بلغة الفقيّة - ج ٢

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٥

عليه العوض شي‌ء والواجب شي‌ء آخر ، فلا يحتاج في الاستدلال عليه الى التمسك بعموم آية «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (١)

وأما النقض بجواز أخذ الوصي الأجر على عمل الوصاية مع وجوبه عليه عينا ، فلعله من قبيل الوكالة أو النيابة عن الموصى ، ولو بتنزيل الشارع له منزلته حيث لا يعلم بالوصية ، وقلنا بوجوب قبولها عليه أو دخوله فيما يتوقف عليه النظام أيضا لمسيس حاجة عموم الناس في أمورهم الى من يقوم مقامهم بعد موتهم ، ولو لا استحقاق الأجرة ولزوم العوض لاختل أمر الناس في وصاياهم.

هذا وأورد بعضهم على المشهور : النقض بالجهاد الواجب كفاية مع جواز النيابة فيه وأخذ الأجرة عليه ، حتى ان شيخنا في (الجواهر) نسبه الى ظاهر الفتاوى ، حيث قال : «بل ظاهر الفتاوى عدم الفرق في النائب بين كونه قادرا بنفسه على الغزو من دون حاجة الى الجعل وغيره ممن لم يكن قادرا ، ولا ينافي ذلك كونه واجبا على الأول بعد ان كان مخيرا بين فعله لنفسه وبين فعله عن غيره ، كما ان الجاعل مخير بين فعله بنفسه وبين النائب عنه ، ومن ذلك يعلم ما في تقييد بعضهم النائب في المسألة السابقة بكونه غير واجب الجهاد لفقره» انتهى.

وفيه ان المسلم عند الأصحاب ـ حتى ادعى الإجماع عليه كما في (المنتهى) وغيره ـ تخيير من وجب عليه الجهاد بين أن يجاهد بنفسه أو يستنيب غيره عنه ، وأما تخييره بين الجهاد لنفسه أو نيابته عن غيره فممنوع. وبعبارة أخرى

__________________

ينزل من ثدي الأم عند أول يوم من ولادتها ، بلون أصفر وبشكل لزج ، تسميه الأمهات (الصمغ) وقد اشتهر لدى الأطباء ـ قديما وحديثا ـ ان هذه المادة ضرورية للطفل في نشاطه وسلامته من الآفات الجسمية والعقلية

(١) سورة الطلاق آية : ٦.

٤١

من وجب عليه الجهاد له استنابة غيره ، وليس له أن يصير نائبا عن غيره ومبني الأول على عدم وجوب المباشرة وهو كذلك لكونه كفائيا ، والمقصود منه دفع العدو ، ومبني الثاني : جواز أخذ العوض على الواجب ولو كفاية وعدمه ، وهو غير جائز بناء على المشهور ، ولذا قيد جماعة كما اعترف به في (الجواهر) في النائب أن لا يكون ممن يجب عليه الجهاد كالمعسر والذمي ونحوهما ، بل صرح بذلك في (التحرير) و (والمنتهى) قال في الأول : «.. ولا يجوز لمن وجب عليه الجهاد ان يجاهد عن غيره بجعل ، فان فعل وقع عنه ووجب رد الجعل الى صاحبه» وقال في الثاني : «لا يجوز لمن وجب عليه الجهاد أن يجاهد عن غيره ، فان فعل وقع عنه ووجب رد الجعل الى صاحبه لأنه قد تعين عليه ، فلا يجوز أن ينوب عن غيره فيه كالحج» انتهى.

ومما ذكرنا يظهر لك مواقع النظر في كلام (الجواهر) (١)

__________________

(١) من مواقع النظر : نسبته جواز أخذ الأجرة على الجهاد الى ظاهر الفتاوى ـ مطلقا ـ مع ان المشهور عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب وان كان كفائيا نعم يجوز أخذ الأجرة عليه مع حاجته إليها لعسره وعدم تمكنه من الجهاد الا بما بذل له من الأجرة.

ومن مواقع النظر : قوله : «ولا ينافي ذلك (أي أخذ الجعل عليه) كونه واجبا على الأول (يعني به القادر بنفسه على الغزو والجهاد من دون حاجة الى جعل ليساره) بعد ان كان مخيرا بين فعله لنفسه وبين فعله عن غيره» ووجه النظر : أنه لم يثبت التخيير للقادر بين الجهاد لنفسه ، وبين فعله عن غيره. نعم الذي ثبت هو أن من وجب عليه الجهاد لقدرته عليه يتخير بين أن يجاهد بنفسه أو يستنيب غيره بان يجاهد عنه فيما إذا كان نائبه لم يجب

٤٢

والعجب من الفاضل الجواد في (شرح اللمعتين) حيث تفصى عن النقض بالجهاد بوقوع البذل على المقدمات الموصلة إلى الجهاد دون نفس الجهاد

__________________

عليه الجهاد بنفسه ولو وجوبا كفائيا فله استنابته بأجرة أو بمجرد طلبه منه الجهاد عنه.

ومنها : اشكاله على من قيد النائب بمن لم يجب عليه الجهاد لفقره :

هذا ولكن الظاهر انه لا ينبغي الإشكال في جواز أخذ الأجرة على الجهاد عن الغير ولو كان النائب ممن وجب عليه كفاية ، ولا موجب للتقييد بمن لم يجب عليه لإعساره بعد فرض قابليته للنيابة وعدم اشتراط المباشرة فيه ممن وجب عليه وعدم النيل على اشتراط كون النائب ممن لا يجب عليه الجهاد ولو كفاية سوى ما اشتهر من عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب مطلقا ولو كفاية.

وما ذكره سيدنا من تصريح العلامة (قده) بذلك في التحرير والمنتهى بقوله فيهما : «ولا يجوز لمن وجب عليه الجهاد ان يجاهد عن غيره بجعل فان فعل وقع عنه ووجب رد الجعل الى صاحبه».

غير واضح شموله لما وجب كفاية واحتماله الاختصاص بما وجب عليه عينا ، ويشهد لذلك تعليله في المنتهى بقوله (قده) : لأنه قد تعين عليه فلا يجوز أن ينوب عن غيره فيه كالحج ، فتأمل.

كما أن ما ذكره من التعليل لتخيير من وجب عليه الجهاد بين أن يجاهد بنفسه أو يستنيب غيره عنه بكونه كفائيا والمقصود منه دفع العدو.

صالح للتعليل به على عدم لزوم من وجب عليه الجهاد كفاية ـ أن يجاهد لنفسه ، بل له النيابة عن الغير وأخذ الأجرة عليها.

وبالجملة : لم يتضح الوجه في عدم جواز أخذ الأجرة على مطلق ما وجب على الشخص ولو كفاية ، نعم ما وجب عليه عينا عبادة كان أو غيرها ، فالوجه في عدم الجواز واضح كما ذكرناه.

٤٣

الواجب على الأجير ، وهو كما ترى.

هذا كله بالنسبة إلى أخذ الأجرة على الواجبات.

وأما المستحبات ، فما كان منها عبادة لا يجوز أخذ الأجرة عليها بناء على المنافاة بينها وبين الإخلاص ، وغير العبادة منها ، فلا مانع من أخذ الأجرة عليه حيث يكون مشتملا على منفعة يصح بذل المال بإزائها بحيث لا تعد المعاملة عليها من المعاملات السفهية وأكل المال معها أكلا بالباطل ، فيجوز أخذ الأجرة على تثليث الغسلات في غسل الميت وتكفينه بالقطع المستحبة ، بل والزيادة على القدر الواجب في حفر القبر ، أو يفصل في الأخير بين حصوله دفعة أو بالتدريج. والله العالم بحقاق الأمور.

٤٤

رسالة

في بيع المعاطاة

٤٥
٤٦

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة

(في المعاطاة التي كثر تعاطى عموم الناس في أغلب معاملاتهم بها)

ولنبدأ بنبذة من الكلام مما له ربط تام بالمقام ، وهي : انه هل للفظ في مورد العقود أثر مختص به بحيث لا يترتب إلا عليه ، أم لا؟ وعلى الأول فهل هو حصول الملك ، أو لزومه؟ وعلى التقديرين ، فهل المتوقف عليه هو مطلق اللفظ ، أو لفظ مخصوص وصيغة خاصة؟

اختلفت كلماتهم في ذلك : فبين من لم يعتبر اللفظ في ترتيب الأثر المقصود من البيع ، وهو لزوم الملك واكتفى في تحققه بالفعل المجرد عن الصيغة مطلقا ، وهو المنسوب الى المفيد في (المقنعة) وإطلاق كلامه المحكي عنه يوهم ذلك (١) وتبعه على ذلك المقدس الأردبيلي رحمه الله والفاضل الكاشاني والمحقق السبزواري.

__________________

(١) فإنه (قدس سره) قال على ما حكى عنه ـ : وينعقد البيع على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا وتراضيا بالبيع وتقابضا وافتراقا بالأبدان ، فإنه من المحتمل كونه في مقام بيان انعقاد أصل البيع وشرائطه صحة ولزوما فعدم ذكره لصيغة العقد من جملتها واعتبارها فيهما دليل على عدم الاعتبار أصلا لا في الصحة ولا في اللزوم.

ويمكن ان يكون تركه لذكر الصيغة إنكالا على وضوح اعتبارها فيه

٤٧

وبين قائل باعتباره فيه غير أنه لم يعتبر في اللفظ أن يكون بصيغة خاصة ، بل يكفي عنده مطلق اللفظ الدال على التراضي ، وهو المحكي في المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين وفي الحدائق ـ مع اختيار له ـ نسبه الى جماعة.

وبين قائل باعتبار الصيغة الخاصة في إفادة الملك أو لزومه وعليه فتعم المعاطاة كل ما كان بغير الصيغة الخاصة ، سواء كان التراضي مدلولا عليه بالفعل أو بالقول كما انه يختص على الثاني بما كان مدلولا عليه بالفعل دون القول ، ويدخل المدلول عليه بالقول في العقود القولية. ولعل مبني الاختلاف في ذلك ، هو أن يقال : ان البيع بعد ان لم يكن له حقيقة شرعية ولم برد نص من الشارع في معناه فان لم يتحقق له ـ مع ذلك ـ معنى في العرف أو في اللغة بحيث يتبادر منه عند الإطلاق ، فلا بد حينئذ في ترتب الأحكام الشرعية من الاقتصار على القدر المتيقن وتحققه بإيجاد كل ما هو محتمل اعتباره شطرا أو شرطا فيه ولعله الوجه في اعتبار المشهور الصيغة الخاصة في تحققه واعتبارهم فيه العربية والماضوية ، وتقديم الإيجاب على القبول والموالاة بينهما وغير ذلك.

وان قلنا بوجود معنى له في العرف أو اللغة بحيث يتبادر منه ذلك عند الإطلاق ، غير ان الشارع اعتبر في ترتب الأثر عليه شرطا اقتصر على ما علم اعتباره فيه شرعا بإجماع ونحوه ، وما شك في اعتباره وشرطيته فالأصل عدمه ، والمرجع فيه هو المفهوم العرفي لأنه بحكم المطلقات عند

__________________

كتركه في (المقنعة) على ما نقل اعتبار ذلك في النكاح والطلاق مع وضوح اعتبارها فيهما.

وبالجملة فالكلام المحكى عن المقنعة لم يكن واضح الدلالة على عدم اعتبار صيغة العقد في البيع صحة ولزوما كما نسب اليه ذلك.

٤٨

الشك في تقييدها ، ولعله محط نظر القائلين باعتبار كون الدال على التراضي مطلق القول دون لفظ مخصوص بناء على أن القدر الثابت اعتباره شرعا هو ذلك.

وان قلنا بعدم اعتبار شي‌ء فيه زائد على ما هو المتعارف عند العرف فلا بد من ترتب الأحكام الشرعية على ما يطلق عليه البيع عرفا ، الا ما ثبت النهي عنه شرعا كبيع الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة ولعله الوجه فيما اختاره المفيد (ره).

إذا عرفت ذلك فنقول : ثبوت معنى للبيع عند العرف العام بحيث يتبادر منه عند الإطلاق ويتعاطونه في معاملاتهم الجارية بينهم قديما وحديثا عند ارادة التمليك والتملك بعضهم مع بعض حتى ممن لم يتطرق سمعهم أغلب الأحكام الشرعية ـ مما لا شك فيه وإنكاره مكابرة ، فلا بد حينئذ من ملاحظة ثبوت مقدار ما اعتبره الشارع فيه على تقدير تحققه بالنسبة إلى ترتب الأثر عليه والقدر الثابت بالإجماع هو اعتبار القول الدال على التراضي صريحا فيه لقصور الأفعال عن الدلالة على المقاصد بخلاف الألفاظ ، ولان القول بكفاية الأفعال في اللزوم لم ينسب إلا الى المفيد منا وبعض العامة ، بل قد يتأمل في صحة النسبة اليه ، وان أوهمها إطلاق عبارته حيث قال في (المقنعة): «والبيع ينعقد على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا وتراضيا بالبيع وتقابضا وافترقا بالأبدان» لقوة احتمال إرادته من ذلك بيان الشرائط لصحة البيع ولزومه ، لا ان المراد تحققه بذلك من دون صيغة وان تركه لذكر الصيغة اتكال منه على معلومية اعتبارها فيه ، والمفروغية عنه كتركه المنقول عنه في الكتاب المزبور لاعتبار الصيغة في النكاح والطلاق المعلوم اعتبارها فيهما من غير خلاف ولذا قال في (المختلف): «وللمفيد قول يوهم الجوار» وساق كلامه المتقدم ، ثم قال : «وليس

٤٩

هذا تصريحا بصحته إلا انه موهم» بل يرشد الى ذلك ما في (كشف الرموز) للابى في باب الفضولي من نسبة اعتبار اللفظ المخصوص في البيع اليه ، والى الطوسي ، وان تبعه في هذا القول المقدس الأردبيلي في (مجمعه) والمحدث الكاشاني في (مفاتيحه) ونفى عنه البعد ـ بعد نقله ـ السبزواري في (كفايته) والنراقي في (مستنده) وان كان الأول منهم لم يعض عليه بضرس قاطع وان انتصر له واستدل عليه بأدلة كثيرة وبالغ في الانتصار له وقواه إلا انه مع ذلك قال بعد ذكره ان افادة اللزوم هو الظاهر من المفيد للأدلة التي ذكرها ما نصه : «ويحتمل عدم اللزوم لأن الأصل عدم اللزوم والملك أعم ولان الملك واللزوم متغايران وما كان ، وقد دلت الأدلة على حصول الأول وبقي الثاني على نفيه إذ لا دليل وما لزم من الأدلة المذكورة إلا الأول فتأمل» (١) بل ومال إليه في (المسالك) في موضعين ، وان استجود في الأول موافقة المشهور ، وقال في الموضع الثاني : «وما أحسنه وأمتن دليله ان لم ينعقد الإجماع على خلافه» (٢)

__________________

(١) لعله إشارة الى أن ما ذكر من الأدلة على حصول الملك بالمعاطاة إن تمت فاللزوم هو مقتضى الأصل فيه لا عدمه ، فان مقتضى الاستصحاب وبقاء ما كان : عدم خروج ما حصل بها من الملك بمجرد رجوع المالك الأول به ، وسيأتي توضيح : أن مقتضى الأصل في الملك اللزوم وان اختار سيدنا ـ قده ـ أصالة الجواز.

(٢) في شرح قول المصنف : الفصل الثاني في عقد البيع وشروطه وآدابه : العقد هو اللفظ الدال على نقل الملك الى مالك آخر بعوض معلوم ولا يكفي التفابض من غير لفظ وان حصل من الأمارات ما يدل على ارادة البيع انتهى.

قال في المسالك : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون

٥٠

قلت والظاهر : تحقق الإجماع ـ بقسميه ـ على خلافه إذ لم ينسب القول بكفاية الفعل في لزوم المعاطاة قبل الجماعة إلا الى المفيد الذي قد عرفت ما في النسبة اليه ، مع انه كما قبل مسبوق بالإجماع وملحوق به وان كان وقوع التعبير بنحو المشهور والمعروف ـ في كلام بعض ـ بل والأشهر والأكثر ـ في كلام بعض آخر ـ يعطى وجود قائل به غير المفيد ممن يعتد به

__________________

إجماعا ، غير أن ظاهر المفيد ـ رحمه الله ـ يدل على الاكتفاء في تحقق البيع بما دل على الرضا به من المتعاقدين إذا عرفاه وتقابضاه. وقد كان بعض مشايخنا المعاصرين يذهب الى ذلك أيضا ، لكن يشترط في الدال : كونه لفظا ، وإطلاق كلام المفيد أعم منه ، والنصوص المطلقة من الكتاب والسنة الدالة على حل البيع وانعقاده من غير تقييد بصيغة خاصة يدل على ذلك ، فانا لم نقف على دليل صريح في اعتبار لفظ معين ، غير أن الوقوف مع المشهور هو الأجود مع اعتضاده بأصالة بقاء ملك كل واحد بعوضه الى ان يعلم الناقل فلو وقع الاتفاق بينهما على البيع وعرف كل منهما رضاء الآخر بما يصير اليه من العوض المعين الجامع لشرائط البيع غير المخصوص لم يفد اللزوم إلخ.

ثم انه بعد ذلك في شرح قول المصنف : سواء كان في الحقير أو الخطير. قال في (المسالك) : رد به على بعض العامة حيث اكتفى بالمعاطاة في المحقرات وأقامها فيه مقام البيع : واختلفوا في تحديدها فقال بعضهم : ما لم يبلغ نصاب السرقة ، وأحالها آخرون على العرف كرطل خبز وغيره مما يعتاد فيه المعاطاة وهو تحكم ، والذي اختاره متأخر والشافعية وجميع المالكية انعقاد البيع بكل ما دل على التراضي وعده الناس بيعا ، وهو قريب من قول المفيد ، وشيخنا المتقدم : وما أحسنه وامتن دليله ان لم ينعقد الإجماع على خلافه.

٥١

إلا اني لم أجده منقولا عن غيره.

هذا مضافا الى الأصل المقرر بوجوه (١).

نعم لم يثبت عندنا إجماع على اعتبار الصيغة الخاصة ، وان كانت دعوى الشهرة عليه غير بعيدة.

وبالجملة القدر الثابت بالإجماع اعتباره في لزوم البيع ، هو كون الدال على التراضي لفظا ، واما اعتبار الصيغة الخاصة فلا دليل عليه ، وحينئذ فيقتضي الاكتفاء في اللزوم بمطلق ما دل على التراضي باللفظ كما عليه جمع

__________________

(١) يعني به أصالة عدم اللزوم بالمعاملة الحاصلة بالمعاطاة ، فإنه يمكن تقرير الأصل أولا باستصحاب بقاء العين المأخوذة بالمعاطاة على ملك المعطى وعدم خروجها عن ملكه بمجرد التعاطي ، وغاية ما يحصل به اباحة التصرف فيها ، وأما الملك فمقتضى الأصل عدم الحصول به وعليه فعدم اللزوم لعدم الملك.

ويمكن تقرير أصالة عدم اللزوم بناء على إفادتها الملك أيضا بتقريب أن مرجع اللزوم في الملك الى انقطاع علقة المالك الأول عنه بتاتا ، والجواز الى بقاء علقة للمالك الأول فيه وعليه فاذا انتقل الملك من المالك الأول الى الثاني بالمعاطاة وحصل الشك في كون الحاصل بها الملك اللازم أو الجائز ، فمقتضى الاستصحاب وأصالة بقاء علقة المالك الأول جواز الرجوع بها.

ويمكن تقرير أصالة عدم اللزوم بأن أصل الملكية ليس فيها إباء لجواز الرجوع بها للمالك الأول نعم ربما يكون فيها جهة شدة. وقوة بها يتحقق الإباء عن الرجوع للمالك الأول ، وهو منشأ اتصافها باللزوم والأصل عدمها عند الشك بوجودها.

هذا ولكن سيأتي أن المختار تبعا لشيخنا الأستاذ (قده) أصالة اللزوم في الملك ، ويأتي تقريب ذلك.

٥٢

من المتأخرين ، منهم صاحب (الحدائق) حاكيا عن جماعة من المحدثين وقد تقدم حكاية (المسالك) عن بعض مشايخه المعاصرين وهو لا يخلو من من قوة. ويؤيده بل يدل عليه قوله : (ص) «انما يحلل الكلام ويحرم الكلام» (١) فيرجع فيما دل عليه بغير الصيغة الخاصة من اللفظ الى عموم

__________________

(١) هذا الحصر إنما ذكر فيما رواه الشيخ في (التهذيب في باب النقد والنسيئة.) عن ابن أبي عمير عن يحيى ابن الحجاج عن خالد ابن الحجاج ، قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يجي‌ء فيقول : اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا؟ قال : أليس ان شاء ترك وان شاء أخذ قلت : بلى ، قال : لا بأس به ، إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام» انتهى ثم ان سيدنا (قده) لما استظهر تحقق الإجماع ـ بقسميه ـ على عدم لزوم المعاملة الحاصلة بالمعاطاة وأضاف إلى الإجماع أصالة عدم اللزوم بالوجوه المقررة المشار إليها في التعليقة السابقة ، قوي الاكتفاء في تحقق لزوم المعاملة بمطلق ما دل على التراضي من اللفظ ، نظرا منه الى أن القدر المتيقن من الإجماع على عدم لزوم المعاملة صورة خلوها من اللفظ ، وغايته اعتبار مطلق اللفظ في تحققه لا خصوص الصيغة الخاصة منه ، وأيد ما قواه من الاكتفاء بمطلق اللفظ بمفاد الحصر المذكور في الرواية المزبورة ، بل استفاد منه الدلالة على ذلك ، وحاصل ما ذكره من التوجيه لها ان خالدا لما سأل الإمام عليه السلام عن حكم المقاولة الخاصة بينه وبين الرجل بان يشتري خالد الثوب من مالكه ويشتريه الرجل منه على الربح المعين قال له الامام عليه السلام : أليس ان شاء ترك وان شاء أخذ ، يعني أليس الذي كان بينكما من الكلام والمقاولة مجرد مواعدة على اشتراء الثوب منك بربح كذا بعد ما تشتريه من مالكه ، ولم يكن الكلام التزاما فعليا يبيع الثوب منه واشترائه له قبل الشراء من مالكه؟ قال : بلى يعني : لم يكن اشتراء فعلي ، بل صرف

٥٣

«أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» «و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)» لكونه حينئذ منها كالعقد بالصيغة الخاصة ، وبه يخرج عن الأصل المتقدم.

اللهم إلا ان يقال ان اعتبار الشرط في الموضوع العرفي شرعا انما استفيد من دليل لبى ، وهو الإجماع المحصل من فتاوى الأصحاب على عدم كفاية الفعل في لزوم المعاطاة على اختلاف منهم في اعتبار الصيغة الخاصة أو كفاية مطلق القول ولكن المعتبر فيه لم يعلم خصوص أحدهما ، فيكون الشرط المعتبر من هذه الحيثية مجملا ، فيسري الإجمال الى العام المانع من

__________________

مواعدة على الشراء. فقال عليه السلام : لا بأس به ، إنما يحل الكلام ويحرم الكلام.

المراد على الظاهر : ان مجرد المقاولة والمراضاة على شراء ما تشتريه من مالكه بربح كذا لا يترتب عليه اثر من تحليل أو تحريم ، إنما المحلل والمحرم الكلام الذي ينشأ به بيع الثوب من مشتريه الثاني والمدار في التحليل والتحريم عليه فان كان الكلام المنشأ به بيع الثوب من المشتري الثاني صادرا من المشتري الأول له بعد اشترائه من مالكه الأول ، فالكلام محلل ، وان كان صادرا قبل اشترائه فالكلام المنشأ به البيع محرم ، إذ هو من مصاديق بيع العزر المنهي عنه ، فان مالكه قد لا يبيعه الثوب ، فالمبيع مجهول الحصول للمشتري ، والغرر فيه أعظم من الجهل بالمقدار.

وبمقتضى إطلاق محللية الكلام وعدم التقييد بصيغة خاصة منه وشمول عموم «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لما إذا كان إنشاء المعاملة بغير الصيغة الخاصة يثبت ما قواه المصنف (قده) أولا من الاكتفاء في لزوم المعاملة بمطلق ما دل على التراضي من اللفظ ، ويخرج به عن أصل عدم اللزوم المقرر لديه بالوجوه ، وان عدل عن ذلك أخيرا إلى أقوائية ما عليه المشهور من اعتبار الصيغة الخاصة في اللزوم بعد ذكره وجه العدول عنه.

٥٤

التمسك به في مورد الإجمال وان كان حجة في غيره ، ويساوي وجود العام المجمل في مورد الإجمال عدمه الذي قد عرفت ـ فيما تقدم ـ في مبني الاختلاف من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل حينئذ على القدر المتيقن وهو ما اشتمل على الصيغة الخاصة دون مطلق اللفظ. ولعله بل هو الوجه في اعتبار المشهور لها ، مع ان تحقق الموضوع العرفي وعموم «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» ونحوه بمري‌ء منهم ومنظر.

لا يقال : ان مرجع الإجمال حينئذ إلى الشك في تقييد القول بالصيغة الخاصة بعد معلومية اعتبار أصله وحينئذ فالأصل عدمه ، ومقتضاه الاكتفاء بمطلق القول.

لأن الشك فيما هو المجعول من الشرع لا في نفس الجعل منه وبعبارة أخرى : مآل الشك الى الترديد في كيفية الجعل الدائرة بين المتباينين دون الإطلاق والتقييد ، إذ لا معقد للإجماع حتى يؤخذ بإطلاقه عند الشك بعد ان كان الإجماع متصيدا من فتاويهم المختلفة في التعبير عما هو المعتبر في الموضوع العرفي فافهم. فاذا ما عليه المشهور من اعتبار الصيغة الخاصة في اللزوم هو الأقوى ، وعليه فالحصر في قوله «انما يحلل الكلام» إضافي

ثم ان المعاطاة ـ بعد ما عرفت موضوعها في الجملة : من أنها إما التعاطي بمجرد الفعل الدال على التراضي وأما التعاطي بمطلق ما دل عليه غير الصيغة الخاصة ، بناء على الاختلاف المتقدم ـ تتصور بحسب قصد المتعاطيين على وجوه أربعة ، ذكرها شيخنا في الجواهر : أحدها ـ قصد الإباحة بالأفعال ونحوها مصرحا بذلك ولو بالقرائن الدالة على إرادة الإباحة المطلقة. ثانيها ـ قصد البيع بذلك على ارادة النقل البيعي من غير تعرض للزوم وعدمه أو مع قصد عدمه ، ثالثها ـ ارادة التسليط المطلق المجرد عن قصدي الإباحة والتمليك بل يعطى للبقال شيئا ليتناول عوضه فيدفعه اليه. رابعها ـ قصد الملك المطلق

٥٥

والمعاوضة بالعينين من غير نظر الى عنوان البيع.

وهناك وجوه أخر يمكن تعقلها الا أن الأربعة المذكورة أصولها.

وجملة صورها ، هي انه : أما ان تكون المعاطاة يقصد التمليك من الجانبين أو الإباحة بالتصرف كذلك ، وكل منهما يتصور على وجهين ، أحدهما تمليك المعوض بتملك العوض على أن بكون المقابل لتمليك المعرض هو ملكية العوض كملكية الثمن في البيع من غير توقف على تمليك جديد. الثاني تمليك المعوض المقابل بتمليك العوض على أن يكون التمليك بإزاء التمليك كالهبة المعوضة ، فيتوقف تملك العوض على تمليك جديد له وفي الإباحة أيضا كذلك يتصور على وجهين : أحدهما ـ إباحة التصرف المعوض بالإباحة بالمعنى المصدري بمعنى كون العوض مباحا له. الثاني ـ الإباحة المقابلة بالإباحة بالمعنى الفعلي كالتمليك بإزاء تمليك جديد.

هذا مع تساوى القصد المتعلق بالمالين كالإباحة بالإباحة أو التمليك بالتمليك ومع فرض اختلافه كالإباحة بالتمليك أو التمليك بالإباحة ، فيتصور أيضا على أربع صور ، فالحاصل من المجموع صور ثمان ، ويزيد عليها لو ضمت إليها صور انقسام الإباحة إلى الكلية أو الجزئية لأن متعلقها : اما مطلق التصرف حتى التصرفات المتوقفة على الملك ، أو بعض التصرفات وهو غير المتوقف عليه كما هو أحد الأقوال في المعاطاة كما ستعرف وتزيد أيضا بملاحظة القسمين الأخيرين من التسليط المطلق ومطلق التمليك بناء على إمكان تحقق الأول وأعمية الثاني من البيع. وعليك بتصويرها ، إلا أن أغلبها بل عدا الأربعة المتقدمة منها محض فرض ومجرد تصوير عقلي.

وأما الصورة الثالثة من الأربعة المتقدمة ، وهي قصد التسليط المطلق فقد ناقش فيه شيخنا المرتضى في (المكاسب) بما يرجع محصله الى امتناع خلو الدافع في دفعه عن قصد عنوان من العناوين الخاصة.

٥٦

ووجهه ان التسليط الذي هو القدر المشترك بين الإباحة والتمليك بمنزلة الجنس فيمتنع عقلا تحققه في الخارج من غير فصل لان الجنس لا يتقوم الا بالفصل.

وقد يجاب عنه بان التسليط المجرد عن قيدي الإباحة والتمليك موضوع عرفي يمكن تحققه في العرف كدفع المغصوب ماله الى الغاصب من اللصوص وقطاع الطريق وغيرهما ، فان المالك في دفعه مسلط للغاصب على ماله من غير قصد منه الى كون التسليط بنحو الإباحة أو التمليك ، بل قد يقصد عدمهما لحصول الغرض من دفع الضرر عن نفسه بمجرد الدفع المجرد عن قصد شي‌ء زائد عليه ، وهو من الأمور الوجدانية ، ولعل إنكاره لا يخلو عن مكابرة.

وان أبيت ذلك فلا يمكنك التأبي عن إمكان وقوعه عند الغفلة عن العناوين الخاصة من التمليك والإباحة بأقسامهما بحيث لا يكون شي‌ء منها ملتفتا اليه وحينئذ فاما ان يتحقق التسليط بهذا الدفع أولا ، والثاني باطل لتحققه بالوجدان المغني عن اقامة البرهان والأول اما ان يتحقق معه الإباحة والتمليك أولا يتحقق شي‌ء منهما ، والأول باطل لعدم قصد شي‌ء منهما ، فتعين الثاني وهو المطلوب فلا يكون محالا كيف وأدل دليل على إمكان الشي‌ء وقوعه ، ومتى أمكن فرض وقوعه في صورة الغفلة أمكن ذلك في غيرها لعدم مانع الاستحالة ولزوم محذور تحقق الجنس بلا فصل ، يدفعه منع تحققه كذلك غير أن فصل التسليط المطلق أمر عدمي وهو عدم فصلى الإباحة والتمليك ، فهو كالمطلق المقيد بالإطلاق ، فللتسليط أقسام ثلاثة اثنان منها فصلهما أمر وجودي وهما الإباحة والتمليك ، والثالث فصله أمر عدمي والقدر المشترك بين الثلاثة وهو مطلق التسليط جنس لها كالمطلق المجرد عن جميع القيود حتى عن قيد الإطلاق ، وهو المعبر عنه بالماهية المرسلة

٥٧

المعراة عن جميع القيود التي ليست هي إلا هي.

هذا ويمكن الخدشة في الجواب المذكور بان يقال : التسليط المطلق ان كان اضطراريا كدفع المغصوب ماله الى الغاصب ، فنمنع صدق التسليط عليه ، بل هو من تسلط الغاصب بواسطة المغصوب منه دون تسليطه فان التسلط وان كان لازما للتسليط إلا أنه لازم أعم يجتمع معه مرة ويفترق عنه أخرى كما لو كان بدون واسطة المالك ، بل ولا بدرايته ، فدفع المغصوب منه واسطة لتسلط الغاصب وطور من أطوار تسلطه وليس هو إلا بمنزلة الآلة له لحصول غرضه من التسلط كالرشاء والغواص لإخراج المال من البئر أو البحر ، ومثله ما لو كان الدفع منه مع الغفلة عنه كدفع النائم الغافل عن نفس

الدفع ، وان كان اختياريا فلا بد وان يكون منبعثا عن ارادة فعلية مسببة عن تصوره وتصور ما يترتب عليه من المصلحة المحركة للميل والشوق المحرك لتلك الإرادة المحركة للأعضاء على العمل كما هو الشأن في صدور جميع الأفعال الاختيارية ، فلا ينفك ذلك التصور والملاحظة عن الجهة الباعثة عن كيفية مخصوصة من العناوين الخاصة ، وان وقعت الغفلة عنها عند العمل أو في أثنائه لأنها محفوظة في الخزانة تجري الأفعال على منوالها كما نشاهد من أنفسنا بالنسبة إلى أفعالنا الاختيارية الواقعة في الخارج من الغفلة في أثنائها أو عند ابتدائها بعد التشاغل بمقدماتها عن وجوه الفعل ومشخصاته ولذا اكتفينا بالاستدامة الحكمية في نية العبادات.

ومما ذكرنا يظهر الجواب عن النقض بالغفلة ، لأنها ان كانت عن نفس الدفع مع تحققه ، فكونه تسليطا ممنوع ، بل هو كدفع النائم من واسطة التسلط ، وان كانت الغفلة عن قصدي الإباحة والتمليك ، فهو جار على منوال ما في الخزانة مما أضمره من المشخصات عند وجود الداعي المحرك عليه ، فالفرق بين التسليط المطلق ومطلق التسليط ، هو أن الأول غير متحقق في

٥٨

الخارج لعدم تحقق الجنس بدون الفصل ، والثاني موجود بوجود أنواعه المتمايز بعضها عن بعض بالفصول نحو البيع والهبة والعارية وغير ذلك كالكلي الموجود في ضمن أفراده أو أنواعه ، فافهم هذا والمسألة بعد محتاجة إلى تأمل.

وأما الرابعة منها وهي قصد التمليك المطلق دون خصوص البيع ، فقد أورد عليه شيخنا المتقدم أيضا بقوله : «والثاني بما تقدم في تعريف البيع من أن التمليك بالعوض على وجه المبادلة هو مفهوم البيع لا غير» ومرجع كلامه الى منع أعمية التمليك المطلق اى تمليك العين بالعوض من مفهوم البيع حتى يمكن فيه فرض قصد غير النقل البيعي منه ويكون قسيما له.

قلت وأقصى ما يمكن ان يوجه به القول بالأعمية هو أحد أمرين.

الأول ـ دعوى اختصاص البيع بما كان التمليك حاصلا باللفظ ، فهو معاوضة خاصة وبعبارة أخرى : دعوى مدخلية اللفظ مطلقا أو الألفاظ الخاصة في تحقق مفهوم البيع ، فيكون التمليك بغيره تمليكا بغير البيع ومعاوضة مستقلة ، ومنه المعاطاة الممكن فيها حينئذ قصد التمليك البيعي منها أو قصد معاوضة مستقلة.

ويشهد له بل يدل عليه ما في (الغنية) من دعواه الإجماع على ان المعاطاة ليست ببيع.

وفيه ـ مع ان منع كون المعاطاة بيعا أول الكلام ، كيف والكركي في (جامعه) نسبه مرة إلى المعروف ، واخرى إلى الاتفاق ، وانه لا يحسن التقسيم مع كون النزاع صغرويا أيضا وانما يتجه بعد الفراغ عن ثبوت الصغرى وتحققها من الأعمية انه لا يتم على التقديرين ، لأن المعاطاة ان كانت بيعا فلا يكون قصده التمليك بها قسيما للنقل البيعي لتحققه بها قهرا إذ لا ينفك

٥٩

قصد التمليك فيها عن قصده ، وان لم تكن بيعا كانت معاوضة مستقلة قهرا من غير مدخلية للقصد فيها ، فلا يكون قصد نقل البيع قسما منها فتأمل.

مضافا الى ما يمكن ان يقال : ان الملكية وان اختلفت بالنوع اما بحسب اختلاف متعلقها من العين أو المنفعة ، واما بحسب المجانية والعوض أو غير ذلك الا ان النوع الخاص منها وهو تمليك العين بالعوض على وجه المبادلة لا تختلف ذاته وحقيقة معناه ، وان اختلفت أسباب تحققه بالفرض لأنه من الاختلاف في السبب الموجد والمسبب شي‌ء واحد واختلاف السبب لا يوجب اختلاف ذات المسبب ، نظير الحدث الأصغر الحاصل بأحد أسبابه : من النوم أو الريح أو الخارج من أحد السبيلين ، فان المسبب في جميع ذلك حقيقة واحد ، والاختلاف انما هو في السبب الموجد لها وحينئذ فلا تغاير في الملكية بين القصدين ، ولا تخالف بين المقصودين حتى يصلح أن يكون أحدهما قسيما للآخر ، فتأمل وهذا بخلاف قصد الإباحة والتمليك ، بل وقصدي الإباحة المطلقة أو الخاصة لتحقق المغايرة الذاتية في المقصود من ذلك.

الثاني ـ دعوى اختصاص البيع الذي من الأفعال التوليدية بين الاثنين بما إذا كان بالنسبة إلى أحدهما بنحو الأصالة ، وهو المعبر عنه بالبائع ، وبالنسبة إلى الآخر المعبر عنه بالمشتري بنحو التبعية ، لأن المشتري قابل لإيجاب البائع ، فكأنه تابع له في قبوله فعله.

توضيح ذلك : ان عقد البيع مركب إضافي من عقد ، وهو لغة الشد الوثيق بين الطرفين حقيقيين أو نسبيين كني به عن الربط بين شيئين الحاصل بقرار من المتعاقدين ، وبيع ومعناه لغة وعرفا تمليك عين بعوض على وجه المبادلة والمفاعلة في البدلية لاقتضاء المعاوضة بدلية كل من المرتبطين عن الآخر لأن البدلية مرة تكون من جانب واحد كضمان بدل التالف

٦٠