بلغة الفقيّة - ج ٢

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٥

محرما فالكلام حينئذ محلل إثباتا ومحرم نفيا كما هو الظاهر في تفسيره : وعلى التقديرين يستفاد منها المنع عن البيع قبل شرائه من المالك ، وصحيحة ابن

__________________

وبعنيها أربحك كذا وكذا؟ قال (ع) : لا بأس اشترها ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها» فإنه ـ مضافا الى أن ظاهر قول القائل : اشتر لي كذا وبعنيه : أنه طلب منه الاشتراء من الغير ثم البيع منه بعد الاشتراء والامام (ع) أجابه عن حكم ذلك بقوله : لا بأس ـ : أن الامام (ع) في مقام الجواب قال : ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها. فإنه (ع) دفعا لما ربما يتوهم السائل انه لا مانع من أجابه القائل ولو بان ببيعه العين قبل ان يشتريها من مالكها ثم يشتريها ويسلمها اليه ، فقال (ع) : لا بأس ان تجيبه الى ذلك ولكن لا تواجبه إلخ يعني (ع) لا تقل بعتك العين الكذائية قبل أن تقول لمالكها : بعينها فيقول : بعتكها أو يقول البائع ابتداء منه : بعتك العين الكذائية فتقول : اشتريتها. والحاصل : لا تبعها قبل أن تتملكها ـ فدلالة الجواب على فساد البيع قبل الشراء من المالك واضحة بالنسبة إلى السائل ، وهو يحيى ابن الحجاج ـ سواء أجاز البيع بعد تملكه المبيع باشترائه من مالكه أم لم يجزه ـ نعم الظاهر أن الامام ـ عليه السلام ـ ليس في مقام بيان حكم هذا البيع الفضولي بالنسبة إلى مالك العين الأصلي ، فيرجع في حكمه إلى سائر أدلة صحة البيع الفضولي مع اجازة المالك حال العقد : من العمومات مع إضافة دليل اعتبار طيب نفس المالك ، أو الأدلة الخاصة الدالة على الصحة مع اجازة المالك ، ومنها رواية خالد ابن الحجاج قال : «قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يجيئني ويقول : اشتر هذا الثوب أربحك كذا وكذا؟ فقال عليه السلام : أليس ان شاء أخذ وان شاء ترك؟ قلت : بلى قال (ع) : لا بأس به إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام». وقد ذكر شيخنا الأنصاري ـ قدس سره ـ احتمالات ثلاثة لقوله : «انما يحلل» إلخ أهل أظهرها هو الاحتمال الأخير يعني

٣٠١

مسلم قال : «سألته عن رجل أتاه رجل فقال له : ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو نسية ، فابتاعه الرجل من أجله؟ قال : ليس به بأس إنما يشتريه

__________________

ان الكلام الذي وقع قبل الشراء إن كان صرف مقاولة ومواعدة بينهما على أنه يشتريه منه بعد شرائه بربح كذا وكذا يحلل ، وان كان إنشاء بيع للثوب قبل اشترائه من مالكه فإنه محرم. وعلى كل فمقتضى إطلاق حرمة العقد سواء أجاز العقد بعد اشترائه للثوب أم لم يجز فساد البيع بالنسبة إلى العاقد وان أجاز بعد الشراء والكلام بالنسبة إلى مالك الثوب المبيع فضولا قبل اشترائه هو الكلام في الرواية السابقة وأن الامام عليه السلام ليس في مقام بيان الحكم بالنسبة اليه والمرجع سائر أدلة الفضولي ، ومنها : صحيحة ابن مسلم قال : «سألته عن رجل أتاه رجل فقال له : ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو نسيئة فابتاعه الرجل من أجله؟ قال : ليس به بأس ، انما يشتري منه بعد ما يملكه» والظاهر أن المتاع الذي طلب القائل ابتياعه له هو متاع معين والتنكير من السائل ، إذ من البعيد أن يقول شخص لآخر : ابتع لي متاعا اي متاع شئته لعلي أشتريه منك. كما ان الظاهر أنه متاع خارجي لا كلي في الذمة. وعلى كل فتعليل عدم البأس في الجواب بقوله : انما يشتريه منه بعد ما يملكه ، يدل على أن الاشتراء إذا كان قبل التملك والابتياع فيه بأس ، يعني ليس بصحيح. وبمضمونها ـ سؤالا وجوابا ـ صحيحة منصور ابن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام ومنها : صحيحة معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام يجيئني الرجل فيطلب منى الحرير فيقاولني عليه وأقاوله في الربح والأجل حتى نجتمع على شي‌ء ثم أذهب لأشتري الحرير فأدعوه إليه؟ فقال : أرأيت إن وجد هو مبيعا أحب إليه مما عندك أيستطيع أن يصرف اليه ويدعيك ، أو وجدت أنت ذلك أتستطيع أن تصرف عنه وتدعه؟ قلت : نعم ، قال : لا بأس» ،

٣٠٢

منه بعد ما يملكه ، وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : «في

__________________

وظاهر هذه الرواية أيضا كون الكلام الذي دار بينهما صرف مقاولة على الشراء منه بعد ما يشتري ولم يقع بينهما بيع وشراء فعلي.

ثم ان النهى في هذه الروايات يحتمل أن يكون إرشاديا إرفاقا بالمطلوب منه الشراء ثم البيع ، لا شرعيا مولويا وانه إرشاد للسائل بعدم بيع ما طلبه القائل قبل أن يشتري المتاع من صاحبه وجعل الكلام بينهما مجرد مساومة ومقاولة ، فإنه لو باعه قبل الشراء يلزمه اشتراء ما باعه بكل قيمة يسومها صاحب المتاع لأنه ملزم بشرائه وتسليمه من جهة البيع السابق وربما لا يكون ذلك من مصلحته نظرا الى كون الثمن الذي يشترى به المتاع أكثر من الثمن الذي باعه به ، وربما يدفع له شخص آخر غير صاحبه الذي قاوله على البيع ربحا يزيد على ربح المقاول بكثير فيخسر الزيادة لو باعه سابقا أو يكون بقاء المتاع عنده بعد الشراء أصلح من دفعه الى المشتري بالثمن الذي قاوله عليه أو نحو ذلك ، فيكون النهي من قبيل نهي الناصح لمن ينصحه فيقول له : لا تقيد نفسك بالبيع قبل الشراء ، بل اجعل نفسك في فسحة بمجرد مقاولة بينكما الى ان تشتري المتاع وترى رأيك ومصلحتك وعند ذلك بعه منه.

وهذا الاحتمال في عالم التصور ممكن ولعله اليه يرجع ما احتمله شيخنا الأنصاري ـ قدس سره ـ بل قواه : من أن الأخبار المذكورة ـ عامها وخاصها ـ أريد بها الكراهة مستشهدا على ذلك بأن كثيرا منها واردة في بيع الكلي وأنه لا يجوز بيع الكلي في الذمة ثم اشتراء بعض أفراده وتسليمه الى المشتري الأول والمذهب جوازه. ولعل تعبيره بأن كثيرا منها إلخ مبني على استفادته من صحيحة ابن مسلم ، وصحيحة منصور ابن حازم المعبر فيهما في السؤال عن قول القائل : ابتع لي متاعا أن المراد متاع كلي وقد

٣٠٣

رجل أمر رجلا ليشتري له متاعا فيشتريه منه؟ قال : لا بأس بذلك

__________________

ذكرنا أن التعبير في السؤال : ابتع لي متاعا ليس له ظهور الا في المتاع الشخصي نعم لا يبعد كون صحيحة معاوية بن عمار واردة في بيع الكلي وان المطلوب منه بيع كلي الحرير ، لكن لو سلمنا ظهورها في الكلي من حيث تعبيره بقوله : فيطلب منى الحرير ، وحمل البأس المفهوم من جواب الامام عليه السلام على الكراهة أو الإرشاد بالبيان الذي ذكرناه ، فلا نسلمه في باقي الروايات إذ كيف يمكن حمل قوله صلى الله عليه وآله : لا بيع الا فيما يملك ، وقوله (ع) : انما يحلل الكلام ويحرم الكلام ، على الكراهة أو الإرشاد.

وبالجملة فالاحتمال المذكور وما احتماله شيخنا الأنصاري ـ قدس سره ـ من الحمل على الكراهة خلاف الظاهر. والحمل على التقية أيضا خلاف الظاهر أو الأصل ، فيتعين كون النهي في الاخبار والبأس المفهوم منها أريد به الإرشاد الى أن البيع الواقع قبل الاشتراء فاسد لا يترتب عليه الأثر. وعليه فهل المستفاد منها ان البيع المذكور فاسد بقول مطلق حتى بالنسبة إلى المالك للعين فعلا فلا أثر لإجازته في تصحيح المعاوضة المذكورة ، أم أن غاية ما يستفاد منها فساد البيع وعدم ترتب الأثر عليه بالنسبة إلى البائع الفضولي وان إطلاقها ليس في مقام البيان بالنسبة إلى المالك الفعلي للعين؟ الظاهر هو الثاني خصوصا بقرينة سؤال السائل فيها حيث أنه انما يسأل عن صحة البيع بالنسبة إلى البائع ، وليس في مقام السؤال بالنسبة الى الى المالك أيضا ، فلا إطلاق في الجواب بالنسبة اليه. وعليه فالعقد المذكور له القابلية للإجازة من المالك الأصلي واستناده اليه بها ، انما الكلام في أن المستفاد من الاخبار هل هو فساد البيع قبل الشراء من مالك العين وعدم تأثيره بالنسبة إلى البائع الفضولي ما لم يجزه بعد الاشتراء من مالك العين

٣٠٤

انما البيع بعد ما يشتريه» وصحيحة معاوية بن عمار قال : «سألت

__________________

أما لو أجازه بعده فإنه يصح. وبعبارة أخرى : إن العقد المذكور كما له القابلية للتصحيح والاستناد الى المالك بإجازته كذلك له القابلية للاستناد إلى البائع بإجازته له بعد الاشتراء من مالك العين وخروجه عن الفضولية ، يظهر ذلك من شيخنا الأنصاري ـ قده ـ في بعض كلامه ، وان عدل عنه أخيرا بقوله : «اللهم إلا أن يقال : ان عدم ترتب جميع مقاصد المتعاقدين على عقد بمجرد إنشائه مع وقوعه مدلول ذلك العقد في نظر الشارع مقيدا بانضمام بعض الأمور اللاحقة كالقبض في الهبة والإجازة في الفضولي لا يوجب النهي إلا مجردا عن لحوق ذلك الشرط ـ الى ان يقول ـ : فالإنصاف أن ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع وعدم ترتب أثر الإنشاء المقصود منه مطلقا حتى مع الإجازة ، وأما صحته بالنسبة إلى المالك إذا أجاز فلان النهي راجع الى وقوع البيع المذكور للبائع فلا تعرض فيه لحال المالك إذا أجاز فيرجع فيه الى مسألة الفضولي ـ الى ان يقول بعد كلام له ـ : فالأقوى العمل بالروايات والفتوى بالمنع المذكور» ولكنه يقول بعد ذلك : «ثم ان الواجب على كل تقدير هو الاقتصار على مورد الروايات وهو ما لو باع لنفسه واشترى المشتري غير مترقب لإجازة المالك ولا لإجازة البائع إذا صار مالكا ـ الى أن يقول ـ : فحينئذ لو تبايعا على أن يكون العقد موقوفا على الإجازة فاتفقت من المالك أو من البائع بعد تملكه لم يدخل في مورد الاخبار» انتهى.

ولقائل أن يقول : بناء على ما هو المستفاد من ظاهر هذه الاخبار ـ عامها وخاصها ـ أن البيع قبل الاشتراء فاسد لا أثر له بالنسبة إلى البائع الفضولي وان اجازه بعد الاشتراء كما التزم به الشيخ ـ قدس سره ـ بقوله السابق (فالإنصاف) .. إلخ فما المراد بقوله بعد ذلك : فلو تبايعا على أن يكون

٣٠٥

أبا عبد الله (ع) : يجيئني الرجل فيطلب بيع الحرير وليس عندي شي‌ء

__________________

العقد موقوفا على الإجازة؟ فإن كان المراد مجرد قصدهما تعليق العقد على الإجازة فأي أثر لذلك مع فرض عدم وقوع البيع للبائع قبل التملك بالاشتراء من المالك وعدم ترتب أثر على إنشاء البيع حتى لو اجازة بعد الاشتراء.

والحاصل ان شيخنا الأنصاري بعد أن ذكر ان الإنصاف : ان ظاهر النهي في الروايات عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع وعدم ترتب الأثر عليه حتى مع إجازته بعد التملك يريد ان يضيق دائرة فساد البيع قبل الاشتراء بحسب ما استفاده من الروايات ويحصرها بصورة ما لو تبايع المتبايعان قاصدين تنجز النقل والانتقال وعدم الوقوف على شي‌ء بل وقع البيع على وجه يلزم البائع بعد البيع تحصيل المبيع وتسليمه الى المشتري. اما لو وقع البيع على وجه التعليق على الإجازة من المالك الأصلي أو المالك بعد الاشتراء منه أو تعليق لزومه على ذلك ، فلا يكون مشمولا للأخبار الناهية والقاعدة تقتضي جوازه ، فيقال له : ان كان المراد يتبايعهما على ان يكون العقد موقوفا على الإجازة مجرد تباينهما على ذلك في نفسهما بلا ذكر لذلك عند إنشاء العقد بنحو الاشتراط ، ففيه أن الدواعي والأغراض في باب المعاملات لا تكون منشأ لأثر. وأشكل من ذلك ما لو ذكراه في العقد بنحو الاشتراط إذ هو من قبيل التعليق في العقود المجتمع على بطلانه.

وبالجملة فالظاهر انه لا ينبغي الريب في عدم صحة بيع ما ليس يملكه البائع ثم اشترائه من مالكه وتسليمه المشتري منه بجميع اقسامه وصوره ـ منجزا كان البيع أم معلقا على الإجازة تعقبه اجازة منه للبيع أم لا ـ نعم لو اجازه مالكه الأصلي قبل اشترائه منه وكان البيع السابق له لا لنفس الفضولي صح البيع للمالك ، فيبطل بيعه الفضولي بعد إجازته البيع السابق بمعنى توقفه على إجازة المشتري الأول.

٣٠٦

فيقاولني عليه وأقاوله في الربح والأجل حتى نجتمع على شي‌ء ، ثم أذهب

__________________

فاصرار سيدنا الخال ـ قدس سره ـ على تصحيح المعاملة المذكورة إذا تعقبها إجازة من المالك الثاني بعد اشترائه من المالك الأول والقول بأن غاية ما يستفاد من الأخبار المذكورة عدم الصحة الفعلية لا الشأنية فيصح البيع مع اجازة المالك الثاني بعد الاشتراء كما يصح من المالك الأول لو أجاز البيع ، والحال ان إطلاق الاخبار المانعة من البيع قبل الاشتراء والحاكمة بعدم الصحة فيما لا يملك وشمولها لصورة تحقق الإجازة من البائع بعد الاشتراء غير قابل للتشكيك والمناقشة.

لم يتضح وجهه. وأما صحته من المالك الأول مع اجازة البيع فلما ذكرنا : من أن إطلاق الاخبار ليس في مقام البيان بالنسبة اليه ، وانما هي في مقام بيان حكم البائع الفضولي. وأما شيخنا الأنصاري ـ قدس سره ـ فلم يبت في المسألة بضرس قاطع ، فتارة يختار الصحة التأهلية ويحكم بكون البيع قابلاً للتصحيح بإجازة المالك الثاني بعد الاشتراء ، وأخرى يعدل عن ذلك ويحكم بدلالة الاخبار على عدم الصحة ولو مع الإجازة منه بعد الاشتراء وثالثة يضيق دائرة الحكم بالبطلان ويحصرها بصورة ما لو تبايعا قاصدين النقل والانتقال منجزا دون ما لو علقا البيع على الإجازة ، والأقوى بطلان جميع صور من باع ثم ملك وأجاز إلا صورة واحدة هي : ما لو باع الوارث مال مورثه للمورث ثم ورثه منه فأجاز فإنه يصح البيع المذكور بإجازته ، سواء قلنا بالنقل أو الكشف ، أما بناء على كون الإجازة ناقلة فهو من الوضوح بمكان فان البيع المذكور من الوارث نظرا لكونه لمورثه فهو قاصد للمعاوضة على حقيقتها ومن حيث انتقال المبيع إليه بالإرث فله اجازة البيع الواقع عليه فضولا حال كون المال لمورثه. وعليه فينتقل المبيع إلى المشترى ويدخل عوضه في ملك الوارث حال الإجازة. وكذا بناء على كونها

٣٠٧

لاشترى الحرير فأدعوه إليه فقال : أرأيت إن وجد هو مبيعا أحب إليه مما عندك أتستطيع أن تصرف اليه ويدعك ، أو وجدت أنت ذلك : أتستطيع أن تصرف عنه وتدعه؟ قلت : نعم قال : لا بأس».

والإنصاف أن هذه الأخبار ، وان كانت صريحة في المنع عن البيع قبل التملك إلا أنها محمولة على البيع الموجب لترتب الآثار عليه من الإلزام والالتزام بمضمونه بحيث للمشتري مطالبة الفضولي بما باعه والتزام الفضولي للشراء من المالك للدفع اليه وفاء لما التزم به كما لعله العادة الجارية عند العرف على وقوع هذا النحو من المعاملة ولو بقرينة قوله في رواية خالد : أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك ، وقوله في صحيحة معاوية : أرأيت إن وجد هو مبيعا .. إلخ ، النافيتين للبأس عما لم يكن فيه إلزام والتزام ، الدالتين بالمفهوم على ثبوته فيما كان كذلك وليس إلا البيع الموجب لترتب الآثار عليه بإرادة الصحة الفعلية منه دون الشأنية المبحوث عنها في المقام ، كيف والصحة التأهلية ثابتة للعقد بالنسبة إلى المالك لان البحث عنها هنا بعد البناء

__________________

كاشفة فإنها من الوارث تصحح العقد وتنفذه للمورث ، وبما انه وارثه فينتقل العوض إليه بالإرث ، نعم لو قصد الوارث بيع مال المورث لنفسه فحيث لم يقصد المعاوضة على حقيقتها بل قصد دخول العوض في ملكه بدلا عن ملك مورثه فالمعاملة المذكورة غير قابلة للتصحيح ، بالإجازة بل هي باطلة ، اللهم إلا إذا كان الوارث من الظلمة والغصاب المتغلبين الذين يرون ادعاء كون مال الغير مالا لهم فيوقع البيع عليه بما انه مالك له فهو لدى التحليل يبيع لمالك المبيع ويطبق ذلك على نفسه ادعاء ، فلغوية ادعائه لا تنافي كون البيع لمالك المبيع حقيقة وعليه فيمكن للوارث تصحيح البيع المذكور لمورثه بإجازته بعد انتقال المال إليه بالإرث ، فتأمل جيدا. وقد أطلنا الكلام في المقام والله تعالى هو العالم بالأحكام.

٣٠٨

على صحة الفضولي وعدم العبرة بقصد المنتقل عنه في حقيقة البيع كما عرفت والتبعيض في الصحة بالنسبة الى بعض دون بعض لا وجه له.

لكن رواية حسن بن زياد الطائي قال : «قلت لأبي عبد الله (ع) إني كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير إذن مولاي ثم أعتقني بعد ، فأجدد النكاح؟ فقال : علموا انك تزوجت؟ قلت : نعم ، فسكتوا ولم يقولوا لي شيئا ، قال : ذلك إقرار منهم ، أنت على نكاحك» ظاهرة بل صريحة ولو بمعونة السؤال عن علم السيد واستناد صحة النكاح والبقاء عليه الى سكوته مع علمه المنزل على إقراره ـ في بطلان عقده أولا ذلك ، وإلا لكان استناد ذلك الى إجازته حين أن ملك نفسه بالتحرير أولى لأن النكاح حينئذ صحيح على كل تقدير عند التحرير مطلقا أو مع أجازته من غير حاجة الى السؤال عن علم السيد وسكوته حتى يكون إقرارا منه.

إلا أنه يمكن الجواب عنه ، بأن سؤال السائل ـ وان وقع عن لزوم تجديد النكاح وعدمه وعدم التجديد وان كان معلولا لأحد أمرين اما الإقرار السابق أو التحرير اللاحق الموجب لصحته من حينه لا من حين العقد ـ الا أن فائدة السكوت مع العلم أتم لاستلزامه الصحة من حين العقد فالعدول عن بيان حكم المسؤول عنه إلى السؤال عما يستلزمه لو تحقق انما هو رجاء لتصحيح النكاح والوطء من حين العقد ، فإنه أتم فائدة وأعم نفعا.

هذا وعلى ما نزلنا عليه الأخبار المتقدمة ينزل كلام العلامة في (التذكرة) حيث أفتى في المسألة بالبطلان ، نافيا للخلاف فيه ، مستدلا عليه بنهي النبي (ص) عن بيع ما ليس عندك ، ولزوم الغرر ، حيث قال فيه :

«فروع ـ الى أن قال : الثالث ، لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ويمضى ليشتريها ويسلمها ، وبه قال الشافعي وأحمد ، ولا نعلم فيه خلافا ، لنهي النبي (ص) عن بيع ما ليس عندك ، ولاشتماله على الغرر فان صاحبها قد

٣٠٩

لا يبيعها وهو غير مالك لها ولا قادر على تسليمها» انتهى ، ضرورة أن كلامه لا ينطبق إلا على إرادة الصحة الفعلية من البيع وترتب الأثر عليه حتى يستلزم الغرر باحتمال تعذر التسليم لعدم رضاء صاحبها ، سيما وقد سبق منه في الرد على من استدل على بطلان الفضولي رأسا بعدم القدرة على التسليم : الجواب عنه بأن القدرة على التسليم من المالك موجودة ان اجازه فلو أراد بالصحة هنا الصحة التأهلية كان ما ذكره جوابا عن دليل خصمه ـ هنا ـ جوابا له عن دليله في المقام إذ القدرة له على التسليم حاصلة على تقدير تملكه كما ان القدرة على التسليم هناك حاصلة على تقدير اجازة المالك فالقدرة الفعلية منتفية في المقامين والتعليقية موجودة فيهما ولا يمكن التفكيك إلا بإرادة المنع عن الصحة الفعلية هنا والجواز على الصحة التأهلية هناك. ويشهد لذلك أيضا ما هو المحكي عنه في (المختلف) فراجع

وكيف كان فالأقوى في المسألة صحة عقد من باع ثم ملك بالصحة الشأنية التأهلية مطلقا من غير فرق بين ما لو باع لنفسه أو للمالك وبين من ملك العين بنقل أو انتقال بالإرث أو ملك التصرف كما لو باع مال الطفل عاميا ثم صار فقيها له الولاية عليه فأجاز لكن في لزوم البيع بمجرد التملك أو توقفه على الإجازة بعده قولان : اختار أولهما الفخر في (إيضاحه) ولعل وجهه دعوى اجتماع شروط الصحة من الطيب المنكشف : بالإنشاء القولي بالعقد مستمرا الى حصول الملك ولم يكن فاقدا من شروط التنجز إلا الملك المفروض حصوله بالتملك.

نعم لو زال الرضا قبله توقف على حدوثه بعده منكشفا : اما بالقول أو بالفعل ، فيكون التسليم على الأول تسليما وفائيا وعلى الثاني تسليما إجازيا ولا دليل على اعتبار مقارنة الرضا المنكشف للتملك بعد صحة استناد العقد اليه عند التملك بعد إنشائه الكاشف عن الطيب المستمر الى حين التملك

٣١٠

خصوصا فيما لو باع لنفسه فيدخل في عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ».

ومنه يعلم الجواب عما قيل في رده : من أن الرضا حين العقد لا يجدي لكونه من أجنبي غير مالك وعند التملك لا بد من انكشافه على تقدير تحققه إما بالقول أو بالفعل ، وهو وجيه من حيث كبرى القضية ، سيما في ما لو كان البيع لنفسه. وأما الصغرى وهي ثبوت الرضا مستمرا الى حين التملك المتوقف عليه اللزوم لو شك فيه فالأصل بقاؤه.

اللهم إلا أن يقال : انه من الأصل المثبت ، ومع ذلك كله فالأحوط ـ بل لعله الأقوى ـ قصد الإجازة بالدفع والتسليم بعد التملك لأن المقيد بالانكشاف قولا أو فعلا انما هو الرضاء المعتبر ، وحيث كان منكشفا لم يكن معتبرا وحيث صار معتبرا لم يكن منكشفا فلا بد من الكشف عنه حين كونه معتبرا وهو في زمان التملك فافهم.

ويلحق بالمسألة ما لو باع معتقدا أنه مال غيره ثم بان أنه مال نفسه لكن يتعين هنا التوقف بعد الكشف على الإجازة لعدم إحراز الرضا لو فرض العلم بكونه له ، بل هو في الحقيقة ليس من الفضولي موضوعا لأنه باع ما هو ملكه لكن مثله في الحكم من الصحة والتوقف على الإجازة نعم لو فرض تحقق الرضا منه حين الإنشاء بنقل البيع جزما غير أنه اقترن بخطاء معتقده للواقع أمكن جريان الكلام المتقدم في لزومه بمجرد الانكشاف ، بل هنا أولى لأنه باع ما هو ملكه ، بل يمكن فيه دعوى اللزوم من حين العقد وينكشف له عند الانكشاف بل لعله هو الأقوى. وفي إلحاق العتق ونحوه من الإيقاعات بالعقود في هذه المسألة في الحكم من الصحة والتوقف على الإجازة وجهان : مبنيان على جري الفضولي في الإيقاعات وعدمه ، وقد تقدم الكلام فيه مستوفى فلاحظ.

٣١١

فظهر مما ذكرنا سابقا ولا حقا : أن قصد ما ليس من مقومات البيع لا يقدح بصحته مخالفته للواقع غير أنه يتوقف على الرضا بالواقع بعد انكشاف مخالفة المعتقد له ان كان مما يقبل التوقيف عليه والا بطل رأسا كالإيقاعات بناء على عدم جريان الفضولي فيها أو فيما لا يقبل منها بإجماع ونحوه ، فلو باع مال نفسه معتقدا للغير فضولا عنه لو باع مال غيره معتقدا لنفسه صح فيهما وتوقف على إجازته في الأول واجازة المالك في الثاني بعد الانكشاف أو أعتق مملوكه بظن انه مملوك الغير فضولا بل ولو أعتقه عن نفسه كما لو دفع اليه الغاصب مع جهله ، وقال : خذ عبدي وأعتقه عنك ، فأعتقه عن نفسه ثم انكشف انه مملوكه ، بطل العتق رأسا لعدم الطيب في الواقع أو توقف على أجازته بعد الكشف إن قلنا بالفضولي في الإيقاعات. ومنه يعلم أنه لو اذن المالك بالتصرف في ملكه معقدا أنه لغيره لا يصح للمأذون العالم بالكيفية التصرف فيه بتلك الاذن لعدم إحرازه على تقدير العلم به بل لو أذن المالك بالتصرف في ملكه معتقدا انه صديقه لم يجز للمأذون التصرف فيه مع كونه عدوا لتقييد الاذن له بالعنوان المشتبه في تطبيقه عليه فيدور مداره واقعا ، فلا اذن مع التخلف. وذلك كله واضح ، وان تأمل بعض في بعضها (١)

__________________

(١) يمكن أن يفرق بين ما لو أذن المالك لأحد في التصرف في ملكه معتقدا أنه لغيره ، وبين ما لو أذن لشخص بالتصرف في ملكه معتقدا أنه صديقه مع كونه عدوا له في الواقع ، فيقال : ليس للمأذون التصرف في الصورة الأولى مع علمه بالكيفية وأنه إنما أذن له بالتصرف لاعتقاده أن المال لغيره ، فان دليل : عدم حل التصرف في مال المسلم إلا بطيب نفسه إنما يقتضي جواز التصرف في مال الغير إذا طابت نفسه ورضي بالتصرف فيه بما أنه مال له ، ولا يكفي في ذلك مجرد كون المال المأذون بالتصرف

٣١٢

هذا تمام الكلام في موضوع الإجازة وشروط تأثيرها وأما حكمها من حيث كونها ناقلة من حينها أو كاشفة عن النقل من حين العقد ، فقد اختلفت كلماتهم في ذلك على قولين فعن الأشهر ـ بل المشهور ـ أنها كاشفة وعن غير واحد ـ ومنهم كاشف الرموز والفخر في الإيضاح وكاشف اللثام في النكاح وقواه في مجمع الفائدة أنها ناقلة.

وأحسن ما استدل به للأول هو ان الإجازة متعلقة بالعقد فهي رضا بمضمونه وإمضاء له وليس مضمونه إلا نقل العوضين من. حينه ورد بما يرجع

__________________

فيه مالا له واقعا ما لم يكن عالما بكونه له ، وبعبارة أخرى : إن الحيثية هنا تقييدية والاذن من المالك في هذه الصورة بالتصرف في المال انما كان بما أنه مال الغير لا بما أنه ماله ، فمن جعل متاعا أو طعاما عند الغير ليقدمه إليه إذا حضر ، فقدم له الغير متاعا من أمتعته أو طعاما منه معتقدا أنه هو ذلك المتاع أو الطعام المجعول عنده ليقدمه إليه إذا حضر ، فلا يجوز له مع علمه باشتباه المقدم التصرف فيه والتناول منه بملاك : طيب نفس المالك به ، وهو واضح.

إنما الكلام في الصورة الثانية وهي ما لو أذن شخص لآخر بالتصرف في ماله معتقدا أنه صديقه ، وكان عدوا له واقعا ، قيل حيثية الصداقة هنا أيضا تقييدية ، فهو بمنزلة أن يقول له : كل هذا الطعام ، أو تصرف في هذا المتاع إن كنت صديقا لي ، فلا يصح له التصرف مع عدم اتصافه بالصداقة بل بضدها ، فتتحد المسألتان في الملاك والحكم ـ كما يظهر ذلك من سيدنا قدس سره ـ أو ان حيثية الصداقة تعليلية بمعنى كونها من قبيل الداعي لإذن المالك بالتصرف ، فلا يضر تخلفها بجواز التصرف للمأذون ، فمن ذبح شاة وطبخها وهيأ طعاما بداعي أن يدعو لها جماعة من المحتاجين فاعتقد بشخص أنه محتاج فدعاه الى طعامه ، وأذن له بالتناول منه والأكل في حين أن المدعو يعلم بأنه ليس منهم وأن المالك مشتبه في اعتقاده أنه

٣١٣

ملخصه الى منع كون زمان العقد قيدا للنقل ومندرجا في مضمونه حتى يكون إمضاؤه إمضاء للنقل من حينه وانما الزمان من ضروريات الإنشاء وظرف له بل مضمون العقد ليس الا مجرد النقل. وترتب الملك عليه جامعا للشرائط انما هو لاقتضاء وجود السبب وجود مسببه والا لاقتضى القبول الملك من حين الإيجاب إذ ليس القبول الا قبول مضمون الإيجاب الذي هو التمليك من حينه وكون العقد مركبا منهما لا يجدي فارقا بينهما بعد جعل ما ذكر ملاكا لزمان الملك. وفيه أن الزمان وان لم يكن مأخوذا على وجه القيدية في النقل إلا أن الإنشاء وان كان من الفضولي يحدث ربطا بين العينين ولو في الجملة المنتزعة منه اضافة كل منهما الى من وقع

__________________

محتاج ، لا يبعد القول بجواز تناوله من ذلك الطعام وعدم ضمانه لما أكله. نعم لو صرح المالك بأن طعامه مباح لمن اتصف بالعنوان الكذائي ـ أي الاحتياج ـ أو أن ذلك الطعام كان منذورا للمحتاجين ـ مثلا ـ لا يجوز لغير المحتاج التناول منه مع علمه بذلك وأن المالك مشتبه في اعتقاده.

والحاصل : يمكن أن يدعى الفرق : بين ما لو صرح المالك في مقام الاذن بالتصرف في ماله بأن المأذون من اتصف بالعنوان الكذائي ، فلا يجوز لمن لم يتصف بذلك العنوان واقعا التصرف بذلك المال ، وبين ما لو اذن المالك لشخص خاص بالتصرف بما له معتقدا بأنه متصف بذلك العنوان وكان ذلك الشخص غير متصف به مع علمه بأن المالك إنما دعاه وأذن له في التصرف لاعتقاده فيه الصداقة ـ مثلا ـ فيمكن أن يقال : إنه يجوز له التصرف وان اعتقاد المالك تعنونه بذلك العنوان داع وباعث لإذنه بالتصرف ولا اعتبار بتخلف الداعي في العقود ـ عهدية كانت أم اذنية ـ وكذا الإيقاعات ، بخلاف ما إذا كان المدعو والمأذون ذا العنوان فان المقيد ينتفي بانتفاء قيده.

٣١٤

له العقد عرفا ولو ضعيفة لم يترتب عليه أثر في الشرع ، وهذا القدر من الربط والإضافة اثر للإنشاء ولو كان المنشئ أجنبيا : وهذا هو المراد من قولهم بصحة الفضولي بالصحة التأهلية ، واستدلال بعضهم على بطلانه رأسا بأنه تصرف في مال الغير كما تقدم بتوضيح منا وإلا فمجرد الأهلية ومحض القابلية لعروض المبادلة بين العينين حاصل قبل الإنشاء أيضا ، إذ ليس الكلام فيه فيما لا قابلية له كبيع مالا يملك من الخمر والخنزير ونحوهما فاذا حدث ربط البدلية والإضافة المنتزعة منه بالإنشاء وعند وقوعه وحصل الإمضاء من المالك له كان ذلك تصحيحا منه لذلك الأثر وتتميما منه للسبب المنتج للصحة من حينه ، فالتصحيح وان كان حادثا بالإجازة إلا ان الصحة متعلقة بالأثر السابق الحادث بالعقد لأنه أمر مجعول شرعي يدور مدار كيفية جعله واعتباره.

وبالجملة فالإجازة محدثة للتأثير في العقد السابق وجاعلته سببا تاما حتى كأنه وقع مؤثرا ، أو للتأثير في أثره الحادث من حينه حتى كأنه وقع الربط قويا موجبا لترتب الأثر عليه وان لم تكن الإجازة بهذا المعنى شرطا اصطلاحيا ليؤخذ فيه تقدمه على المشروط ولا جزء سبب وحينئذ فالتأثير وان كان حادثا بالإجازة ويحدث بحدوثه الملك إلا أنه ينبسط بحدوثه الى حين العقد الذي هو منتهى الانبساط من طرف السابق وحرف الابتداء في قولهم : من حين العقد لبيان مبدء الطرف لا مبدء الحدوث ، فان زمان الإجازة مبدؤه وحين العقد منتهاه وبملاحظة الانبساط المذكور عبر عنها بالكاشفة وامتاز القول : بها عن القول بكونها ناقلة لعدم الانبساط فيه إلا في الطرف اللاحق. وبذلك يظهر الوجه في عدم جواز التصرف فيه قبل الإجازة لعدم الملكية قبلها في الواقع وان علم لحوق الإجازة بأخبار معصوم ونحوه كما التزم به بعض بناء منه على أن الإجازة بنفسها ليست شرطا بل الشرط

٣١٥

هو كون العقد ملحوقا بها وهو شرط مقارن للعقد موصوف به حين وقوعه وانما الإجازة محققة لوصف العقد وشرط للعلم باتصافه به كما ستعرف.

هذا ولكن الوجه المذكور ان تم فإنما يتم بالنسبة إلى خصوص كشف الإجازة عن صحة عقد الفضولي دون كشف سائر الشروط المتأخرة عن صحة مشروطاتها المتقدمة عليها الواقعة كثيرا في تضاعيف أبواب الفقه من العبادات والمعاملات. وبهذا التقرير اتضح لك صحة الاستدلال على كون الإجازة مؤثرة كذلك بعموم «(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)» المتوجه نحو المالك المجيز بعد استناد العقد إليه بالإجازة وتنزيل إنشاء الفضولي منزلة إنشائه بل رضاء العاقد الفضولي المدلول عليه بإنشائه منزلة رضاه حتى كأن رضا العاقد المقارن للإنشاء بعد التنزيل رضا المالك الموجب لسببية العقد وتأثيره عنده مجردا عن ملاحظة قبلية الزمان حتى عن لحاظ ظرفيته ولا يقدح بذلك تبعية الملك للتكليف بالوفاء المتوجه نحو المالك حين الإجازة بعد ما عرفت من الانبساط المذكور.

هذا ولكن مع ذلك كله لو سلم سلامة الوجه بهذا التقرير عن محذور تقدم المشروط على شرطه أو المسبب على جزء سببه فلا يكاد يسلم كما قيل عن محذور كون العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير بل لا فرق في الاستحالة بين كونه على صفة عدم التأثير أو عدم كونه على صفة التأثير لاستحالة خروج الشي‌ء عما وقع عليه اللهم إلا ان يرجع بعد قيام الدليل عليه الى الكشف الحكمي من لزوم ترتيب آثار الملك عليه من حين العقد لا نفس الملك وهو قول آخر في المسألة كما ستعرف.

هذا كله بناء على تصحيح الكشف الحقيقي مع كون الإجازة المتأخرة بنفسها شرطا وقيل في تصحيحه لذلك لكن بجعل الشرط كون العقد معقبا بالإجازة وملحوقا بها وهو شرط مقارن للعقد ولحوق الإجازة انما هو شرط

٣١٦

للعلم بتحقق الشرط المقارن فحال العقد في كونه ملحوقا بها في الواقع أولا مستور غير معلوم في مرحلة الظاهر تنكشف واقعيته بالإجازة وعدمها.

ويتضح بهذا الوجه حال كل ما ورد في الشرع من الشرط المتأخر بإرجاعه إلى شرطية الوصف المقارن المنتزع من المتأخر بوصف كونه متأخرا فيكون وجوده كاشفا عن تحقق الوصف العنواني في الواقع المقارن للمشروط به في الزمان فالإجازة تكشف عن سبق تحقق العنوان المشروط به العقد ويكفي في المنع عن التصرف قبلها عدم إحراز شرط الصحة فضلا عن كونه مقتضى الأصل أيضا.

وأما النماء فحيث يدور مدار ملك العين في الواقع كان نماء المبيع للمشتري ونماء الثمن المعين للبائع تبعا لملكية العين فيهما من حين العقد.

نعم يلزم على هذا الوجه جواز التصرف قبل الانكشاف مع العلم به بأخبار معصوم ونحوه كما التزم به بعض مع أن المشهور على المنع عن التصرف ، بل لعل الإجماع محكي عليه إلا أن ينزل إطلاق كلامهم على الغالب من الجهل بالواقع أو يلتزم به ان تم الإجماع عليه وان لزم التفكيك بين الملك وحكمه من جواز التصرف بعد اقتضاء الدليل ذلك كالرهن المملوك للراهن الممنوع عن التصرف فيه والمحجور عليه الممنوع عن التصرف في ملكه.

اللهم إلا أن يفرق بينهما بوجود المانع عن التصرف في ذلك من تعلق حق الغير به ونحوه لا لعدم اقتضاء الملك لذلك كما في المقام.

ولكن قد يخدش الوجه المذكور بان الوصف العنواني أمر منتزع من المتأخر ، والأمور الانتزاعية حيث لا واقعية ولا تحقق لها الا بواقعية منشأ انتزاعها وتحققه كانت بنفسها غير قابلة للمداخلة في التأثير ، بل لا بد ان يكون مداخلتها بمنشإ انتزاعها والمفروض عدم مقارنته فالمحذور على حاله.

إلا أنه يمكن الجواب عنه بأن الانتزاعي وهو وصف التعقب انما

٣١٧

هو منتزع عن بعدية الإجازة لا عن الإجازة نفسها والبعدية صادقة بمجرد عدم اقترانها بالعقد بعد فرض لحوقها به فالمنتزع وعنوان منشأ الانتزاع معا مقترنان بالعقد ، وهذا القدر كاف في مداخلته في تأثير العقد.

توضيح ذلك : ان الأمر الإضافي : تارة يكون منتزعا من متضايفين متحدين في الوجود زمانا ، وأخرى يكون منتزعا منهما مرتبين فيه بحيث يكون أحدهما مقدما والآخر مؤخرا في الزمان. وبعبارة أخرى منتزع من وجود فعلي ومعدوم يوجد في زمان متأخر ويصح اتصاف الأول من حين وجوده بالتقدم ونحوه من الأوصاف المنتزعة كذلك كالسابقية والملحوقية قبل وجود المتأخر لكونه منتزعا من كونه سيوجد لا مما هو موجود ووجوده حينئذ كاشف عن صحة الاتصاف لا شرط لنفسه والحكم مترتب على الأول من حيث كونه متصفا بالصفة المذكورة من التعقب والملحوقية المأخوذة في مفهومهما تأخر المتأخر ، فالصفة المذكورة موجودة في الواقع والاتصاف بها محقق كذلك لكونها منتزعة من أمر سيوجد لا من أمر موجود. وهذا القدر كاف في إمكان مداخلة الأمر الانتزاعي في التأثير من حين انتزاعه كذلك.

وهذا الوجه للتخلص عن محذور ما ورد في الشرع من الشرط المتأخر بظاهره عندي أحسن الوجوه المذكورة لذلك بل هو المتعين ولعله اليه يرجع ما هو المحكي عن تقريرات شيخنا المرتضى ـ قدس سره ـ في تصحيح الشرط المتأخر : من أن الشرط في هذه الموارد ليس بمتأخر ، بل المتأخر بوصف تأخره جعل شرطا ومعه لا تأخر للشرط فيها. فلا يحتاج في التخلص عنه الى ما تكلف له بعض فضلاء المعاصرين : من أن الشرط في هذه الموارد ليس المتقدم أو المتأخر بوجودهما الكوني الزماني كي يلزم المحذور بل بوجودهما الدهري المثالي وهما بهذا الوجود لا يكونان إلا مقارنين للمشروط فان المتفرقات

٣١٨

في سلسلة الزمان مجتمعات في وعاء الدهر.

وكيف كان فالكلام الى هنا في إمكان كون الإجازة كاشفة عن النقل من حين العقد. وأما كونها كاشفة كذلك فيدل عليه مع ذهاب المعظم اليه بعض الأخبار التي : منها ـ صحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي أجاز فمات للزوجة الغير المدركة حتى تدرك وتحلف ، ضرورة أن العزل لها قبل النقل إليها مخالف لقاعدة تسلط الناس على أموالهم فإطلاق الحكم بالعزل منضما الى عموم : الناس مسلطون على أموالهم يفيدان العزل لاحتمال كون الزوجة الغير المدركة وارثة في الواقع فكأنه احتياط في الأموال قد غلبه الشارع على أصالة عدم الإجازة كعزل نصيب الحمل وجعله أكثر ما يحتمل هذا.

وقد بقي الكلام في الثمرات التي ذكروها بين القول بالنقل والقول بالكشف وعلى الكشف بين جميع محتملاته ، وقد سبقت الإشارة إلى بعضها إجمالا ، فنقول :

تظهر الثمرة في جواز التصرف وعدمه من الأصيل حيث يكون أحد الطرفين فضوليا ، والكلام فيه مرة في تصرفه فيما انتقل اليه وأخرى في تصرفه فيما بينهما.

اما الأول فقد قيل : إنه لا كلام في عدم جواز التصرف فيه على كل من القولين بالنقل والكشف بجميع احتمالاته الا على القول بشرطية التعقب مع العلم به على الأقوى من جوازه ظاهرا وواقعا.

وأما الثاني فيجوز التصرف فيه مطلقا على النقل وعلى الكشف الحقيقي أيضا ، بناء على حدوث الملك من حين الإجازة منبسطا الى حين العقد ، لكونه على التقديرين تصرفا في ملكه ظاهرا وواقعا ، ولا يجوز ظاهرا وان جاز في الواقع على الكشف الحقيقي مع كون الإجازة شرطا متأخرا كاشفة عن حدوث والملك من حين العقد لا من حينها أو كون التعقب شرطا مقارنا مع عدم العلم به للأصل فيهما في مرحلة الظاهر ووقوعه في ملكه

٣١٩

واقعا حيث انكشف بلحوق الإجازة ومع العلم بلحوقها جاز التصرف مطلقا على التعقب قطعا كما عرفت. وعلى الشرط المتأخر مع الكشف عن حدوث الملك من حين العقد أمكن دعوى المنع عنه لاحتمال موضوعية الكشف بالإجازة عن حدوث الملك من حين العقد وهو بعيد جدا وان نسب الى ظاهر الأكثر. وقد تقدم إمكان حمل إطلاقهم المنع على الغالب من عدم العلم بلحوق الإجازة والظاهر اتحاد حكم الشرط التعقب أو الإجازة المتأخرة والكشف عن حدوث الملك من حين العقد منعا وجوازا في صورتي العلم باللحوق وعدمه في مرحلة الظاهر والواقع. ويحتمل التفصيل بينهما. بل يمكن دعوى جريان ذلك كله فيما انتقل إليه أيضا لوحدة المناط فيه وفي المنتقل عنه ظاهرا.

واما الثمرة بين الكشف الحكمي الذي مرجعه الى انبساط مجرد الحكم وترتب آثار الملك من حين العقد وان حدث الموضوع وهو الملك من حين الإجازة وبين غيره من الأقوال ، فلا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا.

هذا وربما علل منع الأصيل عن التصرف فيما انتقل عنه على القول بالكشف بجميع معانيه بأمور :

الأول لزوم الضر المنفي آية ورواية على من انتقل اليه.

الثاني جعل الأصيل ماله عرضة النقل عنه ولو إلي بدل وكل ما كان كذلك لا يجوز التصرف فيه للقاعدة المستفادة من استقراء الموارد الجزئية التي روعي فيها احتمال استحقاق الغير له من غير ملاحظة أصل العدم في ذلك التي منها العزل لأكثر النصيبين في الحمل ، ومنها عدم دفع تمام المال للوارث مع احتمال وجود وارث أخر معه إلا مع الانحصار المحرز بعد الفحص ، ومنها الوقف المردد بين الترتيب والتشريك بين الطبقات مع ان الأصل عدم استحقاق اللاحقة الزيادة مع الاولى ، ومنها عدم جواز التصرف

٣٢٠