الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧
يظهر مالكها ، أو يأخذها القاضي فيحفظها؟ فيه للشافعيّة وجهان (١).
مسألة ٧٨٠ : لو اشترى الوكيل جاريةً لموكّله ، فأنكر الموكّل الإذن في شرائها وقال : ما وكّلتُك في شراء هذه ، بل الجارية الأُخرى ، فالقول قول الموكّل على ما تقدّم ، فإذا حلف بقيت الجارية المشتراة في يد الوكيل ، والحكم على ما تقدّم في المسألة الأُولى ، فيرفق الحاكم ويتلطّف ، كما تقدّم.
مسألة ٧٨١ : لو باع الوكيل نسيئةً وادّعى إذن المالك فيه ، فإن صدّقه المالك صحّ البيع.
وإن كذّبه وقال : ما أذنتُ لك في بيعه نسيئةً ، بل في بيعه نقداً ، أو قلتُ لك : بِعْه ، ولم أذكر شيئاً [ فالقول قول المالك ] (٢) لأنّ الإطلاق ينصرف إلى النقد.
ثمّ إن صدّقه الوكيل والمشتري جميعاً ، حكمنا بفساد البيع. فإن كانت السلعة قائمةً رجع بها ، وكان له أن يطالب أيّهما شاء ، وإلاّ رجع بالقيمة على مَنْ شاء منهما.
وإن كذّباه ، فالقول قول المالك مع يمينه على القطع وعدم البيّنة.
فإن أنكر المشتري الوكالةَ وقال : إنّ البائع باع ملكه ، فالموكّل حينئذٍ يحتاج إلى إقامة البيّنة ، فإن لم تكن هناك بيّنة ، قُدّم قول المشتري مع يمينه على نفي العلم بالوكالة ؛ لأنّها يمين على نفي فعل الغير.
فإن حلف ، قُرّر المبيع في يده ، ويكون للمالك الرجوعُ على الوكيل إن كذّبه في عدم إذنه في النسيئة بعد حلف الموكّل له بالقيمة.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٦ ـ ٥٦٧.
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
وإن نكل المشتري عن اليمين على نفي علم الوكالة ، حلف الموكّل على ثبوتها ، فإذا حلف حُكم ببطلان البيع. وإن لم يحلف ونكل ، فهو كما لو حلف المشتري ، ونكول الموكّل عن يمين الردّ في خصومة المشتري لا يمنعه من الحلف على الوكيل ، فإذا حلف عليه فله أن يغرم الوكيل قيمة المبيع أو مثله إن كان مثليّاً.
والوكيل لا يطالب المشتري بشيء حتى يحلّ الأجل مؤاخذةً له بموجب تصرّفه.
فإذا حلّ ، نُظر إن رجع عن قوله الأوّل وصدّقه (١) الموكّل ، فلا يأخذ من المشتري إلاّ أقلّ الأمرين من الثمن أو القيمة ؛ لأنّه إن كان الثمن أقلَّ ، فهو موجب عقده وتصرّفه ، فلا يُقبل رجوعه فيما يلزمه من زيادة على العين (٢) ، وإن كانت القيمة أقلَّ فهي التي غرمها ، فلا يرجع إلاّ بما غرم ؛ لأنّه قد اعترف أخيراً بفساد العقد.
وإن لم يرجع وأصرّ على قوله الأوّل ، فيطالبه بالثمن بتمامه ، فإن كان مِثْلَ القيمة أو أقلَّ فذلك ، وإن كان أكثر فالزيادة في يده للموكّل بزعمه ، والموكّل ينكرها ، فيحفظها أو يلزمه دفعها إلى القاضي؟ فيه للشافعيّة خلاف (٣).
اعترض بعض الفقهاء بأنّ الموكّل إذا أنكر التوكيل بالنسيئة ، كان ذلك عزلاً للوكيل على رأي ، فكيف يملك الوكيل بعده استيفاء الثمن!؟
وأُجيب : بأنّه إنّما يستوفي الثمن لأنّ الموكّل ظلمه بتغريمه في
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة : « صدّق ».
(٢) في « ج » : « الغير. نسخة بدل ».
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٧.
زعمه ، وظفر بجنس حقّه من مال مَنْ ظلمه ، وإن كان من غير الجنس فيأخذه أيضاً (١).
ولا يخرج على القولين في الظفر بغير جنس الحقّ في غير هذه الصورة ؛ لأنّ المالك يدّعيه لنفسه ، ويمنع الغير عنه ، والموكّل لا يدّعي الثمن هنا ، فأولى مصرفٍ يُفرض له التسليم إلى الوكيل الغارم.
مسألة ٧٨٢ : هذا كلّه إذا لم يعترف المشتري بالوكالة ، فإن اعترف بها فإن صدّق الموكّل ، فالبيع باطل ، وعليه ردّ المبيع إن كان باقياً. وإن تلف ، فالموكّل بالخيار إن شاء غرّم الوكيل ؛ لأنّه تعدّى ما أمره الموكّل ، وإن شاء غرّم المشتري ؛ لتفرّع يده على يدٍ مضمونة ، ولأنّه أتلف السلعة على الموكّل بشرائه من غير إذن مالكها ، وقرار الضمان على المشتري ؛ لحصول الهلاك في يده.
فإن رجع الموكّل عليه ، لم يرجع على الوكيل ؛ لحصول التلف في يده ، بل يرجع عليه بالثمن الذي سلّمه إليه ؛ لخروج المبيع مستحقّاً.
وإن صدّق الوكيل ، قُدّم قول الموكّل مع يمينه ، فإن حلف أخذ العين ، وإن نكل حلف المشتري وبقيت له.
وإن رجع على الوكيل ، لم يكن للوكيل أن يرجع في الحال ؛ لأنّه يُقرّ أنّه ظلمه بالرجوع عليه ، وإنّما يستحقّ عليه الثمن المؤجَّل.
فإذا حلّ الأجل ، كان للوكيل أن يرجع عليه بأقلّ الأمرين من القيمة والثمن ؛ لأنّ القيمة إن كانت أقلَّ ، فصاحب السلعة يقول : إنّه لا يستحقّ ذلك ولا يغرم إلاّ القيمة. وإن كان الثمن المسمّى أقلَّ ، رجع به ؛ لأنّه
__________________
(١) المعترض والمجيب هو الإمام الجويني كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤.
معترف بأنّ صاحب السلعة ظلمه بأخذ القيمة ، وأنّ الذي يستحقّه الثمن ، فلا يرجع بأكثر منه.
وإن كذّبه أحدهما دون الآخَر ، رجع على المصدِّق ، وحلف على المكذِّب ، ويرجع حسب ما ذكرناه في تكذيبهما.
البحث الثاني : في المأذون.
مسألة ٧٨٣ : إذا وكّله في بيعٍ أو هبةٍ أو صلحٍ أو طلاقٍ أو عتقٍ أو إبراءٍ أو غير ذلك ، ثمّ اختلف الوكيل والموكّل ، فادّعى الوكيل أنّه تصرّف كما أذن له ، وأنكر الموكّل وقال : لم تتصرّف البتّة بَعْدُ ، فإن جرى هذا النزاع بعد عزل الوكيل ، لم يُقبل قوله إلاّ ببيّنةٍ ؛ لأنّ الأصل العدم ، وبقاء الحال كما كان ، والوكيل غير مالكٍ للتصرّف حينئذٍ.
وإن جرى قبل العزل ، فالأقرب أنّه كذلك ، وأنّ القول قول الموكّل ؛ لأنّ الأصل العدم ، ولأنّ الوكيل يقرّ عليه بزوال الملك عن السلعة ، فوجب أن لا يُقبل ، بخلاف ما إذا ادّعى الردّ أو التلف ، فإنّه يبغي [ دفع ] (١) الضمان عن نفسه ، لا [ إلزام ] (٢) الموكّل شيئاً ، وهو أحد قولَي الشافعي.
والثاني : إنّ القول قول الوكيل ؛ لأنّه ائتمنه ، فعليه تصديقه ، ولأنّه مالك لإنشاء التصرّف ، ومَنْ مَلَك الإنشاء قُبِل إقراره ، كالوليّ المُجبَر إذا أقرّ بنكاح مولّيته (٣).
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « رفع ». والصحيح ما أثبتناه.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « التزام ». والمثبت هو الصحيح.
(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢١ ـ ٥٢٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب
وبهذا القول قال أبو حنيفة إلاّ في النكاح إذا اختلف فيه الوكيل والموكّل ، فإنّ القول قول الموكّل (١).
واختلف أصحاب الشافعي فيما هو الأصحّ من القولين وما كيفيّتهما؟
أمّا [ الأوّل ] (٢) : فكلام أكثر الشافعيّة ترجيح قول تصديق الموكّل حتى أنّ بعضهم لم يورد غيره.
وقال بعضهم : الأصحّ تصديق الوكيل من جهة القياس.
وأمّا [ الثاني ] (٣) : فإنّ قول تصديق الموكّل منقول عن الشافعي في مواضع.
واختلف الناقلون في القول الآخَر :
فقال بعضهم : إنّه منصوص الشافعي.
وقال آخَرون : إنّه مخرَّج خرَّجه ابن سريج وغيره.
وفي المسألة وجهٌ ثالث للشافعيّة ، وهو : إنّ ما يستقلّ به الوكيل ـ كالطلاق والإعتاق والإبراء ـ يُقبل فيه قوله مع يمينه ، وما لا يستقلّ ـ كالبيع ـ لا بدّ فيه من البيّنة (٤).
مسألة ٧٨٤ : لو صدّق الموكّل الوكيلَ في البيع ونحوه ، ولكن قال : كنتُ عزلتُك قبل التصرّف. وقال الوكيل : بل كان العزل بعد التصرّف ، فهو
__________________
٨ : ١٦٩ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨ ، المغني ٥ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٨.
(١) بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٥ ، المغني ٥ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٨.
(٢ و ٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الثاني ... الأوّل ». والمثبت كما في « العزيز شرح الوجيز ».
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.
كما لو قال الزوج : راجعتكِ قبل انقضاء العدّة ، وقالت : انقضت عدّتي قبل أن تراجعني.
وحينئذٍ يحتمل تقديم قول الوكيل ؛ لأصالة صحّة تصرّفه ، وتقديم قول الموكّل ؛ لأصالة عدم سبق العقد.
والتحقيق أنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي التقديم ، والأصل عدمه ، فلا أولويّة من هذه الحيثيّة ، فتبقى أصالة بقاء الملك على صاحبه خاليةً عن المعارض.
ولو قال الموكّل : قد باع الوكيل ، وقال الوكيل : لم أبِعْ ، فإن صدّق المشتري الموكّل ، حُكم بانتقال الملك إليه ، وإلاّ فالقول قوله ؛ لأصالة عدم البيع.
مسألة ٧٨٥ : إذا ادّعى الوكيل تلفَ المال الذي في يده للموكّل أو تلفَ الثمن الذي قبضه عن متاعه في يده ، وأنكر المالك ، قُدّم قول الوكيل مع يمينه وعدم البيّنة ؛ لأنّه أمينه ، فكان كالمودع. ولأنّه قد تتعذّر إقامة البيّنة عليه ، فلا يكلَّف ذلك.
ولا فرق بين أن يدّعي التلف بسببٍ ظاهر ، كالحرق والنهب ، أو بسببٍ خفيّ ، كالسرقة والتلف.
وكذا كلّ مَنْ في يده شيء لغيره على سبيل الأمانة ، كالأب والوصي والحاكم وأمينه والودعي والشريك والمضارب والمرتهن والمستأجر والأجير المشترك ؛ لأنّه لو لا ذلك لامتنع الناس من الدخول في الأمانات (١) مع الحاجة إليها.
__________________
(١) في « ج ، ر » : « الأمانة ».
وقال بعض العامّة : إذا ادّعى التلف بأمرٍ ظاهر ـ كالحرق والنهب ـ كان عليه إقامة البيّنة على وجود هذا الأمر في تلك الناحية ، ثمّ يكون القولُ قولَه في تلفها بذلك ـ وبه قال الشافعي أيضاً ـ لأنّ وجود الأمر الظاهر ممّا لا يخفى ، ولا تتعذّر إقامة البيّنة عليه (١).
مسألة ٧٨٦ : إذا اختلفا في الردّ فادّعاه الوكيل وأنكره الموكّل ، فإن كان وكيلاً بغير جُعْلٍ ، احتُمل تقديم قول الوكيل ؛ لأنّه قبض المال لنفع مالكه ، فكان القولُ قولَه مع اليمين ، كالودعي.
ويحتمل العدم ؛ لأصالة عدم الردّ. والحكم في الأصل ممنوع.
وإن كان وكيلاً بجُعْلٍ ، فالوجه : أنّه لا يُقبل قوله ؛ لأنّه قبض المال لنفع نفسه ، فلم يُقبلْ قوله في الردّ ، كالمستعير ، وهو أحد قولَي العامّة.
والثاني : إنّ القولَ قولُ الوكيل ؛ لأنّه وكيل ، فكان القولُ قولَه ، كالوكيل بغير جُعْلٍ ؛ لاشتراكهما في الأمانة (٢).
وسواء اختلفا في ردّ العين أو ردّ ثمنها.
وجملة الأُمناء على ضربين :
أحدهما : مَنْ قبض المال لنفع مالكه لا غير ، كالمودع والوكيل بغير جُعْلٍ ، فيُقبل قولهم في الردّ عند بعض الفقهاء من علمائنا وغيرهم (٣) ؛ لأنّه لو لم يُقبل قولهم لامتنع الناس من قبول الأمانات ، فيلحق الناسَ الضررُ.
والثاني : مَنْ ينتفع بقبض الأمانة ، كالوكيل بجُعْلٍ والمضارب والأجير
__________________
(١) المغني ٥ : ٢٢١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٨ ، البيان ٦ : ٤١٩.
(٢) البيان ٦ : ٤١٩ ، المغني ٥ : ٢٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٩.
(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٧٢ ، و ٤ : ١٤١ ، المغني ٥ : ٢٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.
المشترك والمستأجر والمرتهن.
والوجه : إنّه لا يُقبل.
مسألة ٧٨٧ : لو أنكر الوكيلُ قبضَ المال ثمّ ثبت ذلك ببيّنةٍ أو اعترافٍ ، فادّعى الردَّ أو التلفَ ، لم يُقبل قوله ؛ لثبوت خيانته بجحوده.
فإن أقام بيّنةً بما ادّعاه من الردّ أو التلف ، لم تُقبل بيّنته.
وللعامّة وجهان :
أحدهما : لا تُقبل ـ كما قلناه ـ لأنّه كذّبها بجحده ؛ فإنّ قوله : « ما قبضت » يتضمّن أنّه لم يردّ شيئاً.
والثاني : تُقبل ؛ لأنّه يدّعي الردّ والتلف قبل وجود خيانته (١).
وإن كان صورة جحوده : أنّك لا تستحقّ علَيَّ شيئاً ، أو : ما لك عندي شيء ، يُسمع قوله مع يمينه ؛ لأنّ جوابه لا يكذّب ذلك ، لأنّه إذا كان قد تلف أو ردّ ، فليس له عنده شيء ، فلا تنافي بين القولين ، إلاّ أن يدّعي أنّه ردّ أو تلف بعد قوله : « ما لك عندي شيء » فلا يُسمع قوله ؛ لثبوت كذبه وخيانته.
هذا كلّه فيما إذا ادّعى الأمين الردَّ على مَن ائتمنه ، أمّا إذا ادّعى الردّ على غيره فلا.
ولو ادّعى القيّمُ الردَّ على اليتيم الذي كان يقوم بأمره ، فكذلك.
ولو ادّعى الوكيلُ الردَّ على رسول المالك لاسترداد ما عنده ، فلا خلاف في أنّ الرسول إذا أنكر القبضَ كان القولُ قولَه مع يمينه.
وأمّا الموكّل فإنّه لا يلزمه تصديق الوكيل ؛ لأنّه يدّعي الردّ على مَنْ
__________________
(١) المغني ٥ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٠.
لم يأتمنه فليُقم البيّنةَ ، وهو قول أكثر الشافعيّة (١).
وفي وجهٍ : عليه تصديقه ؛ لأنّه معترف ، ويد رسوله يده ، فكأنّه يدّعي الردَّ عليه (٢).
مسألة ٧٨٨ : إذا وكّل وكيلاً باستيفاء دَيْنٍ له على إنسان ، فقال له : قد استوفيتُه ، وأنكر الموكّل ، نُظر إن قال : استوفيتُه وهو قائم في يدي فخُذْه ، فعليه أخذه ، ولا معنى لهذا الاختلاف.
وإن قال : استوفيتُه وتلف في يدي ، فالقول قوله (٣) مع يمينه على نفي العلم باستيفاء الوكيل ؛ لأصالة بقاء الحقّ ، فلا يُقبل قول الوكيل والمديون إلاّ ببيّنةٍ ؛ لأنّ قولهما على خلاف الأصل.
وهو الظاهر من مذهب الشافعي (٤).
وجَعَله بعض الشافعيّة على الخلاف المذكور فيما إذا اختلفا في البيع ونحوه (٥).
وعلى ما اخترناه إذا حلف الموكّل ، أخذ حقّه ممّن كان عليه ، ولا رجوع له على الوكيل ؛ لاعترافه بأنّه مظلوم.
مسألة ٧٨٩ : لو وكّله في البيع وقبض الثمن ، أو بالبيع مطلقا وقلنا : إنّ الوكيل يملك بالوكالة في البيع قبضَ الثمن ، واتّفقا على البيع واختلفا في قبض الثمن ، فقال الوكيل : قبضتُه وتلف في يدي ، وأنكر الموكّل ، أو قال الوكيل : قبضتُه ودفعتُه إليك ، وأنكر الموكّل القبضَ ، فالأقوى : عدم قبول قول الوكيل في ذلك.
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.
(٣) أي : قول الموكّل.
(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.
وللشافعيّة في ذلك طريقان :
أحدهما : إنّه على الخلاف المذكور في البيع وسائر التصرّفات.
وأظهرهما عندهم : إنّ هذا الاختلاف إن كان قبل تسليم المبيع ، فالقول قول الموكّل ، كما في المسألة السابقة.
وإن كان بعد تسليمه ، فوجهان :
أحدهما : إنّ الجواب كذلك ؛ لأنّ الأصل بقاء حقّه.
وأصحّهما : إنّ القولَ قولُ الوكيل ؛ لأنّ الموكّل ينسبه إلى الخيانة بالتسليم قبل قبض الثمن ، ويلزمه الضمان ، والوكيل ينكره ، فأشبه ما إذا قال الموكّل : طالبتُك بردّ المال الذي دفعتُه إليك ، أو بثمن المبيع الذي قبضتَه فامتنعتَ مقصّراً إلى أن تلف ، وقال الوكيل : لم تطالبني بذلك ، أو لم أكن مقصّراً ، فإنّ القولَ قولُه.
وهذا التفصيل فيما إذا أذن في البيع مطلقاً أو حالًّا ، فإن أذن في التسليم قبل قبض الثمن ، أو أذن في البيع بثمنٍ مؤجَّل ، وفي القبض بعد الأجل ، فهنا لا يكون خائناً بالتسليم قبل القبض ، فالاختلاف كالاختلاف قبل التسليم (١).
مسألة ٧٩٠ : إذا صدّقنا الوكيلَ فحلف ، فالأقوى : براءة ذمّة المشتري ؛ لأنّا قَبِلنا قول الوكيل في قبض الثمن فكيف نوجبه؟ وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : لا تبرأ ذمّة المشتري ؛ لأصالة عدم الأداء ، وإنّما قَبِلنا من الوكيل في حقّه ؛ لائتمانه إيّاه (٢).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٩.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٩.
ولا بأس به.
فعلى الأوّل إذا حلف الوكيل وقلنا ببراءة ذمّة المشتري ثمّ وجد المشتري بالمبيع عيباً.
فإن ردّه على الموكّل وغرمه الثمن ، لم يكن له الرجوعُ على الوكيل ؛ لاعترافه بأنّ الوكيل لم يأخذ شيئاً.
وإن ردّه على الوكيل وغرمه ، لم يرجع على الموكّل ، والقول قوله مع يمينه في أنّه لم يأخذ منه شيئاً ، ولا يلزم من تصديقنا الوكيلَ في الدفع عن نفسه بيمينه أن نثبت بها حقّاً على غيره.
ولو خرج المبيع مستحقّاً ، يرجع المشتري بالثمن على الوكيل ؛ لأنّه دفعه إليه ، ولا رجوع له على الموكّل ؛ لما مرّ.
ولو اتّفقا على قبض الوكيل الثمنَ ، وقال الوكيل : دفعتُه إليك ، وقال الموكّل : بل هو باقٍ عندك ، فهو كما لو اختلفا في ردّ المال المسلَّم إليه.
والظاهر أنّ القول قول الوكيل.
ولو قال الموكّل : قبضتَ الثمن فادفعه إلَيَّ ، وقال الوكيل : لم أقبضْه بَعْدُ ، فالقول قول الوكيل ، وليس للموكّل طلب الثمن من المشتري ؛ لاعترافه بأنّ وكيله قد قبض.
نعم ، لو سلّم الوكيل المبيعَ حيث لا يجوز التسليم قبل قبض الثمن ، فهو متعدٍّ بفعله ، فللموكّل أن يغرمه قيمة المبيع.
البحث الثالث : في الوكالة بالقضاء.
مسألة ٧٩١ : إذا دفع إليه مالاً ووكّله في قضاء دَيْنه ، ثمّ قال الوكيل : دفعتُه إلى ربِّ الدَّيْن ، فأنكر ربُّ الدَّيْن ، فالقول قوله مع يمينه ؛ لأنّه
لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه ، والأصل عدم الدفع ، فإذا حلف طالَب الموكّل بحقّه ، وليس له مطالبة الوكيل.
ولا يُقبل قول الوكيل على الموكّل ، بل لا بدّ من البيّنة ؛ لأنّه أمره بالدفع إلى مَنْ لم يأتمنه ، فكان من حقّه الإشهادُ عليه ، فإذا لم يفعل ، كان مفرّطاً غارماً ، وهو أصحّ قولَي الشافعي.
والثاني : إنّه يُقبل ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّ الموكّل قد ائتمنه ، فأشبه ما إذا ادّعى الردَّ عليه (١).
فعلى الأوّل إن ترك الإشهاد على الدفع ، فإن دفع بحضرة الموكّل ، فلا رجوع للموكّل عليه ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ٢ ـ وإن دفع في غيبته ، فله الرجوع.
ولا فرق بين أن يصدّقه الموكّل على الدفع ، أو لا يصدّقه.
وعن بعض الشافعيّة وجهٌ : إنّه لا يرجع عند التصديق (٣).
وعلى الثاني يحلف الوكيل ، وتنقطع مطالبة المالك عنه ، ولا يغنيه تصديق المدفوع إليه عن اليمين.
وعلى قولنا لو اختلفا ، فقال الوكيل : دفعتُه بحضرتك ، فأنكر الموكّل ، فالقول قول الموكّل مع يمينه.
وإن كان قد أشهد عليه ولكن مات الشهود أو عرض لهم جنون أو فسق أو غيبة ، فلا رجوع.
وإن كان قد أشهد شاهداً واحداً أو مستورين فبانا فاسقين ، فالأقرب : عدم الرجوع.
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٩.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٠.
وللشافعيّة قولان (١).
ولكن ذلك على ما تقدّم في رجوع الضامن على الأصيل.
ولو أمره بإيداع ماله ، ففي لزوم الإشهاد إشكال يأتي إن شاء الله تعالى.
مسألة ٧٩٢ : لو ادّعى قيّم اليتيم أو الوصي دَفْعَ المال إليه عند البلوغ ، لم يُقبل قوله إلاّ بالبيّنة ؛ لأصالة عدم الدفع ، وهو لم يأتمنه حتى يكلّف تصديقه.
ولقوله تعالى : ( فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ) (٢) أمر بالإشهاد ، ولو كان قوله مقبولاً ، لما أمر به ؛ لقوله تعالى : ( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) (٣) ولم يأمره بالإشهاد.
ولأنّ الصبي لم يأتمنه عليه ، فلم يُقبل قوله عليه ، كما إذا ادّعى المودَع أو الوكيل التسليمَ إلى غير المستودع والموكّل ، لم يُقبل قولهما عليه ، كما يُقبل على المودِع والموكّل.
وهو أظهر مذهب الشافعي (٤).
وله آخَر : إنّه يُقبل قوله مع اليمين ؛ لأنّه أمين. ولأنّه يُقبل قوله في النفقة عليه ، والإشهاد للإرشاد إلى التورّع عن اليمين (٥).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٠.
(٢) النساء : ٦.
(٣) البقرة : ٢٨٣.
(٤) بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٠.
(٥) بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٨.
والأوّل أقوى.
والفرق : إنّ النفقة تتعذّر عليه إقامة البيّنة عليها ، بخلاف الدفع.
إذا عرفت هذا ، فكلّ مَن ادّعى الردَّ على مَنْ لم يأتمنه ، لم يُقبل قوله عليه ، مثل أن يدّعي الأب والجدّ ردَّ المال إلى الصبي ، أو يدّعي المودع الردَّ على ورثة المستودع ، أو يدّعي الملتقط الردَّ على مالك اللقطة أو ورثته ، أو مَنْ أطارت الريح ثوباً إلى داره فادّعى ردَّه ، لم يُقبل قوله.
وكذا الشريك والمضارب إذا ادّعيا الردَّ على ورثة شريكه.
مسألة ٧٩٣ : كلّ مَنْ عليه حقٌّ أو في يده مالٌ لغيره يجب عليه ردّه إلى مالكه عند الطلب.
فلو قال مَنْ في يده المال أو عليه : لا أدفع المال إليه إلاّ بالإشهاد ، فالأقرب : إنّ له ذلك ، سواء كان ممّا يُقبل قوله فيه ، كالوديعة وشبهها ، أو لم يكن ، كالدَّيْن والغصب وشبههما ، وسواء كان على مَنْ في يده المالُ بيّنةٌ بالمال أو لا بيّنة عليه ، احترازاً من لزوم اليمين ، وللإنسان غرض في التحرّز من الإقدام على اليمين وإن كان صادقاً ؛ لقوله تعالى : ( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) (١) وعادة الأُمناء التحرّز من الأيمان.
وللشافعيّة تفصيلٌ هنا واختلاف.
قال أكثرهم : ننظر في ذلك ، فإن كان الذي عنده المال أميناً لصاحب الحقّ إذا ادّعى الردَّ قُبل قوله ، كالوكيل والودعيّ ، كان عليه تسليم ما في يده من غير إشهادٍ ، فإن أخّر الدفع لأجل الإشهاد ، ضمن ؛ لأنّه لا ضرر عليه في التسليم ، لأنّ قوله مقبول في الردّ ، فلا حاجة به إلى البيّنة.
__________________
(١) البقرة : ٢٢٤.
وإن كان لا يُقبل قوله في الردّ ، كالمرتهن والشريك والمضارب والوكيل بجُعْلٍ ـ في أحد الوجهين ـ والمستعير ، نُظر فإن كان الحقّ لا بيّنة لصاحبه به ، وجب عليه الدفع من غير إشهادٍ ؛ لأنّه إن ادّعاه عليه بعد ردّه ، أمكنه الجواب بأنّك لا تستحقّ علَيَّ شيئاً ، ويكون القولُ قولَه مع يمينه.
وإن كان لصاحبه به بيّنةٌ ، لم يجب عليه الردّ إلاّ بعد الإشهاد ؛ لأنّه لا يأمن أن يطالبه به بعد الردّ وتقوم به عليه البيّنة ، ولا يُقبل قوله في الردّ ، فيلزمه غرمه (١).
وللشافعيّة وجهٌ آخَر ، وهو : إنّه إن كان التوقّف إلى الإشهاد يورث تأخيراً أو تعويقاً في التسليم ، لم يكن له الامتناع ، وإلاّ فله ذلك (٢).
ولا فرق بين المديون والغاصب في هذا الباب.
ولو قال الموكّل للوكيل : إنّني طلبته منك فمنعتَني فأنت ضامن ؛ لأنّه كان يمكنك الردّ ، فأنكر الوكيل ولا بيّنة ، قُدّم قوله مع اليمين.
فإذا حلف ، كان على أمانته.
وهل يجب الردّ حينئذٍ؟ الأقرب ذلك.
وإن نكل ، حلف الموكّل بالله بأنّه لقد طالَبه فمنَعَه من غير عذرٍ ، وصار الوكيل ضامناً ، فإن كان المال قد تلف في يده ، وجب عليه ضمانه.
مسألة ٧٩٤ : إذا كان لرجلٍ على زيدٍ دَيْنٌ ، أو كان له في يده عين ، فجاء شخص إلى زيدٍ وقال : إنّ الرجل وكّلني في استيفاء دَيْنه منك ، أو في أخذ العين التي في يدك له ، فإن قامت للوكيل بيّنةٌ بذلك ثبتت وكالته ، واستحقّ المطالبة.
__________________
(١) بحر المذهب ٨ : ١٧٠ ، البيان ٦ : ٤٢٠.
(٢) بحر المذهب ٨ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٠.
وإن لم تكن بيّنةٌ ، فإن صدّقه الغريم في دعوى الوكالة ، فإن كانت الدعوى عيناً ، لم يؤمر بالتسليم إليه ؛ لجواز كذبهما معاً ، ولصاحب العين تكذيبهما معاً ، لكن لو دفع لم يمنع منه أيضاً ؛ لأنّه إذا علم أنّه وكيله ، جاز له الدفع إليه.
وإن كان (١) دَيْناً ، احتُمل وجوب الدفع إليه ؛ لاعترافه بأنّه مستحقٌّ للمطالبة.
والفرق (٢) بين الدَّيْن والعين ظاهر ، فإنّ المدفوع في الدَّيْن ليس عين مال الموكّل ، وأمّا العين فإنّها عين مال الغير ، ولم يثبت عند الحاكم أنّه وكيل ، فلم يكن له أمره بالدفع.
قال (٣) بعض الشافعيّة : إن كان هناك بيّنة تثبت الوكالة ، وإن لم تكن فإنّه لا يجب على مَنْ عليه الدَّيْن تسليمه إليه ، سواء صدّقه أو كذّبه ، فإذا كذّبه لم يكن له إحلافه.
ثمّ قال : والذي يجيء على أصلنا أنّه لا تُسمع دعواه عليه ؛ لأنّ عندنا أنّ الوكيل في الخصومة لا يصحّ أن يدّعي قبل ثبوت وكالته (٤).
وقال أبو حنيفة : إذا صدّقه ، وجب عليه تسليم الدَّيْن.
وله في تسليم العين روايتان ، أشهرهما : إنّه لا يجب عليه تسليمها.
وإن كذّبه ، كان له إحلافه.
وعنده لا تُسمع بيّنة الوكيل إلاّ بعد الدعوى.
__________________
(١) تذكير الفعل باعتبار الحقّ.
(٢) في النسخ الخطّيّة : « وفرق ».
(٣) في « ث ، ر ، خ » : « وقال ».
(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٠٤.
واحتجّ بأنّه أقرّ بحقّ الاستيفاء ، فكان له مطالبته ، كما لو كان الحقّ عيناً ، وكما لو أقرّ بأنّ هذا وصيٌّ لصغيرٍ (١).
مسألة ٧٩٥ : إذا دفع المديون الدَّيْنَ أو المستودع الوديعةَ إلى مدّعي الوكالة بعد أن صدّقه عليها ، فإذا حضر المستحقّ وأنكر الوكالة ، فالقول قوله مع يمينه.
فإن كان الحقّ عيناً أخذها إن كانت باقيةً. وإن تلفت فله إلزام مَنْ شاء منهما ، ولا رجوع للغارم منهما على الآخَر ؛ لأنّه مظلوم بزعمه ، والمظلوم لا يؤاخذ إلاّ ظالمه.
هذا إذا تلف من غير تفريطٍ منهما ، فأمّا إذا تلف بتفريطٍ من القابض ، فيُنظر إن غرّم المستحقّ القابضَ فلا رجوع ، وإن غرّم الدافعَ فله الرجوع ؛ لأنّ القابض وكيل عنده ، والوكيل يضمن بالتفريط ، والمستحقّ ظلمه بأخذ القيمة منه ، وما لَه في ذمّة القابض فيستوفيه بحقّه.
مسألة ٧٩٦ : إذا كان الحقّ دَيْناً وكذّب الموكّلُ الوكيلَ في الوكالة بعد أن قبض الوكيل ، كان للموكّل مطالبةُ الدافع بحقّه.
وإذا غرمه فإن كان المدفوع باقياً ، فله استرداده وإن صار ذلك للمستحقّ في زعمه ؛ لأنّه ظلمه بتغريمه ، وذلك مالٌ له ظَفَر به ، فكان له أخذه قصاصاً.
وإن كان تالفاً فإن فرّط فيه ، غرمه ، وإلاّ فلا.
وهل للمستحقّ مطالبة القابض؟ يُنظر إن تلف المدفوع عنده ،
__________________
(١) بدائع الصنائع ٦ : ٢٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ و ١٥١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٠ ، البيان ٦ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧١ ، المغني ٥ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦١.
لم يكن له المطالبة ؛ لأنّ المال للدافع بزعمه ، وضمانه له.
وإن كان باقياً ، احتُمل ذلك أيضاً ؛ لأنّ الآخذ فضوليٌّ بزعمه ، والمأخوذ ليس حقّاً له ، وإنّما هو مال المديون ، فلا تعلّق للمستحقّ به ، وهو قول أكثر الشافعيّة (١).
وقال بعضهم : إنّ له المطالبة بتسليمه إليه ؛ لأنّه إنّما دفعه إليه ليدفعه إلى المستحقّ ، وكأنّه انتصب وكيلاً في الدفع من جهته (٢) (٣).
ولا بأس به.
وإن قلنا به فإذا أخذه المستحقّ ، برئ الدافع عن الدَّيْن.
وهل يلزم مَنْ عنده الحقّ دفعه إليه بعد التصديق ، أم له الامتناع إلى قيام البيّنة على الوكالة؟ الأقرب : الأوّل.
ونصّ الشافعي : إنّه لا يلزمه الدفع إلاّ بعد البيّنة (٤).
ونصّ فيما إذا أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ من تركة إنسانٍ وبأنّه مات ووارثه فلان : إنّه يلزمه الدفع إليه ، ولا يكلّف البيّنة (٥).
ولأصحابه في ذلك طريقان :
أحدهما : إنّ المسألتين على قولين :
في قولٍ : يلزمه الدفع إلى الوكيل والوارث ؛ لأنّه اعترف باستحقاقه الأخذَ ، فلا يجوز له منع الحقّ عن المستحقّ.
وفي قولٍ : لا يلزمه الدفع إلى واحدٍ منهما إلاّ بالبيّنة.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.
(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حقه » بدل « جهته ». والمثبت من « العزيز شرح الوجيز ».
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.
(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.
أمّا في الصورة الأُولى : فلاحتمال إنكار الموكّل الوكالة. وأمّا في الثانية : فلاحتمال استناد إقراره بالموت إلى ظنٍّ خطأً.
وأصحّهما عندهم : تقرير الحقّ للوارث ، وعدم اليأس عن إنكار الموكّل للوكالة وبقاء الحقّ له (١).
مسألة ٧٩٧ : لو ادّعى الوكالة فكذّبه المديون أو مَنْ عنده الوديعة أو المال ، لم يكلّف المديون والودعيّ الدفع إليه ؛ لتجرّد دعواه عن البيّنة ، وعدم اعتضادها بالتصديق.
فإن دفع ثمّ حضر الموكّل وأنكر الوكالة ، فالقول قوله مع اليمين.
فإذا حلف على نفي الوكالة وغرم الدافع ، كان له أن يرجع على القابض ، دَيْناً كان أو عيناً ؛ لأنّه لم يصرّح بتصديقه ، وإنّما دفع بناءً على الظاهر من قوله ، فإذا تبيّن خلافه غرم ما غرم.
ولو أنكر الوكالة أو الحقّ وكان الوكيل مأذوناً (٢) في إقامة البيّنة ، أو قلنا : إنّ الوكيل بالقبض مطلقاً يملك إقامة البيّنة ، فله أن يقيم البيّنة ويأخذ.
فإن لم تكن بيّنة ، فهل له التحليف؟ يبنى الأمر فيه على أنّه إذا صدّقه هل يلزمه الدفع إليه؟ إن قلنا : نعم ، فله تحليفه ، فلعلّه يصدق إذا عُرضت اليمين عليه.
وإن قلنا : لا ، فيبنى على أنّ النكول وردّ اليمين كإقامة البيّنة من المدّعي أو الإقرار من المدّعى عليه؟ إن قلنا بالأوّل فله تحليفه طمعاً في أن ينكل ، فيحلف الوكيل. وإن قلنا بالثاني فلا.
مسألة ٧٩٨ : لو جاء رجل إلى المديون وقال : قد أحالني عليك
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.
(٢) في الطبعة الحجريّة زيادة : « له ».
صاحبُ الدَّيْن بكذا ، فصدّقه وقلنا : إذا صدّق مدّعي الوكالة فلا يلزمه الدفع إليه ، فالأقرب : إنّه يلزمه الدفع إليه ؛ لأنّه يقول : الحقّ لك وأنّه لا حقّ لغيرك علَيَّ ، فصار كالوارث ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.
والثاني : لا يلزمه الدفع إليه ؛ لأنّه دَفْعٌ غير مبرئ ، فلا يأمن أن يجحد المحيل الحوالةَ فيحلف ، ويستحقّ الرجوع عليه ، كما قلنا في الوكالة قد ينكر الموكّل الوكالةَ.
ويفارق الميراث ؛ لأنّه آمن من ذلك ، لأنّه إذا لم يكن وارث غيره فقد أمن الغرامة.
ويبنى على الوجهين أنّه لو كذّبه ولم تكن بيّنة هل له تحليفه؟ إن ألزمناه الدفع إليه فله تحليفه ، وإلاّ فكما سبق (١).
مسألة ٧٩٩ : لو قال : مات زيد وله عندي كذا وهذا وصيّه ، فهو كما لو قال : هذا وارثه. ولو قال : مات وقد أوصى به لهذا الرجل ، فهو كما لو أقرّ بالحوالة.
وإذا أوجبنا الدفع إلى الوارث والوصي أو لم نوجب فدفع ثمّ بانَ أنّ المالك حيّ وغرم الدافع ، فله الرجوع على المدفوع إليه ، بخلاف صورة الوكالة ؛ لأنّه صدّقه على الوكالة ، وإنكار صاحب الحقّ لا يرفع تصديقه ، فصدق الوكيل لاحتمال أنّه وكّل ثمّ جحد ، وهنا بخلافه ، والحوالة في ذلك كالوكالة.
مسألة ٨٠٠ : إذا ادّعى على إنسان أنّه دفع إليه متاعاً ليبيعه ويقبض ثمنه وطالَبه بردّه ، أو قال : بعتَه وقبضتَ ثمنه فسلِّمه إلَيَّ ، فأنكر المدّعى عليه ، فأقام المدّعي بيّنةً على أنّه ما أدّاه ، فادّعى المدّعى عليه أنّه كان قد تلف أو ردّه ، فيُنظر في صيغة جحوده.
__________________
(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.