السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-203-x
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٦
الفصل الثالث
حج النبي صلىاللهعليهوآله برواية الإمام الصادق عليهالسلام
دخول مكة والمسجد الحرام :
ثم نهض رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى أن نزل بذي طوى ، وهي المعروفة اليوم بآبار الزاهر ، فبات بها ليلة الأحد ، لأربع خلون من ذي الحجة ، وصلى بها الصبح ، ثم اغتسل من يومه ، ونهض إلى مكة من أعلاها من الثنية العليا ، التي تشرف على الحجون.
وكان في العمرة يدخل من أسفلها ، وفي الحج دخل من أعلاها وخرج من أسفلها.
ثم سار حتى دخل المسجد ضحى.
وعن ابن عمر قال : دخل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ودخلنا معه من باب عبد مناف ، وهو الذي تسميه الناس : «باب بني شيبة» (١).
وخرج من باب بني مخزوم (إلى الصفا).
فلما نظر إلى البيت ، واستقبله ورفع يديه وكبر ، وقال : «اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام ، اللهم زد هذا البيت تشريفا ، وتعظيما ، وتكريما ، ومهابة ، وزد من عظّمه ، ممن حجه أو اعتمره ، تكريما وتشريفا ،
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦١ و ٤٦٢ عن الطبراني ، وراجع : المعجم الأوسط للطبراني ج ٣ ص ٢٣٨.
وتعظيما وبرا» (١).
ونقول :
إن المروي بسند صحيح عن صادق أهل البيت «عليهمالسلام» : أنه «صلىاللهعليهوآله» : «فلما دخل مكة دخل من أعلاها من العقبة ، وخرج حين خرج من ذي طوى» (٢).
وفي نص آخر : «دخل من أعلى مكة ، من عقبة المدنيين ، وخرج من أسفل مكة ، من ذي طوى» (٣).
حج النبي برواية أهل البيت عليهمالسلام :
وحيث إنه قد وردت عن أهل بيت النبي «عليهمالسلام» روايات صحيحة السند تصف لنا حج رسول الله «صلىاللهعليهوآله» .. نرى أن عرضها للقارئ الكريم ضروري جدا ، ليأخذ الحقيقة من أهل الحقيقة ، فإن أهل البيت أدرى بما فيه ..
وقد رأينا تقديم ذكرها على التفاصيل التي يذكرها أتباع غير أهل البيت ، لكي تكون رواياتهم «عليهمالسلام» هي المعيار والميزان للصحيح
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٤٦٢ وفي هامشه عن : البيهقي ج ٥ ص ٧٣.
(٢) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٥٠ والبحار ج ٢١ ص ٢٩٦ و ٣٩٧ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٤ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٨ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥٧٩.
(٣) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٨ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٥.
من الفاسد ، والحقيقي من المزيف ..
وبما أن هذه الروايات قد تعددت ، فقد رأينا أن نأتي بخلاصة جامعة لما تضمنته من جزئيات وخصوصيات ، مقتصرين منها على ما أورده الكليني «قدس الله نفسه الزكية» في باب «حج النبي «صلىاللهعليهوآله» ..» وخصوصا الروايات التي جاءت مطولة ومفصلة ، فنقول :
في صحيحة معاوية بن عمار عن الإمام الصادق «عليهالسلام» قال : أنزل الله عزوجل عليه : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (١) ، فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم : بأن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يحج في عامه هذا ، فعلم به من حضر المدينة ، وأهل العوالي والأعراب ، واجتمعوا لحج رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وإنما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون ويتبعونه ، أو يصنع شيئا فيصنعونه (٢).
وفي صحيح عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق «عليهالسلام» قال : ذكر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» الحج ، فكتب إلي (٣) : من بلغه كتابه ممن دخل في الإسلام : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يريد الحج ، يؤذنهم
__________________
(١) الآية ٧٧ من سورة الحج.
(٢) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٥ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٣١٦ والفصول المهمة ج ١ ص ٦٤٩ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٠ والتفسير الصافي ج ٣ ص ٣٧٤ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ١٤٦ وتفسير كنز الدقائق ج ١ ص ٣٨٦.
(٣) كذا في الأصل ، ولعل الصحيح «إلى» بالمقصورة ، وقد وقع فيها تصحيف ، فلاحظ.
بذلك ، ليحج من أطاق الحج (١).
وفي صحيح معاوية بن عمار : فخرج رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في أربع بقين من ذي القعدة ، فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس ، فاغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة ، فصلى فيه الظهر ، وعزم بالحج مفردا ، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول ، فصف له سماطان ، فلبى بالحج مفردا ، وساق الهدي ستا وستين ، أو أربعا وستين (٢) حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة (٣).
وفي صحيح الحلبي عن علي «عليهالسلام» : خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة ، فصلى بها ، ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء ، فأحرم منها ، وأهل بالحج ، وساق مائة بدنة ، وأحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة ، ولا يدرون ما المتعة (٤).
__________________
(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٩ والحدائق الناضرة ج ١٥ ص ٥٨ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٤ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٨ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٦ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٩ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٢٨٢ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٦٣.
(٢) الترديد من الراوي.
(٣) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٥ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٠ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٤٥٤ وتفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٤٨٧ وتفسير كنز الدقائق ج ١ ص ٣٨٧.
(٤) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٨ و ٢٤٩ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥٥١ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٢ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ـ
وفي صحيح ابن سنان : فأقبل الناس ، فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط ، وحلق العانة ، والغسل ، والتجرد في إزار ورداء ، أو إزار وعمامة ، يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء.
وذكر أنه حيث لبى قال : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك».
وكان رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يكثر من ذي المعارج ، وكان يلبى كلما لقي راكبا ، أو علا أكمة ، أو هبط واديا ، وفي آخر الليل ، وفي إدبار الصلوات.
فلما دخل مكة دخل من أعلاها من العقبة ، وخرج حين خرج من ذي طوى.
فلما انتهى إلى باب المسجد استقبل الكعبة.
وذكر ابن سنان : أنه باب شيبة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على أبيه إبراهيم ، ثم أتى الحجر فاستلمه ، فلما طاف بالبيت (وطاف الناس معه) صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم «عليهالسلام».
ودخل زمزم فشرب منها ، ثم قال : «اللهم إني أسألك علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشفاء من كل داء وسقم» ، فجعل يقول ذلك وهو مستقبل الكعبة.
ثم قال لأصحابه : ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر ، فاستلمه (١).
__________________
ص ١٥٧ ومستدرك الوسائل ج ٨ ص ٧٦ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٥ وج ٩٦ ص ٨٨ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٦ وج ١٠ ص ٤٥٥ و ٤٩٩.
(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٩ و ٢٥٠ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥٧٩ والحدائق الناضرة ج ١٥ ص ٥٨ ومستند الشيعة ج ١١ ص ١٧٥ وج ١١
وفي صحيح معاوية بن عمار : فطاف بالبيت سبعة أشواط ، ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم «عليهالسلام» ، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ، وقد كان استلمه في أول طوافه ، ثم قال : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) ،) فابدأ بما بدأ الله تعالى.
وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ..) (١).
ثم أتى الصفا فصعد عليه ، واستقبل الركن اليماني ، فحمد الله وأثنى عليه ، ودعا مقدار ما يقرء سورة البقرة مترسلا.
ثم انحدر إلى المروة ، فوقف عليها كما وقف على الصفا ، ثم انحدر وعاد إلى الصفا فوقف عليها ، ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه (٢).
وفي صحيح الحلبي عن الإمام الصادق «عليهالسلام» : وهو شيء أمر الله عزوجل به ، فأحل الناس ، وقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «لو
__________________
ص ٢٩٠ ودعائم الإسلام ج ١ ص ٢٩٨ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٤ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٨ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٦ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٩ و ٤٩٩ وج ١١ ص ١٤ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ١٧ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٦٣.
(١) الآية ١٥٨ من سورة البقرة.
(٢) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٥ و ٢٤٦ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٦٣٢ وج ١ ق ٣ ص ٦٤٤ وكشف اللثام (ط. ق) ج ١ ص ٣٤١ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٣١٦ ومستند الشيعة ج ١٢ ص ١٥٩.
كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم» (١).
ولم يكن يستطيع أن يحل من أجل الهدي الذي كان معه ، إن الله عزوجل يقول : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (٢).
وفي صحيح معاوية بن عمار ، عن الإمام الصادق «عليهالسلام» ، وكذا في صحيح الحلبي باختصار : فلما فرغ من سعيه وهو على المروة ، أقبل على الناس بوجهه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن هذا جبرئيل ، وأومأ بيده إلى خلفه ، يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحل ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ، ولكني سقت الهدي ، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله.
قال : فقال له رجل من القوم : لنخرجن حجاجا ورؤوسنا وشعورنا تقطر؟
وفي بعض الروايات : «وذكرنا تقطر»؟ أي من ماء المني (٣).
فقال له رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : أما إنك لن تؤمن بهذا أبدا.
فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني : يا رسول الله ، علمنا ديننا كأنا خلقنا اليوم ، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل؟
__________________
(١) الكافي ج ٤ ص ٢٤٩ وعلل الشرائع ج ٢ ص ٤١٣ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٢ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٧ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٥ وج ٩٦ ص ٨٩ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ١٨٥ وتفسير كنز الدقائق ج ١ ص ٤٦٦.
(٢) الآية ١٩٦ من سورة البقرة.
(٣) راجع المصادر في الهوامش السابقة.
فقال له رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : بل هو للأبد ، إلى يوم القيامة ، ثم شبك أصابعه وقال : «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» (١).
قال : وقدم علي «عليهالسلام» من اليمن على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وهو بمكة ، فدخل على فاطمة «سلام الله عليها» وهي قد أحلت ، فوجد ريحا طيبة ، ووجد عليها ثيابا مصبوغة ، فقال : ما هذا يا فاطمة؟
فقالت : أمرنا بهذا رسول الله «صلىاللهعليهوآله».
فخرج علي «عليهالسلام» إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» مستفتيا ، فقال : يا رسول الله ، إني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة؟
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «أنا أمرت الناس بذلك ، فأنت يا علي بما أهللت»؟
قال : يا رسول الله ، إهلالا كإهلال النبي.
فقال له رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «قرّ على إحرامك مثلي ، وأنت شريكي في هديي».
قال : ونزل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ، ولم ينزل الدور ، فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا
__________________
(١) مرآة العقول ج ١٧ ص ١١٣ وجواهر الكلام ج ١٨ ص ٣ والكافي ج ٤ ص ٢٤٦ وو منتهى المطلب (ط. ق) ج ٢ ص ٨٨٦ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٣١٦ ومستند الشيعة ج ١١ ص ٢١٧ وجامع المدارك ج ٢ ص ٥٦٨ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٥ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢١٥ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥١ والبحار ج ٢١ ص ٣٩١ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٢ وفقه القرآن للراوندي ج ١ ص ٢٦٦ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٢٣.
ويهلوا بالحج ، وهو قول الله عزوجل ، الذي أنزل على نبيه «صلىاللهعليهوآله» : (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ) (أبيكم) (إِبْراهِيمَ) (١).
فخرج النبي «صلىاللهعليهوآله» وأصحابه مهلين بالحج حتى أتى منى ، فصلى الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء الآخرة ، والفجر.
ثم غدا والناس معه ، وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ، ويمنعون الناس أن يفيضوا منها ، فأقبل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وقريش ترجو أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون ، فأنزل الله تعالى عليه : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ ..) (٢) ، يعني إبراهيم وإسماعيل ، وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم.
فلما رأت قريش أن قبة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قد مضت ، كأنه دخل في أنفسهم شيء ، للذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم ، حتى انتهى إلى نمرة ، وهي بطن عرنة بحيال الأراك ، فضربت قبته ، وضرب الناس أخبيتهم عندها.
فلما زالت الشمس خرج رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ومعه قريش وقد اغتسل ، وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد ، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين.
ثم مضى إلى الموقف فوقف به ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها ، فنحاها ، ففعلوا مثل ذلك ، فقال : «أيها الناس ، ليس
__________________
(١) الآية ٩٥ من سورة آل عمران.
(٢) الآية ٩٥ من سورة آل عمران.
موضع أخفاف ناقتي بالموقف ، ولكن هذا كله» ، وأومأ بيده إلى الموقف ، فتفرق الناس ، وفعل مثل ذلك بالمزدلفة.
فوقف الناس حتى وقع القرص ـ قرص الشمس ـ ثم أفاض ، وأمر الناس بالدعة حتى انتهى إلى المزدلفة ، وهو المشعر الحرام ، فصلى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين.
ثم أقام حتى صلى فيها الفجر ، وعجل ضعفاء بني هاشم بليل ، وأمرهم أن لا يرموا الجمرة جمرة العقبة حتى تطلع الشمس.
فلما أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى ، فرمى جمرة العقبة (١).
وفي صحيح إسماعل بن همام ، عن الإمام الحسن «عليهالسلام» قال : أخذ رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حين غدا من منى في طريق ضب (جبل عند مسجد الخيف) ، ورجع ما بين المأزمين. وكان إذا سلك طريقا لم يرجع فيه (٢).
وكان الهدي الذي جاء به رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أربعة وستين أو ستة وستين.
وجاء علي «عليهالسلام» بأربعة وثلاثين أو ستة وثلاثين ، فنحر رسول
__________________
(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٥ ـ ٢٤٧ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٠ ـ ٣٥٤.
(٢) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٨ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٢٣٧ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٤٥٨ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ٣٣٦ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١١ ص ٤٦٣ وسنن النبي «عليهالسلام» للسيد الطباطبائي ص ٦٢ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ٣٤٦.
الله «صلىاللهعليهوآله» ستة وستين ، ونحر علي «صلىاللهعليهوآله» أربعة وثلاثين بدنة.
وفي الرواية الأخرى : نحر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ثلاثا وستين نحرها بيده ، ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلها في قدر الخ .. (١).
وأمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أن يؤخذ من كل بدنة منها جذوة من لحم ، ثم تطرح في برمة ، ثم تطبخ ، فأكل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وعلي «عليهالسلام» ، وحسيا من مرقها (٢).
زاد في صحيح الحلبي قوله : «قد أكلنا منها الآن جميعا ، والمتعة خير من القارن السائق ، وخير من الحاج المفرد» (٣).
__________________
(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٩ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥٥١ وعلل الشرائع ج ٢ ص ٤١٣ والبحار ج ٩٦ ص ٨٩.
(٢) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٦ ـ ٢٤٨ ومجمع الفائدة ج ٧ ص ٢٨٦ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٦٧٠ وج ١ ق ٣ ص ٦٧٠ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٣١٨ وجواهر الكلام ج ١٩ ص ١٥٩ وجامع المدارك ج ٢ ص ٤٦٢ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٧ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢١٧ وج ١٤ ص ١٦٣ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٣ وج ١٠ ص ١٤٤ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٣ و ٣٩٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٤ وج ١٢ ص ١٠١ وج ١٢ ص ١٠٤ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٢٥ وج ٣ ص ٣٧٣ وج ٣ ص ٤٠١ وراجع المغني لابن قدامة ج ١١ ص ١٠٩ والشرح الكبير لابن قدامة ج ٣ ص ٥٧٩ وج ٣ ص ٥٨٢ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢ ص ١١١ وتفسير البغوي ج ٣ ص ٢٨٤.
(٣) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٩ وذخيرة المعاد (ط. ق) ج ١ ق ٣ ص ٥٥١ ـ
وفي صحيح معاوية بن عمار : ولم يعطيا الجزارين جلودها ، ولا جلالها ، ولا قلائدها ، وتصدق به ، وحلق ، وزار البيت ورجع إلى منى ، وأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق.
ثم رمى الجمار ونفر حتى انتهى إلى الأبطح ، فقالت له عايشة : يا رسول الله ، ترجع نساؤك بحجة وعمرة معا ، وأرجع بحجة؟
فأقام بالأبطح ، وبعث معها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم.
فأهلت بعمرة ، ثم جاءت ، وطافت بالبيت وصلت ركعتين عند مقام إبراهيم «عليهالسلام» ، وسعت بين الصفا والمروة ، ثم أتت النبي «صلىاللهعليهوآله» ، فارتحل من يومه ، ولم يدخل المسجد الحرام ، ولم يطف بالبيت.
ودخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين ، وخرج من أسفل مكة من ذي طوى (١).
وفي صحيح معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله «عليهالسلام» قال : الذي كان على بدن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ناجية بن جندب الخزاعي
__________________
والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١١ ص ٢٢٣ و (ط دار الإسلامية) ج ٨ ص ١٥٨ والبحار ج ٢١ ص ٣٩٦ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٤٣ و ٣٥٧ وتفسير الميزان للسيد الطباطبائي ج ٢ ص ٨٤ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ١٢٢.
(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٤٨ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٣١٩ وجامع المدارك ج ٢ ص ٤٩١ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٧ والبحار ج ٢١ ص ٣٨٩ و ٣٩٣ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٣٥٥ وج ١١ ص ٢٧١ و ٢٧٢ وج ١٢ ص ٢٠٧ وتفسير مجمع البيان ج ٢ ص ٤٢ ومنتقى الجمان ج ٣ ص ٢٥٤.
الأسلمي ، والذي حلق رأس النبي «صلىاللهعليهوآله» في حجته معمر بن عبد الله بن حراثة بن نصر بن عوف بن عويج بن عدي بن كعب.
قال : ولما كان في حجة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وهو يحلقه ، قالت قريش : أي معمر! أذن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في يدك ، وفي يدك الموسى؟!
فقال معمر : والله ، إني لأعده من الله فضلا عظيما علي.
قال : وكان معمر هو الذي يرحل لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فقال رسول الله : «يا معمر ، إن الرحل الليلة لمسترخى».
فقال معمر : بأبي أنت وأمي ، لقد شددته كما كنت أشده ، ولكن بعض من حسدني مكاني منك يا رسول الله أراد أن تستبدل بي.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «ما كنت لأفعل» (١).
ونقول :
إن النصوص المتقدمة وإن كانت مأخوذة من روايات صحيحة السند ، ولكنها تحتاج أيضا إلى بعض التوضيح والبيان ، فنقول :
إضافة فقرة وتصحيف أخرى :
جاء في رواية الصدوق للخبر الأخير عن الإمام الصادق «عليهالسلام» فقرة أخرى لم يوردها الكليني ، وهي قوله : «والذي حلق رأسه
__________________
(١) الكافي (الفروع) ج ٤ ص ٢٥٠ و ٢٥١ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٣٣٩ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٨ والبحار ج ٢١ ص ٤٠٠ وجامع الرواة ج ٢ ص ٢٥٣ ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج ١٩ ص ٢٨٨.
«عليهالسلام» يوم الحديبية خراش بن امية الخزاعي».
وفيه أيضا : «كان معمر بن عبد الله يرجل شعره «عليهالسلام» ..».
قال المجلسي «رحمهالله» : لعل الأصل يرحل بعيره ، فصحفوه بقولهم : يرجل شعره ، لعله لكونه يناسب الحلق.
لا فضل لقرشي على غيره إلا بالتقوى :
قال البيضاوي ـ على ما نقله عنه المجلسي ـ : «وقوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) (١). أي من عرفة ، لا من المزدلفة ، والخطاب مع قريش لما كانوا يقفون بالجمع ، وساير الناس بعرفه ، ويرون ذلك ترفعا عليهم ، فأمروا بأن يساووهم.
إلى أن قال : والمعنى أن الإضافة من عرفة شرع قديم فلا تغيروه» (٢).
وبذلك يكون الله تعالى ، ورسوله قد بينا بصورة عملية أن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
أحرم صلىاللهعليهوآله من المسجد :
تقدم في صحيح الحلبي : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قاد راحلته حتى أتى البيداء ، فأحرم منها.
قال العلامة المجلسي : «لعل المراد بالإحرام هنا عقد الإحرام بالتلبية ،
__________________
(١) الآية ٩٥ من سورة آل عمران.
(٢) راجع : مرآة العقول ج ١٧ ص ١١٤ وتفسير البيضاوي (ط دار الفكر) ج ١ ص ٤٨٧ وتفسير أبي السعود ج ١ ص ٢٠٩.