آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مركز تراث السيد بحر العلوم قدّس سرّه
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
المقام الحادي عشر
في الإمام الحسن بن علي العسكري عليهالسلام
ولادته ووفاته عليهالسلام
ويُلقّب بصاحب الناحية أيضاً كما في كتب الرجال (١) ، وبهذا يصحّ سند زيارة الناحية المرويّة في الإقبال ، قال : (خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين ... إلخ) (٢).
وخروجها بهذا التاريخ يكون مقدّماً على ولادة الحجّة بأربع سنين ، فالمراد منه العسكري (٣).
وكنيته : أبو محمّد ، وُلد بالمدينة على المشهور ـ وقيل بسُرَّ من رأى (٤) ، ولعله خطأ كما صرّح به جدّي الأمجد (٥) ـ في يوم الجمعة ، الثامن من شهر ربيع الآخر ـ وقيل غير ذلك ، والأول أشهر ـ في سنة ٢٣٢ من الهجرة (٦) ـ وقيل في سنة الثلاثين فوق (ثلاثين بعد ـ ظ) المائتين ، ونقل عن المفيد رحمهالله قال جدّي الأمجد : (لعله سهو في النقل ؛ إذ ليس فيما رأينا من كتبه ذلك) (٧) ـ (٨).
__________________
(١) قاموس الرجال ٩ : ٥٠٤.
(٢) إقبال الأعمال ٢ : ٧٣.
(٣) ينظر عن سند هذه الزيارة : أنصار الحسين عليهالسلام : ١٥٤ ـ ١٥٦.
(٤) ذكر المفيد في الإرشاد ٢ : ٣١٠ ، والإربلي في كشف الغُمَّة ٣ : ١٧٦ أن سنة ورود والده الإمام الهادي عليهالسلام بأمر المتوكل إلى سر من رأى هي ٢٤٣ هـ ، فيكون عمر الإمام العسكري عليهالسلام حينها ١١ سنة ، فلاحظ.
(٥) رسالة في تاريخ المعصومين : ٢١١.
(٦) الإرشاد ٢ : ٣١٢.
(٧) ذكر الشيخ المفيد رحمهالله في الإرشاد ولادته سنة ٢٣٢ هـ كما ورد أعلاه ، فلاحظ.
(٨) رسالة في تاريخ المعصومين : ٢١٣.
وكانت اُمُّه اُمّ ولد ، يقال لها حديث ، وكانت في غاية الورع والتقوى ، فأقام عليهالسلام بسُرَّ من رأى بعد أبيه عليهالسلام قريباً من ستّ سنين ، ثُمَّ سمّه المعتمد أبو عيسی ابن المتوكّل على ما ذكره الصدوق رحمهالله (١).
وقال الطبرسي : (ذهب كثير من أصحابنا إلى أنه مضى مسموماً ، وكذلك أبوه وجدّه وجميع الأئمّة عليهمالسلام) (٢).
فقُبض يوم الجمعة ـ وقيل يوم الأحد ، وقيل يوم الأربعاء والأول أشهر ـ الثامن من شهر ربيع الأول ـ وقيل في غيره ، والأول هو المعتمد ـ وكان ذلك في عام الستّين فوق (ستين بعد ـ ط) المائتين ، وكان عليهالسلام يومئذ ابن ثماني وعشرين سنة ، ومدّة إمامته ستّ سنين ، ودُفن بسامراء في داره في البيت الَّذي دُفن فيه أبوه عليهالسلام ، ومرقده خلف ظهر أبيه ، وعلى قولٍ : إنّ ذرِّيته عليهالسلام منحصرة في ابنه الإمام صاحب الأمر محمّد بن الحسن ، وبنت واحدة غير موسومة ولا مذكورة في الكتب ، والأصح انحصار ولده في الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف (٣).
تنبيهان
[حكيمة بنت الإمام الجواد عليهالسلام]
الأول : قال المجلسي رحمهالله في مزار البحار : (إن في القُبَّة الشريفة ـ يعني قُبَّة الإمامين العسكريين عليهماالسلام ـ قبراً منسوباً إلى النجيبة الكريمة العالمة الفاضلة التقية الرضية حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليهالسلام ، ولا أدري لِمَ لَمْ يتعرضوا لزيارتها مع ظهور فضلها
__________________
(١) الاعتقادات : ٩٩.
(٢) إعلام الوری ٢ : ١٣١.
(٣) ينظر عن أحواله وما يتعلق به عليهالسلام : الإرشاد ٢ : ٣١٣ ـ ٣٣٩ ، مناقب آل أبي طالب عليهمالسلام ٣ : ٥٢٢ ـ ٥٤١ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٥ ـ ٣٣٨ ، وغيرها في غيرها.
وجلالتها؟! وأنها كانت مخصوصة بالأئمّة عليهمالسلام ومودعة أسرارهم ، وكانت اُمُّ القائم عله السلام عندها ، وكانت حاضرة عند ولادته عليهالسلام ، وكانت تراه حيناً بعد حين في حياة أبي محمّد العسكري عليهالسلام ، وكانت من السفراء والأبواب بعد وفاته ، فينبغي زيارتها بما أجرى الله على اللَّسان ممَّا يناسب فضلها وشأنها والله الموفق) ، انتهى كلامه (١).
قال جدّي بحر العلوم رحمهالله بعد نقل هذه العبارة : (قلت : عدم التعرُّض لزيارتها ـ رضياللهعنه ا ـ كما أشار إليه الخال المفضال عجيب ، وأعجب منه عدم تعرض الأكثر لها ـ کالمفيد في الإرشاد ، وغيره في كتب التواريخ والسِّيَر والنسب ـ في أولاد الجواد عليهالسلام ، بل حصر بعضهم بناته عليهالسلام في غيرها :
قال المفيد رحمهالله : وخلّف أبو جعفر الجواد عليهالسلام من الولد عليّاً ـ ابنه الإمام من بعده ـ وموسی ، وفاطمة ، وأمامة ، ولم يخلّف ذكراً غير من سمَّيناه.
وقال الطبرسي في إعلام الوری : وخلّف من الولد عليّاً ـ الإمام ـ وموسی ، (ومن البنات حكيمة وخديجة وأم كلثوم) (٢).
ويقال : خلّف فاطمة وأمامة ابنتيه ، ولم يخلف غيرهم.
وقال السروي في المناقب : وأولاده : علي الإمام ، وموسى وحكيمة ، وخديجة ، واُمّ كلثوم. قال : وقال ـ (أيوب الأنصاري) (٣) ـ أبو عبد الله الحارثي : خلّف فاطمة وأمامة فقط) ، انتهى (١).
__________________
(١) بحار الأنوار ٩٩ : ٧٩.
(٢) ما بين القوسين غیر موجود في نسخة إعلام الوری المطبوعة التي اعتمدناها ، ويؤيده قول التستري في قاموس الرجال ١٢ : ٢٣٨ رقم ٨١ بعد إيراده هذا الكلام ما نصّه : (أقول : نقل المصنّف كلام الطبرسي كالمفيد لعدم ذكر حكيمة) في أولاد الجواد عليهالسلام مع أنها مذكورة في ما نقل ، ولعله حُرّف عليه).
(٣) ما بين الشارتین زيادة من المؤلف رحمهالله لا أعرف مناسبتها ، ولعلها من سهو القلم ، وأبو عبد الله الحارثي هو الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي المعروف بالمفيد رحمهالله ، وهو إشارة إلى ما ذكره في كتابه الارشاد ، ولعلّ المؤلف رحمهالله ظن بالحارثي بشر النخاس المعاصر للإمامين الهادي والعسكري عليهماالسلام ، من ولد أبي أيوب الأنصاري ، فسقطت (ابن أبي) في الطباعة ، فلاحظ.
أقول : فهذه الجليلة بنت الإمام أبي جعفر الجواد عليهالسلام ، واُخت الإمام علي الهادي عليهالسلام ، وعمّة الإمام الحسن العسكري عليهالسلام ، وقد أدركت أئمّة أربعة بزيادة إمام العصر عليهالسلام إلى من تقدّم ، وأن الهادي عليهالسلام أمر نرجس خاتون أن تتعلم منها معالم الدين وأحكام الشرع والتأدُّب بالآداب الإلهية (٢) ، وكان لها منصب السفارة بعد العسكري عليهالسلام من قبل إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وكانت توصل عرائض الناس إليه ، والتوقيعات الصادرة منه عليهالسلام إلى الناس (٣) ، ومرقدها الشريف ممَّا يلي قدمي العسكريين عليهماالسلام ، ولها صندوق على حِدَة.
وبجنب ضريح العسكري عليهالسلام أيضاً ، ضریح نرجس خاتون اُمّ الإمام صاحب الزَّمان عليهالسلام ، واقع خلفه.
عدم اللصوق بضريحه عليهالسلام
الثاني : قال الشيخ الجليل والفقيه النبيل الشيخ خضر شلّال النَّجفي المتوفى ١٢٥٥ هـ ، ـ وقبره في محلّة العمارة من النَّجف ، معروف تقصده الناس ؛ لقراءة الفاتحة وإسعاف الحوائج (٤) ـ في مزاره في باب زيارة العسكريين : (أنه لا شكّ أنَّ
__________________
(١) الفوائد الرجالية ٢ : ٣١٧ ، الإرشاد ٢ : ٢٩٥ ، إعلام الوری ٢ : ١٠٦ ، مناقب آل أبي طالب عليهمالسلام ٣ : ٤٨٧.
(٢) إشارة إلى قول الإمام الهادي عليهالسلام المروي في الإكمال ، ونصّه : قال أبو الحسن عليهالسلام : «يا کافور ادعُ لي أختي حکيمة ، فلمَّا دخلت عليه ، قال عليهالسلام لها : هاهيه ، فاعتنقتها طويلاً ، وسُرّت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك ، وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمّد ، وأم القائم عليهالسلام». (ينظر كمال الدين : ٤٢٣).
(٣) ينظر : كمال الدين : ٤٢٦ ح ٢.
(٤) هُدِّم قبره في أوائل القرن الحالي ، وهو الخامس عشر الهجري من قبل النظام البعثي البائد ، ونقله بعض الصلحاء إلى وادي السلام ، وقبره معروف هناك يُزار.
الأرجح عند زيارة الإمام علي الهادي عليهالسلام ، تأخُّر الزائر عن الضريح المبارك بمقدار ذراع أو أزيد ، ولا يلصق نفسه بالشبَّاك كما هو المتعارف في آداب زيارة الأئمَّة عليهمالسلام.
قال رحمهالله : إذ من المحقَّق الواصل إلينا أنَّ الشبَّاك الواقع على الضريح المقدِّس في زماننا هو متأخّر عن موضع القبر ، وأنَّ القبر الشريف قُدَّام الشبَّاك.
قال رحمهالله : ويؤيد هذه المقالة أنّي وجماعة من العلماء والصلحاء تشرفنا إلى زيارته وكان معنا أحد العلويين الحاملين للعلم ، فأخبرني بشيء كان أوجب تشويشهم واضطرابهم ، وهو أنه كان واقفاً بقرب الضريح مستدبر القبلة ، فسمع صوتاً من الضريح يقول له : تنحّ عن موقفك إلى ورائك. قال : وليس سبب ذلك إلّا ما ذكرناه من أنَّ الضريح خارج عن الشبَّاك) ، انتهى (١).
ولا يخفى أنَّ الضريح هو الضريح الفولاذي الَّذي هو من آثار الشاه سلطان حسين الصفوي خاتمة السلاطين الصفوية ، كما أن تذهيب القُبَّة الموجودة الآن من آثار السلطان ناصر الدین شاه القاجاري المقتول سنة ١٣١٣ هـ ، بنظارة الفقيه الجامع الشيخ عبد الحسين الطهراني المتوفّى سنة ١٢٨٦ هـ ، وعدد أحجارها الذهبية هكذا ٢٧٧٤٨ ، کتیبة ١٦٠ ، حاشية ٣٢٠.
والمراد من العلوي هو السيِّد جدّنا بحر العلوم (طاب ثراه) كما صرّح به العلّامة النوري رحمهالله في تحية الزائر ، وكان اضطرابه ؛ لتأخُّره عن موقفه دفعة (٢).
__________________
(١) أبواب الجنان : ٥٠٤ بتصرف ، عنه تحية الزائر : ٢٢٥.
(٢) تحية الزائر : ٢٢٤.
[داهية عظمى]
ونقل المجلسي في آخر المجلّد الثاني عشر من البحار : (أنه وقعت داهية عظمی ، وفتنة كبرى ، في سنة ستّ ومائة بعد الألف من الهجرة في الروضة المنورة بِسُرَّ من رأى ، وذلك أنه لغلبة الأروام (١) وأجلاف العرب على سُرَّ من رأى ، وقلَّة اعتنائهم بإكرام الروضة المقدّسة ، وجلاء السادات والأشراف الظلم الأروام عليهم منها ، وضعوا ليلة من الليالي سراجاً داخل الروضة المطهَّرة في غير المحل المناسب له ، فوقعت من الفتيلة نار على بعض الفروش أو الأخشاب ، ولم يكن أحد في حوالي الروضة فيطفيها. فاحترقت الفروش والصناديق المقدَّسة والأخشاب والأبواب ، وصار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الشيعة والنُصَّاب من المخالفين ؛ جهلاً منهم بأن أمثال ذلك لا يضرّ بحال هؤلاء الأجلَّة الكرام ، ولا يقدح في رفعة شأنهم عند الملك العلّام ، وإنَّما ذلك غضب على الناس ، ولا يلزم ظهور المعجز في كل وقت ، وإنَّما هو تابع للمصالح الكلّية والأسرار في ذلك خفية ، وفيه شدَّة تكليف ، وافتتان وامتحان للمكلَّفين ، وقد وقع مثل ذلك في الروضة المقدّسة النبوية بالمدينة أيضاً صلوات الله على مشرِّفها وآله.
قال الشيخ الفاضل الكامل السديد يحيى بن سعيد (قدس الله روحه) في كتاب (جامع الشرائع) في باب اللّعان : إنه إذا وقع بالمدينة يستحب أن يكون بمسجدها عند منبره عليهالسلام.
ثُمَّ قال : وفي هذه السنة وهي سنة أربع وخمسين وست مائة في شهر رمضان احترق المنبر وسقوف المسجد ، ثُمَّ عُمل بدل المنبر) (٢).
__________________
(١) الأروام : يراد بهم رجال دولة الروم.
(٢) بحار الأنوار ٥٠ : ٣٣٧ ، والمؤلف رحمهالله أوردها باختلاف يسير وما أثبتناه من المصدر ، جامع الشرائع : ٤٨١.
المقام الثاني عشر
في الغوث الأعظم ، والملاذ الأفخم ، ناموس الدهر ، وصاحب العصر ، الإمام محمّد بن الحسن ، الملقَّب بالحجّة ، والصاحب ، وصاحب العسكر ، وصاحب الأمر ، وصاحب الناحية ، وصاحب الدار ، وصاحب الزَّمان ، والغريم ، والمهدي ، والقائم ، والمنتظر ، والهادي ، والخلف الصالح ، والبلد الأمين ، والخاتم ، المکنَّی بأبي عبد الله ، وأبي القاسم (١).
ولادته وغيبته عجل الله تعالى فرجه الشريف
وُلد في سُرَّ من رأى ، في دار أبيه العسكري ، يوم الجمعة ـ وعلى الأصح ليلة الجمعة ـ في ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٦ هـ ، بعد انقضاء أحد وأربعين يوماً من خلافة المعتمد على الله العبَّاسي.
واُمُّه نرجس خاتون بنت قيصر الروم ، وعلى قولٍ بنت یشوعا بن قیصر من نسل شمعون من حواري عيسی عليهالسلام ، وذكر بعض المؤرِّخين أن قيصر كان عازماً على تزويجها من ابن أخيه ، واحتفل بمأدبة عظيمة ، فلم يتم الأمر في تلك الحفلة ، فلمَّا أن جاء الليل رأت نرجس خاتون في منامها النبي صلىاللهعليهوآله مع فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فأسلمت على يديهما ، وعقداها للحسن العسكري عليهالسلام ، ورأته في المنام ، ومن شدَّة شوقها إليه ألقت نفسها بين اُسارى المسلمين ، فجاء المسلمون بها إلى بغداد وجعلوها في البيع ، فأرسل الإمام علي بن محمّد الهادي عليهالسلام مع
__________________
(١) ينظر: النجم الثاقب في احوال الحجّة الغائب عجل الله تعالى فرجه الشريف ، الباب الثاني من المجلد الأول منه ، فقد ذكر مؤلّفه رحمهالله فيه (١٨٢) ما بين اسم ولقب له عجل الله تعالى فرجه الشريف.
بشر بن سليمان مائتين وعشرين ديناراً ذهباً إلى بغداد ، فشراها ، ثُمَّ أعطاها إلى ابنه العسكري عليهالسلام ، وفي عرض الطريق سمّت نفسها نرجس خاتون (١).
ومدّة عمره عليهالسلام من حين ولادته إلى التحرير يوم الخامس عشر من شهر شعبان سنة ١٣٤٣ هـ ألف وثماني وأربعون سنة ، وغيبته يوم الأحد ـ وقيل : يوم الجمعة ـ من خوف الأعداء عاشر شهر شوال سنة ٢٦٢ هـ ، وعلى قول سنة ٢٦٥ هـ (٢).
شمائله وعلامات ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف
وشمائله على ما نقله السيِّد الشبلنجي : (شاب أكحل العينين ، أزجّ الحاجبين ، أقنى الأنف ، كثُّ اللّحية ، على خدِّه الأيمن خالٌ.
قال : وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما : المهدي من ولدي ، وجهه كالكوكب الدرِّي ، اللّون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي ـ أي طويل ـ يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً) ، انتهى (٣).
وقال صاحب (الفتوحات) : (واعلم أنَّ المهدي عليهالسلام إذا خرج يفرح به جميع المسلمين ، خاصَّتهم وعامَّتهم ، وله رجال إلهيّون يقيمون دعوته وينصرونه ، ثُمَّ الوزراء له يتحملون أثقال المملكة عنه ، ويعينونه على ما قلّده الله ، ينزل عليه عيسی بن مریم عليه الصلاة والسلام بالمنارة البيضاء شرقي دمشق ، متَّكئاً على ملكين ، ملك عن
__________________
(١) ينظر : كمال الدين ٤١٧ ، ح ١ ، دلائل الإمامة : ٤٨٩ ح ٤٨٨ / ٩٢ ، الغيبة للطوسي : ٢٠٨ ح ١٧٧ ، روضة الواعظين : ٢٥٢.
(٢) ينظر ما يتعلق به صلوات الله عليه وعلى آبائه الكتب التي ألّفت حوله ، والتي تُعرف بكتب الغيبة ك : کمال الدين للصدوق ، وغيبة النعماني ، وغيبة الطوسي ، وغيبة المجلسي من بحار الأنوار ، والنجم الثاقب للنوري ، وغيرها في غيرها.
(٣) نور الأبصار : ١٧٠ ، الصواعق المحرقة : ١٦٤.
يمينه ، ملك عن يساره ، والناس في صلاة العصر ، فيتنحى له الإمام عن مكانه ، فيتقدَّم فيصلي بالناس ، يؤمّ الناس بسُنَّة سيدنا محمّد صلىاللهعليهوآله ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويقبض الله إليه المهدي طاهراً مطهِّراً ، وفي زمانه يُقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ، ويُخسف بجيشه البيداء ، فمن كان مجبوراً من ذلك الجيش مكرهاً يُحشر على نيَّته) ، انتهى (١).
وفي سنن أبي داود ، عن علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : «لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لبعث الله تعالی رجلاً من أهل بيتي ، يملؤها عدلاً كما ملئت جورا» (٢).
وأخرج أبو داود والترمذي ، عن أبي سعيد الخدري ـ رضياللهعنه ـ ، عنه صلىاللهعليهوآله ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «المهدي منّي ، أجلى الجبهةِ ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً».
وزاد أبو داود : «يملك سبع سنين» (٣).
وأخرج ابن شیرویه ـ وهو من أكابر العامَّة ـ في كتابه (فردوس الأخبار) في باب الألف واللام ، عن ابن عبَّاس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «المهدي طاووس أهلِ الجنَّة» (٤).
__________________
(١) الفتوحات المكية ٣ : ٣٢٧ باختلاف يسير ، وبلفظه ورد في نور الأبصار : ١٧٠.
(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ ح ٤٢٨٣ وفيه : (الدهر) بدل (الدنيا) ، عنه بلفظه نور الأبصار : ١٧٠.
(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ ح ٤٢٨٥ ، ولم نجده في سنن الترمذي ونقل عنه في مطالب السؤول : ٤٨٣ ، ونور الأبصار : ١٧٠.
(٤) فردوس الأخبار ٢ : ٣٥٩ ح ٦٩٤١ ، عنه نور الأبصار : ١٧٠.
وعنه أيضاً بإسناده ، عن حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «المهديّ [رجلٌ من] (١) ولدي ، وجهه كالقمر الدرّي ، اللَّون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي ، يملأ الأرض عدلاً ، كما مُلئت جوراً ، يرضى بخلافته أهلُ السموات والأرض ، والطير في الجو ، يملك عشرين سنة» (٢).
وأخرج الحافظ أبو نعيم ، عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «إذا رأيتم الرايات السود قَدْ أقبلت من خراسان ، فأتوها ولو حَبْواً على الثلج ، فإنَّ فيها خليفة الله المهدي» (٣).
وأخرج أيضاً ، عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «يخرج المهدي من قرية يقال لها كريمة» (٤).
وأخرج الحافظ أبو عبد الله محمّد بن ماجة القزويني في حديث طويل في نزول عيسی بن مریم عليهالسلام ، عن أبي أمامة الباهلي ، قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وذكر الدجَّال ـ فقال : «إنَّ المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم (يوم الخلاص)» ، قالت اُمّ شريك بنت أبي العسكر : فأين العرب يومئذ؟ قال صلىاللهعليهوآله : «هم يومئذ قليل ، وجلّهم بيت المقدس ، وإمامهم المهدي ، وقد تقدّم ليصلّي بهم الصبح إذ نزل عيسی بن مريم ، فرجع ذلك
__________________
(١) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٢) فردوس الأخبار ٢ : ٣٥٩ ح ٦٩٤٠ ، وفي الأصل : (عشر سنين) ، عنه نور الأبصار : ١٧٠.
(٣) الأربعون حديث المندرج في كشف الغُمَّة ٣ : ٢٧٢ ح ٢٦ ، عنه الصواعق المحرقة : ١٦٤ ، نور الأبصار : ١٧٠.
(٤) الأربعون حديث المندرج في كشف الغُمَّة ٣ : ٢٦٩ ح ٧ ، وفيه اسم القرية : (كرعة) ، عنه نور الأبصار : ١٧٠.
الامام ينكص عن عيسى القهقرى ؛ ليتقدم عيسى يصلّي بالناس ، فيضع عيسی يده على كتفيه ثُمَّ يقول له : تقدّم» (١).
وروى البخاري ومسلم في صحيحهما ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله الله صلىاللهعليهوآله : «كيف أنتم إذا نزل ابن مریم فیکم وإمامكم منكم» (٢).
وههنا فوائد ذكرها صاحب (الصواعق المحرقة) يناسب لنا نقلها :
(الأولى ـ قال : الأظهر أنَّ خروج المهدي قبل نزول عيسی ، وقيل بعده.
الثانية ـ قال : تواترت الأخبار عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنه من أهل بيته ، وأنه يملأ الأرض عدلا.
الثالثة ـ تواترت الأخبار على أنه يعاون عيسى على قتل الدجَّال بباب (لُد) بأرض يقال لها فلسطين بالشام.
الرابعة ـ قال جاء في بعض الآثار أنه يخرج في وتر السنين ، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع.
الخامسة ـ بعد أن تعقد له البيعة بمكَّة يسير منها إلى الكوفة ، ثُمَّ يفرّق الجند إلى الأمصار.
السادسة ـ أنَّ السَّنة من سِنِيِّه مقدارُ عشر سنين.
السابعة ـ أنَّ سلطانه يبلغ المشرق والمغرب ، تظهر له الكنوز ، لا يبقى في الأرض خراب إلا عمّره) (٣).
__________________
(١) سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٥٩ بتفصيل ، عنه بلفظه نور الأبصار : ١٧٠.
(٢) صحيح البخاري البخاري ٤ : ١٤٣ ، صحیح مسلم ١ : ٩٤ ، عنهما نور الأبصار : ١٧٠.
(٣) الصواعق المحرقة : ١٦٥ ، نور الأبصار : ١٧١.
وهذه علامات قيام القائم ، مروية عن أبي جعفر رضياللهعنه ، قال : «إذا تشبّه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، وركبت ذوات الفروج السروج ، وأمات الناس الصلوات ، واتَّبعوا الشهوات ، واستخفُّوا بالدماء ، وتعاملوا بالربا ، وتظاهروا بالزنا ، وشيّدوا البناء ، واستحلوا الكذب ، وأخذوا الرشا ، واتبعوا الهوى ، وباعوا الدين بالدنيا ، وقطعوا الأرحام ، وظنوا بالطعام ، وكان الحلم ضعفاً ، والظلم فخراً ، والأمراء فجرة ، والوزراء كذبة ، والأمناء خونة ، والأعوان ظلمة ، والقرّاء فسقة ، وظهر الجور ، وكثر الطلاق ، وبدأ الفجور ، وقُبلت شهادة الزور ، وشُربت الخمور ، وركبت الذكور الذكور ، واستغنت النساء بالنساء ، واتَّخِذ الفيء مغنماً ، والصدقة مغرماً ، واتُّقي الأشرار مخالفة ألسنتهم ، وخروج السفياني من الشام ، واليماني من اليمن ، وخسف بالبيداء بين مكَّة والمدينة ، وقتل غلام من آل محمّد صلىاللهعليهوآله بين الركن والمقام ، وصاح صائح من السماء بأنَّ الحقَّ معه ومع أتباعه.
قال : فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ، واجتمع إليه ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من أتباعه ، فأول ما ينطق به هذه الآية : بَقِيَّةُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (١) ، ثُمَّ يقول : أنا [بقية الله وخليفته وحجَّته عليكم ، فلا يسلّم عليه أحد إلا قال : السلام عليك يا] (٢) بقية الله في الأرض ، فإذا اجتمع عنده العقد ـ عشرة آلاف رجل ـ فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد ممَّن يعبد غير الله تعالى إلا آمن به وصدّقه ، وتكون الملَّةُ واحدة ، ملّة الإسلام وكل ما كان في الأرض من معبود سوى الله تعالى تتزل
__________________
(١) سورة هود : ٨٦.
(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.
عليه نار من السماء فتحرقه ، والله أعلم (١). انتهى ما في الصواعق ؛ وإنَّما آثرت نقله بطوله ؛ لكونه أدخل في إثبات الحجَّة وإيضاح المحجّة» (٢).
قال ابن أبي الحديد في شرحه ، عند قوله عليهالسلام في آخر الخطبة التي خطبها في المدينة «بنا فتح الله لا بكم ، وبنا يختم لا بكم» : إنه إشارة إلى المهدي عليهالسلام الَّذي يظهر في آخر الزَّمان (٣).
وما أحسن قوله في إحدى معلقاته :
ولقد عَلِمْتُ بأنه لا بدَّ مِنْ |
|
مَهدِيِّكُمْ ولِيَومِهِ أتوقَّعُ |
تحميهِ مِنْ جُندِ الإلهِ کتائِبٌ |
|
کاليمِّ أقبلَ زاخِراً يَتَدَفَّعُ |
فيها لآلِ أبي الحديد صوارِمٌ |
|
مشهورَةٌ ورِماحُ خَطٍّ شُرَّعُ |
ورجالُ موتٍ مُقدِمون كأنَّهم |
|
أُسُدُ العرينِ الرُّبْدُ لا تَتَكَعْكَعُ |
تِلكَ المُنى إمّا أغِبْ عنها فَلِي |
|
نفسٌ تُنازِعُني وشوقٌ يَنزَعُ (٤) |
وألطف منه قول الحافظ الشيرازي :
مژده ايدل كه مسيحا نفسي مي آيد |
|
كه انفاس خوشش بوى كسى مي آيد |
از غم هجر مكن ناله وفرياد كه من |
|
زده ام فالي وفرياد رسى مي آيد |
كس ندانست كه منزل گه معشوق كجاست |
|
اين قدر هست كه بانك جرسي مي آيد |
__________________
(١) نور الأبصار : ١٧١ ، ومن طرقنا ورد بالتفصيل في كمال الدین : ٣٣٠ ح ١٦ ، إعلام الوری ٢ : ٢٩١ ، کشف الغُمَّة ٣ : ٣٤٢.
(٢) لم يرد هذا الحديث في صواعق ابن حجر ، وإنما نقل الشبلنجي کلاماً له ـ أعني السابق ـ وتبعه بحديث أبي جعفر الباقر عليهالسلام ، فظنّ المؤلِّف رحمهالله أنه من كتاب الصواعق المحرقة ، فلاحظ.
(٣) وردت في مقدمة التحقيق لشرح نهج البلاغة ١ : ١٤.
ولعلَّ الحكمة في نزول عيسى عليهالسلام واقتدائه به في صلاته ، أنَّ ملوك الأرض من الكفَّار كلّهم اُمّة عيسى عليهالسلام كما هو المشاهد الآن ، فإذا نزل عليهالسلام وكان من أعوانه عليهالسلام ورأوه يصلّي خلفه وهم يعرفونه أنه عيسی ، فتحصل لهم الرغبة في الإيمان به وقبول أوامره ، وفيه من المصالح مالا يخفی ، فتدبّر.
هداية ، فيها مطلبان
المطلب الأول
[في سبب غيبته عليهالسلام]
إن قيل : ما السبب في غيبته عليهالسلام ، وما الوجه فيها؟
فالجواب : السبب من الأعداء والخصوم ، فإنَّ الواجب عليه تعالی إعلامهم به ، وقد فعل ما وجب عليه من تتميم اللُّطف.
وقد يقال : إنَّ السبب فيها استخلاص النطف التي يحصل منها أهل الإيمان من أصلاب أهل النفاق ، فإنّ بسط اليد يقتضي القيام بالسيف الموجب لقتل أهل الخلاف ، فيفوت بقتلهم وجود تلك الذراري الصالحة من أصلابهم ، هذا مع ضبط القواعد الكلّية الشرعية في غيبته ، فمتى تعذّر الانتفاع به في الجزئيات بقي الانتفاع به في الكلّيات المهمة ـ التي هي الأُصول بحالها ـ فإنه الحافظ للشريعة ، والعالم بقوانينها ، والعارف بأحكامها ، فبقاؤه مستلزم لبقائها وحفظها عن التغيّر والزوال ؛ وذلك هو الأصل في وجوب نصبه في الحكمة الإلهية.
وأمّا تصرفه في الأحكام الجزئية ، وإنفاذ السياسات ، وإصلاح أفراد النوع ، فربّما منع منه تغلّب الظلمة ، ورُوي عن الحسين عليهالسلام أنه كان يوم الطف إذا حمل
على عسكر ابن زياد يقتل بعضاً ويترك بعضاً [مع تمكُّنه من قتلهم] (١) ، فقيل له في ذلك ، فقال عليهالسلام : «كُشف عن بصري ، فأبصرت النطف التي في أصلابهم فعرفت من يخرج من أهل الإيمان ، فتركته عن القتل لاستخلاص تلك الذرِّية» (٢).
وهذا شأن أهل الولاية في تدبير أمور الخلق.
المطلب الثاني
(تفسير مراتب الأئمّة عليهمالسلام)
في ذكر مراتب الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين وتفضيل بعضهم على بعض في المرتبة ، فنقول : لا ريب أنَّ مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام أفضل من الحسن والحسين عليهماالسلام ، والأخبار في ذلك مشحونة ، وأنه بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله خير خلق الله ، وسيد من دخل في عالم الوجود.
ومختصر الدليل على ذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله خير خلق الله بالكتاب والسنَّة وإجماع المسلمين ، وعلي عليهالسلام نفس النبيّ صلىاللهعليهوآله بنصّ القرآن في قوله تعالى: وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ (٣) ، ولا ريب أنه ليس المراد أن نفسه عليهالسلام نفسه صلىاللهعليهوآله حقيقة ، فالمراد المساواة معه في جميع الخصوصيات سوى النبوة ، بقاعدة أنه إذا تعذَّرت الحقيقة فالمراد أقرب المجازات ، وتذكّر هنا البيت من القصيدة المتقدِّمة لجدّي بحر العلوم رحمهالله في ردّ مروان بن أبي حفص حيث يقول :
__________________
(١) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
(٢) أسرار الشهادة ٣ : ١٥.
(٣) سورة آل عمران : من آية ٦١.
عليٌّ أبونا کانَ کالطُّهرِ جدّنا |
|
لَهُ ما لَهُ إلَّا النُّبوَّة مِنْ فَضْلِ |
ويدل على ذلك أيضاً قوله صلىاللهعليهوآله في الحسنين حين حملهما : «نعم الراكبان وأبوهما خير منهما» (١).
وقوله صلىاللهعليهوآله : «يا علي ، ما عرف الله إلا أنا وأنت ، ولا عرفني إلا الله وأنت ، ولا عرفك إلا الله وأنا» (٢) ، صريح بأنه عليهالسلام لا يعرفه إلا الله ورسوله ، فيكون الحسنان عليهماالسلام قاصرين عن رتبة ذات علي عليهالسلام.
وقال صلىاللهعليهوآله : «أنت نفسيَ التي بين جنبيّ» (٣) تبعاً للآية الشريفة (٤).
وقال صلىاللهعليهوآله : «أنت منّي بمنزلة الروح من الجسد» (٥).
والحسن عليهالسلام أفضل من الحسين عليهالسلام ، ومن الأدلة على ذلك ما رواه الصدوق رحمهالله في كتاب (إكمال الدين) بإسناده إلى هشام بن سالم ، قال : «قلت للصادق عليهالسلام : الحسن عليهالسلام أفضل أم الحسين عليهالسلام؟ فقال : الحسن عليهالسلام أفضل من الحسين. قلت : فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين عليهالسلام في عقبه دون ولد الحسن عليهالسلام؟ فقال : إنَّ الله تبارك وتعالى لم يرد ذلك إلا أن يجعل سنّة موسی وهارون جارية في الحسن والحسين عليهماالسلام ، ألا ترى أنهما كانا شريكين في
__________________
(١) علل الشرائع ١ : ١٧٤ ، ذخائر العقبی : ١٣٠.
(٢) ورد في مختصر بصائر الدرجات : ١٢٥ ، المحتضر : ٧٨ ، تأويل الآيات ١ : ١٣٩ ، مدينة المعاجز ٢ : ٤٣٩ ، والمؤلف رحمهالله أورده بتقديم وتأخير في النص ، وما أثبتناه من المصادر.
(٣) ورد في المصادر الحديثية في كل من : الشهب الثواقب لرجم شياطين النواصب : ١٠٦ ، الخصائص الفاطمية للكجوري ١ : ٥٢٢ ، اللمعة البيضاء : ٥٩.
(٤) أي : آية المباهلة.
(٥) مشارق أنوار اليقين : ٢٥٦.
النبوة ، كما كان الحسن والحسين عليهماالسلام شريكين في الإمامة ، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى وإن كان موسى أفضل من هارون» (١).
وأمّا فضل الحسن والحسين عليهماالسلام على الأئمّة التسعة عليهمالسلام فيحديث «سيدا شباب أهل الجنة» (٢) ، خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلي عليهالسلام بالنص ، وبقي كلٌّ من سواهما وهو ممَّا عليه الإجماع.
وأمّا فاطمة عليهاالسلام ، فاختلف العلماء في شأنها ، فقال قوم : إنها بعد علي عليهالسلام أفضل من بنيها الأحد عشر عليهمالسلام.
وقال قوم : إنها بعد الحسن والحسين عليهماالسلام أفضل من التسعة عليهمالسلام.
وقال آخرون : إن الأئمّة الاثني عشر كلّهم أفضل منها. وسبب الاختلاف اختلاف الروايات ، والَّذي يترجَّح عندنا أن فضلها بعد الأئمّة الاثني عشر ، ويدلّ عليه قوله تعالى : وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ (٣) ، وهو عام لا يلزم منه ترجيح كل ذکر عليها ؛ ولما ورد عن النبي صلىاللهعليهوآله وبعض الأئمّة عليهمالسلام أنها أفضل نساء العالمين (٤) ، ولم يرد أنها أفضل الرجال من العالمين.
ولما رواه الصدوق رحمهالله في (الفقيه) ، في ما أوصى محمّد صلىاللهعليهوآله علياً عليهالسلام : «يا علي ، إنَّ الله عزَّ وجلَّ أشرفَ على الدنيا ، فاختارني منها على رجال العالمين ،
__________________
(١) کمال الدين : ٤١٦ ح ٩.
(٢) ورد الحديث في : قرب الإسناد : ١١١ ح ٣٨٦ ، الأمالي : ١١٢ ، الخصال : ٣٢٠ ح ١ وغيرها في غير ها.
(٣) سورة آل عمران : من آية ٣٦.
(٤) ينظر : شرح الأخبار ١ : ١١٩ ، ٣ : ٦٤.
ثُمَّ أطَّلع ثانية ، فاختارك على رجال العالمين ، ثُمَّ اطَّلع الثالثة ، فاختار الأئمّة عليهمالسلام من ولدك على رجال العالمين ، ثُمَّ اطَّلع الرابعة ، فاختار فاطمة عليهاالسلام على نساء العالمين» (١) ، وهو مشعر بتفضيلهم عليها.
وأمّا أفضلية القائم عليهالسلام ، فمن تتبع الأخبار والأدعية ، مثل دعاء الندبة المرويّ عن الصادق عليهالسلام (٢) لم يُشك أنه أفضل التسعة من ذرِّية الحسين عليهالسلام ، قال عليهالسلام في جملة ما قال في الدعاء المزبور : «اللهُمَّ ونحن عبيدك التائقون إلى وليّك ، المذكّر بك وبنبيِّك ، خلقته لنا عصمة وملاذاً ، وأقمته لنا قواماً ومعاذاً ، وجعلته للمؤمنين منَّا إماماً ، فبلغه منَّا تحية وسلاماً ، وزدنا بذلك يا ربّ إكراماً ، واجعل مستقره لنا مستقراً ومقاماً ، وأتمم نعمته بتقديمك إيَّاه أمامنا حَتَّى توردنا جنانك ، ومرافقة الشهداء من خلصائك» (٣).
وممَّا صُرّح به من الأحاديث ما رواه الفاضل المقداد في شرح باب الحادي
عشر : «تسعة من ذرِّية الحسين عليهالسلام تاسعهم قائمهم ، أعلمهم» (٤).
وفي رواية اُخرى : «تاسعهم قائمهم ، أعلمهم ، [أحكمهم] (٥) ، أفضلهم» (٦).
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٣٧٤.
(٢) نصّ على ذلك العلّامة المجلسي رحمهالله في زاد المعاد : ٣١٠ باب زيارة صاحب الزَّمان عليهالسلام ، وتبعه الإصفهاني في مکيال المکارم ٢ : ٨٦ ، ولم ينصّ على ذلك غيره ، وإلا فالدعاء ورد في مزار المشهدي عن كتاب محمّد بن أبي قرّة نقلاً من كتاب أبي جعفر محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري دون تصريح بأنه للإمام الصادق عليهالسلام ، فلاحظ.
(٣) مزار المشهدي : ٥٧٣ / ٢ ، إقبال الأعمال ١ : ٥٠٤.
(٤) كذا والوارد في النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر : ١١٥ ، نصّه : (النص من النبي صلىاللهعليهوآله فمن ذلك قوله للحسين عليهالسلام : «هذا ولدي الحسين ، إمام ابن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمة تسعة ، تاسعهم قائمهم ، أفضلهم»).
(٥) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٦) مقتضب الأثر : ٨ ، تقريب المعارف : ١٨٢.
وفي حديث الوصية في قول النبي صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام في أمر الوصية : «وأنا دنيا اليك يا علي ، وأنت تدفعها إلى وصيّك ، ويدفعها وصيّك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد ، حَتَّی تُدفع إلى خير أهل الأرض بعدَك ...» الحديث (١).
خرج من عموم قوله بعدك تفضيل الحسنين عليهماالسلام بما عرفت من حديث السيادة وبقي من سواهما.
لا يقال : إنّا إذا سلَّمنا واعتقدنا أن بعضهم عليهمالسلام أفضل من بعض ، فما وجه ما ورد في بعض الأخبار أنهم قالوا : «إنّا كلَّنا خلقنا من نور واحد وطينة واحدة». وورد : «إنّا كلّنا سواء ، أولنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد ، وكلّنا محمّد ، فلا تفرَّقوا بيننا» (٢). وأمثال ذلك.
لأنا نقول : إن المراد التساوي في الفضيلة على الغير ، وهو لا يستلزم المساواة بينهم ، أو أنهم عليهمالسلام أرادوا أنهم متساوون فيما يحتاج إليه جميع الخلق ، فكلّهم فيهم الكفاية في مرحلة الهداية ، وإراءة الطرق (٣) وتبلیغ أحكام سيّد الأنام ، وإن تفاضلوا في درجات أنفسهم ، وفيما يختصون به من معرفة الله سبحانه كما سمعت من قول النبي : «ولا يعرف الله إلا أنا وأنت».
__________________
(١) الأمالي للصدوق : ٤٨٨.
(٢) الغيبة للنعماني : ٨٧ ح ١٦ ، المحتضر : ٢٧٧ ، بحار الأنوار ٢٦ : ١٦.
(٣) كذا ، والظاهر مراد المؤلف رحمهالله طرق الهداية أو طرق الأحكام.
وروى الحسن بن سليمان الحِلّي في مختصر کتاب سعد بن عبد الله الأشعري بإسناده عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «قلنا له : الأئمة بعضهم أعلم من بعض؟ فقال : «نعم ، وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد»» (١).
هذا ، وأنت خبير بأن مقتضى آية المباهلة وحسب ما أشرنا إليه أفضلية علي عليهالسلام على سائر الأنبياء حَتَّى اُولي العزم منهم ، عدا نبيّنا صلىاللهعليهوآله ؛ إذ لا مانع من مشارکته عليهالسلام معه صلىاللهعليهوآله في هذه الخصوصية.
ويدل عليه ما هو المتفق عليه بين الفريقين من أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه ، وإلى آدم في علمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في فطنته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب». رواه ابن أبي الحديد في شرحه ، عن أحمد بن حنبل في المسند ، وعن أحمد البيهقي في صحيحه (٢) ، والدلالة على المطلوب واضحة ، فإن كل واحد منهم صلىاللهعليهوآله امتاز عن سائرهم بخصلة واحدة من هذه الخصال فمن اجتمعت فيه جميعها يكون أفضل من جميعهم.
وما في (تفسير النيشابوري) من أنه : (كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمّد صلىاللهعليهوآله أفضل من سائر الأنبياء ، فكذلك انعقد الإجماع بينهم على أن النبي أفضل ممَّن ليس بنبي) (٣).
فهو جواب عار من الصواب ؛ لأنَّ ترجيحه على خصوص من عدا النبي يلزم مساواته مع سائر الأنبياء في الرتبة وهو خلاف ضروري للمسلمين.
__________________
(١) مختصر البصائر : ٧٣ ح ٢١.
(٢) شرح نهج البلاغة ٩ : ١٦٨ ، كنز العمال ١١ : ٦٣٤ نحوه.
(٣) تفسير النيسابوري ٢ : ١٧٩.