أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]
المحقق: علي اكبر الغفّاري
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٤٦
باب
* (فضل السخاء والجود) *
١٧٠٧ ـ قال الصادق عليهالسلام : « خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم ، ومن خالص الايمان البر بالاخوان ، والسعي في حوائجهم ، وإن البار بالاخوان ليحبه الرحمن ، وفي ذلك مرغمة الشيطان ، وتزحزح عن النيران (١) ، ودخول الجنان ، ثم قال لجميل : يا جميل أخبر بهذا غرر أصحابك (٢) ، قلت : جعلت فداك من غرر أصحابي؟ قال : هم البارون بالاخوان في العسر واليسر ، ثم قال : يا جميل أما إن صاحب الكثير يهون عليه ذلك ، وقد مدح الله عزوجل في ذلك صاحب القليل ، فقال في كتابه » ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
١٧٠٨ ـ وقال عليهالسلام : « شاب سخي مرهق في الذنوب (٣) أحب إلى الله عزو جل من شيخ عابد بخيل ».
١٧٠٩ ـ وروي « أن الله عزوجل أوحى إلى موسى أن لا تقتل السامري فإنه سخي ». (٤)
__________________
(١) « مرغمة » ـ بفتح الميم مصدر ، وبكسرها ـ اسم آلة من الرغام ـ بفتح الراء ـ بمعنى التراب. والتزحزح : التباعد (الوافي) والخبر رواه الكليني باسناده عن سهل بن زياد عمن حدثه عن جميل بن دراج قال : « سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول ـ الخبر ».
(٢) « غرر » بالغين المعجمة والمهملتين ـ النجباء جمع الأغر. وفى بعض النسخ هنا وما يأتي بالعين المهملة والزاءين المعجمتين ـ جمع العزيز.
(٣) المرهق : المفرط في الشر ومرتكب المحارم. وفى القاموس الرهق ـ محركة ـ : السفه وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم.
(٤) رواه الكليني ج ٤ ص ٤١ عن علي بن إبراهيم رفعه قال : « أوحى الله عزوجل إلى موسى عليهالسلام ـ الخ ».
١٧١٠ ـ وقال النبي صلىاللهعليهوآله : « من أدى ما افترض الله عليه فهو أسخى الناس ». (١)
١٧١١ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة؟ أنفق ولا تخف فقرا ، وأنصف الناس من نفسك (٢) ، وافش السلام في العالم (٣) واترك المراء وإن كنت محقا » (٤).
١٧١٢ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة ». (٥) وقال الله عزوجل : « وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين » (٦).
١٧١٣ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « في قول الله عزوجل : « كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم » (٧) قال : هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله عزوجل بخلا ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله عزوجل أو بمعصية الله ، فان عمل فيه بطاعة الله (٨) رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له ، وإن كان عمل فيه بمعصية الله عزوجل (٩) قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله عزوجل ».
١٧١٤ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ليس البخيل من أدى الزكاة المفروضة من
__________________
(١) أي بالنسبة إلى من لم يؤد وان أعطى المال الكثير في غير موقعه لما مر وسيجئ.
(٢) أي كن حكما على نفسك فيما كان بينك وبين الناس وارض لهم ما ترضى لنفسك ، وأكره لهم ما تكره لها.
(٣) أي سلم على من لقيت من إخوانك جهارا.
(٤) المراء : الجدال ، أي اترك الجدال في الكلام وإن كان الحق لك. والخبر مروى في الكافي بسند فيه ضعف ج ٤ ص ٤٤ عن معاوية بن وهب عن الصادق عليهالسلام.
(٥) الخلف ـ بفتح المعجمة واللام ـ : العوض. وقوله « سخت » أي جادت وفى بعض نسخ الكافي « سمحت ».
(٦) من كلام المؤلف ـ رحمهالله ـ كما يظهر من الكافي.
(٧) الحسرات جمع الحسرة وهي أشد الندامة.
(٨) في الكافي « أو في معصية الله فان عمل به في طاعة الله ـ الخ ».
(٩) في بعض النسخ والكافي « وإن كان عمل به في معصية الله ».
ماله وأعطى البائنة في قومه (١) إنما البخيل حق البخيل من لم يؤد الزكاة المفروضة من ماله ولم يعط البائنة في قومه ، وهو يبذر فيما سوى ذلك ».
١٧١٥ ـ وروي عن الفضل بن أبي قرة السمندي أنه قال : « قال لي أبو ـ عبد الله عليهالسلام : أتدري من الشحيح؟ قلت : هو البخيل ، فقال : الشح أشد من البخل إن البخيل يبخل بما في يده ، والشحيح يشح بما في أيدي الناس وعلى ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام ، ولا يقنع بما رزقه الله عزوجل ».
١٧١٦ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ما محق الاسلام محق الشح شئ ، ثم قال : إن لهذا الشح دبيبا كدبيب النمل ، وشعبا كشعب الشرك ». (٢)
١٧١٧ ـ وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « إذا لم يكن لله عزوجل في العبد حاجة ابتلاه بالبخل ». (٣)
١٧١٨ ـ « وسمع أمير المؤمنين عليهالسلام رجلا يقول : الشحيح أعذر من الظالم (٤) فقال له : كذبت إن الظالم قد يتوب ويستغفر ويرد الظلامة على أهلها ، والشحيح إذا شح منع الزكاة ، والصدقة ، وصلة الرحم ، وإقراء الضيف (٥) والنفقة في سبيل الله
__________________
(١) البائنة العطية ، سميت بها لأنها أبينت من المال (الوافي) وفى القاموس البائنة فاعلة من البين بمعنى البينونة جعلت اسما للعطية لأنها أبينت من المال.
(٢) الدبيب : المشي اللين أي حركة خفيفة لا تحس ، والشرك ـ محركة ـ : حبائل الصيد. وقرأه الفاضل التفرشي بكسر الشين المعجمة وكسر الراء وتكلف في توجيهه بما لا يحتاج إليه.
(٣) أي إذا كان غير منظور إليه ولم يكن أهلا للهدايات والتوفيقات منع عنه اللطف فاستولى عليه الشيطان وزين له البخل.
(٤) أي عذره أشد وأكثر من عذر الظالم.
(٥) اقراء الضيف : ضيافته وخدمته والاحسان إليه. هذه الأخبار كلها مروية في الكافي مسندة ج ٤ ص ٤٤ و ٤٥.
عزوجل وأبواب البر ، وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح ».
١٧١٩ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « المنجيات إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام ».
[فضل القصد]
١٧٢٠ ـ وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام : « ما عال امرء في اقتصاد » (١) ١٧٢١ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر ». (٢) وقال الله عزوجل : « يسألونك ماذا ينفقون قل العفو » والعفو الوسط (٣).
وقال الله عزوجل : « والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما » والقوام الوسط.
باب
* (فضل سقى الماء) *
١٧٢٢ ـ قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « أول ما يبدأ به في الآخرة صدقة الماء ـ يعني في الاجر ـ ».
١٧٢٣ ـ وقال أبو جعفر عليهالسلام : « إن الله تبارك وتعالى يحب إبراد الكبد الحري (٤) ، ومن سقى كبدا حرى من بهيمة أو غيرها أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ».
١٧٢٤ ـ وروى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة ، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان
__________________
(١) العيلة والعالة : الفاقة ، أي ما افتقر أحد إذا اقتصد في أمر معاشه. والخبر رواه الكليني ج ٤ ص ٥٣ مسندا وكذا الذي قبله.
(٢) مروى في الكافي مسندا عن مدرك بن أبي الهزهاز عنه (ع).
(٣) كما في مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليهالسلام « في قول الله تعالى » و يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو « قال : العفو الوسط » (الكافي ج ٤ ص ٥٢)
(٤) في القاموس : الحران العطشان ، والأنثى حرى مثل عطشى.
كمن أحيا نفسا ، ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا ». (١)
باب
* (ثواب اصطناع المعروف إلى العلوية) *
١٧٢٥ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافيته يوم القيامة ».
١٧٢٦ ـ وقال عليهالسلام : « إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا : رجل نصر ذريتي ، ورجل بذل ماله لذريتي عند الضيق ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب ، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا ». (٢)
١٧٢٧ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أيها الخلائق أنصتوا فإن محمدا يكلمكم فتنصت الخلائق فيقوم النبي صلىاللهعليهوآله فيقول : يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى أكافيه ، فيقولون : بآبائنا وأمهاتنا وأي يد وأي منة وأي معروف لنا ، بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق ، فيقول لهم : بلى من آوى أحدا من أهل بيتي أو برهم أو كساهم من عرى أو أشبع جائعهم فليقم حتى أكافيه ، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك ، فيأتي النداء من عند الله عزوجل : يا محمد يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك فأسكنهم من الجنة حيث شئت ، قال : فيسكنهم في الوسيلة (٣) حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ».
__________________
(١) هذه الأخبار الثلاثة في الباب مروية في الكافي ج ٣ ص ٥٧ مسندة.
(٢) التشريد : الطرد والتفريق ، والخبر مروى في الكافي وفيه « ورجل يسعى في حوائج ذريتي ـ الخ ».
(٣) الوسيلة والواسلة : المنزلة عند الملك والدرجة والقربة (القاموس) وفى معاني الأخبار ص ١١٦ في حديث طويل عن النبي (ص) قال : « الوسيلة هي درجتي في الجنة وهي ألف مرقاة ـ الخ »
باب
* (فضل الصدقة) *
١٧٢٨ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله ».
١٧٢٩ ـ وقال أبو جعفر عليهالسلام : « البر والصدقة ينفيان الفقر ، ويزيدان في العمر ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء ».
١٧٣٠ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « داووا مرضاكم بالصدقة ، وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة ، فإنها تفك من بين لحيي سبعمائة شيطان (١). وليس شئ أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد » (٢).
١٧٣١ ـ وقال عليهالسلام : « الصدقة باليد تقي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء وتفك عن لحيي سبعين شيطانا كلهم يأمره أن لا يفعل ».
١٧٣٢ ـ وقال عليهالسلام : « يستحب للمريض أن يعطي السائل بيده ، ويأمر السائل أن يدعو له ».
__________________
(١) قال بعض الشراح : كأن الصدقة دخلت في أفواههم باعتبار منعهم عنها بالوجوه الباطلة فبعضهم يقول لا تتصدق فإنك تصير فقيرا ، وبعضهم يقول : لا تتصدق فإنك أحوج منه ، أو أن السائل غير مستحق ، أو تصدق على آخر أحوج منه ـ انتهى. أقول يمكن أن يقرأ « تفك » بصيغة المعلوم فالمعنى أن الصدقة تفك الرزق من بين لحيى سبعمائة شيطان كلهم يمنعون وصوله إليك ، أو بصيغة المجهول أي الصدقة تخرج من بين لحيى سبعمائة شيطان فيكون كناية عن كونها شاقة على النفس وحينئذ يكون تعليلا للجملة السابقة. وأصل الفك الفصل بين الشيئين وتخليص بعضهما من بعض كما في النهاية.
(٢) كناية عن قبوله تعالى ، ولعله إشارة إلى قوله تعالى : « أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ».
١٧٣٣ ـ وقال عليهالسلام : « باكروا بالصدقة (١) فإن البلايا لا تتخطاها (٢) ومن تصدق بصدقة أول النهار دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم ، فإن تصدق أول الليل دفع الله عنه شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة ».
١٧٣٤ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إن الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة (٣) والحرق والغرق والهدم والجنون ، وعد عليهالسلام سبعين بابا من الشر » (٤).
١٧٣٥ ـ وقال صلىاللهعليهوآله : « صدقة السر تطفئ غضب الرب جل جلاله » (٥).
١٧٣٦ ـ وروى عمار عن الصادق عليهالسلام قال : « قال لي يا عمار الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية ، وكذلك والله العبادة في السر أفضل من العبادة في العلانية ». (٦)
١٧٣٧ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إذا طرقكم سائل ذكر بليل فلا تردوه ». (٧)
١٧٣٨ ـ وقال صلىاللهعليهوآله : « الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر (٨) وصلة الاخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين ».
__________________
(١) أي ابتدؤوا النهار بالصدقة أو تصدقوا في أوله. وفى الكافي « بكروا » بتشديد الكاف.
(٢) أي ان البلايا لا تتجاوز الصدقة بل هي تسدها وتمنعها وحالت بين صاحبها وبين البلايا.
(٣) الدبيلة ـ كجهينة مصغرة ـ : الطاعون والخراج ودمل يظهر في البطن فيقتل.
(٤) في الكافي ج ٤ ص ٥ « سبعين بابا من السوء » وهو أصوب.
(٥) غضبة تعالى كناية عن العذاب والا فهو سبحانه منزه عن أن يكون محلا للحوادث.
(٦) في المحكى عن دروس الشهيد ـ رحمهالله ـ الصدقة سرا أفضل الا أن يتهم بترك المواساة ، أو يقصد اقتداء غيره به ، اما الواجبة فاظهارها أفضل مطلقا.
(٧) « طرقكم » أي نزل عليكم ، وطرق فلان طروقا إذا جاء بليل.
(٨) وجه تفضيل القرض هو أن الصدقة تقع أحيانا في يد غير المحتاج والقرض غالبا لا يقع الا في يد المحتاج. وقيل : إنما جعل الله جزاء الحسنة عشر أمثالها والقرض حسنة فإذا أخذ المقرض ما أعطاه قرضا فكأنه أخذ من العشر واحدة وبقيت له عند الله تسعة ووعد الله سبحانه أن يضاعفها له في قوله « فيضاعفه له » فتصير ثمانية عشر.
١٧٣٩ ـ وسئل عليهالسلام « أي الصدقة أفضل؟ قال : على ذي الرحم الكاشح » (١).
١٧٤٠ ـ وقال عليهالسلام : « لا صدقة وذو رحم محتاج » (٢).
١٧٤١ ـ قال عليهالسلام « ملعون ملعون من ألقى كله على الناس (٣) ملعون ملعون من ضيع من يعول » (٤).
١٧٤٢ ـ وقال أبو الحسن الرضا عليهالسلام : « ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته ». (٥)
١٧٤٣ ـ وسئل الصادق عليهالسلام « عن السائل يسأل ولا يدرى ما هو؟ فقال : أعط من وقعت في قلبك الرحمة له ، وقال : اعطه دون الدرهم ، قلت : أكثر ما يعطى؟ قال أربعة دوانيق » (٦).
١٧٤٤ ـ وروى الوصافي عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « كان فيما ناجى الله عزو جل به موسى عليهالسلام أن قال : يا موسى أكرم السائل ببذل يسير ، أو برد جميل إنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان ملائكة من ملائكة الرحمن يبلونك فيما خولتك و يسألونك مما نولتك (٧) فانظر كيف أنت صانع يا ابن عمران ».
__________________
(١) في النهاية « الكاشح » : العدو الذي يضمر لك عداوته ويطوي عليها كشحه أي باطنه وذلك لان الاخلاص فيها أتم بخلاف ذي المحبة.
(٢) حمل على الصدقة الكاملة أي لا صدقة كاملة.
(٣) الكل ـ بالفتح ـ : الثقل والعيال والمراد قوته وقوت عياله.
(٤) أي تركهم مهملين بلا قوت ولا نفقة.
(٥) مروى في الكافي باسناده عن معمر بن خلاد عنه عليهالسلام وفيه « كيلا يتمنوا موته وتلا هذه الآية » ويطعمون الطعام على حبه ـ الآية « وقال : الأسير عيال الرجل ينبغي للرجل إذا زيد في النعمة أن يزيد اسراءه في السعة عليهم ، ثم قال : ان فلانا أنعم الله عليه بنعمة فمنعها اسراءه وجعلها عند فلان فذهب الله بها ، وقال معمر : وكان فلان حاضرا ».
(٦) الدوانيق جمع دانق ـ كصاحب ـ : سدس الدرهم.
(٧) خوله الله عزوجل أي أعطاه متفضلا. والنوال : العطاء ، ونولته أي أعطيته نوالا.
١٧٤٥ ـ وقال عليهالسلام : « اعط السائل ولو على ظهر فرس » (١).
١٧٤٦ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لا تقطعوا على السائل مسألته (٢) فلولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من [ي] ردهم ».
١٧٤٧ ـ وروي عن الوليد بن صبيح قال : « كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فجاءه سائل فإعطاء ، ثم جاءه آخر فإعطاء ، ثم جاءه آخر فأعطاه ، ثم جاءه آخر فقال : وسع الله ، عليك ثم قال : إن رجلا لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألف درهم ثم شاء أن لا يبقي منها شيئا إلا وضعه في حق لفعل فيبقى لا مال له ، فيكون من الثلاثة الذين يرد دعاؤهم قال : قلت : من هم؟ قال : أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في [غير] (٣) وجهه ، ثم قال : يا رب ارزقني ، فيقول الرب عزوجل : ألم أرزقك؟ ورجل جلس في بيته ولا يسعى في طلب الرزق ويقول : يا رب ارزقني ، فيقول الرب عزوجل ألم أجعل لك سبيلا إلى طلب الرزق ، ورجل له امرأة تؤذيه فيقول : يا رب خلصني منها فيقول الله عزوجل : ألم أجعل أمرها بيدك ».
١٧٤٨ ـ وقال الصادق عليهالسلام في السؤال (٤) : « أطعموا ثلاثة وإن شئتم أن تزدادوا فازدادوا وإلا فقد أديتم حق يومكم ».
١٧٤٩ ـ وقال عليهالسلام : « إذا أعطيتموهم فلقنوهم الدعاء فإنه يستجاب لهم فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم ».
١٧٥٠ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « في الرجل يعطي غيره الدراهم يقسمها ، قال : يجري له من الاجر مثل ما يجري للمعطي ولا ينقص من أجره شئ ، ولو أن المعروف جرى على سبعين يدا لأوجروا كلهم من غير أن ينقص من أجر صاحبه شئ » (٥).
__________________
(١) أي ولو كان السائل على ظهر فرس أي غنيا غير فقير ، أو كنت على ظهر فرس غير متمكن حين السؤال من اعطاء شئ غير الفرس الذي أنت على ظهره. (م ح ق)
(٢) المراد بالقطع على السائل رده.
(٣) لفظة « غير » ليست في كثير من النسخ.
(٤) السؤال ـ كتجار : جمع سائل وهو الفقير.
(٥) رواه الكليني باختلاف في خبرين مسندين عن أبي نهشل وابن أبي عمير عن جميل.
١٧٥١ ـ وسئل الصادق عليهالسلام « أي الصدقة أفضل؟ قال : جهد المقل (١) أما سمعت قول الله عزوجل : « ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة » هل ترى ههنا فضلا » (٢).
١٧٥٢ ـ وقال علي بن الحسين عليهماالسلام : « ضمنت (٣) على ربي عزوجل أن لا يسأل أحد من غير حاجة إلا اضطرته المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة ».
١٧٥٣ ـ وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « اتبعوا قول رسول الله صلىاللهعليهوآله إنه قال : من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر ».
١٧٥٤ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتى يحوجه الله عزوجل إليها ويكتب له بها النار ». (٤)
١٧٥٥ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إن الله تبارك وتعالى أحب شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه ، أبغض عزوجل لخلقه المسألة (٥) وأحب لنفسه أن يسأل ، وليس شئ أحب إليه من أن يسأل ، فلا يستحيي أحدكم أن يسأل الله عزوجل من فضله ولو شسع نعل ». (٦)
١٧٥٦ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « إياكم وسؤال الناس فإنه ذل الدنيا وفقر تتعجلونه ، وحساب طويل يوم القيامة ».
__________________
(١) في النهاية « أفضل الصدقة جهد المقل » أي قدر ما يحتمله حال قليل المال.
(٢) أي هل ترى في الآية تقييدا بالفضل عما يحتاجون إليه.
(٣) ذلك على سبيل التهكم وفيه مبالغة في أن السائل بلا حاجة يصير مآله إلى الفقر.
(٤) قوله « ما من عبد » النفي راجع إلى القيد الأخير وهو الموت ، أي لا يموت عبد يسأل من غير حاجة حتى يحوجه الله تعالى (مراد) أقول : رواه الكليني في الكافي ج ٤ ص ١٩ وفيه « يثبت الله له بها النار ».
(٥) يعنى أبغض لهم أن يسألوا وذلك لان مسؤوليتهم تمنع مسؤوليته سبحانه ، وهو أحب لنفسه فأبغضها لهم. (الوافي)
(٦) الشسع ـ بكسر المعجمة وسكون المهملة وبكسرهما ـ : قبال النعل وهو زمام بين ـ الإصبع الوسطى والتي تليها.
١٧٥٧ ـ وقال أبو جعفر عليهالسلام : « لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا ».
١٧٥٨ و « جاءت فخذ من الأنصار (١) إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فسلموا عليه فرد عليهم السلام فقالوا : يا رسول الله لنا إليك حاجة ، قال : هاتوا حاجتكم ، قالوا : إنها حاجة عظيمة قال : هاتوا ما هي؟ قالوا : تضمن لنا على ربك الجنة ، فنكس صلىاللهعليهوآله رأسه ونكت في الأرض (٢) ثم رفع رأسه فقال : أفعل ذلك بكم على أن لا تسألوا أحدا شيئا قال : فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لانسان ناولنيه فرارا من المسألة فينزل فيأخذه ، ويكون على المائدة ويكون بعض الجلساء أقرب منه إلى الماء فلا يقول : ناولني حتى يقوم فيشرب ».
١٧٥٩ ـ وقال عليهالسلام : « استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك » (٣).
١٧٦٠ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « المن يهدم الصنيعة ».
١٧٦١ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إن الله تبارك وتعالى كره لي ست خصال و كرهتهن للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي العبث في الصلاة والرفث في الصوم ، والمن بعد الصدقة ، وإتيان المساجد جنبا ، والتطلع في الدور ، والضحك بين القبور ».
١٧٦٢ ـ وروي عن مسعدة بن صدقة عن الصادق عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام أن أمير المؤمنين عليهالسلام بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر البغيبغة (٤) وكان الرجل
__________________
(١) رواه الكليني باسناده عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن الصادق عليهالسلام (ج ٤ ص ٢١) والفخذ : القبيلة.
(٢) نكت في الأرض بقضيبه أي ضرب بها فأثر فيها.
(٣) الشوص ـ بالفتح ثم السكون : الغسل والتنظيف أي استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك أي بغسله وتنظيفه. ولا يقل أحد لاحد : اغسل سواكي أو نظفه.
(٤) البغيبغة ـ بباءين موحدتين وغينين معجمتين وفى الوسط ياء مثناة وفى الاخر هاء ـ : ضيعة أو عين بالمدينة كثيرة النخل لآل الرسول (ص) ، قال السمهودي في وفاء الوفاء : البغيبغة تصغير البغبغ وهي البئر القريبة الرشا ، والبغبغات عيون عملها علي بن أبي طالب عليهالسلام بينبغ
ممن يرجو نوافله ويرضى نائله ورفده (١) وكان لا يسأل عليا عليهالسلام ولا غيره شيئا ، فقال رجل لأمير المؤمنين عليهالسلام : والله ما سألك فلان شيئا ولقد كان يجزيه من الخمسة الأوساق وسق واحد ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : لأكثر الله في المؤمنين ضربك ، أعطي أنا وتبخل أنت به (٢) إذا أنا أعط الذي يرجوني إلا من بعد مسألتي ثم أعطيته بعد المسألة فلم اعطه إلا ثمن ما أخذت منه ، وذلك لأني عرضته لان يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عزوجل عند تعبده له وطلب حوائجه إليه ، فمن فعل هذا بأخيه المسلم وقد عرف أنه موضع لصلته ومعروفه فلم يصدق الله عزوجل في دعائه له (٣) حيث يتمنى له الجنة بلسانه ويبخل عليه بالحطام من ماله وذلك أن العبد قد يقول في دعائه : « الله اغفر للمؤمنين والمؤمنات » فإذا دعا له بالمغفرة فقد طلب له الجنة ، فما أنصف من فعل هذا بالقول ولم يحققه بالفعل (٤).
باب
* (ثواب صلة الإمام عليهالسلام) *
١٧٦٣ ـ سئل الصادق عليهالسلام « عن قول الله عزوجل : « من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا » قال : نزلت في صلة الإمام عليهالسلام ». (٥)
__________________
أول ما صارت إليه وتصدق بها وبلغ جذاذها في زمنه ألف وسق ومنها خيف الأراك وخيف ليلى وخيف الطاس.
(١) النوافل : العطايا ، والنائل : العطاء ، والرفد ـ بالكسر ـ : الصلة والعطاء.
(٢) « ضربك » أي مثلك ، وفى الكافي « أعطى أنا وتبخل أنت ، لله أنت ».
(٣) « فلم يصدق الله » من الصدق المتعدى إلى مفعولين. قال الله تعالى : « لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق » أي أخبره بالحق. (سلطان)
(٤) أي لم يأت بالانصاف والعدل من قال بلسانه انى أطلب له الجنة وأحب ذلك ولم يفعل باليد ما يدل على أن ما قال بلسانه كان موافقا لما في قلبه. (مراد)
(٥) رواه الكليني ج ١ ص ٥٣٧ باسناد عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليهالسلام.
١٧٦٤ ـ وقال عليهالسلام : « درهم يوصل به الامام أفضل من ألف ألف درهم ينفق في غيره في سبيل الله عزوجل ». (١)
١٧٦٥ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شعيتنا (٢) يكتب له ثواب صلتنا ، ومن لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا ».
(كتاب الصوم)
* (باب علة فرض الصيام) *
١٧٦٦ ـ سأل هشام بن الحكم أبا عبد الله عليهالسلام عن علة الصيام فقال : « إنما فرض الله عزوجل الصيام ليستوي به الغني والفقير ، وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لان الغني كلما أراد شيئا قدر عليه فأراد الله عزوجل أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والألم ليرق على الضعيف فيرحم الجائع ».
١٧٦٧ ـ وكتب أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليهالسلام إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله : « علة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا ، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة ، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات ، واعظا له في العاجل ، دليلا على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة ».
١٧٦٨ ـ وكتب حمزة بن محمد إلى أبي محمد عليهالسلام « لم فرض الله الصوم؟ فورد في الجواب ليجد الغني مس الجوع فيمن على الفقير ». (٣)
١٧٦٩ ـ وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام أنه قال : جاء نفر من
__________________
(١) في الكافي ج ١ ص ٥٣٨ وفيه « أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من وجوه البر ».
(٢) في بعض النسخ وثواب الأعمال ص ١٢٤ « صالحي موالينا ».
(٣) أي يعطى ، من عليه أي أنعم واصطنع عنده صنيعة.
اليهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أنه قال له : « لأي شئ فرض الله عزوجل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما ، وفرض الله على الأمم أكثر من ذلك؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله : إن آدم عليهالسلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش ، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزوجل عليهم وكذلك كان على آدم عليهالسلام ، ففرض الله ذلك على أمتي ، ثم تلا هذه الآية : « كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات » قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فما جزاء من صامها؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله : ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال ، أولها يذوب الحرام في جسده ، والثانية يقرب من رحمة الله عزوجل والثالثة يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه عليهالسلام ، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت ، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة ، والسادسة يعطيه الله براءة من النار ، والسابعة يطعمه الله عزوجل من طيبات الجنة ، قال : صدقت يا محمد ».
باب
* (فضل الصيام) *
١٧٧٠ ـ قال أبو جعفر عليهالسلام : « بني الاسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية » (١)
١٧٧١ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « الصوم جنة من النار » (٢).
١٧٧٢ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما
__________________
(١) المراد بالولاية معرفة الإمام الحق المنصوب من عند الله المنصوص عليه ، والتصديق بكونه ولى أمر الأمة ، مفترض الطاعة كطاعة الرسول صلىاللهعليهوآله. والولاية ـ بالكسر ـ بمعنى تولى الامر ومالكية التصرف فيه.
(٢) رواه الكليني عن علي عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة.
لم يغتب مسلما ». (١)
١٧٧٣ ـ وقال صلىاللهعليهوآله : « قال الله تبارك وتعالى : الصوم لي وأنا أجزي به (٢) ، وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربه عزوجل (٣) ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم (٤) عند الله أطيب من ريح المسك ».
١٧٧٤ ـ وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لأصحابه : « ألا أخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا : بلي يا رسول الله ، قال : الصوم يسود وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحب في الله عزوجل والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه (٥) ولكل شئ زكاة وزكاة الأبدان الصيام ».
١٧٧٥ ـ وقال الصادق عليهالسلام لعلي بن عبد العزيز : « ألا أخبرك بأصل الاسلام وفرعه وذروته وسنامه؟ قال : بلى ، قال : أصله الصلاة ، وفرعه الزكاة ، وذروته وسنامه الجهاد في سبيل الله عزوجل ، ألا أخبرك بأبواب الخير؟ الصوم جنة من النار » (٦).
__________________
(١) رواه الكليني ج ٤ ص ٦٤ باسناده عن عبد الله بن طلحة عن الصادق عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله ، ويدل على جواز النوم للصائم.
(٢) إنما خص الصوم بالله من بين سائر العبادات وبأنه جازيه مع اشتراك الكل في ذلك لكونه خالصا له وجزاؤه من عنده خاصة من غير مشاركة أحد فيه لكونه مستورا عن أعين الناس مصونا عن ثنائهم عليه. (الوافي).
(٣) فرحه عند الافطار لاشعاره بان المولى وفقه لغلبة هواه ولعدم تزلزله في اتيان ما كلف به ومجيئه مظفرا من تلك الجهاد ، وله فرح آخر وهو عند لقاء جزاء عمله بما فرض الله له.
(٤) الخلوف ـ بضم الخاء المعجمة قبل اللام ، والفاء بعد الواو : رائحة الفم ، أو الرائحة. الكريهة.
(٥) المؤازرة : المعاونة ، وقطع الدابر كناية عن الاستيصال ، والوتين : عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. (الوافي)
(٦) أي وقاية وحسن من الوقوع في كل معصية توجب دخول النار. وقال في الوافي :
١٧٧٦ ـ وقال عليهالسلام في قول الله عزوجل : « واستعينوا بالصبر والصلاة » قال : يعني بالصبر الصوم.
١٧٧٧ ـ وقال عليهالسلام : إذا نزلت بالرجل النازلة أو الشدة (١) فليصم فإن الله عزوجل يقول : « واستعينوا بالصبر والصلاة » (٢).
١٧٧٨ ـ وقال النبي صلىاللهعليهوآله : « إن الله تبارك وتعالى وكل ملائكة بالدعاء للصائمين وقال : أخبرني جبرئيل عليهالسلام عن ربه تعالى ذكره أنه قال : ما أمرت ملائكتي بالدعاء لاحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه ».
١٧٧٩ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى عليهالسلام ما يمنعك من مناجاتي؟ فقال : يا رب اجلك عن المناجاة لخلوف فم الصائم ، فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ».
١٧٨٠ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « للصائم فرحتان : فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه عزوجل ».
١٧٨١ ـ وقال عليهالسلام : « من صام لله عزوجل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر ، قال الله عزوجل : ما أطيب ريحك وروحك يا ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له ».
١٧٨٢ ـ وقال أبو الحسن الأول عليهالسلام : « قيلوا (٣) فإن الله عزوجل يطعم الصائم ويسقيه في منامه ».
١٧٨٣ ـ وقال الصادق عليهالسلام : « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب ».
__________________
لأنه يدفع حر الشهوة والغضب اللتين بهما يصلى نار جهنم في باطن الانسان في الدنيا وتبرز له في الآخرة ، كما أن الجنة تدفع عن صاحبها حر الحديد.
(١) في الكافي ج ٤ ص ٦٤ « بالرجل النازلة والشديدة ـ الخ ».
(٢) في الكافي « يقول » استعينوا بالصبر « يعنى الصيام ».
(٣) من القيلولة وهي نوم الضحى ، أمر من قال يقيل قيلولة بمعنى النوم قبل الظهر.
باب
* (وجوه الصوم) *
١٧٨٤ ـ روي عن الزهري أنه قال : قال لي علي بن الحسين عليهماالسلام يوما : يا زهري من أين جئت؟ فقلت : من المسجد ، قال : ففيم كنتم؟ قلت : تذاكرنا أمر الصوم فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شئ واجب إلا صوم شهر رمضان ، فقال : يا زهري ليس كما قلتم ، الصوم على أربعين وجها ، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان ، وعشرة أوجه منها صيامهن حرام ، وأربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر ، وصوم الاذن على ثلاثة أوجه ، وصوم التأديب ، وصوم الإباحة ، وصوم السفر والمرض ، قلت : جعلت فداك فسرهن لي.
قال : أما الواجب فصيام شهر رمضان ، وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوما من شهر رمضان عمدا متعمدا ، وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار قال الله عزوجل : « والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا (١) ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا » ، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب لقول الله عزوجل : « ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله (٢) ـ إلى قوله تعالى ـ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين » ، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام (٣) قال الله عزوجل : « فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم » فكل ذلك متتابع وليس بمتفرق ، وصيام أذى حلق
__________________
(١) « ثم يعودون » أي يريدون الوطي ونقض قولهم ، فعليهم الكفارة « من قبل أن يتماسا » أي يجامعا.
(٢) أي مدفوعة إلى أهل القتيل.
(٣) أي لم يجده مع أختيه من العتق والكسوة ، وترك للظهور. (م ت)
الرأس واجب قال عزوجل : « فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك » (١) فصاحبها فيها بالخيار فإن صام صام ثلاثا ، وصوم دم المتعة (٢) واجب لمن لم يجد الهدي قال الله تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ، وصوم جزاء الصيد واجب قال الله عزوجل : « ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما »
ثم قال : أو تدرى كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال : قلت : لا أدرى قال : يقوم الصيد قيمة ثم تفض تلك القيمة على البر ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما ، وصوم النذر واجب (٣) ، وصوم الاعتكاف واجب (٤).
وأما الصوم الحرام : فصوم يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وثلاثة أيام التشريق (٥) ، وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه ، أمرنا أن نصومه مع شعبان ونهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس (٦) ، فقلت له جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال : ينوي ليلة الشك أنه صائم من
__________________
(١) جمع نسيكة وهي الذبيحة.
(٢) أي الهدى الواجب في حج التمتع بعد العجز عنه.
(٣) الظاهر أن المراد أعم منه ومن العهد واليمين وسيجئ اطلاقه في الاخبار عليهما ولو تجوزا. (م ت)
(٤) المراد به الوجوب الشرطي بمعنى عدم تحقق الاعتكاف بدون الصوم ولا يجب أن يكون الصوم للاعتكاف فلو كان عليه قضاء رمضان وصامه في اعتكافه صح والمراد وجوب اليوم الثالث والسادس والتاسع وهكذا كل ثالث بعد اعتكافه يومين. (م ت)
(٥) أي لمن كان بمنى ، ولا خلاف في حرمة صوم أيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا والمشهور التحريم لمن كان فيها وان لم يكن ناسكا.
(٦) الظاهر أن المراد بصيامه أن ينويه من رمضان من بين سائر الناس من غير أن يصح عند الناس أنه منه. (المرآة)
شعبان فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه ، وإن كان من شعبان لم يضره ، فقلت له : وكيف يجزي صوم تطوع عن صوم فريضة؟ فقال : لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يدري ولا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه ، لان الفرض إنما وقع على اليوم بعينه (١) ، وصوم الوصال حرام ، وصوم الصمت حرام (٢) ، وصوم نذر المعصية حرام (٣) ، وصوم الدهر حرام (٤).
__________________
(١) أي أن الفرض أنما وقع على اليوم بعينه سواء نواه بقصد الواجب أو المندوب أو لم يقصدهما كما أنه لو صام يوما من شهر رمضان ندبا لأجزأ عنه إذا كان جاهلا ولو كان نية التعيين شرطا لما أجزأ عنه ، أو لان الفرض على اليوم بعينه ونية التعيين واجب مع العلم واما مع الجهل فلا لأنه لا ريب أنه لو غفل عن نية التعيين في يوم بعينه ونواه ندبا أجزأ عن رمضان فكذا يوم الشك لأنه لا يعلم أنه من رمضان فإذا نواه من شعبان فانكشف أنه كان من رمضان أجزأ عنه والمعتمد قوله عليهالسلام لا استدلاله وهذه الاستدلالات كانت لاشكالات العامة. (م ت)
(٢) ذهب الشيخ ـ رحمهالله ـ في النهاية وأكثر الأصحاب إلى أن صوم الوصال هو أن ينوى صوم يوم وليلة إلى السحر ، وذهب هو في الاقتصاد وابن إدريس إلى أن معناه أن يصوم يومين مع ليلة بينهما ، وإنما يحرم تأخير العشاء إلى السحر إذا نوى كونه جزءا من الصوم أما لو أخره الصائم بغير نية فإنه لا يحرم فيها ، قطع به الأصحاب والاحتياط يقتضى اجتناب ذلك ، واما صوم الصمت فهو أن ينوى الصوم ساكتا وقد أجمع الأصحاب على تحريمه. (المرآة)
(٣) هو أن يصوم بنذره على ترك الطاعة أو فعل المعصية شكرا أو عكسهما جزاء. (م ت)
(٤) حرمة صوم الدهر اما لاشتماله على الأيام المحرمة إن كان المراد كل السنة ، وإن كان المراد ما سوى الأيام المحرمة فلعله إنما يحرم إذا صام على الاعتقاد أنه سنة مؤكدة فإنه يقتضى الافتراء على الله تعالى : ويمكن حمله على الكراهة أو التقية لاشتهار الخبر بهذا المضنون بين العامة قال المطرزي في المغرب : وفى الحديث انه عليهالسلام « سئل عن صوم الدهر فقال : لا صام ولا أفطر » قيل إنما دعا عليه لئلا يعتقد فريضته ولئلا يعجز فيترك الاخلاص أو لئلا يرد صيام السنة كلها فلا يفطر في الأيام المنهى عنها ـ انتهى ، وقال الجزري في النهاية في الحديث انه « سئل عمن يصوم الدهر فقال لا صام ولا أفطر » أي لم يصم ولم يفطر كقوله تعالى : « فلا صدق ولا صلى » وهو احباط لاجره على صومه حيث خالف السنة ، وقيل : دعاء عليه كراهة لصنيعه. (المرآة)
وأما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار (١) فصوم يوم الجمعة ، والخميس ، والاثنين وصوم البيض (٢) ، وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان (٣) ، وصوم يوم عرفة ، ويوم عاشورا كل ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر.
وأما صوم الاذن فإن المرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها (٤) ، والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن سيده ، والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا باذنهم ».
وأما صوم التأديب فإنه يؤمر الصبي إذا راهق (٥) بالصوم تأديبا وليس بفرض ، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بعد ذلك امر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض ، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله
__________________
(١) معنى كون صاحب الصوم بالخيار أن ليس شئ من الصوم تركه ممنوعا لكنه لابد من كون الفعل راجحا على الترك (مراد) وقال المولى المجلسي ـ رحمهالله ـ : أي يجوز له الافطار بعد الشروع فيه أولا يجب صومه.
(٢) هو اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لبياض الليالي فيها مع الأيام ، أو لابيضاض جسد آدم عليهالسلام لصيامها. (م ت)
(٣) استحباب صيامها مشهور بين العامة وروى من طرقهم أن من صامها بعد شهر رمضان فكأنما صام الدهر لقوله تعالى « من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها » ولو صامها بعد يومين أو ثلاثة بعد العيد فهو أفضل لما سيجئ. (م ت)
(٤) المشهور بين الأصحاب بل المتفق عليه بينهم أنه لا يجوز صوم المرأة ندبا مع نهى زوجها عنه والمشهور أيضا عدم الجواز مع عدم الإذن. (المرآة)
(٥) راهق الغلام مراهقة : قارب الاحتلام ولم يحتلم بعد (المصباح المنير) وفى المحكى عن الفاضل الاسترآبادي أنه قال : اشتهر بين المتأخرين خلاف من غير فيصل وهو أن عبادات الصبي المميز تمرينية يعنى صورتها صورة الصلاة والصوم مثلا وليست بعبادة ، أو عبادة فلو نوى النيابة عن الميت لبرئت ذمة الميت ، وجعله عليهالسلام صوم الصبي قسيما للصوم الذي صاحبه بالخيار فيه صريح في أن صوم الصبي ليس بعبادة ويؤيد ذلك أن نظائره مطلوبة وليست بصوم بل صورتها صورة الصوم.