الشيخ جعفر السبحاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٣
ISBN: 964-357-970-5
الصفحات: ٣٤٤
٤. ذكر ابن حجر الهيتمي هذين البيتين من الشّعر للشافعي ـ إمام الشافعية ـ :
آل النبي ذريعتي |
|
وهم إليه وسيلتي |
أرجو بهم أُعطى غداً |
|
بيدي اليمين صحيفتي (١) |
بعد كلّ ما سبق من الأدلّة والبراهين والشواهد ، يمكن القول بأنّ الأنبياء والشخصيات الدينية السامية هم من الوسائل الّتي عناها الله تعالى بقوله :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ...). (٢)
وقد أمر تعالى باتّخاذهم وسيلة إليه سبحانه.
ولا شكّ أنّ الوسيلة غير منحصرة في أداء الفرائض واجتناب المحرَّمات فقط ، بل تشمل المستحبّات ـ الّتي من ضمنها التوسّل بالأولياء ـ أيضاً.
فهل يمكن القول بأنّ العلماء والمحقّقين قد أخطئوا في فهم معنى «الوسيلة»؟!
مع العلم أنّهم مصادرٌ للحكم وحفّاظٌ للحديث ومن علماء الإسلام الذين يُشار إليهم بالبنان؟!
إنّ الّذين يُعرضون صفحاً عن هذه التصريحات والأدلّة ، ويبحثون هنا وهناك عن توجيه وتأويل لكلّ حديث ودليل ، هم أشبه بالقاضي الّذي يتسرَّع في إصدار الحكم من دون الاعتماد على القرائن والشهود.
__________________
(١) الصواعق المحرقة لابن حجر : ١٧٨ ، والكتاب مليء بالانحراف والافتراء ، وقد ردّ عليه جمع من العلماء والمحقّقين ، منهم : الشهيد السعيد القاضي نور الله التستري في كتابه : الصوارم المهرقة
(٢) المائدة : ٣٥.
٥. يروي البخاري في صحيحه :
«إنّ عمر بن الخطاب كان إذا قُحطُوا استَسقى بالعبّاس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ وقال : اللهُمّ كُنّا نَتَوَسَّلُ إليكَ بِنَبِيّنا فَتُسْقينا ، وإنّا نَتَوَسَّلُ إليكَ بِعَمِّ نَبِيّنا فاسقِنا.
قالَ : فيُسْقَونَ». (١)
لا كلام في صحّة هذا الحديث ، حتّى أنّ الرفاعي ـ الكاتب الوهّابي الّذي يردّ أحاديث التوسّل المتواترة مهما أمكنه ـ قد اعترف بصحّة هذا الحديث وقال :
«إنّ هذا الحديث صحيح (٢) فإن صحّ هذا الجواز شرعاً فنحن من أسبق الناس إلى الأخذ به والعمل بمقتضاه».
فمع الانتباه إلى ما ذكروه عن عمر بن الخطّاب بشأن التوسّل بالعبّاس ، وأنّه أقسمَ بالله بأنّ «هذا والله الوسيلة إلى الله والمكان منه» يتّضح بأنّ حقيقة التوسّل ـ في هذا المجال ـ هي التوسّل بذات العبّاس ونفسه ، أو بشخصيّته ووجاهته عند الله تعالى ، لا بدعاء العبّاس.
هذا ... وقد روى محمّد بن النعمان المالكي ـ المتوفّى سنة ٦٨٣ ه ـ في كتابه «مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام» كيفيّة توسّل عمر بالعبّاس وأنّه قال :
«اللهمَّ إنّا نسْتَقيكَ بعَمِّ نَبيّك وَنَسْتَشْفِعُ إلَيْكَ بِشَيْبَتهِ ، فَسُقُوا» وفي ذلك يقول العبّاس ابن عُتبة بن أبي لهب :
بعمّي سقى الله الحجاز وأهله |
|
عشِيّة يَستسقي بشيبَته عُمَرُ (٣) |
__________________
(١) صحيح البخاري : ٢ / ٣٢ ، باب صلاة الاستسقاء.
(٢) كان الصحيح أن يقول : إنّ هذا التاريخ صحيح ، لأنّ الحديث ـ في الاصطلاح ـ هو كلام النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وكلامنا الآن عن الأحداث التاريخية ، وقد سبق ذكر الأحاديث الشريفة.
(٣) وفاء الوفا : ٣ / ٣٧٥ ، نقلاً عن مصباح الظلام
وكذلك أنشد حسّان قوله :
«فَسَقَى الغَمامُ بغُرَّة العبّاس».
وقال ابن حجر العسقلاني (١) :
«إنّ العبّاس دعا إلى الله تعالى بقوله : ... وقد توجّه الْقوم بي إليك لمكاني من نبيّك».
أيّها القارئ الكريم : لقد ظهر لك ـ بكلّ وضوح ـ أنّ التوسّل إنّما كان بشخصية العبّاس وجاهه ، وقد قال علماء البلاغة والأدب :
«تعليق الحُكم بالوصف مشعرٌ بالعِلّية».
يعني ترتّب الحكم على الوصف يدلّ على أنّ العلّة في ذلك الحكم هو الوصف ، فمثلاً يقول القرآن الحكيم :
(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ).
يعني : أنّ المرأة الّتي أنجبت مولوداً للزوج ، فعلى الزوج أن يتكفّل نفقتها ، فالحكم هو وجوب الإنفاق ، والوصف هو المولود الّذي أنجبته المرأة.
وإليك مثالاً آخر :
لو قال الوالد لولده : «احترم العالم» فإنّما هو لعلّة العلم والفضيلة الّتي فيه.
بناءً على هذا ... فإنّ قول عمر : «إنّا نتوسّل إليكَ بعمّ نبيّك» فيه بيان علّة التوسّل بالعبّاس دون غيره من الناس ، وأنّها لكونه عمّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، وقد ذكر العبّاس نفسه ذلك فقال : «لمكاني من نبيّك».
والخلاصة : بعد كلّ ما سبق ... يمكن القول ـ بالقطع واليقين ـ إنّ المسلمين في صدر الإسلام كانوا يتوسّلون بالأشخاص الصالحين الأزكياء.
__________________
(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري : ٢ / ٤١٣.
٦. شعر صفيّة في رثاء النبي
أنشدت صفيّة بنت عبد المطلّب ـ عمّة النبيّ ـ قصيدة بعد وفاة النبيّ في رثائه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ومنها :
ألا يا رسول الله أنت رجاؤنا |
|
وكنتَ بنا بَرّاً ولم تَكُ جافيا |
وكنت بنا بَرّاً رءوفاً نبيّنا |
|
لِيَبْكِ عليكَ اليوم مَن كان باكيا (١) |
إنّنا نستنتج من هذه المقطوعة الشعرية ـ الّتي أُنشدت على مسمع من الصحابة وسجّلها المؤرّخون وأصحاب السِّيَر ـ أمرين :
الأوّل : إنّ مخاطبة الأرواح ـ وبالخصوص مخاطبة رسول الله بعد وفاته ـ كان أمراً جائزاً وجارياً ، وقولها : «ألا يا رسول الله» لم يكن لغواً ولا شركاً كما تدّعي الوهّابيّة.
الثاني : إنّ قولها : «أنت رجاؤنا» يدلّ على أنّ النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ هو أمل المجتمع الإسلامي في كلّ العصور والأحوال ، ولم تنقطع الروابط والعلاقات معه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ حتّى بعد وفاته.
بعض ما كُتب في التوسّل
من المناسب أن نُشير إلى بعض الكتب القيّمة الّتي كتبها علماء أهل السُّنّة حول التوسّل بالنبيّ الأكرم ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وإنّ مطالعة هذه الكتب تكشف عن رأي علماء الإسلام في التوسّل بالأنبياء والأولياء ، وتؤكّد على أنّ التوسّل ـ على خلاف ما
__________________
(١) ذخائر العقبى للحافظ محبّ الدين الطبري : ٢٥٢ ؛ مجمع الزوائد : ٩ / ٣٦ ونشير إلى أنّ جملة «أنت رجاؤنا» في الشطر الأوّل جاءت في هذا المصدر هكذا : «كنت رجاءنا»
تدّعيه الوهّابيّة ـ كان أمراً متداولاً وسُنّة متَّبعة عند المسلمين طوال التاريخ :
١. كتاب الوفا بأحوال المصطفى : لابن الجوزي (المتوفّى سنة ٥٩٧ ه) وقد أفرد باباً حول التوسّل بالنبيّ وباباً حول الاستشفاء بقبره الشريف.
٢. مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام : تأليف محمد بن نعمان المالكي (المتوفّى سنة ٦٧٣ ه) ، وقد نقل السمهودي ـ في كتاب وفاء الوفا ، باب التوسّل بالنبيّ ـ عن هذا الكتاب نقلاً كثيراً.
٣. البيان والاختصار : لابن داود المالكي الشاذلي ، وقد ذكر فيه توسّل العلماء والصلحاء بالرسول الأكرم ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في المحن والأزمات.
٤. شفاء السقام : لتقيّ الدين السبكي (المتوفّى عام ٧٥٦ ه) وقد تحدّث عن التوسّل بالنبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بشكل تحليليّ رائع من ص ١٢٠ إلى ١٣٣.
٥. وفاء الوفا لأخبار دار المصطفى : للسيّد نور الدين السمهودي (المتوفّى سنة ٩١١ ه) وقد بحث عن التوسّل بحثاً واسعاً في الجزء الثاني من صفحة ٤١٣ إلى ٤١٩.
٦. المواهب اللدنيّة : لأبي العبّاس القسطلاني (المتوفّى سنة ٩٣٢ ه).
٧. شرح المواهب اللدنيّة : للزرقاني المالكي المصري (المتوفّى سنة ١١٢٢ ه) في الجزء الثامن ص ٣١٧.
٨. صلح الاخوان : للخالدي البغدادي (المتوفّى سنة ١٢٩٩ ه) وله أيضاً رسالة خاصّة في الردّ على الآلوسي حول موضوع التوسّل بالنبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وقد طُبعت الرسالة في سنة ١٣٠٦ ه.
٩. كنز المطالب : للعدوي الحمزاوي (المتوفّى سنة ١٣٠٣ ه).
١٠. فرقان القرآن : للعزامي الشافعي القضاعي ، وقد طُبع هذا الكتاب مع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي في ١٤٠ صفحة.
أيّها القارئ الكريم : إنّ مطالعة هذه الكتب ـ وخاصّة تلك التي تحدَّثت بالتفصيل عن التوسّل ، ويأتي كتاب صلح الاخوان وفرقان القرآن في طليعتها ـ إنّ مطالعة هذه الكتب يُثبت سيرة المسلمين ـ في كلّ عصر ومصر ـ في التوسّل بالنبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ويكشف عن ضلال ابن تيميّة وتلامذته وانحراف رأيهم وفساد عقيدتهم.
وفي الختام
في ختام هذا الفصل نقول ـ عوداً على بدء ـ : إنّ القرآن الكريم يصرّح بجواز التوسّل بأولياء الله تعالى ، بل يدعو إلى ذلك بقوله :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (١)
إنّ هذه الآية تدعو إلى اتّخاذ «الوسيلة» في كلّ المجالات بصورة عامّة.
والسؤال : ما هي «الوسيلة»؟
الجواب : لم تذكرها الآية الكريمة ، ولا شكّ أنّ أداء الفرائض الدينية هي من وسائل الفلاح والنجاة ، ولكن لا شكّ أيضاً أنّ «الوسيلة» غير منحصرة في ذلك ، بل ـ وبالاعتماد على سيرة المسلمين طوال التاريخ ـ إنّ من «الوسيلة» التوسّل بأولياء الله الصالحين ، وأنّه من وسائل الفوز والفلاح وقضاء الحوائج وتحقيق الآمال ، ويتجلّى هذا ـ بوضوح فيما ذكرنا من كلام إمام المالكية مع المنصور العبّاسي ، وتوسّل عمر بن الخطّاب بالعبّاس للاستسقاء وغير ذلك.
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً).
__________________
(١) المائدة : ٣٥.
الفصل الثامن :
النذر لأهل القبور
قبل كلّ شيء نذكر تعريفاً للنذر فنقول :
«النذر» إلزام الإنسان نفسه بأداء شيء معيّن إذا تحقّق هدفه وقُضيَتْ حاجته ، فيقول : لله عليّ أن ... (ويذكر نذره) إذا كان ... «ويذكر حاجته».
مثلاً يقول : لله عليّ أن أختم القُرآن إذا نَجَحتُ في الامتحانات الدِّراسيّة.
هذا هو النذر الشرعي ، ويجب أن يكون لله فقط ، فإذا قال الناذر : نذرتُ لفلان ، ففي قوله مَجازٌ ، والمعنى : نذرتُ لله على أن يكون ثوابه لفلان.
وثواب النذر يقع على ثلاثة أقسام :
١. أن يكون الثواب لنفس الإنسان الناذر.
٢. أن يكون لشخص حيّ.
٣. أن يكون لشخص ميّت.
فقد يُخصِّص الإنسان الناذر ثواب نذره لنفسه ، أو لشخص حيّ ـ واحداً كان أو أكثر ـ أو لشخص ميّت ـ واحداً كان أو أكثر ـ.
وهذه الأقسام الثلاثة كلّها جائزة ، ويجب على الناذر الوفاء بنذره إذا قُضيَتْ حاجته.
وقد مدح الله تعالى الإمام عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات الله
عليهم ـ وقال :
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ...). (١)
أيّها القارئ الكريم : إنّ النذر سُنَّة معروفة بين كافّة المسلمين في العالَم كلّه ، وخاصّة في البلاد الّتي تحتضن قبور أولياء الله وعباده الصالحين.
وقد تعارف بين المسلمين النذر لله وإهداء ثوابه لأحد أولياء الله وعباده الصالحين.
حتّى جاء «ابن تيميّة» فزعم حرمة ذلك وشنّ الهجوم على المسلمين وقال : «مَن نذر شيئاً للنبي أو غيره من النبيّين والأولياء من أهل القبور ، أو ذبح ذبيحة ، كان كالمشركين الذين يذبحون لأوثانهم وينذرون لها ، فهو عابدٌ لغير الله ، فيكون بذلك كافراً». (٢)
ثمّ جاء محمّد بن عبد الوهّاب ـ بعد أربعة قرون تقريباً ـ فجعل يتكلّم بكلام سلفه ، ويُحيي بِدَعه ومفترياته.
لقد جهلا ـ أو تجاهَلا ـ أنّ المقياس العام هو القصد والنيّة القلبيّة ـ ف «الأعمال بالنيّات».
إذا كان مجرّد العمل الظاهري دليلاً على النيّة ، فإنّ كثيراً من مناسك الحجّ وفرائضه تُشبِه ـ في ظاهرها ـ أعمال عَبَدة الأصنام ، فقد كانوا يطوفون حول أصنامهم ويقبّلونها ، ونحن نطوف حول الكعبة المشرّفة ونُقبّل الحجر الأسود ، ونذبح الذبائح ونقرّب القرابين في منى يوم عيد الأضحى ، فهل كفرنا وأشركنا بالله بأداء هذه المناسك؟!!
__________________
(١) الإنسان : ٧.
(٢) فرقان القرآن : ١٣٢ ، نقلاً عن ابن تيميّة.
إنّ المقياس هو النيّة القلبيّة ، ولا يصحّ التسرُّع في الحُكم وإصدار الفتوى لمجرّد عملٍ ظاهري.
إنّ كلّ من ينذر لأحد أولياء الله ، إنّما يقصد ـ في قلبه ـ النذر لله وإهداء الثواب لذلك الوليّ الصالح ، ليس إلّا.
ومن حسن الحظّ أنّ العلماء والمفكّرين ـ من الشيعة والسُّنّة ـ قد تصدّوا لأباطيل ابن تيميّة ونظائره.
فهذا الخالدي يردّ على ابن تيميّة ويقول :
«إنّ المسألة تدور مدار نيّات الناذرين ، وإنّما الأعمال بالنيّات ، فإن كان قصد الناذر ، الميّتَ نفسه والتقرّبَ إليه بذلك لم يجز ، قولاً واحداً ، وإن كان قصده وجه الله تعالى وانتفاع الأحياء ـ بوجهٍ من الوجوه ـ به وإهداء ثوابه للمنذور له ـ سواء عيّن وجهاً من وجوه الانتفاع ، أو أطلق القول فيه وكان هناك ما يطّرد الصرف فيه في عُرف الناس ، أو أقرباء الميّت ، أو نحو ذلك ـ ففي هذه الصورة يجب الوفاء بالنذور». (١)
ثمّ ذكر ما صرّح به علماء عصره ومن قارب عصره حول هذه المسألة.
وقال العزامي ـ في كتاب فرقان القرآن ـ :
«... ومَن استخبر حال من يفعل ذلك من المسلمين ، وجدهم لا يقصدون بذبائحهم ونذورهم للأموات ـ من الأنبياء والأولياء ـ إلّا الصدقة عنهم وجعل ثوابها إليهم ، وقد علموا أنّ إجماع أهل السُّنّة منعقد على أنّ صدقة الأحياء نافعة للأموات ، واصلة إليهم ، والأحاديث في ذلك صحيحة مشهورة.
فمنها : ما صحّ عن سعد أنّه سأل النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ «قال : يا نبيّ الله إنّ أُمّي قد
__________________
(١) صلح الإخوان : ١٠٢ وما بعده.
افتلتت (١) وأعلم أنّها لو عاشت لتصدَّقتْ ، أفإن تصدَّقتُ عنها أينفعها ذلك؟
قال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : نعم.
فسأل النبيّ : أي الصدقة أنفع يا رسول الله؟
قال : الماء.
فحفر بئراً وقال : هذه لأُمّ سعد. (٢)
لقد أخطأ محمّد بن عبد الوهّاب فادّعى أنّ المسلم إذا قال : هذه الصدقة للنبيّ أو للوليّ ، فاللام بنفسها هي اللام الموجودة في قولنا : «نذرتُ لله» يُراد منها الغاية ، فالعمل لله ، بينما لو قال : للنبيّ ، يريد بها الجهة التي يُصرف فيها الصدقة من مصالح النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في حياته ومماته.
وفي هذا الصّدد يقول العزامي ـ بعد ذكر قصة سعد ـ :
«اللام في «هذه لأُمّ سعد» هي اللام الداخلة على الجهة الّتي وُجّهت إليها الصدقة ، لا على المعبود المتقرّب إليه ، وهي كذلك في كلام المسلمين ، فهم سعديّون لا وثنيّون!
وهي كاللام في قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) لا كاللام في قوله سبحانه : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً ...) (٣) أو في قول القائل : صلّيتُ لله ونَذَرْتُ لله ، فإذا ذَبح للنبيّ أو الوليّ أو نَذَر الشيء له فهو لا يقصد إلّا أن يتصدّق بذلك عنه ، ويجعل ثوابه إليه ، فيكون من هدايا الأحياء للأموات المشروعة المثاب على إهدائها ، والمسألة ... مبسوطة في كتب الفقه وفي كتب الردّ على الرجل ومن شايعه». (٤)
__________________
(١) أي ماتت.
(٢) فرقان القرآن : ١٣٣.
(٣) آل عمران : ٣٥.
(٤) فرقان القرآن : ١٣٣.
وهكذا ظهر لك ـ أيّها القارئ ـ جواز النذر للأنبياء والأولياء ، من دون أن يكون فيه شائبة شرك ، فيُثاب به الناذر إن كان لله وذبح المنذور باسم الله ، فقول القائل «ذبحتُ للنبيّ» لا يريد أنّه ذبحه للنبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بل يريد أنّ الثواب له ، كقول القائل : «ذَبحتُ للضيف ، بمعنى أنّ النفع والفائدة له ، فهو السبب في حصول الذبح.
ويوضّح ذلك ما روي عن ثابت بن الضحّاك قال :
«نَذر رجلٌ على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أن ينحر إبلاً ب «بوانة» فأتى رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فأخبره ، فقال [النبيّ] :
هل كان فيها وَثَن يُعْبَدُ من أوثان الجاهلية؟
قالوا : لا.
قال : فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟
قالوا : لا.
قال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ للسائل : أوْفِ بنذرِكَ ، فإنّه لا وفاء لنَذْرٍ في معصية الله ، ولا فيما لا يَمْلِكُ ابنُ آدَم». (١)
وروي أيضاً :
«إنّ امرأة أتت النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فقالت : يا رسول الله ... إنّي نذرتُ أن أذبح بمكان كذا وكذا ـ مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية.
فقال النبي : ألصنم؟
قالت : لا.
قال : ألوَثَن؟
__________________
(١) سنن أبي داود : ٢ / ٨٠.
قالت : لا.
قال : في بِنَذْرِكِ». (١)
وعن ميمونة بنت كردم أنّ أباها قال لرسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ :
«يا رسول الله إنّي نذرتُ إن وُلد لي ذكر أن أنحر على رأس «بُوانة» ـ في عَقَبة من الثنايا ـ عدّة من الغنم.
قال «الراوي عنها» : لا أعلم إلّا أنّها قالت : خمسين.
فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : هل من الأوثان شيء؟
قال : لا.
قال : فأوفِ بما نذرتَ به لله ...». (٢)
أرأيت ـ أيّها القارئ ـ كيف يُكرّر النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ السؤال عن وجود الأصنام في المكان الّذي تذبح فيه الذبائح؟!
إنّ هذا دليل على أنّ النذر الحرام هو النذر للأصنام ، حيث كان ذلك عادة أهل الجاهلية ، كما قال تعالى :
(... وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ... ذلِكُمْ فِسْقٌ). (٣)
وكلّ من اطّلع على أحوال الزائرين للعتبات المقدَّسة ومراقد أولياء الله الصالحين يعلم جيّداً أنّهم ينذرون لله تعالى ولرضاه ، ويذبحون الذبائح باسمه عزوجل ، بهدف انتفاع صاحب القبر بثوابها ، وانتفاع الفقراء بلحومها.
وختاماً لهذا الفصل نذكر كلمة للخالدي ـ بعد أن ذكر ما رواه أبو داود في سننه ـ قال :
__________________
(١) سنن أبي داود : ٢ / ٨١.
(٢) سنن أبي داود : ٢ / ٨١.
(٣) المائدة : ٣.
«وأمّا استدلال الخوارج بهذا الحديث على عدم جواز النذر في أماكن الأنبياء والصالحين ، زاعمين أنّ الأنبياء والصالحين أوثان ـ والعياذ بالله ـ وأعياد من أعياد الجاهلية، فهو من ضلالاتهم وخرافاتهم وتجاسرهم على أنبياء الله وأوليائه ، حتّى سمّوهم أوثاناً ، وهنا غاية التحقير لهم ، خصوصاً الأنبياء ، فإنّ من انتقصهم ـ ولو بالكناية ـ يكفر ولا تُقبل توبته ـ في بعض الأقوال ـ وهؤلاء المخذلون بجهلهم يُسمّون التوسُّل بهم عبادة ويسمّونهم أوثاناً ، فلا عبرة بجهالة هؤلاء وضلالاتهم ، والله أعلم». (١)
__________________
(١) صلح الاخوان : ١٠٩.
الفصل التاسع :
تكريم مواليد أولياء الله ووفياتهم
هل تكريم مواليد أولياء الله ووفياتهم بدعة؟!
إنّ الوهّابيّة تدّعي حرمة ذلك ... فكأنّها تُضمر الحقد الدفين والعداء البغيض لأولياء الله وقادة الإسلام ، حيث إنّها تمنع من إقامة الاجتماعات في مواليدهم ووفياتهم.
يقول الوهّابي «محمّد حامد الفقي» رئيس جماعة «أنصار السُّنّة المحمّدية» ـ في حواشيه على كتاب الفتح المجيد ـ :
«الذكريات الّتي ملأت البلاد باسم الأولياء هي نوعٌ من العبادة لهم وتعظيمهم». (١)
إنّ العلّة الأساسية في كلّ هذه الانحرافات هي أنّ الوهّابيّين لم يُحدِّدوا معنى «التوحيد» و «الشِّرك» و «العبادة» حتّى الآن ، ولهذا فهم يعتبرون كلّ تكريم لأولياء الله عبادة لهم وشركاً بالله ، وقد قرأت أنّ المؤلّف الوهّابيّ خَبَط خبطة عشواء فَقَرن
__________________
(١) الفتح المجيد : ١٥٤ ، في هذه الأيّام الّتي أنشغل فيها بتأليف هذا الكتاب ، يحتفل المسلمون ـ في كافة البلاد الإسلامية ـ بميلاد خاتم الأنبياء ومنقذ البشرية النبيّ محمّد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وقد أفتى مفتي آل سعود «ابن باز» بحرمة الاحتفال بهذه المناسبة الكريمة واعتبرها بدعة ، ولكن هذا المفتي نفسه خاطب الملك فيصل ـ في فترة حكومته ـ ب «أمير المؤمنين» ممّا أثار السخط والاشمئزاز في الأوساط كلّها ، حتّى أنّ الملك نفسه أعرب عن عدم استحقاقه لهذا اللقب.
بين كلمتي «العبادة» و «التعظيم» وذكرهما بازاء الآخر ، ظنّاً منه أنّ المعنى فيهما واحد.
وإنّنا سوف نتحدّث عن العبادة ومفهومها ـ في فصلٍ خاص (١) ـ وسنبرهن على أنّ كلّ تكريم وتعظيم لأولياء الله ليس عبادة لهم أبداً. والحديث الآن حول جواز تكريم مواليد الأولياء ووفياتهم ، على ضوء القرآن الكريم.
ممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن الحكيم ذكر جمعاً من الأنبياء والأولياء بكلمات المدح والثناء والتجليل والاحترام فمثلاً :
١. يقول بالنسبة إلى النبيّ زكريا ويحيى وغيرهما :
(... إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ). (٢)
فإذا أُقيم حفل تكريمي لهؤلاء الأنبياء ووقف خطيب يتحدّث عنهم بمثل ما جاء في القرآن الكريم من كلمات المدح والثناء لهم ، وذكرهم بالتجليل والاحترام ، ... فهل ارتكب خطيئة بذلك ، سوى أنّه اقتدى بالقرآن الكريم؟!
٢. ويقول بالنسبة إلى أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ :
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً). (٣)
فإذا اجتمع شيعة الإمام عليّ أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ في يوم ميلاده الشريف ، وقال خطيبهم : إنّ هذا الإمام هو من أُولئك الّذين قدّموا طعامهم للمسكين واليتيم والأسير ، فهل هذا يعني أنّهم عبدوه؟!
وهكذا الحال بالنسبة إلى ميلاد رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فإذا أقمنا احتفالاً عظيماً يوم
__________________
(١) انظر الفصل الحادي عشر من فصول هذا الكتاب.
(٢) الأنبياء : ٩٠.
(٣) الإنسان : ٨.
ميلاده السعيد وتحدّثنا فيه عن الآيات القرآنية الّتي امتدحت النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أو ترجمناها من اللغة العربية إلى غيرها ـ حسب ما يقتضيه ذلك الحفل ـ أو ذكرنا معنى تلك الآيات في قوالب شعريّة ، أو ما شابه ذلك ، فلما ذا نكون عاصين بهذا العمل؟!!
إنّ الوهّابيّين هم أعداء تكريم الأنبياء والأولياء ، ويُلبسون عداءهم هذا بلباس الدين فيقولون : إنّ التكريم بدعة ، منعاً من إقامته بين المسلمين.
إنّ الاحتفال بذكرى الأولياء ـ بما أنّه يُقام باسم الإسلام ـ يجب أن يُقرّه الإسلام بنصٍّ خاصّ أو عامّ ، وإلّا فهو بدعة وحرام.
والجواب انّه لم يرد في الموضوع نصّ بالخصوص ولكن يكفي في الخروج عن البدعة ، الدليل العام الداعي إلى لزوم أو استحباب تكريم النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، ومن المعلوم انّ هذه الاحتفالات والمراسيم لا تقام إلّا «تكريماً» للأنبياء والأولياء فقط.
فالهدف من هذه المراسيم والاحتفالات ـ الّتي تُزاولها كافّة الشعوب في العالَم ـ ليس إلّا التكريم والتقدير للشخصيّات البارزة ، وأنّ هذه الاحتفالات متداولة لدى كافّة الشعوب الإسلامية ، باستثناء الشرذمة «النّجدية» المعقّدة فقط ، فلو كان هذا العمل بدعة وظاهرة جديدة ومخالفاً للشريعة الإسلامية لما كان علماء الإسلام ـ في الأقطار الإسلامية كلّها ـ يقيمون بأنفسهم هذه الاحتفالات ويشاركون فيها بإلقاء الكلمات والقصائد ، ممّا يزيد الاحتفال بهجة وحيويّة وفرحاً.
القرآن وتكريم الأنبياء والأولياء
والآن نذكر بعض الأدلّة من القرآن الكريم على جواز تكريم الأنبياء والأولياء فيما يلي:
الآية الأُولى :
إنّ القرآن الكريم يُشيد بجماعةٍ كرَّمت النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فيقول :
(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). (١)
إنّ الكلمات الّتي وردت في هذه الآية هي :
١. (آمَنُوا بِهِ).
٢. (عَزَّرُوهُ)
٣. (نَصَرُوهُ).
٤. (اتَّبَعُوا النُّورَ).
هل يحتمل أحد أن تكون هذه الكلمات والأوصاف خاصّة بزمن النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ؟!!
بالتأكيد : لا.
ومع انتفاء هذا الاحتمال قطعاً ، تكون كلمة (عَزَّرُوهُ) ـ الّتي هي بمعنى التكريم والتعظيم (٢) ـ عامّة لحياة النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وبعد وفاته ، فالله تعالى يريد أن يكون حبيبه المصطفى ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ معظَّماً مكرَّماً حتّى الأبد.
ونتساءل : أليست إقامة الاحتفالات في يوم ميلاد النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وبعثته ، وإلقاء الخُطَب والقصائد ، مصداقاً واضحاً لقوله تعالى : (عَزَّرُوهُ)؟!
يا للعجب!! إنّ الوهّابيّين يُعظّمون شخصيّاتهم وأُمراءهم أكبر تعظيم ، لكن يعتبرون تكريم وتعظيم النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أو منبره ومحرابه بدعة وشركاً!!
__________________
(١) الأعراف : ١٥٧.
(٢) راجع كتاب مفردات القرآن : للراغب ، مادة : عزر.
إنّ الوهّابيّة ـ بهذه العقائد الجافّة ـ تُشوّه سمعة الإسلام أمام الرأي العامّ العالمي ، وتعرِّفه ديناً عارياً عن كلّ عاطفة ، وفاقداً للمشاعر الإنسانية ، وناقصاً عن كلّ تكريم واحترام ، ورافضاً لتكريم عظمائه وقادته ، وبهذا تُنفِّر الناس من الإسلام وتتركهم في رفضٍ واشمئزازٍ منه.
تماماً ... بعكس الإسلام الّذي جعله الله ديناً سهلاً سمحاً يتجاوب مع الفطرة البشرية ويتماشى مع العاطفة الإنسانية ، ويجذب ـ بجماله وروعته ـ الشعوب والأُمم إلى اعتناقه.
الآية الثانية :
إنّ الوهّابيّة ـ الّتي تُعارض كلّ نوع من أنواع العزاء والبكاء على الشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله ما ذا تقول بشأن ما حصل للنبيّ يعقوب ـ عليهالسلام ـ؟!
إذا كان النبيّ الكريم (يعقوب) اليوم حيّاً يعيش بين أهالي «نجد» وأتباع محمّد بن عبد الوهّاب ، كيف كانوا يحكمون عليه؟!
لقد كان يعقوب ـ عليهالسلام ـ يبكي على فراق ولده يوسف ليلاً ونهاراً ، ويستفسر عنه ويترنَّم باسمه حتّى : (... ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ). (١)
وبالرغم من كلّ ما كان يعاني منه يعقوب من ابيضاض العين وحزن القلب وألم الفراق ، فإنّه لم ينس ابنه يوسف ، بل كان يزداد شوقاً إليه كلّما قرب الوصال واللقاء به ، حتّى أنّه شمّ ريح يوسف من مسافة بعيدة.
قال تعالى عن لسانه :
(إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ). (٢)
__________________
(١) يوسف : ٨٤.
(٢) يوسف : ٩٤.
فكيف تكون هذه المحبّة والمودَّة والتعبير عن العلاقة الشديدة بالمحبوب «يوسف» في حياته عملاً صحيحاً ومتّفقاً مع توحيد الله تعالى ، ولكنّها تنقلب بدعة وحراماً بعد وفاته؟!!
مع العلم أنّ فراق العزيز وموته يترك في القلب نيران الأسى والحزن والألم بصورة أكثر من فراقه في حياته.
واليوم ... إذا اجتمع المؤمنون ـ الذين يشبهون يعقوب في حزنه ـ في عزاء وليّ من أولياء الله ـ كالأئمّة الطاهرين الذين يشبهون يوسف في مصابه ، بل مصابهم أشدّ منه كثيراً ـ وأحيوا ذِكر ذلك الوليّ الصالح ، بالكلمات والخُطَب والقصائد ، وردّدوا سيرته وخُلُقه الكريم وخصاله الحميدة وسلوكه الطيّب ، ثمّ ذرفوا دموع العاطفة والحنان عليه ... فهل معنى هذا كلّه أنّهم عبدوا ذلك الولي؟!
قليلاً من التفكّر والموضوعية!
قليلاً من الفهم والمعرفة!
الآية الثالثة :
قال تعالى :
(... قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ...). (١)
ممّا لا شكّ فيه أنّ مودّة ذي القربى هي إحدى الفرائض الدينية الّتي نصّ عليها القرآن بكلّ صراحة. (٢) فلو أراد شخص أن يؤدّي هذا الواجب الديني ـ بعد أربعة عشر قرناً ـ فما ذا يجب أن يفعل والحال هذه؟!
أليس المطلوب أن «يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم»؟!
__________________
(١) الشورى : ٢٣.
(٢) لقد وردت عشرات الأحاديث عن النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في أنّ «القربى» في الآية هم أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ.