آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مركز تراث السيد بحر العلوم قدّس سرّه
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
متوقّعاً منه الجزم بالضعف ، فأورد عليه بأن تصريح الشيخ بعمل الطائفة بأخباره لا يكون ناهضاً بمقاومة التصريحات الواردة بضعفه من العلماء الأخيار ، وذمّه ، ولعنه المستفيض في الأخبار ، وإن حصل منه نوع اعتماد عليه ، كما أنَّ إثبات الأصل له لا يفيده مدحاً أصلاً ، وصرّحوا بأن كون الرجل ذا أصل لا يخرجه عن الجهالة مطلقاً.
وقول الغضائري في ابنه الحسن : (أبوه أوثق منه ، لا يدل على حسنه ؛ إذ كونه أوثق من رجل ضعیف متَّفق على ضعفه ، أيّ حسن فيه) ، انتهى (١).
وأنت خبير بما فيه ؛ إذ لا مساس لشيء من تصريحاتهم بما يضرُّ في غير مذهبه ، وأنه لا ينافي الوثوق والقول بكون الرجل ذا أصل غير مخرج له عن الجهالة قول من لا اطّلاع له بكلمات السلف ـ قال المفيد في رسالته في الردّ على الصدوق وغيره في غيرها في مدح جماعة : (هم أصحاب الأُصول المدوَّنة) (٢) ـ له أصل ، أو كتاب ، ولا ريب أنَّ إكثارهم ذلك ليس إلّا لإرادتهم من ذلك الإشارة إلى مدحهم ، وإلّا لكان ذكر ذلك عبثاً ولغواً ، وهو في غاية البعد عن طريقة هؤلاء الأجلّاء ، وبالجملة فدعوى عدم إفادته الحسن مكابرة بيّنة ، وأمّا قول : (أبوه أوثق منه) (٣) فهو على وثوقه أدلّ (٤).
__________________
(١) منتهی المقال ٤ : ٣٣٠ ضمن ترجمته المرقمة ١٩٣٢.
(٢) جوابات أهل الموصل : ٢٥.
(٣) أي : قول الغضائري.
(٤) ينظر تفصيل الكلام في : خاتمة المستدرك ٤ : ٤٦٢ ـ ٤٧٠.
الموضع الثاني
الرد على الفلاسفة
في شرح المتن :
[أ] ـ «وأبواب السماء» : فيه ردّ على الفلاسفة القائلين بأن الأفلاك متصلة واحدة لا تقبل الخرق والالتنام ، ويدل عليه أيضاً قوله تعالى : وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (١).
[ب] ـ «كحصون سور المدينة» : فإنه يدافع عن أهلها هجوم الأعادي والطغاة ، ويمنع عنهم غوائل الخصوم والعصاة ، والحصن هنا ـ بکسر الحاء ـ والسور حائط المدينة ، والإضافة بيانية ، والمؤمنون الفقهاء حصون الإسلام ؛ لأنهم يدفعون عنه وعن أهله صدمات المعادين وطغاة الكافرين ، كما يدفع الحصن ذلك عمَّن دخله.
قال الصادق عليهالسلام : «علماء شیعتا مرابطون في الثَّغر الَّذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعونهم من الخروج على ضعفاء شيعتنا ، وعن أن يتسلَّط عليهم إبليس وشيعته النواصب ، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممَّن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرَّة ، لأنه يدفع عن أديان محبِّينا ، وذلك يدفع عن أبدانهم» (٢).
وفيه دلالة على المغالاة بنعمة وجود العلماء الربانيين ، كما ورد أن بين المرء والحكمة نعمة العالم (٣) ، وهي إرشاده وهدايته الموصل إليها ، وتخليصه من
__________________
(١) سورة النبأ : ١٩.
(٢) الاحتجاج ١ : ٨.
(٣) الكافي ١ : ٢٦ ح ٢٩.
ظلمات الأوهام ، وتثبيته من مزالّ الأقدام ، وتسديده من مواضع أغاليط الأفهام ، وتعليمه كيفية السلوك في طريق المطالب ، وتقويته للوصول إلى دقائق الحكمة في أعلى المراتب ، فالعالم الحقّاني المؤيِّد الرباني ، جُنّة يقي الناس بعلمه من سهام الشيطان ، وأسنّة مخاطرات النفوس ، وصولات القوى الشهوية والغضبية ، والدواعي الفاسدة النفسانية ، بل من جميع آفات الدنيا وعقوبات الآخرة ، ويؤيِّده تفسير نقص الأرض في قوله تعالى : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا (١) بذهاب العلماء (٢) ، فبذلك يُعلم أنَّ وجود العلماء الأخيار سبب لعمارة الأرض ، ونظام أهلها ، وارتكابهم لما ينبغي ، واجتنابهم عمّا لا ينبغي من الأخلاق السيِّئة ، والأعمال الرديَّة ، فالأرض وما عليها مشرقة بنور جمالهم ، ناقصة مظلمة بظلم الجور ، والفسق ، والشك ، والشبهة بفقدهم وموتهم ، ومنه تعرف الوجه في بكاء الملائكة عليه الَّذي هو كناية عن شدَّة الحزن ؛ وذلك لانقطاع إعانته المؤمنين وزوال نصرته للدين وأهله ، وبقائهم متحيِّرين ، ووقوع الهرج والمرج من تصدي من ليس أهلاً للرئاسة ، ورجوع الناس إلى الحور بعد الكور ، كما هو ظاهر في زماننا ؛ إذ قَدْ ولي الفتيا والتدريس كثير من الجهّال والصبيان ، وتأتي القضاء للحكومة جماعة من أهل الجور والطغيان ، وفي الدعاء «نعوذ بالله من الحور بعد الكور» ، أي : من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة والتمام (٣).
__________________
(١) سورة الرعد : من آية ٤١.
(٢) تفسير القمي ١ : ٣٦٧.
(٣) الصحاح ٢ : ٦٣٨.
الحديث الرابع والثلاثون
[الحديث في حلال وحرام]
[١٠٢] ـ قال رحمهالله : وبالإسناد السالف ، عن الشيخ المفيد محمّد بن النعمان ، عن أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري ، عن علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن محمّد بن عبد الحميد العطّار ، عن عمَّه عبد السلام بن سالم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق ، خير من الدنيا وما فيها من ذهب أو فضة» (١).
أقول : واستيعاب المراء في موضوعين :
الموضع الأول
في رجال السند :
[ترجمة محمّد بن عبد الحميد]
قال النجاشي : (محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطّار أبو جعفر ، روی عبد الحميد عن أبي الحسن موسی عليهالسلام ، وكان ثقة من أصحاب الكوفيين) ، انتهى (٢).
واختلفوا في كون التوثيق للأب حول الابن ؛ ولذا قال الطريحي في (الدراية) : (محمّد بن عبد الحميد ، المشترك بين الثقة وغيره ، ویمکن استعلام أنه ابن سالم العطّار المحتمل توثيقه پرواية أحمد بن أبي عبد الله عنه ، وبرواية عبد الله بن جعفر عنه) ، انتهی (٣).
وصرّح بتوثيقه خالنا العلّامة المجلسي في (الوجيزة) (٤).
__________________
) معالم الدين : ٢٣ ، المحاسن ١ : ٢٢٩ ح ١٦٦ ، الكافي ١ : ٧ مقدمة (١ الكتاب.
(٢) رجال النجاشي : ٣٣٩ رقم ٩٠٦.
(٣) جامع المقال : ١٢٣.
(٤) الوجيزة في الرجال : ١٦٢ رقم ١٧٠٦.
[حال عبد السلام بن سالم]
وأمّا عبد السلام بن سالم : فهو البجلي ، كوفي ، ثقة كما صرّح به النجاشي (١).
الموضع الثاني
حُجية الخبر الموثق
في شرح المتن. وهذا الحديث صريح في حُجِّية الخبر الموثوق ـ أعني : من کا راوی محترزاً عن الكذب وإن كان غير محرز العدالة ـ وفي التقييد بالحلال والحراء إشارة إلى ما سيأتي في الحديث الَّذي بعده ، من أنَّ الفضل والخير فيما کان من قبيل العلوم الشرعية المتعلّقة بفعال المكلّفين ، ولا خير فيما لا يعنيه.
__________________
(١) رجال النجاشي : ٢٤٥ رقم ٦٤٤.
الحديث الخامس والثلاثون
[وهل يسأل الناس عن شيء أفضل من الحلال والحرام]
[١٠٣] ـ قال رحمهالله : وبالإسناد ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنَّ لي ابناً قَدْ أحبّ أن يسألك عن حلال وحرام ، ولا يسألك عمّا لا يعنيه ، قال : فقال لي : «وهل يسأل الناس عن شيء أفضل من الحلال والحرام» (١).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
الموضع الأول
في رجال السند :
[ترجمة يونس بن يعقوب الدهني]
قال النجاشي : (يونس بن يعقوب بن قيس ، أبو علي الجلّاب البجلي الدهني ، اُمُّه منية بنت عمّار بن أبي معاوية الدهني ، اُخت معاوية بن عمّار. اختصّ بأبي عبد الله وأبي الحسن عليهماالسلام ، وكان يتوكل لأبي الحسن عليهالسلام ، ومات بالمدينة في أيام الرضا عليهالسلام ، فتولى أمره ، وكان حظياً عندهم ، موثقاً ، وكان قَدْ قال بعبد الله ورجع) ، انتهى (٢).
وقال في (الخلاصة) : (اختلف علماؤنا فيه ، ... والَّذي اعتمد عليه قبول روايته) (٣).
__________________
(١) معالم الدين : ٢٤ ، المحاسن ١ : ٢٢٩ ح ١٦٨.
(٢) رجال النجاشي : ٤٤٦ رقم ١٢٠٧.
(٣) خلاصة الأقوال : ٢٩٧ رقم ٢.
وعدّه في (الحاوي) في قسم الثقات دون الموثَّقين ، وكذا صاحب (المشتركات) (١) ؛ ولذا قال المجلسي في (الوجيزة) : (إنه ثقة كالصحيح ؛ لرجوعه عن الفطحية) (٣).
وفي (التعليقة) : (أن حديثه لا يقصر عن الصحيح) (٣).
وأمّا يعقوب هذا ، فلم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، فهو من صنف المهملين (٤).
الموضع الثاني
في شرح المتن :
[أ] ـ «أحب» : يحتمل أن يكون بضم الباء على صيغة المتكلّم ، ويحتمل أن يكون بصيغة الماضي مبنياً على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر فيه راجع إلى ابنه ، والجملة في محل النصب صفة لـ(ابنا).
[ب] ـ «وهل يسأل الناس» : الاستفهام ليس حقيقياً ، وإنَّما هو للتقرير ، وبقية الفقرات واضحة لا تحتاج إلى بيان.
__________________
(١) حاوي الأقوال ٢ : ٣٥٥ رقم ٧٣٥ ، هداية المحدثین : ١٦٥.
(٢) الوجيزة في الرجال : ٢٠٢ رقم ٢١٤٧.
(٣) تعليقة على منهج المقال : ٣٦٨.
(٤) تُرجم في معجم رجال الحديث ٢١ : ١٥٤ رقم ١٣٧٧٣ بما نصّه : (يعقوب بن قيس البجلي الدهني ، أبو خالد ، والد يونس بن يعقوب ، من أصحاب الصادق عليهالسلام ، رجال الشيخ (٥٥). وعدّ يعقوب بن يونس ، والد يونس بن يعقوب ، في أصحاب الباقر عليهالسلام (١٤) ، وحيث لا شبهة في أن يونس بن يعقوب المعروف الَّذي جُعل معرفاً لوالده هو يونس بن يعقوب بن قيس ، ففي عبارة الرجال تحريف لا محالة ، والصحيح يعقوب بن قيس ، لا يعقوب بن يونس ، بل إن يونس بن يعقوب بن يونس لا وجود له ، ولم يُذكر لا في الرجال ، ولا في رواية).
[١٠٤] ـ قال رحمهالله : (فصل : الحقّ عندنا أنَّ الله تعالى إنَّما فعل الأشياء المحكمة المتقنة لغرض وغاية) (١).
أقول : اختلفت الآراء هنا ، فذهبت المعتزلة : إلى أنَّه تعالى يفعل لغرض ، ولا يفعل شيئاً لغير فائدة.
وذهبت الأشاعرة : إلى أنَّ أفعاله تعالى يستحيل تعليلها بالأغراض والمقاصد (٢).
والدليل على صحَّة مذهب المعتزلة أن كلّ فعل لا قع لغرض فإنَّه عبث ، العبث قبيح والله تعالى يستحيل منه القبيح.
احتجَّ المخالف بأنَّ كلّ فاعل لغرض وقصد ، فإنَّه ناقص بذاته مستكمل بذلك الغرض ، والله تعالی پستحيل عليه النقصان.
والجواب : إنَّ النقص إنَّما يلزم لو عاد الغرض والنفع إليه ، أمَّا إذا كان الغرض عائداً إلى غيره فلا ، كما نقول : إنَّه تعالى يخلق الحالم لنفعهم (٣).
وجوه شرف الإنسان
[١٠٥] ـ قال رحمهالله : (ولا ريب أنَّ نوع الإنسان أشرف ما في العالم السفلي من الأجسام) (٤).
أقول : وفي تقييده بالسفلي دلالة على أشرفية نوع الملاكة من نوع البشر ، كما هو المنقول من العلّامة الزمخشري ، ولا يخلو عن تحكُّم ، وذكروا لأشرفية
__________________
(١) معالم الدين : ٢٤.
(٢) الرسالة السعدية : ٦١ باب في أنه تعالى يفعل لغرض.
(٣) أورده العلّامة الحلي رحمهالله في كشف المراد : ٤٢٢ ، الرسالة السعدية : ٦١ باب في أنه تعالى يفعل لغرض.
(٤) معالم الدين : ٢٤.
الإنسان وجوهاً ، منها : قابليته للكتابة التي بها يقدر على إبداع العلوم التي يستنبطها في الدفاتر.
ومنها : الصورة الحسنة كما صرّح به القرآن الشريف : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (١).
ومنها : تکریم صفاته ، فإنه تعالى قَدْ أدَّب الإنسان بآدابه الكريمة ، وكمّله بتکميلاته الجليلة ، وألبسه حلل صفاته الجميلة من العقل ، والحياء ، والعلم ، والعفَّة ، والتقوى ، والرأفة ، والرحمة ، والجود ، والكرم ، والحلم ، والحكمة ، والبيان ، والقدرة ، وغير ذلك من ملابس صفات الربوبية.
ومنها : تكريم أفعاله ، فإنَّ الله تعالی أرسل إليه رسلاً ليعرِّفوه كرم الأفعال ، وحسن الأعمال ، حَتَّى إنه دُلّ على حصر جميع أفعاله في صرفها في خدمته وطاعته ، وكفى بهذا تكرِمةً له.
ومنها : انتصاب قامته ، وصفاء لونه ، وبضاضة جلده ، واعتدال أعضائه ، وكثرة الانتفاع بها وصلاحها لأكثر الأعمال ، حَتَّى إذا قيس كلّ واحد إلى نظيره في سائر الحيوانات رأيت فيه صفات الربوبية والتدبير.
منها : قدرته على الانتصاب قائماً ، والاستواء جالساً ، فيستقبل الأشياء بيديه وجوارحه ، ويمكنه العلاج والعمل بهما ، فلو كان مكبوباً على وجهه كذات الأربع لما استطاع أن يعمل شيئاً من الأعمال إلى غير ذلك ممَّا هو مفصّل في
__________________
(١) سورة التين : ٤.
(توحيد المفضّل) (١) ، وقال الله تعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٢) (٣).
[١٠٦] ـ قال رحمهالله : (فيلزم تعلُّق الغرض بخلقه) (٤).
أقول : وذلك ؛ لأن الأشرف أولى بأن يكون متعلّقاً لغرض الحكيم على الإطلاق.
[١٠٧] ـ قال رحمهالله : (ولا يمكن أن يكون ذلك الغرض حصول ضرر له ؛ إذ هذا إنَّما يقع من الجاهل أو المحتاج تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) (٥).
أقول : معنى العبارة أنه لا يمكن الغرض الَّذي لأجله خلق الإنسان إيصال الضرر إليه ؛ إذ هذا إنَّما يتصور من الجاهل غير المميِّز بين النفع والضرر ، أو النافع والضار ، أو الجاهل بقبح الإضرار وحسن النفع ، وربّما يتصور وقوعه من المحتاج ؛ إذ المحتاج إلى شيء ربّما يقدم على الإضرار بالغير ؛ لجلب النفع إلى نفسه ، أو دفع الضرر عنها ، ولا مسرح لهما في حق الباري تعالی.
__________________
(١) التوحيد : لأبي عبد الله ـ الإمام الصادق عليهالسلام ـ أو أبي محمّد مفضل بن عمر الجعفي الكوفي ، عبّر عنه النجاشي بكتاب (فكر) ، وسماه بعض الفضلاء بـ(کنز الحقائق والمعارف) ، وقد أمر السيِّد علي بن طاووس في (کشف المحجّة) وفي (أمان الأخطار) بلزوم مصاحبة هذا الكتاب والنظر والتفكير فيه ، وقال : (إنه ممَّا أملاه الإما الصادق عليهالسلام فيما خلقه الله جلّ جلاله من الآثار ، وهو في معرفة وجوه الحكمة في إنشاء المعالم السلفي ، وإظهار أسراره ، وإنه عجيب في معناه) فتبيّن أنه قال لرسالة الإهليلجة ، وكلاهما في إثبات التوحيد وهما من منشآت الإمام أبي عبد الله الصادق عليهالسلام. (الذريعة ٤ : ٤٨٢ رقم ٢١٥٦).
(٢) في الأصل : (على كثير من عبادنا) وما أثبتناه من الآية الكريمة.
(٣) سورة الإسراء : ٧٠.
(٤) معالم الدين : ٢٤.
(٥) معالم الدين : ٢٤.
[١٠٨] ـ قال رحمهالله : (فتعيَّن أن يكون هو النفع ولا يجوز أن يكون عائداً إليه سبحانه لاستغنائه وكماله ، فلابدَّ أن يكون عائداً إلى العبد) (١).
أقول : كما قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ (٢) ، ولأن الاحتياج من صفات الممكن ، والمراد من الغنيّ في حقّه تعالى هو عدم افتقاره إلى الغير لا في ذاته ولا في صفاته.
المنافع هي دفع آلام
[١٠٩] ـ قال رحمهالله : (وحيث كانت المنافع الدنيوية في الحقيقة ليست بمنافع ، وإنَّما هي دفع آلام ، فلا يكاد يُطلق اسم النفع إلا على ما ندر منهما ، لم يعقل أن يكون هو الغرض من إيجاد هذا المخلوق الشريف ، ولا سيّما مع كونه منقطعاً مشوياً بالآلام المتضاعفة) (٣).
أقول : كلّ من تأمل بعين البصيرة يرى في الحقيقة أنَّ المنافع الدنيوية التي هي عبارة عن اللَّذّات الجسمانية ليست هي لذّات ، بل هي دفع آلام حاصلة للبدن ، فما يظنُّه الآكل عند الأكل لذّة ؛ ما هو إلا دفع ألم الجوع ، وما يجده الناكح حين النكاح من اللذّة ؛ ما هو إلا دفع مضرّة المني المجتمع ، وقس عليه ما سواه من المسكن ، والملبس ، والحشم ، والمركب ، والجاه ، والمنصب ؛ ولذا ترى أن الممتلئ لا يلتذ بالأكل أصلاً ولو قُدّم إليه أنفس المأكل ، ومن البديهي أنَّ الخلاص من الألم غير مرتبة الكمال ، فليس في اللَّذّات الجسمانية بأسرها کمال
__________________
(١) معالم الدين : ٢٤.
(٢) سورة فاطر : من آية ١٥.
(٣) معالم الدين : ٢٤.
أصلاً ولا اعتبار لها في نظر أهل البصيرة ، بل إنما الإنسان بهذه اللذّات يكون شريكاً للحيوان ، وتكون نفسة الناطقة عند استيفائه خادمة لقوة البهيمة ؛ ولذا لل نسبنا إلى أحد كثرة الأكل ووصفناهبذلك لتأثر من ذلك إلى الغاية ، مع أن كلّ عاقل يطلب نشر كماله ويبتشُّ بِذِكره بما فيه من وصف الكمال ، وكيف نعد نيل اللَّذّات الجسمانية كمالاً مع أنَّ كلّنا نقدِّس ذات الباري تعالى الجامع لجميع صفات الكمال من لوث هذه اللذّة ، فلو كانت من الكمال في شيء لثبتت في حقّ مبدأ الكائنات ، هذا كله مع أنه نفع منقطع غير دائم في دار الدنيا ؛ إذ غاية صفة الدنيا للراغبين فيها والراضين بها لا يتجاوز المثل ، وهو أن تزهر في عيونهم وتروقهم محاسنهم ، ثُمَّ عن قليل تزولُ عنهم ، فكأنَّها لم تكن كما هو معنى المثل المضروب لها في القرآن الكريم : وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (١).
وقال مولانا أمير المؤمنين وسيد الوصيين في وصف الدنيا : «لم يكن امرؤ منها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة ، ولم يلق من سرّائها بطناً إلّا منحته من ضرائها ظهراً ، ولم تطله فيها ديمة رخاء ، إلا همت (٢) عليه مزنة بلاء ، وحري إذا أصبحت له منتصرة أن تسمي له متنكرة ، وإن جانبٌ منها اعذوذبَ واحلولى أمرّ منها جانب فأوبى ، لا ينال امرؤ من غضارتها رغباً إلا أرهقته من نوائبها
__________________
(١) سورة الكهف : من الآيتين ٤٥ ـ ٤٦.
(٢) كذا وفي بعض النسخ : (هننت) وفي غيرها (هتفت).
تعباً ، ولا يمسي منها في جناح أمن إلا أصبح على قوادم خوف ، غرّارة غرور ما فيها ، فائية فانٍ من عليها ، لا خير في شيء من أزوادها إلا التقوى» (١).
فقد تحقّق من جميع ما ذُكر أنه لا ينبغي أن تكون المنافع الدنيوية التي قَدْ عرفت حقارتها هي الغرض من إيجاد الإنسان ؛ ولذا قال رحمهالله : (فلا بد أن يكون الغرض شيئاً آخر ، ممَّا يتعلّق بالمنافع الأُخروية) (٢).
أقول : أعني الفوز بلذّات النشأة الأُخروية والوصول إلى منتهی مراتب الإنسانية ، والأُنس بالابتهاجات الروحانية ، واللذّات العقلية ، والقرب من بساط الرحمة ؛ ولذا عدّه من أعظم المنافع حيث قال : (ولمّا كان ذلك النفع من أعظم المطالب وأنفس المواهب ، لم يكن مبذولاً لكلّ طالب ، بل إنَّما يحصل بالاستحقاق ، وهو لا يكون إلا بالعمل في هذه الدار ، المسبوق بمعرفة كيفية العمل المشتمل عليها هذا العلم ، فكانت الحاجة ماسّةً إليه جدّاً لتحصيل هذا النفع العظيم) (٣).
أقول : لا ريب أنَّ الثواب والجزاء إنَّما يترتَّبان على فعل المأمور به وترك المنهيّ عنه ، ولا يتصور ذلك إلّا بالعلم والبصيرة بهما ؛ لأنَّ الَّذي يؤدِّي بغير علم وبصيرة لا يدري إلى من يؤدِّي ؛ لظهور أن من لم يعرف ربِّه ولم يعلم أوامره ونواهيه لا يدري ما يفعل ، ولا لمن يفعل ، ولا من يتقرَّب إليه ، فلو فعل شيئاً لم يكن ذلك عبادة ؛ لأن العلم أصل العبادة والتقرُّب روحه ، فإذا لم يتحقَّقا لم تتحقق العبادة ، وإذا كان جاهلاً لم يكن على ثقة ممَّا أدَّى ولا مصدقاً بأن ما أداه
__________________
(١) نهج البلاغة ١ : ٢١٧.
(٢) معالم الدين : ٢٤.
(٣) معالم الدين : ٢٤.
هو المطلوب منه ويترتَّب عليه الثواب والجزاء ، وبالجملة فإنَّ قبول العمل يتوقف على معرفته تعالى ، ومعرفة صفاته ، ورسوله المبلّغ عنه ، ومعرفة العمل ومأخذه الَّذي يجب الأخذ عنه ، ومعرفة كيفيته ، وأجزائه ، وشرائطه ، ومفاسده ، ومواضع صحَّته ، فإذا حصلت تلك المعارف لأحد وعمل على وفقها كان عمله مقبولاً ، وإلّا فلا ضرورة توقف انتقاء الموقوف بانتقاء الموقوف عليه ، وقد قال العالم عليه السالم : «من دخل في الإيمان يعلم ثبت فيه ، ونفعه إيمانه ، ومن دخل فيه يغير علم خرج منه كما دخل فيه».
وقال : «من أخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله زالت الجبال قبل أن يزول ، ومن أخذ ديته من أقواه الرجال ردّته الرجال ـ عنه (١) ـ» (٢).
__________________
(١) ليس في الحديث : (عنه) وإنما وضعها المؤلف رحمهالله للبيان.
(٢) الحديثان وردا تباعاً في خطبة كتاب الكافي ١ : ٧.
الحديث السادس والثلاثون
في الأمر بالمعروف
[١١٠] ـ قال رحمهالله : وقد روينا بالإسناد السابق وغيره ، عن محمّد بن یعقوب ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درَّاج ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «لوددت أنَّ أصحابي ضُرِبَتْ رؤوسهم بالسياط حَتَّى يتفقَّهوا ـ في الدين (١) ـ» (٢).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
الموضع الأول
في رجال السند :
[ترجمة جميل بن درّاج]
جميل بن درَّاج : وجه هذه الطائفة ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليهالسلام (٣).
[ترجمة أبان بن تغلب]
أبان بن تغلب : ثقة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة في أصحابنا ، لقي أبا محمّد علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله عليهمالسلام ، وروى عنهم (٤).
وهذا الحديث مجهول في الاصطلاح ، ولكنَّه في قوّة الصحيح ؛ لكون محمّد بن إسماعيل من مشايخ الإجازة كما تقدّم ولا تضرُّ جهالته (٥).
__________________
(١) ليس في المعالم والكافي : (في الدين) وإنما وضعها المؤلف رحمهالله للبيان.
(٢) معالم الدين : ٢٥ ، الكافي ١ : ٣١ ح ٨.
(٣) رجال النجاشي : ١٢٦ رقم ٣٢٨.
(٤) رجال النجاشي : ١٠ رقم ٧.
(٥) ينظر حال محمّد بن إسماعيل مفصلاً في : شرح اُصول الكافي للمازندرانی ٢ : ١٦.
الموضع الثاني
في شرح المتن :
[أ] ـ «أصحابي» : والأصحاب جمع صحب مثل فرخ وأفراخ ، والصحابة جمع صاحب ، ولم يجمع فاعل على فَعالة إلّا هذا (١).
والصحابي على ما هو المختار عند جمهور أهل الحديث : (كلّ مسلم رأی النبي صلىاللهعليهوآله ، قیل : وروى عنه ، وقيل : أو رآه النبي صلىاللهعليهوآله ، قيل : وكان أهل الرواية عند وفاته مائة ألف وأربعة عشر ألفاً) (٢).
وذهب أصحابنا الإمامية إلى أنَّ وصف الصحبة مع النبي صلىاللهعليهوآله لا يصير بنفسه سبباً لحسن المتَّصف بها ، فضلاً عن أن يصير بها موثَّقاً عادلاً ، وإنَّ الحكم بتعديل الصحابي وتوثيقه ، أو مدحه وحسنه كغيره يحتاج إلى ثبوت الإيمان أولاً ، ثُمَّ العدالة من اجتناب الكبائر ، وعدم الإصرار على الصغائر ، أو ما هو سبب للمدح ممَّا هو مذكور في محلّه ، وهذا واضح لا يحتاج إلى دليل وبرهان بعد الرجوع إلى أوصاف المؤمنين والفسَّاق في كتاب الله عزَّ وجلَّ ، وإن المناط في الجرح والتعديل هو الإطاعة والعصيان (٣).
وأقوى دليل على عدم العبرة بمحض الصحبة قول أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبة نهج البلاغة في تمييز الأحاديث الصحيحة :
«وإنَّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس : رجل منافق مظهر للإيمان ، متصنَّع بالإسلام ، لم يتأثم ولا يتحرَّج ، يكذب على رسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) مجمع البحرين ٢ : ٥٨٥.
(٢) مجمع البحرين ٢ : ٥٨٥.
(٣) نفس الرحمن : ٥٩٠ باب مذهب الإمامية في الصحابة ، وفيه تفصيل الحديث ، فليراجع.
متعمداً ، فلو علم الناس أنه منافق کاذب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوا قوله ، ولكنَّهم قالوا : صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، رآه وسمع منه ولقف عنه ، فيأخذون بقوله ، ولقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ، ووصفهم بما وصفهم به لك ... إلخ» (١).
فإنَّ هذا تصريح منه عليهالسلام بنفاق بعض الصحابة.
[ب] ـ «ضربت» : بضم التاء على صيغة المتكلّم أو بسكونها ، وضم الأول على البناء للمجهول.
[ج] ـ «رؤوسهم» : خصّه عليهالسلام بالذكر من بين سائر الأعضاء مع أنه أشرفها مبالغة في تأديبهم في ترك التفقُّه ، وفيه دلالة على وجوب الأمر بالمعروف وإن احتاج إلى الضرب وغيره من أنواع التأديب ، كما هو صریح رواية جابر الطويلة : «فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكُّموا بها جباههم» (٢).
ومرسلة التهذيب : قَدْ حق لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم ، وكيف لا يحق لي ذلك؟! وأنتم يبلغكم عن الرجل منکم القبيح ، ولا تنكرون عليه ، ولا تهجرونه ، ولا تؤذونه حَتَّى يترکه» (٣).
وغير ذلك ممَّا تختصُّ به أدلَّة نفي الضرر ونحوها ، وأمّا صحيحة زرارة : «كان علي عليهالسلام لا يُجلس في السجن إلا ثلاثة : الغاصب ، ومن أكل مال اليتيم ظلماً ، ومن أؤتمن على أمانة فذهب بها» (٤).
__________________
(١) نهج البلاغة ٢ : ١٨٩.
(٢) الكافي ٥ : ٥٥ ، تهذيب الأحكام ٦ : ١٨٠ ح ٣٧٢ / ٢١.
(٣) تهذيب الأحكام ٦ : ١٨١ ح ٣٧٥ / ٢٤.
(٤) تهذيب الأحكام ٦ : ٢٩٩ ح ٨٣٦ / ٤٣.
حيث دلَّت من جهة إطلاق الجزء المستفاد من الحصر على عدم حبس غير الثلاثة ، فهي أعم مطلقاً لا ممَّا مرَّ ، فيجب تخصيصها به ، فيتمُّ الوجوب ولكن مع حصول شرائطه المذكورة فيما سبق.
[د] ـ «بالسِّياط» : بكسر السين ، جمع سوط ، وهو آلة الجلد ، والأصل سواط ـ والواو فقلبت ياء لكسرة ما قبلها ـ وتجمع على الأصل أسواط ، وأمّا جمعه على أسباط فشاذ (١).
__________________
(١) مجمع البحرين ٢ : ٤٥٣.
الحديث السابع والثلاثون
وجوب النفرللتفقه
[١١١] ـ قال رحمهالله : عنه ، عن علي بن محمّد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن علي بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : «تفقَّهوا في الدين ، فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي ، إن الله تعالى يقول في كتابه : لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١)» (٢).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
الموضع الأول
في رجال السند : فمرجع الضمير كما تقدّم.
[ترجمة علي بن محمّد]
علي بن محمّد : قال الشيخ عبد اللطيف الجامعي في رجاله : (علي بن محمّد مطلقاً روى عنه في الكافي ، وقد مراراً بابن عبد الله ، ومراراً بابن زياد ، ومراراً بابن بندار ، والاشتباه يلوح على الكلّ) ، انتهى (٣).
فهو من صنف المجهول (٤) ، والرواية من جهته ضعيفة اصطلاحاً.
__________________
(١) سورة التوبة : ١٢٢.
(٢) معالم الدين : ٢٥ ، الكافي ١ : ٣١.
(٣) رجال الشيخ عبد اللطيف الجامعي ، لم أقف عليه وكانت نسخته عند المؤلف رحمهالله كما في الذريعة ١٠ : ١٢٨ رقم ٢٥٣.
(٤) قال السيِّد الخوئي قدس سره في معجم رجال الحديث ١٣ : ١٦٢ رقم ٨٤٥٠ ما نصّه : (علي بن محمّد بن عبد الله : من مشايخ الكليني قدس سره ، وتقدّم في علي بن محمّد أنه علي بن محمّد ابن بندار ، وقد أكثر الكليني الرواية عنه. وقع بهذا العنوان في إسناد عدة من الروايات تبلغ تسعة وثلاثين مورداً. فقد روى عن أبيه ، وابن البرقي ، وإبراهيم بن إسحاق ، وإبراهيم بن إسحاق الأحمر ، وأحمد ، وأحمد بن أبي عبد الله ، وأحمد بن محمّد ، وأحمد بن محمّد البرقي ، وأحمد بن محمّد بن خالد ، ومحمّد بن عبد الله ، والسياري. وروى عنه في جميع ذلك محمّد بن يعقوب).
الموضع الثاني
في شرح المتن :
[أ] ـ قال جدّنا الفاضل الصالح : (المراد بالتفقُّه في الدين طلب العلوم النافعة في الآخرة ، الجالبة للقلب إلى حظيرة القدس دائماً ، بحيث يُعد الطالب عرفاً من جملة طلبتها ومشتغلاً بها ، وتلك العلوم في المعدّة لسلوك سبيل الحق ، والوصول إلى الغاية من الكمال ، كالعلوم الإلهية ، والأحكام النبوية ، وعلم الأخلاق ، وأحوال المعاد ومقدّماتها) ، انتهى (١).
[ب] ـ «فهو أعرابي» : أي كالأعراب في عدم التفقُّه ، وقد ذمَّهم الله تعالی بقوله : الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ (٢).
قال الجوهري في (الصحاح) : (الأعراب سكان البادية خاصة من العرب ، والنسبة إلى الأعراب أعرابي ؛ لأنه لا واحد له) (٣).
وفي الآية دلالة على وجوب التفقُّه ؛ لأنه تعالى أوجب النفر له ، ولو لم يكن واجباً لم يجب النفر له.
وفيه دلالة على وجوب مقدمة الواجب ، وعلى كون وجوبه كفائياً ؛ لإيجاب النقر على طائفة من كلّ فرقة ، وعلى حُجِّية خبر الواحد ؛ لوجوب الحذر علی القوم عند تبليغ الطائفة لهم وإنذارها إياهم ، ومن أراد التفصيل فعليه مراجعة مظانّه من كتب الأُصول.
__________________
(١) شرح اُصول الكافي ٢ : ١٤.
(٢) سورة التوبة : من آية ٩٧.
(٣) الصحاح ١ : ١٧٨.