تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٩

بكلمة «أكرم». فانه حذف منه الهمزة التي صدره ، وأدخل عليه همزة المتكلم.

فتأمل! والمراد منه اللفظ المغاير (١) للمسمى ، الغير المألف من الأصوات ، المتحد باختلاف الأمم والأعصار. وارادة المسمى منه ، بعيد لعدم اشتهاره بهذا المعنى.

وقوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (٢) ، المراد منه ، تنزيه اللفظ. أو هو مقحم فيه ، كقوله : الى الحول ثم اسم السلام عليكما.

قيل (٣) : رأي أبي الحسن الأشعري ، أن المراد بالاسم ، الصفة وهي ينقسم عنده ، الى ما هو نفس المسمى ، والى ما هو غيره ، والى ما ليس هو ، ولا غيره.

قيل : وهو عند أهل الظاهر ، من الألفاظ.

فعلى هذا لا يصح قوله : الاسم عين المسمى.

وعند الصوفية : عبارة عن ذات الحق ، والوجود المطلق. إذا اعتبرت مع صفة معينة ، وتجلي خاص. «فالرحمن» ـ مثلا ـ هو مع الذات الالهية ، مع صفة الرحمة. «والقهار» مع صفة القهر.

فعلى هذا ، الاسم عين المسمى ـ بحسب التحقق والوجود ، وان كان غيره بحسب التعقل. والأسماء الملفوظة ، هي أسماء هذه الأسامي.

واضافته الى الله ـ على التقديرين ـ لامية ، والمراد به ، بعض أفراده ، الذي من جملتها «الله» و (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)».

ويمكن أن يراد به ، هذه الأسماء بخصوصها ، بقرينة التصريح بها. ويحتمل أن تكون الاضافة بيانية. أما على التقدير الثاني ، فظاهرة. وأما على الأول ، فبأن يراد بالأسماء الثلاث ، أنفسها ، لا معانيها. ويكون (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) جاريين

__________________

(١) من أول الكتاب الى هنا ليس في نسخة أ.

(٢) الأعلى / ١.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٦.

٢١

على الله ، على سبيل الحكاية ، عما أريد به من المعنى والاستعانة والتبرك بالألفاظ ، باجرائها على اللسان ، واخطار معانيها بالبال ، وبالمعاني باخطارها بالبال ، واجراء أساميها على اللسان. وأقحم الاسم ، لكون التبرك والاستعانة باسمه ، والفرق بين اليمين والتيمن. ولم يكتب الألف لكثرة الاستعمال وتطويل الباء ، عوض عنه.

و «الله» : أصله «الاله». فحذفت الهمزة وعوضت عنها حرف التعريف.

ولذلك قيل : يا الله ـ بالقطع ـ علم للذات الواجب المستحق لجميع المحامد.

وقد يستعمل في المعبود بالحق ، مجازا.

والدليل على الأول : ان كلمة «لا اله الا الله» تفيد التوحيد ، من غير اعتبار عهد وغلبة ـ ضرورة ، وبالاتفاق من الثقات. فلو لم يكن علما لم يكن مفيدا. وهو الظاهر.

وعلى الثاني : قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ).

قيل : لو لم يكن علما ، فالمراد بكلمة «اله» الواقعة اسم «لا» ، اما مطلق المعبود ، فيلزم الكذب. أو المعبود بالحق ، فيلزم استثناء الشيء عن نفسه.

ورد بأن المراد المعبود بالحق. ولا يلزم استثناء الشيء عنه. لأن كلمة «الله» صارت بالغلبة ، مختصة بفرد من مفهومها.

وقيل (١) : لأنه يوصف ولا يوصف به. ولأنه لا بد له من اسم يجري عليه صفاته.

ولا يصلح له مما يطلق عليه سواه.

ورد بأنه يمكن أن يقال أنه كان في الأصل وصفا. لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره ، وصار كالعلم ، مثل : الثريا والصعق ، أجري مجراه في اجراء الوصف عليه.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٦.

٢٢

واستدل الذاهبون الى أنه كان في الأصل وصفا ، فغلب ، بأن ذاته ـ من حيث هو ـ بلا اعتبار أمر حقيقي أو غيره ، غير معقول للبشر. فلا يمكن أن يدل عليه بلفظ. وبأنه لو دل على مجرد ذاته المخصوصة ، لما أفاد ظاهر قوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ) (١) ، معنى صحيحا. وبأن معنى الاشتقاق هو كون أحد اللفظين مشاركا للاخر في المعنى والتركيب ، وهو حاصل بينه وبين بعض الألفاظ.

والجواب عن الأول : أنه يكفي في الوضع ملاحظة الذات المخصوصة بوجه ، أو هو معقول للبشر.

وعن الثاني : بأنا قد بينا أنه قد يطلق على مفهوم المعبود ، مجازا.

وعن الثالث : بأن اشتقاقه من لفظ آخر ، لا ينافي علميته لجواز اشتقاق لفظ من لفظ ، ثم وضعه لشيء مخصوص.

واشتقاقه من «أله» ، «آلهة» و «ألوهة» و «ألوهية» بمعنى «عبد» ومنه «تأله» و «استأله». فالاله : المعبود.

أو من أله ، إذا تحير ، إذ العقول تحير في معرفته.

أو من ألهت «فلانا» أي ، سكنت اليه. لأن القلوب تطمئن بذكره والأرواح تسكن الى معرفته.

أو من «أله» ، إذا فزع من أمر نزل عليه.

أو «إلهه» : أجاره ، إذ العابد يفزع اليه. أو هو يجيره حقيقة ، أو بزعمه ، إذا أطلق على غير (٢) الله ، كاطلاقهم الاله على الصبح.

أو من «أله» الفصيل ، إذا ولع بأمه ، إذ العباد يولعون بالتضرع اليه في الشدائد.

__________________

(١) الانعام / ٣.

(٢) ليس في أ.

٢٣

أو من «وله» ، إذا تحير وتخبط عقله. وكان أصله «ولاه» فقلبت الواو ، همزة ، لاستثقال الكسرة عليها ، استثقال الضمة في وجوه.

فقيل «اله» ، كاعأد وأشاح. ويرده الجمع على «آلهة» دون «أولهة».

وقيل : أصله «لاه» مصدر «لاه يليه» ، «ليها» «ولاها» ، إذا احتجب وارتفع لأنه تعالى محجوب عن ادراك الأبصار ، ومرتفع على كل شيء ، وعما لا يليق به.

ويشهد له قول الشاعر :

كحلفة من أبي رباح

يسمعها لاهه الكبار

وقيل : أصله «لاها» ، بالسريانية. فعرّب بحذف الالف الاخيرة وإدخال اللام عليه.

وقيل : تفخيم لامه ، إذا انفتح ما قبله ، أو انضم سنّة.

وقيل : مطلقا ، وحذف ألفه ، لحن يفسد به الصلاة. ولا ينعقد به صريح اليمين. وقد جاء لضرورة الشعر :

ألا لا بارك الله في سهيل

إذا ما بارك الله في الرجال

هذا أصله. ثم وضع علما للذات المخصوصة (١).

قيل : وهو اسم الله الأعظم ، لأنه لا يخرج بالتصرف فيه ما أمكن عن معنى.

(وفي عيون الأخبار (٢) ، حديث ذكرته في شرح (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ). وفيه : قلت : «الأحد» ، «الصمد». وقلت : لا يشبه شيئا. والله ، واحد ، والإنسان ، واحد. أليس قد تشابهت الوحدانية؟

قال : يا فتح! أحلت ـ ثبتك الله ـ انما التشبيه في المعاني ، فأما في الأسماء ، فهي واحدة. وهي دلالة على المسمى.

__________________

(١) البيضاوي ، أنوار التنزيل ١ / ٦.

(٢) عيون الاخبار ١ / ١٢٧ ، ح ٢٣.

٢٤

وبإسناده (١) الى محمد بن سنان ، قال : سألت الرضا ـ عليه السلام ـ عن الاسم ، ما هو؟ قال : صفة لموصوف.

وبإسناده (٢) الى الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال : سألت الرضا ـ عليه السلام ـ عن (بِسْمِ اللهِ) ، قال : معنى قول القائل (بِسْمِ اللهِ) ، أي : اسم على نفسي بسمة من سمات الله ـ عز وجل ـ وهي العبادة (٣).

قلت له : ما السمة؟ قال : العلامة.

وفي كتاب التوحيد (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ حديث طويل ـ وقد سأله بعض الزنادقة عن الله ـ عز وجل ـ وفيه : قال السائل : فما هو؟

قال : أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : هو الرب ، وهو المعبود ، وهو الله. وليس قولي «الله» اثبات هذه الحروف : أ ـ ل ـ ه. و «لكن راجع» (٥) الى معنى : هو (٦) خالق الأشياء وصانعها. وقعت عليه هذه الحروف. وهو المعنى الذي سمّي به «الله» و «الرحمن» و «الرحيم» و «العزيز» وأشباه ذلك من أسمائه. وهو المعبود ـ جل وعز.

وبإسناده (٧) الى امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ انه قال ـ وقد سئل ما الفائدة في حروف الهجاء؟ ما من حرف الا وهو اسم من أسماء الله ـ عز وجل.

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٩ ، ح ٢٥.

(٢) نفس المصدر ١ / ٢٦٠ ، ح ١٩.

(٣) المصدر : العبودية.

(٤) التوحيد / ٢٤٥ ، ح ١.

(٥) المصدر : لكنى أرجع.

(٦) المصدر : هو شيء.

(٧) نفس المصدر / ٢٣٥ ، ح ٢.

٢٥

وبإسناده (١) الى هشام بن الحكم ، أنه سأل أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن أسماء الله ـ عز وجل ـ واشتقاقها. فقال : «الله» هو مشتق من «اله». و «اله» يقتضى مألوها. والاسم غير المسمى. فمن عبد الاسم دون المعنى ، فقد كفر. ولم يعبد شيئا.

ومن عبد الاسم والمعنى ، فقد أشرك وعبد اثنين. ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد. أفهمت يا هشام؟

قال : قلت : زدني.

قال : لله ـ عز وجل ـ تسعة وتسعون اسما. فلو كان الاسم هو المسمى ، لكان كل اسم منها هو إلها ، ولكن الله ـ عز وجل ـ معنى يدل عليه هذه الأسماء. وكلها غيره.

يا هشام! الخبز ، اسم للمأكول. والماء ، اسم للمشروب. والثوب ، اسم للملبوس. والنار ، اسم للمحرق. أفهمت يا هشام؟ فهما تدفع به وتنافر به أعداءنا والملحدين في الله والمشركين مع الله ـ عز وجل ـ غيره؟

قلت : نعم.

قال : نفعك الله به. وثبتك يا هشام.

قال هشام : فوالله ما قهرني أحد في التوحيد [حينئذ] (٢) ، حتى قمت مقامي هذا.

وبإسناده (٣) الى عبد الأعلى ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ حديث طويل ـ قال ـ عليه السلام ـ في آخره : والله يسمى بأسمائه. وهو (٤) غير أسمائه. والأسماء

__________________

(١) نفس المصدر / ٢٢١ ، ح ١٣.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) نفس المصدر / ١٤٣ ـ ١٤٢ ، ح ٧.

(٤) المصدر : فهو.

٢٦

غيره.

وفيه : واسم الله ، غير الله. وكل شيء وقع عليه اسم شيء ، فهو مخلوق ، ما خلا الله.

وبإسناده (١) الى الحسن بن راشد ، عن أبي الحسن ، موسى بن جعفر ـ عليهما السلام ـ قال : سألته عن معنى «الله».

قال : استولى على ما دقّ وجلّ.

وفي كتاب معاني الأخبار (٢) ، بإسناده الى أبي إسحاق الخزاعي ، عن أبيه ، قال : دخلت مع أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ على بعض مواليه ، يعوده. فرأيت الرجل يكثر من قول «آه».

فقلت له : يا اخي ، أذكر ربك ، واستغث به.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السلام : ان «آه» ، اسم من اسماء الله ـ عز وجل.

فمن قال «آه» ، فقد استغاث بالله ـ تبارك وتعالى) (٣).

(وفي تهذيب الأحكام (٤) : محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن حماد بن زيد ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، عن أبى عبد الله ، عن أبيه ـ عليهما السلام ـ قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، أقرب الى اسم الله الأعظم من ناظر العين الى بياضها.

__________________

(١) نفس المصدر / ٢٣٠ ، ح ٤.

(٢) معاني الاخبار / ٣٣٦ ، ح ١.

(٣) ما بين القوسين ليس في أ.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٨٩ ، ح ١١٥٩ ، مجمع البيان ١ / ١٨ ، عيون الاخبار ٢ / ٥ وتفسير البرهان نقلا عن التهذيب ١ / ٤١.

٢٧

وفي مهج الدعوات (١) : باسنادنا الى محمد بن الحسن الصفار ، من كتاب فضل الدعاء ، بإسناده الى معاوية بن عمار ، عن الصادق ـ عليه السلام ـ أنه قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من (٢) اسم الله الأكبر. وقال : الأعظم.

وبرواية ابن عباس (٣) ، قال ـ صلى الله عليه وآله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) اسم من أسماء الله الأكبر. وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، الا كما بين سواد العين وبياضها) (٤).

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : صفتان للمبالغة. من «رحم» ، بالضم. كالغضبان من غضب. والعليم من علم ، بعد نقله الى فعل. وهي انعطاف (٥) للقلب. يصير سبب الإحسان. ومنه الرحم ، لانعطافها على ما فيها.

وأسماء الله تعالى ، تؤخذ باعتبار الغايات التي هي الأفعال دون المبادئ التي هي الانفعالات.

في نهج البلاغة (٦) : رحيم لا يوصف بالرقّة.

وفي كتاب الأهليلجة (٧) : قال الصادق ـ عليه السلام ـ : ان الرحمة وما يحدث لنا ، منها شفقة ومنها جود. وان رحمة الله ، ثوابه لخلقه. والرحمة من العباد شيئان :

أحدهما : يحدث في القلب الرأفة والرقّة ، لما يرى بالمرحوم من الضرر والحاجة وضروب البلاء.

__________________

(١) مهج الدعوات / ٣١٧.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) نفس المصدر / ٣١٩.

(٤) ما بين القوسين في «ر» و «أ».

(٥) ر : وهي بالضم. والرحمة انعطاف...

(٦) نهج البلاغة ، ط / ١٧٩.

(٧) بحار الأنوار ٣ / ١٦٩.

٢٨

والاخر : ما يحدث منا بعد (١) الرأفة واللطف على المرحوم. والرحمة منا بما نزلت به.

وقد يقول القائل : أنظر الى رحمة فلان ، وانما يريد الفعل الذي أحدث (٢) عن الرأفة (٣) التي في قلب فلان. وانما يضاف الى الله ـ عز وجل ـ من فعل «ما عنى» (٤) من هذه الأشياء.

وأما المعنى الذي في (٥) القلب ، فهو منفي عن الله. كما وصف عن نفسه فهو رحيم ، لا رحمة (٦) رقّة.

وفي (الرَّحْمنِ) من المبالغة ، ما ليس في (الرَّحِيمِ) ، لأن زيادة البناء يكون لزيادة المعنى ، كما يكون للإلحاق والتزيين. ويكون ذلك باعتبار الكمية أو الكيفية.

فعلى الأول : يقال : رحمان الدنيا ، لأنه يعم المؤمن والكافر. ورحيم الاخرة ، لأنه يخص المؤمن.

وعلى الثاني : رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا ، لأن النعم الأخروية ، كلها جسام.

وأما الدنيوية فجليلة وحقيرة وقدم. والقياس يقتضي الترقّي من الأدنى الى الأعلى ، لأنه صار كالعلم ، من حيث أنه لا يوصف به غيره.

__________________

(١) أ : يحدث منا ما بعد الرأفة. المصدر : ما يحدث منا من بعد الرأفة.

(٢) المصدر : حدث.

(٣) المصدر : الرقة.

(٤) أ : ما حدث بحال. المصدر : ما حدث عنا.

(٥) المصدر : هو في.

(٦) أ : ليس للرحمة في.

٢٩

أو ، لأن (الرَّحْمنِ) لما دل على أصول النعم ، ذكر (الرَّحِيمِ) ليشمل ما يخرج منها ، فيكون كالتتمة له.

أو ، للمحافظة على رؤوس الآي.

أو ، لتقدم نعم الدنيا.

أو ، لما ذهب اليه الصوفية ، من أن الرحمة هي الوجود.

فان اعتبرت من حيث وحدتها وإطلاقها ، نظرا الى وحدتها ، اشتق منه (الرَّحْمنِ).

وان اعتبرت من حيث تخصصها وتخصصها باعتبار متعلقاتها ، اشتق منه (الرَّحِيمِ).

ولا شك أن الحيثية الأولى متقدمة على الثانية. وهو غير منصرف ، حملا على نظيره في بابه ، وان منع اختصاصه بالله ، أن يكون له مؤنث على فعلى أو فعلانة.

(وفي مجمع البيان (١) : وروى أبو سعيد الخدري عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ : ان عيسى بن مريم قال : (الرَّحْمنِ) ، رحمن الدنيا. و (الرَّحِيمِ) ، رحيم الاخرة.

وروى عن الصادق ـ عليه السلام ـ : (الرَّحْمنِ) اسم خاص ، بصفة عامة.

و (الرَّحِيمِ) اسم عام ، بصفة خاصة.

وفي عيون الأخبار (٢) : بإسناده عن الرضا ـ عليه السلام ـ انه قال في دعائه رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما. صل على محمد وآل محمد.

وفي شرح الآيات الباهرة : وذكر في تفسير الامام الحسن العسكري ـ عليه السلام (٣) ـ قال : وتفسير قوله ـ عز وجل ـ (الرَّحْمنِ) ، أن (الرَّحْمنِ) مشتق من الرحمة.

وقال : قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ : سمعت رسول الله ـ صلى

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٢١.

(٢) عيون الاخبار ٢ / ١٦ ، ٣٧ ح.

(٣) تفسير العسكري / ١٧.

٣٠

الله عليه وآله ـ يقول : قال الله تعالى : أنا الرحمن. وهي من (١) الرحم. شققت لها أسماء من اسمي. من وصلها وصلته. ومن قطعها بتتّه (٢). ثم قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : ان الرحم التي اشتقها الله تعالى من اسمه (٣) بقوله «أنا الرحمن» ، هي رحم محمد (٤) ـ صلى الله عليه وآله ـ. وان من إعظام الله ، إعظام محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ وان من إعظام محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ ، إعظام رحم محمد.

وان كل مؤمن ومؤمنة من شيعتنا ، هو من رحم محمد (٥). وان إعظامهم من إعظام محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ. فالويل لمن استخف بشيء من «حرمة رحم محمد ـ صلى الله عليه وآله» (٦) ـ. وطوبى لمن عظم حرمته وأكرم رحمه ، ووصلها.

وقال الامام ـ عليه السلام : وأما قوله : (الرَّحِيمِ) ، فان أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ قال : رحيم بعباده المؤمنين. ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم. فبها تتراحم الناس ، وترحم الوالدة ولدها (٧) ، وتحن الأمهات من الحيوان على أولادها. فإذا كان يوم القيامة ، أضاف هذه الرحمة الواحدة (٨) الى تسع وتسعين رحمة ، فيرحم بها أمة محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ ثم يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة ، حتى أن الواحد ليجيء الى مؤمن

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : قطعته.

(٣) المصدر : رحمته.

(٤) المصدر : آل محمد.

(٥) أيضا.

(٦) المصدر : حرمته.

(٧) المصدر : لولدها.

(٨) ليس في المصدر.

٣١

من الشيعة ، فيقول له (١) : اشفع لي! فيقول له (٢) : أي حق لك عليّ؟

يقول : سقيتك يوما ماء.

فيذكر ذلك ، فيشفع له ، فيشفع فيه.

ويجيء آخر فيقول : أنا (٣) لي عليك حق [فاشفع لي!] (٤).

فيقول : [و] (٥) ما حقك؟

فيقول : استظللت بظل جداري ساعة في يوم حارّ.

«فيشفع له» (٦) فيشفع فيه. فلا يزال يشفع حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه. وان المؤمن أكرم على الله تعالى مما يظنون.

وفي كتاب التوحيد (٧) : بإسناده الى عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

فقال : الباء ، بهاء الله. والسين ، سناء الله. والميم ، مجد الله ـ وروى بعضهم ملك الله ـ. و (اللهِ) ، اله كل شيء. و (الرَّحْمنِ) ، بجميع خلقه. و (الرَّحِيمِ)» ، بالمؤمنين ، خاصة.

وفي أصول الكافي (٨) مثله ، سواء.

وفي كتاب التوحيد (٩) ـ أيضا ـ : بإسناده الى صفوان بن يحيى ، عمن حدّثه ،

__________________

(١ و ٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر : ان.

(٤ و ٥) يوجد في المصدر.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) التوحيد / ٢٣٠.

(٨) الكافي ١ / ١١٤.

(٩) التوحيد / ٢٣٠.

٣٢

عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ : انه سئل عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

فقال : الباء ، بهاء الله. والسين ، سناء الله. والميم ، ملك الله.

قال : قلت : (اللهِ)؟

قال : الف ، آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا. واللام ، الزام الله خلقه ولايتنا.

قلت : فالهاء؟

قال : هوان لمن خالف محمدا وآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ.

قلت : (الرَّحْمنِ)؟

قال : بجميع العالم.

قلت : (الرَّحِيمِ)؟

قال : بالمؤمنين خاصة.

وفيه (١) ـ أيضا : حدثنا محمد بن القسم الجرجاني المفسر ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار ـ وكانا من الشيعة الامامية ـ عن أبويهما ، عن الحسن بن علي بن محمد ـ عليهم السلام ـ ، في قول الله ـ عز وجل ـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فقال (اللهِ) هو الذي يتألّه اليه عند الحوائج والشدائد ، كل مخلوق ، عند انقطاع الرجاء من كل من دونه (٢). وتقطع الأسباب (٣) عن جميع ما سواه يقول : بسم الله ، أي : أستعين على أموري كلها بالله. الذي لا تحق العبادة الا له. المغيث إذا استغيث المجيب إذا دعي. وهو ما قال رجل للصادق ـ عليه السلام ـ : يا بن رسول الله!

__________________

(١) نفس المصدر / ٢٣٠ ـ ٢٣٢.

(٢) المصدر : من هو.

(٣) المصدر : من.

٣٣

دلّني على الله ، ما هو؟ فقد كثر (١) عليّ المجادلون. وحيّروني.

فقال له : يا عبد الله! هل ركبت سفينة قط؟

قال : نعم.

قال : فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تعينك (٢)؟

قال : نعم.

قال : فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟

قال : نعم.

قال الصادق ـ عليه السلام : فذلك الشيء هو الله ، القادر على الانجاء ، حيث لا منجي. وعلى الاغاثة ، حيث لا مغيث. [ثم قال الصادق] (٣) : وقام رجل الى علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ فقال : أخبرني ما (٤) معنى (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟

فقال علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ : حدثني أبي ، عن أخيه ، الحسن عن أبيه ، أمير المؤمنين عليهم السلام ـ : ان رجلا قام اليه. فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، ما معناه؟

فقال : [ان] (٥) قولك (اللهِ) أعظم اسم من أسماء الله ـ عز وجل ـ وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يسمى به غير الله. ولم يتسم به مخلوق.

__________________

(١) المصدر : أكثر.

(٢) المصدر : تغنيك.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر : عن.

(٥) يوجد في المصدر.

٣٤

فقال الرجل : فما تفسير قول (١) (اللهِ)؟

فقال : هو الذي يتألّه اليه عند الحوائج والشدائد ، كل مخلوق ، عند انقطاع الرجاء من جميع من [هو] (٢) دونه. وتقطع الأسباب من كل من سواه. وذلك أن كل مترائس في هذه الدنيا ومتعظم فيها وان عظم غناؤه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه اليه ، فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم. وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها ، فينقطع الى الله عند ضرورته وفاقته ، حتى إذا كفى همه ، عاد الى شركه. أما تسمع الله ـ عز وجل ـ يقول : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) (٣). فقال الله ـ جل جلاله ـ لعباده : أيها الفقراء الى رحمتي! اني قد ألزمتكم الحاجة الي ، في كل حال وذلة العبودية في كل وقت. قال : فافزعوا في كل أمر تأخذون فيه وترجون تمامه وبلوغ غايته ، فاني ان أردت أن أعطيكم ، لم يقدر غيري على منعكم. وان أردت أن أمنعكم ، لم يقدر غيري على إعطائكم. فأنا أحق من سئل. وأولى من تضرع اليه. فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير ، أو عظيم : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، أي : أستعين على هذا الامر ، بالله. الذي لا تحق العبادة لغيره. المغيث إذا استغيث. المجيب إذا دعي. الرحمن الذي يرحم ، ويبسط الرزق علينا.

الرحيم بنا ، في أدياننا ودنيانا وآخرتنا. وخفف علينا الدين ، وجعله سهلا خفيفا وهو يرحمنا بتمييز من أعدائه) (٤).

__________________

(١) المصدر : قوله.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) الانعام / ٤١.

(٤) ما بين القوسين ليس في أ.

٣٥

(وفي الحديث (١) : إذا قال العبد : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال الله ـ عز وجل ـ : بدأ عبدى باسمي. حق عليّ أن أتمم (٢) أموره ، وأبارك له في أحواله.

وفي الكافي (٣) : محمد بن يحيى ، عن علي بن الحسين بن علي ، عن عباد ابن يعقوب ، عن عمر بن مصعب ، عن فرات بن أحنف ، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : سمعته يقول : أول كتاب نزل من السماء (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فإذا قرأت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فلا تبالي الا تستعيذ. إذا قرأت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، سدّتك فيما بين السماء والأرض.

وفي أصول الكافي (٤) : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن جميل بن دراج ، قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : لا تدع (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وان كان بعده شعر.

عدة من أصحابنا (٥) ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن الحسن بن علي ، عن يوسف بن عبد السلام ، عن سيف بن هارون ، مولى آل جعدة قال : لا تكتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) لفلان ، ولا بأس أن تكتب على ظهر الكتاب لفلان.

عدة من أصحابنا (٦) ، عن سهل بن زياد ، عن إدريس الحارثي ، عن محمد ابن سنان ، عن مفضل بن عمر ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ أكتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من أجود كتابك. ولا تمد الباء ، حتى ترفع السين.

__________________

(١) تفسير العسكري / ٢٧ ـ ٢٨.

(٢) المصدر : أتمم له.

(٣) الكافي ٣ / ٣١٣ ح ٣.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٦٧٢ ، ح ١.

(٥) نفس المصدر ٢ / ٦٧٢ ، والسند سند ح ٢ والمتن متن ح ٣.

(٦) نفس المصدر ، والسند سند ح ٢٠ ، ٢ / ٦٢٤ والمتن متن ح ٢ ، ٢ / ٦٧٢.

٣٦

عنه (١) : عن علي بن حكم ، عن الحسن بن السري ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ : احتجبوا (٢) من الناس ـ كلهم ـ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ، و «بقل هو الله أحد» ، اقرأها عن يمينك وعن شمالك [ومن بين يديك] (٣) ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك. وإذا (٤) دخلت على سلطان جائر ، فاقرأها ، حتى (٥) تنظر اليه ثلاث مرات. واعقد بيدك اليسرى. ثم لا تفارقها (حتى) تخرج من عنده.

وفي كتاب التوحيد (٦) : بإسناده الى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في حديث طويل ـ فيه : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : من حزنه أمر يتعاطاه ، فقال (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وهو مخلص لله ويقبل بقلبه اليه ، لم ينفك من احدى اثنتين : اما بلوغ حاجته في الدنيا ، وما يعد له ويدخر لديه. وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين.

وفيه (٧) : عن الصادق ـ عليه السلام ـ ، في حديث طويل ، فيه : ولربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فيمتحنه الله ـ عز وجل ـ بمكروه. ولينبهه على شكر الله ـ تبارك وتعالى ـ والثناء عليه. ويمحق عنه وصمه وتقصيره عند تركه قول «بسم الله [الرحمن الرحيم»] (٨).

__________________

(١) نفس المصدر ، والسند سند ح ٣ ، ٢ / ٦٧٢ والمتن متن ح ٢٠ ، ٢ / ٦٢٤.

(٢) المصدر : قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ يا مفضل! احتجز.

(٣) يوجد في المصدر.

(٤) المصدر : فإذا.

(٥) المصدر : حين.

(٦) التوحيد / ٢٣٢.

(٧) نفس المصدر / ٢٣١.

(٨) يوجد في المصدر.

٣٧

وفي عيون الاخبار (١) ، في تأويل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : بإسناده الى الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال : سألت الرضا ـ عليه السلام ـ ، عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال : معنى قول القائل «بسم الله» : اسم على نفسي بسمة من سمات الله ـ عز وجل ـ وهي العبادة.

قلت له : ما السمة؟

قال : العلامة.

وبالإسناد (٢) ، الى عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن (٣) (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

فقال (٤) : الباء بهاء الله. والسين ، سناء الله. والميم ، مجد الله ـ وروى بعضهم : ملك الله (٥) ـ و «الله» ، اله كل شيء. «الرحمن» ، بجميع خلقه.

و «الرحيم» ، بالمؤمنين خاصة.

وفي كتاب التوحيد (٦) بإسناده الى صفوان بن يحيى ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ ، أنه سئل عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). فقال : الباء بهاء الله. والسين ، سناء الله. والميم ، ملك الله.

قال : قلت : الله؟

قال : الألف ، آلاء الله على خلقه من النعيم بولائنا (٧). واللام ، الزام الله

__________________

(١) عيون الاخبار ١ / ٢٦.

(٢) الكافي ١ / ١١٤ ، ح ١.

(٣) المصدر : عن تفسير.

(٤) المصدر : قال.

(٥) المصدر : الميم ، ملك الله.

(٦) التوحيد / ٢٣٠.

(٧) المصدر : بولايتنا.

٣٨

خلقه ولايتنا.

قلت : فالهاء؟

قال : هوان لمن خالف محمدا وآل محمد ـ صلوات الله عليهم.

قلت : الرحمن؟

قال : بجميع العالم.

قلت : الرحيم؟

قال : بالمؤمنين خاصة.

وبإسناده (١) الى الحسن بن أبي راشد ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر ـ عليهما السلام ـ قال : سألته عن معنى «الله».

قال : استوى على ما دقّ وجلّ. وخص التسمية بهذه الأسماء ، ليعلم العارف أن الحقيق لأن يستعان به في جميع الأمور ، هو المعبود الحقيقي ، الذي هو مولى النعم ، كلها ، عاجلها وآجلها ، جليلها وحقيرها. فيتوجه بشراشره الى جنابه) (٢).

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) :

«الحمد» : هو الثناء باللسان ، على الجميل الاختياري ، من نعمة أو غيرها.

والمدح : هو الثناء على الجميل ، مطلقا.

وفي الكشاف (٣) : انهما اخوان لتخصيصه المدح ، أيضا ، بالجميل الاختياري.

وقد صرح به في تفسير قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) (٤).

لا يقال : إذا خص «الحمد» بالجميل الاختياري ، لزم أن لا يحمد الله تعالى على صفاته الذاتية ، كالعلم والقدرة والارادة. بل اختص بأفعاله الصّادرة عنه ،

__________________

(١) نفس المصدر / ٢٣٠.

(٢) ما بين القوسين يوجد في أ.

(٣) لم نعثر عليه في الكشاف ولكنه موجود في أنوار التنزيل ١ / ٧.

(٤) الحجرات / ٧.

٣٩

باختياره. لأنا نقول : تجعل تلك الصفات ، لكون ذاته كافية فيها بمنزلة أفعال اختيارية ، يستقل بها فاعلها.

ولا يخفى على المتأمل ، أن ذلك الجعل ، لا يقتضي صحة «الحمد» على الصفات الذاتية. بل يقتضي صحة اطلاق لفظ «الحمد» ، على الثناء على صفاته ، تجوّزا. وأين أحدهما عن الاخر؟

وحقيقته عند العارفين ، اظهار كمال المحمود ـ قولا أو فعلا أو حالا ـ سواء كان ذلك الكمال اختياريا ، أو غير اختياري.

والشكر ، مقابلة النعمة ـ قولا وعملا واعتقادا.

قال :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة

يدي ولساني والضمير المحجب

فهو أعم منها ، من وجه. وأخص من آخر. ولما كان «الحمد» من شعب «الشكر» ، أشيع للنعمة ، وأدل على مكانها ، لخفاء الاعتقاد وما في آداب الجوارح ، من الاحتمال جعل رأس الشكر والعمدة فيه.

فقال ـ عليه السلام ـ : «الحمد لله» ، رأس الشكر. ما شكر الله من لم يحمده.

«والذم» ، نقيض «الحمد».

والكفران ، نقيض الشكر.

ورفعه بالابتداء ، وخبره ، لله. وأصله النصب. وقد قرئ به (١).

وانما عدل به الى الرفع ، دلالة على الدوام والثبات.

وقرئ «الحمد لله» باتباع الدال اللام ، وبالعكس ـ تنزيلا لهما ـ لكثرة استعمالهما معا ، بمنزلة كلمة واحدة. كقولهم منحدر (٢) الجبل ومغيره.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٧.

(٢) ر : ظهر.

٤٠