الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: ٣٤٣
أحد القولين (١) ـ لأنّها شاركت الرجل في السبب وحكم الإِفطار ، فتشاركه في الحكم الآخر ، وهو وجوب الكفّارة .
ولعموم الروايات ؛ لقول الرضا عليه السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم » (٢) .
وفي الآخر للشافعي : لا كفّارة عليها ـ وعن أحمد روايتان (٣) ـ لأنّ النبي عليه السلام أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ، ولم يأمر في المرأة بشيء (٤) .
ولا دلالة فيه ؛ فإنّ التخصيص بالذكر لا يوجبه في الحكم ، ولجواز أن تكون مكرهةً .
فروع :
أ ـ لو أكره زوجته على الجماع ، وجب عليه كفّارتان ، ولا شيء عليها ؛ لأنّه هتك يصدر من اثنين ، وقد استقلّ بإيجاده ، فعليه ما يوجبه من العقوبة ، وهي الكفّارتان .
وخالف الجمهور ، فقالوا : تسقط عنها وعنه ؛ لصحة صومها (٥) .
وهو لا ينافي وجوب الكفّارة ، وللرواية (٦) .
__________________
(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ .
(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١ .
(٣) المغني ٣ : ٦١ ـ ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ .
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ ـ ٤٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ .
(٥) اُنظر : المغني ٣ : ٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٦٠ .
(٦) الكافي ٤ : ١٠٣ ـ ١٠٤ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥ .
ولا قضاء عليها عندنا .
وقال أصحاب الرأي : يجب عليها القضاء . وهو قول الثوري والأوزاعي (١) .
وقال مالك : يجب على المكرهة القضاء والكفّارة (٢) .
وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر : إن كان الإِكراه بوعيد حتى فعلت ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن كان إلجاءً ، لم تفطر ، والنائمة كالملجَأة (٣) .
ب ـ لو وطأ المجنون ، فإن طاوعته ، فعليها كفّارة واحدة عنها ، وإن أكرهها ، فلا كفّارة على أحدهما .
ج ـ لو زنى بامرأة ، فإن طاوعته ، فكفّارتان عليهما معاً ، وإن أكرهها ، فعليه كفّارة .
قال الشيخ : ولا يجب عنها شيء ؛ لأنّ حمله على الزوجة قياس (٤) .
وهو مشكل ؛ لأنّ الفاحشة هنا أشدّ .
د ـ لو أكرهته على الجماع ، فعليها كفّارة عن نفسها ، ولا شيء عليه ولا عليها عنه ؛ لأنّ القابل أقلّ في التأثير من الفاعل .
مسألة ١٦ : لو وطأ امرأته أو أجنبيةً في دُبرها فأنزل ، وجب عليه القضاء والكفّارة إجماعاً ، وإن لم ينزل فكذلك ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة في رواية (٥) ـ لأنّه أفسد صوم رمضان بجماع في فرج ، فوجب عليه الكفّارة ، كالقُبُل .
__________________
(١ و ٢) المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٠ .
(٣) المجموع ٦ : ٣٣٦ ، المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٠ .
(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٥ .
(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨
ولأنّه عليه السلام أمر مَن قال : واقعت أهلي ، بالقضاء والكفّارة (١) ، ولم يستفصله مع الاحتمال ، فيكون عاماً .
وفي رواية عن أبي حنيفة : لا كفّارة ؛ لعدم تعلّق الحدّ به (٢) .
وهو ممنوع ، وأيضاً لا ملازمة ، كالأكل .
فروع :
أ ـ لو وطأ غلاماً فأنزل ، لزمته الكفّارة ، وكذا إذا لم ينزل ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّه وطأ عمداً وطءً يصير به جُنباً ، فوجبت الكفّارة .
وقال أبو حنيفة : لا كفّارة (٤) .
ب ـ لو وطأ في فرج بهيمة فأنزل ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن لم ينزل قال الشيخ : لا نص فيه ، ويجب القول بالقضاء ؛ لأنّه مجمع عليه دون الكفّارة (٥) .
ومنع ابن إدريس القضاء (٦) أيضاً .
وقال بعض العامة : تجب به الكفّارة ؛ لأنّه وطء في فرج موجب للغسل ، مفسد للصوم ، فأشبه وطء الآدمية (٧) .
ج ـ إن أوجبنا الكفّارة على الواطئ دُبُراً ، وجب على المفعول ؛ لاشتراكهما في السبب ، وهو : الهتك .
__________________
(١) تقدمت الإِشارة الى مصادره في صفحة ٤٠ الهامش (٦) .
(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ .
(٤) المغني : ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ .
(٥) الخلاف ٢ : ١٩١ ، المسألة ٤٢ .
(٦) السرائر : ٨٦ .
(٧) المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٣ .
مسألة ١٧ : لو أنزل عند الملاعبة أو الملامسة أو التقبيل ، أو استمنى بيده ، لزمه القضاء والكفّارة ، وكذا لو وطأ فيما دون الفرجين فأنزل ـ وبه قال مالك وأبو ثور (١) ـ لأنّه أجنب مختاراً متعمّداً ، فكان كالمجامع .
ولأنّ النبي صلّى الله عليه و آله ، أمر المُفطر بالكفّارة (٢) .
ولأنّ الصادق عليه السلام ، سئل عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع » (٣) .
وعن رجل وضع يده على شيء من جسد امرأته فأدفق ، قال : « كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً أو يُعتق رقبة » (٤) .
وعن الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في (٥) رمضان فيسبقه الماء فينزل ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع (٦) » (٧) .
وقال الشافعي وأبو حنيفة : عليه القضاء دون الكفّارة (٨) .
وقال أحمد : تجب الكفّارة في الوطء فيما دون الفرج مع الإِنزال (٩) .
وعنه في القُبلة واللمس روايتان (١٠) .
__________________
(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ .
(٢) اُنظر : المصادر في الهامش (١) من الصفحة ٤٠ .
(٣) الكافي ٤ : ١٠٢ ـ ١٠٣ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٨١ / ٢٤٧ .
(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨١ .
(٥) في المصدر زيادة : قضاء شهر .
(٦) في المصدر زيادة : في رمضان .
(٧) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٣ .
(٨) المجموع ٦ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٥ .
(٩) المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ .
(١٠) الشرح الكبير ٣ : ٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ .
فروع :
أ ـ لو نظر أو تسمّع لكلام أو حادث فأمنى ، لم يفسد صومه ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (١) ـ لعدم تمكّنه من الاحتراز عن النظرة الاُولى .
أمّا لو كرّر النظر حتى أنزل ، فالوجه : الإِفساد .
وقال الشيخ : إن نظر إلى محلّلة ، لم يلزمه شيء بالإِمناء ، وإن نظر إلى محرَّمة ، لزمه القضاء (٢) .
وقال مالك : إن أنزل من النظرة الاُولى ، أفطر ولا كفّارة ، وإن استدام النظر حتى أنزل ، وجبت عليه الكفّارة (٣) . وهو جيّد .
ب ـ قال أبو الصلاح : لو أصغى فأمنى ، قضاه (٤) .
ج ـ لو قبّل أو لمس فأمذى ، لم يفطر ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأنّه خارج لا يوجب الغسل ، فأشبه البول .
وقال أحمد : يفطر ؛ لأنّه خارج تخلّله الشهوة ، فإذا انضمّ إلى المباشرة أفطر به ، كالمني (٦) .
والفرق : أنّ المني يلتذّ بخروجه ويوجب الغسل ، بخلافه .
د ـ لو تساحقت امرأتان ، فإن لم تنزلا ، فلا شيء سوى الإِثم ، وإن أنزلتا ، فسد صومهما .
والوجه القضاء والكفّارة ؛ لأنّه إنزال عن فعل يوجب الحدّ ، فأشبه الزنا .
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ١٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦ .
(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣ .
(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٢٢ .
(٤) الكافي في الفقه : ١٨٣ .
(٥) المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ .
(٦) المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ .
وعن أحمد روايتان (١) .
ولو ساحق المجبوب فأنزل ، فكالمجامع في غير الفرج .
هـ ـ لو طلع الفجر وهو مجامع فاستدامه ، وجب القضاء والكفّارة ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد (٢) ـ لصدق المجامع عليه .
وقال أبو حنيفة : يجب القضاء خاصة ؛ لأنّ وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً ، فلم يوجب الكفّارة ، كما لو ترك النيّة وجامع (٣) .
ونمنع حكم الأصل .
و ـ لو نزع في الحال مع أول طلوع الفجر من غير تلوّم ، لم يتعلّق به حكم ، إلّا أن يُفرّط بترك المراعاة ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي (٤) ـ لأنّه ترك للجماع ، فلا يتعلّق به حكم الجماع .
وقال بعض الجمهور : تجب الكفّارة ، لأنّ النزع جماع يلتذّ به ، فيتعلّق به ما يتعلّق بالاستدامة (٥) .
وليس بحثنا فيه ، بل مع عدم التلذّذ .
وقال مالك : يبطل صومه ولا كفّارة ؛ لأنّه لا يقدر على أكثر ممّا فعله في ترك الجماع ، فأشبه المكره (٦) .
ونمنع وجوب القضاء .
مسألة ١٨ : ويجب بالأكل والشرب عامداً مختاراً في نهار رمضان على
__________________
(١) المغني ٣ : ٦٢ ـ ٦٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ .
(٢) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢ .
(٣) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢ .
(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٦ ، المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣١١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣ .
(٥) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ .
(٦) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المجموع ٦ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣ .
مَن يجب عليه الصوم : القضاء والكفّارة عند علمائنا أجمع ـ وبه قال عطاء والحسن البصري والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو حنيفة ومالك (١) ـ لأنّه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه ، فوجب عليه الكفّارة ، كالجماع ؛ لما رواه الجمهور : أنّ رجلاً أفطر ، فأمره النبي صلّى الله عليه وآله ، أن يُعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً (٢) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه عبدالله بن سنان عن الصادق عليه السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق » (٣) .
وقال الشافعي : لا تجب الكفّارة ، بل القضاء خاصة ـ وبه قال سعيد ابن جبير والنخعي ومحمد بن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد وداود ـ لأصالة البراءة (٤) .
والأصل قد يخالف ؛ للدليل ، وقد بيّناه .
ولا فرق بين الرجل والمرأة والعبد والخنثى في ذلك ، ولا بين أكل المحلَّل والمحرَّم ، ولا المعتاد وغيره ، خلافاً للسيد المرتضى في الأخير (٥) ،
__________________
(١) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٣ ، الجامع الصغير للشيباني : ١٤٠ ، المجموع ٦ : ٣٣٠ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩ ، اختلاف العلماء : ٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٣ ـ ٧٨٤ / ٨٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩١ / ٥٣ .
(٣) الكافي ٤ : ١٠١ ـ ١٠٢ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ ـ ٩٦ / ٣١٠ .
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٨ و ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨ ، اختلاف العلماء : ٧٢ ـ ٧٣ ، المغني ٣ : ٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٢ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٣ .
(٥) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ .
ولأبي حنيفة والشافعي (١) .
مسألة ١٩ : ويجب بإيصال الغبار الغليظ والرقيق إلى الحلق عمداً : القضاء والكفّارة عند علمائنا ؛ لأنّه مفسد واصل الى الجوف ، فأشبه الأكل .
وما رواه سليمان بن جعفر المروزي ، قال : سمعته يقول : « إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شمّ رائحةً غليظةً أو كنس بيتاً ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له فطر ، مثل الأكل والشرب » (٢) .
مسألة ٢٠ : لو أجنب ليلاً ، وتعمّد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة ؛ لقوله عليه السلام : ( مَن أصبح جنباً في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه ) (٣) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح ، قال : « يُعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً » (٤) .
وقال ابن أبي عقيل منّا : عليه القضاء خاصة . وهو ظاهر كلام السيد المرتضى (٥) رحمه الله ، وبه قال أبو هريرة والحسن البصري وسالم بن عبدالله والنخعي وعروة وطاوس (٦) .
__________________
(١) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٩ ، المجموع ٦ : ٣٢٨ و ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ .
(٢) التهذيب ٤ : ٢١٤ / ٦٢١ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٥ ، وفيهما : سليمان بن حفص المروزي .
(٣) أورده السيد المرتضى في الانتصار : ٦٣ ، والمحقق في المعتبر : ٣٠٦ .
(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٢ .
(٥) اُنظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥ .
(٦) المغني ٣ : ٧٨ ـ ٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢ .
وقال الجمهور : لا قضاء ولا كفّارة ، وصومه صحيح (١) ؛ لقوله تعالى : ( حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) (٢) .
وما رووه عن النبي عليه السلام ، أنّه كان يُصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصومه (٣) .
والجواب : لا يجب اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الغاية .
والرواية ممنوعة ، على أنّها محمولة على أنّه كان يقارب بالاغتسال طلوع الفجر ، لا أنّه يفعله بعده ، وإلّا لكان مداوماً لترك الأفضل وهو الصلاة في أول وقتها ؛ فإنّ قولنا : كان يفعل ، يدلّ على المداومة .
تذنيب : لو أجنب ثم نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة ؛ لأنّه مع ترك العزم علىٰ الغسل يسقط اعتبار النوم ، ويصير كالمتعمّد للبقاء علىٰ الجنابة .
ولو نام على عزم الاغتسال ثم نام ثم انتبه ثانياً ثم نام ثالثاً على عزم الاغتسال ، واستمرّ نومه في الثالث حتى أصبح ، وجب عليه القضاء والكفّارة أيضاً ؛ لرواية سليمان بن جعفر المروزي عن الكاظم عليه السلام ، قال : « إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه » (٤) وهو يتناول صورة النزاع .
مسألة ٢١ : أوجب الشيخان بالاتماس القضاء والكفّارة (٥) .
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ ، المغني ٣ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٥٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٢ .
(٢) البقرة : ١٨٧ .
(٣) صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٤ .
(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٧ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٣ ، وفي الأول : سليمان بن حفص المروزي .
(٥) المقنعة : ٥٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠ .
واختار السيد المرتضى ـ رحمه الله ـ الكراهية ، ولا قضاء ولا كفّارة فيه (١) ، وبه قال مالك وأحمد (٢) .
وللشيخ قول في الاستبصار : إنّه محرَّم لا يوجب قضاءً ولا كفّارةً (٣) .
وهو الأقوى ؛ لدلالة الأحاديث (٤) على المنع ، وأصالة البراءة (٥) على سقوط القضاء والكفّارة .
وقال ابن أبي عقيل : أنّه سائغ مطلقاً . وبه قال الجمهور (٦) ، إلّا مَن تقدّم .
مسألة ٢٢ : أوجب الشيخان القضاء والكفّارة بتعمّد الكذب على الله تعالى ، أو على رسوله ، أو على الأئمّة عليهم السلام (٧) .
وخالف فيه السيد المرتضى (٨) رحمه الله وابن أبي عقيل ، والجمهور (٩) كافّة ، وهو المعتمد ؛ لأصالة البراءة .
احتجّ الشيخان : برواية أبي بصير ، قال : سمعت الصادق عليه السلام ، يقول : « الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » قال : قلت : هلكنا ، قال :
__________________
(١) حكاه عنه ، المحقّق في المعتبر : ٣٠٢ ، وانظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ .
(٢) حكاه عنهما ، المحقّق في المعتبر : ٣٠٢ .
(٣) الاستبصار ٢ : ٨٥ .
(٤) اُنظر : الكافي ٤ : ١٠٦ / ١ ـ ٣ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٧ و ٥٨٨ ، والاستبصار ٢ : ٨٤ / ٢٥٨ ـ ٢٦٠ .
(٥) أي : ولدلالة أصالة البراءة . . . .
(٦) المغني ٣ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٤٨ .
(٧) المقنعة : ٥٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠ .
(٨) جُمل العلم والعلم ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ ، وحكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٢ .
(٩) كما في المعتبر : ٣٠٢ .
« ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله صلّى الله عليه وآله ، وعلى الأئمّة عليهم السلام » (١) .
والإِفطار يستلزم الكفّارة ؛ لقول الصادق عليه السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما يطيق » (٢) .
وهي محمولة على المفطرات الخاصة ، والحديث الأول اشتمل على ما هو ممنوع عندهم ، وهو : نقض الوضوء ، فيحمل على المبالغة .
مسألة ٢٣ : والقضاء الواجب هو يوم مكان يوم خاصة عند عامة العلماء (٣) .
وحكي عن ربيعة أنّه قال : يجب مكان كلّ يوم اثنا عشر يوماً (٤) .
وقال سعيد بن المسيب : إنّه يصوم عن كلّ يوم شهراً (٥) .
وقال إبراهيم النخعي ووكيع : يصوم عن كلّ يوم ثلاثة آلاف يوم (٦) .
والكلّ باطل ؛ لقوله عليه السلام للمجامع : ( وصُم يوماً مكانه ) (٧) .
ومن طريق الخاصة : قول الكاظم عليه السلام : « ويصوم يوماً بدل يوم » (٨) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٥٤ / ٩ ، معاني الأخبار : ١٦٥ ، باب معنى قول الصادق عليه السلام : الكذبة تفطر الصائم ، الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٥ .
(٢) الكافي ٤ : ١٠١ ـ ١٠٢ باب من أفطر متعمّداً من غير عذر . . . الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ ـ ٩٦ / ٣١٠ .
(٣) المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩ .
(٤) كما في المغني ٣ : ٥٢ ، وحلية العلماء ٣ : ١٩٩ ، والمبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢ .
(٥ و ٦) المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩ .
(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ ذيل الحديث ١٦٧١ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٤ / ٢٣٩٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٦ و ٢٢٧ .
(٨) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١ .
مسألة ٢٤ : والكفّارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً على التخيير عند أكثر علمائنا (١) ، وبه قال مالك (٢) ؛ لما رواه أبو هريرة : أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً (٣) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً » (٤) و « أو » للتخيير .
وقال ابن أبي عقيل : إنّها على الترتيب ـ وبه قال أبو حنيفة والثوري والشافعي والأوزاعي (٥) ـ لقوله عليه السلام للواقع على أهله : ( هل تجد رقبة تعتقها ؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟ ) (٦) .
ومن طريق الخاصة : قول الكاظم عليه السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة ، مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم » (٧) .
__________________
(١) كالشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٤ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ ، والجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢١٢ ، وسلّار في المراسم : ١٨٧ ، وابن إدريس في السرائر : ٨٦ .
(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ .
(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٢ و ٧٨٣ / ٨٣ و ٨٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥ .
(٤) الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ ـ ٩٦ / ٣١٠ .
(٥) بدائع الصنائع ٥ : ٩٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٣٣ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ .
(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤١ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ / ١١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ / ١٦٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٢ / ٧٢٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١ .
(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١ .
ولا دلالة ؛ لأنّ إيجاب الرقبة لا ينافي التخيير بينها وبين غيرها ، وإيجاب العتق لا ينافي إيجاب غيره .
وقال الحسن البصري : إنّه مخيّر بين عتق رقبة ونَحر بدنة (١) ؛ لما رواه العامة عن جابر بن عبدالله عن النبي عليه السلام ، أنّه قال : « مَن أفطر يوماً في شهر رمضان في الحضر فليُهد بدنةً ، فإن لم يجد فليُطعم ثلاثين صاعاً » (٢) .
ورواية ضعيف فلا يعوّل عليه .
وللسيد المرتضى ـ رحمه الله ـ قولان : أحدهما : أنّها على الترتيب ، والثاني : أنّها على التخيير (٣) .
وعن أحمد روايتان (٤) .
والتخيير عندنا أولى ؛ لموافقة براءة الذمّة .
تذنيب :
الأولى الترتيب ؛ لما فيه من الخلاص عن الخلاف ، ولاشتماله على العتق الذي هو أفضل الخصال .
مسألة ٢٥ : صوم الشهرين متتابع عند علمائنا أجمع ـ وهو قول عامة أهل العلم (٥) ـ لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ النبي عليه السلام ، قال لِمَنْ واقَعَ أهلَه : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ ) (٦) .
__________________
(١) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ .
(٢) سنن الدارقطني ٢ : ١٩١ / ٥٤ .
(٣) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٦ ، وفي الانتصار : ٦٩ القول بالتخيير .
(٤) المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ .
(٥) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢ .
(٦) أوعزنا إلى مصادرها في الهامش (١) من صفحة ٤٠ .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « أو يصوم شهرين متتابعين » (١) .
ولأنّها كفّارة فيها صوم شهرين ، فكان متتابعاً ، كالظهار والقتل (٢) .
وقال ابن أبي ليلى : لا يجب التتابع (٣) ؛ لما روى أبو هريرة أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أن يكفِّر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً (٤) . ولم يذكر التتابع ، والأصل عدمه .
وحديثنا أولى ؛ لأنّه لفظ النبي صلّى الله عليه وآله ، وحديثكم لفظ الراوي ، ولأنّ الأخذ بالزيادة أولى .
مسألة ٢٦ : الواجب في الإِطعام مُدٌّ لكلّ مسكين ، قدره رطلان ورُبع بالعراقي ، والواجب خمسة عشر صاعاً ـ وبه قال الشافعي وعطاء والأوزاعي (٥) ـ لما رواه العامة في حديث المُجامع ، أنّه اُتي النبي صلّى الله عليه وآله ، بمِكتَل فيه خمسة عشر صاعاً من تَمر ، فقال : ( خُذها وأطعم عيالك ) (٦) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً ، قال : « عليه خمسة عشر صاعاً ، لكلّ مسكين مُدٌّ بمُدِّ النبي صلّى الله عليه وآله » (٧) .
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ / ٥٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ ـ ٩٦ / ٣١٠ ، والفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ .
(٢) أي : كفّارة الظهار والقتل .
(٣) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢ .
(٤) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٣ ـ ٧٨٤ / ٨٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩١ / ٥٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٢٥ .
(٥) المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ .
(٦) سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٢ بتفاوت يسير .
(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٩ ، والاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١٢ بتفاوت يسير في الأخير .
وقال الشيخ رحمه الله : لكلّ مسكين مُدّان من طعام (١) .
والأصل براءة الذمة .
وقال أبو حنيفة : من البُرّ ، لكلّ مسكين نصفُ صاع ، ومن غيره صاع (٢) ؛ لما رواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، في حديث سلمة بن صخر : ( وأطعم وَسقاً من تَمر ) (٣) .
وهو ضعيف ؛ لأنّه مختلف فيه .
وقال أحمد : مُدٌّ من بُرّ و (٤) نصف صاع من غيره (٥) ؛ لما رواه أبو زيد المدني قال : جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله ، للمُظاهر : ( أطعم هذا فإنّ مُدَّي شعيرٍ مكان مُدّ بُرٍّ (٦) .
وليس محلّ النزاع .
مسألة ٢٧ : قد بيّنّا أنّ الكفّارة مخيّرة ، وعلى القول بالترتيب لو فقدت الرقبة فصام ثم وجد الرقبة في أثنائه ، جاز له المضيّ فيه ، والانتقال الى الرقبة أفضل ، لأنّ فرضه انتقل بعجزه الى الصيام وقد تلبّس به ، فكان الواجب إتمامه ، وسقط وجوب العتق ، كالمتيمّم يسقط عنه الوضوء بشروعه في الصلاة .
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧١ .
(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ ، المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ .
(٣) سنن أبي داود ٢ : ٢٦٥ / ٢٢١٣ ، مسند أحمد ٤ : ٣٧ .
(٤) في المصدر : أو . وهو الصحيح .
(٥) المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٦ .
(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٢ .
ولأنّه بعد الرقبة (١) تعيّن عليه الصوم ، فلا يزول هذا الحكم بوجود الرقبة ، كما لو وجدها بعد إكمال الصوم .
وقال أبو حنيفة والمزني : لا يجزئه الصوم ، ويكفّر بالعتق ـ وللشافعي قولان (٢) ـ لأنّه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل ، فيبطل حكم البدل ، كالمتيمّم يرى الماء (٣) .
وليس حجّةً ؛ فإنّ المتيمّم بعد الدخول في الصلاة يمضي فيها ، ولا يبطل تيمّمه ، أمّا قبلها (٤) فلا ، والفرق : أنّه لم يتلبّس بما فعل التيمّم له ، فلم يظهر له حكم .
ولأنّ التيمّم لا يرفع الحدث بل يستره ، فإذا وجد الماء ، ظهر حكمه ، بخلاف الصوم ؛ فإنّه يرفع حكم الجماع بالكلية .
مسألة ٢٨ : لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما وجد ، أو صام ما استطاع ، فإن لم يتمكّن ، استغفر الله تعالى ولا شيء عليه ، قاله علماؤنا ؛ لما رواه العامة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال للمجامع : ( اذهب فكُله أنت وعيالك ) (٥) ولم يأمره بالكفّارة في ثاني الحال ، ولو كان الوجوب ثابتاً في ذمته ، لأمَره بالخروج عنه عند قدرته .
ومن طريق الخاصة : قول النبي صلّى الله عليه وآله : ( فخُذه فأطعمه عيالك واستغفر الله عزّ وجل ) (٦) .
__________________
(١) أي : بعد فقدان الرقبة .
(٢) المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، الاُم ٥ : ٢٨٣ ، مختصر المزني : ٢٠٦ ، المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، حلية العلماء ٧ : ١٩٥ ، الحاوي الكبير ١٠ : ٥٠٨ .
(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٩٨ ، المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، حلية العلماء ٧ : ١٩٥ ، المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، مختصر المزني : ٢٠٦ .
(٤) في « ف » : قبله .
(٥) صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ ـ ٧٨٢ / ١١١١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١ بتفاوت .
(٦) التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٨١ / ٢٤٥ ، والكافي ٤ : ١٠٢ / ٢ .
ولأنّ الكفّارة حقٌّ من حقوق الله تعالى على وجه البدل ، فلا يجب مع العجز ، كصدقة الفطر .
وقال الزهري والثوري وأبو ثور : إذا لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة ، كانت الكفّارة ثابتةً في ذمّته ـ وهو قياس قول أبي حنيفة (١) ـ لأنّ النبي عليه السلام ، أمَر الأعرابي أن يأخذ التمر ويكفّر عن نفسه ، بعد أن أعلمه بعجزه عن الأنواع الثلاثة ، وهو يقتضي وجوب الكفّارة مع العجز .
ولأنّه حقٌّ لله تعالى في المال ، فلا يسقط بالعجز ، كسائر الكفّارات (٢) .
وليس حجّةً ؛ لأنّه عليه السلام ، دفع ( التمر ) (٣) تبرّعاً منه ، لا أنّه واجب على العاجز . وحكم الأصل ممنوع .
وقال الأوزاعي : تسقط الكفّارة عنه (٤) . وللشافعي قولان (٥) . وعن أحمد روايتان (٦) .
فروع :
أ ـ حدّ العجز عن التكفير : أن لا يجد ما يصرفه في الكفّارة فاضلاً عن قوته وقوت عياله ذلك اليوم .
ب ـ لا يسقط القضاء بسقوط الكفّارة مع العجز ، بل يجب القضاء مع القدرة عليه ، فإن عجز أيضاً عنه ، سقط ؛ لعدم الشرط ، وهو : القدرة .
ج ـ اختلفت عبارة الشيخين هنا ، فقال المفيد رحمه الله : لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً متتابعات ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما
__________________
(١ و ٢) المغني ٣ : ٧٢ ـ ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٢ .
(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية : البُرّ . والصحيح ـ كما يقتضيه السياق ـ ما أثبتناه .
(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٧٢ .
(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ .
(٦) المغني ٣ : ٧٢ ـ ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٢ .
أطاق ، أو فليصُم ما استطاع (١) . فجعل الصدقة مرتّبةً على العجز عن صوم ثمانية عشر .
والشيخ ـ رحمه الله ـ عكس ، فقال : إن لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة فليتصدّق بما تمكّن منه ، فإن لم يتمكّن من الصدقة ، صام ثمانية عشر يوماً ، فإن لم يقدر ، صام ما تمكّن منه (٢) .
د ـ أطلق الشيخ ـ رحمه الله ـ صوم ثمانية عشر يوماً (٣) .
والمفيد والمرتضى ـ رحمهما الله ـ قيّداها بالتتابع (٤) .
ورواية سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام ، من قوله : « إنّما الصيام الذي لا يفرّق كفّارة الظهار وكفّارة الدم وكفّارة اليمين » (٥) يدلّ على قول الشيخ رحمه الله تعالى .
هـ ـ لو عجز عن صيام شهرين ، وقدر على صوم شهر مثلاً ، ففي وجوبه أو الاكتفاء بالثمانية عشر يوماً إشكال .
أمّا في الصدقة ، فلو عجز عن إطعام ستين ، وتمكّن من إطعام ثلاثين ، وجب قطعاً ؛ لقوله عليه السلام : ( فإن لم يتمكّن تصدّق بما استطاع ) (٦) .
وكذا الإِشكال لو تمكّن من صيام شهر وإطعام ثلاثين هل يجبان أم لا ؟
مسألة ٢٩ : وإنّما تجب الكفّارة في صوم تعيّن وقته إمّا بأصل الشرع ، كرمضان ، أو بغيره ، كالنذر المعيّن ، وتجب أيضاً في قضاء رمضان بعد الزوال
__________________
(١) المقنعة : ٥٥ .
(٢ و ٣) النهاية : ١٥٤ .
(٤) المقنعة : ٥٥ ، جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥ .
(٥) الكافي ٤ : ١٢٠ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٥ / ٤٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١١٧ / ٣٨٢ .
(٦) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر الحديثية لأبناء العامّة ، ونحوه من طريق الخاصة عن الإِمام الصادق عليه السلام ، في الكافي ٤ : ١٠١ و ١٠٢ / ١ و ٣ والفقيه ٢ : ٧٢ / ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٥ و ٢٠٦ / ٥٩٤ و ٥٩٦ ، والاستبصار ٢ : ٩٥ و ٩٦ / ٣١٠ و ٣١٣ .
لا قبله ، وفي الاعتكاف عند علمائنا .
وأطبقت العلماء على سقوط الكفّارة فيما عدا رمضان (١) ، إلّا قتادة ؛ فإنّه أوجب الكفّارة في قضاء رمضان (٢) .
أمّا قضاء رمضان : فلأنّه عبادة تجب الكفّارة في أدائها ، فتجب في قضائها كالحجّ .
ولما رواه بريد بن معاوية العجلي ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : « إن كان أتى أهله قبل الزوال ، فلا شيء عليه إلّا يوماً مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين » (٣) .
وأمّا النذر المعيّن : فلتعيّن زمانه كرمضان .
ولأنّ القاسم الصيقل كتب اليه عليه السلام : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً لله تعالى ، فوقع في ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفارة ؟ فأجابه : « يصوم يوماً بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة » (٤) .
وأمّا الاعتكاف الواجب : فلأنّه كرمضان في التعيين .
ولأنّ زرارة سأل الباقر عليه السلام عن المعتكف يجامع ، فقال : « إذا فعل فعليه ما على المظاهر » (٥) .
مسألة ٣٠ : قد بيّنا أنّه فرقٌ بين أن يفطر في قضاء رمضان قبل الزوال وبعده ، فتجب الكفّارة لو أفطر بعده ، ولا تجب لو أفطر قبله .
__________________
(١ و ٢) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨ .
(٣) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ / ٤٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ / ٨٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩١ .
(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٦ / ٨٦٥ ، الاستبصار ٢ : ١٢٥ / ٤٠٦ .
(٥) الكافي ٤ : ١٧٩ ( باب المعتكف يجامع أهله ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٤ .
والجمهور كافة ـ إلّا قتادة ـ على سقوط الكفّارة فيهما (١) .
وقتادة أوجبها قبل الزوال وبعده (٢) .
وابن أبي عقيل من علمائنا أسقطها بعد الزوال أيضاً .
والمشهور ما بيّناه ؛ لأنّه قبل الزوال مخيَّر بين الإِتمام والإِفطار ، وبعده يتعيّن الصوم ، فلهذا افترق الزمانان في إيجاب الكفّارة وسقوطها ؛ لقول الصادق عليه السلام : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر الى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر » (٣) .
تذنيب : لو أفطر في قضاء النذر المعيّن بعد الزوال ، لم يجب عليه شيء سوى الإِعادة ؛ لأصالة البراءة ، وإن كان في قول الصادق عليه السلام ، دلالة مّا على الوجوب .
مسألة ٣١ : المشهور في كفّارة قضاء رمضان : إطعام عشرة مساكين ، فإن لم يتمكّن ، صام ثلاثة أيام .
وقد روي : أنّه لا شيء عليه (٤) . وروي : أنّ عليه كفّارة رمضان (٥) .
وتأوّلهما الشيخ ـ رحمه الله ـ بحمل الاُولى على العاجز (٦) ، والثانية على المستخفّ بالعبادة ، المتهاون بها (٧) .
__________________
(١ و ٢) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ .
(٣) التهذيب ٤ : ٢٧٨ / ٨٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٨٩ .
(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٠ / ٨٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ـ ١٢٢ / ٣٩٤ .
(٥) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٣ .
(٦) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٧ .
(٧) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ذيل الحديث ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ذيل الحديث ٣٩٣ .