تفسير الصراط المستقيم - ج ١

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: الصدر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٠

وردوهم ورود الهيم العطاش (١) ، أيّها الناس! خذوها عن خاتم النبيين (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، إنّه يموت من مات منّا وليس بميّت (٢) ، ويبلى من بلي منّا وليس ببال ، فلا تقولوا ما لا تعرفون ، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون ، واعذروا من لا حجّة لكم عليه وأنا هو ، ألم أعمل فيكم بالثّقل الأكبر وأترك فيكم الثّقل الأصغر وركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام (٣).

قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه ما لفظه : وعترة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أهله الأدنون ونسله ، وليس بصحيح قول من قال : إنّه رهطه وإن بعدوا ، وإنّما قال أبو بكر يوم السقيفة أو بعده : «نحن عترة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وبيضته التي تفقأت عنه» على طريق المجاز لأنّهم بالنسبة عترة له لا في الحقيقة ، ألا ترى أنّ العدناني يفاخر القحطاني فيقول له : أنا ابن عمّ رسول الله ليس يعني أنّه ابن عمّه على الحقيقة لكّنه بالإضافة الى القحطان ابن عمّه وإنّما استعمل ذلك ونطق به مجازا وإن قدّر مقدّر له على طريق حذف المضاف أي ابن ابن عمّ أب الأب الى عدد كثير في البنين والآباء فلذلك أراد أبو بكر أنّهم عترة أجداده على طريق حذف المضاف وقد بيّن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عترته من هي لمّا قال (عليه‌السلام): إنّي تارك فيكم الثقلين فقال عترتي أهل بيتي.

وبيّن في مقام آخر من أهل بيته حين طرح عليهم كساء وقال حين نزلت (إِنَّما

__________________

(١) وردوهم .. الى آخره ، أي هلمّوا الى بحار علومهم مسرعين كما تسرع الهيم (أي : الإبل العطشى) الى الماء.

(٢) خذوها الى ... وليس بميت ، أي خذوا هذه القضية عن النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وهي «أنه يموت الميت من أهل البيت وهو في الحقيقة غير ميّت» لبقاء روحه ساطعة النور في عالم الظهور.

(٣) نهج البلاغة الخطبة : ٨٥.

٣٠١

يُرِيدُ اللهُ ..) الآية : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس.

قال : فإن قلت : فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بهذا الكلام؟.

قلت : نفسه وولداه ، والأصل في الحقيقة نفسه لأنّ ولديه تابعان له ونسبتهما إليه مع وجوده نسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة وقد نبّه النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) على ذلك بقوله : وأبوكما خير منكما.

الى أن قال : إنّ قوله (عليه‌السلام): «فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن» تحته سرّ عظيم وذلك أنّه أمر المكلّفين بأن يجروا العترة في إجلالها وإعظامها والانقياد لها والطاعة لأوامرها مجرى القرآن.

قال : فإن قلت : هذا القول منه مشعر بأنّ العترة معصومة ، فما قول أصحابكم في ذلك؟

قلت : نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب «الكفاية» على أنّ عليّا معصوم وإن لم يكن واجب العصمة ولا العصمة شرط في الإمامة ولكن أدلّة النصوص دلّت على باطنه ومغيبه وأنّ ذلك أمر اختصّ هو به دون غيره من الصّحابة ، والفرق ظاهر بين قولنا زيد معصوم وزيد واجب العصمة لأنّه إمام ومن شرط الإمام أن يكون معصوما ، فالاعتبار الأوّل مذهبنا والإعتبار الثاني مذهب الإماميّة (١).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج ٢ ص ١٢٦ ط. مصر.

٣٠٢

الباب الرابع

في أسماء القرآن وحدوثه وكيفية الوحي والإلهام والسماع

والكتابة والفرق بينه وبين الحديث القدسي والبحث عن كيفية

الخطابات الواردة فيه وشمولها للغائبين والمعدومين

وفيه فصول :

٣٠٣

٣٠٤

الفصل الأوّل

في أسمائه وألقابه

أعلم أنّ الشيء كلّما كثرت شئونه وآثاره وتجلّت أشعّته وأنواره تعدّدت أسمائه وألقابه ، فهذا النّور اللّامع ، والضياء الساطع ، والكتاب المبين ، وحبل الله المتين ، والماء المعين ، والمنهج القويم ، والصراط المستقيم لمّا كان مطلع أنوار العناية والهداية ومنبع أسرار النبوة والولاية أشرقت تجلّيات أنواره على أفق التشريع والتكوين ، وظهر من رشحات لمعات أشعّته جميع العالمين ولذا تكثّرت أسمائه الشريفة وتعدّدت ألقابه المنيفة ونحن نكتفي في الإشارة إليها بالإجمال عن التفصيل حذرا من التطويل.

فمنها القرآن الّذي قيل : إنّه غير مشتقّ كالتوراة والإنجيل إلّا أنّ الأظهر الأشهر اشتقاقه ، فإنّه في الأصل مصدر ثالث لقرء كمنع أو نصر على ما قيل يقرء قرأ بالفتح وقراءة بالكسر وقرأنا بالضمّ بمعنى الجمع أو التبليغ أو التلاوة.

قال في القاموس : القرآن التنزيل قرأه وبه كنصره ومنعه قرأ وقراءة وقرأنا فهو قارئ من قرأة وقرّاء وقارءين تلاه.

الى أن قال : وقرأت الناقة حملت والشيء جمعه وضمّه (١).

__________________

(١) تاج العروس ج ١ ص ١٠١.

٣٠٥

وفي «المصباح المنير» قرأت أمّ الكتاب وبأمّ الكتاب يتعدّى بنفسه وبالباء قراءة وقرآنا استعمل القرآن اسما مثل الشكران والكفران ، وإذا أطلق انصرف شرعا الى المعنى القائم بالنفس ولغة الى الحروف المقطّعة لأنّها هي التي تقرء نحو كتبت القرآن ومسسته ، والفاعل قارئ والجمع قرأة وقرّاء وقارءون ، مثل كافر وكفرة وكفّار وكافرون.

وفي «مجمع البحرين» : القرآن اسم لكتاب الله تعالى خاصّة لا يسمّى به غيره ، وإنّما سمّي قرآنا لأنّه يجمع السور ويضمّها ، وقيل : لأنّه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسّور بعضها الى بعض ، وهو مصدر كالغفران والكفران ، يقال فلان يقرء قرآنا حسنا أي قراءة حسنة (١).

قلت : فقد اتّضح من هذا أنّه في الأصل مصدر ، بل قد ورد إطلاقه على المعنى المصدري أيضا كقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (٢) ، أي جمعه وتلاوته ولو على لسان جبرئيل أو غيره من مبلّغي الوحي أو بخلق الأصوات والحروف أو إنّ علينا جمعه في صدرك وإثبات قراءته في لسانك (٣) ، فإذا قرأناه يعني بلسان جبرئيل أو بأحد الوجوه المتقدّمة فاتّبع قرآنه أي قراءته وتلاوته.

ثمّ إنّه غلب شرعا أو متشرّعا أو عرفا على هذا المعجز الباقي على مرّ الدّهور باعتبار شيء من الوجوه الآتية الّتي منها كونه متلوّا أو مجمعا للسور أو الآيات أو الكلمات أو الحروف ، ولذا يصدق على كلّ آية وسورة بل على كلّ كلمة متميّزة

__________________

(١) مجمع البحرين ص ٦٧.

(٢) القيامة : ١٧ ـ ١٨.

(٣) مجمع البحرين ص ٦٧.

٣٠٦

لذلك شخصا أو قصدا أيضا وقد قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لغير واحد من الصّحابة : قد أنزل الله فيك قرآنا يريد آية أو أكثر أو سورة.

والبحث في أنّ إطلاقه على الآية أو السورة حقيقة باعتبار وضعه للكلام المنزل للإعجاز ، فيطلق على القليل والكثير المهية في ضمن الجميع ، بمعنى أنّه أيّ فرد أخذ منه فهو فرد منها وإنّ تحقّقت في ضمن أبعاضه أيضا أو أنّه مجاز من باب إطلاق الكلّ على الجزء لأنّه موضوع لما بين الدفتين أو لجميع ما نزل للإعجاز على خاتم الأنبياء (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أو أنّه حقيقة من وجه ومجاز من وجه آخر ، باعتبار أنّ له وضعين من وجهين.

هيّن جدّا لقلّة الفائدة فيه إلّا في مثل النذر وأختيه والوصيّة ونحوها ممّا يقلّ تجرّده فيه عن القرائن الدالّة على إرادة أحد الأمرين ولو باعتبار المقام أو التعليق ، وعلى فرض التجرّد فلعلّه محمول على الجميع لظهور الانسباق وقضية الإشتغال بل التبادر الذي لعلّه المستند للأكثر في القول بوضعه للمجموع.

وبالجملة فالخطب في مثله سهل ، إنّما الكلام في وجه المناسبة الملحوظة في التسمية به بعد أخذه من القرآن بالضمّ بمعنى الجمع والضمّ ، أو بالفتح بمعنى الوقت ، أو من القراءة التي هي بمعنى التلاوة أو بمعنى القرآن يعني الاقتران لكنّه يرجع الى الأوّل أو من القرينة لأنّه يفسّر بعضه بعضا أو من القري بمعنى الضيافة حيث إنّه مأدبة الله لعباده.

بالجملة فالمناسبة شيء من وجوه ككونه مجتمعا في النزول أوّل ما أنزل في عالم الأنوار على سيّد الأبرار كما ستسمع الإشارة اليه أو حيثما نزل كلّه جملة واحدة في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان الى البيت المعمور قبل أن ينزّل في هذا العالم منجّما مفرّقا في طول ثلاث وعشرين سنة فإنّه من هذا الوجه فرقان بخلاف الأوّل

٣٠٧

كما قال تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (١).

وكونه مجمعا لجميع الحقائق الإمكانيّة أو الكونيّة التشريعيّة والتكوينيّة أو لجميع السور والآيات المنزلة أو لجميع الكتب السماوية والزبر الإلهيّة كما ورد في النبويّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عنهم : أعطيت السور الطول مكان التّورية ، وأعطيت المئين مكان الإنجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزّبور ، وفضّلت بالمفصّل ثمان وستّون سورة وهو مهيمن على سائر الكتب الخبر (٢).

وكونه جملة القصص والأحكام والحلال والحرام والمواعظ والأمثال والوعد والوعيد والعذر والنذر وغيرها من تصاريف الشؤون والأحكام المنطبقة على كافة الأنام أو اشتماله على جملة وجوه الكلام من الخاص والعامّ والمحكم والمتشابه والمطلق والمقيّد والمجمل والمبيّن والناسخ والمنسوخ والأمر والنهي والظاهر والمأوّل

__________________

(١) الإسراء : ١٠٦.

(٢) الأصول من الكافي كتاب فضل القرآن حديث : ١٠.

قال الكاشاني في مقدمة الصافي بعد ذكر الحديث : أقول : اختلفت الأقوال في تفسير هذه الألفاظ أقربها الى الصواب وأحوطها لسور الكتاب أن الطول كصرد هي السبع الأول بعد الفاتحة على أن يعدّ الأنفال والبراءة واحدة لنزولهما جميعا في المغازي وتسميتهما بالقرينتين ، والمئين من بني إسرائيل الى سبع سور سمّيت بها لأنّ كلا منها على نحو مائة ، والمفصّل من سورة محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الى آخر القرآن سميت به لكثرة الفواصل بينها. والمثاني بقية السور وهي التي تقصر عن المئين وتزيد على المفصل كأن الطول جعلت مبادئ تارة والتي تلتها مثاني لها لأنّها ثنت الطول أي تلتها ، والمئين جعلت مبادئ أخرى والتي تلتها مثاني لها.

وفي شرح الكافي للمازندراني : قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): (وهو مهيمن على سائر الكتب) أي شاهد عليها ولو لا شهادته لما علم أنها كتب سماويّة لعدم بلوغها حدّ الإعجاز.

٣٠٨

وغيرها ممّا تأتي إليها الإشارة ، ولعلّه إليه يومئ ما رواه العيّاشي والقمي عن مولانا الصّادق (عليه‌السلام) قال : الفرقان هو كلّ أمر محكم والكتاب هو جملة القرآن (١).

وفي الكافي عنه (عليه‌السلام): القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به (٢).

وكونه مقروء أي متلوّا على النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في هذا العالم أو قبله في العوالم السابقة ويومئ الى الأوّل قوله (عليه‌السلام) : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (٣) والى الثاني قوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) الآية (٤) أو أنّه مما يجب على النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) والمؤمنين قراءته وتلاوته لقوله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (٥) أو أنّهم يتلونه حقّ تلاوته أو أنّه ممّا

__________________

(١) تفسير العياشي ج ٢ ص ٩ نصّ الحديث هكذا : عن عبد الله بن سنان : قال : سئلت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القرآن والفرقان؟ قال (عليه‌السلام) : القرآن جملة الكتاب واخبار ما يكون والفرقان المحكم الذي يعمل به ، وكل محكم فهو فرقان.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٤٦١ ط. الإسلامية بطهران.

قال المازندراني في شرح الحديث : قوله : (القرآن جملة الكتاب) القرآن في الأصل مصدر بمعنى الجمع تقول قرأت الشيء قرآنا إذا جمعته ، ثم نقل الى هذا الكتاب لأنّه جمع القصص والأمثال والأمر والنهي والوعد والوعيد والسور وغيرها من الأسرار التي لا تحصيها :

قوله : (الفرقان المحكم الواجب العمل به) الفرقان في الأصل مصدر بمعنى الفرق ثم نقل الى الواجب العمل به على الوجه المطلوب لأنّه فارق فاصل بين الواجب والحرام وغيرهما من الأحكام وقد يطلق على جملة الكتاب أيضا لأنّه فاصل بين الحق والباطل والمراد بالمحكم الحكم المتقن الباقي الى آخر الدهر.

(٣) القيامة : ١٨.

(٤) الشورى : ٥٢.

(٥) المزمل : ٢٠.

٣٠٩

يتلى على مرّ الأزمان والدهور الى يوم ينفخ في الصور الى غير ذلك من الوجوه التي لعلّها بتمامها ملحوظة في التسمية.

ثم إنّه سبحانه قد وصفه بالعظمة في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (١) وبالحكمة في قوله : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) (٢) وبالمجد في قوله : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (٣) وبالإبانة في قوله : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) (٤) وذلك لما سمعت من أنّه تدوين للمشيّة من حيث اجتماع مراتبها الكليّة الإجماليّة والتفصيليّة فهو مظهر العظمة الكونيّة إذ لا أعظم منه في التدوين كما أنّه ليس شيء أعظم من خاتم النبيين في عالم التكوين ولذا كان لمّا خلقه الله تعالى سبّح الله سبحانه وعظّمه في حجاب العظمة ثمانين ألف سنة الى أن وصل الى حجاب القدرة كما في خبر جابر (٥) وغيره فعظمته (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لعبوديّته المطلقة وخضوعه الدائم الكلّي ولذا كان أوّل العابدين ، وكان من أشرف أسمائه عبد الله حتى قدّم على أعظم شئونه الذي هو الرسالة.

وأما حكمته فلأنّه يترشّح عليه من أشعّة أنوار الحكمة الكليّة الأوليّة ما يعطي كلّ شيء خلقه ويسوق الى كلّ مخلوق رزقه ، فيضع كلّ شيء في محلّه ، ويؤدّي الأمانة الى أهله ، بل الحكمة بهذا المعنى لمّا كانت من الصفات الفعليّة الانوجاديّة

__________________

(١) الحجر : ٨٧.

(٢) يس : ١ ـ ٢.

(٣) ق : ١ ـ ٢.

(٤) الحجر : ١ ـ ٢.

(٥) بحار الأنوار ج ٧ ص ١٨٥ ط. القديم ، ولعلّ في العبارة تقديما وتأخيرا لأنّ نصّ الرّواية في البحار هكذا ، قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): أوّل ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقه من جلال عظمته ، فأقبل يطوف بالقدرة حتى وصل الى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة .. الى آخره.

٣١٠

كانت مخلوقة في حضرة المشيّة الّتي هو النور المحمّدي ، وهو أوّل من قرع باب الوجود قبل كلّ موجود ، فهو الشاهد وهو المشهود ، فالقرآن العظيم إذا تحقّق في مقام الحكمة ظهر منه المجد والشرف والخير والبركة.

وفي الخبر : إنّ المجد هو حمل المغارم وإيتاء المكارم (١) ولا ريب أنّ القرآن يجبر النقصانات الإمكانيّة ويعطي الفيوض الربّانيّة ، وبه تنال الشفاعة الكليّة كما في الأخبار المتقدّمة فمن تمسّك بشيء منه في الدنيا كان له في القيامة شفيعا مشفّعا وطريقا اليه مهيعا (٢) إلّا أنّ ظهوره في هذا العالم بالشرف إنّما هو باشتماله على البيانات الواضحة والأنوار الساطعة اللائحة فإنّه كان في مقامه ودرجته عظيما معظّما وشريفا مفخّما لكنّه بعد ما كان في زبر الأوّلين قد نزل به الرّوح الأمين على قلب خاتم النبيين ليكون به من المنذرين بلسان عربيّ مبين فهذه المراتب المفصّلة كالأركان الأربعة لظهوره وتجلّى نوره ولعلّه أشرف أسمائه ولذا عبّر عنه فيه به بعدد قوي اسم الله العظيم الأعظم وهو ستة وستّون فافهم.

ومنها الفرقان بالضم مصدر فرق بمعنى الفاعل قال في القاموس : فرق بينهما فرقا وفرقانا بالضم فصل (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (٣) أي يقضي (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) (٤) أي فصّلناه وأحكمناه (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) (٥) فلقناه (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) (٦) الملئكة تنزل بالفرق بين الحقّ والباطل.

__________________

(١) قال الطريحي في مجمع البحرين ص ٢١٦ في لغة مجد : والمجد الكرم والعز وفي الحديث المجد حمل المغارم وإيتاء المكارم.

(٢) المهيع بفتح الميم والياء وسكون الهاء جمع : مهايع ، الطريق الواسع البين.

(٣) الدخان : ٤.

(٤) الإسراء : ١٠٦.

(٥) البقرة : ٥٠.

(٦) المرسلات : ٤.

٣١١

الى أن قال : والفرقان بالضم القرآن كالفرق بالضم ، وكلّما فرّق به بين الحق والباطل ، والنصر ، والبرهان ، والصبح ، والسحر ، والصبيان والتورية وانفراق البحر ومنه : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) (١) ويوم الفرقان يوم بدر. انتهى.

فالقرآن فرقان كما قال : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) (٢) لأنّه فارق بين الحقّ والباطل فالمصدر بمعنى الفاعل.

أو لأنّ فيه تفصيل كلّ شيء من الحقائق والشرائع والأحكام والحلال والحرام ، فالقرآن في رتبة الإجمال وجمعيّة الحقائق الكليّة ، والفرقان في مقام التفصيل وتبيين المقاصد الواقعيّة.

أو لأنّ نزوله كان منجّما مفرّقا في نيّف وعشرين سنة كما قال : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) (٣) ولذا (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) (٤) كما نزّل سائر الكتب على الأنبياء من قبله فأجيبوا بقوله : (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) (٥).

أو لأنّه نجاة من الآفات وعصمة من الهلكات كما هو أحد الوجوه في قوله : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (٦).

أو لأنّه عون ونصرة للأبرار على الفجّار ، ولجنود العقل الّذين هم أولياء المؤمنين على جنود الجهل وهم أحزاب الشياطين.

أو لأنّه برهان واضح ومشفق ناصح ودليل لائح على حقائق التوحيد

__________________

(١) البقرة : ٥٣.

(٢) الإسراء : ١٠٦.

(٣) الفرقان : ٣٢.

(٤) الفرقان : ١.

(٥) الفرقان : ٣٢.

(٦) الأنفال : ٣٩.

٣١٢

والهداية ومراتب النبوّة والولاية وغير ذلك من اسرار البداية والنهاية.

أو لأنّه نور الله سبحانه أضاء بنوره ظلمة العدم ، وانفلق باشعّة تجلّياته غواسق الظلم ، الى غير ذلك من الوجوه المشتركة في إطلاقه على الجميع موافقا للقرآن في المصداق وإن خالفه في الجملة لكنّ في «المجمع» عن مولانا الصادق (عليه‌السلام) قال : القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به (١).

ومنها الكتاب بالكسر مصدر ثان أو ثالث أو رابع أو من غير تقييد من كتب بمعنى جمع ، ومنه الكتيبة للجيش ، والكتب للخزر المجتمع بعضها على بعض (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (٢) أي جمع سمّي به المفعول فأطلق على ما من شأنه أن يكتب بعد. وما يقال من أنّه المنظوم عبارة قبل أن يكتب لأنّه مما يكتب فالمقصود عدم التقييد لا التقييد بالعدم وبالجملة فهو مصدر.

أو فعال للمفعول كاللباس أطلق على القرآن معرّفا ومنكّرا ومضافا في قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) (٣) ، (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) (٤) ، (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) (٥) لأنّه مجمع الحقائق والأحكام.

أو لأنّه المكتوب المؤلّف من الحروف والألفاظ والمعاني.

أو لأنّه يجب الأخذ بما فيه من الشرائع والأحكام من كتب بمعنى وجب ومنه (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) (٦) ، (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (٧).

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٤٦١ ط. الإسلامية بطهران.

(٢) المجادلة : ٢٢.

(٣) البقرة : ٢.

(٤) إبراهيم : ٢.

(٥) الكهف : ٢٧.

(٦) البقرة : ١٨٣.

(٧) الأنعام : ١٢.

٣١٣

أو لأنّه جرى عليه قلم القضاء في عالم التدوين مطابقا لما في التكوين من قوله (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (١) أي قضى الله.

أو لأنّه نسخة من كتاب الله الذي هو اللوح الكلّي المشتمل على المحفوظ والمحو والإثبات والألواح الجزئيّة كما هو أحد الوجهين أو الوجوه في قوله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) (٢) وقوله : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) (٣) الى غير ذلك من الوجوه الّتي لعلّ الأصل في الجميع هو الأوّل فلا تغفل.

ثمّ إنّك قد سمعت أنّ النسبة بين هذه الألقاب الشريفة وهي القرآن والفرقان والكتاب إنّما هو ببعض الاعتبارات المتقدّمة ولبعض الأعلام كلمات في المقام لا بأس بالتعرّض لها :

قال الصدر الأجلّ الشيرازي في عرشيته : «إنّ كلام الله عبارة عن إنشاء كلمات تامّات وإنزال آيات محكمات وأخر متشابهات في كسوة ألفاظ وعبارات ، والكلام قرآن وفرقان باعتبارين وهو غير الكتاب لأنّه من عالم الخلق (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٤) والكلام من عالم الأمر ومنزله القلوب والصدور لقوله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) (٥) وقوله : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (٦) بالكتاب يدركه كلّ أحد (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً

__________________

(١) المجادلة : ٢١.

(٢) الجاثية : ٢٩.

(٣) التوبة : ٣٦.

(٤) العنكبوت : ٤٨.

(٥) الشعراء : ١٩٣.

(٦) العنكبوت : ٤٩.

٣١٤

وَتَفْصِيلاً) (١) والكلام (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (٢) من أدناس عالم البشرية والقرآن كان خلق النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) دون الكتاب والفرق بينهما كالفرق بين آدم وعيسى (عليهما‌السلام) (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣) وآدم كتاب الله المكتوب بيدي قدرته.

وأنت الكتاب المبين الّذي بأحرفه يظهر المضمر (٤) وعيسى قوله الحاصل بأمره (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) (٥) والمخلوق باليدين في باب التشريف ليس كالموجود بحرفين ومن زعم خلاف ذلك أخطأ.

أقول : ولا يخفى ما في كلّ مقاصده وشواهده من الأنظار الواضحة أمّا الكلام والكتاب فالفرق بينهما بما ذكره غير واضح بعد ما هو المعلوم من اشتقاق كلّ منهما ، والآية الثانية لا دلالة لها على مرامه بعد ظهور عدم سبق ذكر للكلام حتى يكون الضمير له ، مضافا الى أنّ اختصاص الحكم لا يدلّ على اختصاص الموضوع ، وأمّا الاستشهاد بقوله : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ) وقوله : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) فهو كما ترى ، سيّما مع ظهور كون الضمير في الثاني للكتاب أو القرآن ، مع أنّ إطلاق المسّ على إدراك الحقائق مجاز ، وكون إدراكه مختصّا بالمطّهرين لا يتمّ إلّا باعتبار

__________________

(١) قال الفيض الكاشاني في الصافي : إطلاق الكتاب على الإنسان الكامل شائع في عرف أهل الله وخواص أوليائه ، قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام): دوائك فيك وما تشعر* ودائك منك وما تبصر وأنت الكتاب المبين الّذي* بأحرفه يظهر المضمر وتزعم أنّك جرم صغير* وفيك انطوى العالم الأكبر

(٢) الأعراف : ١٤٥.

(٣) الواقعة : ٧٩.

(٤) آل عمران : ٥٩.

(٥) النساء : ١٧١.

٣١٥

المجموع ، وأغرب من جميع ذلك تسوية الفرق بينهما للفرق بين آدم وعيسى ، وكأنّه أراد أنّ آدم مخلوق باليدين لقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (١) وأنّ عيسى مخلوق بالكلمتين كقوله تعالى : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢) وأراد أن المخلوق بالكلمتين أشرف من المخلوق باليدين ، لأنّ الأوّل روحانيّ من عالم الأمر ، والثاني جسمانيّ من عالم الخلق ، وضعفه واضح من وجوه ، سيّما مع ابتنائه على كون الضمير في آية التكوين لعيسى (عليه‌السلام) وهو كما ترى.

ومن أسماء القرآن النور ، وهو الظاهر بنفسه المظهر لغيره ، ولذا ورد في أسمائه سبحانه بل عليه ظاهر قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣) وأطلق على النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في قوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) (٤) على ما قيل ، وإن فسّر في أخبارنا بمولانا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كما فسّر به قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) (٥) وإن قيل : إنّ المراد به القرآن كما قيل : إنّه المراد به أيضا في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (٦) فإنّ البرهان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) والنّور هو القرآن ، ولا ينافيه تفسيره بمولانا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ، وعلى الدين الحقّ في قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ

__________________

(١) ص : ٧٥.

(٢) آل عمران : ٥٩.

(٣) النور : ٣٥.

(٤) المائدة : ١٥.

(٥) الأعراف : ١٥٧.

(٦) النساء : ١٧٤.

٣١٦

اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) (١) بإعلاء التوحيد وإظهار النبوة والولاية.

وعلى الإيمان الذي يهتدي به المؤمنون الى الجنّة في قوله تعالى : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (٢).

وعلى الهداية الحاصلة من شرح الصدر للإسلام في قوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (٣).

وعلى التوراة في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) (٤).

بل يطلق على جميع سبل السلامة ، ومناهج الكرامة كما في قوله تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) (٥) وقوله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) (٦).

بل قد أطلق على الطهارة الحاصلة من الوضوء في قوله (عليه‌السلام) الوضوء على الوضوء نور على نور (٧) كما ورد إنّه طهر على طهر (٨).

وبالجملة يظهر من موارد استعماله في الكتاب والسنّة أنّه يطلق على كلّ حقّ وهداية ورشاد ، كما أنّ ضدّه الّذي هو الظلمة يطلق على كلّ باطل وضلالة وغيّ ، وإن كان إطلاق كلّ منهما على ما يطلق عليه على وجه التشكيك فأعظم الأنوار نور أشرق من صبح الأزل فظهر آثاره على هياكل التوحيد ومظاهر التمجيد والتفريد

__________________

(١) التوبة : ٣٢.

(٢) الحديد : ١٢.

(٣) الزمر : ٢٢.

(٤) المائدة : ٤٤.

(٥) المائدة : ١٦.

(٦) البقرة : ٢٥٧.

(٧) وسائل الشيعة ج ١ ص ٢٦٥ ط. بيروت.

(٨) وسائل الشيعة ج ١ ص ٢٦٤ ط. بيروت.

٣١٧

وهم الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين في مقام المفعول المطلق والنور هو الفعل كما في الرّضوي المذكور في العيون (١) ، وصبح الأزل هو اسم الفاعل بالصفات الفعليّة وشؤون الفاعليّة في أفق التجلّي والظهور وتدوين أطوار هذا الطور في كتاب مسطور في رقّ منشور يقرأه بقراءة حروف نفسه من في قلبه إشراق من البيت المعمور (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٢).

ومنها المصحف قال الراغب : المصحف ما جعل جامعا للصحف المكتوبة وجمعه مصاحف ، وعن الفيّومي (٣) ضم الميم أشهر من كسرها ولم يذكر الفتح لكن في (القاموس) : المصحف مثلّثة الميم من أصحف بالضم أي جعلت فيه الصحف وكأنّه باعتبار الوعاء الظرفي أو الاحتواء العلمي ، والمراد في المقام الثاني لاحتواء القرآن على ما في جميع الصحف وهي الكتب النقشيّة واللفظيّة والكونيّة وفي (محاضرات الأوائل) (٤) نقلا عن (الإتقان) للسيوطي أوّل من سمّى المصحف مصحفا حين جمعه ورتّبه أبو بكر ، فقال لأصحابه : التمسوا له اسما فقال بعضهم : سمّوه مصحفا ، وكانت الحبشة يسمّوه مصحفا فوافقهم بتسميته مصحفا.

ومنها الذكر ، والتذكرة ، والذكرى ، قال سبحانه : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ

__________________

(١) عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام) ج ١ ص ١٧٣ ط. طهران دار الكتب الإسلامية.

(٢) النور : ٤٠.

(٣) الفيومي هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن شيخ كمال الدين المصري فاضل ، أديب ، لغوي صاحب كتاب المصباح المنير في غريب شرح الكبير ، ولد ونشأ بالفيوم (بمصر) وتوفي سنة ٧٧٠ ـ الأعلام خير الدين الزركلي ج ١ ص ٢١٦.

(٤) محاضرات الأوائل ومسامرة الأواخر للشيخ علي دده فرغ منه سنة ٩٩٨.

٣١٨

أَنْزَلْناهُ) (١) ، (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (٢) ، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) (٣) ، (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (٤) ، (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) (٥) ، (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) (٦) ، الى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي أطلق الذكر فيها عليه.

وان أطلق في قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) (٧) ، وقوله تعالى : (ذِكْراً رَسُولاً) (٨) ، وقوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) (٩) على وجه على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وفي بعض الآيات على مولانا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كقوله تعالى حكاية عن الأوّل وهو الظالم : (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً) (١٠) ، (يعني الثاني) خليلا (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) (يعني الولي) بعد إذ جائني (١١) ولذا قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في خطبته الوسيلة بعد تلاوة الآية : فأنا الذكر الذي عنه ضلّ ، والسبيل الذي عنه مال ، والإيمان الذي به كفر ،

__________________

(١) الأنبياء : ٥٠.

(٢) الزخرف : ٤٤.

(٣) الحجر : ٩.

(٤) يس : ٦٩.

(٥) آل عمران : ٥٨.

(٦) الحجر : ٦.

(٧) النحل : ٤٣.

(٨) الطلاق : ١٠ ـ ١١ قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات الله.

(٩) العنكبوت : ٤٥.

(١٠) الفرقان : ٢٨.

(١١) الفرقان : ٢٩ ـ قال الفيض في تفسيره الصافي : القمي قال : الأوّل يقول يا ليتني اتخذت مع الرّسول سبيلا ، القمي عن الباقر (عليه‌السلام) عليّا وليا ـ يا ويلتا ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا ـ قال يعني الثاني لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جائني ـ قال يعني الولاية وكان الشيطان ـ قال وهو الثاني للإنسان خذولا.

٣١٩

والقرآن الذي إيّاه هجر ، والدين الذي به كذّب ، والصراط الذي عنه نكب (١).

وفي خبر سعد في قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) (٢) قال : النهي كلام والفحشاء والمنكر رجال ونحن ذكر الله ، ونحن أكبر (٣).

ويطلق أيضا على مطلق الوحي والآيات النازلة كما في قوله تعالى : (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) (٤) وقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) (٥) ، أي من بعد الكتب كلّها.

ووجه الإطلاق في الجميع أنّه مذكور من الله تكوينا أو تشريعا.

أو أنّه ذكر منه ذكّر به عباده بالحقائق والشرائع والأحكام والحلال والحرام.

أو أنّه ذكر وشرف وفخر وكرامة في نفسه من الله كأنّه تجوهر الشرف به أو لمن آمن به والتزم مشايعته ومتابعته.

أو أنّه تذكرة من الله لعباده ليهلك من هلك به عن بيّنة ويحيى من حيّ به عن

__________________

(١) هذه الخطبة رواها الكليني في (روضة الكافي) ومنها : في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع ولئن تقمّصها دوني الأشقياء ، ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا ، ولبئس ما لأنفسهما مهّدا ، يتلاعنان في دورها ، ويتبرّه كلّ واحد منهما من صاحبه يقول لقرينه إذا التقيا : يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين فيجيبه الأشقى على رثوثة : يا ليتني لم أتخذك خليلا لقد أضللتني عن الذّكر .. الى آخر ـ شرح الكافي للمازندراني ج ١١ ص ٢٥٣ ـ.

(٢) العنكبوت : ٤٥.

(٣) الأصول من الكافي كتاب فضل القرآن الحديث الأوّل.

(٤) المرسلات : ٥.

(٥) الأنبياء : ١٠٥.

٣٢٠