تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٩

كفر أهل السّنة القائلين بجوازها في الاخرة للمؤمنين وللافراد من الأنبياء في الدّنيا.

قال البيضاوي (١) : بعد عده ، رؤيته تعالى ، رؤية الأجسام من المستحيلات.

بل الممكن أن يرى رؤية منزهة عن الكيفية. وذلك للمؤمنين في الاخرة وللافراد من الأنبياء في الدنيا ، في بعض الأحوال (٢).

[وفي تفسير على بن ابراهيم (٣) ، قوله (وَإِذْ قُلْتُمْ : يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (الاية) ، فهم السبّعون الذّين اختارهم موسى ، ليسمعوا كلام الله.

فلمّا سمعوا الكلام ، قالوا : لن نؤمن لك يا موسى! حتّى نرى الله جهرة. فبعث الله عليهم صاعقة. فاحترقوا. ثم أحياهم الله ، بعد ذلك. وبعثهم أنبياء. فهذا دليل على الرّجعة ، في أمّه محمّد ـ صلى الله عليه وآله. فانّه قال : لم يكن في بنى إسرائيل شيء ، الا وفي أمّتى مثله.

وفي كتاب الخصال (٤) ، عن ابن عبّاس ، عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أنّه قال : من الجبال التّى تطايرت يوم موسى ـ عليه السلام ـ والصاعقة (٥) سبعة (٦) أجبل.

فلحقت بالحجاز واليمن. منها : بالمدينة أحد وورقان. وبمكة ثور وثبير وحراء.

وباليمن صبر وحصون] (٧) (٨).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٧.

(٢) المصدر : في بعض الأحوال ، في الدنيا.

(٣) تفسير القمي ١ / ٤٧.

(٤) الخصال / ٣٤٤ ، ح ١٠.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي الأصل ور : شبير.

(٧) المصدر : حضور.

(٨) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٤١

واعلم! أن هذه الاية تدل أيضا على أن قول موسى ـ عليه السلام ـ «رب أرنى أنظر اليك» ، كان سؤالا لقومه. لانّه لا خلاف بين أهل التّوراة ، أن موسى ـ عليه السلام ـ لم يسأل الرّؤية ، الا دفعة واحدة وهي الّتى سألها لقومه.

(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) : أحييناكم.

(مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) ، بسبب الصاعقة.

وقيّد البعث ، لانّه قد يكون من إغماء ونوم ، لقوله تعالى : ثمّ بعثناهم.

وقيل (١) : انّهم سألوا بعد الأحياء أن يبعثوا أنبياء. فبعثهم الله أنبياء.

وأجمع المفسّرون الا شرذمة يسيرة ، أن الله تعالى لم يكن أمات موسى ، كما أمات قومه. ولكن غشى عليه ، بدلالة قوله تعالى : فلمّا أفاق. والافاقة انّما تكون من الغشيان.

(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦)) : نعمه الّتى منها رد حياتكم.

وفي الاية ، دلالة على جواز الرّجعة.

وقال أبو القاسم البلخي (٢) : لا تجوز الرّجعة مع الاعلام بها. لان فيها إغراء بالمعاصي ، من جهة الاتّكال على التّوبة في الكّرة الثّانية.

وأجيب بأن من يقول بالرّجعة ، لا يذهب الى أن النّاس كلهم يرجعون ، فيصير إغراء بأن يقع الاتكال على التّوبة فيها. بل لا أحد من المكلّفين الا ويجوز أن لا يرجع. وذلك يكفى في باب الزّجر.

[وفي شرح الآيات الباهرة (٣) : قال الامام ـ عليه السلام ـ : وذلك أن موسى ـ

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١١٥.

(٢) ر. نفس المصدر.

(٣) شرح الآيات الباهرة / ١٩ ـ ٢٠.

٤٤٢

عليه السلام ـ لمّا أراد أن يأخذ عليهم عهد الفرقان ، فرّق ما بين المحقين والمبطلين لمحمد بنبوته وعلى بإمامته وللائمّة الطاهرين بإمامتهم. قالوا : لن نؤمن لك أن هذا أمر ربك ، حتّى نرى الله جهرة عيانا ، يخبرنا بذلك.

فأخذتهم الصاعقة معاينة وهم ينظرون الى الصّاعقة تنزل عليهم.

وقال الله ـ عزّ وجلّ : يا موسى! أنا المكرم أوليائى والمصدقين (١) بأصفيائى ولا أبالى. وكذلك أنا المعذب لاعدائى الرافعين (٢) حقوق أصفيائى ولا أبالى.

فقال موسى ـ عليه السلام ـ للباقين الّذين لم يصعقوا : ما ذا تقولون؟ أتقبلون وتعترفون؟ والا (٣) فأنتم بهؤلاء لاحقون.

فقالوا : يا موسى! أتدري ما حلّ بهم؟ لما ذا أصابتهم الصّاعقة؟ ما أصابتهم لأجلك الا أنّها (٤) كانت نكبة من نكبات الدهر. تصيب (٥) البر والفاجر. فان قلت (٦) انّما أصابتهم لردهم (٧) عليك في أمر محمّد وعلى وآلهما ، فاسأل الله ربك بهم ، أن يحيى هؤلاء المصعوقين لنسألنهم ، لما ذا أصابهم (٨) ما أصابهم.

__________________

(١) المصدر : لأوليائي والمصدق.

(٢) المصدر : الرافع.

(٣) المصدر : وتقترفون؟ أو لا.

(٤) المصدر : لأنها.

(٥) كذا في المصدر. وفي الأصل ور : يصيب.

(٦) المصدر : كانت.

(٧) كذا في المصدر. وفي الأصل ور : بردهم.

(٨) المصدر : أصابتهم.

٤٤٣

فدعا الله ـ عزّ وجلّ ـ [فأحياهم.] (١) وقال لقومه : سلوهم لما ذا أصابهم (٢)؟ فسألوهم.

فقالوا : يا بنى إسرائيل! أصابنا ما أصابنا ، لآبائنا اعتقاد امامة على بعد اعتقادنا نبّوه (٣) محمد ـ صلى الله عليه وآله. لقد رأينا بعد موتنا هذا ، ممالك (٤) ربّنا ، من سماواته وحجبه وكرسيه وعرشه وجنانه ونيرانه. فما رأينا أنفذ أمر في (٥) جميع تلك الممالك (٦) ولا أعظم سلطانا من محمّد وعلى وفاطمة والحسن والحسين.

وانّا لمّا (متنا) (٧) بهذه الصّاعقة ، ذهب بنا الى النّيران. فناداهم محمد وعلى : كفوا عن هؤلاء عذابكم. هؤلاء يحيون بمسألة سائل يسأل ربّنا ـ عزّ وجل ـ بنا وبآلنا الطيّبين.

وذلك حين لم يقذفونا في الهاوية. وأخّرونا الى أن بعثنا بدعائك ، يا نبى الله ، موسى بن عمران! بمحمد وآله الطيّبين.

فقال الله ـ عز وجل ـ لأهل عصر محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ فإذا كان بالدعاء بمحمّد وآله الطيّبين ، نشر ظلمة أسلافكم المصعوقين بظلمهم ، فما يجب عليكم

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) المصدر : أصابتهم.

(٣) المصدر : بنبوة.

(٤) المصدر : مماليك.

(٥) المصدر : أمرا من.

(٦) المصدر : مماليك.

(٧) المصدر : أصبنا.

٤٤٤

أن لا تعترضوا لمثل ما هلكوا به الى أن أحياهم الله ـ عز وجل؟] (١)

(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) :

سخّر الله لهم السّحاب ، يظلّهم من الشمس ، حين كانوا في التّيه.

وهي جمع غمامة. وهي السّحابة. وأصله التّغطية والسّتر. ومنه الغم.

(وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَ) :

قيل (٢) : التّرنجبين.

وقيل (٣) : الخبز المرقق. وقيل : جميع النّعم التي أتتهم ممّا من الله عليهم ، ممّا لا تعب فيه ولا نصب. وروى عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أنّه قال : الكمأة من المن. وماؤها ، شفاء للعين.

(وَالسَّلْوى) : السمانى.

وقيل (٤) : هو طائر أبيض يشبه السّمانى.

قيل (٥) : كان ينزل عليهم (٦) المن ، مثل الثلج ، من الفجر الى الطلوع (٧) ، ويبعث الجنوب عليهم بالسمانى.

فيأخذ كلّ انسان منهم كفايته الى الغد ، الا يوم الجمعة ، يأخذ ليومين ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٧.

(٣) مجمع البيان ١ / ١١٦.

(٤) نفس المصدر.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٧.

(٦) أ : كان ينزل عليهم يوم السبت كلوا نصب ارادة عليهم.

(٧) كذا في المصدر وأ. وفي الأصل ور : من الطلوع الى الفجر.

٤٤٥

لانّه لم يكن ينزل يوم السبت (١).

(كُلُوا) : نصب ارادة القول ، أي : وقلنا لهم.

(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) ، أي : الشّهى اللذيذ مما رزقناكم.

قيل (٢) : أو الحلال.

وهذا بناء على تناول الرزق الحرام ، أيضا.

(وَما ظَلَمُونا) :

فيه اختصار. تقديره : فظلموا بأن كفروا هذه النعمة وما ظلمونا.

(وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)) بالكفران. لانّه لا يتخطاهم ضرّه.

وكان سبب انزال المن والسّلوى عليهم ، على ما ذكر الشّيخ الطّبرسى (٣) ، أنّه : لمّا ابتلاهم بالتّيه ، إذ قالوا لموسى (٤) : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ ، فَقاتِلا. إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ). حين أمرهم بالسّير ، الى بيت المقدس وحرب العمالقة ، بقوله : (٥) (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) (الخ) فوقعوا في التّيه. فصاروا كلما ساروا ، تاهوا في قدر خمسة فراسخ ، أو ستّة. وكلّما أصبحوا ، ساروا غادين ، فأمسوا. فإذا هم في مكانهم الّذى ارتحلوا عنه. كذلك حتّى تمّت المدّة ، وبقوا فيها أربعين سنة. وفي التّيه توفّى موسى وهرون. ثم خرج يوشع بن نون. وكان (٦) الله تعالى ،

__________________

(١) ر. مجمع البيان ١ / ١١٧.

(٢) نفس المصدر ١ / ١١٦.

(٣) مجمع البيان ١ / ١١٧.

(٤) المائدة / ٢٤.

(٥) المائدة / ٢١.

(٦) المصدر : وقيل كان.

٤٤٦

يرد الجانب الّذى انتهوا اليه من الأرض ، الى الجانب الذي ساروا (١) منه.

فكانوا يضلون عن الطّريق لانّهم كانوا خلقا عظيما. فلا يجوز أن يضلوا كلهم عن الطّريق ، في هذه المدة المديدة ، في هذا المقدار من الأرض. ولما حصلوا في التيه ، ندموا على ما فعلوا. فألطف الله تعالى لهم بالغمام ، لمّا شكوا حرّ الشمّس وأنزل عليهم المن والسّلوى. فكان يسقط (٢) عليهم المن ، من [وقت] (٣) طلوع الفجر الى طلوع الشمس. فكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ، ليومهم.

وقال الصّادق ـ عليه السّلام : كان ينزل المن على بنى إسرائيل ، من بعد طلوع (٤) الفجر الى طلوع الشمس. فمن نام في ذلك الوقت ، لم ينزل نصيبه.

فلذلك يكره النّوم في هذا الوقت ، الى طلوع (٥) الشّمس.

قال بن جريح : وكان الرّجل منهم ، إذا (٦) أخذ من المن والسّلوى زيادة على طعام يوم واحد ، فسد ، الا يوم الجمعة. فانّهم إذا أخذوا طعام يومين ، لم يفسد. وكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليوم الجمعة والسّبت. لانّه كان لا يأتيهم يوم السبّت. وكانوا يخبزونه مثل القرصة. ويوجد له طعم كالشّهد المعجون بالسّمن وكان الله تعالى يبعث لهم السحاب بالنهار ، فيدفع عنهم حر الشّمس.

__________________

(١) أ : تساروا.

(٢) أ : يسوق.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر : بعد طلوع.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : ان.

٤٤٧

وكان ينزل عليهم باللّيل (١) ، عمودا من نور ، يضيء لهم مكان السّراج. وإذا ولد فيهم مولود ، يكون عليه ثوب [يطول] (٢) بطوله كالجلد.

وفي كتاب الاحتجاج ، للطبرسي ـ رحمه الله (٣) ـ روى عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن علىّ ـ عليهم السلام ـ قال : ان يهوديّا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وفي أثناء كلام طويل : فان موسى بن عمران قد أعطى المن والسّلوى ، فهل فعل بمحمّد نظير هذا؟

فقال له على ـ عليه السلام ـ : لقد كان كذلك. ومحمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ أعطى ما هو أفضل من هذا. أن الله ـ عزّ وجلّ ـ أحل له الغنائم ولامّته. ولم تحل لاحد غيره ، قبل. فهذا أفضل من المن والسّلوى.

قال له اليهودي. فان موسى ـ عليه السلام ـ قد ظلّل عليه الغمام.

قال له على ـ عليه السلام ـ : لقد كان كذلك. وقد فعل ذلك لموسى في التّيه.

وأعطى محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ أفضل من هذا. ان الغمامة كانت لمحمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ تظله من يوم ولد ، الى يوم قبض ، في حضره وأسفاره.

فهذا أفضل ممّا أعطى موسى ـ عليه السلام.

[وفي شرح الآيات الباهرة (٤) : قال الامام ـ عليه السلام : قال الله ـ عزّ وجلّ : واذكروا ، يا بنى إسرائيل! إذ (ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) لمّا كنتم في التّيه ، يقيكم حرّ الشّمس وبرد القمر. (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى). وهو التّرنجبين و

__________________

(١) المصدر : في الليل من السماء.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) الاحتجاج ١ / ٣٢٥.

(٤) شرح الآيات الباهرة / ٢٠.

٤٤٨

السّلوى طير السّمانى (١) (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) واشكروا نعمتي وعظّموا من عظمته. ووقّروا من وقّرته. وأخذت عليكم العهود والمواثيق لهم ، محمّدا وآله الطيّبين.

ثمّ قال ـ عليه السلام : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : عباد الله! عليكم باعتقاد ولايتنا أهل البيت. ولا تفرقوا بيننا. وانظروا كيف وسع الله عليكم ، حيث أوضح لكم الحجة ، يسهل (٢) عليكم معرفة الحق. ثمّ وسع لكم في التّقيّة ، لتسلموا من شرور الخلق. ثمّ ان بدلتم وغيّرتم ، عرض عليكم التّوبة. وقبلها منكم. فكونوا لنعماء الله شاكرين (٣).

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي الأصل ور : السمان.

(٢) المصدر : ليستهل.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

٤٤٩