بلغة الفقيّة - ج ٢

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٥

 

__________________

وجعلها لنفسه وليس المدعى ان كل معاوضة تصدر من الغاصب فيما لو قصدها لنفسه قابلة للتصحيح بالإجازة ولو لم تكن مسبوقة بالادعاء والبناء المذكور. ويكفي القائل بالتصحيح الإيجاب الجزئي واختصاصه بالمعاوضات الصادرة من الظلمة والسراق وأهل النهب والغارات ومن كان من قبيلهم ولا مضايقة عن البطلان وعدم قابلية التصحيح بالإجازة في المعاملات الصادرة من غير هؤلاء من الغصاب ممن يقصد دخول الثمن في ملكه في قبال خروج المثمن من مالكه المغصوب منه المال. ثم ان الإجازة من المالك لبيع الغاصب فيما لو باع لنفسه إمضاء لنفس المبادلة بين المالين الواقعة منه دون ما قارن ذلك من البناء والادعاء غير المبنى على أساس شرعي فتكون على هذا كالإجازة الصادرة من المالك لبيع الفضولي المعتقد اشتباها كون المال له. وعلى هذا فالإجازة تقتضي دخول الثمن في ملك من خرج المثمن من ملكه وهو المالك دون ما قصده الفضولي اشتباها أو بناء وادعاء الملغى ذلك شرعا. فاتضح الأمر وارتفع الاشكال من ناحية الإجازة كما ارتفع من ناحية قصد المعاوضة الحقيقية.

هذا حكم من باع مال غيره لنفسه مع اجازة المالك البيع له وانه انما يصح فيما لو اعتقد البائع ان المال له اشتباها وفيما لو بنى على كونه له ادعاء دون ما إذا لم يسبق منه اعتقاد أو بناء وادعاء ، وأما من اشترى بماله لغيره شيئا ، فتارة يكون الداعي والباعث للمشتري في اشترائه المال ان يجعله للغير بعد الشراء بنقله إليه بمعاوضة أو هبة مجانية فهو باشترائه المال قاصد للمعاوضة الحقيقية إذ هو قاصد نقل الثمن منه الى ملك مالك المثمن عوضا عما يدخل في ملكه من مالك المثمن ، ولا إشكال في ذلك واخرى يقصد المشترى باشترائه خروج الثمن من ملكه الى ملك مالك المثمن عوضا

٢٤١

 

__________________

عما يخرج من مالك المثمن الى ملك الغير ، فهو غير قاصد للمعاوضة على حقيقتها فإنه قصد خروج المثمن منه الى البائع ودخول المبيع في ملك الغير بدلا عن الثمن الذي خرج منه اليه ، ولا وجه لتصحيحه لا للغير ولا لنفس المشتري اما للغير فلانة خلاف مقتضى حقيقة المعاوضة ، وأما لنفس المشتري فلعدم قصده الشراء لنفسه ، بل قصد الغير به ، ومجرد كون الثمن الذي اشترى به الشي‌ء ملكا للمشتري لا يجعل الاشتراء له قهرا ـ كما يظهر من سيدنا ـ قده ـ فان العقود صحة وفسادا تتبع القصود ، وما ذكره ـ قده ـ من خروج قصد المنتقل عنه والمنتقل اليه عن حقيقة البيع : ان كان المراد به عدم اعتبار قصد البائع المنتقل عنه والمنتقل اليه وتعيينه في حقيقة البيع وأنه يكفي في ذلك قصد خروج المبيع من مالكه الواقعي إلى مالك الثمن وخروج الثمن من مالكه الواقعي إلى مالك المثمن وان لم يعلمهما البائع فعلا ـ كما لو كان وكيلا ـ ولم يعلم بنحو التعيين الموكل له ، فهو مما لا اشكال فيه. ولكنه بحسب الظاهر لا يريد ذلك ، بل مراده كفاية وقوع البيع أو الشراء لشخص وصحته له كون المثمن أو الثمن له واقعا وبلغو قصد البائع أو المشتري خلافه فمن قصد كون البيع أو الشراء لزيد مثلا مع كون المثمن أو الثمن لغيره يلغو قصد كونهما لزيد ، ويقع لمالك المثمن والثمن ، فهو ما ذكرناه من عدم إمكان الموافقة عليه ، ولم يتضح ما نسبه لشيخنا الأنصاري ـ قده ـ : من اختياره في مسألة تعاقب العقود صحة شراء شخص بماله شيئا لغيره ووقوعه لنفسه وان قصده للغير.

وعلى كل فالأقوى بطلان الشراء المذكور فيما لو قصد المشتري بالشراء خروج الثمن من ملكه الى مالك المثمن وخروج المثمن من مالكه البائع إلى الغير بناء على ما اخترناه من مذهب المشهور. نعم بناء على ما ذكره

٢٤٢

 

__________________

ـ القطب والشهيد ـ قده ـ من إمكان تحقق المعاوضة بخروج المال من ملك شخص ودخول عوضه في ملك آخر ، فلصحته وجه. وحكم الأصحاب بالبطلان فيما لو دفع شخص مالا للغير ليشتري به لنفسه شيئا فاشتراه لنفسه وجهه كون الاشتراء المذكور خلاف مقتضى حقيقة المعاوضة واحتمال إرادتهم من البطلان عدم وقوعه للمشتري المأمور بالاشتراء دون الآمر ـ كما احتمله سيدنا ـ قده ـ خلاف الظاهر من حكمهم البطلان.

(فما قواه) سيدنا ـ قده ـ من الحكم بوقوعه للآمر بقوله : وأما وقوعه للأمر فهو محل الكلام بل الأقوى فيه ذلك بل لا حاجة فيه للإجازة لوقوع الاذن منه بل الأمر وان قصد به للغير للغوية القصد المزبور (غير) واضح فان ما وقع من المأمور مصداق خارجي من المبادلة قصد به المأمور اشتراء شي‌ء له بمال الآمر ومرجعه الى كون الثمن الخارج من ملك الآمر الى ملك البائع بدلا وعوضا عما يخرج من ملك البائع إلى ملك المأمور بالاشتراء وإذا كانت المبادلة الخارجية الصادرة من المشترى المأمور باطلة لكونها خلاف حقيقة المعاوضة إذ المعوض فيها لم يقصد دخوله في ملك من خرج العوض من ملكه وهو الآمر بل قصد دخوله في ملك المأمور عوضا عما خرج من ملك الآمر الى مالك المعوض فمع فرض بطلانها على ما قصده المتبايعان كيف يمكن أن تقع وتصح للأمر بإذنه أو إجازته في حين ان موقعها لم يقصدها له وانما قصدها لنفسه ، وهل هي إلا معاملة واحدة خارجية باطلة ، ولا وجه لمقايستها ببيع الغاصب أو المشتبه مال الغير لنفسه أو اشترائه به شيئا لنفسه حيث قلنا : ان تلك المبادلة وان لم تصح على ما قصدها موقعها الفضولي ولكنها قابله للتصحيح بالنسبة إلى المالك بإجازته لها ، وذلك للفرق بين المعاملة التي يوقعها الغاصب أو المشتبه وبين هذه المعاملة الصادرة من المأمور

٢٤٣

 

__________________

باشتراء شي‌ء لنفسه بمال الآمر أو اشترائه لنفسه بلا أمر من مالك الثمن ، وذلك لما ذكرنا سابقا ان الغاصب المتسلط على مال الغير بالنهب والغارة أو السارق له أو نحو ذلك ممن يرى ادعاء ان مال الغير له كسائر أمواله المملوكة له أو المشتبه المعتقد ان مال الغير له نظرا لسبق بنائهما على كون المال لهما وانهما المالكان له فعند إنشائهما المبادلة على ذلك المال يوقعان المعاوضة على حقيقها بعد التنزيل والادعاء أو الاعتقاد والاشتباه فيقصد ان خروج المال من ملكهما بما هما مالكان له الى ملك الطرف ودخول عوضه في ملكهما بدلا عما خرج من ملكهما الى ملكه ، فهي على هذا معاوضة حقيقية مرجعها وتحليلها مبادلة بين مالين لمالكيهما ولما كان بنائهما السابق على العقد لا واقع له ولا أساس له شرعا فيلغو ، ولا يقتضي إلغائه بطلان المبادلة المذكورة المبتنية على البناء المذكور ، وعدم قابليتها للتصحيح من مالك العين بإجازته لها ، فتصح له شأن غيرها من المعاوضات الفضولية.

وهذا بخلاف ما هو محل الكلام وهو اشتراء شخص شيئا لنفسه بمال الغير بأمر منه أو بلا أمر أو اشتراء شي‌ء لغيره بثمن مملوك للمشتري ، فإن المعاملة المذكورة في الصورتين المزبورتين على خلاف مقتضى المعاوضة الحقيقية حيث لم يقصد بها دخول المثمن في ملك من خرج الثمن من ملكه الى مالك المثمن ، فهي على ما قصدها المتعاملان باطلة لما ذكرناه من كونها خلاف حقيقة المعاوضة ولم تكن صالحة للتصحيح بالنسبة إلى المالك للثمن واقعا بإذنه أو إجازته ـ كما قلناه في بيع الغاصب والمشتبه ـ والحاصل ان الغاصب المتغلب والمشتبه انما يبيعان مال الغير لنفسهما بما هما مالكان له ادعاء أو اعتقادا فهما لدى الحقيقة يبيعان مال الغير لمالكه غاية الأمر هما مخطئان في تطبيق المالك على نفسهما فيلغو ما أخطئا فيه من التطبيق ويصح البيع للمالك الحقيقي

٢٤٤

وبالجملة لا فرق بين ما لو اشترى بماله لغيره أو اشترى لنفسه بمال غيره في دخول المثمن في ملك مالك الثمن ، غير أنه في الثاني يتوقف على الإجازة لكونه من الفضولي بخلاف الأول لوقوعه من المالك وان قصد به للغير للغوية القصد المزبور (١)

وبما ذكرنا ظهر الجواب عما لو قرر المنع بوجه آخر وهو أن الإجازة انما هي إمضاء لمضمون العقد ومضمونه غير متحقق بل غير مقصود ، فالمجاز غير واقع والواقع غير مجاز ، وذلك لان الإجازة وان تعلقت بما اشتمل

__________________

بإجازته ، وهذا بخلاف من اشترى لنفسه بمال غيره شيئا فسواء كان الشراء بإذن من مالك الثمن أو بدون اذن منه انما يشتري المشتري ذلك الشي‌ء لنفسه بما هو هو لا بما هو مالك للثمن الذي اشترى به الشي‌ء حتى يكون الشراء لدى التحليل لمالك الثمن ، فيصح بإجازته أو يكتفي باذنه فيما لو كان الشراء باذنه ـ كما يقوله سيدنا ـ قده ـ وإذا لم يصح الشراء لمالك الثمن لكونه غير مقصود بالشراء ولا لنفس المشتري لعدم إمكان دخول المثمن في ملكه عند كون الثمن ملك غيره فلا محالة يقع باطلا غير صالح للتصحيح وكذا من اشترى لغيره شيئا بثمن مملوك له لا للغير فإنه يقع باطلا ولا قابلية لتصحيحه لا لمن قصد الشراء له لكونه غير مالك للثمن ولا لنفس المشتري لكونه غير مقصود بالشراء.

(١) مقتضى ما سبق في التعليقة انه في الصورة الثانية وهي ما لو اشترى لنفسه بمال غيره يمكن تصحيح الشراء لمالك الثمن بإجازته وإلغاء قصد المشتري كون الشراء لنفسه وذلك فيما لو كان المشترى بانيا على كونه المالك للثمن تغلبا وعدوانا أو اشتباها واعتقادا بنحو ما ذكرناه سابقا : من أن اشترائه لدى التحليل يكون لمالك الثمن وقصد نفسه لكونه على غير أساس شرعي يكون لاغيا فمع اجازة مالك الثمن ذلك الشراء يقع له. وأما الصورة الأولى

٢٤٥

عليه العقد غير أنها تؤثر فيما يمكن تأثيرها فيه من وقوع نقل الملك عن مالكه ، ولا تؤثر فيما لا يمكن ذلك فيه من وقوعه لنفسه لقاعدة دخول أحد العوضين في ملك مالك الآخر قهرا ، فالإجازة تؤثر في بعض مضمون متعلقها لا انها لا تتعلق إلا بذلك البعض كما توهم.

هذا ولو أجاز المالك بيع الفضولي لنفسه حسبما قصده ، ففي وقوعه له وجه احتمله شيخ مشايخنا في شرحه على (القواعد) ووجهه ـ كما عن بعض تلامذته ـ مبني إما على دخوله آنا ما في ملك الفضولي لاستلزام وقوعه له مع استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير مالك الآخر لذلك نظير قوله : أعتق عبدك عنى ، أو على تنزيل الإجازة اللاحقة منزلة الإذن السابق مع إنكار لزوم دخول أحد العوضين في ملك مالك الآخر ـ كما عن بعض ـ وفي كلا الوجهين نظر لثبوت الملازمة عقلا بعد فرض المعاوضة بين المالين وعدم الدليل على وقوعه له حتى يلتزم بمحذور دخوله آنا ما في الملك كيف ، والدخول في الملك بدلالة الاقتضاء فرع ثبوت المقدمتين الممنوعة إحديهما في المقام ، ضرورة ان وقوع المقصود بالإجازة حسبما قصد أول الكلام بل محل منع.

ثم ان هيهنا اشكالا على القول بصحة الفضولي (١) وهو ان بيع

__________________

وهي ما لو اشترى المشتري بماله لغيره بان قصد بمعاملته خروج الثمن من ملكه الى مالك المثمن وخروج المثمن من مالكه الى الغير (فدخول) المثمن في ملك المشتري المالك للثمن قهرا وإلغاء قصده كون الشراء للغير (غير) واضح بل الظاهر بطلان المعاملة المذكورة أصلا.

(١) لو باع الغاصب ما غصبه : فبناء على ما ذكرناه من الوجه في بيعه وقابليته للحوق الإجازة من المالك فلا اشكال مع اجازة المالك في انتقال الثمن اليه ولغوية قصد الفضولي كما ذكرنا : انما الكلام أورد البيع

٢٤٦

الغاصب مطلقا ولو لنفسه يعد من الفضولي عند الأكثر ، ومقتضاه على القول بالصحة وقوعه للمالك بالإجازة ومع الرد للمشتري استرداد ما دفعه ثمنا للبائع الغاصب لو رجع المالك عليه بسلعته مطلقا حتى مع علمه بالغصب وبقاء العين بيد الغاصب ، مع ان المنسوب الى ظاهر الأصحاب ـ بل الى نصهم كما في الإيضاح ـ عدم جواز الاسترداد في الصورة المزبورة.

لا يقال : ان الاشكال انما يرد على القول بأن الإجازة ناقلة ، وأما على الكشف فلا

__________________

ولم يمضه ، فهل للمشتري استرجاع الثمن من الغاصب مع علمه بكونه غاصبا ربما يقال بعدم جواز الرجوع به عليه ولو كان موجودا عنده يتوهم أن المشتري ملكه إياه تمليكا مجانيا مع علمه بكونه غاصبا للمبيع ولكنه توهم فاسد إذ المشتري إنما ملك الثمن للغاصب بما هو مالك للمثمن ادعاء وسارق للإضافة وبان على انه مالك له فيكون تمليكه الثمن له عوضا عن ملكيته للمثمن ولم يكن تمليكه له بما انه زيد بن عمرو مثلا بل بما انه مالك للمثمن ، فتمليكه معاوضي ومن هنا لو أجاز المالك المعاوضة ينتقل الثمن اليه بإزاء ما يخرج من ملكه إلى المشتري من المثمن ، وكيف يمكن الجمع بين كون تمليك الثمن للمالك بعنوان المعاوضة على تقدير إجازتها وللغاصب مجانا مع فرض ردها. وهل هي إلا معاملة واحدة وإنشاء بسيط غير صالح لكونه معاوضيا على تقدير ومجانيا على تقدير آخر. ثم لو فرضنا صحة الدعوى المذكورة وان الثمن ملك للغاصب مجانا على تقدير الرد من المالك ، فلا يخرج عن كونه هبة مجانية يجوز للواهب الرجوع بها ما دامت العين باقية ولا يزيد حكمه على حكمها.

وبالجملة فمن البعيد التزام قائل بعدم جواز رجوع المشتري على الغاصب بالثمن مع وجوده عند رد المالك وعدم تنفيذه المعاملة إذ هو لا يرجع الى وجه وجيه ولا بد من تأويل كلام القائل به لو فرض وجوده نعم القول

٢٤٧

لأن الإجازة على تقديره تكشف عن تقدم سبب تملك المجيز وهو العقد على التسليط الموجب لتملك البائع فيكون التسليط منه للبائع من التسليط على مال الغير ولا كذلك على القول بالنقل لسبق التسليط حينئذ على الإجازة التي هي سبب النقل أو جزء السبب فهو حينئذ من التسليط على مال نفسه.

لأنا نقول : ان المعاوضة ان لم تكن مقصودة فلا صحة حتى تؤثر الإجازة في عقدها لزوما فلا يجدي حينئذ في تملك المجيز سبق العقد على التسليط ، وان كانت مقصودة لم يكن التسليط للبائع مجانا ، بل تسليط بعوض ، ومقتضاه جواز الاسترداد على تقدير الرد حتى على القول بالنقل. ولعله

__________________

بعدم ضمان الغاصب بدل الثمن لو تلف عنده بلا تفريط وانه ليس للمشتري تغريمه كما نسب الى بعض موجه إذ هو من صغريات : ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، فإن المشتري مع علمه بكونه غاصبا وأنه غير مالك للمثمن حقيقة سلطه على الثمن تسليطا مجانيا لكونه عالما بان عوضه لا يخرج عن ملكه بل من المالك على تقدير الإجازة وتسليطه إياه وان كان معاوضيا كما ذكرنا ، ولكن لما لم يكن عوضه من الغاصب بل من المالك ، فهو بالنسبة إلى الغاصب تسليط مجاني والحاصل أنا وان قلنا ان تسليط مالك الثمن للغاصب على ماله تسليط معاوضي ومن هنا قلنا بجواز استرداده لو كان موجودا عند ردّ المالك المعاملة وعدم إمضائها ، ولكن حيث لم يضمن الغاصب الثمن لمالكه الا بان يدفع اليه عوضه المملوك له ادعاء وهو مال المغصوب منه حقيقة فهو لم يضمنه على ان يدفع اليه عوضه من ماله الحقيقي فهو بالنسبة إليه تسليط مجاني. وليس كسائر المعاوضات الفاسدة مما يكون تسليط المشتري للبائع على الثمن بإزاء عوضه المجعول له عند إنشاء المعاوضة من ملك البائع فهو ضامن للثمن لكون ذلك من صغريات أصل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

٢٤٨

يأتي تمام الكلام فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ في مسألة تعاقب الأيدي.

ثم ليعلم انه لا فرق في صدق الفضولي وصحته ـ على القول بها ـ بين كون المعقود عليه عينا خارجية للغير أو كليا في ذمة الغير ـ ثمنا كان أو مثمنا ـ غير أن تعيين الذمة وتشخيصها كما يكون بالإضافة كقوله : بعتك قفيزا من الحنطة في ذمة زيد بكذا أو بعتك كذا بدرهم في ذمة زيد كذلك يتعين مع عدمها لمن قصد العقد له لتوقف ذلك على كون الثمن أو المثمن في ذمته حتى يتحقق المعارضة له ، ومع اختلاف القصد والإضافة كما لو قصد البيع لنفسه بمال في ذمة الغير أو للغير بمال في ذمة نفسه وقع لمن أضيفت الذمة إليه دون من قصد البيع له تقديما للتعيين بالإضافة على التعيين بالقصد لكون المعاوضة بينهما من تعارض النص والظاهر لصراحة النسبة بالإضافة وظهورها بقصد الوقوع له الناشئ من استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير مالك الآخر فيلغو هنا قصد المنتقل عنه والمنتقل اليه ، كما عرفت لغويته لو كان شخصيا مع قصد المعاوضة لغير مالكه ، حينئذ فإن أجاز صاحب الذمة وقع العقد له وان رد بطل رأسا مطلقا سواء كان تعيين الذمة بالإضافة أو بالقصد خلافا لبعض في الأخير (١) وهو مشكل إن

__________________

(١) بيع الكلي في ذمة الغير فضولا أو الاشتراء له كذلك يكون : تارة بإسناد البيع أو الشراء اليه صريحا كقول الفضولي للأصيل : بعتك منا من الحنطة في ذمة زيد ـ مثلا ـ بكذا أو اشتريت منك منا بكذا درهم في ذمة زيد ، واخرى يكون صرف ذلك الى الغير بمجرد القصد والنية من دون ذكر لذلك باللفظ في متن العقد. أما في صورة الإضافة إلى الغير صريحا ، فلا إشكال في كونه من الفضولي فيصح مع اجازة من أضيف اليه ويبطل مع رده وأما في صورة مجرد القصد والنية ، فالمنقول عن جماعة من أصحابنا ـ قدس سرهم ـ ان العقد المذكور يصلح ان يكون للمنوي

٢٤٩

أريد وقوعه له في الواقع. وان أريد به الحكم الظاهري لإطلاق الذمة مع عدم إضافتها للغير كان له وجه ، وان أمكن الخدشة فيه لأنه مما لا يعلم إلا من قبله فالقول قوله بيمينه ومقتضاه البطلان رأسا برد من قصد له لا وقوعه للعاقد ولا ظهور اللفظي فيه حتى يكون متبعا في إفادة مدلوله : بل هو من ظهور حال المعاملة ولا دليل على اعتباره والتعبد به فتأمل.

__________________

من حيث القصد والنية فيصير عقدا له ، ويلزم به بعد الإجازة منه ولو رده يقع عن المباشر واقعا ، ويلزم به ما لم يصدقه طرفه بنيته ، والا فيبطل ولا يلزم المباشر الالتزام به لا واقعا ولا ظاهرا.

والحاصل انهم فرقوا بين اسناد العقد الى الغير صريحا ، فيحكم بالصحة مع الإجازة ، وبالبطلان مع الرد ، وبين صرفه الى الغير بالنية ، فيحكم بصحته على كل تقدير عند عدم تصديق طرفه بنيته ، فيصح من الغير ، ويلزم بمضمونه مع أجازته للعقد ومن المباشر له مع رده للعقد ، ويكون لازما من ناحية المباشر واقعا حينئذ لا الحكم بنفوذه من المباشر ظاهرا لإطلاق الذمة الظاهر في ذمته مع عدم إضافتها إلى الغير ليخدش فيه بأنه مما لا يعلم الا من قبله فالقول قوله بيمينه ، ومقتضاه البطلان يرد من قصد له لا وقوعه للعاقد ـ الى آخر ما ذكره سيدنا الخال.

نعم يمكن ان يخدش في ذلك بأن نية الغير : ان كانت مؤثرة في صرف العقد اليه فلا وجه للفرق بينها وبين الإضافة إلى الغير صريحا ، وان لم تكن مؤثرة في ذلك فلا وجه لصلاحية اسناد العقد الى الغير المنوي لكون المفروض إلغائها وعدم تأثيرها في شي‌ء.

هذا ويمكن توجيه ما افادوه بما ذكرناه في بعض تعليقاتنا من ان البيع الذي هو تبديل طرف الإضافة بمثله من إضافة أخرى لآخر ، إذا أنشأ بالعقد الواقع من المتبايعين فالمنشأ به معنيان : أحدهما ـ بالمطابقة وهو تبديل

٢٥٠

هذا وقد يختلج بالبال في المقام اشكال ، وهو ان تعيين الذمة في الثمن الكلي من مشخصات الثمن يختلف باختلافها ولذا يبطل لو باع بدرهم في ذمة ما أو في ذمة من يجيز وحينئذ فإن قصد البائع ذمة المشترى وقصد المشتري ذمة غيره اختلف الثمن باختلاف الذمة وهو يقتضي البطلان مطلقا وان أجاز من قصده المشتري ، وانه كما لو قصد البائع البيع بالثمن الشخصي وقصد المشترى وقوع غيره ثمنا مع أنهم بنوا ـ هنا وفي فروع المضاربة ـ على وقوعه للغير إن أجاز وإلا فللمشتري مع ان القاعدة تقتضي في ذلك بطلان العقد.

__________________

المبيع بالثمن وثانيهما بالالتزام وهو التزام كل من المتبايعين لصاحبه بما أوجده من التبديل. ومن هنا سمي إنشاؤهما عقدا ، فإنه العهد المؤكد نظوا لالتزام كل منهما وتعهده لصاحبه بخروج ما يملكه من المثمن أو الثمن عن ملكه ودخوله في ملك الآخر بإزاء ما يخرج من ملك صاحبه اليه ، وبالعقد الواقع منهما يملك كل منهما التزام الآخر ويتسلط عليه بنحو لا يجوز لكل منهما رفع اليد عن التزامه الا برضا صاحبه ومنه تطلق الإقالة التي هي رفع كل منهما يده عما يملكه من التزام صاحبه فيرجع كل من التزامه وليست الإقالة بيعا كما ربما يتوهم وانما هي رفع الالتزام من كل من المتبايعين ومنه يظهر أيضا وجه الخيار المجعول شرعا أو من المتعاقدين لأحدهما أو لكل منهما فإنه ملك من له الخيار التزام نفسه والتزام الآخر فيما لو كان الخيار لأحدهما فيصح له الرجوع عما التزمه لصاحبه المعبر عنه بالفسخ وما لو كان الخيار لكل منهما فان كلا منهما يملك التزامه فله حله فتنفسخ المعاملة حينئذ ويرجع كل من العوضين الى ملك مالكه الأول. ثم ان المشتري للسلعة لو نوى حال الشراء كونه لثالث فمقتضى اسناد الالتزام الى نفسه وكونه طرفا للالتزام العقدي مع البائع كون الشراء له وذمته المشغولة بالثمن إذا كان كليا ولا اثر لصرفه الشراء الى الثالث بالنية ما لم يضفه اليه صريحا.

هذا ولكن يمكن ان يقال : ان الفقهاء في مقام تقسيم البيع بالنسبة الى رأس المال إلى مساومة ومرابحة ومواضعة ذكروا قسما رابعا سموه : بيع

٢٥١

ولكن يدفعه : ان تعيين الذمة انما يعتبر لتحقق معنى الملك لا لتشخيص الثمن الذي هو الدرهم الكلي ، وليس معرفة من عليه الثمن إلا كمعرفة من له الثمن الذي قد عرفت خروجه عن حقيقة البيع لان صاحب الذمة هو

__________________

التولية ، وهو اشتراء شخص سلعة بثمن في ذمته ثم إعطاء ما اشتراه من البائع للغير برأس مال ما اشتراه به بان يقول له بعد علمه بالثمن وما يتبعه من الشرط : وليتك العقد ، فاذا قبل الغير لزمه مثله جنسا ووصفا وقدرا وما يتبعه من شرط فالمشتري للسلعة المالك لالتزام بائعها بالاشتراء منه ينقل ما ملكه بالعقد من الالتزام الى من ولاه العقد ، فيصير هذا الثالث مالكا لالتزام البائع والبائع مالكا لالتزامه كما لو كان هو بنفسه مشتريا من أول الأمر فتشتغل ذمته للبائع بالثمن ويضمنه له في طول ضمان المشتري للسلعة ، فلو رجع البائع عليه بالثمن لا يرجع على المشتري. ولو رجع البائع على المشترى بالثمن يرجع به على من ولاه العقد لان ذمته مخرج لذمته.

إذا تبين ذلك ، فقد يقال : ان مجرد نية الغير في اشتراء السلعة من بائعها وان لم تؤثر في صرف الالتزام الى الغير بل هو الملزم به لطرفه البائع لها ولكن قصد الغير باشترائه يصلح بان يكون بمنزلة إيجاب بيع التولية المفتقر الى قبول الغير فان تعقبه ما هو قبول له من اجازة ذلك الغير لذلك العقد حسب ما لواه انصرف العقد وصح إسناده إلى الغير فيلتزم بما يلتزم به القابل في بيع التولية. وبالجملة فالصادر عن المباشر بقصد الغير له نسبة فعلية الى المباشر وقابلية التحويل الى الغير بواسطة قصده المتوقف على قبوله بإجازته وان رد من قصدت المعاملة له وقعت لنفس المباشر واقعا فما ذكره البعض من الفرق بين اسناد المعاملة إلى الغير صريحا من الصحة مع الإجازة والبطلان مع الرد وبين ما إذا قصد كونها للغير من صحتها على كل تقدير فمع الإجازة تنفذ عن المجيز ومع الرد عن المباشر واقعا له وجه وجيه.

٢٥٢

المالك للثمن في الحقيقة نعم لو كان الثمن الكلي دينا لم يلزم البائع القبول على من قصده المشتري لتفاوت الرغبات بين الذمم في الدين ، وهل يجبر البائع بالخيار دفعا للضرر ، أو يبطل العقد رأسا : وجهان. ولعل الأخير هو الأقوى لرجوعه الى اختلاف الثمن حينئذ ولو باختلاف وصفه فكما ان وصف النقد والنسية موجب لاختلاف الثمن وان كان كليا فكذا يختلف باختلاف من عليه الدين فافهم.

تذنيبان (١) الأول انه هل يجري الفضولي في المعاطاة ، كما يجرى

__________________

(١) قد يقال ان في جريان الفضولية في المعاطاة إشكالا بل منعا أما بناء على إفادتها للإباحة فلكون سهبها المؤثر التسليط المالكي لا تسليط الغير ، فاجازة المالك تسليط الغير هو تمام المؤثر في الإباحة وليس لتسليط الفضولي اى مدخلية في ذلك ، فإن الفضولية إنما هي في مورد يكون فعل الفضولي هو السبب المؤثر واجازة المالك من قبيل الشرط لفعلية الأثر ليتصور النزاع في كونها كاشفة أو ناقلة وأن الأثر المقصود بناء على كون المعاطاة مفيدة للإباحة إنما يترتب على اجازة المالك وهي السبب التام في إباحة التصرفات في العين للأصيل ، ولا يكون لإعطاء الفضولي أثر في ذلك أصلا. وعليه فجريان الفضولية في المعاطاة بناء على الإباحة لا معنى له.

وأما بناء على إفادتها الملكية. فيقال ذكرنا سابقا ان البيع الذي هو تبديل طرف إضافة مالكية بطرف اضافة مثلها لآخر تارة ينشأ بلفظ دال على مفهومه ومعناه كبعت مثلا مما ورد فيه هيئة الماضي على مادة البيع ، واخرى ينشأ بفعل خارجي معنون بعنوان العطاء وبما ان قصد المعطى تمليك ما أعطاه للغير بعوض ما يأخذه منه يتعنون هذا الفعل الخارجي بعنوان البيع ، ويكون مصداقا له ويحتمل عليه البيع بالحمل الشائع الصناعي وتشمله أدلة صحته كآية : أحل الله البيع ، ونحوها أما في صورة إنشاء البيع بالقول فيمكن

٢٥٣

في المعاطاة ، كما يجري في العقود القولية أم لا؟

وتنقيح المسألة موقوف على بسط الكلام فيها على جميع الأقوال في

__________________

أن يلحظ المنشأ فيه باللحاظ المصدري يعنى المبادلة الخاصة من حيث صدورها من فاعلها بحيث تكون جهة الإصدار ملحوظة ويمكن لحاظها بما هي هي بلا جهة إسنادها إلى فاعلها وهي اللحاظ الاسم المصدري والمنشأ بالقول صالح لكلا اللحاظين. ثم ان المعاملة الكذائية لو أنشأها الفضولي فالجهة الصالحة لإسنادها إلى المالك بإجازته هي نفس المبادلة بين المالين من حيث هي هي وهي الجهة الثانية المعبر عنها بالمعنى الاسم المصدري. واما الجهة الأولى الملحوظ فيها حيثية الإصدار من الفضولي ، فهي قائمة به وواقعة منه والإصدار القائم بالفضولي والمضاف اليه لا يصلح إسناده وإضافته إلى غيره ولو كان ذلك الغير مالكا وأجاز. نعم الحيثية الثانية الاسم المصدرية وهي حيثية الوجود والصدور بما أنها مبادلة بين المالين للمالكين تصلح للإسناد إلى المالك بالإجازة وتضاف اليه بها. هذا فيما لو أنشأ البيع بالقول وأما إنشاءه بالمعاطاة فالفعل الخارجي أعني إعطاء المال المقرون بقصد تمليكه للغير بالعوض إذا كان من مالكه كما ذكرنا يتعنون بكونه بيعا ويكون مصداقا خارجيا للبيع ، ويشمله دليل حلية البيع واما العطاء من غير المالك فحيث لم يتحقق به إنشاء بمفهوم البيع ومعناه كالقول ليتصور فيه المعنى المصدري والاسم المصدري فإن إنشاء المعاني والمفاهيم انما يكون بالأقوال لا بالافعال بل لم يكن في المعاطاة إلا فعل خارجي مضاف الى فاعله وموجده وغير قابل لان ينتقل عن موجده الى غيره ، ويستند إليه بالإجازة منه وبالجملة فلا يتصور في المعاطاة موضوع قابل لتعلق اجازة المجيز واستناده اليه بها ، فالحكم بجريان الفضولية في المعاطاة في غاية الإشكال.

لا يقال : المعاملة المعاطاتية مما لا ريب في صحتها من الوكيل ويصح

٢٥٤

المعاطاة وحينئذ ، فنقول : اما على القول بإفادتها الملك المتزلزل فالظاهر جريان الفضولي فيها بناء على عدم كونها معاملة مستقلة بل هي مندرجة في المعاملات الخاصة لشمول ما يقتضي صحته في العقد القولي من عمومات : «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» و «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بناء على أعمية العقود للعقد الفعلي ، بل وجملة الأخبار الخاصة المحمولة على ما هو الغالب من وقوع المعاملات بنحو المعاطاة ولا مانع منه إلا ما يتوهم من حرمة السبب ، وهو الإقباض لكونه تصرفا في مال الغير فلا يترتب عليه الأثر.

مع أنه أخص من المدعى لإمكان فرض تحققها بدون التصرف كما لو كان دينا في الذمة وفرض تحقق الرضا من المالك بناء على أن مجرد الرضا المقارن لا يخرجه عن كونه فضوليا ـ كما هو مذهب غير واحد من الأصحاب لا ملازمة بين الحرمة والفساد كما تقدم وحينئذ فالمقتضي للصحة موجود والمانع مفقود واما على القول بإفادتها الإباحة فالظاهر عدم جريانه فيها لقصور ما دل على صحتها المخالفة للقواعد من إجماع أو سيرة عن شمول الفضولي منها إذ القدر الثابت منهما إفادة المعاطاة الواقعة بقصد التمليك للإباحة المجردة إذا كان من غير الفضولي ومثله الكلام على القول بكونها معاملة مستقلة اللهم إلا ان يستدل عليه هنا بما استدل به على صحة أصل الفضولي من السيرة مع غلبة المعاطاة في معاملاتهم.

الثاني في جريان الفضولي في غير المعاوضات من العقود كالوقوف

__________________

إضافتها واستنادها الى الموكل بوقوعها من الوكيل فالبيع المعاطاتي الصادر من الوكيل المفوض هو بيع للموكل بتوكيله ، فلم لا يكون البيع المعاطاتي الصادر من الفضولي بيعا للمالك بإجازته؟ وما الفرق بينهما؟

فإنه يقال : ليس حكم الإجازة حكم التوكيل ، ولا يقاس أحدهما بالآخر ، فان الموكل إذا وكل شخصا في بيع متاعه وفوض الى الوكيل

٢٥٥

والصدقات وغيرها والعبادات المالية كالأخماس والزكوات والكفارات ، ففي (شرح القواعد لكاشف الغطاء قدس سره) ما لفظه : «وفي جري الفضولي فيما جرت فيه الوكالة من العبادات كالأخماس والزكوات وأداء النذر والصدقات ونحوها من مال من وجب عليه أو من ماله وفيما قام من الأفعال مقام العقود ونحوه ، وكذا الإيقاعات مما لم يقم الإجماع على المنع فيها وجهان : أقويهما الجواز ويقوى جريانه في الإجازة واجازة الإجازة ، انتهى.

قلت : وقد يشكل القول بصحة الفضولي فيما يعتبر في صحته القربة كالصدقات والوقوف بناء على اعتبارها فيها لأن المتقرب : ان كان هو العاقد فكيف يتقرب بالتصدق بمال الغير ، وان قصد بها تقرب المالك بجعل نفسه نائبا عنه في قصد القربة ، فهو مبني على قبول قصد القربة للنيابة وهو غير معلوم بل معلوم العدم وان قصد النيابة في الإنشاء المتقرب به لقبوله الوكالة بناء على ان ما يصح فيه الوكالة تصح فيه النيابة ففيه منع ثبوت الملازمة ، فإن النيابة منها ما تتوقف صحتها على الاستنابة ومنها ما لا يتوقف على سبق الاستنابة وما نحن فيه من القسم الأول ، فلا تصح فيه النيابة إلا بعد سبق الاستنابة المفقود في المقام

__________________

اختيار المصداق فباعه فمن حين إيجاد البيع بالفعل الذي هو مصداق ـ له كما ذكرنا ـ استند البيع للموكل وصار بيع الوكيل بيعه ، وهذا بخلاف الفضولي إذا أنشأ البيع بالمعاطاة ، فإن الفعل الخارجي فعله وصادر عنه ومضاف اليه وليس له استناد الى المالك وليس له جهة اسم مصدرية يمكن باجازتها إسناده إلى المالك ، فهو فعل الفضولي وبيعه ولا أثر لإجازة المالك فيه. نعم لو قلنا بأن الإجازة من المالك هي السبب المؤثر في الملكية كما قلناه ـ بناء على إفادة المعاطاة إباحة التصرف فتكون الإجازة بيعا مستقلا لا ربط له بعمل الفضولي ، لكنه بعيد عن الصحة.

٢٥٦

وإلا لخرج عن كونه فضوليا وان كان هو المالك عند الإجازة ، فمع ان اجازة الوقف غير الوقف المعتبر فيه القربة لا يجدي قصدها مع تجرد السبب أو شطر منه عنها لان معنى اعتبارها في صحة الوقف اعتبار كونها الداعي له ، فلا بد من اقترانه بأول العمل حتى يكون إيجاده منبعثا عنها فلا يجدي تحققها في أثناء العمل أو بعده بخلاف شرط الرضا فان الشرط تحققه ويكفي في الصحة تحققه متى وجد اللهم إلا ان يدعى انه بالإجازة يصير كالوقف المستأنف كما استحسنه في الشرائع ضرورة ان معنى الوقف وحقيقته انما يتحقق بالإجازة فيكفي اقترانها بالقربة.

هذا وربما يتوهم ان اللازم حينئذ الاكتفاء بنية القربة عند القبض بناء على اعتباره في صحة الوقف لتحقق معناه حينئذ عنده مع معلومية عدم الاكتفاء بها حين القبض إذا تجردت الإجازة عنها. الا انه يدفعه ان القبض ليس مأخوذا في ماهية الوقف وحقيقة معناه وان اعتبر شرطا في صحته بمعنى ترتب الأثر عليه ضرورة ان معنى الوقف هو التمليك بنحو تحبيس العين وتسبيل المنفعة والقبض خارج عنه بالبداهة وان قلنا بتوقف تحقق أثره في الخارج على القبض.

توضيح ذلك : ان معنى الوقف له مراتب في الوجود لأنه : مرة يوجد بالوجود الذهني ، واخرى بالوجود الإنشائي الذي هو أخص من مجرد الوجود اللفظي ، وثالثة أو رابعة بالوجود الخارجي الذي به يتحقق مصداقه ونعني بالوجود الخارجي الوجود الاستقراري المتحقق به أثره ، وإلا فما عدا الذهني منه خارجي أيضا بالمعنى الأعم والموجود الإنشائي هو السبب للموجود الخارجي إذا وجد من مالك الإنشاء بمباشرته أو اذنه أو إجازته وهو الذي يعتبر وقوعه بقصد القربة لا الموجود بالمعنى الأخير والقبض معتبر فيه بالمعنى الأخير.

٢٥٧

وبالجملة فما يوجب منع جري الفضولي في ذلك أو التوقف فيه هو اعتبار القربة في صحة الوقف لا ما قيل : من ان الفضولي على خلاف الضوابط فيقتصر فيه على خصوص ما ورد فيه دليله المفقود في الوقف لشمول عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» له ، وهو العمدة في ثبوت المقتضي للصحة فيه ، لا ما قيل : انه قسم من الصدقة التي ثبت بالنص جوازها من الفضولي في مثل مجهول المالك ونحوه لمنع كون التصدق بمجهول المالك من الفضولي بعد أمر الشارع وإعطائه له ولاية التصدق وانه في الحقيقة نوع إيصال للمال الى مالكه بعد تعذر إيصال العين اليه وان قلنا بالخيار للمالك لو ظهر بين القبول والرجوع على المتصدق ببدله دون المتصدق عليه مطلقا ولو مع بقاء العين عنده. ثم لا فرق بين الوقف بناء على اعتبار القربة فيه وغيره من الصدقات منعا وجوازا للفضولي فيه.

نعم يفرق بين الوقف بعد الإجازة والصدقة بعدها على القول بالبطلان أنه يبطل في الوقف رأسا ولا ينتقل المال عن ملك مالكه بخلاف الصدقة فإنها تبطل صدقة وتصح هبة لاشتراكهما في التمليك المجاني وتمتاز الصدقة بكون التمليك فيها بداعي القربة كما هو الشأن في كل مشترك بين أمرين يكون فصل أحدهما التجرد عن فصل الآخر.

ثم الظاهر ان الإجازة على القول بصحة الفضولي في المقام ناقلة وان قلنا بها كاشفة في البيع ونحوه.

وأما جري الفضولي في الخمس فتصويره فيه : مرة ممن وجب في ماله الخمس ، وأخرى من الأجنبي ، وعلى الثاني ، فمرة يدفعه من مال المالك وأخرى من مال نفسه عنه ، وعلى الأول فمرة يدفعه فضولا قبل العزل واخرى بعده.

وحينئذ فنقول أما الأول فتصويره فيما دفع المالك سهم الإمام إلى مستحقه

٢٥٨

فضولا عن الإمام أو نائبه في زمن الغيبة ، وحكمه حكم الفضولي في الصدقات بناء على ان الدفع إليهم من الصدقة عن الامام (ع) فيجري الخلاف المتقدم هنا صحة وفسادا لأنه فرد منها ، وأما بناء على انهم المصرف لهذا المال فلا مانع عن صحة الفضولي هنا وان قلنا ببطلانه في الصدقات لخروجه عنها بالفرض. وحينئذ فإن أجاز الإمام عليه السلام أو نائبه صح وإلا رجع به الامام عليه لكونه مضمونا عليه بالإتلاف.

وأما الثاني وهو ما لو كان الفضولي أجنبيا : فإن كان المدفوع الى مستحقه من مال المالك وكان ذلك قبل العزل ، فيكون فضولا عن المالك من حيث دفعه عنه من ماله وعن الامام من حيث صرف نصيبه من غير اذنه ، وان كان في مصرفه. وحينئذ ان أجازا معا صح المدفوع خمسا وبري‌ء المالك منه ، وان رد المالك فقط لم يتحقق موضوع لإجازة الإمام عليه السلام لعدم تعيين المدفوع خمسا ، وان انعكس الأمر بأن أجاز المالك ورد الامام (ع) ففي تعيين المدفوع خمسا بالإجازة ، فيرجع الامام على الدافع أو المدفوع له دون المدفوع عنه وعدمه الموجب لبقاء المالك تحت العهدة وجهان مبنيان على شمول دليل التعيين للمالك الى هذا النحو من التعيين الحاصل بالإجازة بعد الدفع الموجب لعرضة المال للتلف بل هو في بعض الصور من تعيين التالف وعدمه ، وعليه فعلى المالك دفع سهم الامام له لبقائه في عهدته ويتخير المالك ، وان أجاز في الرجوع على الفضولي أو المدفوع له لكون الخمس عنوانا للمدفوع لا داعيا للدفع فالحيثية تقييدية لا تعليلية كما لو دفع مالا للغير بعنوان الوفاء له عن دينه فانكشف عدم الدين فلا يتوهم في المقام انه يبطل خمسا ويصح هبة كما في الصدقة ، مع احتمال عدم رجوعه على الدافع بناء على سقوط الضمان عنه بالإجازة ، كما لا يدخل بالإذن في ضمانه ، وان كان بعد العزل فلا رجوع للإمام على

٢٥٩

المالك لتعيين المعزول خمسا ويده عليه أمانة ، بل يتخير الامام بين الرجوع على الدافع الفضولي أو المدفوع له ، فان رجع عليه رجع هو على الدافع للغرر ، على الأقوى ، كما انه لو رجع على الدافع لم يرجع الدافع على المدفوع له مع تلف العين لكونه غارا على القواعد في مسألة تعاقب الأيدي ، وان كان الفضولي أجنبيا ودفع من مال نفسه خمسا عن المالك لم تبرأ ذمة المالك وان دفعه الى الحاكم لان ذلك من العبادات المالية التي لا يتحقق امتثالها بدفع المتبرع إلا أن يكون بالوكالة عنه ، وقياسه بالدين الذي وفاؤه من التوصليات قياس مع الفارق.

نعم ربما يظهر (من المسالك) في زكاة الفطرة في تبرع الموسر عن الضيف الصحة مع توقفه على اذنه الظاهر في إرادة الإجازة منه حيث قال : «ولو تبرع الموسر بإخراجها عنه ، ففي الإجزاء قولان وجزم الشهيد بعدمه ، وهو حسن مع عدم اذن الضيف ، وإلا فالإجزاء أحسن» انتهى ، مع قوة احتمال إرادة الإذن السابق على الدفع بحمل بالاذن عند ارادة التبرع كقوله تعالى «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ» من (إذا قرأت القرآن) مؤيدا بظهور لفظ الاذن فيه ، وإلا فالإذن اللاحق يعتبر عنه في كلامهم بالإجازة.

هذا كله في الخمس ويجرى مثله الكلام في الزكاة والكفارات.

وأما جريانه في الوصية ففي (الدروس) ما لفظه : «ولا تصح الوصية بملك الغير ولو أجاز الغير احتمل النفوذ». انتهى وفي (جامع المقاصد) في شرح قول مصنفه : ولو أوصى بالمشترك صح في نصيبه لاختصاصه به قال : «لا فرق في ذلك بين أن يوصي بجميع المشترك أو بقدر نصيبه في انه إنما يصح في نصيبه لاختصاصه به بخلاف البيع ، فإنه لو باع الجميع وقف في ملك الغير على الإجازة ،

٢٦٠