الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧
الواحد ، لم يصح ؛ لعدم الاعتياد بالاستثناء في الأعيان (١).
والحقّ : الجواز ، وصحّة الاستثناء في الإقرار بالأعْبُد الأربعة ، فلو قال : هؤلاء العبيد لفلان إلاّ واحداً ، فالمستثنى منه معيّن ، والمستثنى غير معيّنٍ ، وهو صحيح عندنا وعند أكثر الشافعيّة (٢) ، ويُرجع إليه في التعيين.
فإن ماتوا إلاّ واحداً ، فقال : هو الذي أردتُه بالاستثناء ، قُبِل منه مع اليمين ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (٣) ـ لاحتماله.
والثاني : لا يُقبل ؛ للتهمة ، وندرة هذا الاتّفاق (٤).
ولو قال : غصبتهم إلاّ واحداً ، فماتوا إلاّ واحداً ، فقال : هو المستثنى ، قُبِل إجماعاً ؛ لأنّ أثر الإقرار يبقى في الضمان. وكذا لو قُتلوا في الصورة الأُولى إلاّ واحداً ؛ لأنّ حقّه يثبت في القيمة.
ولو قال : هذه الدار لفلان وهذا البيت منها لي ، أو : له هذا الخاتم وفصّه لي ، قُبِل ؛ لأنّه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ ، فكان كالاستثناء.
تنبيه : لو قال : له ثلاثة ودرهمان إلاّ درهمين ، صح ، وحُمل على الاستثناء من الجملة الأُولى ؛ لامتناع رجوعه إلى الثانية ؛ لأنّها مستوعبة ، أو على رجوعه إلى مجموعهما (٥).
ولو قال : له درهمان ودرهمان إلاّ درهمين ، فالأقرب : الصحّة ،
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧.
(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٥٦ ، الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.
(٣ و ٤) التنبيه : ٢٧٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦ ، منهاج الطالبين : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٥.
(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مجموعها ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.
ويكون عائداً إلى مجموع الجملتين ؛ لأنّ الاستثناء إنّما يرجع إلى الجملة الأخيرة لو لم توجد قرينة الرجوع إلى الجميع.
آخَر : لو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ درهم ، بالرفع ، لزمه العشرة ، وتكون « إلاّ » هنا قائمةً مقام « غير » وتكون وصفاً.
ولو قال : ما له عندي عشرة إلاّ درهم ، فهو إقرار بدرهم.
ولو نصب ، لم يكن مُقرّاً بشيء.
نكتة : أدوات الاستثناء حكمها حكم « إلاّ » فإذا قال : له عندي عشرة سوى درهم ، أو : ليس درهماً ، أو : خلا ، أو : عدا ، أو : ما خلا ، أو : ما عدا ، أو : لا يكون ، أو : غير درهم ، بالنصب ، فهو إقرار بتسعة.
ولو (١) رفع في الأخير ، فهو وصف إن كان عارفاً ، وإلاّ لزمه تسعة.
البحث الثاني : فيما عدا الاستثناء.
وفيه مطالب :
الأوّل : فيما يقتضي رفع المُقرّ به.
مسألة ٩٦٣ : إذا قال : لفلان علَيَّ ألف من ثمن خمر ، أو خنزير ، أو كلب ، فإن فصل بين الإقرار ـ وهو قوله : علَيَّ ألف ـ وبين الرافع ـ وهو قوله : من ثمن خمر ، أو خنزير ـ بسكوتٍ أو كلامٍ آخَر ، لم يُسمع منه ، ولزمه الألف إجماعاً ؛ لأنّ وصفه بذلك رجوع عن الإقرار.
وإن كان موصولاً بحيث لم (٢) يقع بين الإقرار ورافعه سكوتٌ ولا كلامٌ ، لم يُقبل أيضاً ، ولزمه الألف ؛ لما فيه من الرجوع والتناقض ، وهو
__________________
(١) في « ج ، ر » : « فلو ».
(٢) في « ر » والطبعة الحجريّة : « لا ».
أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه وصل بإقراره ما يرفعه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : علَيَّ ألف لا تلزمني ، أو فصل قوله : « من ثمن خمرٍ » عن الإقرار ، وبه قال أبو حنيفة (١).
والثاني للشافعيّة : إنّه يُقبل ـ وبه قال المزني ـ ولا يلزمه شيء ؛ لأنّ الجميع كلامٌ واحد ، والكلام يُعتبر بآخره ولا يُبعّض ، ولأنّ الإقرار إخبار عمّا جرى ، وهذه المعاملات على فسادها جارية بين الناس ، فعلى هذا للمُقرّ له تحليف المُقرّ أنّه كان من ثمن خمر أو خنزير (٢).
وليس بجيّدٍ ؛ لأنّا نمنع وحدة الكلام.
سلّمنا ، لكن إنّما يتمّ بآخره لو لم يناقض أوّله ، أمّا إذا تناقضا فإنّه يُحكم بما عليه ، لا له.
وعلى ما اخترناه لو قال المُقرّ : كان ذلك من ثمن خمر وظننته لازماً لي ، فله تحليف المُقرّ له على نفيه.
مسألة ٩٦٤ : إذا وصل إقراره بما ينتظم لفظه عادةً لكنّه يبطل حكمه شرعا ، كما إذا أضاف المُقرّ به إلى بيعٍ فاسد ، كالبيع بأجلٍ مجهول أو خيارٍ مجهول ، أو قال : تكفّلت ببدن فلان بشرط الخيار ، وقلنا : ثبوت الخيار في الكفالة يقتضي بطلانها ، أو قال : ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار ، وأبطلناه به ، وما أشبه ذلك ، فالوجه : بطلان الإضافة ، وصحّة الإقرار والحكم به ،
__________________
(١) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٦ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٢٤ / ٩٨١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٢٢ و ٦٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٦.
(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٨٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٠ ، الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.
فإذا قال : له علَيَّ ألف درهم من ثمن مبيعٍ مجهول ، أو بأجلٍ مجهول ، أو بخيارٍ مجهول ، لم يُقبل منه ، ولزمه الألف في الحال.
وللشافعي قولان (١).
ولأصحابه مأخذان في هذا الخلاف :
أحدهما : بناؤه على القولين في تبعيض الشهادة إذا شهد لشريكه ولأجنبيٍّ.
وقيل : إنّه غير مشابهٍ للمتنازَع ؛ لأنّ الشهادة للأجنبيّ والشهادة للشريك أمران لا تعلّق لأحدهما بالآخَر ، وإنّما قرن الشاهد بينهما لفظاً ، والخلاف فيها شبه الخلاف في تفريق الصفقة ، وأمّا هاهنا فالمذكور أوّلاً مسند إلى المذكور آخِراً ، وأنّه فاسد في نفسه مُفسدٌ للأوّل ، ولهذا لو قدّم ذكر الخمر فقال : لفلانٍ من ثمن الخمر علَيَّ ألف ، لم يلزمه شيء بحال ، وفي الشهادة لا فرق بين أن يقدّم ذكر الشريك أو الأجنبيّ.
ثمّ هَبْ أنّهما متقاربان ، لكن ليس بناء الخلاف في الإقرار على الخلاف في الشهادة بأولى من العكس.
والثاني : إنّه يجوز بناء هذا الخلاف على الخلاف في حدّ المدّعي والمدّعى عليه ، إن قلنا : المدّعي مَنْ لو سكت تُرك ، فهاهنا لو سكت عن قوله : « من ثمن خمرٍ » لتُرك ، فهو بإضافته إلى الخمر مُدّعٍ ، فلا يُقبل قوله ، ويحلف المُقرّ له. وإن قلنا : المدّعي مَنْ يدّعي أمراً باطناً ، قُبِل قول المُقرّ ؛ لأنّ الظاهر معه ، وهو براءة الذمّة ، والمُقرّ له هو الذي يدّعي أمراً باطناً ،
__________________
(١) الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.
وهو زوال أصل البراءة (١).
وقيل : لو صحّ هذا البناء ، لما افترق الحال بين أن يضيفه إلى الخمر موصولاً أو مفصولاً ، ولوجب أن يخرج التعقيب بالاستثناء على هذا الخلاف (٢).
قال الجويني بعد ذكر القولين : كنتُ أودّ لو فُصّل بين أن يكون المُقرّ جاهلاً بأنّ ثمن الخمر لا يلزم ، وبين أن يكون عالماً ، فيعذر الجاهل دون العالم ، لكن لم يصر إليه أحد من الشافعيّة (٣).
إذا ثبت هذا ، فلو أقرّ بالكفالة بشرط الخيار وأنكر المكفول له شرط الخيار ، قُدّم قول المُقرّ له عندنا ، وبه قال أبو حنيفة (٤).
وللشافعي قولان (٥) تقدّما (٦).
وكذا يجري القولان في كلّ مَنْ وصل إقراره بما يرفعه ، لا من الوجه الذي أثبته ، مثل أن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ أو مبيعٍ هلك قبل قبضه ، أو يقول : قبّضتها ؛ لأنّه وصل إقراره بما يرفعه ، فلم يُقبل منه ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلاّ ألفاً.
مسألة ٩٦٥ : إذا قال : له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه إذا سلّمه
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.
(٤) بحر المذهب ٨ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، المغني ٥ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٨.
(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٠ ، الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦ ، المغني ٥ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٨.
(٦) آنفاً.
سلّمتُ الألف ، قال الشيخ (١) رحمهالله : إن وصل الكلام ، كان القولُ قولَه مع اليمين وإن أنكر المُقرّ له وقال : بل هي دَيْن ، أو قال : قبضتَه.
وللشافعيّة طريقان :
أحدهما : قبول قوله : « من ثمن عبدٍ لم أقبضه » على القولين السابقين ، ففي قولٍ يُقبل ولا يُطالب بالألف إلاّ بعد تسليم العبد. وفي قولٍ يؤخذ بأوّل الإقرار ، ولا يُحكم بثبوت الألف ثمناً.
والأصحّ عندهم : القطع بالقبول وثبوته ثمناً ، ويفارق صُور القولين ؛ فإنّ المذكور فيها أخيراً يرفع المُقرّ به ، وهنا بخلافه (٢).
واعلم أنّ الشيخ رحمهالله قسّم هذه المسألة على ثلاثة أنحاء (٣) :
أ : أن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، متّصلاً بعض الكلام ببعضٍ ، وهذا يُقبل قوله ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وقد تقدّم (٤) ، ويكون القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه.
ولا فرق بين أن يعيّن المبيع بأن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن هذا العبد ولم أقبضه ، أو لم يعيّنه ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد (٥).
وقال أبو حنيفة : إن عيّن المبيع قُبل منه ، سواء وصل بإقراره أو فصل ، وإن أطلق لم يُقبل منه ؛ لأنّه إذا أطلق فقد وصل إقراره بما يبطله ؛
__________________
(١) راجع المبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ٣٤.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، المغني ٥ : ٣٢١.
(٣) راجع المبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ٣٣ ـ ٣٤.
(٤) آنفاً.
(٥) حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٨.
لأنّه مبيع مجهول ، والمجهول لا يلزم فيه الثمن ، كما لو قال : من ثمن خمرٍ أو خنزير (١).
واحتجّ الآخَرون : بأنّه أقرّ بحقٍّ عليه في مقابلة حقٍّ له لا ينفكّ أحدهما عن الآخَر ، فإذا لم يثبت ما له لم يثبت ما عليه ، كما لو عيّن المبيع (٢).
وقول أبي حنيفة ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ إطلاق الإقرار لا يوجب كونه مطلقاً في البيع.
وأمّا إذا قال : من ثمن خنزيرٍ ، ففيه قولان.
وإن سلّمنا ، فإنّ بيع الخنزير لا يصحّ بكلّ حال ، وهذا المبيع يجوز أن يكون معلوماً حال العقد.
والوجه عندي : عدم القبول مطلقاً.
ب : أن يقول : له عندي ألف ، ثمّ يسكت ، ثمّ قال بعد ذلك : من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، فإنّه لا يُقبل قوله ، ويُقدّم قول المُقرّ له مع يمينه ، فإذا حلف على أنّه ليس على ما ذكر ، استحقّ الألف ؛ لأنّه فسّر إقراره بما يُسقط وجوب تسليمه منفصلاً عنه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : قبّضتُها ، وبه قال الشافعي (٣).
ج : إذا قال : لفلانٍ علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ ، ثمّ سكت ، ثمّ قال بعد
__________________
(١) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤.
(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٨.
(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٧.
ذلك : لم أقبضه ، قُبل قوله عنده (١) رحمهالله ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ فإن خالفه المُقرّ له ، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه ؛ لأنّ إقراره تعلّق بالمبيع ، والأصل عدم القبض ، فقُبل قوله فيه.
والأقوى عندي : عدم القبول.
مسألة ٩٦٦ : لو قال : له علَيَّ ألف لا تلزمني ، أو : علَيَّ ألف ، أو لا ، لزمه ؛ لأنّ هذا الكلام غير منتظمٍ ، فلا يبطل به الإقرار.
ويحتمل القبول بأن يكون عليه ثمن مبيعٍ غير لازمٍ ، أو من هبةٍ له الرجوعُ فيها.
ولو قال : له علَيَّ ألف قضيتُه ، لزمته الألف ، ولم تُقبل دعواه في الإقباض.
وللشافعيّة فيه طريقان :
أحدهما : القطع بلزوم الألف ؛ لقرب اللفظ من عدم الانتظام ، فإنّ ما قضاه لا يكون عليه ـ وهو الذي اخترناه نحن ـ بخلاف قوله : من ثمن خمرٍ ؛ لأنّه ربما يظنّ لزومه.
والطريق الثاني : إنّه على القولين ؛ لأنّ مثله يطلق في العرف ، والتقدير : كان له علَيَّ ألف فقضيتُه (٣).
وكذا يجري الطريقان فيما إذا قال : لفلانٍ علَيَّ ألف أبرأني عنه (٤).
__________________
(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ٣٤.
(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٧.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.
ولو ادّعى عليه ألفاً فقال : قد قضيتُه ، فالمشهور : أنّه إقرار.
وجَعَله بعض الشافعيّة بمنزلة ما لو قال : علَيَّ ألف قضيتُه (١).
تذنيب (٢) : لو قال : كان له علَيَّ ألف ، فالأقرب : اللزوم ، ويحتاج في البراءة إلى البيّنة.
وقيل : لا يُسمع هذا كما لا تُسمع الشهادة به (٣).
والإقرار بالإقرار إقرار.
مسألة ٩٦٧ : لو قال : لفلان علَيَّ ألف إن شاء الله ، احتُمل بطلان الإقرار ؛ لأنّه تعلّق على المشيئة ، وتعليق الإقرار باطل ؛ لأنّه إخبار عن حقٍّ سابق ولم يجزم به ، وعلّق إقراره على مشيئة الله تعالى ، وهي خفيّة عنّا ، ولأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، فيكون المخبر عنه واقعاً ، والواقع لا يعلّق على متجدّدٍ ولا على غيره.
وقيل : إنّه (٤) بمنزلة قوله : له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ ؛ لأنّه لو اقتصر على أوّل الكلام لكان إقراراً جازماً (٥).
والأقرب : الأوّل ؛ لأنّ تعليق السابق لا ينتظم ، فلا يُقبل تعليقه ، ويلزمه ما أقرّ به ، وبه قال أحمد ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة (٦).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.
(٢) في « ج ، خ » : « تنبيه » بدل « تذنيب ».
(٣) راجع : بحر المذهب ٨ : ٢٩٣.
(٤) في « ج ، ر » : « هو » بدل « إنّه ».
(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.
(٦) المغني ٥ : ٣٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، البيان ١٣ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.
ولو قال : علَيَّ ألف إن شئتَ ، أو : إن شاء فلان ، احتُمل بطلان الإقرار ؛ لتعلّقه على الشرط.
وقال الجويني : إنّه مُخرَّج على القولين ؛ لأنّه نفى بآخر كلامه مقتضى أوّله ، بخلاف قوله : إن شاء الله ، فإنّه يجري في الكلام للتردّد تارةً وللتبرّك أُخرى ، بخلاف التعليق بمشيئة غيره (١).
ووجّه بعضُ الشافعيّة البطلانَ في قوله : « إن شاء الله ، أو : إن شاء زيد » : بأنّ مثل هذا الكلام قد يطلق للالتزام في المستقبل ، ولهذا يقال : لك علَيَّ كذا إن رددتَ عبدي الآبق ، أو : جملي الشارد ، ويكون ذلك التزاماً في المستقبل (٢).
وكذا لو قال : لك علَيَّ ألف إن جاء زيد ، أو : قدم الحاج. وكذا لو قال : لك علَيَّ ألف إن شهد لك بذلك شاهدان ؛ لأنّ ذلك كلّه معلّق بشرطٍ.
وكذا لو قال : إن شهد شاهدان بألف فهي علَيَّ ، لم يكن إقراراً.
ولو قال : إن شهد شاهدان فهُما صادقان ، كان إقراراً ، وقد سلف (٣).
ولو قال : لك علَيَّ ألف إن قبلتَ إقراري ، لم يكن إقراراً ؛ لتعلّقه على الشرط ، بخلاف ما لو قال : هذا لك بألف إن قبلتَ ، فإنّه يكون إيجاباً.
والفرق : إنّ الإيجاب يقع متعلّقاً بالقبول حتى إذا لم يقبل جواباً بطل الإيجاب ، فيصحّ تعليقه ، فأمّا الإقرار فلا يتعلّق بالقبول ؛ لأنّه إقرار (٤) عن حقٍّ سابق.
لا يقال : أليس المُقرّ له إذا لم يقبل الإقرار بطل؟
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.
(٣) في ص ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، المسألة ٨٤٢.
(٤) كذا قوله : « إقرار » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، والظاهر : « إخبار » بدل « إقرار ».
لأنّا نقول : إنّما يبطل إذا كذّبه أو ردّه ، فأمّا إذا سكت فالإقرار صحيح غير مفتقرٍ إلى القبول ، بل لو كذّب الإقرار أو ردّه لم يكن باطلاً في نفسه ، بل لا يتعلّق به حكم ظاهراً.
هذا إن جوّزنا تعليق الإيجاب بمثل هذا الشرط ، كما هو مذهب بعض الشافعيّة (١).
مسألة ٩٦٨ : لو قال : له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر ، أو : إذا قدم فلان ، قال بعض الناس : إنّه لا يكون إقرارا ؛ لأنّ الشرط لا أثر له في إيجاب المال ، والواقع لا يعلَّق بشرطٍ (٢).
وقال الجويني : إنّه على القولين ؛ لأنّ صدر الكلام صيغة التزامٍ ، والتعليق يرفع حكمها (٣).
والوجه عندي : إنّه يرجع إلى استفساره ، فإن قصد تعليق الإقرار بالشرط بطل إقراره ، وإن قصد التأجيل صحّ إقراره ؛ لاحتمال الصيغة لهذين ، ويُسمع كلامه مع اليمين لو أنكر المُقرّ له.
هذا إذا قدّم الإقرار وأخّر التعليق ، ولو عكس فقال : إذا جاء رأس الشهر ، أو : إن جاء [ فلان ] (٤) فعلَيَّ ألف ، لم يلزمه شيء ؛ لأنّه لم تُوجد صيغة التزامٍ جازمة.
نعم ، لو قال : أردتُ به التأجيل برأس الشهر ، قُبل.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٨ ، المجموع ٩ : ١٧٠.
(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « رأس الشهر ». والظاهر ما أثبتناه.
وقال بعض الشافعيّة : مطلقه يُحمل على التأجيل برأس الشهر (١).
واعلم : أنّ المشهور بين الشافعيّة أنّه إذا قال : له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر ، إنّه يكون إقراراً ، ولو قدّم الشرط فقال : إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ ألف ، لم يكن إقراراً.
والفرق : إنّه إذا قال : له علَيَّ ألف ، فقد أقرّ بالألف ، فإذا قال : إذا جاء رأس الشهر ، احتُمل أن يكون أراد محلّها ووجوب تسليمها ، وإذا احتُمل ذلك لم يبطل الإقرار ، فأمّا إذا قال : إذا جاء رأس الشهر ، فبدأ بالشرط ، فإنّه لم يُقرّ بالحقّ ، وإنّما علّقه بالشرط ، فلم يكن إقراراً (٢).
والحقّ أنّه لا فرق بين تقدّم الشرط وتأخّره ؛ لأنّ الشرط وإن تأخّر لفظاً فإنّه مقدَّم معنىً وله صدر الكلام.
واعترض بعض الشافعيّة على قول الفارق بين قوله : « له علَيَّ ألف من ثمن خمر » وبين قوله : « له علَيّ ألف إن جاء رأس الشهر » بأنّ كلّ واحدٍ منهما قد عقّب إقراره بما يرفعه ، فلِمَ كان التعقيب الأوّل باطلاً والثاني صحيحاً؟.
وأُجيب : بأنّه يمكن أن يقال : دخول الشرط على الجملة يُصيّر الجملة جزءاً من الجملة الشرطيّة ، والجملة إذا صارت جزءاً من جملةٍ أُخرى تغيّر معناها ، وقوله : « من ثمن خمر » لا يغيّر معنى صدر الكلام ، وإنّما هو بيان جهته ، فلا يلزم من أن لا يبعّض الإقرار عند التعليق ـ بل يلغى ؛ تحرّزاً من اتّخاذ جزء الجملة جملةً برأسها ـ أن لا يبعّض في
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.
(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٥ ، البيان ١٣ : ٤٠٣.
الصورة الأُخرى (١).
مسألة ٩٦٩ : لو قال : له علَيَّ ألف مؤجَّل إلى سنةٍ ، فإن ذكر الأجل مفصولاً بكلامٍ غريب أو سكوت ، لم يُقبل التأجيل ، ويثبت الدَّيْن في الحال.
وإن ذكره موصولاً بغير فصلٍ بسكوتٍ ولا كلامٍ البتّة ، فالأقرب عندي : قبول قوله ، كما لو قال : له علَيَّ ألف طبريّة أو موصليّة ، فإنّه يُقبل تفسيره وإن اشتمل على عيبٍ في المُقرّ به ، كذا هنا ، ولأنّه ربما يكون الحقّ في ذمّته مؤجَّلاً ولا شاهد له بالتأجيل ، فلو مُنع من الإخبار به ولم يُصدَّق به ، تعذّر عليه الإقرار بالحقّ وعدم تخليص ذمّته بالإشهاد ، فوجب أن يُسمع كلامه توصّلاً إلى تحصيل هذه المصلحة.
وللشافعيّة طريقان كالطريقين فيما إذا قال : له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه ، أو : علَيَّ ألف قضيتُها.
والظاهر عندهم : القبول ـ وبه قال أحمد بن حنبل ـ لأنّ هذا لا يُسقط الإقرار ، وإنّما وصفه بصفةٍ دون صفةٍ.
ولهم قولٌ آخَر : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّه وصل إقراره بما يسقط عنه المطالبة به ، فأشبه ما إذا قال : قضيتُها (٢).
وقد تقدّم الفرق.
وقال أبو حنيفة : إنّه يكون مدّعياً للأجل ، فالقول فيه قول المُقرّ له مع
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦.
(٢) الوسيط ٣ : ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٥.
يمينه ؛ لأنّه أقرّ لغيره بحقٍّ وادّعى فيه حقّاً لنفسه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : هذه الدار لزيدٍ ولي سكناها سنة (١). وعليه أكثر علمائنا (٢).
وفيه نظر ؛ لأنّ الدَّيْن المؤجَّل أحد نوعي الدَّيْن ، فوجب أن يثبت بالإقرار كالحالّ ، بخلاف ما قالوه ؛ لأنّه هناك أقرّ له بالملك وادّعى عليه عقداً مستأنفاً ، وفي صورة النزاع أقرَّ بدَيْنٍ على صفةٍ ، فقُبل منه ، كما لو قال : من نقدٍ رديء.
وهذا الخلاف إنّما هو فيما إذا كان الدَّيْن المُقرّ به مطلقاً أو مستنداً إلى سببٍ ، وهو بحيث يتعجّل ويتأجّل ، أمّا إذا أسنده إلى جهةٍ لا تقبل التأجيل ، كما إذا قال : له علَيَّ ألف أقرضنيها مؤجَّلةً ، لغا ذكر الأجل إجماعاً.
وإن أسنده إلى جهةٍ يلازمها التأجيل ، كالدية على العاقلة ، فإن ذكر ذلك في صدر إقراره بأن قال : قَتَل عمّي فلاناً خطأً ولزمني من دية ذلك القتل كذا مؤجَّلاً إلى سنةٍ انتهاؤها كذا ، فهو مقبول لا محالة.
ولو قال : علَيَّ كذا من جهة تحمّل العقل مؤجَّلاً إلى وقت كذا ، فللشافعيّة طريقان :
أحدهما : القطع بالقبول ؛ لأنّه كذلك يثبت.
والثاني : إنّه على القولين.
والثاني عندهم أظهر ؛ لأنّ أوّل كلامه ملزم لو اقتصر عليه ، وهو في الإسناد إلى تلك الجهة مُدّعٍ ، كما في التأجيل (٣).
__________________
(١) بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٥.
(٢) منهم : الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٧٧ ، المسألة ٢٨ ، والحلّي في السرائر ٢ : ٥١٣.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦.
تذنيبان :
أ : لو قال : بعتك أمس كذا فلم تقبل ، فقال : بل قبلتُ ، قُدّم قول مدّعي القبول ، على إشكالٍ.
وللشافعيّة قولا تبعيض الإقرار ، إن بعّضوه فهو مصدَّق بيمينه في قوله : قبلتُ (١).
وكذا الحكم فيما إذا قال لعبده : أعتقتك على ألف فلم تقبل ، أو قال لامرأته : خلعتك على ألف فلم تقبلي ، وقال العبد : قبلتُ. وقالت المرأة : قبلتُ.
ب : لو قال : إنّي أُقرّ الآن بما ليس علَيَّ لفلان علَيَّ ألف ، أو قال : ما طلّقت امرأتي ولكنّي أُقرّ بطلاقها فأقول : طلّقتُها ، فالأقرب : عدم نفوذ إقراره ، والحكم ببطلانه.
وللشافعيّة قولان :
أحدهما : كما قلناه.
والثاني : إنّه كما لو قال : علَيَّ ألف لا تلزمني (٢).
المطلب الثاني : في تعقيب الإقرار بالإيداع.
مسألة ٩٧٠ : إذا قال : لفلان علَيَّ ألف درهم وديعة ، ولم يفصل بين كلامه ، فالأولى القبول ، وبه قال الشافعي (٣).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨ ـ ٤٩.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.
(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ و ٢٨٢ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠ ، المغني ٥ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٨.
فإن أنكر المُقرّ له ، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه ؛ لأنّه أقرّ بما يمكن ، ولا تناقض في قولَيْه ، فكان مسموعاً منه.
وقال أبو حنيفة وأحمد : القول قول المُقرّ له ، ويكون للمُقرّ له أن يطالبه (١) بالألف التي أقرّ ؛ لأنّ « علَيَّ » للإيجاب ، وذلك يقتضي كونها في ذمّته ، ولهذا لو قال : ما على فلان علَيَّ ، كان ضامناً ، والوديعة ليست واجبةً عليه ، فلم يُقبل تفسيره بها (٢).
ونحن نمنع من عدم وجوب الوديعة ، فإنّه يجب عليه ردّها وحفظها ، وذلك واجب عليه ، فإذا قال : « علَيَّ » وفسّر بها ، احتمل قوله ذلك فقُبِل منه ؛ لأنّه يجوز أن يريد بكلمة « علَيَّ » الإخبار عن هذا الواجب ، ويحتمل أنّه تعدّى فيها حتى صارت مضمونةً عليه ، فلذلك قال : « علَيَّ » وقد تُستعمل « علَيَّ » بمعنى « عندي » كقوله تعالى : ( وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ ) (٣) وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعضٍ ، فيجوز أن تُستعمل « علَيَّ » بمعنى « عندي ».
وقال أبو إسحاق من الشافعيّة : إنّ المسألة على قولين عند الشافعي ، كما لو قال : له علَيَّ ألف قضيتُه (٤).
مسألة ٩٧١ : لو فصل بين كلاميه ، فقال : له علَيَّ ألف ، ثمّ سكت ثمّ جاء بألف بعد إقراره وقال : أردتُ هذا وهو وديعة عندي ، وقال المُقرّ له : هو وديعة ولي عليك ألف آخَر دَيْن وهو الذي أردتَه بإقرارك ، فالأقوى
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة : « المطالبة » بدل « أن يطالبه ».
(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، المغني ٥ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٨ و ٣١٩.
(٣) الشعراء : ١٤.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.
عندي : إنّ القول قول المُقرّ مع يمينه ـ وهو أصحّ قولَي الشافعي (١) ـ لما تقدّم من أنّ الوديعة يجب حفظها والتخلية بينها وبين المالك ، فلعلّه أراد بكلمة « علَيَّ » الإخبار عن هذا الواجب ، أو أنّه تعدّى فيها فصارت مضمونةً عليه ، فلذلك قال : « علَيَّ » أو أراد : عندي ، على ما تقدّم.
والثاني له : إنّ القول قول المُقرّ له ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد ـ فما أتى به وديعة ، وعليه ألف آخَر ؛ لأنّ كلمة « علَيَّ » تقتضي الثبوت في الذمّة (٢).
وحكى الجويني طريقةً قاطعة بالقول الأوّل (٣).
لكنّ المشهور إثبات القولين ، وترجيح الأوّل (٤).
ولو كان قد قال : له علَيَّ ألف في ذمّتي ، أو : له ألف علَيَّ دَيْناً ، وفسّر كما تقدّم ، فإن لم نقبل تفسيره في السابق ، فهنا عدم القبول أولى.
وإن قبلنا هناك ، فللشافعيّة وجهان :
أحدهما : يُقبل ؛ لجواز أن يريد : له ألف في ذمّتي إن تلفت الوديعة ؛ لأنّي تعدّيتُ فيها.
وأصحّهما عندهم : إنّه لا يُقبل ، والقول قول المُقرّ له مع يمينه ؛ لأنّ العين لا تثبت في الذمّة ، وكذا الوديعة لا تثبت في الذمّة. ويفارق ما إذا قال : له علَيَّ ألف ، ثمّ فسّرها بالوديعة ؛ لأنّه لم يصرّح بالمحلّ ، واحتُمل أن
__________________
(١ و ٢) الحاوي الكبير ٧ : ٤٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥١ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩ ، المغني ٥ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٠.
(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧.
يكون المراد وجوب الحفظ والردّ ، وهنا صرّح بالذمّة (١).
إذا عرفت هذا ، فإذا قبلنا منه التفسير بالوديعة فيما إذا قال : له علَيَّ ألف ، ثمّ جاء بألف وقال : هو وديعة عندي ، فإنّه لا يُقبل قوله في سقوط الضمان لو ادّعى التلف ؛ لأنّ الألف مضمون عليه وليس بأمانةٍ ؛ لأنّ قوله : « علَيَّ » يتضمّن الإلزام.
فلو ادّعى تلف الألف التي زعم [ أنّها ] (٢) وديعة ، لم يسقط الضمان عنه ، ولو ادّعى ردّه لم يُصدَّق ؛ لأنّه ضامن ، وإنّما يُصدَّق المؤتمن.
فخلص من هذا أنّه لا يُصدّق في دعوى تلفه بعد الإقرار أو ردّه.
وأُشكل عليه : بأنّ كلمة « علَيَّ » كما يجوز أن يريد بها صيرورتها مضمونةً عليه ؛ لتعدّيه ، يجوز أن يريد بها وجوب الحفظ والتخلية ، ويجوز أن يريد بها : عندي ، كما سبق. وهذان المعنيان لا ينافيان الأمانة ، مع أنّ النقل عن الشافعي أنّه إن ادّعى أنّه تلف أو ردّه قبل الإقرار ، لم يُصدَّق ؛ لأنّ التالف والمردود لا يكون عليه بمعنى من المعاني ، وإن ادّعى أنّه تلف بعد الإقرار صُدّق (٣).
مسألة ٩٧٢ : لو قال : له عندي ألف درهم وديعة دَيْناً ، أو : ألف درهم مضاربة دَيْنا ، فالذي يحتمل ذلك أن تكون الوديعة مضمونةً عليه بأن تعدّى فيها ، وكذا مال المضاربة ، فإن فسّر بذلك قُبِل منه ، وإن قال : أردتُ أنّه شرط علَيَّ ضمانها لم يُقبل ؛ لأنّها لا تكون دَيْناً بذلك.
__________________
(١) الحاوي الكبير ٧ : ٤٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ـ ٤٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّه ». والظاهر ما أثبتناه.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.
فإن قال : عندي ألف وديعة شرط علَيَّ ضمانها ، كانت وديعةً ، ولم تكن مضمونةً بالشرط ؛ لأنّ ما أصله الأمانة لا يصير بالشرط مضموناً ، وكذا ما أصله الضمان لا يصير بالشرط أمانةً ، ألا ترى أنّه لو دفع مالاً على وجه المساومة وشرط أن يكون أمانةً ، لم يصر بذلك أمانةً.
ولو قال : لفلان علَيَّ ألف درهم في ذمّتي ، فجاءه بألف فقال : الألف التي أقررتُ بها كانت وديعةً وتلفت وهذه بدلها ، قُبِل ذلك ؛ لأنّه يجوز أن يكون بتعدٍّ منه أو تفريطٍ ، فيكون بدلها في ذمّته.
ولو جاء بألف فقال : الألف التي أقررتُ بها هذه وهي وديعة لك ، فللشافعيّة وجهان على ما تقدّم (١).
ولو قال : لك علَيَّ ألف ، ثمّ قال : كانت وديعةً وكانت تلفت قبل إقراري وكنت أظنّ أنّها باقية ، لم يُقبل منه ؛ لأنّه كذّب بهذا إقراره ، فلم يُقبل منه.
فإن قال : ما أقررتُ به كان وديعةً وتلفت بعد إقراري ، قُبِل منه.
ولو قال : له علَيَّ ألف درهم وديعة ، وفسّر إقراره بوديعةٍ موجودة ، قُبِل.
وكذا إذا قال : أقررتُ بوديعةٍ وقد هلكت بعد إقراري ، فالقول قوله مع اليمين. وإن قال : كانت هالكةً حين أقررتُ ، لم يُقبل منه ؛ لأنّ الوديعة الهالكة لا تكون عليه ، فيكون قد أكذب إقراره ، إلاّ أن تكون هلكت بتعدٍّ أو تفريطٍ ، فيكون إقراره صحيحاً.
__________________
(١) في ص ٤١٧.
وأمّا إذا وصل إقراره فقال : علَيَّ ، أو : عندي ألف وديعة هلكت ، فللشافعيّة قولان (١) ، كما في قوله : علَيَّ ألف قضيتُها.
ولو فصل فقال : له علَيَّ ألف ، وسكت ، ثمّ قال مفصولاً : وديعة هلكت ، لم يُقبل قولاً واحداً ؛ لأنّه فسّر إقراره بما يرفعه منفصلاً.
مسألة ٩٧٣ : لو قال : لفلان علَيَّ ألف وديعة ، قُبِل على ما تقدّم من الخلاف.
فعلى القبول لو جاء بألف وقال : هذا هو ، قنع به.
وإن لم يأت بشيء وادّعى التلف أو الردّ ، ففي القبول للشافعيّة وجهان مبنيّان على تأويل كلمة « علَيَّ » إن حملناها على وجوب الحفظ قُبِل ، وهو الأصحّ عندهم. وإن حملناها على صيرورته مضموناً عليه فلا (٢).
ولو قال : معي ، أو : عندي ألف ، فهو محتمل للأمانة ، فيُصدَّق في قوله : إنّه كان وديعةً ، وفي دعوى التلف والردّ.
ولو قال : له عندي ألف درهم مضاربة دَيْناً ، أو وديعة دَيْناً ، فهو مضمون عليه ، ولا يُقبل قوله في دعوى الردّ والتلف على ما تقدّم.
هذا إذا فسّر منفصلاً ، وإن فسّره متّصلاً ، ففيه للشافعيّة قولا تبعيض الإقرار (٣).
مسألة ٩٧٤ : يجوز عندنا إعارة الدراهم والدنانير ؛ لأنّه قد يمكن الانتفاع بها وردّ عينها إن كان يتجمّل بها.
__________________
(١) الحاوي الكبير ٧ : ٦٢.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.
(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.