تفسير الصراط المستقيم - ج ١

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: الصدر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٠

الألحان ووقف الأمراض والأبدان وحرّر النسب الفلكية في النغم ـ والأصوات وركّب في ذلك بعض الآلات.

قال شيخنا البهائي في كشكوله : علم الموسيقى علم يعرف منه النغم والأيقاع وأحوالها وكيفيّة تأليف الّلحون واتّخاذ الآلات الموسيقارية وموضوعه الصوت من وجه تأثيره في النفس باعتبار نظامه. والنغمة صوت لابث زمانا تجري فيه الألحان مجرى الحروف من الألفاظ وبسائطها سبعة عشر وأوتارها أربعة وثمانون والأيقاع اعتبار زمان الصوت ولا مانع شرعا من تعلّم هذا العلم وكثير من الفقهاء كانوا مبرّزين فيه. نعم الشريعة المطهّرة على صادعها أفضل السّلام منعت من عمله والكتب المصنّفة فيه إنّها مسموعة على العموم من أيّ آلة اتفقت وصاحب العمل إنّما يأخذها على أنّها مسموعة من الآلات الطبيعيّة كالحلوق الإنسانيّة والصناعيّة كالآلات الموسيقاريّة. وأمّا ما يقال : من أنّ الألحان الموسيقيّة مأخوذة من نسب الاصطكاكات الفلكيّة فهو من جملة رموزهم إذ لا اصطكاك في الأفلاك ولا قرع فلا صوت انتهى.

وعلى كلّ حال فالإعراض عن فنون هذه الصناعة كعلم الأيقاع ومعرفة النقرات وكيفيّة تألّف الأصوات وعلم النسبة وتفكيك الدائرة والتلحين وغيرها اولى ، كما إنّي أعرضت عن تعلّمها والاشتغال بها رأسا فإنّه مع كونه من تضييع العمر الّذي نسئل الله العافية منه لا تحصل الخبرة فيها إلّا بالممارسة العمليّة المحرّمة في الشريعة المطهّرة النبويّة (على صادعها ألف ألف سلام وتحيّة).

نعم قد يعدّ من فروعها علم العروض الّذي ربما يعدّ منه علم القواعد أيضا وإن كانت متعلّقة بالأمور المحتاجة إلى المادة تحققا وتعقلا فهي الحكمة الطبيعيّة الّتي موضوعها الجسم الطبيعي من حيث اشتماله على قوّة التغيّر ولذا يبحث ـ فيها عن

١٦١

الهيولي والصورة الحركة والسكون والأجسام العنصرية والفلكيّة وأحوالها ولوازمها وأعراضها وغير ذلك ممّا يطلب في محلّه. نعم قد حكى الأنطاكي عن المعلّم أنّه قسّم الطبيعي ثمانية أقسام :

الأوّل : علم سماع الكيان بفتح السين على أنّه مصدر سمع وكسرها على أنّه ذكر الأشياء وهو ما يبحث فيه عن الموادّ والصور والحركة والسكون والنهاية واللانهاية والعلل. والمتأخرون سمّوه الأمور العامّة.

قلت : ومن الغريب ما وقع في «الأخلاق الناصرية» (١) من تسميته بالأرثماطيقي.

الثاني : علم السماء والعالم ، ويبحث فيه عن الأفلاك والعناصر وارتباطهما وما يكوّن عن ذلك وما فيه من الحكم الالهيّة وأحكام البسائط العلوية والسفلية

الثالث : علم الآثار العلوية ، ويبحث فيه عن تغيّرات العناصر في أنفسها واستحالاتها وأحكام الصاعدات عندها من بخار وغيره وكيف ارتبطت الحوادث العنصريّة بالحركات الّسماوية وما علّة حدوث نحو الّصواعق وقوس قزح وذوات الأذناب وغيرها بعد العناية الالهيّة وهل هي علامات لحوادث الدهر أم لا. قال الأنطاكي : وهذه المكوّنات قد ألحقتها بالمواليد الثلاث وجعلت المواليد أربعة رعاية لمطابقة المزاج العنصري ، وسمّيتها بالآثار الناقصة ، ولم أسبق إلى ذلك.

الرابع : علم الكون والفساد ، وسمّاه بذلك لتعلّقهما بالمركّبات يبحث فيه عن

__________________

(١) أخلاق الناصري كتاب في الأخلاق فارسي لنصير الدين الطوسي ألفه بقهستان لاميرها ناصر الدين المحتشم لما التمس منه ترجمة كتاب «طهارة الاعراق» في الحكمة العمليّة لعلي بن مسكوية فضمّ إليه قسمي المدني والمنزلي.

١٦٢

كيفيّة كيان المواليد الثلاثة واستقصاء أنواعها وأشخاصها وآجالها وتدابير أمورها وصورها وبيان علل ذلك.

الخامس : علم المعادن وكيفيّة انقسامها ، وأنّها إمّا تامّة جامدة كالياقوت أو تامّة متطرقة كالذّهب والفضّة أو ناقصة صحيحة سيّالة كالزئبق أو شعاّلة كالكبريت أو فاسدة يرجى صلاحها وننقلها إلى كيان آخر مثل الكحل أو لا مثل الزاج وما وجه تولّد كلّ ذلك.

السادس : علم النباتات يبحث فيه عن موادّه من العصارات والمياه وعن تقسيمه إلى ما ينبت ويستنبت إمّا من بذر أو قصب أو ثمر وأنّ كلّا إمّا طويل أو قصير والطويل إمّا كامل وهو ما جمع الأصول والفروع والورق والحبّ والثمر والصمغ والليف والقشر والعصارات كالنخل والناقص ما كان عادما أحدها وناقص الناقص هو ما عدم الأكثر.

السابع : علم الحيوان ، ويبحث فيه عن موادّ صوره وأنواعه وأصنافه ومبادئ حركاتها الإراديّة واحكام نفوسها وقويها.

الثامن : علم النفس من حيث هي كيفيّة بثّها في الجماد والنبات والحيوان والإنسان وأنّ هذه النفوس هل هي متغايرة بالذّات أو بالنقصان والكمال وأنّ النفس الإنسانية باقية بعد انحلال هذا الهيكل. هذا حاصل ما ذكره مع زيادة تحرير.

وأما فروعها فكثيرة جدّا كعلم الطبّ الّذي يعرف منه أحوال الإنسان من جهة ما يعرض لها من صحة ومرض لتحفظ الصحّة الحاصلة وتستردّ زائلة وينقسم إلى نظري يبحث فيه من الأمور الطبيعيّة والستّة الضروريّة وأحوال البدن وكليّات التدابير وغيرها ، وعمليّ يبحث فيه من الأمراض الجزئيّة وأسبابها وعلاماتها وعلاجها وغيرها ممّا يلحقها. ومنه يظهر أنّ علم الجراحة وجبر الكسر والكحالة

١٦٣

وغيرها من عمل اليد حتى الحجامة والفصادة كلّها من الطبّ وإن افردوا بعضا منها بالتصنيف أو بالصنعة.

وعلم معرفة الأدوية والعقاقير الّذي أفردها بالتصنيف ويسقوريدوس بعد ما صرف عمره في استقصاء أنواعها وطبائعها وآثارها ومنافعها ومضاّرها ثمّ وسع فيه المتأخرون بعد تلاحق الأفكار والتجارب المكرّرة في مدى الأعصار بل الحقه كثير منهم بالطبّ مع كونه من مبادئه كما ألحقوا به قوانين معرفة الأمزجة وكيفيّة التراكيب وخواصّها بل خواصّ المركّبات وكيفيّة تراكيبها وأجزائها وغيرها ممّا سمّوها بالإقرابادين الّذين يضرب المثل لا كذب الكذب عند الأدباء بإقرابادين (١) الاطبّاء.

وعلم السنبره بمعنى القوانين يذكر فيه أن كلّ نوع من أنواع النبات يحتاج إلى اثني عشر قانونا معرفة حفظه وزمن غرسه أو زرعه وما ماهيّته من يوم ينبت إلى يوم قلعه ويخدمه أيّ كوكب وكم يبقى حتّى تسقط قواه فلا يستعمل في دواء بعدها ، وبم يعرف الصحيح والفاسد منه ، وبأيّ شيء يغشّ وكيف يعرف ، وما درجته وما نفعه ، وما القدر المأخوذ منه في اختلاف الأبدان والبلدان والفصول والإنسان وما ضرره وما إصلاحه ، وبما يبدّل عند العدم ، وأكثر مسائله مأخوذ من العلم السابق ومن الفلاحة.

وعلم التشريح الّذي يبحث فيه عن أعداد الأعضاء الأصلية البدنيّة والمركب الآليّة وأجزائها وكيفيّة وضعها وغير ذلك ممّا يلحقها ، وتعيين الرئيسيّة الّتي هي

__________________

(١) اقربادين لفظة فارسية معناها فن تركيب الادوية ، وافر نجيتها يونانية الأصل : وكان غير منفصل عن الطب ثم صار فنا قائما برأسه ـ دائرة المعارف للبستاني ج ٤ ص ٨٦.

١٦٤

القلب والدماغ والكبد والأنثيان ، إذ في الأوّل قوّة الحياة ، وفي الثاني قوّة الحسّ والحركة ، وفي الثالث قوّة التغذية المحتاج إليها في بقاء الشخص بل في إمداد الروح الحيواني والنفساني ، وفي الرّابع قوّة التوليد وحفظ النسل المحتاج إليه في بقاء النوع ، لكن الرئيس على الإطلاق القلب الّذي هو ينبوع الحرارة الغريزية المصلحة المدبّرة للبدن بإذن الله وهو أوّل متكوّن في الحيوان ومنه يسري قسط من الروح الى الدّماغ الّذي يفاض عليها فيه ولو بمعونة قبول الآلات وصلاحيّة المحلّ للرّوح النفسانيّة الّتي هي منشأ الحسّ والحركة كما أنّه يسري منها قسط ، الى الكبد والأنثيين فيقويان بها على أفعالهما ولعلّك بما ذكرناه تقدر على دفع ما قيل في إطلاق رئاسة غيره مع أنّ في النواميس الشرعيّة إشارات الى ما ذكرناه وستسمعها في موضعها. ثمّ إنّ هذا العلم أيضا من مبادئ الطبّ وإن كان الأظهر أنّه منه.

وعلم الخواصّ الذي يبحث فيه عن خاصيّة العقاقير والمراد بها كلّ فعل لا يتخلّف بعد مباشرة الفاعل القابل دون استناد الى طبع بل الى الصورة النوعيّة قيل : وهي إمّا مطلقة وهي الفاعلة بلا شرط أصلا كجذب المغناطيس الحديد ، أو بشرط متعلّق بالزّمان خاصّة كإبطال شهوة النكاح ببذر الفرفخ (١) شتاء ، أو بالمكان كالقتل بالبنج في أرض فارس خاصّة ، أو بشيء معيّن من جنس ككيّ الثالول بذكر التين ، أو عضو معيّن كخززة الزعفران على الفخذ الأيسر للولادة ، أو وزن معيّن يخلّ تغييره بالمطلوب ككونها عشرة محرّرة الى غير ذلك. وهل يعلّل فعل

__________________

(١) الفرفخ : معرّب (پر پهن) أي عريض الجناح ، ويقال لها أيضا خرفه ورجلة قال الطريحي في «مجمع البحرين» : في الحديث : «ليس على وجه الأرض بقلة أشرف من الفرفخ» وفي «في» عنهم عليهم‌السلام : سمّوها بنو أميّة البقلة الحمقاء بغضا لنا وعداوة لفاطمة عليها‌السلام.

١٦٥

الخواصّ أم لا؟ قيل : أكثر الحكماء على الثاني ، قال الأنطاكي : والمتّجه هو الأوّل لتحرّي المشاكلة والنسبة الفلكيّة وشهادة الأكوان والأكوان ومتعلّقها المواليد الثلاث والكواكب وعلم الفلاحة.

وعلم الصناعة الأكسيريّة الّذي قد تاه في بيداء طلبه كثير ممّن استولى الشيطان عليهم فأنساهم ذكر الله ، أولئك حزب الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون ، ولذا ترى كثيرا ممّن صرف فيه أعمارا طويلة وأموالا جزيلة لا حاصل لهم سوى أعين عمش كليلة ، وأدمغة مختبطة عليلة ، ونفوس لشدّة الفاقة ذليلة ، وقد فاتت عنهم مراتب عظيمة جليلة ، وهم مع ذلك يشتغلون لرجاء تحصيل شيء من الغشّ والتركيب والإكسير بصنوف العقد والحلّ والتشويه والتنكيس والتقطير ، ولا يظفرون فيها إلّا بأدخنة متصاعدة وأرمدة متقاعدة. فصار وجود العنقاء ، وطلبهم له طلب الحمقاء لا يستشمّون منه إلّا روائح الكبريت والزرنيخ ، ولا يستمدّون إلّا من سواد زحل ونحوسة المرّيخ ، فإذا قدم عليهم في بلدهم من يدّعي شيئا من ذلك ظنّوا به كلّ خير ، واستمكنوا له في كلّ ضير ، وبادر كلّ منهم مستخفيا إليه في السير لئلّا يطّلع الغير ، وهو يشتدّ عليهم وعلى أموالهم الغارة بعد الغارة ، ويتلعّب بهم تلعّب السنّور بالفأرة ، يستعجلون الفقر الدائم طمعا في الغنى ، ويرضون بالمنيّة لنيل المنى ، يتّبعون كلّ شيطان مارد ، ويضربون في حديد بارد ، وإذا سمعوا أنّ مولانا أمير المؤمنين (روحي له الفداء) قال : إنّ الكيمياء في الأسرب والزّاج والزّئبق الرجراج والحديد المزعفر والنحاس الأخضر ، وأنّه قال : إنّها أخت النبوّة وعصمة المروّة والناس يعلمون ظاهرها ، وأنا أعلم ظاهرها وباطنها ، وقال (عليه‌السلام): ما هو إلّا ماء جامد وهواء راكد وأرض سائلة ونار حائلة ، وقال (عليه‌السلام): خذ الفرّار والطلقا ، البيتين.

١٦٦

وأنّ مولانا (عليه‌السلام) قال : الرّصاص فضّة مبروصة من قدر على علاجها انتفع بها (١) الى غير ذلك ظنّوا أنّهم سيطّلعون عليها بمعونة القرع والأنبيق. أو يحلّون عقدها بنداوة القعر العميق ، أو بحرارة النار النمروديّة ذات الحريق. وما يشعرون أنّ الأصباغ الشعريّة وغيرها من النباتيّة بل المعدنيّة ليست صبّاغة وغواصّة نافذة صابرة ثابتة رزينة امينة.

وبالجملة فقد غشيتهم العطالة والبطالة والخسران كالّذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ، وذلك لأنّهم ضلّوا السبيل ولم يطلبوا المطلوب من الدليل ، ولو أنّهم أمنوا واتّقوا لوجدوا كيمياء السعادة من طريق العبادة والزهادة فإنّه الاسم الأعظم والحجر المكرّم ، فافهم فإنّي قد أوقفتك على كنوز الأسرار إن وفّقت لحلّ الرموز وكشف الأستار.

وعلم معرفة الجواهر الغير المتطرّقه كالياقوت واللؤلؤ والزبرجد والألماس وغيرها وفيه حصر أجناسها واستقصاء أنواعها ومعرفة خواصها وآثارها وعلاماتها.

وعلم التعبير الذي يذكر فيه حقيقة الرؤيا الّتي هي جزء من سبعين جزءا أو

__________________

(١) لم أجد في كتب الحديث أصلا لتلك الأحاديث والأبيات المنسوبة إلى المعصومين (عليهم‌السلام) في الكيمياء.

نعم نقل في بعض الكتب المتفرّقة بعض هذه الأحاديث مرسلا كما في نفائس الفنون تأليف شمس الدين محمّد بن محمود الآملي من علماء القرن الثامن ج ٣ ص ١٦٠ عن علي (عليه‌السلام) انه قال : إن في الزّجاج والزاج والزئبق الرجراج وقشر بيض الدجاج والزنجار الأخضر والحديد المزعفر لكنز لوليّ ، فقيل : زدنا يا أمير المؤمنين فقال (عليه‌السلام) : هو هواء راكد وماء جامد وأرض سائلة ونار خامدة.

١٦٧

من ستّة أو أربعة جزء من النبوّة وهي المبشّرات ، وفيه سبب توجّه النفس إلى عالمها واتصالها بمبادئها العالية الّتي يحصل لها به بعض العلوم الحقّة ، الواقعة على سبيل المشاهدة النفسانيّة أو الانطباع والانتقاش الرّوحانيّة وانقسامها إلى الصادقة الّتي هي ما سمعت والكاذبة الّتي هي من تركيب المتخيّلة ببعض الصور المخزونة في الخيال مع بعض ولذا تسمّى بأضغاث الأحلام ، ولكلّ منهما أسباب ومعدّات وشرائط داخلة وخارجة كالزّمان والمكان وفراغ النفس وعلّوها واعتياد الصدق والطهارة ونورانية جوهر النفس وقوّتها وقدرتها على خرق الحجب السبعة والاعتدال في الأحوال والأفعال بين طريقي الإفراط والتفريط سيمّا اعتدال مزاجه الشخصيّ والعضوي الدماغي ، وغير ذلك ممّا هي كالمعدّات للرّؤيا الصادقة وأضدادها لضدّها والملفقّ للملفق ومعرفة أنّ الرؤيا من أيّ القسمين وتبعيّة التعبير للواقع أو الواقع للتعبير أو كلّ لكلّ على وجه وتطبيق عالمي المثال والخيال وإن سمّي كلّ بكلّ مع قيدي الاتصال والانفصال وشرائط المعبّر والتعبير وكيفيته وأنّ هذا العلم إلهامّي أو كسبي أو الهامّي وكسبيّ إلى غير ذلك من المباحث الّتي سنشير إلى تحقيق جملة منها في سورة يوسف والّصافات وغيرهما إنشاء الله.

وعلم الفراسة الّذي قيل : هو علم بأمور بدنيّة ظاهرة تدلّ على ما خفي من السجايا والأخلاق ، وأوّل من استخرجه فليمون الرومي الطرسوسي (١) في عهد المعلّم فقبله وأجازه ثمّ توسّع الناس فيه حتى استأنس المسلمون له بقول تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (٢) ولذا يسمّى علم التوسّم أيضا وبقوله صلّى الله

__________________

(١) قال كاتب چلبي في كشف الظنون ج ٢ ص ١٣٤٢ : ولا فليمون كتاب في الفراسة يختص بالنسوان.

(٢) سورة الحجر آية : ٧٥.

١٦٨

عليه وآله وسلم : (اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله) (١) وإن كان الأظهر أنّ التوسّم والفراسة المشار إليهما في الآية والخبر أشبه بالمكاشفات الغيبيّة والمشاهدات الإيمانيّة الّتي يراها من ينظر بنور الله ، ولذا لا يختصّ بخصوص الأخلاق والسجايا بل يجري أيضا في قاطبة الحقائق والقضايا كما أنّه وإن كان يسمّى بالقيافة أيضا لكنّه غير القيافة المحرّمة عند الفقهاء ، وهي الاستناد إلى علامات ومقادير يترتّب عليها إلحاق بعض الناس ببعض بمجرّد المشابهة الّتي لا عبرة بها أصلا في الشريعة بعد مشاهدة عدم مطابقتها للنسب الشرعي بل الحقيقي أيضا سيّما بعد إناطة الإلحاق في الشريعة على الولادة على الفراش والإقرار ، وغير هما من الطرق الشرعيّة الّتي ليست منها القيافة الّتي تعرف بها الأنساب وقفوا لآثار الجاهليّة ، ولذا حكموا بحرمتها إذا جزم بها أو ترتب عليها محرّم ، والّا فلا حرمة لها وإن كان ربما يقال : انّها من الكهانة بل عن الصادق (عليه‌السلام): من تكهّن أو تكهّن له فقد بريء من دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله قيل : فالقيافة. قال (عليه‌السلام) : ما أحبّ أن تأتيها ، قيل : ما يقولون شيئا إلّا كان قريبا ممّا يقولون فقال عليه‌السلام : القيافة فضلة من النبّوة ذهبت من الناس حيث بعث النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)

__________________

(١) في بحار المجلسي (قدس‌سره) ج ٩ ص ٢٧٨ ط القديم عن محمّد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول : سألت جعفر بن محمّد (عليه‌السلام) فقلت : يا ابن رسول الله في نفسي مسألة أريد أن أسئلك عنها فقال إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسئلني وإن شئت فاسئل قال : قلت : يا ابن رسول الله بأي شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي؟ فقال (عليه‌السلام) : بالتوسّم والتفرّس أما سمعت قول الله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) وقول رسول الله اتّقوا فراسته المؤمن فانّه ينظر بنور الله إلخ.

١٦٩

الخبر (١) وان كان الظاهر منه أنّها غير القيافة المحكوم بحرمتها عندهم.

وبالجملة فالأصل فيه موافقة الهيئات والأشكال البدنيّة للأحوال والأخلاق النفسانيّة على سبيل التابعيّة أو المتبوعيّة على خلاف فيه يأتي في موضعه إن شاء الله وعلى الوجهين يستدلّ بها عليها ، بل قد يستكشف بها بعض العواقب من الأرزاق والاعمار والسّعادات وأضدادها ، وأصولها عندهم مأخوذ من أصلين : التجربة طول الزّمان حيث إنّهم تأمّلوا غالب الأشخاص وما يصدر منهم ثم عدّوا ما استمرّ مطابقا أصلا يرجع إليه والقياس على حيوانات العجم ، ولذا صرّح صاحب الصناعة بانّه إنّما حكم على واسع الصدر غليظ المنكبين بالشجاعة قياسا على الأسد فإنّه كذلك ، ولم يجعل هذه العلامة دليلا على الكرم مع أنّ الأسد كريم أيضا لاتّصاف النمر بها وهو شحيح سجيع ، وهكذا باقي الأحكام فلا بدّ من النظر في تركيب العلامات ولزومها ومشاركتها والعمدة فيه هو الحدس الصحيح.

ولذا قال الطرطوسي مبدع الصناعة على ما يحكى عنه : وعلمي هذا حرام على الأغبياء لاحتياجه إلى صحّة الفكر والحذاقة والدراية ولعلّك تسمع إن شاء الله بعض الكلام فيه في تفسير الآية.

وعلم التسخير والعزائم المحرّمة في الشريعة الحقّة ، وإن كان المقصود منه استخدام الملائكة والجنّ واستنزال الشياطين ، وتسخير الأرواح للتصرف فيها في النفوس والأبدان واستكشاف الغايبات ، وعلاج المرضى ، والاطّلاع على الأخبار البعيدة وخواصّ العقاقير واستجلاب الثمار والفواكه والفصة الطرية في غير أو انها إلى غير ذلك ممّا لا يحصل إلّا بأقسام الأقسام والأعزام والرّياضيات الشاقّة الصعبة

__________________

(١) وسائل الشيعة ط الجديد ج ١٢ ص ١٠٨ عن الخصال.

١٧٠

الخطرة الّتي قلّ من يسلم معها من الموت أو الجنون أو اختلاف العقل وضعف الدماغ والوسوسة إلى غير ذلك من الضرر الراجع إلى العقول والأبدان فضلا عن الإيمان الذي لا يكاد يبقى لمن ابتلى بتلك البليّات وأصيب بهذه المصيبات ومع ذلك فلهم في الدنيا ذلّة دائمة وكثافة لازمة والفقر العاجل وانقطاع النسل والبوار ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النّار.

وعلم النيرنجات وهو فارسيّ معرّب نيرنك ونورنك : أي اللّون الجديد وربما يقال : النيرنجات بالياء والنسبة المشدّدة وهي إظهار غرائب خواصّ الامتزاجات أو أنّها التخيّلات والأخذ بالعيون الّتي لا ينكر أغلاطها سيمّا مع السرعة والخطفة ، وشدّة الإشتغال بالشواغل الحسيّة ، ولذا قيل : إنّها قريبة أو متّحدة مع الشعبدة الّتي عرّفوها بالحركات السريعة الّتي تترتّب عليهما الأفعال العجيبة بحيث يخفى على الحسّ الفرق بين الشيء وشبهه. فيحكم الرائي له بخلاف الواقع ، ولذا قيل : إنّ المشعبد يأخذ بالعيون يعني إلى غير الجهة الّتي يحتال فكلّما كان أخذه للعيون والخواطر وجذبه لها إلى سوى مقصوده أقوى كان أحذق في علمه كما أنّه كلّما كانت الأحوال الّتي تفيد حسّ البصر نوعا من أنواع الخلل أشدّ كان هذا العمل أحسن.

وبالجملة فبناء العمل فيها على الإغراء والتدليس واللهو بل السحر وغيرها من الأباطيل الّتي ورد النهي عنها في الكتاب والسنة ، ولذا أجمع الأصحاب على حرمة تعليمها ، والتكسب بها كإجماعهم على حرمة السحر تعليما وتعلّما وتكسّبا وعملا بل ظاهر قوله تعالى : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) (١) حصول الكفر بمجرّد تعليمه وفي النبوي : (ساحر المسلمين يقتل

__________________

(١) البقرة : ١٠٢.

١٧١

وساحر الكفّار لا يقتل) (١) وفي العلوي : (من تعلّم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر وكان آخر عهده بربّه وحدّه أن يقتل) (٢) بل المشهور عدّ النيرنجات والشعوذة والسيميا وغيرها منه ، ولذا قال الشهيد في «الدروس» : تحرم الكهانة والسحر بالكلام والرقية والدخنة بعقاقير الكواكب وتصفية النفس والتصوير والعقد والنفث والأقسام والعزائم بما لا يفهم معناه ، ويضرّ بالغير فعله ومن السحر الاستخدام للملائكة والجنّ والاستنزال للشياطين في كشف الغائب وعلاج المصاب ، ومنه الاستحضار بتلبّس الروح ببدن منفعل كالصّبي والمرأة وكشف الغائب عن لسانه ، ومنه النيرنجات وهي إظهار غرائب خواصّ الامتزاجات وأسرار النيّرين ، ويلحق به الطلسمات وهي تمزيج القوى العالية الفاعلة بالقوى السافلة المنفعلة ليحدث عنها فعل غريب فعمل هذا كلّه والتكسب به حرام ، أمّا علمه ليتوفّى أو لئلّا يغترّ به فلا وربّما وجب على الكفاية ليدفع المتنبّي بالسحر ويقتل مستحلّه ويجوز حلّه بالقرآن والذكر والأقسام لا به وعليه قوله (عليه‌السلام): ولا تعقد (٣) انتهى (٤).

وعلم الطلسم الّذي عدّه الشهيد وغيره من السحر وفسّره بما سمعت وعن «وسيلة القاصد» أنّ معناه عقد لا ينحلّ ، وقيل هو مقلوب اسمه يعني مسلّط ، وقيل :

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ص ٣١١ ، التهذيب ج ١٠ ص ١٤٧. وسائل الشيعة ج ١٨ : ص ٥٧٦.

(٢) وسائل الشيعة ج ١٨ : ص ٥٧٧ بدون كلمات «قليلا أو كثر فقد كفر». وفي آخره : «وحدّه القتل إلّا أن يتوب».

(٣) الفروع من الكافي ط الجديد ج ٥ ص ١١٥ باب الصناعات من كتاب المعيشة.

(٤) الدروس ص ٣٢٥ وفي آخر العبارة : ويجوز حلّه بالقرآن والذكر والأقسام لا به وعليه يحمل رواية العلا بحله.

١٧٢

إنّه الظلّ بمعنى الأثر يعني إنّه أثر الاسم أو الفعل ، وفي «الدروس» قيل : الطلسمات كانت معجزات لبعض الأنبياء على نبيّنا وآله (عليه‌السلام).

قلت : وستسمع بعض الكلام في تفسير قوله تعالى : رب العالمين عند الإشارة الى ربّ النوع وفي تفسير الآيات المتعلّقة بالسحر.

وعلم السيمياء ، وعرّفه في «الدروس» بأنّه إحداث خيالات لا وجود لها في الحسّ للتأثير في شيء آخر ، وربما ظهر الى الحسّ. وعن بعض أهل الصناعة أنّه مزج القوى العالية بالقوى السافلة ليحدث عن ذلك أمر غريب في عالم الكون والفساد ، وقيل : إنّه ربط الطبائع بالطبائع الجسمانية لذلك ولارتباطها بالطبائع العلوية قالوا : السيمياء روح في الجسد والكيمياء جسد في الجسد ، ولعلّه إليه وإلى غيره من أسرار العلوم المكتومة أشار العبد الصالح آصف بن برخيا في قوله : إنّ الأشكال مغناطيس لأرواحها ، وبعض هذه العلوم أسرار وحقائق وغير ما في أيدي الناس. فافهم أنّ ما عرفوا بل سمعوا بعض التمويهات والتخييلات والخدع والأباطيل ، وأمّا حقائقها فمكنونة في مستجنّات القلوب وعلمها معدودة في جملة الغيوب فألواحها صفائح الأرواح وسطورها منقوشة في الصدور ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

وعلم حصر الأعمار بالانفاس المستأنس له بقوله تعالى : (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) (١) وبالعلوي المذكور في النهج : اعلموا عباد الله أنّ عليكم رصدا من

__________________

(١) مريم : ٨٤. قال الطريحي في مجمع البحرين في كلمة عدد : قوله تعالى : (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) بتشديد الدال المراد بهم الملائكة تعد الأنفاس ، ومثله قوله : (نَعُدُّ لَهُمْ) يريد به عد الأنفاس كما جاءت به الرواية عن الصادقين عليهم‌السلام. المراد بالرواية ما رواه محمّد بن يعقوب بإسناد

١٧٣

أنفسكم ، وعيونا من جوارحكم وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم ، ويعدّون أنفاسكم (١).

وبالجملة فقد توهّم قوم من الهنود أنّ الاعمار محصورة بالأنفاس فيرتاضون بحبس الأنفاس وتقليلها ، ويستعينون على ذلك بترك الأطعمة الحيوانيّة من الّلحم واللبن والبيض وغيرها ، والاقتصار على الأغذية النباتية إلى أن يبلغوا حدّا يكتفون في يوم أو يومين بل أيّام عديدة بنفس واحد ثم تحتبس النفس في أدمغتهم فلا يتحلّل شيء من أبدانهم أصلا ، ومع تحلّل شيء يسير من رطوبتها فربما تستمّد الطبيعة من بدلها من الهواء المجاور بواسطة المنافذ الضيّقة المنتشرة في أطراف البدن فيعيشون بلا غذاء ويزعمون أنّه ينكشف عليهم حينئذ أو بعد أزمنة طويلة شيء من الحقائق والمعارف ولهم في ذلك قصص وحكايات لا مساغ للعقل إلى التصديق بأمثالها.

الثاني من أقسام الحكمة العقلية هو الحكمة العمليّة الّتي يكون المقصود منها العمل وإن كان كثير من العلوم المتقدّمة أيضا كذلك إلّا أنّنا ، تابعناهم في اصطلاحهم ، وعرّفوها بأنّها معرفة مصالح الحركات الإرادّية والأفعالية الصناعية لنوع الإنسان من حيث إنّه يؤدّي إلى النظام الأتمّ الأصلح فيما يتعلّق بمعاشه ومعاده ، وقسّموها إلى أقسام ثلاثة لأنّها إمّا أن يتعلق بكلّ نفس بانفرادها ، وتسمّى سياسة النفس ، وعلم تهذيب الأخلاق أو بها وبما تحتاج إليه من شهوات قواها الثلاثة الّتي هي الناطقة والشهوية والغضبيّة ، يسمّى تدبير المنزل ، وكان أرسطو يسمّيه المدينة

__________________

عن الصادق عليه‌السلام كما في تفسير البرهان ج ٣ ص ٢٢.

(١) في ظلال نهج البلاغة : الخطبة ١٥٥ ج ٢ ص ٤١٣.

١٧٤

الفاضلة أو بما يعمّ من ليس لهم مشاركة معه في المنزل والبيت والدار بل يعرف بها الأحوال الكليّة الّتي تشترك فيها أهل البلدان والأقاليم ، وهو السياسة الملكيّة والسلطانيّة قالوا : وهذا كلّه فيما إذا كان مبدء الحكم فيها العقول المستقيمة والتجارب الصحيحة وهذا في الأحكام الّتي لا يختلف فيها الشرائع والأديان. وأمّا ما يختلف باختلاف الأدوار وتقلّب الأطوار والآثار فمبدؤها هو الوضع لا الطبع.

ثمّ الواضع إن كان اتفاق جماعة فيما يتعلّق بأمر المعاش فهو علم الآداب والرسوم العرفّية وإن كان شخصا مؤيّدا من عند الله مخصوصا بالفيوض الربانيّة والإلهامات الالهيّة الّتي منها الوحي والعصمة والمعجزة فهي الدولة النبويّة والنواميس الإلهيّة الّتي ختمها الله سبحانه بالشريعة الحقة النبوية المصطفويّة المشتملة على جميع العلوم الحقّة الالهيّة والأسرار المصونة الربانية ممّا يتعلّق بالتوحيد والمبدء والمعاد ومعاش العباد من حيث الوحدة والعشرة والعبادة بما يحفظ به المقاصد الخمسة الّتي هي العقل والنفس والدين والنسب والمال وغير ذلك من أسرار علم الأخلاق ، والسياسة البدنيّة والمدنيّة والعشرة مع الأهل والأولاد والإخوان ، وغيره من افراد الإنسان إلى غير ذلك ممّا يجد المتأمّل فيها جميع محفوظات الحكماء السالفين في طوال تلك الأدوار والسنين بل وجميع ما أورثت الأمم من الأنبياء والمرسلين والأوصياء الصدّيقين بالنسبة إلى ما ورثنا الله سبحانه من نبيّنا وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) كقطرة من المحيط وشعرة في البسيط.

وامّا الحكمة الشرعيّة ، فتنقسم إلى اصوليّة وفروعيّة ، والمراد بالأولى المسائل الاعتقادية الّتي لا تتعلّق بكيفيّة العمل سواء وجب الإعتقاد بها في الشريعة على عامّة الناس بحيث لا يعذر جاهلها ، وهي أصول الأصول أو لا يجب معرفتها

١٧٥

جميع طبقات الناس لاختلاف أفهامهم ومراتبهم في العلم والمعرفة ، وهي فروع الأصول ، فكلّ من الأصول الخمسة الإسلاميّة بل الإيمانّية وإن كانت عن أصول الأصول لكنّ المباحث المتعلّقة بكلّ منها بعد الاتّفاق على الأصول كالبحث عن الصفات الذاتيّة والفعليّة والفرق بينهما وتعيين كلّ منهما والبحث عن خصوص كلّ من الصفات فيه سبحانه والاشتراك اللفظي وغيرها من المباحث كلّها من فروع الأصول ، كما أنّ المسائل العمليّة المتعلّقة ببيان أحكام أفعال المكلّفين هي فروع الفروع والقواعد الكلّية الّتي يستنبط منها تلك الأحكام كقاعدة اليد والإقرار والضرر والسلطنة وغيرها من القواعد الكلّية هي أصولها.

وبالجملة فيبحث في الأصول الشرعيّة عن الوجود وانقسامها على سبيل الاشتراك اللفظي إلى الأقسام الثلاثة الّتي هي الوجود الحقّ والوجود المطلق والوجود المقّيد وبيان التوحيد في المقامات الأربعة الّتي الذّات والصفات والأفعال والعبادة ، والفرق بين مقام الأحدّية والواحدّية وأنّ كمال التوحيد نفي الصفات وأنّها تنقسم إلى ذاتّية هي عين الذّات بلا مغيرة أصلا لا في الخارج ولا في الذهن ، ولا بحسب الإعتبار وإلى فعليّة مخلوقة في مرتبة بالإمكان والأكوان ، وأيضا إلى جماليّة وجلاليّة وإن كان الكلّ قدسّية تنزيهيّة ، وبيان معنى القدم والحدوث ، وأنّ كلّا منهما إمّا حقيقي أو اضافي ذاتيّ أو غيري ، وأنّ الأزل والأبد نفس الذات لا من الأوعية الّتي هي السرمد والدهر والزمان ، وأنّ الارادة والكلام والمشّية كلّها من صفات الفعل فهي حادثة مخلوقة ، وأنّ القران حادث مخلوق غير مختلق ولا مختلف ، وتحقيق معنى الاسم والفعل ، وأنّ الأول ما يدلّ على المسمّى والثاني أثر الفاعل وانقسام الأسماء إلى الحسنى والسوءى ، وشرح الأسماء الحسنى ، وخصوص التسعة

١٧٦

والتسعين الّتي من أحصى ألفاظها أو معانيها أو التحقّق والتخلّق بها دخل الجنّة (١) وتعيين الاسم المقدّم الجامع والاسم العظيم الأعظم ، وكيفيّة المداومة على كلّ اسم من أسماء الله وشرائطها وآدابها وأعدادها ، والتكلّم في روحانياتها ، وبيان مباحث العدل ، وسبب ذكره بخصوصه من جملة أصول الدين دون غيره من صفات الأفعال بل ومن صفات الذات أيضا ، وإبطال الجبر والقدر وتعيين الأمر بين الأمرين ، ، وأنّ حقيقة الفعل هو الوجود المطلق المنقسم الى المشيّة والإرادة والقدر والقضاء والإمضاء ، وأنّ صفات الفعليّة مرجعها الى المشيّة الفعليّة الّتي خلقها الله بنفسها وأمسكها في ظلّها ، وأنّ المشيّة بقسميها أعني الإمكانيّة والكونيّة حادثة كحدوث الأعيان الثابتة في مراتب المشيّة ردّا على من زعم أنّها غير مجعولة بل هي قديمة كقدم بعض الصفات الّتي يسمّونها المعاني والأحوال وغيرها ، وأنّ أوّل ما خلق الله نور نبيّنا محمّد وآله الطّاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) (٢) وبيان حقيقة المعجزة

__________________

(١) اشارة إلى الحديث الذي رواه الفريقان عن المعصوم كما روي الصدوق في توحيده عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) انه قال : إنّ الله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما مائة الّا واحدة من أحصاها دخل الجنّة إلخ وكما روي السيوطي في الدر المنثور انه سأل الباقر (عليه‌السلام) أباه السجاد (عليه‌السلام) عن الأسماء التسعة والتسعين التي من أحصاها دخل الجنّة فقال (عليه‌السلام) : هي في القرآن ففي الفاتحة خمسة أسماء : يا الله. يا رب يا رحمن يا رحيم. يا مالك إلخ.

(٢) الأخبار بهذا المضمون كثيرة منها ما رواه المجلسي قدس‌سره في بحار الأنوار ج ١٥ ط. الجديد ص ٢٣ : عن أبي جعفر عليه‌السلام قال لجابر الجعفي : يا جابر كان الله ولا شيء غيره ، لا معلوم ولا مجهول ، فأول ما ابتدأ من خلقه أن خلق محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وخلقنا أهل البيت من نور عظمته إلخ.

١٧٧

والكرامة وأنواعهما ومراتب المعراج ، وخصوص ما اختصّ به نبيّنا (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وأنّ جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين والعباد الصالحين بل الجنّة وطينة عليّين كلّها مخلوقة من أشعّة أنوارهم وتجلّيات أطوارهم على حسب تدرّج المراتب وترتّب الدرجات ، وبيان المراد بالنبوّة والولاية المطلقتين والمقيّد في مقام التكوين والتشريع ، وبيان النسب بين الثمانية ، وأنّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) كان متحقّقا بجميع ذلك بنفسه ، وبأوصيائه ، وبسفرائه المبعوثين الى جميع الأمم الّذين منهم الألف ألف آدم في ألف ألف عالم ، وبيان عالم الذرّ وتعدّده ، وكيفيّته ، وسبب الإجابة والإنكار ، وأنّ من أجاب خلق بصورة الإجابة ومن أنكر خلق بصورة الإنكار ، وبيان ، السرادقات النوريّة والحجب الّتي هي سبعون ألف حجاب من نور وظلمة والعرش والكرسي والقلم ولوحي المحو والإثبات وسائر الألواح الجزئيّة ولوح القدر والقضاء والبداء وحقيقته وموضعه من الكون ، وحملة العرش وأصناف الملائكة من العالين والكرّوبيّين والصّافين والحافّين وغيرها ممّا لا يعلم عدد أنواعها فضلا عن أشخاصها إلّا الله والراسخون في العلم الّذين أشهدهم الله خلق السماوات والأرض ، وبيان المجرّدات والملأ الأعلى العالية عن الموادّ الخالية عن القوّة والاستعداد ، وكيفيّة ترتّب العوالم وتنزّلها من الدرّة الى الذرة ، وبيان العمق الأكبر ، والأرض الجرز ، وأرض الزعفران ، وورق الأس ، وورق الزيتون ، وخلق النور والظلمة وطينة عليّيين وسجّين ، وبحر نون وصاد والمزن ، وطينة خبال ، وتلاقي الرشحات النازلة عن الأولى والأدخنة الصاعدة عن الثانية في هذا العالم الّذي هو ملتقى البحرين والبرزخ في البين ، وأنّ حقيقة النور هو قبول الولاية والظلمة إنكارها ، وعرض ولاية النبيّ والأئمّة عليهم الصلاة والسلام على أهل جميع العوالم وجميع الآدميين ، وأنّهم هم الحجج على جميع ما خلق الله تعالى وتحقّقهم في

١٧٨

مقام الخضوع والانقياد والعبوديّة الّتي كنهها الربوبيّة إذ مربوب وبيان بدو خلقهم وكينونتهم ، وميمنتهم ، وعلمهم ، ومعرفتهم بالنورانيّة وتصرّفهم في الملك والملكوت ، واختصاصهم بمزايا الّتي اصطفاهم الله لمعرفتها وعلم الخلفاء والتقلّب في القوالب المثاليّة ، وعلم طيّ الزمان والمكان والقرائة ، وسائر الحركات ، وعلم نشر كلّ ذلك وعلم التكسير والإكسير والجفر والجامعة وصحيفة جدّتنا فاطمة الزهراء (روحي لها الفداء ، وعلى أبيها وبعلها وبنيها وعليها أفضل الصلاة والثناء) وعلم البلايا والمنايا ، ومعرفة الأنساب وفصل الخطاب ، ومعرفة حقائق هذه العلوم وغيرها من غرائب علومهم وعجائب أحوالهم وأطوارهم في جميع النشئات ، وفي هذه النشأة السفلية الناسوتيّة الّتي كانوا مخلوقين قبلها بألوف من السنين بل كان نور نبيّنا خاتم النبيّين (صلى‌الله‌عليه‌وآله أجمعين) مقدّما في الخلق على نور خاتم الوصيّين الّذي هو عينه ونفسه حيث خلقهم الله تعالى نورا واحدا بثمانين ألف سنة من سني الربوبيّة الّتي كلّ يوم منه كألف سنة ممّا تعدّون فما ظنّك بتقدّمهم على غيرهم من المنغمسين في الغواسق الظلمانيّة الهيولانيّة الّتي تتقدّم خلق أرواحها عليها بأربعة آلاف عام أو بسبعين ألف عام ، ومعرفة المراتب الأربعة للعقل النظري والعملي وإبطال العقول العشرة ، وبيان العقول الجزئيّة الّتي هي من رؤوس المشيّة وبيان الأرواح الخمسة الّتي خامسها روح القدس ، وبيان حقيقتها ورتبتها وتأييدها ، ومغايرتها ، للروح الّتي هي من أمر الربّ ، وأقسام النفوس الأربعة الّتي هي نامية نباتيّة ، وحسيّة حيوانيّة ، وناطقة قدسيّة ، وكليّة الهيّة ، والسبعة الّتي هي الأمّارة ، والملهمة ، واللّوّامة ، والمطمئنّة ، والرّاضية ، والمرضيّة ، والفائزة ، وكيفيّة تزكية النفس ورياضتها بالتخلّي من الرّذائل والتحلّي بالفضائل ، وبيان تبعيّة التشريع للتكوين ، وسبب التكليف ، وبعث الأنبياء ونصب الأوصياء ، وحقيقة العصمة ، وتجلّيها على

١٧٩

قلوب شيعتهم على حسب قربهم ، وعدم خلوّ أرض الأكوان عن الحجّة ، وأنّها لو خلت منها ساعة لساخت بأهلها ورجعت الى عدمها ، وكيفيّة ظهور التوحيد في الدول الثلاث الّتي هي دولة النبوّة والولاية الظاهرة والولاية الباطنة ، وأنّ الأمر في غير الأخيرة على الامتزاج والاختلاط ولطخ الطينين ، وتلاقي البحرين وتشابه الحركتين ، وفيها على صريح الحق ومحض التوحيد ، وبيان سرّ الغيبة ، ووجه انتفاع الأنام به (عليه‌السلام) في التكوين والتشريع حالة الغيبة وغيرها نوّابه الخاصّة والعامّة ، والأوتاد والأركان والأبدال والسيّاح والبدلاء والنخباء والنقباء ورجال الغيب المشار إليهم في دعاء أمّ داود (١) وفي حديث جابر وغيره ، وترتيب طبقاتهم ومراتبهم وشئونهم ، وسرّ الدّعاء والإجابة والتوسّلات والرّياضيّات والتوجّهات والمنامات المبشّرات والاطّلاع على المغيّبات ، وبيان كيفيّة الرجعة وظهور الدولة الحقّة ، وأنّ لكلّ نفس ميتة وقتلة ، وحقيقة الموتتين والنفختين وما يحدث في البين ، وكيفيّة الضغطة والسؤال والبرزخ والحشر والموقف والميزان والحساب والكتاب والجنّة والنار والروحانيّين والجسمانيّين وبيان المراد من الجسمين والجسدين ، ومراتب الكسر والصوغ وسرّ الصوغ الّذي بعده كسر والّذي لا كسر بعده ، وسرّ

__________________

(١) دعاء أم داوود دعاء جليل مشهور بين أهل الروايات وقد صار موسما عظيما في يوم النصف من رجب معروف بالإجابة رواه الصدوق ، والشيخ الطوسي ، وابن طاووس في الإقبال وغيرهم. ومن جملة فقراتها : اللهمّ صلّ على الأبدال والأوتاد والسياح إلخ. وأمّ داوود اسمها حبيبة أو فاطمة بنت عبد الله بن إبراهيم زوجة الحسن المثنّى وابنها داوود بن الحسن بن الحسن المجتبى (عليه‌السلام) كان من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام ، حبسه المنصور الدوانيقي فعلّم الصّادق (عليه‌السلام) أمّه الدعاء المعروف ، وعمل الاستفتاح في نصف رجب لنجاة ابنها.

١٨٠