سيكفر المشركون بعبادتهم الأصنام ، كقوله تعالى : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ)(١).
وإن كان مضافا إلى المفعول كان تقديره ، ستكفر الأصنام بعبادتهم المشركون. والمصدر تارة يضاف إلى الفاعل ، وتارة يضاف إلى المفعول وقد ذكرنا ذلك فى غير موضع.
قوله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) (٨٥).
يوم ، منصوب على الظرف والعامل فيه وجهان ، أحدهما : أن يكون العامل (لا يملكون) ، وتقديره ، لا يملكون فى يوم نحشر. والثانى : أن يكون العامل فيه (نعدّ) فى قوله تعالى : (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا).
ووفدا ، منصوب على الحال ، أى وافدين. ووفد واحدهم وافد ، كصحب واحدهم صاحب ، وركب واحدهم راكب ، وهو اسم للجمع وليس بتكسير وافد وصاحب وراكب ، كقولهم فى تصغيره ، وفيد وصحيب وركيب ، كقول الشاعر :
١٢٣ ـ بنيته بعصبة من ماليا |
|
أخشى رجيلا أو ركيبا غاديا (٢) |
ولو كان تكسيرا ، لردّ إلى الواحد ، وجمع بالواو والنون وقيل : صويحبون ورويكبون. فلما قيل : صحيب وركيب ، دل على أنه اسم للجمع وليس بتكسير.
قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٨٧).
__________________
(١) ٢٣ سورة الأنعام. والكلمة (ربنا) ساقطة من أوب.
(٢) اللسان مادة (رجل) ، شرح الشافية ، خزانة الأدب ٢ / ٢٠٢. وهو لأحيحة ابن الجلاح.
من ، فى موضعه وجهان ، الرفع والنصب ، فالرفع على البدل من الواو (١) فى (يملكون) ، والنصب على الاستثناء المنقطع.
قوله تعالى : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا* تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) (٨٩ ، ٩٠ ، ٩١).
تكاد السموات يتفطّرن منه ، كاد واسمها وخبرها فى موضع نصب على الوصف لقوله : (إدّا) ، لمكان قوله منه. وهدّا ، منصوب على المصدر. وأن دعوا للرحمن ، فى موضع نصب على المفعول له ، وتقديره ، وتخرّ الجبال هدّا لأن دعوا للرحمن ولدا.
قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (٩٣).
كلّ ، مرفوع لأنه مبتدأ. وآتى ، خبره.
ووحّده حملا على لفظ (كلّ) ، لأن فيه إفرادا لفظيا وجمعا معنويا ، فتقول : كلّ القوم ضربته ، بالإفراد حملا على اللفظ. وكلّ القوم ضربتهم بالجمع ، حملا على المعنى. ومنه قوله تعالى :
(وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)(٢) ، فقال أتوه بالجمع حملا على المعنى.
وعبدا ، منصوب على الحال من المضمر فى (آتى) ، والعامل فيه (آتى) ، وهو اسم فاعل من (أتى) يقال : أتى فهو آت.
وكذلك كل ما جاء على فعل بفتح العين ، فاسم الفاعل منه يجىء على هذا الوزن ، سواء أكان صحيحا أو معتلا ، نحو : ذهب فهو ذاهب ، وضرب فهو ضارب ، ومضى فهو ماض ، وغزا فهو غاز.
__________________
(١) (من الواو) ساقطة من أ.
(٢) ٨٧ سورة النمل.
غريب إعراب سورة طه
قوله تعالى : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) (٢ ، ٣).
ما أنزلنا ، يحتمل وجهين. أحدهما : أن يكون جواب القسم ، لأنّ قوله تعالى :
(طه) ، جار مجرى القسم. الثانى : أن يكون (طه) بمعنى يا رجل على ما جاء فى التفسير ، فيكون التقدير ، يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن.
وتذكرة ، منصوب على الاستثناء المنقطع ، لأنّ التذكرة ليس من الشقوة فى شىء.
وتنزيلا ، منصوب على المصدر.
قوله تعالى : (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (٧).
أى ، وأخفى من السّرّ ، كقولهم : الله أكبر أى ، أكبر من كلّ شىء.
قوله تعالى : (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (١١ ، ١٢).
إنّى ، يقرأ بفتح الهمزة وكسرها.
فمن قرأ بفتحها ، فلوقوع (نودى) عليها ، وتقديره ، نودى يا موسى بأنّى. فحذف الياء تخفيفا.
ومن قرأ بكسر الهمزة فعلى الابتداء ، لأنّ النداء فى معنى القول ، و (إنّ) تكسر بعد القول لأنها فى تقدير الابتداء.
وطوى ، يقرأ بتنوين وغير تنوين.
فمن نوّن جعله منصرفا اسما للمكان غير معدول ، كجعل وصرد وحرد.
ومن لم ينوّن جعله غير منصرف لوجهين. أحدهما : أن يكون غير منصرف للتأنيث والتعريف. والثانى : أن يكون غير منصرف للتعريف والعدل عن (طاو) ، كما عدل : عمر ، وجشم ، وقثم ، وثقل عن عامر وجاشم وقائم وثاقل ، وهو فى موضع جر على البدل من الوادى فى كلا الوجهين.
قوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (١٤).
يجوز أن يكون (ذكر) مضافا إلى المفعول ، أى ، لتذكرنى ، ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل ، أى ، لأذكرك ، وإضافة المصدر إلى المفعول والفاعل كثير فى كتاب الله تعالى وكلام العرب.
قوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ) (١٥).
أخفيها ، فيه وجهان. أحدهما : أن تكون الهمزة فيه همزة السّلب ، أى : أريد إخفاءها ، كما تقول : أشكيت الرجل ، إذا أزلت شكايته ، وأعجمت الكتاب ، إذا أزلت عجمته. والثانى : أن يكون المعنى ، إنّ الساعة أكاد أخفيها عن نفسى فكيف أظهرها لكم.
واللام فى (لتجزى) متعلقة ب (أخفيها).
ويحكى عن أبى الحسن الأخفش أنه كان يقف وقفة لطيفة على قوله : (أكاد) ، ثم يبتدئ ويقرأ : أخفيها لتجزى كلّ نفس ، فكأنه إنما وقف تلك الوقفة ، ليبيّن لك أن اللام من قوله : (لتجزى) ، تتعلق ب (أخفيها) ، لا ب (آتية).
وكان أبو حاتم السجستانى يجعل هذه اللام لام القسم ، وقد قدمنا ذكر ذلك.
قوله تعالى : (وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى) (١٦).
يجوز أن يكون (تردى) ، فى موضع نصب ورفع.
فالنصب على أنه جواب النّهى بالفاء ، بتقدير (أن) كقوله تعالى :
(لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)(١).
والرفع على تقدير ، فإذا أنت تردى. فإنّ مثل هذه الأجوبة ، يجوز فيها النصب والرفع ، كقوله :
(فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى)(٢).
فأطّلع. وقوله تعالى :
(يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ)(٣) ، وأفوز بالنصب والرفع إلى غير ذلك من المواضع.
قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (١٧).
ما ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ. وتلك ، خبر المبتدأ. وبيمينك ، فى موضع نصب على الحال ، وتقديره ، ما تلك كائنة بيمينك. كقوله تعالى :
(وَسارَ بِأَهْلِهِ)(٤) ، أى ، سار غير منفرد.
وذهب الكوفيون إلى أنّ (ما) فى موضع رفع بالابتداء. وتلك ، بمعنى التى ،
__________________
(١) ٨١ سورة طه.
(٢) ٣٧ سورة غافر.
(٣) ٧٣ سورة النساء.
(٤) ٢٩ سورة القصص. و (سار بأهلك) فى ا.