آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مركز تراث السيد بحر العلوم قدّس سرّه
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
قال المعاصر المجلسي في وجيزته ، بعد تضعیفه : ولعلَّه لا يضرّ في السند ؛ لكونه من مشايخ الإجازة ، انتهى.
وفيه نظر ؛ إذ الظاهر عدم انتظام هذا في هذا السلك كما بيَّناه في المعراج وغيره) ، انتهى (١).
فالأقوى: كونه ضعيفا.
[ترجمة الحسن بن علي الوشّا]
وأمّا الحسن بن علي الوشّا : هو ابن زياد الحسن بن علي الهمداني ، أبو محمّد.
قال الشيخ رحمهالله في (التهذيب) في باب (الوصية لأهل الضلال) : (إنّه مطعون) (٢).
وفي (الوجيزة) : (إنه ضعيف) (٣).
قلت : والأقوى عندي توثيقه لأُمور :
الأول : رواية ابن أبي عمير عنه ، كما صرّح به في (التعليقة) (٤).
الثاني : رواية الأجلاء عنه مثل : يعقوب بن زيد (٥) ، وأحمد بن محمّد بن عيسی (٦) ، والحسين بن سعيد (٧) ، وإبراهيم بن هاشم القمِّي (٨) ، واحتياط القمِّيين في هذا الباب معروف.
__________________
(١) لم أعثر عليه في بلغة المحدثين ، الوجيزة في الرجال : ١٨١ رقم ١٩٢٣.
(٢) تهذيب الأحكام ٩ : ٢٠٤ ح ٨١٢ / ٩.
(٣) الوجيزة في الرجال : ٥٨ رقم ٥١٨.
(٤) تعليقة البهبهاني على منهج المقال : ١٠٤.
(٥) رجال النجاشي : ٤٠ رقم ٨٠.
(٦) رجال النجاشي : ٣٩ رقم ٨٠ ، والفهرست للطوسي : ٥٤ رقم ١٩٢.
(٧) تهذيب الأحكام ٨ : ٢٩٢ ح ١٠٨٠.
(٨) من لا یحضره الفقيه ٤ : ٨٣ من المشيخة.
الثالث : ما قاله النجاشي في حقّه ، من أنه كان من وجوه هذه الطائفة (١) ، وربّما يُفهم من هذه العبارة فوق الوثاقة.
قال المحقِّق السيِّد الكاظمي رحمهالله في عدّته ، في ذكر جملة ما يُفهم منه التوثيق : (وكذا قولهم عين من عيون هذه الطائفة ، ووجه من وجوهها) ، انتهى (٢).
وقال الشيخ حسين والد شيخنا البهائي في رسالة (وصول الأخيار) : (وأمّا نحو شيخ الطائفة ، وعمدتها ، ووجهها ، ورئيسها ، ونحو ذلك ، فقد استعمله أصحابنا فيمن يستغني عن التوثيق لشهرته ، إيماءً إلى أنَّ التوثيق دون مرتبته) (٣).
وهو صريح منه في كونه من ألفاظ التوثيق وأنه أمر مسلّم.
الرابع : قول النجاشي فيه أيضاً : (وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة) (٤) ، ووجه الدلالة كسابقه.
الخامس : كونه من مشايخ الإجازة كما صرّح به الأُستاذ الأكبر (٥) ، وتلميذه جدّي العلّامة في (التعليقة) وفي (شرح الوافية) (٦).
السادس : حكم جماعة من الفقهاء بصحَّة طرق هو فيها ، منهم العلّامة (٧) ،
وفي كتاب التدبير من (المسالك) عند ذكر رواية عنه :
__________________
(١) رجال النجاشي : ٣٩ رقم ٨٠.
(٢) عدة الرجال ١ : ١٩.
(٣) وصول الأخيار ١٩٢.
(٤) رجال النجاشي : ٣٩ رقم ٨٠.
(٥) تعليقة البهبهاني على منهج المقال : ١٠٤.
(٦) شرح الوافية للعلامة السيِّد محمّد مهمدي بحر العلوم قدس سره ، مخلوط في مكتبة السيِّد محمّد صادق بحر العلوم رحمهالله ونسخته تقع رقم ٤٣.
(٧) خلاصة الأقوال : ٤٤١ من الفائدة الثامنة.
(أنَّ الأصحاب ذكروها في الصّحاح) (١).
وفي (شرح اللمعة) وصف حديثه بالصحَّة (٢).
السابع : إن عمدة ما يُطعن به ، الوقف على [الإمام] (٣) الكاظم عليهالسلام ، ولكن من المحقِّق أنه رجع عن ذلك الاعتقاد في جملة من رجع ، وكانت عثرته في أول شبابه ، كما هو مذكور في غيبة الطوسي (٤). (٥)
[ترجمة أحمد بن عائذ]
وأمّا أحمد فهو : ابن عائذ بن حبيب ـ وما في (الخلاصة) : أبو حبيب ، اشتباه (٦) ـ الأحمسي البجلي.
قال النجاشي : (هو مولی ، ثقة ، كان صحب أبا خديجة سالم بن مكرَّم ، وأخذ عنه وعُرف به ، وكان خلّالاً (٧)) (٨).
وقال في (المشتركات) : (ابن عائذ الثقة ، روى عنه علي بن الحسين بن عمر الخزّاز ، وهو عن أبي خديجة سالم بن مُكَرَّم) (٩).
__________________
(١) مسالك الأفهام ٢ : ١١١.
(٢) شرح اللمعة ٥ : ٣٤٤.
(٣) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنی.
(٤) الغيبة للطوسي : ٧٢ ح ٧٧.
(٥) قَدْ تعرض لسرد هذه الأقوال العلّامة الشيخ النوري قدس سره في خاتمة المستدرك ٤ : ٤٦ ـ ٥١ رقم ١٧ ، فلاحظ.
(٦) خلاصة الأقوال : ٦٨ رقم ٢٨.
(٧) في الأصل : (حلالاً) وما أثبتناه من المصدر ومعناه يبيع الخل ، والحلال هو الَّذي يبيع الحلّ ، والحلّ هو دهن السمسم.
(٨) رجال النجاشي : ٩٨ رقم ٢٤٦.
(٩) هداية المحدثین : ١٤.
[ترجمة سالم بن مكرم]
وأمّا أبو خديجة : فاسمه سالم بن مکرم الجمَّال.
قال الشيخ : (هو ضعيف) (١).
وقال في موضع آخر : (هو ثقة) ؛ ولذا قال العلّامة في (الخلاصة) : (والوجه عندي التوقُّف فيما يرويه ؛ لتعارض الأقوال فيه) (٢).
وكذلك توقَّف فيه ابن طاووس (٣) ، ولكنَّ الأقوى عندي كونه من الثقات ؛ القول النجاشي فيه : (إنّه ثقة ، ثقة) (٤).
وذكره صاحب (الحاوي) في قسم الثقات ، وقال : (الأرجح عدالته ؛ لتساقط قولي الشيخ وتكافئهما) (٥).
فیبقی توثيق النجاشي ، وشهادة علي بن فضَّال له بالصلاح.
وفي (المشتركات) : (أبو خديجة بن مكرم الثقة ، روى عنه الحسن بن علي بن الوشا ، وأحمد بن عائذ) ، انتهى (٦).
__________________
(١) رجال الطوسي : ١٤١ رقم ٣٣٧ / ٢ ، وقال الشيخ جواد القيومي في هامش ص ٣٥٥ من خلاصة الأقوال المطبوع بتحقيقه ما نصّه : (ضعّفه الشيخ في فهرسه : ٧٩ ، الرقم : ٣٢٧ ، ولم نجد توثيقه في موضع ، عنونه الكَشِّي في رجاله : ٣٥٢ ، الرقم : ٦٦١ ، والنجاشي في رجاله : ١٨٨ ، الرقم : ٥٠١. والظاهر أن سالم بن مكرم موثق ، وتوثيق النجاشي ومدح ابن فضال إياه بلا معارض ، وتضعيف الشيخ ؛ لتوهمه أن سالم بن مكرم متّحد مع سالم بن أبي سلمة ، والتضعيف في الحقيقة راجع إلى سالم بن أبي سلمة) ، راجع معجم الرجال ٨ : ٢٥.
(٢) خلاصة الأقوال : ٣٥٤ رقم ٢.
(٣) التحرير الطاروسي : ٢٧٣ رقم ٩٠.
(٤) رجال النجاشي : ١٨٨ رقم ٥٠١.
(٥) حاوي الأقوال ١ : ٢٣ ، رقم ٣١٥.
(٦) هداية المحدثین : ٦٩.
ولعلَّه من أجل ذلك كلّه حكم العلّامة في (المختلف) بصحَّة روايته في كتاب الخمس (١).
الموضع الثاني
في شرح المتن :
[أ] ـ «لم يكن له في الآخرة من نصيب» : هذا الفصل بيِّنٌ في نفسه لا يحتاج إلى شرح ؛ لأن من بدل بسوء اختياره النعيم الباقي بالنعيم الفاني الزائل ، فلا جرم إن صار بتلك المعاملة محجوباً عن مشاهدة الأنوار ، محروماً من الفوز بما فاز فيه الأحرار الأخيار.
__________________
(١) مختلف الشيعة ٣ : ٣٤١.
الحديث الثاني عشر
العالم المحب للدنيا
[٧٨] ـ قال رحمهالله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه ؛ فاتَّهموه على دينكم ، فإن كلّ محب لشيء يحوط ما أحبَّ».
وقال صلىاللهعليهوآله : «أوحى الله تعالى إلى داود عليهالسلام : لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّك عن طريق محبَّتي ، فإنّ اُولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنَّ أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم» (١).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
الموضع الأول
في رجال السند : مرجع الضمير كما عرفت.
[ترجمة القاسم بن محمّد الأصبهاني]
فالقاسم ، هو : ابن محمّد الأصبهاني القمِّي ، المعروف بكاسولا.
قال النجاشي : (لم يكن بالمرضي) (٢) ، ومثله في (الخلاصة) (٣) ، وقال الغضائري : (إنه يُكنى أبا محمّد ، حديثه يعرف تارة وينكر اُخرى ، ويجوز أن يخرج شاهداً) (٤).
وقال المجلسي في (الوجيزة) : (إنه ضعيف) (٥).
__________________
(١) معالم الدين : ١٦ ، الكافي ١ : ٤٦ ح ٤.
(٢) رجال النجاشي : ٣١٥ رقم ٨٦٣.
(٣) خلاصة الأقوال : ٣٨٩ رقم ٥.
(٤) رجال ابن الغضائري : ٨٦ رقم ١١٣ / ٢.
(٥) الوجيزة في الرجال : ١٤١ رقم ١٤٦٠.
وأسقطه في (البلغة) بناءً على ما التزم فيها من حذف الضعفاء ، والعجب من العلّامة في (الخلاصة) ؛ إذ حكم بصحَّة طريق الصدوق إلى سليمان المنقري (١) ، وهو فيه مع ما عرفت من أنه ليس بالمرضيّ عنده.
وكيف كان فالحديث ضعيف ، كما جزم به المجلسي في (مرآة العقول) (٢) ، نعم ، يحتمل أن يكون القاسم الواقع في السند هو : ابن محمّد الخلقاني الكوفي ، وهو من الممدوحين كما صرّح به في (الوجيزة) (٣).
[ترجمة سليمان بن داود المنقري]
وأمّا المنقري ، فهو : سليمان بن داود المنقري ، أبو أيوب الشاذكوني ، بصري.
قال النجاشي : (ليس بالمتحقّق بنا (٤) ، غير أنه روي عن جماعة أصحابنا من أصحاب جعفر بن محمّد عليهالسلام ، وكان ثقة ، له کتاب) ، انتهى (٥).
وقال العلّامة في كتاب (إيضاح الاشتباه) : (سليمان ـ بالياء بعد اللام ـ بن داود المِنْقَريّ : بكسر الميم ، وإسكان النون ، وفتح القاف والراء ، أبو أيوب الشاذکوني : الشين المعجمة ، والذال المعجمة ، والكاف ، والنون بعد الواو ، بصري : بالباء ، ليس
__________________
(١) خلاصة الأقوال :٤٣٥ ضمن الفائدة الثامنة.
(٢) لم أعثر على الحديث في مرآة العقول ، ولكن مؤلفه رحمهالله ضعّف حديثاً ورد فيه الأصبهاني ، فلاحظ : (مرآة العقول ٢٤ : ٣٤٥).
(٣) الوجيزة في الرجال : ١٤١ رقم ١٤٦٥.
(٤) في الأصل : (منا) وما أثبتناه من المصدر ، والظاهر أنها تصحيف : (لنا) ، فلاحظ.
(٥) رجال النجاشي : ١٨٤ رقم ٤٨٨.
بالمتحقّق لنا ، غير أنه روي عن جماعة أصحابنا من أصحاب الصادق عليهالسلام ، وكان ثقة) (١).
فما في (الخلاصة) من أنه من أصحاب أبي جعفر عليهالسلام ، فالظاهر أن كلمة (أبي) زائدة ؛ لما عرفت من عبارة النجاشي والتوضيح (٢).
وذكره في (الحاوي) مع ما هو المعروف من طريقته في الموثَّقين (٣) ، وبالجملة فتضعيف الغضائري (٤) ضعيف لو انفرد ، فكيف إذا عارضه توثيق النجاشي.
[ترجمة حفص بن غياث القاضي]
وأمّا حفص ، فهو : ابن غياث القاضي.
ذكر الشيخ في (الفهرست) : (أنه عامِّي المذهب ، له کتاب معتمد) (٥). ومثله في (الخلاصة) (٦).
وقال الميرزا محمّد في (رجاله الكبير) : (وربّما جعل ذلك مقام التوثيق من أصحابنا) (٧).
__________________
(١) إيضاح الاشتباه : ١٩٥ رقم ٣١٢.
(٢) خلاصة الأقرال : ٣٥٢ رقم ٣.
(٣) حاوي الأقوال ٣ : ٢٠٤ رقم ١١٥٦.
(٤) رجال ابن الغضائري : ٦٥ رقم ٥٨ / ٤.
(٥) الفهرست للطوسي : ١١٦ رقم ٢٤٢ / ١.
(٦) خلاصة الأقوال : ٣٤٠ رقم ١.
(٧) منهج المقال : ١٢٠.
وقال الشيخ في (عدّته الأُصولية) : (عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث ، وغياث ابن كلوب ، ونوح بن دراج ، والسكوني ، وغيرهم من العامة عن أئمتنا عليهمالسلام فيما لم ينكروه ، ولم يكن عندهم خلافُه) (١).
الموضع الثاني
فيما يتعلق بشرح المتن :
[أ] ـ «إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه» : بسبب ميله إليها ، ووثوقه بها ، والاهتمام بشأنها بحيث يجزع من فوتها منه ، ويبتش مع إقبالها عليه.
[ب] ـ «فاتَّهِموه على دينكم» : أي اجعلوه متَّهَماً على الدين الَّذي أنتم عليه ، وبعيداً عن اليقين ، فإنَّ من كان ناظراً إلى الدنيا وزخارفها ، مائلاً عن الآخرة وذخائرها ، لا يكون على وثوق من أمر الآخرة ، فإنَّ الدنيا والآخرة ككفَّتي الميزان ، متی رجح أحدهما نقص الآخر ، ولا يمكن الجمع بينهما.
[ج] ـ «فإنَّ كلّ محب لشيء يحوط ما أحبَّ» : أي يكلأ ويرعى ما أحبّ ويعرض عما سواه ، كما قال أمير المؤمنين : عليهالسلام : «فمن أحبّ الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها» (٢).
فهذا العالم أيضاً متّهم في الدين ؛ إذ لا يجتمع الحُبّان : حبُّ الدّنيا والدّین في جوف واحد ، فمن كان محبّاً للدنيا لا محالة يكون كارهاً للدين ؛ فلذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة» (٣).
__________________
(١) عدة الأُصول ١ : ١٤٩.
(٢) نهج البلاغة ٤ : ٢٣.
(٣) التحصين لابن فهد الحلي : ٢٧ ح ٤٣.
وبالجملة فمثل هذا العالم خارج عن زمرة العلماء الَّذين قال الله تعالى فيهم : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (١) ولا يليق بالاحترام ، ولا بجلوسه مجلس النيابة ، بل ولا يجوز مجالسته ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «قالت الحواريون لعيسى : يا روح الله ، مَنْ نُجالس قال : مَنْ يذكركم اللهَ رؤيتُه ، ويزيد في علمِكُم منطقُه ، ويرغّبُكُم في الآخرة علمه» (٢). فمن كان منهم محبّاً لدنياه لا ينبغي ملازمته ؛ لأنه يزيّن زينة الدنيا لجلسائه قولاً وفعلاً ، ويتصرف في صدورهم تصرفاً تامّاً ، ويقربه قول أمير المؤمنين عليهالسلام : «لا ترفعوا من رفعته الدنيا» (٣) وذلك لأنَّ من رفعته الدنيا وأهلها لمّا كان عادلاً عن التقوى ، كان الميل إليه واحترامه ومحبَّته ومجالسته يستلزم المحبَّة للدنيا والميل إليها ، فكان منهياً عنه ، وعدم توقيره ومجالسته زهداً في الدنيا وفي أهلها ، وهو من التقوى ، فكان مأموراً به.
ويؤيده أيضاً قوله عليهالسلام في خطبة نهج البلاغة : «لا يُقيم أمر الله سبحانه وتعالى إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتَّبع المطامع» (٤).
والمُصانع من يستعمل الرشوة ، والمضارع من يتضرَّع ـ أي : يطلب الحاجة ـ ، ومن كان محباً للدنيا لا بد وأن يكون المعروف عنده ما عرفه ، لا ما دلّ الدليل على كونه معروفاً وحقّاً ، وكذلك المنكر عنده ما أنكره ، بل ليس عنده أنكر من المعروف ؛ وذلك أنه لمّا خالف غرضه ومقصده طرحه حَتَّى صار عنده منكراً يُستقبح فعله ، ولا أعرف من المنكر لموافقته لغرضه ومحبَّته له ، ولذلك لا يستشير
__________________
(١) سورة فاطر : من آية ٢٨.
(٢) الكافي ١ : ٣٩ ح ٣.
(٣) نهج البلاغة ٢ : ١٣٥.
(٤) نهج البلاغة ٤ : ٢٦ ح ١١٠.
من عالم أعلم منه ، ولا يستغني فقيهاً أفقه منه ، فتصرخ من جور قضائه الدماء ، وتعجّ منه المواريث مع أنه ممَّا خاطب الله به عيسی عليهالسلام أن قال له : «يا عيسی ، أطب الكلام ـ أي تكلَّم بما ينفع ولا يضر ـ وكن حيث ما كنت عالماً متعلّماً» (١).
ودلّ على ذلك قوله تعالى : وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٢) ، ودلّ عليه حكاية موسی عليهالسلام مع الخضر عليهالسلام (٣) ، بل أمر اللهُ بذلك سيِّدَ المُرسلين بقوله : وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (٤).
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «لا خير في الصمت عن العلم ، كما لا خير في الكلام عن الجهل» (٥).
وما أحسن قول بعض الأعراب لولده : (كن مستمعاً جالساً ، أو ذئباً خالساً ، أو كلباً حارساً ، وإيَّاك أن تكون إنساناً ناقصاً) (٦).
وقيل لابن مسعود : (بمَ وجدت هذا العلم؟ قال : بلسان سَؤول ، وقلب عَقول) (٧).
وقال بعضهم : (سل مسألة الحمقى ، واحفظ حفظ الأكياس) (٨).
__________________
(١) الكافي ٨ : ١٣٧.
(٢) سورة يوسف : من آية ٧٦.
(٣) تعرض القرآن الكريم لحكايتهما في سورة الكهف.
(٤) سورة طه : ١١٤.
(٥) تفسير الرازي ٢ : ١٨١.
(٦) لم أهتد إلى مصدر هذا القول.
(٧) تفسير الرازي ٢ : ١٨٠.
(٨) تفسير الرازي ٢ : ١٨١.
وبالجملة فربّما يكون قصور العلم من التصدي للرئاسة قبل أوانها ، والتصدر للإمامة قبل زمانها ، فهو يستنكف أن يسأل ، وأن يتعلَّم ما لم يعلم ، وإذا استفاد يرى أنه أفاد ، وإذا تعلَّم يظهر أنه يعلم ، فذلك الَّذي لا يزال هو في نقصان وخسران.
قال أبو حاتم : (فاتني نصفُ العلم! قيل : وكيف ذاك؟ قال : تصدرت ولم أكن للتصدُّر أهلاً ، واستحييت أن أسأل مَن دوني ، واختلف إليّ مَن فوقي ، فذلك الجهل إلى اليوم في نفسي) (١).
وما أحسن ما قيل : (آفة الزعماء ضعف السياسة ، وآفة العلماء حبُّ الرئاسة) (٢).
[د] ـ «ولا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدك عن طريق محبَّتي» : وذلك لأنَّ المفتون بشيء يزيّن ذلك الشيء إلى الناس ، ويرغبهم إليه قولاً وفعلاً ، ويمنعهم من الرجوع إلى غيره ، نعوذ بالله من حبّ الدنيا وتسويل الشيطان ووساوسه ، فربّما ينجرُّ إلى أقصى مراتب الكفر والجحود بحيث لا تنفعه التوبة والندم.
فقد روى أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في كتابه ، عن الصادق عليهالسلام أنه قال : «كان رجل في الزَّمان الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها ، فطلبها حراماً فلم يقدر عليها ، فأتاه الشيطان فقال : يا هذا قَدْ طلبت الدنيا من حلال
__________________
(١) لم أهتد إلى مصدر هذا القول.
(٢) عيون الحكم والمواعظ : ١٨١.
فلم تقدر عليها ، وطلبتها من الحرام فلم تقدر عليها ، أفلا أدلّك على شيء يكثر به دنياك ويكثر به تبعك؟
قال : نعم ، قال : تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس ، ففعل ، فاستجاب له الناس ، فأطاعوه وأصاب من الدنيا ، ثُمَّ إنه فكر وقال : ما صنعتُ شيئاً ، ابتدعت ديناً ودعوت الناس إليه ، ما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوته إليه فأردَّه عنه ، فجعل يأتي أصحابه الَّذين أجابوه فيقول : إنَّ الَّذي دعوتكم إليه باطل وإنَّما ابتدعته كذباً ، فجعلوا يقولون له : كذبت ، هو الحق ولكنَّك شككت في دينك فرجعتَ عنه ، فلمَّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة ، فأوتد لها وتداً ثُمَّ جعلها في عنقه فقال : لا أحلّها حَتَّى يتوب الله عليّ ، فأوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائه أن قل لفلان بن فلان : وعزتي وجلالي لو دعوتني حَتَّى تنقطع أوصالُك ما استجبتُ لك ، حَتَّى ترد من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه» (١).
ورواه الصدوق رحمهالله في (من لا يحضره الفقيه) أيضاً (٢).
وبالجملة : إنَّ الرئاسة حق العالم الرّباني الخالص عن المفاسد النفسانية ؛ لأن التصرُّف والتدبير في أمور الخلق ، وإجراء الأحكام عليهم ، وإقامة العدل بينهم موقوف على العلم بالقوانين الشرعية كلّها ، ومعرفة أحوال الناس ، وطهارة النفس واتّصافها بجميع الكمالات ، وتنزُّهها عن جميع المهلكات ، فمن ملك الرئاسة وهو فاقد لما ذكرنا ، فقد أفسد الشرع ونظام الخلق في أول وهلة.
__________________
(١) المحاسن ١ : ٢٠٧ ح ٧٠.
(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٧٢ رقم ٤٩٥٨.
ويعجبني أن أختمَ المقام بذکر کلام جدّي بحر العلوم قدس سره في ضمن ذكره أصناف العلماء ، حيث قال : (ورابع قَدْ غرته الدنيا واستهوته (واستهواه ـ ظ) ملاذُّها ، ونعيمها وزبرجها ، حَتَّى غلب عليه حبّ الجاه ، والاعتبار ، والرئاسة الباطلة المفضية إلى الهلاك والبوار ، فَهِمَّةُ هذا وأشباهه في تحصيل العلم وتشهير الاسم ، وغرضهم الأصلي ليس إلا الجدال والمراء ، والاستطالة على أشباههم من أشباه العلماء ، أو التوصُّل إلى حطام الدنيا بالخِبِّ والختل ، والسعي في جلبها بجميع الوجوه والحيل ، وحسب هؤلاء القوم من تحصيلهم هذا دعاء أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب عليهالسلام بإعماء الخبر ، وقطع الأثر ، أو بدقِّ الخيشوم ، وحزّ الحيزوم ، وقول رسول الله صلىاللهعليهوآله : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، فليتبوّأ مقعده من النار» (١) ، وكفاهم خزياً وذلاً تشبيهُهُم في كلام الملك الجبَّار تارة بالكلب ، واُخرى بالحمار الَّذي يحمل الأسفار ، ذلك الخزي الشنيع والذلُّ الفظيع ، أعاذنا الله وجميع الطالبين منّي من موجبات الآثام ، ومن أخلاق هؤلاء القوم اللّئام) ، انتهى ما أردنا نقله من كلامه طاب ثراه (٢).
__________________
(١) ورد معناه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله في كتب العامَّة ، وأمّا بهذا النص فقد ورد عن الإمام الباقر عليهالسلام في الكافي ١ : ٤٦ ح ٦ وسيأتي لاحقاً.
(٢) قاله قدس سره في إجازته للسيد عبد الكريم بن محمّد بن جواد بن عبد الله سبط المحدث الجزائري رحمهالله التي أوردها العلّامة النوري رحمهالله في خاتمة المستدرك ٢ : ٦١.
الحديث الثالث العاشر
طلب العلم للمباهاة
[٧٩] ـ قال رحمهالله : عنه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عمّن حدّثه ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السُّفهاء ، أو يصرف وجوه الناس إليه ، فليتبوَّأ مقعده من النار ، إنَّ الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها» (١).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
الموضع الأول
في رجال السند :
مرجع الضمير كما تقدّم.
[ترجمة محمّد بن إسماعيل]
ومحمّد بن إسماعيل هذا : هو الَّذي يروي عنه أبو عمرو الكَشِّي أيضاً ، عن الفضل بن شاذان ، ويصدّر به السند حيث يقول (قال ـ ظ) مثلاً في كتابه في معرفة الرجال : محمّد بن إسماعيل ، قال : حدّثني الفضل بن شاذان ، عن ابن أبی عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي بصير ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ارتدّ الناس إلا ثلاثة : أبو ذرّ وسلمان والمقداد.
قال : فقال أبو عبد الله عليهالسلام : فأين أبو ساسان ، وأبو عمرة الأنصاري» (٢).
ويكنَّى بأبي الحسين ، ويقال : أبو الحسن النيسابوري ، المتكلّم الفاضل المتقدّم البارع المحدِّث ، تلميذ الفضل بن شاذان الخصیص به ، كان يقال له :
__________________
(١) معالم الدين : ١٦ ، الكافي ١ : ٤٧ ح ٦.
(٢) اختيار معرفة الرجال ١ : ٣٨ ح ١٧.
(بندفر) البَنْد ـ بفتح الباء الموحِّدة ، وتسكين النون ، والدال المهملة أخيراً ـ : العلم الكبير ، جمعه بنود.
وهو فَرّ القوم ـ بفتح الفاء وتشديد الراء ـ وفُرّتهم ـ بضم الفاء ـ وعلى قول صاحب القاموس کلاهما بالضم ، والحق الأول أي : من خيارهم ، ووجههم الَّذي يفترُّون عنه (١). أي : يتحادثون ويتشافهون ويستكثرون من کشف أسنانهم بالحديث عنه والبحث عن اُموره.
وقد يقال له : (بندويه) كما في القاموس : (محمّد بن بندويه : من المحدِّثين) (٢). (٣)
وقد يقال له : (البندقي) وهو خطأ ، فإن بُنْدُقَة ـ بالنون الساكنة بين الباء الموحدة ، والدال المهملة المضمومتين قبل القاف ـ أبو قبيلة من اليمن ، ولم يقع إلينا في كلام أحد من السالفين أن محمّد بن إسماعيل النيسابوري كان من تلك القبيلة ، وما وقع في بعض النسخ من التعبير بالبندقي تصحيف وتحریف من قلم الناسخ کما صرح به في الرواشح (٤).
وكيف كان فطريق الحديث بمحمّد بن إسماعيل النيسابوري هذا ، صحيحٌ لا حَسَنٌ كما وقع في بعض الظنون.
ولقد وصف العلّامة وغيره من أعاظم الأصحاب أحاديث كثيرة هو في طريقها بالصحَّة.
__________________
(١) القاموس المحيط ٢ : ١٠٩.
(٢) القاموس المحيط ١ : ٢٧٩.
(٣) الرواشح السماوية : ١١٩ ، الراشحة ١٩.
(٤) الرواشح السماوية : ١٢٢ الراشحة ١٩.
وهو غير محمّد بن إسماعيل البرمكي صاحب الصومعة ، وغير محمّد بن إسماعيل بن بزيع (١).
[ترجمة الفضل بن شاذان]
وأمّا الفضل : فهو ابن شاذان بن الخليل ، أبو محمّد الأزدي النيشابوري ، كان أبوه من أصحاب يونس ، وروي عن أبي جعفر الثاني ، [وقيل عن الرضا عليهالسلام] (٢) أيضاً ، وكان ثقة ، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلّمين. وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في قدره أشهر من أن نصفه. وذكر الكنجي : أنه صنَّف مائة وثمانين كتاباً ، هذا كلام النجاشي (٣).
وفي (الخلاصة) زيادة على ذلك : (أنه كان ثقة ، جليلاً فقيهاً متكلّماً ، له عظم الشأن في هذه الطائفة ، قيل : إنه صنَّف مائة وثمانين كتاباً وترحّم عليه أبو محمّد عليهالسلام مرّتين ، ورُوي ثلاثاً ولاءً.
ونقل الكَشِّي عن الأئمّة عليهمالسلام مدحه ، ثُمَّ ذكر ما ينافيه (٤) ، وقد أجبنا عنه في كتابنا الكبير.
وهذا الشيخ أجل من أن يُغمز عليه ، فإنه رئيس طائفتنا) ، انتهى (٥).
وتوفّي رحمهالله : سنة (٢٠٦ هـ).
__________________
(١) الرواشح السماوية : ١٢٣ الراشحة ١٩.
(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٣) رجال النجاشي : ٣٠٦ رقم ٨٤٠.
(٤) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨١٧.
(٥) خلاصة الأقوال : ٢٢٩ رقم ٢.
[ترجمة ربعي بن عبد الله الهُذلي]
وأمّا ربعي ، فهو : ابن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة الهُذلي ، أبو نعيم ، بصري ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وعن أبي الحسن عليهالسلام (١) ، وصرّح بتوثيقه النجاشي والعلّامة وصاحب المشتركات (٢).
قال صاحب (الوافي) : (وفي بعض النسخ (حریز) بدل (ربعي) وكأنّه الأصح ، وكلاهما ثقة) ، انتهى (٣).
والحديث مرسل في الاصطلاح.
الموضع الثاني
فيما يتعلق في شرح المتن :
[أ] ـ «المباهاة» : المفاخرة.
[ب] ـ «والمماراة» : المجادلة.
[ج] ـ «ويتبوّأ» : من كذا ، أي : يتَّخذه منزلاً (٤) ، والأمر للتهكُّم.
والمعنى : أن من طلب العلم لأحدٍ من هذين الغرضين الفاسدين فهو من أهل النار ، وإنَّما عبّر عليهالسلام بمفاخرة العلماء ومماراة السفهاء ؛ لأن العلماء العالمين بعلمهم لا ينازعون الجهّال ، بل يسكتون إذا بلغت المباحثة إلى حد الجدال ؛ لقبح الجدال ، فيحصل للجاهل المفاخرة عليهم بالغلبة والإسكات ، بخلاف السفهاء فإنَّهم لا يبالون بالمجادلة ، بل هي جلّ غرضهم من ذلك ، كما هو المشاهد من
__________________
(١) رجال النجاشي : ١٦٧ رقم ٤٤١.
(٢) رجال النجاشي : ١٦٧ رقم ٤٤١ ، خلاصة الأقوال : ١٤٦ رقم ٣ ، هداية المحدثین : ٦٠.
(٣) الوافي ١ : ٢١٤ ح ١٤٩ / ٦ باب المستأكل بعلمه.
(٤) الكشّاف عن حقائق التنزیل ٢ : ٣٢٩ ، وينظر : الصحاح ١ : ٣٧ ، لسان العرب ١ : ٣٦.
حال أغلب حَمَلة العلم من أبناء زماننا ، فإنَّ كثيراً منهم لا يقصد من المذاكرة العلمية إلا الغلبة والاشتهار ، وتحصيل التفوُّق والاعتبار.
روى الصدوق رحمهالله في (معاني الأخبار) بإسناده عن الهروي ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليهالسلام يقول : «رحم الله عبداً أحيا أمرنا». فقلت : وكيف يُحيي أمركم؟
قال : «يتعلَّم علومنا ويعلّمها الناس ، فإنَّ الناس لو علموا محاسن کلامنا لاتَّبعونا» ، قال : فقلت له : يا بن رسول الله ، فقد رُوي لنا عن أبي عبد الله أنه قال : «من تعلَّم علماً ليماري به السُّفهاء ، أو يباهي به العلماء ، أو ليقبل بوجوه الناس إليه ، فهو في النار».
فقال عليهالسلام : «صدق جدّي ، أفتدري من السُّفهاء؟» ، فقلت : لا يا بن رسول الله. فقال : «هم قُصَّاص من مخالفينا ، وتدري من العلماء؟» ، فقلت : لا ، يا بن رسول الله. فقال : «هم علماء آل محمّد صلىاللهعليهوآله الَّذين فرض الله طاعتهم وأوجب مودَّتهم» ، ثُمَّ قال : «أتدري ما معنى قوله : «أو ليقبل بوجوه الناس إليه؟»» ، قلت : لا ، قال : «يعني بذلك والله ادِّعاء الإمامة بغير حقّها ، ومن فعل ذلك فهو في النار» (١).
وبإسناده عن حمزة بن حمران ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : «من استأكل بعلمه افتقر».
فقلت له : جُعلت فداك إن في شيعتك ومواليك قوماً يتحملون علومكم ، ويبثونها في شيعتكم ، فلا يعدمون على ذلك منهم البرّ والصلة والإكرام.
__________________
(١) معاني الأخبار : ١٨٠ ح ١.
فقال عليهالسلام : «ليس اُولئك بمستأكلين ، إنَّما المستأكل بعلمه الَّذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله عزَّ وجلَّ ، ليبطل به الحقوق طمعاً في حطام الدنيا» (١).
قال المجلسي في (مرآة العقول) : (ويمكن حمل الخبر على بيان الفرد الكامل منها ، لكن لا ضرورة تدعو إليه) (٢).
[د] ـ ثُمَّ أشار عليهالسلام إلى عظم خطر الرئاسة وعظم آفتها ، وأنها لا تصلح إلّا لأهلها ، أعني الكاملين في مرتبتي العلم والعمل ، وهم : الأنبياء ، ثُمَّ الأوصياء ، ثُمَّ المتَّبعون لآثارهم من العلماء الفائزين بالنفوس القدسية.
(وما أحسن) من قول جدّي الفاضل الصالح رحمهالله في هذا المقام ، حيث قال : (وبالجملة : إنَّما تصلح الرئاسة لمن يكون : حكيماً عليماً ، شجاعاً عفيفاً ، سخيّاً عادلاً ، فهيماً ذكياً ، متواضعاً رقيقاً ، رفيعاً حيّياً ، سليماً صبوراً ، شكوراً قنوعاً ، ورعاً وقوراً ، حرّاً عفوّاً ، مُؤثراً مسامحاً ، صدّيقاً وفياً ، شفيقاً مكافئاً ، متودّداً متوكّلاً ، عابداً زاهداً ، موفياً محسناً ، بارّاً فائزاً بجميع أسباب الاتصال بالحق ، متجنّباً عن جميع أسباب الانقطاع عنه) ، انتهى (٣).
وفي بعض الأخبار : «هلاك المرء سماع خفقان النّعال عقبه» ، وفي بعضها : «يتمنَّى الناس يوم القيمة كونَهُم من الفقراء».
__________________
(١) معاني الأخبار : ١٨١ ح ١.
(٢) مرآة العقول ١ : ١٥١.
(٣) شرح اُصول الكافي ٢ : ١٦٤.